روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء السابع والثلاثون

رواية أغصان الزيتون البارت السابع والثلاثون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة السابعة والثلاثون

“الحقيقة دائمًا قاسية، الحقيقة أقسى ما يكون على أولئك الذين يعيشون على أمل الكذبة.”
____________________________________
كانت مفاجأة غير متوقعة، علم بشأنها بمحض الصدفة، حينما كان برفقة “حمزة” في مكتبه. خرج “حمزة” متعجلًا وهو يستكمل حديثهِ في الهاتف أثناء الطريق، بينما “نضال” من خلفهِ يحاول فهم الأمر الذي حدث على حين غرة، مدققًا بكل كلمة يسمعها.
خرج “حمزة” من بوابة العقار الضخمة، وهو يهتف بإستنكارٍ منفعل :
– مش وقته اللي هي عملته معاك يا راغب؟؟.. إزاي تسيبها قاعدة عند أبويا كل ده لوحدهم من غير ما تكون معاهم؟!. معنى قعدتهم كل الوقت ده يعني في حاجه البت دي بتعملها!.
ضغط “حمزة” على جهاز التحكم الخاص بسيارتهِ فـ انفتح قفلها، باللحظة التي كان ينهي فيها حديثهِ قانطًا من عدم الوصول لنتيجة :
– طب أقفل أنا جاي، أقفل!.
ألقى “حمزة” بهاتفهِ داخل السيارة عندما تفاجأ بـ “نضال” من خلفهِ وقد غادر المكتب هو أيضًا :
– في إيه ياحمزة؟.. أنا قلقت فـ جيت وراك أشوف في إيه؟.
تحامل “حمزة” على نفسهِ كي لا يندفع بعصبيتهِ وينهار أمام غضبهِ، وبإيجازٍ كان يجيبه :
– سُلاف عند أبويا في مكتبه ليها أكتر من ربع ساعة، أنا لازم أروح أشوف الموضوع إيه!.
أومأ “نضال” رأسه بتفهمٍ، ولم يُبدي له أي تطفل في معرفة أي معلومة، بل تظاهر بعدم الإكتراث وهو يردف بـ :
– طب أنا هطلع أشوف اللي ورايا لحد ما ترجع.
كان “حمزة” قد ركب سيارتهِ بالفعل واقتادها للذهاب من هنا، حينما أخرج “نضال” هاتفه من جيبه وبدأ بإتصال تليفوني هام وضروري، لعلهُ يصل لسبب زيارة “سُلاف” المفاجئة لعُقر “صلاح” ، وفي هذا التوقيت تحديدًا وبدون أي إتفاق مسبق. أجاب “مصطفى” على هاتفه، فسأله “نضال” مباشرة وبدون أي إضافات لجملتهِ الإستفهامية البسيطة :
– عم مصطفى، إنت عارف إن سُلاف رايحة مكتب صلاح القرشي النهاردة؟.
**************************************
أطفأت “سُلاف” سيجارتها بالمنفضة، وعادت تنظر حيال “صلاح” الذي دار حول المكتب لأكثر من ثلاث مرات، حررت زفيرًا من صدرها قبل أن تهتف بـ :
– أنا مش جاية عشان نقعد نتفرج على بعض يا حمايا!.. بقالك ساعة مش عارف تقرر، تحب أساعدك؟؟.
كان الأمر برمته صعب التقبل للغاية، فكر أن يتخلص منها، ثم فكر في أن يُجاريها مؤقتًا لحين الوصول لحلٍ جذري ينهي الأمر دون أن يُضحي وينصاع إليها، ثم فكر في التسليم لها وقبول الهزيمة.. كلها سيناريوهات عديدة مرّت بعقلهِ ولكنه لا يحظى بفرصة لتأنّي الإختيار. هي تعلم كل ما يفكر به، وتتوقع منه الغدر؛ بل وعلى يقين إنه سيغدر، إنها من صفاتهِ الحميدة!. لذلك قطعت عليه طريقهِ، وقررت أن تقطع دابر الأمر دون أن ترك جذور من خلفها. طردت زفيرًا من صدرها مختلط ببقايا التبغ العالق برئتيها، ثم هتفت بثقةٍ هزّت جمود “صلاح” وزعزعت كل أفكارهِ :
– على فكرة يا حمايا..
التفتت عيناه الحاقدة لينظر نحوها، حينما استطردت هي :
– مفيش أي حاجه من اللي بتفكر فيها هتقدر تعملها.
نهضت عن مقعدهِ، واستدارت لتترك محيطهِ وهي تتابع :
– أنا مش لوحدي، لو فكرت إن أذيتي بالساهل وتقدر تخلص مني تبقى ركبّت نفسك الغلط، أنا ورايا جيش ملهوش آخر، أنا يدوب واحدة من كتير أوي.. من الآخر ملكش مخرج غير إنك تريحني عشان ترتاح.
وقفت قبالتهِ تمامًا، بشموخٍ يضرب توترهِ المرتجف، وبكل إباءٍ كانت تردف بـ :
– وفي الأول والآخر كله لحفيدك، مش خسارة في زين حتة بيت صغير.. ولا إيه؟.
رأى ذلك بوضوحٍ يراه حتى الأعمى، كُل ذلك الكُره الدفين، ونوايا الشر المُبيت بعيناها، والصورة المبطنة التي دخلت بها بينهم. الآن فقط رأى ما يراه، والحق إنه كان فضوليًا أكثر؛ ورغم تساؤله الداخلي والمستميت حول هويتها وما الذي تريدهُ منهم تحديدًا، إلا إنه لم يسألها، لم يطرح عليها استفسارًا؛ بينما في خبايا نفسهِ الأمر مختلف تمامًا. حنى عيناه عن النظر إليها، وللخلف عاد خطوة وهو يردف بـ :
– لما أرجع البيت نتكلم عن الموضوع ده، أكون فكرت وأخدت قرار.
تقوست شفتيها بغير رضا، وهي تقول بنبرةٍ قاطعة :
– للأسف مفيش وقت.
أشارت نحو باب الخروج، ثم استطردت :
– أنا هخرج من هنا ياإما على بيت إبني، ياإما على النيابة.. و الإختيار ليك أنت.
توهجت بشرتهِ بـ حُمرةٍ ممتعضة، شاعرًا بلهيب الغيظ الحارق يتصاعد في جوفهِ :
– إنتي بتهدديني يا ××××!.
حملقت “سُلاف” بعيناها وهي تعضّ على شفتها السُفلى بذهول، مستهجنة ذلك النعت اللفظي المهين منه :
– لأ لأ ياعمي ميصحش، أنا برضو مرات إبنك وشايلة إسمه، يعني اللي بتقوله ده عيب في حق جوزي.
تنهدت وهي تخطو نحو المقعد الموضوع عليه حقيبتها، وبدأت تسحب منه ملف وهي تتابع :
– أنا هقدر إنك متعصب دلوقتي ومش هاخد على خاطري منك، بس على الأقل تمشيني مجبورة الخاطر عشان أروح لإبني بقى.
وضعت الملف على سطح المكتب، وقدمت إليه القلم وهي تقول :
– يلا ياعمي أمضي على عقد التنازل عن البيت لحفيدك.
نظر “صلاح” نظرة محتقرة تجاه الملف الذي جهزتهُ و :
– كمان مجهزة العقد؟؟.
– آه.. مش بحب أضيع وقت.
تناقلت أنظارهِ ما بين الملف وبين القلم، وقد أصبح قاب قوسين أو أدنى، لا مفرّ من هنا، وحتى احتمالات إنقاذ نفسهِ التي فكر فيها قطعتها هي عليه بالدلائل القاطعة التي تمتلكها لإدانتهِ، وما سيفعله إما المجازفة، أو المجازفة الأخطر منها.
***************************************
فتحت زجاج السيارة، فإذا بـ سرب من الهواء الطلق يخترق بطراوتهِ الجميلة صدرها، كأنها تقف أمام البحر، والزبد يداعب أطراف أصابعها ببرودتهِ مدغدغًا كل حواسها، نازعًا منها كل شعورٍ بالسلبية. نظر “عِبيد” إليها عبر المرآة الجانبية، ضايقتهُ تلك التعابير الحزينة التي تواريها بإبتسامة فاتنة، فسألها :
– تحبي نلغي المشوار ده!.
هزّت رأسها بالرفض، ثم أردفت بـ :
– عايزة أروح مرسى مطروح يا عِبيد، أحجزلنا طيران بعد ما نخلص مشوارنا.
– أعتبريهِ حصل.
التفتت رأسها، نظرت حيال طفلها بدفءٍ وهي تمسح على وجنتهِ، فـ ابتسم لها إبتسامةٍ شفت كل متاعبها، ونزحت عنها بعض من المشقّة التي تحملها على ظهرها، فـ حملتهُ من عربتهُ ليبقى بين أحضانها، وقبّلت جبينهِ قبل أن تهمس بـ :
– ولسه، حقك وحقي هيرجع كامل يا زين.
—جانب آخر—
كان “نضال” گالجمر على الموقد، لا يتحمل انتظارًا ولا يُطيق ذلك التحمس الزائد الذي يعيشهُ، حتى أصبحت رابطة عنقهِ گحبل المشنقة الذي يودي بحياة صاحبهِ للهلاك، فـ نزعها عن رقبتهِ بعنفٍ جعل جلدهِ يتحسس، بينما “مصطفى” جالسًا على مقعدهِ يراقب ردود أفعالهِ. استمع كلاهما لصوت إغلاق الباب، فـ همّ “نضال” بالخروج من الغرفة ليجدها بالفعل قد وصلت، وتعطي طفلها لـ “أم علي” وهي توصيها :
– غيري له هدومه ياأم علي، وجهزيله شنطة حطي فيها اللي يحتاجه لمدة يومين.
– حاضر من عيوني.
لمحته قريبًا منها، يقف منتظرًا حضورها بصبرٍ قد نفذ، فـ ابتسمت في وجههِ بتفاؤل وهي تردف بـ :
– عندي خبر بمليون جنيه.
استنكر “نضال” تواجدها في مكتب “صلاح “بمفردها وبدون تخطيط مسبق بينهما :
– خبر أهم من السبب اللي خلاكي تروحي لصلاح مكتبه!.
ضحكت “سُلاف” وهي تخطو نحو الداخل :
– هو ده الخبر.
دلفت لغرفة عمها مباشرة، فـ استقبلها بـ تلهفٍ بيّن :
– جرى إيه يا بنتي!.. مش تطمنينا عليكي وتقولي أي حاجه.
انحنت تُقبّل جبينهِ، ثم اعتدلت في وقفتها وهي تقول :
– حقك عليا ياعمي، حبيت آجي بنفسي وأقولكم.
أخرجت ذلك الملف من حقيبتها، و “نضال” متحفزًا للتعرف على السبب الذي جعلها تختفي وتتصرف بتصرفٍ مفاجئ غير متفق عليه مسبقًا. ناولت “سُلاف” الملف لـ “مصطفى” ، فـ بدأ يتطلع للعقد المرفق به وقد بدأ وجهه يُشرق بإشراقة أملٍ وتفاؤل، لم يتحمل “نضال” صبرًا، وبعفوية شديدة كان يمسك بمرفقها ويجذبها برفقٍ وهو يسأل :
– ما تفهميني يا سُلاف.. إيه الحكاية بالظبط.
ابتهج وجهها وهي تجيبه :
– أنا أخدت البيت من صلاح.. أخدت بيت القرشي يا نضال.
توهجت بشرتهِ بإحمرارٍ مبتهج، غير مصدقًا حدوث إنتصارٍ ساحق گهذا في لمح البصر :
– بتـهزري!.
– إيه ده يا سُلاف؟؟.
قطع سؤال “مصطفى” المستنكر والحازم سعادتهم التي كانت في غُرّتها، فـ التفت كلاهما لـ “مصطفى” :
– التنازل عن البيت لـ زين؟؟؟.
كانت تلقائية جدًا، وهي تجيب سؤاله بقناعةٍ :
– آه ياعمي، وأنا الواصية عليه.
تجهم وجه “نضال” فجأة!.. وتحولت كل تعابيرهِ الآمله السعيدة لأخرى مكفهرة متضايقة :
– زين!!.. وإيه علاقة زين بالموضوع ده!!.. ليه مش بأسمك.
تفاجئت “سُلاف” بردة الفعل المزدوجة منهم حيال خطوتها تلك؛ لكنها لم تتزحزح عن موقفها أبدًا، بل كانت صامدة واثقة وهي تردف بـ :
– وفيها إيه لما يكون بأسم زين!.
اهتاج “نضال” في لحظة واحدة، وكل ما اختزلهُ من غضبٍ طفى على تعابير وجهه ونبرة صوته الصادحة المنفعلة، وقد خرج عن طورهِ الرزين العاقل تمامًا :
– وليه مش أنتي؟!.. ليه مش حد مننا؟؟، بتسلمي روحك لصلاح ليـه يا سُــلاف!.. البيت بإسم حفيده يعني مخرجش من وسطهم! زين في النهاية أسمه زين حمزة صلاح القرشي.. أفهمي بقى .
هي أيضًا خرجت عن طور الهدوء ذلك، واشتعلت بإنفعالٍ كانت تكتم بوادرهُ بصعوبة شديدة :
– زين إبني أنا كمان يا نـضال!..
رغمًا عنه تحولت عصبيتهِ لحركةٍ مندفعة، ودون إدراك منه كان يصيح في وجهها بكلماتٍ فظة غليظة، دون أن يفكر في توابع ذلك الأمر الخطير :
– فــوقـي يا سُــلاف، فـوقــي.. زين مش إبنــك ولا من دمنـا.
ضربت بيداها صدرهِ وهي تدفعهُ بقوةٍ للخلف، وصرخت وهي تدافع عن طفلها بإستماتة حقيقية :
– لأ إبنــي أنـا.. إبنــي ومفيش قوة في الدنيا تقدر تغير الواقع ده.
لم يهدأ “نضال” بتاتًا، بل زاد من قوة كلماتهِ الصارمة، ليصفعها بالحقيقة المُرة التي عاشت تتجاهلها مرارًا وتكرارًا :
– لأ مش إبنــك، زين إبن أماني من حمزة يا سُلاف.
وأطبقت أصابعه على رسغها وهو يختم عبارتهِ بتطهيرها من أثمٍ عظيم تنسبهُ لنفسها :
– إنتي عمرك ما شيلتي ولا هتشيلي طفل من الحيوان ده!.. مهما أنكرتي هتفضل الحقيقة دي عايشة ، زين من دمّ القرشي وبس يا سُــلاف…!!.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى