روايات

رواية فطنة القلب الفصل الرابع عشر 14 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل الرابع عشر 14 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء الرابع عشر

رواية فطنة القلب البارت الرابع عشر

رواية فطنة القلب الحلقة الرابعة عشر

( زعأ وحلب)
صياح الديوك جعل من ملامحهم أن تنكمش بضيق، مسحت قطوف على وجهها بحنقٍ، تنهض من على الفراش وهي تتطلع حولها لتجد مازن ينام على الأريكة بعمق، نهضت سريعًا كي تبدل ملابسها بأخرى مناسبة للهبوط، ولكن كانت دقائق استيقظ بها مازن يعد ملابسه التي كانت ( تي- شيرت أبيض، وبنطال من اللون الرمادي)، خرجت قطوف تشعر بالراحة بعد حمامًا منعش، في حين تحرك مازن بصمتٍ دون أن يحدث قطوف بكلمة نحو المرحاض المرفق بالغرفة، نظرت قطوف باختناقٍ له، تشعر بغيظٍ من طريقته، تتمتم بغضبٍ:
_ أنا هطق منك.. أنا أصلًا ايه اللي مخليني أفكر فيه.. كلها سنة وهنطلق وهنساه بسهولة.
تحكم بها غضبًا يعتريه كبرياء متين، تجلس على الأريكة تحاول تصنع عدم الاهتمام، ولكن بالنهاية هي تتألم من عدم حديثه معها، يقسو عليها في جهلها بكيفية مصالحته.
خرج مازن من الحمام، ينطلق أمام المرأة كي يصفف شعره، وما أن انتهى حتى أردف بهدوءٍ:
_ يلا بينا.
هبط الأثنان سويًا للأسفل بصمتٍ، لكن تفاجأ كلاهما بوقوف ياسين أمام مهران وهو يوبخه بعنفٍ، تقدم مازن يردد ببعض التعجب:
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رد مهران السلام، وقبل أن يتحدث ياسين ارتفع صوت مهران ينادي زينة زوجته، هرولت زينة نحوهم تحمل بعض الملابس تردد بصوتٍ هادئ متبسمة:
_ الهدوم چاهزة اهيه.
أشار مهران بالعصا نحو الملابس، يردد بصوتٍ جاد حازم:
_ أرتدوا هذا الجلباب، سيساعدكم في زراعة الأرض.
جحظت عين كلًا من ياسين ومازن ومعهما قطوف، يتطلعوا لهذا الجلباب الواسع، ضرب مهران الأرض كي يفيقوا وبالفعل انتفض ثلاثتهم واخذا كلًا منهم الجلباب الخاص به وانطلقوا إلى غرفهم كي يبدلوا ملابسهم.
*********
نظرت قطوف بحسرةٍ على شكلها، فهو جلباب أزرق يحمل زهور غريبة الشكل باللون الأحمر مع حجابًا به زينة متدلية، كادت أن تبكي على شكلها الذي ظنت أنه تدمر، اردفت بحسرةٍ:
_ دا ذنب حد وأكيد بيخلص مني!
علت طرقات خفيفة على الباب، يرفقها صوت مازن:
_ يلا يا قطوف عمي تحت مستنينا.
تقدمت قطوف بخطواتٍ بطيئة، تخشى ما سيحدث أن خرجت، ولكن طرقات مازن المستمر جعلتها تمسك مقبض الباب لتفتحه تظهر من خلفه أمام مازن الذي نظر لها بذهولٍ، ثم انفجر ضاحكًا عليها، ذمت قطوف شفتيها بضيقٍ، ثم قالت بحنقٍ:
_ متضحكش عليا.
حاول السيطرة على ضحكه، يردف بصعوبةٍ:
_ متخيلتش شكلك كده أبدًا.
وضعت قطوف يدها بخصرها، تردد بضيقٍ:
_ نعم! وماله شكلي أن شاء الله؟!
لاحظ مازن ضيقها، ليردف ببسمةٍ قبل أن تختنق أكثر:
_ شكلك زي قمر بعيد وبحاول أوصله.
رمشت بأهدابها عدة مرات، تتورد وجنتيها بخجلٍ شديد، ثم استدارت توليه ظهرها مرددة بنبرة متوترة:
_ طب يلا.. عمي مستني تحت.
ضحك مازن بخفةٍ ثم تقدم منها يمسك يدها كي يهبطوا سويًا، ولكن ارتجفت يديها بشدة، لتبعد يدها عنه قائلة بخوفٍ دون أن تحذر ما ستقول:
_ متنساش أننا هنطلق.
تجمد مازن مكانه قليلًا، يتطلع لعينيها اللتان هربت منه سريعًا، ولها ظهره يردف بجمودٍ وكأنه أخذ صاعقة:
_ يلا.
حاولت الحديث ولكنها فشلت، تريد أن تعتذر عما قالته ولكن تركها مازن مغادرًا الغرفة بأكملها، شعرت قطوف بندمٍ مما قالته لتردف بنبرة شبه باكية:
_ أنا بعكها ليه!
مدت سبابتها تزيل تلك الدمعة، تسير بخطواتٍ متألمة، الآن تعلن استسلامها أمام جهلها عما تشعر به!
**************
أخذ مهران كلًا من جمال وزين ومازن وياسين الذين ارتدوا جلباب بنفس اللون نحو أرض الخاصة بهم، وقف مهران فجأة وسط أرضًا ليس بها أي زرع، ثم أردف بنبرة جادة صارمة:
_ هذه هي الأرض التي يجب زراعتها.. سأرتك زين كي يساعدكم وسأخذ جمال كي يراعي شؤون معي.
نظر مازن وياسين بقهرٍ لتلك الأرض، في حين أجاب زين بنبرةٍ هادئة:
_ حاضر يا بابا هنحاول ننجز بالزرع.
تحرك مهران مغادرًا، في حين استدار زين لياسين ومازن الذين يقفان بشرودٍ، ارتفع صوت زين قائلًا:
_ ركزوا معايا.
نظر كلاهما له، في حين استرسل زين حديثه بهدوءٍ موضحًا ما الذي سيفعلانه:
_ الأول هنلم كل الجدور الميتة وأي حاجة هتأثر على التربة وبعدها هنعزأ الأرض و…
قاطعه ياسين بتسأل بدهشة:
_ نحزأ إزاي يعني!
حدق به زين بصدمةٍ، ثم قال بغيظٍ:
_ يابني نحزأ ايه.. نعزأ نعزأ بالعين.
زفر زين بنفذ صبر ثم استطرد حديثه بنبرة حاول اعادتها هادئة ممسكًا بالفأس:
_ وبعد كده هنج… أنت بتعمل ايه يا مازن؟!
قالها زين عندما وجد مازن يمسك الهاتف محركًا إياه يمينًا ويسارًا، أجابه مازن ببلاهةٍ:
_ بحاول ألقط شبكة عشان اشغل نت وأشوف هنحزأ إزاي الأرض!
بقى زين دقيقتين يحاول استيعاب يتفوه به، في حين صفق ياسين بيده يردد بانبهارٍ:
_ صح يا ابن اللذينة.. فاتت عليا.. طب لقيت شبكة ولا لسه!
اجاب مازن ببعض اليأس:
_ لاء لسه بس احنا ورا جوجل لحد ما يعرفنا هنحزأ إزاي.
كاد ياسين ان يرد ولكن صرخ بهما زين بعدما فقد أخر ذرة صبر:
_ اخرسوا انتم الأتنين بدل ما والله اعملكم سماد للأرض.
ابتلع كلًا من مازن وياسين لعابهما، فأشار زين بحدة على الهاتف مرددًا:
_ أنت بتستعبط صح.. هتكتب على جوجل كيف أحزأ الأرض.. عارف محرك البحث هيجبلك نتايج إيه!
انتبه له مازن وياسين، في حين أكمل زين بغيظٍ منهما:
_ هديك سبه محترمة.. وبعدها هيجبلك دكتور أذن عشان تعالج ودانك الطرشة.
عبست ملامح كلاهما، يرددان بتذمر:
_ ما خلاص يا زين في إيه!
دفع زين الفأس بانفعال، يزمجرهم بعنفٍ:
_ أنتم عايزين تشلوني.. اسمه نعزأ الأرض نعــــــــزأ الأرض يعني هنحفر في الأرض بالفاس دا فهمت ولا نفتح اليوتيوب نجيب فيديو يشرحلك.
:_ خلاص عرفنا.
قالها ياسين بضجرٍ، في حين اعطى زين الفأس لمازن وواحد أخر لياسين مرددًا وهو يحمل الفأس ثم يهبط بها على الأرض:
_ أعملوا زي كده.
حاول مازن حمل الفأس، ولكنها مصنوعة من حديد فهي ثقيلة للغاية، أخذ نفسًا طويلًا ثم بقوةٍ حملها فجأة لترتفع الفأس بقوة فتراجع مازن بعدما ولكن سحبته نحو الخلف فسقطت منه ووقع هو الأخر على الأرض، في حين كان ياسين يحاول حملها وبالفعل نجح ولكن عندما رأى مازن يقع على الأرض، انفجر ضاحكًا عليه وانفلتت منه الفأس لتسقط على قدمه، ليصرخ بشدة، تتساقط الدموع من عينيها من شدة الألم.
نظر زين لكلاهما، ومسح وجهه بيأسٍ، يردد بكلماتٍ مختنقة:
_ دا إحنا ليلتنا مش فايته معاكم.
*************
تقدمت كلًا من قطوف وملك نحو الحظيرة، فتحت ملك الباب بهدوءٍ، لتشتم قطوف رائحة كريهة للغاية، وضعت يدها على انفها سريعًا تحاول منع تلك الرائحة من النفاذ لها، أردفت ملك بصوتٍ مبتهج:
_ تعالي يا قطوف.. هنحلبوا الجاموس كله الأول وبعد كده هنشيلوا جالوس البقر.
قطبت قطوف جبينها بدهشة، تردد بحيرةٍ محاولو تقبل تلك الرائحة:
_ يعني ايه جالوس.. دا شبه رقم الجلوس كده؟!
ضحكت ملك عليها وعلى سذاجتها، لتردف ملك وهي تشير نحو فضلات الجاموس قائلة:
_ قصدي الخـ…
قاطعتها قطوف سريعًا تردد بصراخ:
_ خلاص عرفته.. هو اسمه جالوس.
حركت ملك رأسها بايجابية، ثم تقدمت ملك من إحدى الجواميس تردد بحبٍ:
_ دي زبيبة.. جاموستي من ساعة ما اتولدت لحد ما بقت حامل وأنا بربيها ومعشراها.
تعجبت قطوف من حبها الشديد لجاموسة، في حين اكملت ملك وهي تشير نحو جاموسة:
_ تعالي يا قطوف دي الجاموسة اللي هتحلبيها.
تقدمت معها قطوف وهي تشعر باشمئزاز مما هي فيه، ثم وقفت مع ملك التي وضعت دلو المخصص للحليب، تردف بهدوءٍ:
_ بصي هتمسكي كده وتضغطي براحة فاهمة!
حركت قطوف رأسها وهبطت نحو الأسفل كي تحلب الجاموس ولكنها تفاجأت بماءٍ دافئ ذو رائحة كريهة يسير على يدها ويقع على الأرض، اتسعت عينيها بصدمةٍ تحاول أن تكذب ما تراه، في حين وقعت ملك على الأرض من شدة الضحك على ما فعلته الجاموسة بها، فقد تبولت عليها.
صرخت قطوف ببكاءٍ قائلة بنبرة تحمل قهرًا:
_ أنا محدش عمل فيا كده.. هي ملقتش غير ايدي وتروح تعملها فوقيها…
ازداد بكاء قطوف بشدة، ثم فجأة صفعت الجاموسة بذيلها على وجه قطوف لتترك لها علامة حمراء تميل للزُرقة، وقعت قطوف على الأرض تصرخ ألمًا تهبط الدموع بغزارة دون أن تشعر، في حين أشفقت عليها ملك مما هي فيه، لتردف بصوتٍ حنون بعض الشيء:
_ خلاص يا حبيبتي تعالي اقفي هنا وأنا هحلبها وشوفيني وأنا بحلب فيها.. بس كده.
امتثلت قطوف لما تقوله بشهقاتٍ مستمرة، في حين جلست ملك مكانها تبدأ بحلب الجاموس.
***********
سارت ياسمين بالردهة تتوجه نحو غرفتها ولكن بمنتصف الطريق استمعت لصوت شهقات صغيرة، قطبت جبينها بتعجبٍ، ثم بدأت بالبحث عن مصدر الصوت لتجد جسمًا ضئيل للغاية يجلس بالزاوية، يحتضن نفسه، اقتربت ياسمين بهدوءٍ منها تجثو على ركبتيها مرددة بتعجبٍ:
_ ورد انتِ بتعيطي؟!
نظرت لها ورد بأعين حمراء، تجيبها بنبرةٍ طفولية:
_ لاء.
ابتسمت لها ياسمين، ثم مدت سبابتها تحمل تلك الدمعة التي هبطت عنها، تسألها:
_ طب ودي إيه؟!
نظرت تلك الصغيرة نحو دمعة، ثم عادت تنفجر بالبكاء، ترتمي بأحضان ياسمين فجأة، في حين صُدمت ياسمين مما فعلته ورد، ولكنها ما أن وجدتها تنتفض ببكاءٍ، حتى لفت ياسمين ذراعيها حولها تضمها بحنانٍ، قائلة:
_ هششش.. خلاص يا قلبي متعيطيش.
رددت الصغيرة بشهقاتٍ، بما سمعته من مرفت:
_ تيتة.. تيتة مرفت.. سألتني عن ماما وأنا قولتلها عند ربنا.. من ساعة ما اتولدت.. قالتلي يعني أنتِ اللي قتلتيها عشان تيجي لدنيا..
ابتعدت الصغيرة عنها تنظر نحو ياسمين ببراءة مجروحة، تهمس متسائلة:
_ هو أنا قتلت ماما بجد!
جحظت عين ياسمين بصدمة مما تفعله عمتها، ثم تداركت الموقف سريعًا تردف بحنو وهي تمسح على وجهها بطرف اصبعها:
_ اوعي تقولي كده.. تيتة مرفت بتهزر معاكِ بس هي هزارها شديد شوية.. هقولك على حاجة أنا ماما برضو راحت عند ربنا.
تفاجأت الطفلة بحديثها، تركز انتباهها على ما تقوله ياسمين، في حين ابتسمت ياسمين عند نجاحها في ايقاف دموع تلك الصغيرة، تسترسل حديثها وهي تزيل باقي دموعها:
_ بس ماما راحت بالوقت اللي ربنا محدده ليها.. زي مامتك بظبط ربنا حدد ليها معاد عشان تروح ليه.
بدأت ورد بالابتسام تهمس بتردد:
_ يعني مش أنا اللي قتلت ماما!
حركت ياسمين رأسها في نفي، تجيبها وهي تضع طرف انفها على انف ورد:
_ لاء طبعًا.. كل واحد ليه معاد محدد بيروح فيها عند ربنا.. بس محدش يعرف المعاد دا.. فهمتي يا قلب ياسمين.
اتسعت ابتسامة الصغيرة وهي تقبل احدى وجنتي ياسمين، في حين شعرت ياسمين بسعادةٍ غريبة من احتضان تلك الصغيرة لها، فهتفت ياسمين بحبٍ لها تمسك يدها:
_ ايه رأيك نشتري حاجة حلوة أنا وأنتِ وناكلها سوا.
حركت ورد رأسها بحماسٍ، في حين حملتها ياسمين على ذراعيها كي تصبح باحضانها، تهبط بها للأسفل، وما أن هبطت حتى وجدت السيد مهران أمامها لتردف ببسمة خلوقة:
_ ينفع يا عمو أروح مع ورد نشتري حاجات حلوة.
منحته نظرة صغيرة وكأنها تخبره بأن يوفق، وبالفعل فهم مهران نظراتها وحرك رأسه في إيجابية، لتنطلق ياسمين مع ورد نحو الخارج كي يشتروا بعض الحلوى.
نظر مهران نحوهما، ثم زحفت بسمة صغيرة وهو يتطلع نحو ياسمين، تلك الجميلة بقلبٍ مثل اللؤلؤ، يتذكر ما الذي حدث قبل ليلتين..
*******
انطلقت خلفه تتلفت يمينًا ويسارًا، تخشى أن يراها أحد، تردف بهمسٍ:
_ عمو مهران.. عمو.
التفت إليها مهران يعقد حاجبيه بدهشةٍ، في حين همست ياسمين بنبرة لاهثة:
_ عايزة أكلم حضرتك بموضوع.
حرك رأسه في ايجابية، مرددًا:
_ حسنًا، تحدثي إذًا.
حركت ياسمين رأسه في نفيٍ، تردد بهمسٍ:
_ مش هينفع هنا.. ممكن ندخل المكتب.
زاد تعجب مهران من طريقتها، وسار نحو مكتبه وهي خلفه وما أن أغلق الباب حتى رمقها بنظرة استفهام، لتجيب عليه سريعًا:
_ أنا عايزة خدمة من حضرتك كبيرة!
:_ تحدثي إذًا أنا لا أفهم منكِ شيء.
قالها مهران بحيرةٍ، في حين أكملت ياسمين بتوضيحٍ:
_ أنا عايزة حضرتك تقول لمازن وقطوف أن ليهم أرض ورث ليهم وإن الفلاحين عصيوا عن أنهم يزرعوا الأرض وإن حضرتك قررت تثبت نفسك وإنك مش محتاج فلاحين وحضرتك هتزرع الأرض دي.. وهتجمع قطوف ومازن فيها عشان يشتغلوا ويتأدبوا شوية.. ومنها نعلمهم حاجة مفيدة.
قطب مهران جبينه بدهشةٍ من طلبها، في حين ابتسمت ياسمين بألمٍ مرددة:
_ هفهم حضرتك سر طلبي ايه.. أنا اتخرجت من الجامعة وبابا الله يرحمه عملي حفلة بمناسبة استلام الشهادة.. وفي اليوم دا عملوا ليا مفاجأة إن هتكتب كتابي على مازن.
علت الدهشة ملامح مهران، في حين أكملت ياسمين بصوتٍ مبحوح:
_ وأنا صغيرة فقدت أمي ومازن وقف معايا ووعدني أنه هيفضلي معايا لأخر العمر وعشان كده بابا فهم إن أنا وهو بنحب بعض لأن مازن شايل مسؤوليتي من واحنا صغيرين.
باغتها مهران بسؤالٍ مقاطعًا لها:
_ ولم تحبيه؟!
حركت رأسها في نفيٍ، تجيبه بمرارةٍ:
_ لاء.. كنت محتاجة اهتمام أكتر من حب.. خايفة سيبني وبابا يسبني واختي تسبني وساعتها مش هلاقي حد يهتم بيا.. وعشان كده بابا قرر يجوزنا لبعض وأنا كنت موافقة ومازن جه اتقدم بوقت وبابا وافق علطول.. المهم إن باليوم دا اتخطفت وكانت هتحصل فضيحة للعيلة لو مازن قال اني اتخطفت وسُمعت بابا هتبوظ في السوق ولأنه مريض سكر خوفنا يدخل بغيبوبة سكر.. وعشان كده قطوف اتجوزت مازن..
:_ وما المشكلة إذا؟!
قالها مهران بحيرةٍ، في حين اجابته ياسمين بهدوءٍ:
_ قطوف مش بطيق مازن.. كل ما تشوفه بتقوله كلام وحش.. دايما بتحطه في وضع اتهام وأنه اوحش انسان بالكون وممكن يأذي.. رغم أن مازن دا أكتر حد بيخاف يأذي نملة.. فكنت عايزة اقربهم من بعض.. سبحان الله ربنا جمعهم ببعض رغم اللي يشوفهم يقول مش ليقين على بعض.. فعايزة اخلي قطوف تشوف مازن كويس ومازن يستحمل قطوف.
حرك مهران رأسه في ايجابية، يردد بصوتٍ يحمل بعض المكر:
_ حسنًا.. ونأخذ معه ياسين فهذا الولد قد دللته والدته ويجيب أن يشتد عظمه.
ضحكت ياسمين على غيظ مهران الظاهر، في حين ربت مهران على كتفها بحبٍ، يردف بصوتٍ حنون:
_ رضا الله عنكِ يا ابنتي.
*********
عاد مهران من واحة ذكرياته، على وقوف مرڤت أمامه، تردد بصوتٍ ماكر:
_ ازيك يا مهران.
نظر لها مهران بغموضٍ، يشعر بوجود خطبًا ما بها، ولكنه اجاب بهدوءٍ:
_ بخير.
حركت مرڤت رأسها بإيجابية، تردد بمكرٍ خفي:
_ هو صحيح مازن شغال في أرض وسعها أد ايه.. أصل خايفة على ضهره ولاسيما الشغل دا مش بتاعه ولا بيعرف فيها.
نظر لها مهران قليلًا، ثم أردف بنبرة ماكرة:
_ لا تقلقي فابنك مثل ابني تمامًا.. ومازن يعمل مع ياسين وزين وأنا لن أضر بهم أبدًا.. هل تردين شيئًا أخر؟!
تلجم لسانها عن الحديث، فقد توقعت منه أن يخبرها بعدد الفدادين التي يملكها، لتردف بغيظٍ تحاول أن تخفيه:
_ لاء شكرًا.
تركها مهران مغادرًا المكان، في حين امتلأت عين مرڤت بغيظٍ وقررت أن تسير بالبلدة قليلًا لعلها تسأل توقع أحدهم وتسأله عن أملاك مهران.
***********
اسدال الليل ستائره على الأرض، كانت ياسمين تجلس إلى جوار ورد تلاعبها، في حين عاد كلًا من مازن وياسين كلاهما يستند على الأخر، وسارت قطوف وهي تشمئز من نفسها بشدة تشعر برغبتها في البكاء مجددًا مما حدث معها، تتأوه من ألم وجهها.
دلف جميعهم للردهة، ليستقبلهم مهران بصدمةٍ ظاهرة، تطلع نحو ياسين يردف مشيرًا نحو قدمه:
_ ما الذي حدث؟!
ابتلع لعابه بتوترٍ، ثم اجاب بحرجٍ:
_ كنت برفع الفاس وفلت من ايدي ووقع على رجلي.. روحت لدكتور لفها وقالي يومين وهتخف.
رمقه بنظرةٍ ساخطة، ثم نقل بصره نحو مازن يشير نحو الضمادة التي برأسه، عينيه تتسأل بجدية، فأجابه مازن دون أن يتحدث مهران:
_ كنت برفع الفاس وحمله خدني لورا ووقع مني ووقعت فوقيه ودماغي اتفتحت من ورا.
شعر مهران ببوادر جلطة ستصيبه، في حين تقدم من قطوف يشير نحو وجهها الأزرق من بعض العلامات التي تركتها الجاموسة، يردف بسخريةٍ:
_ لا تخبريني بأن أحد قذف الفأس بوجهك!
ابتلعت لعابها بتوترٍ، تجيبه بحرجٍ شديد وقد ادمعت عينيها:
_ لا دا ديل الجاموسة ضربته في وشي وعمل العلامة من أوله لأخره كده.
ضحكة صاخبة من ياسين ومازن على ما قالته قطوف، في حين نظر لهما مهران بحدةٍ جعلتهم يصمتون سريعًا، تراجع مهران يتطلع لهم بسخطٍ، يردف من بين أسنانه:
_ سيصبح أسمي على كل لسان لمن بالبلدة.. ألا تستطيعون أن تزرعوا أرض واحدة.. هل أنتم شباب المستقبل.. يا حسرتي عليكم.
استدار كي يغادر، ولكن اوقفه زين يردد برجاءٍ:
_ ثواني يا بابا.. هما هيعرفوا بس اديهم وقت.. دول أول مرة يجوا البلد.
نظر لهم مهران بصمتٍ، في حين تحدث مازن بهدوءٍ:
_ يا عمي ادينا فرصة إحنا أول مرة نشوف ونتعرف على الكلام دا.
كان لا يزال صامتًا، ليسرع ياسين بالحديث فهو يعلم غضب مهران، بالرغم من هيبته إلا إذا حزن ينتهي العالم بنسبة له:
_ يا بابا ادينا فرصة.. إحنا بنحاول اهوه.
تنهد مهران بيأسٍ، ثم قال بقلة حيلة:
_ حسنًا اذهبوا كي تبدلوا ملابسكم.. قد اقترب موعد الغداء.. ولا تنسوا لدينا اجتماع اليوم.
************
أغلق مازن الباب بهدوءٍ، يردف بصوتٍ جاد:
_ ادخلي الحمام.. وأنا هدخل وراكِ.
نظرت له قطوف لتجده يوليها ظهره يحاول أن يخرج ملابسه، في حين تحركت قطوف بحزنٍ نحو الحمام فهو لم ينس ما قالته صباحًا.
**********
مر وقت انتهوا جميعًا من تناول الغداء، وجلسوا بالردهة كي يستمعوا لما سيرويه مهران، وبالفعل كانت دقائق حتى انتقى مهران ما سيتحدث به اليوم:
_ اليوم سنتحدث بشكلٍ عشوائي عن حواء وآدم.. هل تعلمون كيف خُلقت حواء؟!
اجاب زين بهدوءٍ:
_ اتخلقت من ضلع سيدنا آدم.
ابتسم مهران لإجابته الصحيحة، ثم استطرد حديثه بهدوءٍ:
_ كما قال زين خُلقت حواء من ضلع أعوج من سيدنا آدم.. فقد كان آدم قبل أن تخلق حواء يعيش بالجنة وحيدًا.. وبيومٍ استيقظ ووجد إلى جواره حواء.. تأمل جملها وشعر بونس إلى جوارها، فسألها من أنتِ؟
هل تعلمون بما اجابته حواء!
انتظر الجميع اجابة مهران، الذي استرسل حديثه كي يشبع فضولهم:
_ اجابته بإمرأة.. فسألها آدم لِمَ خُلقتي؟
اجابته حواء بـ ( لتسكن إليّ)، ثم منحها اسم حواء لأنها خُلقت من شيءٍ حي وهو ضلع أعوج … وهناك حديث هام لرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، قال ( استَوْصُوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأة خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإن أعوَجَ ما في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهَبتَ تُقيمُه كسَرتَه وإنْ ترَكتَه لم يزَلْ أعوَجَ، فاستَوصوا بالنساء).
نظر لهم مهران يترك لهم دقيقة لاستيعاب الحديث، ثم قال بصوتٍ هادئ:
_ أن الضلع يا أولادي أعوج.. إذا حاوات أن تقيمه حتى يستقيم انكسر وإن تركته سيظل أعوج كما هو.. أن المرأة يتحكم بها الاختناق.. تريد بأوقاتٍ أن تشعر بحبٍ من زوجها، وأن يتفنن باظهاره، وإن حاولت الرفض وجعلها ألا تطالب بمثل هذا الطلب كسرتها بقوةٍ..
هذا مثل صغير لما أحاول توضيحه.. المرأة لا يمكن لك أن تصلحها.. يجب أن تحتويها.. لا يجب لك أن تقيمها لتستقيم.. بل عليك بأخذها بين ذراعيك تمنحها الحنان.. هي قارورة أوصانا بها الرسول.
شعر مهران بوصول رسالته، لردف ببسمةٍ صغيرة:
_ يكفي اليوم.. وغدًا سنكمل بهذا الحديث.
نهضوا جميعًا بمشاعر متضاربة، كلًا منهم ينطلق لغرفته، دلف مازن وقطوف لغرفتهما، ثم جلست قطوف على الفراش، تنتظر فرصة سانحة كي تتكلم، في حين خرج مازن من الحمام يرتدي ملابس أخر مناسبة للخروج، اوقفته قطوف مرددة بدهشة:
_ أنت هتخرج!
ظل مازن صامتًا يوليها ظهره، ثم فتح الباب وغادر بصمتٍ، في حين رمشت قطوف بعينيها عدة مرات، ثم شعرت بضيقٍ من تركه لها، عادت تنام على الفراش، تحضن وسادة صغيرة وهي تشعر باختناق شديد لما تمر به من قبل، ولا أحد يشعر بها.
************
سار مازن شاردًا بحديث مهران، يشعر بتعجب من علاقته بقطوف، فكلما حاول الابتعاد تظهر له رسائل تجعله يتراجع، تنهد بيأسٍ ثم وجد عيادة صغيرة دلف لها يوصف له الحالة ثم حمل دواء مغادرًا المكان.
************
دلف مازن للغرفة، ينظر نحو قطوف التي غفت من التعب، في حين أبدل ملابسه ثم حمل حقيبة الدواء وانطلق بها نحو قطوف يخرج منها مرهمًا يضع منه القليل على يده ثم بدأ يدلك على موضع الألم الذي تشعر به برفقٍ شديد، تأوهت قطوف قليلًا، ثم همست بنعاسٍ دون أن تشعر:
_ أنا مقصدش.. سامحني.. متسبنيش.
توقف مازن قليلًا عما يفعله، ثم زحفت بسمة صغيرة على شفتيه، يرفع يده بعدما انتهى من وضع هذا المرهم، وسار نحو الخزانة كي يأخذ حقنة الأنسولين، وما أن أمسك بالحقنة حتى ارتفع صوت قطوف:
_ مازن أنت جيت!
تجمد مكانه يتطلع نحو الحقنة بتوترٍ، لا يعلم كيف سيخفيها!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى