روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الخامس 5 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الخامس 5 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الخامس

رواية خطايا بريئة البارت الخامس

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الخامسة

التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون , لذا تغافل مره وتغابى مرتان.
وليم شكسبير
—————
جلست على طاولة الطعام دون ان تنبس ببنت شفة فقط تعبث بطبقها دون ان تمسسه ، اجفلها سؤال والدها ما ان جلس بِجوارها :
– ما روحتيش الجامعة ليه معندكيش محاضرات ولا ايه ؟؟
رفعت فيروزتها له وأخبرنه بإقتضاب وبملامح واجمة :
-مش عايزة مليش مزاج ومتفقة مع “منه “هقابلها في النادي
تنهد “فاضل “بعدما أزعجه بهوتها وأخبرها بحنو وهو يربت على يدها الآخرى المسنودة على الطاولة:
– متزعليش مني إني اتعصبت عليكِ انا عايز مصلحتك وخايف عليكِ يا “ميرال” أنتِ بنتي الوحيدة وحالك مش عاجبني
حانت منها بسمة هازئة وأخبرته وهي تستند بأريحية أكثر على مقعدها وتربع يدها :
– بأمارة أيه يا بابي !
جعد أبيها حاجبيه وسألها بعدم فهم :
– يعني ايه ؟
أجابته بتهكم تقصدته :
– تعرف ايه عني وعن حياتي تعرف أيه عن اللي بيريحني وفعلًا في مصلحتي ……..
أجابها والدها بنفاذ صبر وهو ينظر بساعة يده :
– حبيبتي ممكن نأجل الكلام ده لبعدين أنا متأخر
هزت رأسها ببسمة متألمة وأضافت بإحتياج شديد :
– على فكرة انا اهم من شغلك ومن حقي اتكلم معاك ….. واحس بوجودك في حياتي ……
تنهد والدها وبرر ببراءة :
– حبيبتي كل اللي بعمله ده ليكِ ولمستقبلك وللأيام الجاية
نفت برأسها بأعصاب تالفة وصاحت بيأس تملك منها :
– أنا اللي ليا النهاردة وميهمنيش الأيام الجاية …..مش يمكن متجيش و مبقاش موجودة ومفرقش مع حد
=يالهوي بعد الشر عليكِ ليه بس بتقولي كده ياست البنات!!
قالتها “مُحبة” رئيسة الخدم وهي تدلف لتوها تحضر لها كوب من عصير الأفوكادو التي تفضله
ليؤيدها والدها :
– تعالي شوفي الكلام الفارغ ده يا “مُحبة” وعقليها
لتعقب” مُحبة “بحنو حقيقي وهي تضع الكوب الذي بيدها على الطاولة :
– ربنا يخليكِ ويحفظك بلاش تفولي على نفسك يا ست البنات
تنهدت” ميرال” وردت :
– لو فعلًا زي ما بتقولي يا دادة يسمع كلامي ويعمل اللي يريحني
دافعت “مُحبة ” بِعشم:
– ده أبوكِ يتمنالك الرضا ترضي يا بنتي مش كده برضو يا “فاضل” بيه
هز والدها رأسه يؤيد حديثها وتأهب لابنته وهو يحسها بنظراته أن تخبره بما تريد
لتتلعثم هي بنبرة شبه راجية :
– انا محتجاك يا بابي ومحتاجة وجودك جنبي …..تعالا نسافر أي حتة ونغير جو سوا
تحمحم والدها يجلي صوته وقال بنبرة آسفة :
– حبيبتي أنا مش فاضي حاليًا وكمان “دعاء” عندها شغل واجتماعات في الجمعية ممكن نأجل الموضوع ده شوية أكون استعديت ، بس لو مخنوقة ومش عايزة تصبري ممكن تاخدي صحابك ودادة “مُحبة “علشان تاخد بالها منك وتروحي المكان اللي يريحك ومتقلقيش كل مصاريفكم عليا
شعرت بالحزن كونه لم يقدر إحتياجها وفضل ان يعوضها بطريقته التي يظنها هو كفيلة أن تعوضها عن كل شيء حتى حاجتها له ولأهتمامه
لتنكس رأسها وتركز نظراتها الحزينة على طبقها مما جعل “مُحبة” تتطلع ل “فاضل ” بضيق وبعدم رضا وتعاتبه بصوت خفيض للغاية :
-ياريت هم الدنيا كله فلوس يا بيه
لم يهتم بتمتمتها بل أشار لها ان تنصرف وبالفعل أنسحبت وعادت للمطبخ لتباشر الخدم تزامنًا مع نزول “دعاء “زوجة ابيها والقائها تحية الصباح عليهم وجلوسها على طاولة الطعام بجانب ابيهاوهي تسدد له نظرة ذات مغزى التقطها و قال بتعجل وهو ينهض من مقعده ينوي المغادرة :
– كلام أمبارح يتنفذ بحذافيره ومش عايز استهتار …………عربيتك خدوها تتصلح الصبح تقدري تاخدي أي عربية من الجراچ عم “مؤنس” عنده ظروف و وأخد أجازة” دعاء” اتصرفت و جابت واحد ينوب عنه عقبال ما يرجع، هو شاب محترم وانا اتأكدت من هويته بنفسي عايزك تعامليه كويس وانا بلغته بكل المطلوب منه
أومأت له بطاعة دون أي مجادلة وكانها فقدت شغف الحديث من الأساس ليغادر والدها وإن كادت تنهض هي الآخرى كي تغادر باغتتها “دعاء” ببسمة متشفية :
– برافو يا “ميرال” لازم تسمعي كلام باباكِ هو عايز مصلحتك
حانت منها بسمة هازئة فتلك ال “دعاء” قد تعدت حدودها معها وتمادت على الأخير ولابد من ردعها :
– اوعي تفتكري إني مش عارفة أنتِ بتحاولي تعملي أيه
ولأخر مرة بحذرك بلاش تتدخلي بيني وبين بابي ، أنا سكوتي ده مش ضعف مني وأنتِ عارفة كده كويس أنا بس بكبر دماغي و بحاول اتغابى علشان بابي شيفاه مبسوط معاكِ لتنحني منها وتضيف بمغزى جعل نظرات الآخرى تزوغ وتتوجس خِيفة منها :
– أنتِ عارفة إني لو حطيتك في دماغي هتخسري كتير يا “دعاء” فياريت تبطلي تدخلي في اللي ملكيش فيه
لتعتدل بوقفتها وتسحب حقيبتها وتخرج تاركة “دعاء” تستشيط غضبًا منها فهي تعلم انها ليست هينة ولكن تتغافل ليس أكثر
——————
-تجنن يا “طارق”
هتفت بها في حماس شديد مما جعله يرد بِسعادة :
= عجبتك يا “نادو”
أومأت برأسها تؤكد ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب ، فحقًا اعجبتها تلك الشقة الواسعة ذات الأثاث العصري الراقي وتلك الألوان الهادئة المحاطة بها ، ليستطرد “طارق ” :
– الشقة دي هتشهد على حبنا يا “نادو”
انا جهزت كل ركن فيها وأتمنيت من قلبي انها تعجبك
تنهدت في عمق وقالت وهي تنظر لمحيط المكان :
– بس ليه قريبة من البيت كده انا كنت عايزة ابعد
أجابها بعيون مسبلة وهو يقترب منها بِحرص ويرفع يده يحاول أن يتلمس وجهها :
– انا قولت كده احسن علشان نعرف نتقابل براحتنا في اي وقت متاح ليكِ
أزاحت وجهها بعيد عن لمساته ثم أبتعدت عنه عدة خطوات و ضحكت بصخب جعله مشدوه ثم تمتمت بغرور لا مثيل له :
– نتقابل ….وهنا …..ومين قالك إني هرضى…. يظهر أن دماغك راحت بعيد يا “طارق ”
قلص المسافة التي صنعتها وتمسك بيدها قائلًا بنبرة يحفها الرجاء:
= “نادو “أنتِ عارفة إني بحبك ونفسي اتأكد أنك انتِ كمان بتحبيني ومفهاش حاجة لما نتقابل هنا بدل ما بنبقى خايفين حد يشوفنا
حانت منها بسمة ماكرة لأبعد حد وأجابته بدهاء وهي تنفض يده دون أي تهاون :
– يبقى بلاها خالص…… مش لازم نتقابل من الأساس
زفر بقوة من فعلتها ثم نفى برأسه برفض وقال بتراجع :
– لأ مقدرش يا “نادو “…..ده انتِ بتوحشيني وانا معاكِ
مررت يدها بخصلاتها وردت بكل غرور وبنبرة تقطر بالدهاء :
– يبقى متحاولش ………وبلاش حركات المراهقين دي معايا وأحترم ذكائي …………
أمتعض وجهه وشعر بالضيق الشديد من حديثها فلم تجرأ أنثى من قبل على ان تراوغه هكذا وتتجاهل مشاعره لذلك الحد فطالما كان هو من يتجاهل ويسخر واحيانًا يترك ،ولكن معها كل شيء مختلف فهي قوية صعبة المنال والأنكى من كل ذلك واثقة حد الجحيم وذلك حقًا ما يآسره بها ، نفض أفكاره سريعًا وسألها بترقب شديد لعلها تبث به الأمل:
– طيب على الأقل قوليلي حقيقة مشاعرك ليا أنتِ عمرك ما قولتيلي انك بتحبيني
نظرت له نظرة ساحرة جعلته يظن انها ستجيبه وتريح قلبه ولكنها تشدقت قائلة وهي تتوجه لباب الشقة :
– انا هتأخر …..لازم توصلني للجامعة تاني علشان “يامن” هايجي ياخدني من هناك
زفر بِضيق ومرر يده في خصلاته بعدما هدمت هي آماله وتجاهلت سؤاله لا والأنكى انها تفوهت بأسم ذلك الغبي امامه مما جعله يشعر ان قلبه يتأكل من شدة غيرته ولكن ماذا يفعل هو ليس بيده شيء سوى الأنتظار ليفوز بها
————————-
وقف ينتظرها أمام الحرم الجامعي بطلته الرجولية المبهرة ، يستند على مقدمة سيارته واضع يده بجيب بنطاله ويخفي حبات قهوته بنظارة شمسية عريضة زادته جاذبية على جاذبيته ، زفر بنفاذ صبر وهو يتطلع لساعة يده فقد
تأخرت اليوم على غير عادتها، لمح “نغم” من بعيد ولوح لها ببسمة هادئة، لتقترب منه بتوتر وهي تضم كُتبها لحضنها وتهمهم مُرحبة :
– اهلًا يا استاذ” يامن” أزي حضرتك
= تمام الحمد لله …..قوليلي فين “نادين” اتأخرت ليه كده النهاردة ؟؟
– هاااااا ……أصل …..”نادين” ……
كانت تتلعثم بشكل ملفت جعله يتوجس قائلًا:
– حصل حاجة يا” نغم” ؟؟
نفت برأسها وكادت تخترع له كذبة ملائمة ولكنها حمدت ربها انها وجدت “نادين” تقترب وتقول بثقة أجادتها :
-Sorry
كُنت في المكتبة ومأخدتش بالي من الوقت
زفرت “نغم “بأرتياح بينما هو أومأ لها بملامح جامدة دون تعبير يذكر وعرض على” نغم “مجاملًا :
– تعالي هنوصلك
لترد وهي تتناوب النظرات بينهم :
– لأ انا هاخد تاكس
ليصر هو :
– انا قولت هنوصلك يلا مش عايز اعتراض متبقيش شبه صاحبتك
لتتذمر “نادين “:
– ومالها صاحبتها مش عاجباك ولا ايه ؟
زفر أنفاسه دفعة واحدة وهو ينزع نظارته ورشقها بنظرة حادة قبل أن يصعد للسيارة فأخر ما ينقصه هو الجدال معها مرة آخرى ،لتنكزها “نغم” بذراعها و وبختها بصوت خفيض للغاية :
– اتكلمي عدل هو مايقصدش حاجة
ويلا أمري لله هاجي معاكم إلا تقتلوا بعض في السكة ليصعدوا للسيارة ايضًا غافلين عن ذلك الذي يتتبعهم بعينه منذ بادئة الأمر بقلب يتأكله من شدة غيرته
————————–
استقلت السيارة واغلقت بابها بقوة وأمرت السائق بعصبية مفرطة :
– وديني النادي
أومأ له السائق في طاعة وشرع بالقيادة دون أي حديث فقط صب كافة تركيزه على الطريق تنفيذًا لأوامر رب عمله الصارمة ولكن ماذا يفعل بفضوله الذي جعله يرفع بندقيتاه و يسترق النظرات لها من خلال مرآته الأمامية، لاحظ انها ليست على ما يرام فكانت ملامحها واجمة بشدة وتهز قدميها بتوتر شديد أشعره بالريبة ولكنه لم يهتم فما شأنه هو ليعود من جديد ويصب كافة تركيزه على الطريق ، بينما هي كانت حالتها ترثى لها تفرك جبينها وكأنها تحاول أن تجاهد شيء ما برأسها فحقا سأمت من تجاهل الجميع لها وشعورها الدائم كونها غير مرغوب بها ، زفرت بقوة بعدما شعرت ان كافة مقاومتها قد ذهبت ادراج الرياح وانها حقًا بحاجة ماسة لوسيلة تنتشلها من ذلك الواقع المرير وتوقف ضجيج رأسها، سحبت حقيبتها بأيدي مرتعشة وظلت تبحث بداخلها بعصبية مفرطة ولكن لم تجد ضالتها لتلعن تحت انفاسها بقوة وتصرخ آمرة :
– لف وارجع ……..عايزة اروح الدقي
جعد حاجبيه الكثيفين مستغرب وسألها بتوجس :
-تحت أمرك ……..بس هو حضرتك كويسة
وضعت خصلة من شعرها خلف اذنها وهدرت منفعلة وبأعصاب تالفة :
-أنت هتحقق معايا ملكش فيه وتسوق وأنت ساكت
زفر انفاسه غاضبًا وقد اشتدت عروق يده الممسكة بعجلة القيادة وتمتم بغيظ :
– بداية مشرقة بالتفاءل ….شكلي مش هعمر في الشغلانة دي زي اللي قبلها …
ألتقطت حديثه وقبل ان تتفوه بشيء كان هو يضغط على مكابح السيارة بقوة و يعود أدراجه محدث فوضى عارمة بالطريق لتصرخ هي به :
– انت اتجننت بتعمل ايه ؟؟
أجابها بكبرياء وبصوت أجش :
– هرجع جنابك للقصر واسلم مفاتيح العربية لوالدك الله الغني عن شغلنتكم
زفرت بقوة وقالت بنبرة شبه راجية كي تلاحق الأمر لكي لا يغضب ابيها ويمنعها من الخروج كليًا :
– اسمع انا مش قصدي انا بس مضايقة و عمري ما اتعصبت على حد بيشتغل معانا
أعجبه جملتها الآخيرة وشعر انها ليست متعالية كما يظهر عليها ليلتفت لها يطالع تلك الفيروزتان التي تفيض بحزن بَين جعله يصمت هنيهة قبل ان تهمس هي معتذرة :
– أنت شكلك ابن بلد وجدع خلاص بقى
تنهد في عمق وهو يفرك ارنبة انفه وقال بتراجع :
– حصل خير يا انسة انا تحت أمرك ……
= شكراً
اومأ لها برحابة وانطلق بها مرة آخرى بينما هي زفرت بإرتياح واستندت على مقعدها تنتظر أن يوصلها لتجلب ذلك الشيء الذي يساعدها على التحكم في ذمام نفسها
————————-
كانت مغتاظة منه ترشقه بنظرات قاتلة وهو يتجاهلها تمامًا وكأنها غير مرئية بالنسبة له وبالطبع لم يعجبها ذلك ، فقد كان يتبادل مع “نغم” الحديث بكل رحابة دون أي انفعال او عصبية بل كانت بسمته تزين وجهه بشكل جعلها دون قصد تتمعن به بطريقة هي ذاتها تجهل المغزى منها
لتقول” نغم “وهي تشاكسها كي تتبادل معهم اطراف الحديث عوضًا عن سكوتها المقيت ذلك التي لم تتعود عليه :
– انتِ ايه رأيك يا “نادين “؟؟
= هاااااا رأي في أيه ….؟
_ لا ده أنتِ مش معانا خالص !!
زفرت بنفاذ صبر وهدرت :
– “نغم “اخلصي واتكلمي
أجابتها “نغم” :
– انا قولت لأستاذ “يامن” انك تقضي اليوم معايا وهو وافق
نظرت له كي يأكد حديثها ولكنه اكتفى بهز رأسه واخبرها بإقتضاب وبملامح جامدة وهو يركز نظراته على الطريق :
– وبالمرة تجيبي المراجع والكُتب علشان أجبلك زيها
زفرت بغيظ وحولت نظراتها لنافذة السيارة كي لا تزيد الوضع سوءٍ فهو يتعمد ان يتجاهل حديثها و يذكرها بقراره السابق ويثبت لها أن سُلطته هي الأقوى رغم كل ما تفوهت به سابقًا
—————————-
شعر بالريبة من المكان التي طلبت ان يتوقف به وظل يتسأل بسره لماذا اتت لتلك المنطقة الشعبية التي تخالف تمامًا بيئتها ولماذا أصرت ان ينتظرها بعيدًا، تكاثرت الأسئلة برأسه مما جعله يلعن تحت انفاسه ذلك الفضول اللعين فما شأنه هو أنتشله من شروده صعودها للسيارة وقولها :
-تقدر تمشي يا اوسطا
قالتها وهي تدس ما جلبته بحقيبتها خفية ثم ضمتها لصدرها وكأنها تحوي على سبيل راحتها الوحيد بتلك الحياة وإن كادت تسند ظهرها للخلف وتجلس بأريحية أكثر أجفلها صوته الأجش:
= “محمد” …… قالها وهو يلتفت نصف التفاتة جعلها تنتفض بطريقة استغربها بشدة ولكنه كرر موضحًا:
-اسمي” محمد “تقدري تناديني بيه
رمشت عدة مرات ثم هزت رأسها وردت :
-انا “ميرال فاضل”
= اتشرفت بحضرتك يا انسة “ميرال” تحبي اوصلك فين ؟
قالها وهو يعتدل في جلسته ويشعل محرك السيارة ، مما جعلها تجيبه بلا أي شغف وبنبرة كئيبة :
-رجعني البيت
————————
لاتعلم لمَ تشعر براحة عارمة بذلك المنزل ربما لأنه يذكرها بأيام طفولتها او ربما لأن “نغم” هي الشخص الوحيد الذي تبقى على طبيعتها معها وتعود تلك القديمة البريئة التي لا يشغلها شيء
فقد جلست تلاعب خصلة من شعرها الطويل بأناملها وعيناها شاردة بنقطة وهمية بالفراغ لتباغتها “نغم “متسائلة :
– مالك يا “نادين” بتفكري في أيه ؟؟
تنهدت وأخبرتها بتهكم :
– هيكون فأيه يعني أكيد في الحرباية وابنها
= عيب كده يا “نادين” ده جوزك وميصحش تقولي على مامته كده
امتعض وجهها وقلدت طريقتها ساخرة :
-عيب تقولي على مامته كده ….والنبي اتنيلي علشان جبت أخري منه ومن امه
زفرت “نغم” بلا فائدة من تمرد صديقتها وسألتها من جديد بترقب :
– طب مش هتقوليلي كنتِ فين ؟
لتتأفأف هي بعصبية :
– يووووه بقى يا “نغم” قولتلك كنت في المكتبة انسي بقى الله يكرمك دماغي ورمت من أسئلتك مش هيبقى انتِ وهو عليا
لتتنهد “نغم” وتربت على ساقيها قائلة في محبة خالصة لها :
– خلاص مش هسألك تاني …..بس عايزاكِ تعرفي ان “يامن” بيحبك …..أديله فرصة وحاولي تفهميه
أعترضت بعصبية من جديد :
– انتِ ليه مش عايزة تفهمي “يامن” ده لو أخر راجل في الدنيا مستحيل أحبه …..
= ليه بس والله ده حد كويس اوي !!
هزت رأسها بعدم اقتناع وأخبرتها متهكمة :
– حد كويس ….. والذُل اللي بيذله ليا ده تسميه أيه وكبته لحريتي ده اسميه ايه؟؟؟
= هو بيعمل كده علشان خايف عليكِ وصدقيني اللي بيحب بيعمل أكتر من كده
نفت برأسها واسترسلت بنبرة مختنقة وكأن صديقتها دون قصد دعمت ذلك البركان الخامل بداخلها للأنفجار:
– هو خايف على الفلوس مش عليا ….خايف على الثروة العظيمة دي تفلت من تحت ايده
= انتِ بتبصي للأمور من زاوية واحدة يا” نادين” مش يمكن بيحبك بجد ومش عايزك تبعدي عنه
لوحت بيدها بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيها وقالت بحنق:
– عمري ما حبيته ولا عمري هنسى انه مفروض عليا …..وعمري ما هنسى أن امه كانت السبب في موت أمي
تفوهت بأخر جملة وهي تضع يدها على عيناها وجسدها بدأ ينتابه تلك الرجفة المصاحبة لتلك الذكرى المريرة التي تترأى امامها من جديد الآن ولن تقدر على مواجهتها مرة آخرى
أبتلعت “نغم” غصتها وأقتربت منها بينما هي أنكمشت تحاوط نفسها بذراعيها وصرخت بهستيرية ودمعاتها تدفق كالحمم تحرق قلبها قبل وجنتها :
– مش عايزة أفتكر …………مش عااااااايزة
أحتضنتها” نغم” و واستها :
– حقك عليا انا عارفة أنتِ مريتي بأيه وحاسة بيكِ والله مكنش قصدي أفكرك
نفت برأسها وقالت بنحيب قوي يدمي القلب وهي تدفن وجهها بصدر صديقتها :
– لأ محدش عارف أنا مريت بأيه ………محدش حاسس بيا …….كلكم بتهاجموني وبس
= انا مش بهاجمك يا “نادين” أنا بنصحك علشان نفسي تسامحي وتنسي وتبدأي صفحة جديدة
نفت برأسها وهي تشعر انها على حافة الجنون وقالت بنبرة ممزقة لأبعد حد :
-أنا عمري ما هسامحهم ومش هسيبهم يدمروني زي ما دمرو امي أنا هاخد حقي وحق أمي منهم ولو أخر يوم في عمري …..هفضل أكره الست دي وأكره أبنها ….
هزت “نغم “رأسها تسايرها وظلت تمسد على ظهرها كي تهدأ ، لتستكين الآخرى بين أحضانها وكأنها بحاجة لذلك التقارب ولكن دمعاتها كانت لا تنضب بعدما ظل يترأى أمام عيناها من جديد شريط ذكرياتها الأليمة ورغم مقاومتها للصمود إلا أن رغبتها في الأنتقام ظلت تتفاقم بداخلها أكثر فأكثر غافلة أن الشيطان هو من يهيئ لها ان كافة أفعالها ويوهمها انها ليست خطايا فادحة بل هي بريئة مبررة بنية الأنتقام غافلة كون لا يوجد خطايا بريئة فالخطيئة تظل خطيئة مهما تعددت مبرراتها
————————
غابت هي لعدة أيام وتركته يتلوى من لوعته عليها ، فمنذ أخر لقاء جمعهم وما حدث داخل سيارته وهو لا يستطيع التواصل معها ، لا يعلم ما اصابه ولا متى احبها لتلك الدرجة هو كل ما يعلمه أن شيء كالمغناطيس يجذبه لها فهي تتمتع بشخصية قوية ، ناجحة، جريئة ، تعرف كيف تجعله مهوس بها ربما كما يقولون الممنوع مرغوب وكان ذلك القول بمحله تمامًا عندما يتعلق الأمر بها ، انتشله من دوامة افكاره وشروده الذي اصبح ملازم له في الآونة الأخيرة صوتها الناعم وهي تبادر كعادتها المهتمة متغاضية عن عصبيته معها بلأمس :
– هتفضل على الحال ده كتير ؟
نفى برأسه وأخبرها بإقتضاب :
– مالو حالي انا كويس
ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها ثم كوبت وجنته قائلة :
– احكيلي يا “حسن” أيه اللي مضايقك شاركني وبلاش تحمل نفسك فوق طاقتها
انزل يدها بِضيق وتأفأف قبل ان ينهض ويتوجه للشرفة :
-يووووووه عايزاني أقول ايه وانا عارف أن عمرك ما هتفهميني
لحقت به و احاطت خصره من الخلف وطبعت قبلة اعلى ذراعه وهمست بنعومة لا تليق إلا بها :
– والله هفهمك جرب تتكلم مش هتخسر حاجة
انزل يدها وابتعد متذمرًا :
– معنديش طاقة للكلام و لو سمحتِ سبيني لوحدي محتاج اراجع شوية تصميمات
تنهدت بِعمق من حدته الغير مبررة بالمرة بالنسبة لها ولكنها كعادة قلبها اللين ألتمس له الأعزار وهمست بإصرار عجيب لتكسر حالة الكآبة التي هو عليها وتقترح:
– طيب هعملك قهوة …..وهقعد معاك انا بحب اتفرج عليك وانت بتشتغل ونتكلم شوية بعد ما تخلص
لم يشغل باله بأهتمامها وكأن أي شيء يصدر منها هو إعتيادي و لن يشكل فارق معه ليزفر في ضيق و يغمض بُنيتاه بقوة ويمرر يده بين خصلاته بنفاذ صبر وهو يظن انها تتعمد ان تضيق عليه الحصار بثرثرتها المعتادة وان تطلعه على أتفه الأمور ليصيح بها بصوت جهوري منفعل ارجفها :
-مش عايز اتكلم……انا مش طايق نفسي ومعنديش طاقة لرغيك ولا للملل بتاعك ده
وأد حماسها بِبراعة وجعل الحزن يحتل عيناها بعد حديثه الطاعن لها مما جعلها تشعر أن الأرض تدور بها وانها تكاد تفقد توازنها ولكنها تماسكت وغمغمت في ضيق شديد وبنبرة مهزوزة :
– متعصب ليه؟؟؟ انا بحاول أشاركك بس انت بقيت صعب ومش عاطيني فرصة لأي حاجة ومش قادرة افهمك ولا عارفة اراضيك ازاي ……..
قالت جملتها الأخيرة وهي تمسد جبهتها برفق وتستند على طرف مكتبه مغمضة العين ،
نبرتها تلك جعلته يتراجع عن حدته حتى انه أقترب منها وحاوط ذراعيها قائلًا بنبرة لينة بعض الشيء :
– أنتِ لازم تعذريني انا مضغوط واعصابي تعبانة الفترة دي
لمَ هي دائمًا مطالب منها ان تتحمل وتتغاضى وتدعه يستغل لين قلبها في حين هو لم يهتم ولم يشغل باله يومٍ بها حتى انه لم يكلف نفسه واعتذر منها بطريقة لائقة بل استغل كونها لاتملك غيره ويهينها بتلك الطريقة التي تهدم كبريائها ، نفضت أفكارها سريعًا و هزت رأسها بضعف وهي تتزحزح بجسدها كي تفلت يده قائلة بإقتضاب وبِملامح باهتة وهي تتحامل على نفسها :
– كمل شغلك براحتك انا مش هتطفل عليك تاني ولا هضايقك
كادت تتعثر ولكنه لحق بها ودعمها بذراعيه وهو يتسأل بقلق :
– أنتِ كويسة
= كويسة وهروح انام
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تدفعه برفق و تغادر غرفة مكتبه بخطوات ضعيفة واهنة بينما هو نظر لآثارها وهو يلعن تسرعه وحدته معها حتى انه شعر ببعض من تقريع الضمير ، يعلم ان لا ذنب لها ولكن ماذا يفعل هو يكاد يفقد صوابه ويخرج عن طوره بسبب اختفاء الآخرى
————————
أشرق صباح يومٍ جديد على تلك التي تململت لتوها بنومها على صوت هاتفها و تناولته وردت بنعاس دون ان ترى رقم المتصل ليصل لها صوته العابث من الطرف الآخر :
– يا صباح العسل
= انت اكيد اتجننت انا قولتلك متتصلش بيا غير لما انا اطلبك
قالتها بذعر حقيقي وهي تنهض من الفراش وتوارب باب غرفتها تتفقد محيطها
ليرد هو :
– اعمل ايه بتوحشيني يا “نادو ”
ابتسمت في مكر كعادتها وردت عليه بكل غرور وهي تبتعد عدة خطوات عن الباب بعدما أمنت محيطها :
– مش ذنبي …..وبعدين انت عارف “يامن” هنا ومبعرفش أخرج
= هتجنن يا” نادو “نفسي تخلصي منه وتبقي ليا لوحدي و وقتها هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا بس نفسي تثقي فيا
تناولت خصلة من شعرها الطويل واخذت تبرمها بين اناملها وهي تجيبة بكل ثقة بصوت خفيض :
– انا بثق في نفسي اكتر يا “طارق” وأظن انت أكتر حد عارف إني مغصوبة على الوضع ده علشان أرجع حقي
زفر “طارق” واقترح في ضيق :
– سيبيه يا “نادو” وانا هعوضك عن فلوس ابوكِ احنا مش هنحتاجها انا كل يوم بيعدي وأنتِ في بيته ببقى هتجن
حانت منها بسمة مستخفة وأخبرته برفض قاطع :
– مستحيل أعمل كده اللي بيني وبينه مش فلوس وبس
زفر هو في ضيق من الطرف الآخر وقال بإستماتة :
– ماشي يا “نادو” وانا معاكِ للأخر …. بس شوفي طريقة تخرجي بيها انا عايز أشوفك
التمعت عيناها بزهو وهي تستشعر لهفته وتمسكه بها التي لم تحظى بها أنثى قبلها فهو دائمًا من يتهافت الفتيات عليه وكم يحلمون بفرصة معه ذلك الوسيم ذات الجاذبية الطاغية والشخصية المرحة المنفتحة التي تميزه بجانب الثراء الفاحش الذي ينعم به بفضل أبيه ومركزه المرموق ولذلك أعجبها كثيرًا ولكن ظلت “ميرال” عائق في طريقها ليهيء لها شيطانها أن صديقتها ستتخطى الأمر و لن يفرق معها إن تركها وستجد غيره فطالما حقدت عليها بسبب تلك الحرية المُطلقة التي تحظى بها على عكسها تمامًا ، وذلك السبب تحديدًا جعلها تبرر لذاتها انها الأفضل دائمًا وأنها وحدها من تستحقه وستكون جديرة به ولذلك دبرت مكيدتها ببراعة لتكون معه كي ترضي ذلك النقص التي طالما شعرت به كون كل شيء يفرض عليها ومن حقها ان تختار شيء واحد بمحض ارادتها وحقًا لا تكترث كون اختيارها صائب أَم لا هي فقط تريد ان تثبت لذاتها انها متحررة و أفضل بين الجميع ولا أحد يستطيع الفوز عليها وسحب الأضواء منها ، ولذلك لن تخسره و راوغته في مكر :
– اوعدك …..هحاول
=”نااااااااااااااااادين ”
صرخ هو بها بنبرة جهورية وبعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شدة ذعرها

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى