روايات

رواية ندوب الهوى الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الجزء الخامس عشر

رواية ندوب الهوى البارت الخامس عشر

رواية ندوب الهوى الحلقة الخامسة عشر

 “وما به القلب سوى بعض الهوى؟..
الهوى المطبوع عليه الندوب المشوهة للروح”
وقفت في مطبخ شقتها تعد طعام الغداء ككل يوم لها ولزوجها الذي قارب على الصعود إليها، ولكن ذهنها داهمة شيء لم يكن يخطر عليه في يوم من الأيام، لم تكن تتوقعه أبدًا ولم يصل إليها أنه يفعل مثل ذلك الشيء..
أخذت السكين وبدأت تقطيع في الخضراوات وعينيها مثبتة عليهم بقوة وهمية وداخلها تتذكر حديثه إلى ذلك البغيض “مسعد”، لقد قالها بطريقة غير مباشرة أنه من فعل ذلك في المحل الخاص به!، لقد قام بتكسيره وجعله يواجه الكثير من الخسائر وليس القليل!.
لا يهم إن كان يخسر أو يربح ولا يهمها من الأساس ذلك الأبلة ولكن ما يهمها هو زوجها! هل فعلها حقًا أو هو يهتف بهذا الحديث ليزعجه ليس إلا؟..
لم ترى منه فعل عنفواني كهذا منذ أن تعرفت عليه ربما فقط عندما يخرج عن سيطرة نفسه، ولكن منذ سنوات وسنوات وهي هنا وتراه أمامها ولم يصدر منه فعل كهذا بل كان دائمًا هادئ لا يغضب سريعًا ولا يفعل أشياء ليست محسوبة بل يفكر بكل شيء يفعله كثير من المرات قبل التنفيذ ويفكر في إن كان ذلك يذهب لحلال الله أو حرامه..
ربما هذا عقاب لـ “مسعد” عما فعله وأتت على طريقة “جاد” ولكن أيضًا هي لا تحب أن يفعل ذلك ويتحول إلى هذا الشخص الغريب عنها وعنه..
أخفضت بصرها إلى طبق الخضراوات التي كانت تقطعه، لحظات وانهت ما به ثم وضعته مع الطعام الذي أصبح جاهز، توجهت نحو حوض الغسيل تغسل السكين الذي كانت تقطع به وأخذت واحدة من البصل لتقوم بتقشيرها وذهنها مازال يعمل في إتجاه زوجها وما تحدث به وداخل أذنيها كلماته تتردد بتواصل مستمر وعقلها يرهقها كثيرًا كما قلبها بالضبط..
شهقت بعنف وتفاجئ عندما شعرت بالسكين تجرح يدها وليس البصل، أبصرت يدها بعينين متسعة وتركت السكين سريعًا متقدمة إلى خارج المطبخ لتدلف المرحاض..
وقفت أمام حوض المرحاض تغسل يدها التي جرحتها السكين في باطنها جرح مستقيم، لم يكن غائر ولكنه ظاهر بوضوح ويؤلمها كثيرًا غير تلك الدماء التي لا تتوقف..
مدت يدها اليمنى وهي تزفر بضيق وضجر شديد تأخذ منديل ورقي من على مرآة الحوض، ثم وضعته على يدها لعل الدماء تتوقف..
أخذت منديل آخر وآخر ولم يكن الجرح كبير إلى هذه الدرجة ولكنه يخرج دماء كثيرة..
توقف خروج الدماء بعد أن ضغطت عليها مطولًا بالمناديل الورقية ثم تقدمت إلى ذلك الصندوق بالمرحاض وأخذت منه قطن وشاش طبي بوجه منزعج وملامحه منكمشة..
لفت يدها ثم خرجت من المرحاض تتوجه إلى المطبخ مرة أخرى تكمل ما كانت تفعله، ولم يكن للبصلة أي دور اليوم في طعامها ولا تدري لما أخذتها من الأساس وهي قد أنهت كل شيء!…
وهي تذهب إلى المطبخ استمعت إلى المفتاح يتحرك في مزلاج باب الشقة مصدرًا صوت، نظرت ناحيته وهي تقف مكانها في الممر القابع به المطبخ والمرحاض وأيضًا غرفة النوم، وجدته يجذب المفتاح مرة أخرى وباب الشقة مفتوح ثم أغلقه ودلف إلى الداخل وزال حذائه عن قدمه وتقدم ناحية علاقة المفاتيح ووضع مفتاحه بها جوار الباب..
تقدم إلى الداخل ليراها تقف تنظر إليه بغرابة استشعرها في نظرتها نحوه، ولكنه أستمع إلى صوتها يخرج بهدوء:
-حمدالله على السلامة
ابتسم بوجهها وهو يتقدم منها:
-الله يسلمك
أقترب إلى أن وقف أمامها مباشرةً ومال عليها قليلًا مقبلًا أعلى رأسها بهدوء وحنان مُبتسمًا وهو يحيط وجهها بكفيه مطولًا في تلك القبلة البريئة أكثر مما ينبغي وهو يستشعر ذلك الدفء الذي يلقاه بين يديها مهما كان يفعل، وكان يود أن يراه بشدة فهي توصل إليه الجفاء بطريقة مزعجة وحتى إن كانت تحاول أن تفعل عكس ذلك..
استغربت المدة الذي بقى يقبل رأسها بها وشعرت أنه يود أكثر من ذلك بكثير، يحق له فهي تتهرب كثيرًا منه ولكن ذلك فوق طاقتها ولا تتحمله، هي من الأساس لا تتحمل نفسها ولا تستطيع أن تكون مشتتة منزعجة وتقترب منه وتفعل ما يطلب حنينهما وشغفهما تجاه بعضهم..
رفعت يدها الاثنين تضعهم على ذراعيه الصلبة ليبتعد حتى تتيح لها الفرصة الذهاب لترى طعاهما الذي تركته، أبعد شفتيه عنها وعاد برأسه إلى الوراء ضاغطًا على نفسه مُتصنع الابتسامة وداخله منزعج لكونها تتفهم ما الذي يريده وما الذي يتحدث به ولكن تتجاهله بجدية تامة ويظهر ذلك بوضوح وكل منهما يخفي داخله أشياء وخارجهما يحاولان وبشتى الطرق أن تكون الابتسامة مُرتسمة دون مجهود..
أبصر “جاد” يدها فأمسك بها بقلق ولهفة ورفع عينيه إليها يحركهما عليها سائلًا باستغراب وقلق:
-مالها إيدك؟
ابتسمت بوجهه لتجعله يطمئن فقد ظهر عليه القلق الشديد وهتفت ببساطة وهدوء:
-مفيش حاجه متقلقش دا جرح بسيط من السكينة
عاتبها بعينيه قبل أن تتحرك شفتيه متحدثة:
-مش تاخدي بالك
سحبت يدها منه بهدوء وأردفت مُجيبة إياه بجدية:
-سرحت وأنا بقطع الخضار بيها
تحركت بقدميها خطوة وأردفت مُكملة حديثها:
-هروح أحضر الأكل
أبتعد هو الآخر إلى المرحاض وهو يراها تذهب إلى المطبخ وأردف مُجيبًا بود وهدوء:
-هغسل وأجي أساعدك
قام بغسل يديه ووجهه في المرحاض ثم قام بالتجفيف في المنشفة الموضوعة بالداخل، خرج من المرحاض متقدمًا إلى المطبخ المتواجدة به، وجدها تأخذ أطباق الطعام على صينية كبيرة متوجهة بهم إلى غرفة السفرة..
تقدم ثم أخذها من يدها وسار أمامها إلى غرفة الطعام، وقف أمام السفرة ووضع عليها الصينية وأخذ يضع الأطباق عليها بهدوء واحدًا تلو الآخر، أتت هي بالمياة وبيدها الكوب ثم وضعتهم على الطاولة أمامها وتقدم هو إلى الناحية الأخرى من الطاولة ووضع عليها الصينية الفارغة ثم عاد وجلس على مقعده وجلست هي جواره ثم شرعت في تناول الطعام هي وإياه بعد التسمية..
لم يتحدث معها بل كان يأكل في صمت وفعلت هي المثل إلى أن وصلت لمرحلة لن تستطيع الصمت بها، نظرت إليه وهو يأكل بصمت وتركت الملعقة من يدها ثم ألقت عليه سؤالها كالقنبلة:
-أنتَ اللي كسرت محل مسعد؟
رفع عينيه عليها مثبت إياهم على نظرة عينيها تجاهه ويرى بوضوح ذلك الشك وانتظار الإجابة بفارغ الصبر، ترك الملعقة وابتلع الطعام الذي بحلقه لتتحرك تفاحة آدم البارزة، قابلها بسؤال مستغرب هو الآخر:
-ايه اللي خلاكي تسأليني السؤال ده
وضعت يدها الاثنين أمامها على الطاولة مُجيبة إياه ببساطة ووضوح:
-سمعتك وأنتَ بتتكلم معاه وبتلمح لكده أنتَ وسمير
وهو الآخر ببساطة شديدة أومأ إليها وأكد حديثها وسؤالها قائلًا:
-آه أنا اللي عملت كده
استغربت رده عليها بهذه البساطة ولم تكن تتوقع أبدًا أنه من فعل ذلك حقًا واستبعدته نهائيًا، أخفضت يدها ثانيةً ونظرت إليه بغرابة متسائلة بضيق:
-ليه!
اتسعت عينيه هو هذه المرة وهو يراها تسأله بمنتهى السهولة لماذا فعلها؟ ألا تدري أم تتجاهل علمها كتجاهلها له، هاتفها بحدة واستنكار مُكملًا بسخرية:
-ليه؟.. بتسأليني ليه وأنتِ المفروض أكتر واحدة عارفه، ولا عامله نفسك مش فاهمه حاجه ماهو ده أسلوبك الفترة دي
كادت أن تتحدث وترده عما يقول ويعتقده:
-جاد أنا….
قاطعها هو بحدة ونظرته مثبتة على عينيها العسلية يضغط بإصبعه السبابة على الطاولة بعصبية وهو يتحدث:
-ده مكنش ردي عليه.. مكنش المفروض أعمل كده أنا كان في دماغي شيء تاني كان هيخلص عليه ويمسحه من على وش الدنيا خالص بس استحرمت ولقيت نفسي بشيل ذنب بشع، واحد زي ده مايستحقش اشيله علشانه، ولو كان وقع تحت ايدي مكنش هيطلع غير ميت.. ولو مكنتيش منعتيني عنه كان زمانه ميت فعلًا
ألقت عليه حديثها ساخرة وكأنه يقول هكذا لن يأتي ذنب عليه:
-وكده مش هيبقى حرام ومش هتشيل ذنب أبشع؟..
وضع يده الاثنين على الطاولة أمامه فاردًا ذراعيه وأدار وجهه للناحية الأخرى قائلًا بانزعاج وضيق يظهر على تعبيرات جسده ووجهه:
-أهو مماتش
حاولت أن تمتص ذلك الجفاء الذي ظهر في حديثهم فجأة وكل منهم كان يحاول مداراته سابقًا، رفعت يدها تضعها فوق كفه وتحدثت بلين وعينين مُحبة تنظر إليه:
-الحمدلله إنه مماتش لأني مكنتش مستعده إني اخسرك
ظهر عنفوانه المخفي معها هي دون أن يعلي صوته أو يغضب عليها بل سخر منها بعنف وتهكم شديد وهو يبصر ملامحها الجميلة:
-بس مستعده إنك تتجاهليني ومستعده إنك تزعلي نفسك وتقهريها بالشكل ده وتزعليني معاكي
أخذت يدها وابتعدت عنه قائلة بضيق وانزعاج وهي تزفر بحنق:
-جاد إحنا بنتكلم في شيء تاني
أجابها بحدة وتأكيد ليلاحقها ويتحدث فيما أراد:
-وأنا جاوبتك على الشيء التاني وقولتلك أيوه أنا اللي كسرت المحل فوق دماغه.. ودلوقتي جه دورك
أبعدت عينيها عنه، لا تود الحديث في هذه الأمور حقًا فعقلها مشوش بما يكفي، لا تستطيع أن تستمع إلى حديث آخر منه تضعه على السابق ويشتت عقلها أكثر، هي قالت ستتحلى بالصبر فليفعل هو الآخر:
-إحنا بكرة هنروح عندنا علشان سمير…
قاطعها مرة أخرى بطريقة فظة وهو يراها تتهرب من الحديث معه فيما يخصهم:
-عارف… متهربيش من الكلام
وضعت عينيها عليه وسألته مضيفة ما بين حاجبيها بعفوية قائلة بانزعاج:
-واشمعنى أنتَ تهرب براحتك يا جاد
قرر ما الذي سيفعله وعلم أنه لن يتهرب مرة أخرى وقليل من الوقت فقط وسيعترف لها أنه لا يحب سواها حتى لا يأتي عقلها بخرافات وتصدقها هي ببساطة، قال بجدية شديدة وهناك لمعة غريب بعينيه:
-خلاص بطلنا… مش ههرب تاني وقريب أوي هقولك اللي يريحني ويريحك معايا يا هدير بس الصبر علشان أنا عارف تفكيرك هيقولك ايه لو أنا اتكلمت دلوقتي
نظرت إليه باستغراب ولم تفهم مقصده من هذا الحديث وها هو أضاف شيء آخر على حديثه السابق يشتتها أكثر به، حركت عينيها على ملامحه بهدوء ثم وقفت على قدميها لتخرج من الغرفة..
أمسك معصم يدها عندما رآها وقفت ولم تكمل طعامها فتحدث بلين وحنان ظهر عليه وهو يطالبها بالجلوس وكأنه لم يكن يعنفها منذ قليل:
-اقعدي كملي أكل أنتِ مكلتيش
-شبعت الحمدلله.. هعمل شاي
جذبت يدها منه وذهبت إلى الخارج لتقوم بإعداد الشاي لكلاهما فوقف هو على قدميه بعد أن زفر بضيق وحنق شديد ثم حاول تهدئة نفسه..
تقدم وأخذ صينية الطعام الفارغة من على الطاولة وبدأ بجمع الأطباق عليها مرة أخرى ليساعدها حتى لا ترهق نفسها أكثر من ذلك فيكفي عقلها عليها..
وقفت “هدير” في غرفة النوم بعد الاستحمام ترتدي ثوب المرحاض الأبيض الذي يصل إلى بعد ركبتيها بقليل وتحكم إغلاقه عليها جيدًا، تركته منذ قليل بعدما ارتشفت من الشاي معه وذهبت لتأخذ حمامًا باردًا في هذا الجو الحار ربما تستفيق مما هي به..
أخرجت ملابسها ووضعتها على الفراش وتقدمت من المرآة ثم أخذت تمشط خصلات شعرها الطويلة الذي أصبحت باللون الأسود الحالك عندما ابتلت بالمياة، حيث أن هذه الخصلات لونها أسود يخالطه البني..
جلست على المقعد أمام المرآة ثم رفعت إحدى قدميها على الأخرى وأخذت من مرطب الجسد الخاص بها وسارت تضع منه على قدمها بهدوء وراحة..
فتح باب الغرفة على حين غرة دون استئذان!. مِن مَن يستأذن هذا بيته وهذه زوجته!.. رفعت بصرها إليه وجدته قد أزال عنه قميصه القطني ليبقى بالقميص الداخلي كما كان في الورشة في الصباح..
نظر هو إليها وحرك عينيه الرمادية عليها من الأسفل إلى الأعلى وتوقف تمامًا على ملامح وجهها الرقيقة، وجهها الأبيض المستدير وعينيها العسلية الصافية، شفتيها الوردية التي ترهقه بابتعاده عنها.. وذلك النمش البسيط الذي يرسم لوحة فنية على وجهها تظهرها غاية في الجمال والرقة..
وكم أشتاق لهذه الخصلات المتمردة دائمًا على وجهها..
وجدته يتقدم إلى الداخل وعينيه مثبتة عليها، وقفت بلهفة وتركت المرطب على المرآة متوجهة إلى الفراش لتأخذ ملابسها ترتديها..
ابتسم “جاد” بسخرية على حركات الأطفال هذه، وتقدم ناحيتها ووقف جوار الفراش معها، أخذ من بين يدها الملابس ووضعها مكانها مرة أخرى مُتحدثًا بتهكم:
-حركات عيالي أوي
نظرت إلى رمادية عينيه الساحرة ووجهه الوسيم الذي ابتسم يتهكم عليها، وطوله الفارع وجسده العريض الذي يخفي جسدها أمامه، وجدته ينظر إلى شيء ما محدد في وجهها والرغبة تكسو ملامحه متعتطشًا إليها ومع ذلك يبدو الهدوء على وجهه شيء أساسي..
أقترب منها أكثر إلى أن أصبحت المسافة منعدمة، وضع يده الاثنين حول خصرها وهتف بنبرة خافتة وشغف كبير داخلة رغبة تطارده وتظهر بوضوح عليه:
-وحشتيني
رفع يده اليمنى إلى وجنتها يحرك إصبعه الإبهام عليها بتروي وهدوء ولم يستطع الإنتظار أكثر وهو يراها تنظر إلى عينيه بهذه الطريقة الساحرة التي تجذبه إليها وكأنها سحر حقًا..
قبض على شفتيها بخاصته بطريقة حادة قليلًا يرتوي منها كما يريد، فقد ابتعدت عنه ومازال يطلق عليهم العروسان متحججه بالتشتت والانزعاج ربما، والإرهاق محتمل، لكنه الآن لا يستطيع فرؤيتها بهذا الشكل تجعله يفقد صوابه..
لم تمانع وكأنها كانت تريد قربه أكثر منه وما تفعله ما هو إلا الإبتعاد بطريقة هشة لا تصلح معه وأثار فضولها نحو نطقه باشتياقه لها، هو دائم بقولها، دائم بالاعتراف بهذا الاشتياق فقط، دفعها إلى الخلف لتجلس على الفراش ومازال يعبث معها بنفس الطريقة الحادة المتعطشة إلى قربها منه وأقترب أكثر ليفعل كما يريد ويحلو له ولها أيضًا..
❈-❈-❈
بعد اعتراف “مريم” إلى شقيقتها بأن قلبها يهوى “سمير أبو الدهب” قامت شقيقتها بتبليغ زوجها أنها توافق عليه وبدوره هو أخبر ابن عمه الذي فرح فرحةٍ كفرحة المجنون بخروجه من مشفى الأمراض العقلية.. لم يستوعب أنها وافقت عليه بهذه السهولة وكأنها تقول له أنها تبادلة نفس المشاعر التي تداهمه!..
وكأنها تقول أقبل أن أحبك وادأهواك أكثر مما ينبغي!.. ألا يدري أنها تهواه!..
ألا يدري أنها تحبه منذ البعيد وهو لم يكن يراها من الأساس؟.. فرحته لم يكن أحد يستطيع وصفها وكأنه يحبها منذ زمن ولا يستطيع الإقتراب منها..
تخيله أنها ستكون له وحده وزوجته، شريكة حياته ونصفه الآخر يجعله يشعر بالنصر وكأنه كان في حرب وخرج منها منتصرًا على الأعداء..
عندما تحدث مع والده هو وابن عمه لم يقابله بالرفض أبدًا، تفكير والده غير تفكير عمه تمامًا، لم يمانع، ولم يقول أنه لا يجوز، بل وافق، أعطى الموافقة فور أن انتهى من الحديث مباركًا له متمنيًا حياة زوجية سعيدة لابنه.. كم كان سهلًا معه..
وفي ذلك الوقت كان “جاد” ينظر إليه مُبتسمًا لأجله يقول داخله لو فعل والده مثل عمه لكان ينعم بحياته الآن مع زوجته دون هذا الشك والخلل..
دلفت والدة “جاد” شقة “نعمة” والدة “هدير” وكان معها “سعيدة” والدة “سمير” ابن شقيق زوجها..
قابلتهم “نعمة” بالترحاب الشديد والابتسامة على وجهها من الأذن للأذن الأخرى وفرحتها لا تقدر بثمن لابنتها الأخرى التي ستتزوج الابن الآخر لعائلة “أبو الدهب”.. لقد حالفهم الحظ وبقى دعائها لهم بفضل الله..
صاحت بقوة وفرحة وهي تقبل والدة “سمير” بعد دخول “فهيمة” للداخل:
-يا أهلًا وسهلًا يا أهلًا وسهلًا.. دا إحنا زارنا النبي والله.. نورتوا البيت
ردت “سعيدة” بحب وود والابتسامة تشق طريقها على وجهها مثلها تمامًا:
-البيت منور باصحابه يا أم جمال
وضعت والدة “هدير” يدها أسفل ذقنها وهتفت قائلة بعتاب ومحبة:
-يوه ما انتوا أصحابه يا أم سمير.. اتفضلي اتفضلي
دلفت معها إلى الصالة المتواضعة التي يجلسون بها كالمعتاد ووجدت والدة “جاد” قد جلست على الأريكة منذ أن دلفت وسلمت عليها..
أردفت “فهيمة” ببساطة وراحة وهي تعتدل في جلستها على الأريكة:
-إحنا بقينا صحاب بيت خلاص.. براحتنا بقى
جلست “فهيمة” وجوارها “سعيدة” مقابل والدة “هدير” الذي أردفت بجدية:
-طبعًا يا أم جاد وحياتك دا إحنا اللي ضيوف
ابتسمت لها بود وهدوء قائلة:
-تسلمي وتعيشي يا حبيبتي
مرة أخرى تحدثت والدة “هدير” بترحاب شديد وسعادة غامرة:
-دا يا ألف نهار أبيض والله.. حصلت ألف بركة
أردفت هذه المرة “سعيدة” والدة “سمير” وهي تُجيبها بود:
-شالله يخليكي يا أم جمال
أعتدلت “فهيمة” في جلستها ونظرت إلى والدة “هدير” بجدية شديدة وهي تشير إلى نفسها قائلة:
-بقولك ايه يا أم جمال أنتِ عارفاني بحب الدوغري
أكدت الأخرى بقوة وهي تومأ إليها برأسها:
-طبعًا يا حبيبتي
-يبقى صلي بينا على النبي
ردت والدة “هدير” و “سعيدة” مع بعضهم البعض:
-عليه أفضل الصلاة والسلام
وضعت يدها على فخذها وأردفت بجدية وهي تنظر إليها تترقب ردة فعلها:
-إحنا جايين يعني نتكلم كلام حريم كده على الماشي وناخد الأكيد منك… بردو أنتِ الكبيرة
كانت الأخرى تعلم على ماذا تتحدث لأن ابنتها “هدير” أخبرتها سابقًا أنهم سيذهبون إليها ليتحدثوا بخصوص “سمير” و “مريم”:
-وحياتك يا أم جاد هدير ومريم بناتكم وانتوا اللي مربينهم وأنا ماليش فيهم حاجه
ابتسمت “سعيدة” بفرحة بسبب حديثها ونظرتها للأمام الموفقة في هذه الزيجة ورؤيتها الأكيدة لسعادة ولدها، أجابت بلطف مؤكدة حديث والدة “جاد”:
-تعيشي يا أم جمال… جاد قالنا أنكم موافقين بس بصراحة أنا وفهيمة قولنا ناخد الكلام منك وأهو نقعد معاكي شوية والنبي مقعدناش القعدة دي من زمان ياختي
عادت للخلف وهي تجلس براحة متحدثة بود ولين مقصرة عليهم جميع المسافات وهي تدلي بموافقتها الصريحة:
-تشرفوا وتنوروا يا ولاد الأصول… وأنا زي ما قولتلكم مريم وهدير أنا اللي اطلبهم منكم دا الحج رشوان خيره مغرقنا وهو اللي مربيهم والله
أردفت والدة “جاد” بهدوء:
-الخير خير ربنا يا أم جمال
أكملت حديثها وهي تخبرها بما اتفقوا عليه بجدية لتتم هذه الزيجة كما التي قبلها:
-يبقى على خيرة الله وبكرة إن شاء الله من غير مقاطعة الحج رشوان والحج عطوة وجاد وسمير هيجوا يتقدموا رسمي حسب الأصول ويتفقوا ونفرح كده زي ما فرحنا لجاد وهدير
رفعت والدة “هدير” يدها أمام وجهها وهي تتحدث برجاء ثم أخفضتها مُكملة بفرحة:
-ياختي يارب.. هو أنا أطول والنبي دا أنا ربنا بيحبني أنا وبناتي إحنا هنلاقي أحسن منكم فين بس دا انتوا الخير والبركة
تحدثت الأخرى بلطف تمدح في بناتها وتربيتها:
-والله ولا إحنا يا أم جمال نلاقي زيك ولا زي بناتك.. أدب وأخلاق وجمال وتعليم كمان بسم الله الله أكبر… دا غير أنهم عاقلين طب وحياتك جاد ابني كل ما أسئلة عن عيشته مع هدير يقول أحسن واحدة خلقها ربنا ومريحاه… ادعيله وأقوله يارب دايمًا يا حبيبي
وضعت “نعمة” يدها الاثنين أمام بطنها متشابكين وتحدثت برجاء:
-والله يا أم جاد مش عايزة حاجه من الدنيا غير سترهم وإن محدش يسمع بيهم
هتفت والدة “سمير” بصوتٍ واثق وهي تحرك يدها أمامها أثناء الحديث:
-إن شاء الله يا أم جمال… وأنتِ عارفة عيشة مريم هتبقى زي هدير في بيت لوحدها آه.. حبت تيجي عندنا غدا ولا عشا ولا انشالله تقعد على طول براحتها محبتش بردو براحتها
افتعلت صوت بفمها دليل على استنكارها لما تقوله وأردفت مُجيبة:
-وهي تطول تقعد معاكي..
أكملت حديثها مُبتسمة مؤكدة أن هذه العائلة أصيلة طيبة، تكمل باستنكار محبب إلى قلبها:
-طب والله دا هدير بنتي تقولي يا ماما بزهق من القعدة في الشقة أقوم جاية لماما فهيمة.. البت حتى ياختي متدخلش لأمها لأ تطلع جري على فوق تقعد نص يوم وتنزل تروح من غير ما أشوفها
ضحكت الأخرى متذكرة جلساتها مع زوجة ابنها المرحة واللطيفة للغاية ومتذكرة أيضًا تذمر ابنها عندما تبتعد عنه فأكملت بضجر واضح منه:
-الشوية بتوعها اللي بيهونوا عليا ياختي… تيجي نفضل نضحك لحد ما تمشي، لو عليها مبتبقاش عايزة تروح إنما جاد ابني بقى كان الله في العون
ضربت “سعيدة” فخذها بخفة وهي تردف ضاحكة بقوة:
-شباب.. شباب يا أم جاد ياختي سبيهم يفرحوا
نظرت إليها وقالت بصدق ونبرة فرحة حقيقية وأكملت بسخرية ضاحكة:
-والله منا عايزة غير كده يا سعيدة.. دا الواد كان معزوم عندي استكتر يسيبها تساعدني خدها جري على الاوضه
دعت لهم زوجة عمه وتمنت أن ترى ابنها هكذا هو وزوجته والسعادة تحيطهم لينعم بالراحة:
-ربنا يسعدهم يارب وأشوف سمير ومريم كده ياختي
أردفت الأخرى قائلة:
-قريب بإذن الله
وقفت والدة “هدير” على حين غرة وأردفت وهي تبتعد بسرعة قائلة بانزعاج وضيق:
-يادي العيبة.. الكلام خدني ونسيت اجبلكم حاجه تشربوها
لم تستطع احداهن الإعتراض فهي ذهبت سريعًا من أمامهم وكأنها ركضت إلى الداخل
وقفت في المطبخ بعد أن دلفت إليه لتأتي إليهم بالعصير، وكانت ابنتها هي الأخرى في المطبخ منذ أن أتوا ولم تستطيع الخروج منه حتى لا يروها، تقدمت إلى والدتها وقالت بحنق وضيق:
-يا ماما مش قولتلك مليون مرة ماينفعش تقولي لحد زارنا النبي
تركت الزجاجة من يدها ثم وضعت إصبعها السبابة والإبهام على شفتيها بعد أن افتعلت صوت بهما قائلة بضيق:
-يوه يا مريم نسيت والله.. الكلمة على لساني
ربتت “مريم” على ظهرها وقالت بهدوء وابتسامة:
-طيب يا ماما حاولي يا حبيبتي متقوليهاش بقى علشان حرام ماينفعش نشبه زيارة حد بزيارة النبي عليه الصلاة والسلام
❈-❈-❈
في اليوم التالي ذهب “رشوان” ومعه شقيقه “عطوة” وأيضًا “جاد” و “سمير” إلى شقة “سامي الهابط” لخطبة “مريم” ابنته..
ومنذ الصباح كانت ذهبت “هدير” إلى شقيقتها ووالدتها لتكن معهم إن أرادوا شيئًا، سعدت كثيرًا لشقيقتها ولم تكن سعادتها عادية بل كانت غاية الفرحة، اعتبرت “مريم” مثل ابنتها وتولت تلك المسؤولية عنها منذ أن توفى والدها، والآن تحمد الله لكون شخص مثل “جاد” يريد الزواج منها..
من أصله وطباعه ومن عائلة على الأقل معروفة في منطقتهم ولها كلمة مسموعة بين الجميع هنا، ستكون سعيدة.. ستكون في غاية السعادة مؤكد فهي تحب “سمير” وهو يحبها وهذا ظاهر بشدة أمام الجميع..
وحقًا كما قالت فـ سعادة “مريم” لم تكن تقدر بثمن، استجاب الله لدعائها، حقق أمنيتها في الزواج منه، حافظت على قلبها ونفسها وكما هي نقية محبة والأن أتى لخطبتها ولتكن له وحده..
زوجته، حبيبته، نصفه الآخر وقوته، حقًا لم تكن تصدق أنه شعر بوجودها وقرر الإقتراب أكثر.. الإقتراب إليها أكثر من نفسها…
لقد قال وفعل.. حقق ما ألقاه عليها بصفة غير مباشرة إلى حقيقة واقعية تحاول تصديقها..
سعادته هو الآخر أكتملت، أكتملت بوجودها، بوجود شخص شعر بأنه يريد قربه وحده طوال الوقت، يريد رؤية ابتسامة منها، رؤية نظرة عينيها العسلية، براءتها وحبها الغير محدد..
لن يتحدث عن سعادته أو حبه لها بل سيقول الحمدلله على ما أعطى له..
ابتسم “جمال” بعد أن استمع إلى حديث “رشوان” والد “جاد” وكبير العائلة بطلبة زواج شقيقته من ابن أخيه:
-أنا مقدرش أرفض يا حاج رشوان، وبعدين انتوا اخدتوا الكبيرة مش هديكوا الصغيرة
أردف الآخر مرة أخرى بجدية وهو ينظر إليه منتظرًا حديث ليس محسوب كحديثه في ليلة “جاد”:
-ربنا يخليك يا جمال يابني.. طلباتك ايه بقى إحنا تحت أمرك
أجابه “جمال” بجدية شديدة وحزم وهو يعرف ما الذي سيفعله:
-طلباتي في مريم هي هي طلباتي في هدير
نظر إليه “عطوة” والد سمير باستغراب، هو لم يكن موجود أثناء اتفاقه على زيجة “جاد” لذا لا يعرف ما الذي يريده، تسائل بجدية وهدوء:
-اللي هي ايه يابني
تحدث “جمال” ببساطة ووضوح شديد ولم يخفي شيء بل تحدث بصدق أمامهم:
-الدهب مية ألف والقايمة نص مليون معلش يا حج عطوة أنا عايز اضمن حاجه لأخواتي.. مين عارف ايه اللي هيحصل بكرة
كانت تقف على أعتاب باب الغرفة تنظر إليهم من بعيد تبتسم بسعادة لأجل شقيقتها الصغرى التي قاربت على أن تكون كبيرة ناضجة.. تستمع إلى حديثهم وذلك الإتفاق الذي يخوضه والد زوجها وشقيقها..
عندما استمعت إلى آخر حديث لشقيقها ذُهلت وكأنها استمعت إلى حديث خاطئ، هل هو من طلب الذهب بهذا المال!.. إنه ليس كثير لدرجة الذهول ولكن ذهولها من كونه يطلب مبلغ أكبر منها ومنه، أن يأتي بالحُلى بهذه القيمة لها هي قمة في السخافة والأنانية بل قمة الإستغلال والطمع..
لقد فهمت أن والد “جاد” هو من حدد المبلغ في ذلك الوقت وصمتت لأنها اعتقدت أن حديث الإتفاق واقعي أكثر من هذا!..
وماذا عن النصف مليون!.. إنه أبله لا يفهم شيء، غبي، متهور، ومستغل، بل طامع وبشدة، لما يطلب أموال كثيرة كهذه، هل يقوم بعقد صفقة!..
انزعجت “هدير” بشدة وشعرت بالضيق من فعلة شقيقها وانتظرت الرد منهم لترى إن كان على حق في ذلك..
نظر إليه “عطوة” باستغراب شديد هل يتحدث عن الإنفصال وهم في الإتفاق!؟.. هل هو أبلة، إنه لا يفرق معه المال إن كان كثيرًا أو قليلًا ولكن ما يفرق معه حديث هذا الأبلة وطلبه هذا، في الأساس مبلغ كهذا ليس قليل بل إنه كثير للغاية فهي لن تأتي باشياء بهذا الثمن..
ابتسم “رشوان” بهدوء وعقلانية وهو يعلم ما الذي يريده “جمال” وعندما وجد شقيقه صمت أردف هو قائلًا بلين:
-اللي أنتَ عايزة يا جمال المهم الولاد يفرحوا
أكد “جمال” دون أن يبتسم حتى قائلًا:
-إن شاء الله هيفرحوا ويتهنوا
اتكأ “رشوان” على عصاه وهو ينظر إلى “جاد” و “سمير” الذين يجلسون بصمت في حضوره منتظرين إتمام ما اتفقوا عليه قبل أن يأتوا إليهم:
-الفرح إن شاء الله يبقى بعد ما العروسة تخلص السنة دي على خير يكون سمير جهز شقته وانتوا كمان لو فيه حاجه نقصاكم
أردف قائلًا بجدية:
-على خيرة الله
ابتسم “سمير” عندما استمع إليه يهتف بهذه الكلمات ورأى الأمر يسير بهدوء بسبب حضور عمه وحديثه هو و “جمال” فلو كان أحد آخر لم يكن يستطيع التخلص من “جمال” وحديثه الغريب دائمًا ولكنه يقصر المسافات ويجعله يأتي بالمفيد فقط..
-يبقى نقرا الفاتحة
ابتسم “جاد” وهو ينظر إلى “سمير” الذي هتف بحماس وفرحة، رفع الجميع أيديهم أمام وجوههم يقومون بقراءة الفاتحة لتكن هكذا تمت خطبة “مريم” و “سمير”..
بعد أن مر قليل من الوقت عليهم ذهب “سمير” ومعه “جاد” وزوجته وشقيقتها إلى أحد محلات والده ليأتي إليها بالذهب..
وفي أثناء خروجهم ذهب “جمال” إلى الخارج ومعه والد “جاد” و “سمير” وتبقى والدة “هدير” و “فهيمة” ووالدة “سمير” أيضًا في المنزل وامتنعوا عن الذهاب معهم تاركين “جاد” و “هدير” فقط ليجلسون سويًا جلسة يستمتعون بها بحكايات الزمن الذي مضى عليهم منتظرين عودة أبنائهم بالحُلى الخاص بـ العروس “مريم”
❈-❈-❈
بعد انتهاء هذه الليلة بسعادة على الجميع، بقيت هي الوحيدة المشغول بالها مما استمعت إليه وما حدث أمامها..
لقد انزعجت حقًا بسبب طلب شقيقها الغبي، لم تكن تعلم أنه سيفعل هذا لو تعلم لما وافقت من الأساس، ألا يدري أنه تزوجها ليبعد “مسعد” عنها، ألا يدري أنه فعل هذا لأجل أن يصمت الجميع ولا يتحدث أحد بالسوء عنها، ألا يدري أن فعلته هذه آتية بسبب أخلاقة الكريمة وشهامته معها، ألا يدري أن هذا تعاطف والده هو الآخر وشفقته عليها..
نظرت إلى “جاد” جوارها على الفراش، كان ينام ممدد على ظهره يضع قدم فوق الأخرى ممسكًا هاتفه يتصفح ما به، بينما هي جالسة في مكان نومها على الفراش تنظر إليه من الحين إلى الآخر وتود الحديث معه..
شعر بأنها تود الحديث بعد نظراتها المترددة هذه، لم يتحدث وبقي مثلما هو منتظرًا منها البدء فيما تريد حتى لا يكون مشوش لافكارها وتكون هي من تحدثت وقالت ما تريد..
لحظات واستمع إليها تهتف بصوتٍ خافت وهي تستدير في جلستها لتنظر إليه بعينيها العسلية الصافية التي تحمل داخلها براءة تعاكس شراستها بقوة:
-أنا عايزة اسألك عن حاجه
رفع نظرة من الهاتف بل أغلقه كليًا وتركه على الكومود جواره بعد أن جلس نصف جلسه متكأ على الفراش بيده ينظر إليها:
-اسألي
ابتلعت تلك الغصة التي اشعرتها بمرارة العلقم بحلقها ونظرت إليه بخجل قائلة وهي تضغط على يدها بقوة:
-أنتِ ليه مقولتليش إن جمال هو اللي طلب مبلغ الدهب
كان يشعر أنها ستتحدث عن هذا، نظر إلى يدها التي تضغط عليها ثم أعاد نظرة إليها مُردفًا بلين وحنان لم تعهد على مثله إلا من والدها:
-مكنش هيفرق في حاجه سواء إحنا اللي قولنا ولا جمال وبعدين مية ألف يعني مش مبلغ فظيع للدرجة دي أنتِ شوفتي جابوا ايه دول كام جرام دهب يعني
هتفت بضعف وقلة حيلة ومرارة الفقر تعكر صفوها أمامه بينما تنظر إلى داخل عينيه بعمق:
-المبلغ مش كبير بس كتير عليا
أمسك بيدها التي تضغط عليها واضعًا إياها بين كفيه بحنان وهدوء وأردف وهو ينظر إليها بحب وشغف:
-لأ قليل وقليل أوي كمان.. فلوس الدنيا بالدهب اللي فيها قليل عليكي يا هدير أنتِ تتقدري بأغلى من كده بكتير
نظرت إليه بقليل من الاستغراب، هل هذا غزل أم اعتراف بالحب بطريقة غير مباشرة، هل هذا تقديره لقيمتها!.. لقد أصابها بالحيرة من حديثه الدائم المستمر بالعبث بها ومعها، تساءلت مرة أخرى بعد أن استكملت الحديث معه:
-بس أنتَ كمان مقولتليش على فلوس القايمة
حاول “جاد” أن يبتعد عن الحديث في هذا الأمر فحوله إلى حديث ساخر يهتف بتهكم وسخرية وهو يبتسم قائلًا باستنكار:
-اوعي تطمعي وتطلقي وتاخدي الفلوس مني
نظرت إليه بجدية شديدة ولم تأخذ حديثه على محمل المرح بل أخذته على محمل الجدية التامة واستنكرته بشدة بل وشعرت بالضجر أيضًا لمجرد تخيل أن هذا الشيء يحدث بينهم..
أبصرته بهدوء مُجيبة إياه بضعف وحزن تخلل نبرتها المنكسرة:
-أطلق!.. وفكرك البعد عنك تداويه الفلوس..
هو من استغرب حديثها هذه المرة فتسائل بجدية واستغراب:
-تداويه؟..
ابتسمت بحزن يظهر بوضوح على ملامح وجهها، ونظرة عينيها مثبتة على رماديته الخلابة متعلقان ببعضهم البعض واستمع إليها تهتف بألم ونبرة خافتة:
-آه.. أصل البعد عنك جرح، جرح كبير إن طاب بيسيب ندوب كل ما تشوفها تفكرك بالهوى اللي صابك في المكان الغلط
لما يكابر؟.. ولما تكابر؟.. حقًا هذا سؤال قد يداهم الجميع عند معرفة هذه القصة السهلة البسيطة، ليس بها أي مطبات تمنع الإعتراف والعيش بسعادة وسلامة..
بل هناك كبرياء إمرأة تمنع اعترافها بالعشق ناحيته بسبب ظروف زواجهم الذي أتى بوقت خطأ، تراه تزوجها شفقة ليس إلا وشهامه لأجل إسكات الجميع وعندما تنحدر أكثر ترى حبه بوضوح ولكن دون حديث فتصمت هي..
وهناك تخبط داخله، ود الإعتراف لها منذ اللحظة الأولى ولكنها دائمًا تراه يعطف عليها بهذا الزواج، هل غبية! من هذا الأبلة الذي يتزوج لأجل التعاطف أو الشفقة لو كان هكذا حقًا من أسهل الطرق أن يبعد عنها “مسعد” ويجعل الجميع يصمت بطريقته بعد الذي أردف به عنهم لكنه مؤكد لن يتزوجها.. والآن فقط انتظاره أن يراها ليست مشتتة وسيعترف بكل شيء حتى لا تعتقد أنه يشفق عليها مرة أخرى بحديث كاذب يخترعه لأجلها..
أردف بعد وقتًا طويل يتبادلون فيه النظرات المرهقة المعذبة لأجل الحب، قال بجدية ونبرة رجولية خشنة:
-مش في مكان غلط ولا حاجه يا هدير.. بالعكس دا صح الصح وبكرة تعرفي.. الاسطى جاد مش بيقول أي كلام
ابتسمت بهدوء وردت مصححة:
-البشمهندس جاد
استند بظهره إلى الخلف بعد أن اعتدل قائلًا بجدية:
-أهو البشمهندس دي مسمعتهاش من حد غيرك أنتِ وأمي وأبويا الحج رشوان
أردفت بشغف يظهر عليها وحنين يتأكل داخلها:
-بحبها.. وبحب الاسطى جاد بردو
أبصر وجهها الأبيض وجمالها الطبيعي، ملكه وحده وأردف بمرح وعبث وهو يغمز بعينيه:
-يا حظه الحلو الاسطى
❈-❈-❈
حاولت أن تتناسى ما تمر به معه، حاولت أن تبعد جميع الأفكار عن عقلها فـ “جاد” شخص لا يوجد مثله أبدًا..
يكفي حديثه الدائم المتحدث عن كم الحب الذي يخفيه عنها، نظراته نحوها وحديث عينيه عن العشق القابع داخله، يكفي أفعاله وتصرفاته، وما يظهر عليه من حب وحنان عندما تجمعهم لحظة رومانسية..
لو لم يكن يحبها لما يغير عليها بهذه الطريقة الغبية؟.. لما لا يجعلها تتحدث باكثر أريحية مع “سمير” بل يبدو منزعج بشدة وهو يراها تتحدث معه ولو بأمر عادي أمام الجميع!.. تشعر بذلك وهذه ليست أول مرة، لما قد يجعلها تذهب معه إلى الكلية وتعود أيضًا معه إلى انتهاء آخر سنة دراسية لها؟. لما يترك كل ما بيده ويذهب إليها..
لو لم يحبها لم يكن يهمه أمرها بل كان سيتركها تفعل ما يحلو لها..
كل شيء به يتحدث عن حبه لها وهي كالغبية تعكر صفو حياتهم لتحصل على اعتراف!.. وبالمقابل هو يحاول تعديل ما تقوم بتخريبه وصبره ليس له نهاية معها، يجدده كلما شعر أنه يقل بسبب أفعالها..
مر أسبوع وهي تحاول أن تعود كما كانت في السابق معه وتتناسى كل ما حدثت نفسها به من قبل سوى الصبر.. الصبر إلى أن يتحدث عن ما يكنه داخله وإلى ذلك الحين لن تتحدث أبدًا وستحاول أن تمتثل لذلك..
وقف “جاد” بسيارته أمام البوابة الخارجية كالعادة منتظرًا إياها لتخرج له، فك حزام الأمان عنه ومد قدمه اليمنى قليلًا ليخرج الهاتف من جيبه حتى يقوم بالإتصال بها..
جلس براحة في السيارة وهو يضع الهاتف على أذنه بعد أن قام بالإتصال بها ولكنها لا تُجيب على الهاتف، حاول أكثر من مرة وهي لا تُجيب.. أعاد تشغيل السيارة ليذهب إلى الأمام قليلًا..
وبينما هو يذهب وجدها تخرج مع زملائها تقريبًا، صف السيارة في الأمام ثم أمسك بهاتفه ومفاتيحه وقارب على الخروج منها..
وقعت عينيه على المرآة الأمامية في الجانب الأيمن للسيارة التي كانت تعكس صورتها الضاحكة بشدة!.. مع إحدى الفتيات وذلك الشاب الذي رآها معه من قبل!..
خرج من السيارة ووقف جوار الباب وصدره يتضاخم من شدة الغضب الذي تجعله يصل إليه بأقل مجهود، الغيرة تنهش قلبه الذي يخفق بقوة وعنف لأجل أفعالها الغريبة..
لما تقف معه!..، إنه يتذكره جيدًا ذلك الشاب الذي قالت عنه أنه شقيق إحدى صديقاتها، لما تقهقه هكذا!.. ألا تشعر بالخجل؟ أين حيائها وخجلها الآن؟.
ازعجته، وجعلته يشعر بالغضب يتأجج داخله ويتزايد بقوة وهو يراها مستمرة في الضحك معهم، يحاول الإتصال بها وهي لا تُجيب مؤكد منشغلة في ضحكاتها العالية وحديثها المدلل أمام ذلك الحقير..
زفر بحدة وعصبية وهو يغلق باب السيارة بقوة شديدة جعلته يصدر صوتًا عاليًا..
سار إلى ناحيتها وملامح وجهه لا تبشر بالخير بسبب هذا المشهد الذي وقعت عينيه عليه منذ لحظات وقد كان يتنافى مع عاداته وتقاليده وما يجب أن تفعله زوجته أمام أي رجل أجنبي عنها، لقد كان يعتقد أنها تعلم ما الذي عليها فعله!..
نظرت أمامها واختفت الابتسامة تدريجيًا وهي تنظر إليه بقلق، لما مظهره هكذا!.. يبدو أنه غاضب بشدة، ملامح وجهه منكمشة بقوة غريبة تظهره وكأنه قارب على قتل أحدهم غير ذلك الغضب الذي يظهر عليه وتعرفه جيدًا تستطيع أن تميزه من بين ألف حاله بسبب قلة ظهوره.. لا يظهر غضبه إلا عندما يكون تخطى كل مراحل التماسك والصبر..
عضلات جسده الذي يتقدم منها متشنجه للغاية وحركته مشدودة وعيناه الرمادية مثبتة عليها بقوة وكأنها هي الشخص الذي أغضبه، ألا تدري أنها هي حقًا!..
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى