روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الخمسون 50 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الخمسون 50 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الخمسون

رواية أغصان الزيتون البارت الخمسون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الخمسون

“لن تنتهي القصة هُنا، الموت لن يكون المحطة الأخيرة.”
______________________________________
كأنه يقود بهذه السرعة المهولة في طريق الغفلة، الغفلة التي حطتّ على كافة مداركه ودفعتهُ للهرب إذعانًا وانصياعًا لها بعد إلحاح وضغط شديدين. سار “راغب” بالسيارة گالمجنون، وكل عقله معها هي، بعدما تركها تواجه مصيرًا غير معلوم، متيقنًا من أن سوءًا قد أصابها. ضغطت أصابعهِ على المقوّد يكاد يفتك به من فرط الإعتصار، وضميرهِ يجلدهُ بسياطٍ حامي على تخاذله وتراجعه عن مناصفتها والوقوف في ظهرها؛ ولكن ثمن ذلك كان غاليًا، التضحية بكل شئ في لحظة واحدة لم يكن قرار سهل بتاتًا، وهذا ما جعله بين نيران المطرقة والسندان. أوقف السيارة أمام منزل والدهِ وترجل مسرعًا منها، ثم ركض نحو الباب وأنفاسهِ المتهدجة تذبح في صدرهِ، قرع عليه بكلتا يديه حتى فتحت له “أم علي” الباب، فـ اندفع للداخل وهو يصيح :
– مصيبة يا بابا، مصـيبة وحلّت علينا.
كان يتحرك بطريقة هيستيرية يمينًا ويسارًا بحثًا عن “مصطفى”، بينما الأخير خرج من الشرفة مسرعًا وهو يدفع بمقعدهِ لكي يلحق بصوت ولدهِ المستغيث وقد تشكلت عدة سيناريوهات في رأسه، لحظات وكان كلاهما أمام الآخر :
– في إيه يا راغب؟؟ .. حصل إيه لكل ده.
– حمزة طبّ عليّا أنا وسُـلاف، معرفش شافني ولا لأ؟؟.
ضرب ذراعه بالحائط في محاولة لإخراج غضبهِ المكتوم وهو يصرخ :
– وأنا سبتـهـا ومـشـيت، مشــيت يا بابا!!.
*******************************
گمن ينام على لوح من الثلج، استشعر برودة غير عادية، تضرب الأجواء من حوله، والألم يعصف ببدنهِ يمينًا ويسارًا، حتى عيناه قد تغلفت بغشاوةٍ رمادية، فأصبح بصرهِ مشوشًا وجفونهِ ثقيلة ثقل الأحجار. كز “حمزة” على أسنانهِ في محاولة لمواجهة ذلك الألم العظيم الذي يضرب بطنه، ومع محاولتهِ للتحرك صرخ صرخةٍ مكتومة :
– آآآآآآه.
زحف ببدنهِ على الأرض وهو يقاوم للوقوف، بدأت عيناه تستجمع الصورة رويدًا رويدًا؛ لكن ليس بالشكل الواضح، فقط استطاع أن يلمحها مسجاه على الأرض بجوارهِ فاقدة تمامًا للوعي. تحرر من سُترتهِ المُلجمة لحركتهِ، ثم دنى بجسدهِ منها وقد رأى ذلك الوشاح الأسود الذي استخدمتهُ گنقاب يطوّق عنقها، اجتذب الوشاح بيداه المرتعشة، وربطّ به بطنهِ التي تنزف ربطًا مُحكمًا إلى حدٍ ما، تنفس بصعوبة وقد أهلكهُ ذلك المجهود الضعيف الذي بذلهُ، وانتظر لحظات ليستجمع بها قوتهِ الخائرة، قبل أن يستعد للنهوض عن الأرضية التي تشبعت بدمائهم الممتزجة معًا. وقف على ساقيهِ وقد دارت الدنيا من حولهِ، فـ اعتصر جفونهِ وهو يكافح كفاحًا مُضنيًا من أجل التماسك، واقترب بخطواتِ صعبة نحوها، انحنى قليلًا وهو يكتم صرخة مكلومة ببواطنهِ الهالكة، وبدون أن يدري بنفسه كان يرفعها عن الأرض ليحملها، فـ انفجرت آلامهِ العظيمة لتندفع صرخة موجوعة من أغوارهِ :
– آآآآآه… آه.
كأنه يحمل أطنانًا ثقيلة، كل خطوة يخطوها كأنه يحرك جبلًا من مكانه، خاصة وأن ثقلها كان يضغط على جرحهِ المفتوح، ويضاعف من شعورهِ بالألم، ورغم إنها محمولة، إلا إن حركة الرصاصة المستقرة في جسدها كانت تُنازع مع روحها التي على حافة الإنهيار، دفعها الوجع العظيم لأن تفتح نصف عيناها، فـ لمحت ظله وأحست بذراعيهِ اللاتي يطبقن عليها، ثانيتين وكان وعيها يذهب كليًا مرة أخرى.
توقف “حمزة” عن السير بها ما أن رأى سيارتهِ على مرمى بصرهِ، كأنها اللحظة السانحة ليفقد قواه من جديد ويستسلم، وقبل أن يقع بها وهو يحملها، صرخ مناديـًا :
– زيــــدان.
انتبه “زيدان” لذلك الصوت القريب الصادح، فـ تلفّت من حوله ليراه بعيدًا، فـ اندفع مترجلًا من السيارة وهو يصيح مذهولًا :
– يادي الليلة الغـبرة، كـنت عـارف إنه يـوم شؤم وأسـود.
ركض نحوهم وهو يصيح بـ :
– إيه اللي حصل ده ياأبو البشوات؟؟.
كان يتناول أنفاسه بصعوبة ملحوظة، وخرجت الكلمات من بين شفتيهِ ثقيلة ومتقطعة :
– خد.. هـا للعربية.
انحنى “زيدان” ليحملها عنه، ورفعها بين ذراعيهِ وهو يهتف بـ :
– خليك مكانك أنا جاي تاني.
مشى بخطواتٍ متعجلة نحو السيارة وفتح بابها الخلفي بعدما أسندها على الأرضية، ثم مددها بالخلف محافظًا على هدوء الحركة لئلا يصيبها بإنتكاسة أخرى، ثم صفع الباب وعاد إليه مهرولًا، لكي يرفعه عن الأرض ويأخذ كل ثقله على كتفهِ:
– قوم معايا، حط دراعك على كتفي.
رفعهُ فـ تآوه “حمزة” ويدهِ تضغط تلقائيًا على جرحه :
– آآآه.
– حقك عليا، بس لازم نمشي من هنا ونروح المستشفى طوالي.
سار به رويدًا رويدًا نحو السيارة، حينما انتبهت حواس “حمزة” مؤخرًا وحذره تحذيرًا :
– مستشفى لأ، مش هينفع سين و جيم دلوقتي.
فتح له “زيدان” باب السيارة الأمامي وقد تفشّت معالم الذهول المتسائل على وجهه :
– أمال هنعمل إيه في المصيبة دي ولا مؤاخذه؟؟.
أجلسهُ وهو يرى بعينهِ معاناة “حمزة” لمواجهة آلامه الموجعة :
– أتــصـرف في أي دكـتور.. آآآآه.
أغلق “زيدان” باب السيارة عليه والتفت لكي يتولى بنفسه أمر القيادة، وأثناء ذلك تمتم بسخطٍ :
– هتولى أموركم كمان، أهو ده اللي كان ناقص!.
جلس “زيدان” خلف المقود، وبدأ يقود السيارة وهو يقول :
– هتعمل إيه دلوقتي يا زيدان!؟.. طب هنروح في أنهي داهيه؟؟.
التفتت عيناه ليجد “حمزة” قد فقد وعيهِ هو الآخر، وسافر إدراكهِ بعيدًا، متأثرًا بفقدان الكثير من الدم وبذل مجهود لا يتحملهُ مُصاب مثله. وبناء عليه، كان القرار النهائي بشأنهم متروكًا لـ “زيدان”، مشروطًا بـ ألا يفكر في الذهاب للمشفى تحت أيّ ظرف.
************************************
لم تدري بالضبط ما الذي عليها فعلهِ، بعدما حاولت الوصول إلى شقيقها لإنقاذها لكن باءت محاولتها بالفشل الذريع، وحتى عندما ذهبت للمنزل بنفسها وجدتهُ خاويًا إلا من أفراد الحراسة، وهذا ما بدد أملها في الوصول لأيٍّ من ذويها. وقفت “ليلى” أمام المنزل وعيناها تنبض من فرط الخوف، عاجزة عن تقديم يدّ العون لرفيقتها التي وقعت بين براثن زوجها أمام عينيها بدون أن تستطيع هي التدخل بينهم، ولم تيأس من محاولاتها للوصول إلى “حمزة” من أجل إبلاغهِ بأمرٍ گهذا ؛ ولكن هاتفه ما زال مغلقًا، كأن الصُدف جميعًا قد تعاونت من أجل دعم “حاتم”. حررت “ليلى” زفيرًا عميقًا من بين ضلوعها وتمتمت بصوتٍ بائس مختنق :
– أعمل إيه دلوقتي؟.
************************************
الوقت يمرّ وكأنه قطار سريع، وكلاهما أمام عينيهِ كل منهما يخسر من دمهِ وروحهِ. زرع “زيدان” المكان ذهابًا وإيابًا بتوترٍ مرتبك، وعيناه على ساعة الهاتف الصغير گالذي يحسب الدقائق والثواني، ثم غمغم بتبرمٍ :
– يخرب بيتك يا رضا!.. الاتنين هيروحوا فطيس عقبال ما تجيبلي دكتور يا ابن البطيئة!.
قرعات متعددة على الباب، ركض على أثرها “زيدان” نحو الباب ليفتحهُ على مصرعيهِ، مستقبلًا زميله والطبيب الذي حضر برفقتهِ لحلّ المعضلة الكارثية التي وقع فيها “زيدان”. دخل الطبيب فـ رمقه “زيدان” بنظراتٍ مذهولة وهو يسأله بشئ من الريبة :
– انت الدكتور؟؟.
أومأ الطبيب برأسه وهو يشرأب برأسه نحو ذلك الرجل الممدد على الأريكة :
– آه أنا.
ثم تجاوزه على عجالة وهو يتابع :
– عن أذنك بس أشوف الوضع إيه؟.
فتح الطبيب حقيبته الصغيرة وأخرج منها زوج من القفازات المعقمة، ثم ارتداها قبيل فحص “حمزة”، والذي بدا من ثيابه كمّ الدماء التي خسرها. كشف الطبيب عن جرحه وتفحصهُ بحرص شديد، فـ تبين قُطر الآلة الحادة التي طُعن بها، ذمّ على شفتيهِ وهو يردف بـ :
– جرح مش سهل، بس نقدر نتصرف.
ثم نظر من حوله وهو يقول :
– بس المكان هنا مش مؤهل أبدًا عشان جراحة زي دي حتى لو كانت بسيطة!.
قطب “زيدان” جبينهِ بإستغراب وهو يسأله :
– ليه يا هندسة؟؟.. لو عايز ميا سخنة ولا فوطة نضيفة كله موجود.
انتفخت عينا الطبيب وقد انفتحت عن آخرها، ثم استنكر حديثهِ العشوائي الغريب :
– ميا إيه وفوط إيه؟؟.. هي ست وهولدها!؟.
سرعان ما تذكر “زيدان” أمر تلك المصابة التي تركها بالداخل، فـ انتفضت حواسهِ بذعرٍ وهو يهتف بـ :
– صحيح!! .. ده في واحدة حالتها أنيل جوا.
ثم سحبه معه للداخل على عجلٍ لكي يفحص “سُلاف” أولًا، قبيل البدء في أي إجراء بيدهِ تعطيل إنقاذها. دلف الطبيب مذهولًا غير مصدقًا تلك المغامرة التي يعيشها، وما زالت الصدمة متملكة من حواسهِ التي أُعيقت عن التفكير والتدبير السليم. دنى منها وكشف عن ثيابها، فـ أخفض “زيدان” أنظارهِ أرضًا وهو يهمس بـ :
– يا ستار يارب، استر على ولايانا.
بحث الطبيب عن موضع جرحها في منطقة أسفل الكتف، بعدما أحس بكمّ الدماء المنسالة منها بتلك المنطقة تحديدًا، ليكشف عن الرصاصة التي انغرزت بلحمها، فـ جحظت عيناه وهو يصيح بـ :
– دي رصـاصة حـيّة!!.
– ششششش، وطي صوتك الحيطان ليها ودان؟ .. حد قالك إنها رصاصة ميتة!؟.
أحس الطبيب بشئ غير طبيعي في الأمر، وحملت نظراته شئ من الذعر الذي تملك منه خشية أن يكون قد وقع في فخّ، أو بين مجموعة من القتلة. رغم ذلك حاول أن يبدو طبيعيًا حتى يتخلص منهم تمامًا، بدلًا عن توريط نفسه في قصص قد تكون أعظم من قدرته على المواجهه :
– مينفعش، لازم مستشفى.. الجرح ده لو اتلوث هتكون مشكلة كبيرة جدًا عليها.
نظر “زيدان” نحوها بنظرات حانقة، وأردف مستهجنًا :
– ولية مش جاي من وراها غير المصايب، حتى وهي ميتة!.
كاد الطبيب يخرج من الغرفة لولا اعتراض “زيدان” لطريقهِ و :
– رايح فين يا هندسة!.. مقولتش هنعمل إيه ؟.
تأفف الطبيب وهو يقول :
– أنا مش هندسة وماليش علاقة ب المهندسين خالص.. وبعدين أنا رايح أشوف المصاب اللي برا يمكن أقدر أعمله حاجه.
***********************************
اشتد العراك بينهم، خاصة بعدما تشابكا بالأيدي ووصل الأمر حدّ التهجم أيضًا، ووجود حائل بينهما لم يكن كافيًا لإيقاف تلك المعركة الناشبة، ولا حتى صياح “مصطفى” المستمر ردعهم عن شجارهم العنيف. لم يتحمل “نضال” كل ذلك الضجيج من حوله، بجانب الضجيج الذي انفجر بداخله منذ علمهِ بالمستجدات التي حلّت عليهم، فـ استخدم أقصى قواه للفضّ بين “راغب” و “عِبيد” قبل أن تتطور الأحداث بينهما لما لا يُحمد عُقباه :
– بــــــــس بــقــا..
مسح “راغب” عن وجهه أثر الدماء التي نتجت عن لكمة غاشمة استقبلها من يدّ “عِبيد” في لحظة تهورٍ واندفاع، ثم هدر فيه مبررًا موقفه الغبي :
– بـقولك مش بإيـدي يا بني آدم! .. انت إيــه! مبتفهمش ؟؟.
كاد “عِبيد” يبطحه بطحةٍ مميتة، گالثور الهائج الذي انفلت من مروضهِ، لولا وقوف “نضال” حاجزًا بينهما :
– مكنش المـفروض تـمشي مهما حـصل.. حتى لو فـيها مــوتـك.
لعن “مصطفى” عجزه وشلله في تلك اللحظة، والذي أعجزه عن التدخل بينهما لإنهاء تلك المعركة، وصاح فيهم بأعلى صوت لديه :
– خـلاص مبـقاش لـيا كـلمة على حد فـيكم!!.. يلعن أبو العـجز اللي مـخليكم مش محتـرمين وجـودي بينـكم.
مع ذكر علّتهِ كان وقع العبارة على آذانهم – لأول مرة – وقعًا صعب تحمله، حيث تراجع كل منهم عن الهجوم على الآخر وبقى كل واحد في مكانهِ؛ لكن اللهيب ينخر في رأس “عِبيد” نخرًا موجعًا، متخيلًا ما أصابها وهي وحيدة بين يديهِ، فـ انكمشت جبهتهِ واكفهرت ملامحه وهو يهتف بـ صياحٍ مقهور :
– وبعديـن يا عـم مصطفى!! .. هنقعد هنا مستنين خـبرها!؟.
تبنى “نضال” الردّ السريع عليه عارضًا رأيه :
– دلوقتي هنخرج في مجموعات عشان ندور عليهم، كل واحد هياخد معاه مجموعة وننتشر في الأماكن اللي ممكن يكونوا فيها.
تحسس “مصطفى” صدرهِ المسعّر، وعيناه راقدة على سترة “حمزة” التي وجدوها في مكان الحادث، ازدرد ريقه بتخوفٍ وهو يقول :
– أنا كل خوفي يكون آذاها!.. حتى لو كان عمل فيها حاجه!.. إيه اللي يخليه يسيب الچاكت ده وراه دليل!.
رفض “راغب” احتمال گهذا، وأطلق حكمه من منطلق معرفته الجيدة لـ” حمزة” :
– سُلاف لو كان جرالها حاجه مكناش لقينا چاكت حمزة هناك يا بابا!.. في حاجه حصلت إحنا مش فاهمينها.
زجره “عِبيد” بحنقٍ بلغ حلقومه، وسخر منه قائلًا :
– لو مكنتش هربت بالعربية بكل حاجتها حتى تليفونها معاك يمكن كنا فهمنا!.
تأفف “راغب” بزمجرة مختنقة و :
– أنا مش هعيد نفس الكلام ٢٠ مرة عشان تصدقني.. أنا عمري ما هرمي بنت عمي في النار بأيدي يا عِبيـد.
أخرج “نضال” هاتفهِ الجوّال بعدما سمع رنينه، فـ ترائى له أسم “حمزة” على الهاتف، مما حفز حواسهِ أجمع وجعلهُ يقفز في مكانه قفزًا وهو يصيح بـ :
– بــس أهـدوا.. حمزة بيتصل.
حاول ضبط أنفاسه وصوتهِ كي يبدو طبيعيًا للغاية، بينما أشار له “راغب” محذرًا :
– أوعى يحس إنك فاهم حاجه.. أهدى.
أجاب “نضال” بهدوء مزيف، بينما بداخلهِ يرتعب مما سيسمعه :
– ألو.
تبدلت ملامحهِ فور سماع صوت ذلك الغريب، وسأله بشئ من القلق :
– مين معايا.. زيدان مين؟؟.
استمع إليه حتى النهاية، وفجأة انتفض بصوتهِ المذعور وهو يسأله :
– حمزة اتــصـاب ؟؟ .. إزاي.
وتوجهت أنظاره نحو الجميع يشملهم، بينما هم في أوج خوفهم وفزعهم مما سيتلقّون من أخبار مخيفة، حتى أردف “نضال” :
– طب أنا جايلك حالًا، بس أبعتلي location “موقع”.. طيب طيب مش لازم، أنا هتصرف وآجي.
أغلق “نضال” الهاتف على عجلة وهو يفسر :
– الأتنين متصابين ولازم أوديلهم دكتور.
استوقفه “راغب” وقد ارتجفت حواسه :
– مصابين إزاي؟؟.
– معرفش.
تأهب “عِبيد” للذهاب برفقته :
– أنا جاي معاك.
تدخل “مصطفى” بدوره، وقد أطلق حكمه الأخير والغير قابل للنقاش :
– محدش هيروح في حته، نضال بس اللي هيتحرك من هنا.
اعترض “راغب” على تعنتّ والدهِ و :
– يا بابا مينفعش آ…..
لم يسمح “مصطفى” بأي مناقشة بدورها إفساد قراره :
– مش هيـحـصل.. أقعدوا انتوا الأتنين لحد ما نشوف حصل إيه.
وزع “نضال” نظراته عليهم وهو يعدهم بحُسن التصرف حيال أي أحداث جرت :
– متقلقوش، هتصرف كأنكم موجودين بالظبط.
ختمها وخرج مهرولًا، لئلا يفقد دقيقة واحدة في وسعها إنقاذ “سُلاف” تحديدًا، وأثناء ذلك كان يُعدّ لخطة محكمة دقيقة، من أجل نقلها للمشفى بدون أي شُبهات أو لفت للأنظار، وبطريقة غير داعية للشك، كي لا يتركها فريسة الحظ الذي قد ينصفها، وقد يغتنم روحـها.
************************************
لقد استغرقت مُدة من الوقت لا بأس بها، من أجل استعادة وعيها للحدّ الذي يسمح لها بإدراك ما يجري من حولها، وهذا ما كان صادمًا لها وجمّد حواسها أكثر، حينما تذكرت آخر ما احتفظت به ذاكرتها. لقائها القصير بـ “حاتم” والذي سبق فقدانها للوعي مباشرة، وتواجدها في تلك الغرفة التي لم تتعرف عليها وكأنها غرفة فندقية مُجهزة، فطِنت إنها سقطت فريسة، بعدما اعتقدت إنها حلّت نفسها من شباكهِ اللعينة، وها هي بين يديه من جديد؛ ولكن هذه المرة مختلفة تمامًا.
ترأي لها صورتهِ أمامها، فـ انقبضت ضلوعها على قلبها بقوةٍ مفاجئة، وإذ به حقيقة متجسدة قبالتها وليست مجرد صورة مخيفة تهاب النظر إليها. سقطت كل محاولاتها الهشّة للسيطرة على تعابير الخوف التي قفزت على وجهها، وحتى عيناها بدت جاحظة مرتاعة وهي تتفقد معالمهِ الغامضة المُقلقة، وكلما مضى الوقت عليهم في تبادل النظرات، كلما شقّ عليها ذلك، فـ انتزعت رداء الخوف الذي غلفّها، وأردفت بنبرة حملت شئ من الرجفة :
– انت عملت إيه فيا؟.
كان صريحًا صراحة مريبة، وهو يراها گالسمكة التي تسبح في منحدرٍ خطِر :
– خدرتك وجيبتك هنا.
– ليه ؟!.
لم تتلقى جوابًا يُسكّن آلام رأسها،فـ حاولت أن تبدو جامدة، كأنها لن تُصب بفزعٍ مما هي مُقبلة عليه من مواجهة حامية. امتدت يداه نحو الحزام الجلدي وبدأ يُحرره، فـ حدقت عيناها وهي تراه يُطوق أصابعهِ بحزام الخصر بعدما حرره من سرواله، وازدردت ريقها وهي تهتف بتخوفٍ :
– إنت بتعمل إيه؟!.
فـ أقبل عليها وعيناه تقذف شررًا حامية، مُجيبًا إياها بفتورٍ ناقض الحريق الكائن بصدرهِ:
– أبدًا، حاجات بسيطة كده، أنا جيبتك هنا عشان في شوية حسابات وهنصفيها يا يسرا.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

‫20 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!