روايات

رواية لولا التتيم الفصل السابع 7 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل السابع 7 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء السابع

رواية لولا التتيم البارت السابع

رواية لولا التتيم الحلقة السابعة

“أهلك.. هم وطنك, مهما بعدت عنه ستعود إليهِ يومًا, وطنك هو مرساك حين تضربك أمواج الدنيا, هو الأرض الدافئة التي ستحتضنك حين يقرصك برد الغربة”
وهذا ما حدث معه تمامًا, ظل يتجول بالشوارع لساعات لم يحسبها, وأخيرًا وجد ذاته يعود لمرساه.. لمنزله القديم, لأهله, ورغم خزيه من الموقف واستعداده لتلقي الكثير من اللوم , إلا أنه صُدم حين سألته والدته بكل هدوء:
– أنتَ بجد هتبات هنا؟
ابتسم ابتسامة باهتة يسألها:
– ايه أوضتي مش فاضية؟ اوعوا تكونوا بعتوها؟
ردت نافية:
– لا فاضية, ومستنية صاحبها… بس يا ترى إقامة مؤقته؟
هز رأسه نافيًا بزفرة قوية:
– لا, مش مؤقته.. إقامة دايمة .. الطير رجع لعشه يا ماما, أخيرًا اكتشف أنه كان غلطان لما أغرته حاجات تانية واتنازل عن دفا عشه وراحته فيه.

 

– طب ما الطير ياما استحمل, اشمعنا المرة دي؟
رفع شفتيهِ بألم:
– عشان المرة دي غير يا أم بدر.. أنا ممكن استحمل صحيح, واستحمل أي حاجة في الدنيا, إلا أن حد يعايرني أو أحس أنه متفضل عليَّ, عمري ما اسمح لحد يكسر عيني أبدًا.
سألته بتروي:
– واثق من قرارك يا بدر؟
عقد حاجبه مستغربًا:
– فكرتك أول واحده هتفرحي يا أم بدر وتقوليلي زين ما عملت!
نفت برأسها توضح:
– مفرحش في وجع ابني حتى لو كان هو الصح له, مفرحش إني اثبتلك إني كنت صح وأنتَ موجوع.. لازم تبقى واثق من قرارك عشان متندمش عليه بعد كده.
هز رأسه نافيًا بثقة:
– مش هندم.

 

وبالفعل لم يندم.. مرَ يومان ولم يندم أبدًا على ما فعله, وبعد مكالمتها كان يظن أنه سيميل لكنه لم يفعل, وكأن قلبه ثار أولاً مدافعًا عن كرامته قبل عقله.
خرج من غرفته يرتدي حذاءه وهو يقول:
– أنا نازل يا ماما.
– ماشي يا حبيبي ربنا معاك.
ترجل للوقوف في محل والده ثانيًة, منذُ أمس وهو قرر أن يعمل بهِ مرة أخرى كما كان يفعل منذُ كان في الرابعة والعشرين, ذلك المحل الذي لطالما أحث والدته على بيعه , الآن فقط أدرك أهميته, الآن فقط أدرك أنه لولا هذا المحل لكان يتسول في الشوارع الآن بحثًا عن عمل لن يجده بسهوله.
وقف في محل العطارة الكبير الذي دوُن عليهِ من الخارج ” عطارة حسن المناوي” يتابع أعمال البيع باهتمام كي يسترجع طريقة البيع التي نساها مع مرور الوقت, كان يتابع العمال بأعين ثاقبة فلا يجب أن يتضح لهم أنه جاهل بأمور البيع كي لا يستهزئون بهِ أولاً, وقد يستغل أحدهم جهله ثانيًا, اقترب منهُ الحاج “درويش” هذا العجوز الذي تولى العمل بالمحل منذُ عشر سنوات كاملةً, وهتف بهدوء:

 

– يا أستاذ بدر, هنغير اسم اليافطة امتى؟
طالعه “بدر” باستفهام:
– نغيرها ليه؟
– الحاجة قالت إننا نغيرها ونكتب اسمك جنب اسم الحاج ما دام هتمسك الشغل من هنا ورايح.
صمت لثواني قبل أن يجيب رافضًا:
– لأ, سيب اليافطة زي ماهي مفيش حاجة هتتغير, واسم الحاج مش هيتشال من على اليافطة حتى لو كان هيتحط جنب اسمي.
ابتهج “درويش” ليجيبه بسعادة:
– ربنا يصلح حالك يابني والله أنا ده رأيي برضو.
ابتسم له دون أن يعقب, ليعاود النظر للعمال يتابعهم باهتمام عن كُثبٍ.
—————————–
اتسعت أعين والدها وهو يستمع لحديثها ليعقب ساخرًا:
_طب وأنا اعمل ايه في دي كمان؟ زمان جيتِ قولتيلي بحبه يابابا وساعده يشتغل في مكان كويس عشان خاطري وعشان نقدر نتجوز..
قاطعته بوجه تلون بالأحمر من غضبها وانفعالها بالحديث منذ قليل:
_ لا.. قصدك عشان ترضى توافق عليه.
نفى برأسه وهو يقول بجدية:
_بتضحكِ على نفسك؟ لو مكنش بدر ظروفه المعيشية اتغيرت أنتِ مكنتيش هتتحملي معاه أسبوع واحد بعد الجواز.. ولأنك عارفة ده كويس حرصتِ إن ظروفه دي تتغيري قبل ما تتجوزوا.
تغاضت عن حديثه وهي تشيح بيدها بلا اهتمام وقالت:
_ ما علينا.. دلوقتي لازم تكلمه وتعقله وتخليه يرجع.

 

رد بقلة حيلة:
_وأنا مالي يا بنتي.. هو أنا هجبره يرجع؟ مانا كلمته امبارح وقالي أنا مرتاح كده اقوله ايه؟
أدمعت عيناها وهي تشير لذاتها بحزنٍ:
_ قوله أنا مش مرتاحه.. بابا أنا خايفة بدر يضيع مني.. أنا عارفة إني بتخانق معاه كتير ويمكن دايمًا مخلفاه.. بس أنا مقدرش اعيش من غيره والله.
أنهت حديثها ببكاءٍ جهشت بهِ، واكملت:
_ أنتَ عارف كويس إني لما بحب حد مبتخيلش حتى أنه يبعد عن حياتي.. أنتَ فاكر الي حصلي لما صاحبتي ماتت.
تذكر تلك الفترة العصيبة في حياتها حين توفت صديقتها التي كانت ترافقها في المرحلة الثانوية، حينها دخلت بحاله تشبه الاكتئاب لأكثر من ثلاثة أشهر حتى استطاعت أن تعاود ممارسة حياتها مرة أخرى.
التمع القلق في عينيهُ أن تعود لحالتها تلك مرة أخرى ليسألها بتروي:
_ طب هو قالك ايه لما كلمك؟
سالت دموعها فوق وجنتيها بضعف وهي تقول:

 

_ قالي أنه مش هيرجع وهيبعت ياخد هدومه.. قالي أنه مش راجع يا بابا وهو عمره ما قالها يعني هو مش ناوي يرجع بجد.
أجهشت في البكاء مرة أخرى ليحتضنها والدها يربط على ظهرها برفق وهو يخبرها أن كل شئ سيُحل فقط تصبر عليهُ عدة أيام حتى تهدأ ثورته وحتمًا سيعود فهو أيضاً يحبها.
_____________
ترجل من شقته ليذهب لعمله، وأثناء مروره على محل العطارة الذي يقبع في منطقته السكنية لمح ما جعله يقف شاخصًا بصره بعدم تصديق لثواني قبل أن يتجه صوب المحل وهو يهتف بدراما:
_ ايه الي انا شايفه ده؟ خير اللهم اجعله خير هو انا هموت ولا ايه؟!
رفع الواقف بصره ليراه أمامه فابتسم باتساع وهو يعقب:
_ لسه أوفر يالا!
ضحك بخفوت وهو يحتضنه بقوة مربتًا على ظهره بشدة تناسب الرجال، وما إن ابتعد حتى قال ساخرًا:
_ أصل عمري ما اتوقعت اشوفك واقف في دكان العطارة يا بدر باشا.
قطب جابينه مرددًا بضيق:
_ وحياة أمك بلاش تريقة.. أنا على أخري أصلاً.
رفع “يوسف” حاجبيهِ بدهشة مصطنعه:
_ الله الله! شكلي فاتني كتير في الشهر الي متواصلناش فيه.
زفر بسأم يردد:
_ولا شهر ولاحاجة.. ده كل الي حصل في ٣ ايام.
ربط على كتفه يقول:
_ بقولك ايه أنا رايح الشغل، اعمل حسابك هتتغدى عندنا النهاردة، دي صفية ممكن تقع مني لما تشوفك.

 

ابتسم “بدر” بهدوء قائلاً:
_ يونس وحشني اوي، مشوفتش من لما كان عنده سنه.. والبت صفية كمان وحشتني والله.
اقترب منه خطوة حتى قبض على ياقة قميصه بيده مرددًا من بين أسنانه:
_ ولاه أنتَ هتستهبل فيها.. مش عشان تعتبر خالها هتطول لسانك ولا غيبتك السنين دي نستك خطوطك الحمرا؟
أزاح يده مرددًا بنزق:
_ يا جدع اوعى.. ده أنا ابن عم أمها وأكبر منها ب٥ سنين كمان.
_وايه يعني ٥ سنين! مانا جوزها اهو وأكبر منها ب ٨ سنين.. بعدين ايه يعني ابن عم أمها.. بص ياض أنتَ تقولها يا أم يونس سامع؟
ابتسم بخبث لم يظهره وهو يقول:
_ وماله.. لما اجي اتغدى هشوف الموضوع ده.
طالعه “يوسف” بأعين ضيقة قبل أن يقول:
_ مش مرتاحلك ياض أنتَ.
_________________
_ أنتِ كده ضهرك هيوجعك.
هتف بها “عاصم” وهو يستند عليها لتصله للحمام، ابتسمت وهي تردد بخفوت مرِح من ثقل جسده عليها:
_ هو أنتَ تقيل آه، بس قدري بقى هعمل ايه، اومال اجيب حد غريب يسندك وأنا موجودة.

 

أعاد حديثه بجدية:
_ بس أنا بتكلم جد، ضهرك هيوجعك من كتر سندتي عليكِ، خلينا نجيب كرسي اهو على الأقل هيساعدني في معظم الحركة.
وصلت بهِ للحمام تمامًا حيث يريد، وتركته يستند على الحائط، وقالت بوجه متجهم:
_ لا، مش حابه أنا فكرة الكرسي دي، الموضوع مش مستاهل وأنا ضهري شيال يا عم ايه الي مزعلك.
صمتت تتنهد قبل أن تقول:
_ يلا لما تخلص ناديني.
تابعها بأعين لامعة تخصها فقط تلك النظرات التي تحتل عينيهِ حين ينظر لها بالعادة وحين تقول ما يثير مشاعرة بالخصوص.. كثيرًا ما يتساءل كيف كان أحمق قديماً لدرجة أن يضيعها من يده؟ كيف لم يشعر بكم هذه المشاعر التي تحتل صدره لها هي فقط وظن أن الأمر مجرد اعتياد؟ لِمَ الحب صعب هكذا في الاعتراف بهِ او اكتشافه؟ هل لابد من درسًا قاسيًا كي نستطع التعرف عليه؟
ساعدته في الجلوس أمام طاولة المطبخ كما طلب منها فأراد أن يشاركها الوقت الذي ستطهو فيهِ له بدلاً من جلوسه في الغرفة بمفرده.. هكذا برر لها، ولكن الحقيقة أنه لا يريد أن يضيع فرصة دون أن يمتع نظره بها.
التفت له نصف التفاته فجأه وهي تقلب الأرز مردفة بفرحة:

 

_ نسيت اقولك مش رغد حامل.
ردد بدهشة مصطنعة ليدفعها للحديث أكثر:
_ بجد؟
وضعت الغطاء فوق الاناء بعد أن انتهت من تقليبه، والقت بالملعقة جانبًا متجهة له لتجلس أمامه وهي تردد بحماس:
_ والله.. لسه قايلالي امبارح.. بس الحمد لله أنها حملت أصل خالتي اعوذو بالله كانت مسودة عيشتها يعيني كمنها قعدت سنة ونص ومحملتش، وكل شوية تشككها في نفسها وتقولها يمكن عندك مشكلة.
ورغم أن الموضوع برِمته لا يعنيه لكنه عقب باستغراب كي يطيل الحديث بينهما:
_ بس سنه ونص مش كتير يعني؟
ازداد حماسها وهي تعتدل في جلستها مرددة:
_ لا مانت مش فاهم،اصل خالتي عندها عقدة من موضوع الحمل.. أنا هحكيلك.
لمعت عيناه وهو يستند فوق الطاولة قائلاً بابتسامة مُهلكة:
_ احكي يا حبيبي.
توتر جسدها لنظرته وابتسامته ونعته لها بالحبيب لتبتلع ريقها بتوتر قبل أن يحثها مرة أخرى على السرد.. فابتسمت وهي تستعيد حماسها وتسرد له قصة خالتها التي لا تعنيه بتاتًا!
_____________

 

فتح باب الشقة وهو يرحب بهِ قائلاً:
_ تعالى ادخل.
دلف أولاً وتبعه “بدر” وقبل أن يعلن “يوسف” عن وجوده كان طفله يركض له مرحبًا بهِ بحفاوة:
_ باباااا..
التقطته “يوسف” محتضنًا إياه، وهو يقبل وجنته قائلاً بعاطفه أبوية:
_ روح قلب بابا، عامل ايه يا يويو؟
ابتعد الصغير برأسه فقط مرددًا بابتسامة بريئة:
_ الحمد لله.. مين ده؟
اقترب منه “بدر” مبتسمًا باتساع يعرف ذاته:
_ أنا عمو بدر يا شبر ونص.
نظر “يوسف” لوالده يسأله:
_ يعني ايه شبر ونص يا بابا؟
رد “يوسف” بجدية:
_ ده طولك يا حبيبي.
عقد الصغير حاجبيهِ بتفكير ثم سأله ثانيًة:

 

_ وهو طوله ايه؟
رد “يوسف” بابتسامة وهو ينظر ل “بدر” :
_ مترين يا حبيبي.
أشاح “يونس” ببصره ل”بدر” يقول مبتسمًا:
_ ازيك يا عمو مترين؟
قهقهة “يوسف” متفاجئًا من حديث طفله، ليقطب “بدر” جبينه بضيق ساخرًا:
_ ونعم الأدب يابن يوسف.
_وماله ابن يوسف يا سي بدر؟
التفت على صوتها ليجدها ترتدي عباءة منمقة وحجاب من نفس اللون، ابتسم بغيظ مصطنع وهو يقول:
_ اتفضل المحامية بتاعتك جت اهي.. مالوش ابن يوسف ياختي… ده بدل ما تسلمي عليّ؟
اقتربت مبتسمة بأعين لامعة بدموع طفيفة:
_ إن كان عليَّ ولا عاوزه اكلمك أصلاً بس كله عشان خاطر يوسف.
ردد جملتها بنفس طريقتها ساخرًا:
_ كله عشان خاطر يوسف.. ايه يابت السماجة دي؟ هو الواد ده بهت عليكِ؟
_لِم نفسك يالا..
هدر “يوسف” محذرًا ليلتفت له “بدر” بغيظ:
_ كده بتقل بيا قدام الشبر ونص ده؟
_ لسه فاكر يا بدر؟ كل ده متفكرش تيجي تشوفني حتى؟
هكذا هتفت “صفية” بصوت حزين، ليلتفت لها “بدر” قائلاً بتنهيدة:
_ نقعد طيب ولا ناكل حتى وبعد كده نتكلم.

 

– حضري الأكل يا صفية الأول لحد ما اغير هدومي.
هكذا قال “يوسف”، لتومئ موافقة قبل أن تقول مبتسمة:
_ أنا عملتلك الحمام بالفريك الي بتحبه، لما يوسف كلمني الصبح وقالي إنك هتتغدى معانا عملته.
رفع حاجبيهِ بدهشة يقول:
_ ياااه! تصدقي بقالي اكتر من ٣ سنين ما دوقته حتى.
عقب “يوسف” بهدوء:
_ ليه يا باشا المطاعم قفلت عندكوا؟
وقبل أن يجيب كانت “صفية” تقول عوضًا عنه:
_ بدر مبيحبش الحمام بالذات من المطاعم، مبيحبوش غير من ايدي وايد خالتي شادية.
ضغط على أسنانه بغيظ مكبوت قبل أن يقول بهدوء:
_ آه طبعًا ما أنتِ زين مين يعرفه..هدخل اغير.
انزل “يونس” من على كتفه قبل أن يهمس له:
_ الزق لعمو مترين ده عشان متجلطش.
عقد الصغير حاجبيهِ باستغراب:
_يعني ايه؟

 

زفر بحنق قبل أن يردف بهمس:
_ وريه أوضتك يلا.
كان يعلم مدى حماس “يونس” لأن يرى أي شخص غرفته وبالفعل اصطحب الصغير “بدر” من يده وهو يحثه على السير:
_ تعالي يا عمو شوف اوضتي دي حلوه اوي.
وما إن وصل لباب غرفته حتى غمز لوالده بالخفاء كأنه يخبره بتمام المهمة.. ضحك “يوسف” بعدم تصديق على أفعال الصغير ليهمس لنفسه “يابن الصايع!! “..
_ مش هتغير يا يوسف؟
انتشلته من شروده ليوجه نظره لها بغيظ قبل أن يتجه ناحيتها ساحبًا إياها من ذراعها بقوة متجهًا لغرفتهما، هتفت ما إن دلفت الغرفة باستغراب:
_ في ايه؟ ساحبني كده…
قطعت حديثها شاهقة بخضة حين التف لها فجأة بعد أن حصرها بينه وبين الحائط وعيناه اللامعه كانت غريبة حتى أنها لم تستطع تفسير تلك اللمعة هل هي غضب؟ أم شيئًا آخر خفي؟!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى