روايات

رواية مراد وجهاد الفصل الثالث 3 بقلم جهاد عبدالعال

رواية مراد وجهاد الفصل الثالث 3 بقلم جهاد عبدالعال

رواية مراد وجهاد البارت الثالث

رواية مراد وجهاد الجزء الثالث

رواية مراد وجهاد
رواية مراد وجهاد

رواية مراد وجهاد الحلقة الثالثة

_إيه اللي حصل؟
قالها بابا وهو بيدخل أوضتي، كنت مركزة مع سقف الأوضة وسرحانة، مبفكرش في شيء محدد، حاسة بدوشة ومش قادرة أحدد إيه الفكرة اللي بتدور في بالي، فوقت على صوته بصيتله وأتكلمت بهدوء.
_طلع شخص مش مناسب، مرتحتش وأنا بتكلم معاه، مش شبه بعض.
_تقومي ترفضيه من غير رأيي؟
_لا، أنا قلتله بابا هيبلغك بقراري، هو فهم.
_أسبابك مش مقنعة للرفض، مُراد شخص كويس ومناسب، وكمان زي ما شفتي أهله ناس محترمة.
_بس أنا مش مرتاحة، ومش عايزة أكون في علاقة مع شخص مش مرتاحة لوجوده حوليا.
سكت وبصلي بهدوء، بعدت عيوني عنه وبصيت على مكتبي، مبحبش حد يبص في عيوني بتوتر وبخاف، بحس أنه قادر يكشف خوفي وضعفي، مكنتش ببص في عيون حد غير جدو زيد، حتى ماما كنت بتوتر أول ما تبصلي، أفتكرت جدو وإني مش هروح المكتبة تاني، عيوني دمعت وملحقتش أمسحها كان شافها، أتكلم بلهفة بتظهر في صوته كل فين وفين.
_خلاص اللي يريحك، أكيد مش هضغط عليكِ في أمر زي كدا، أنا بس كنت بستفسر، وخصوصًا أن مُراد بيقول أنه هيرجع يتقدم تاني بس بعد ما أنتِ ترتاحي، مكنتش فاهم قصده.
مسحت دموعي وبصيت عليه وأنا بحضن كفوف أيدي، وأتكلمت بصوت مبحوح.
_أنا مش عايزة أتزوج دلوقتي خالص، وخصوصًا مُراد دا.
_أنتِ أتخرجتي من سنتين، يعني المفروض تفكري في موضوع الزواج بشكل جدي.
_ أنا هدور على شغل أونلاين وأشتغل من البيت، وكمان مش عايزة أسيب بيتنا.
_أنا مش همنعك، وزي ما قال جد مُراد أنكِ محتاجه تعملي كل حاجة بأرادتك، أنا هسمع كلامه وهسيبك على راحتك الفترة دي.
_شكرًا.
همست بيها فقرب مني وطبطب على أيديا وبعدين سابني وخرج، فضلت أبص لأيديا اللي طبطب عليها بذهول، حركة عملها مخدتش ثواني بس حاسة أن قلبي هيخرج من مكانه، شعور حلو زار قلبي، حنية بتظهر فى حركات بسيطة، بسيطة أوي لدرجة تعجز عن تصديق أن تأثيرها عظيم أوي كدا، دمعة نزلت من عيوني وأنا صعبانة عليا نفسي، محتاجة للحنان لدرجة أن لمست أيدي قادرة تدفي روحي، رميت نفسي على السرير وغمضت عيوني بسرعة وأنا بحاول أنام.
_وبعدين هتفضل قاعدلي كدا؟
قالها جدو وهو بيقعد قصادي، كنت سرحان ومش مركز مع أي حاجة حوليا، أول ما أنتبهت حاولت أبتسم وأتكلم بهدوء.
-عايزني أعمل إيه يعني؟
_ترجع لحياتك وتشوف شغلك، أنت شايف شكلك عامل أزاي!
-ما أنا شغال كويس وحياتي كويسة، وماله شكلي مش فاهم؟
_مقتنع بكلامك دا؟
-في إيه ياجدو بس؟
_في أن اللي بتعمله مش هيرجعها.
-أنا مش بعمل حاجة علشان حد.
_يا خايب، بدل ما أنت مبهدل نفسك كدا أتحرك شوف طريقة.
بصيتله بقلة حيلة وأنا حاسس أن الحماس والشغف اللي عندي أطفوا، أتكلمت وأنا بشيل الكتب اللي في أيده وبحطهم على الرف.
-طريقة لأي، أنا مش فاهم حضرتك.
_حضرتي هيطردك من المكتبة لو فضلت تتكلم معايا بغباء وبرود كدا.
-طيب أقول إيه يريحك؟
_قول أنها وحشتك، وأنك مش قادر تعيش من غيرها!
أيدي أرتخت والكتاب وقع مني، فضلت واقف أبص للأرض بشرود وحزن، شهرين مروا من أخر مرة شفتها فيها، كنت فاكر أني فعلًا أقدر أعيش من غيرها، وأن مهما كنت متعلق بيها مش هوقف حياتي على غيابها، بس طلعت غبي مش فاهم حقيقة الحب، حقيقة إني مش هقدر أعيش من غيرها، أتكلمت وأنا ببص لجدو بوجع.
-هي لو شافت وجع قلبي على غيابها دا، ممكن تسامحني وتسمحلي أكون جزء من حياتها؟ ممكن تغفرلي غلطي وتحبني!
_هتحبك أنا واثق من كدا، أنت بس متبقاش ضعيف بالشكل دا.
-أنا بحبها، أول مرة أحب كانت هي، معرفش هقدر أقرب منها أزاي وهي مش قابله وجودي، عارف ياجدو صوتها ونظرة عيونها وهي بتقولي أنها بتكرهني لسه بيتعادوا قدامي لحد اللحظة دي، أنا بس عايز أشوفها بخير.
_أنا بشوفها.
عيوني وسعت بصدمة وأنا بقرب منه بسرعة وبتكلم بلهفة.
-بتشوفها فين وأزاي، هي تقريبًا مش بتخرج من بيتها!
_من أسبوع كانت هنا.
-جات المكتبة!
_أيوة.
-طب مرنيتش عليا ليه؟ هي كويسة صح؟
_أهدى علشان أعرف أحكيلك.
-أحكي أنا هادي أهو.
أتحرك ببطء وقعد على أقرب كرسي وأنا أتحركت وراه بسرعة، كنت واقف قصاده وأنا متلهف أسمع حرف عنها، بدأ يحكي اللي حصل من أسبوع لما رجعت تظهر تاني.
_حضرتك فاضي!
رفعت رأسي كانت قدامي، أبتسمت بسعادة وأنا بقرب منها بخطوة سريعة وبتكلم بلهفة.
_جهاد! وأخيرًا شفتكِ، كدا تغيبي عني وتحرميني منكِ.
_عامل إيه يا جدو!
_بقيت بخير أول ما عيني شافتكِ، طمنيني عنكِ، أنتِ بخير؟
_الحمدلله، أنا جيت علشان عايزة الكتب دي.
_كتب!
سكتت شوية بعد ما مدت أيدها بورقة، وبعدين أتكلمت بتوتر وهي بتبص في عيوني بتركيز.
_وكمان أنت وحشتني، والمكتبة كمان.
_هان عليكِ الراجل العجوز تسبيه كل المدة دي، مكنتيش خايفة ترجعي تلاقيني ميت.
_بعيد الشر عنك، متقولش كدا.
أبتسمت وأنا شايف خوفها عليا، عيونها اللي أتملوا خوف ولمعوا بالدموع، أتكلمت بهدوء وأنا بسحبلها كرسي تقعد عليه.
_لسه زعلانه مني مش كدا؟
_أنت استغليت نقطة ضعفي.
_أنا أكبر منكِ وأفهم عنكِ، مسموش استغلال، اسمه خوف وحرص، خوفي عليكِ هو السبب، أنتِ أغلى من أحفادي مكنتش هستحمل أشوفك بتضيعي.
_بس كان ممكن تعرض عليا أروح لدكتور، لكن أنه يسمعني بدون علمي، وكمان يظهر وعايز يتزوجني.
_مكنتش أعرف أنه هيحبك.
_يحبني!
نطقتها بذهول وهي بتشاور على نفسها، رديت عليها وأنا بهز رأسي تأكيد لكلامي.
_أه يحبك، مُراد بدل ما يعالج المريضة وقع في حبها، وبقي مريض بمرض ملهوش علاج.
_بس هيحبني ليه!
_يعني إيه ليه؟
_يعني أنا شبه إنسانة، حياتي كلها مدمرة، مريضة وعايشة على الهامش، مينفعش أحب ولا حد يحبني.
_أنتِ لو بس تشوفي نفسكِ بعيونا مكنتش قولتي كدا، أنتِ رقيق تشبهي لصفحات الكتب دي، حتى لو الزمن جه عليكِ ولونك أتبدل ودبلتي هتفضلي جميلة، هيفضل قلبك أخضر.
_أنا بخاف، مقدرش أطمن معاه.
_أنتِ مجربتيش يا جهاد، جربي تديله فرصة جربي تطمني معاه، مُراد بيحبك بجد أنا أكتر واحد عارف مُراد وواثق أنه هيقدر يحافظ عليكِ.
قامت من مكانها وهي بتتكلم بتوتر.
_لا، مش هقدر أجرب، مش هقدر أراهن على قلبي.
بصتلها بحزن وأنا بحاول أغير الموضوع علشان تهدأ.
_طيب خلاص، قوليلي أنتِ جايه علشان الكتب؟
_لا.
أبتسمت وأنا فاهمها، فاهم حركاتها وكلامها، أتكلمت وأنا بتحرك بين الرفوف.
_أومال؟
_جيت علشانك، أنت صاحبي الوحيد، مقدرتش أخسرك رغم وجع قلبي منك لكني مقدرتش أبعد.
_هتحكيلي حصل معاكِ إيه خلال الشهرين دول؟
_هتسمعني!
_طول عمري هكون منتظر علشان أسمعكِ.
_بس المرة دي توعدني.
_أوعدك بإيه؟
_توعدني أن محدش يقف بين الرفوف ويسمعني غيرك!
أتنهت وأنا بلوم نفسي على أحساسها بعدم الأمان وعيونها اللي بتتلفت في كل مكان علشان تتأكد أن مفيش غيرنا في المكتبة، أتكلمت وأنا ببصلها بحنان.
_أوعدك أن محدش هيسمعكِ غيري.
بدأت تحكي زي ما كانت بتحكي قبل كل الأحداث دي، كانت بتطبطب على كف أيدها، مرة تعيط وهي بتحكي مواقف صعبة مرت بيها لوحدها، ومرة تبتسم وهي بتوصف شعور حلو زارها، كنت حاسس أنها أتغيرت بس للأحسن، وكنت مبسوط بالتغير دا.
_وبس بعدها خدت الكتب ومشيت، ومجاتش تاني من وقتها.
-طيب حكتلك إيه عن اللي حصل خلال فترة غيابها؟
_أنا وعدتها محدش يعرف حكاويها غيرها، بس حابب أقولك حاجة، بباها بيتغير معاها.
-بيتغير أزاي يعني؟
_قالت أنه بقي هادي معاها، وبيطبطب على أيدها كتير، وأوقات بيقلها كلام حلو ويمدحها.
-الحمدلله أكيد هي بقيت أحسن بسبب تغيره.
ضحك زيد على فرحة مُراد وأتكلم وهو بيسأله بشك.
_شامم ريحتك في الموضوع.
-يعني إيه ياجدو؟
بصيت بعيد عنه بسرعة وأنا بحاول أتجنب نظرت عيونه دي، رد باستهزاء.
_يا واد بطل تعمل عبيط قدامي، دا أنا عاجنك وخابزك.
-يوه يا جدو قول على طول قصدك إيه؟
_أنت كلمت أبو جهاد مش كدا!
-مش بالظبط.
_أنجز وقولي عملت إيه؟
-بيتعالج عندي ليه شهر ونص، أترحت!
_أه يا قادر.
ضحكت على رد فعله وهو بيبصلي وبيضرب كف على كف، هزيت كتافي وأنا مش عارف أقوله إيه، رد عليا بدهشة.
_يعني مقدرتش تخلي البنت تتعالج عندك فقلت تعالج أبوها؟
-مش هو سبب تعبها!
_أنت عبيط يا مُراد ولا أهبل طمني بس.
-إيه ياجدو، عملت إيه لكل التهزيق دا؟
_بتعالج أبوها، اللي هو المفروض هتتقدمله وهو هيوافق ولا يرفض؟
-ما هو اللي كلمني الأول.
_أزاي مش فاهم؟
-من بعد اللي حصل بأسبوع تقريبًا رن عليا، أنا أتخضيت وقلت أن جهاد حصلها حاجة، بس بعد ما رديت أكتشفت أنه بيستشيرني في أمورها، رغم خوفي عليها لكن فرحت إني هقدر أطمن عليها منه، قالي أنها فضلت يومين بعد ما أحنا مشينا تحلم بكوابيس وتصحى تصرخ، وهو مكانش عارف يتصرف معاها، ساعدته يتعامل معاها أزاي وقدر يساعدها تبطلت الكوابيس دي، ومرة ورا التانية بدأ يحكيلي أموره الشخصية، أنا مش قادر أشارك جلساته معايا لأنها أسرار لكن أقدر أقول أنه بيتحسن.
ثانية ورا التانية مرت وبعدين لقيته أنفجر في الضحك، كانت أول مرة أشوف جدو بيضحك بالشكل دا من فترة طويلة، كنت مستغرب ضحكه، لدرجة أنه دمع وفضل يكح جامد، قربت منه بخضه وأنا بمسح على ضهره وبتكلم بتوتر.
-براحة أهدى وخد نفسك بأنتظام.
_هموت قبل ما أحضر فرحك.
-بعيد الشر عنك ياجدو متقولش كدا.
_وعامل فيها زعلان أنك مش بتشوفها!
قطعته بسرعة وأنا ببرر موقفي بصدق.
-بس أنا فعلًا مش بشوفها، أنا قلبي وجعني والله، حتى لو بشوف بباها فأنا مبقدرش أسأله عنها كل مرة.
_خلاص واللي يخليك تشوفها؟
-بجد يا جدو؟
_كلم والدها ونروح نتقدم تاني بكرة، بس هروح أنا وأنت بلاش أمك وأبوك المرة دي.
-وهي هتوافق؟ أكيد هترفض حتى تقعد معايا.
قلتها بحزن بس جدو طبطب على كتفي وأتكلم بحنان.
_المرة دي هتوافق، أنا واثق من كدا، جهاد أتغيرت يمكن مش كتير ولا أتعافت بشكل كامل، بس في أمل كبير من موافقتها.
-بتمنى دا، يارب توافق.
_الحب عمل إيه في قلبك يا مُراد!
-كواه ياجدو، لو أعرف أن الحب بيعمل كدا كنت هربت منه لأخر الأرض.
_محدش بيقدر يهرب من قدره يا حبيبي، وهي قدرك.
-الله يجمعني بيها ميفرقناش.
_آمين آمين.
معرفش أوصف الأيام دي مرت أزاي على قلبي، كنت بكلم نفسي أكتر ما بتنفس، كنت حاسة إني خرجت عن السيطرة وقد إيه كلامي مع جدو زيد كان فارق معايا، أنا مش مجنونة لكن في حاجات جوايا لأزم تخرج، لو مخرجتش هتخنقني أو هتطاردني لأخر يوم في عمري، يوم ما قررت أرجع المكتبة وأشوف جدو زيد، كان قلبي وجعني، كنت فاكرة إني هقدر أبعد هقدر أعاقبه على خذلانه ليا، بس أنا أضعف من كدا بكتير، أنا مقدرتش أعاقب حد غير نفسي، ومعنديش حد غيره يساعدني، لما شفته وأبتسملي كأني نسيت كل حاجة، كأن الدنيا كلها وقفت وأنا بس اللي رجعت أتنفس، وأتكلمت وحكيت وضحكت معاه، وبعد ما خرجت من عنده كنت خفيفة، أخف من الريشة لأني لقيت حد يسمعني، بس رجعت ألوم نفسي وأندم، ألومها على ضعفها وقلة حيلتها، ورجعت أحبس نفسي في أوضتي ومنزلش المكتبة، مر أسبوع وأنا هنا ببص للسقف، لا بخرج من أوضتي ولا برد على بابا ولا حتى بأكل، سمعت صوت خبط على باب أوضتي فرديت بصوت ضعيف.
_نعم يا بابا؟
_أدخل؟
_أيوة أتفضل.
دخل فأتعدلت من على سريري بضعف قعد قصادي وفضل يتأمل فيا بهدوء وبعدين أتكلم بقلق.
_مالك يا جهاد؟
_مالي يا بابا، أنا بخير.
_مش بخير، المرة دي مش بخير وشك أصفر بطلتي تخرجي وتأكلي حتى المكتبة والكتب، حتى الكتابة اللي كانت شاغلاكِ أعتزلتيها، فيكِ إيه!
سندت ضهري بتعب على السرير وأبتسمت وعيوني بتفيض بالدموع، أتكلمت بحزن.
_أول مرة أحس إني مهمة عندك.
قرب مني بلهفة وأتكلم وهو بيمسح دموعي بأيده.
_بس أنتِ أهم حاجة عندي، ليه بتقولي كدا؟
_أمتى أخر مرة قلت أنك بتحبني يا بابا؟
كنت بسأله بتوهان، كأني مش حاسة بقول إيه، أخر مرة كلت كان من أيام، حاسة دماغي بتدور، أتكلم وهو بيحاول يقومني.
_أنتِ كويسة؟
_أخر مرة حضنتني أمتى؟ أنا مش فاكرة بس فاكرة كل مرة زعقتلي فيها، كل مرة قلت كلام شق صدري.
_أنتِ حرارتك عالية كدا ليه!
_تفتكر لو رحت لماما هبطل أتوجع؟ لما بيموتوا بتخف جروحهم ولا الألم دا بيلازمنا للأبد.
دمعة نزلت من عيني وأنا سامعها بتخرف بكلام كتير ومش مفهوم، سندتها تقعد على السرير وبدأت ألبسها فوق بجامتها عباية وخمار، سندتها براحة وطلعت فوني وأنا تايه مش عارف أكلم مين، لقيت رقم مُراد أول رقم ظهر في وشي، لأنه كان أخر واحد يكلمني من ساعة، طلب أيدها تاني وكنت داخل أقلها وأشوف رأيها، وبدون تفكير رنيت عليه، رد بعد الجرس الأول كأنه كان منتظر أتصالي، أتكلمت بسرعة وخوف.
_ألحقني يا مُراد.
-في إيه يا عمي، حضرتك بخير؟
_جهاد يابني معرفش مالها، أطلب أسعاف أنا مش عارف أتصرف.
-أسعاف! أنا تحت وطالع لحضرتك حالًا.
كنت تحت بيتها زي كل يوم، باجي وبقف نص ساعة على أمل أشوفها، المرة دي أتفأجات بأبوها بيرن عليا، أول ما رديت وسمعت صوته وكلامه حسيت بقبضة قلبي ورجفته، كنت طالع أجري على السلم وأنا كل فكرة بتجيلي أسوأ من التانية، خبطت ففتح بسرعة وأتكلم وهو بيشدني من أيدي لأوضتها.
_وقعت مني يابني، مبتنطقش.
-حصلها إيه!
خرجت حروفي بصوت مهزوز أول ما شفتها على سريرها كأنها جثه من غير روح، كنت بقرب براحة وأنا بتأمل ملامحها الباهته وأيديها الواقعة جمبها كأنها مش عايزة من الدنيا حاجة، وقفت لحظة وبعدين جريت عليها بدون تفكير، مسكت أيدها قست النبض، كان ضعيف بس موجود، أتكلمت وأنا بسأله.
-أنا طلبت الأسعاف وفي الطريق، بس عايز أفهم حصل إيه؟
_ليها أيام حابسة نفسها في أوضتها، مش بتأكل معايا ولما أسألها بتقول أنها كلت، بس واضح أنها مكانتش بتأكل، ودا اللي وصلها للحالة دي.
-الأدوية اللي بتاخدها فين؟
_أدوية إيه؟
-المهدأ.
_مهدأ؟
-ممكن توسع ثواني!
كان واضح عليه أنه ميعرفش حاجة عن موضوع المهدأ اللي بتاخده ليها أكتر من سنتين، فتحت الأدراج في أوضتها بسرعة لقيت درج فيه علب كتير، مسكت علبة منهم لقيتها فاضية، قلبت كل العلب دي فاضية، حاولت لقيت علبة لسه فيها برشام، حطيتها في جيبي بسرعة ورحت نحيتها تاني وأنا براقب تنفسها، أتكلم أبوها بصوت مصدوم تايه.
_هي كانت بتاخد كل كمية المهدأت ليه؟
-هحكي لحضرتك لما نتطمن عليها.
_أنت عرفت أزاي أنها بتاخد مهدأ!
-جدو صاحب المكتبة اللي جهاد بتزورها دايمًا، هو يعرف كل حاجة، هكلمه وهو هيفهمك، المهم دلوقتي مش هينفع ننتظر الأسعاف لأزم ننقلها المستشفى.
_طب ساعدني نشيلها.
قرب منها وحاوطها بأديه، فسأعدته يسندها، نزلناها ودخلتها عربيتي وبدأت أسوق بسرعة، كان قاعد في العربية ورا وواخدها في حضنه، كانت ملامحه وحدها تفسر الحسرة اللي هو فيها، حسرة عمره اللي ضاع لما ضاعت بنته، معرفش الوقت مر أزاي ووصلنا المستشفى ودخلت أوضة العمليات، الدكاترة قالت أن عندها حالة تسمم، والدها كان في دنيا تانية، وأنا واقف بسمع تفاصيل حالتها بثبات معرفش جبته منين، جه جدو ومعاه بابا فقرب جدو مني بخوف وأنا قادر أفسر أن دي مش ملامح خوف، ملامح فزع، كأن شخص واجه الموت أو كان في ساحة حرب، أتكلم وهو بيسند أيده عليا.
_حصلها إيه يا مُراد.
-كمية المهدأت اللي كانت بتاخدها مع عدم الأكل سببلها حالة تسمم، الدكاترة قالت أن دي حالة أنتحار بس أنا مقلتش كدا قدام والدها، زي ما حضرتك شايف حالته.
_أنتحار!
نطقها بصدمة وهو بيزيد من ضغطت أيده على أيدي، أتكلمت وأنا بطبطب على أيده.
-نتيجة متوقعة، بلغت حضرتك أن المهدأت مش علاج، وكان لأزم تتعرض على مختص، الحمدلله أننا لحقناها.
_هتكون بخير مش كدا؟
-إن شاء الله، متقلقش هتقوم منها، دلوقتي مهمتك أنك تتكلم مع والدها، تشرحله كل حاجة.
_أنت حكيتله؟
-مش كل حاجة، بس فهمته أنك عارف التفاصيل وهتحكيله، جهاد لأزم تخرج من هنا على مصحة.
_أنت بتقول إيه يابني؟
-دا الحل الوحيد، حتى لو رفضت أنا مش هسمحلها تموت، مش هسمحلها تحرمني منها.
عم هدوء في المكان بشكل خلاني أفقد كل ذرة في أعصابي، كان جدو قاعد ما أبوها بيحكيله، والتاني بيسمع وعيونه حالفه ما تبطل عياط، وأنا واقف قدام أوضتها بعد ما نقلوها للعناية المركزة، واقف بتأمل سنيني اللي بتضيع معاها، لحظات مرت كأنها عمر، نايمه والأجهزة متوصله بيها، باهته كأن الدنيا سرقت ألوانها، خدت نفس طويل ولفيت وأنا بتكلم بكل حزم.
-أنا عايز أكتب على جهاد دلوقتي.
_أنت بتقول إيه يا مُراد؟
-زي ما حضرتك سمعت يا بابا، أنا عايز أتزوجها، دلوقتي تصحى تلاقي نفسها مراتي.
أتكلم جدو بهدوء وهو بيحاول يفهم كلامي.
_الأمور مبتمشيش كدا يا مُراد يابني.
-جدو أنا عايز ألمسها، طول ما هي بعيد كدا لا قادر أساعدها ولا حتى أساعد نفسي.
_طب على الأقل استنى لما تفوق يا مُراد!
قالها بابا وهو بيحاول يهديني، بس تجاهلت كلامه وقربت من أبوها اللي كان سرحان وفي عالم تاني.
-أنا عارف شعورك دلوقتي، وخصوصًا بعد كل اللي عرفته، صدقني أنا عايزها تعيش وتكون أحسن من كدا، أديني فرصة أساعدك ترجعها.
عيونه جات عليا وفضل شوية يبصلي بتركيز، دموعه نزلت وهو بيمسك أيدي وبيتكلم برجاء.
_هترجعهالي صح؟
-أوعدك أنها هتكون بخير.
_وأنا موافق، أنا عايز أصلح ولو جزء من الخراب اللي سببته في روحها.
طبطبت على أيده وأنا بقوم من قصاده وبخرج فوني من جيبي، كلمت واحد صاحبي خدلنا معاد من مأذون كان قريب من بيته، سبت جدو في المستشفى وخدت بابا وأبوها ورحت، قرار صعب قلبي كان متحكم فيا، مكنتش شايف غير شكلها وهي بين الأجهزة.
_بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير.
جملة قالها المأذون في نفس الوقت اللي جدو رن فيه، رديت بسرعة.
_جهاد فاقت يا مُراد.
-الحمدلله، الحمدلله، أحنا جايين على طول.
_متتأخروش.
طمنتهم عليها وخرجنا بسرعة، مكنتش أتخيل أن زواجي يكون بالشكل دا، وأن جملة المأذون تمر علينا كدا كأن ملهاش معنى، وصلنا المستشفى، وأول ما وقفنا قدام أوضتها أتكلمت بهدوء.
-جماعة أنا بقول جدو يدخلها الأول.
نظرت حزن أحتلت عيون أبوها بعد ما كان مبسوط أنه هيشوفها وأنها بخير، بس غصب عني، لأزم تشوف حد هي عارفة ومتأكدة من مشاعره أتجاها، حتى لو حصل وزعلت منه، لكنها واثقة أنه بيحبها، جدو فهمني ودخل بهدوء، وقفت أنا وأبوها برا بعد ما والدي روح علشان يشرح لماما كل اللي حصل.
_كدا تخضيني عليكِ!
قلتها بهزار وأنا بقعد قصادها، كانت فاتحه عيونها وباصه للسقف، حتى ملتفتتش على صوتي، بكيت وأنا شايفها كدا، يمكن أخر مرة دموعي نزلت يوم موت فاطمة مراتي، النهاردا حسيت إني بخسرها تاني، قربت أيدي من أيدها ومسكتها، أول مرة أمسك أيدها من يوم ما عرفتها، حسيتها أترجفت وجسمها أترعش، عيونها أتحركت على أيدها بسرعة، فضلت ثابته، أتكلمت أنا تاني.
_وجعتي قلبي عليكِ، كنت خايف تسبيني وتمشي، وكأن مكتوب على قلبي يودع كل أحبابه.
رفعت عيونها وبصتلي، كانت نظرة ميته مفهاش حياة، رغم كل اللي مرت بيه دي أول مرة أشوف النظرة دي في عيونها، متكلمتش فرجعت أتكلم وأنا بمسح دموعي.
_مش عايزه تردي عليا، قلبك قادر يشيل مني كل دا، ردي حتى لو هتقولي كلام يزعلني أنا ياستي راضي.
متكلمتش برضو، ضميت كفها بين كفوف أيدي وأتكلمت بقلق.
_مالك؟ أنتِ حتى لو زعلانه مني بتتكلمي معايا، أندهلك بباكِ طيب؟
فضلت ساكته مش بترد، بس سحبت أيدها من بين أيديا ولفت وشها الأتجاه التاني، قمت بسرعة وخرجت من الأوضة وأتكلمت بلهفة.
_مش بترد عليا يا مُراد، صاحيه وسمعاني وشيفاني بس مش بترد.
_يعني إيه، بنتي مالها؟
-أهدوا، أنا هتكلم معاها.
دخلنا كلنا المرة دي، أول ما شفتها عرفت أنها مش عايزه تتكلم بأرادتها، حالات كتير مرت عليا في العيادة أو المصحة بنفس الشكل، رافضين يتكلموا بسبب الأذى النفسي اللي أتعرضوا ليه، قربت أتجاها وأتكلمت وأنا شايف أبوها بيمسك كف أيدها وبيبوسها.
-مش عايزه تقولي حاجة؟ ولا حتى لبباكِ؟
_هي مش بتتكلم ليه؟
-فقدان نطق مؤقت.
_إيه؟
بدأت أشرحلهم حالتها، وأن في فقدان نطق نفسي بيتعرضله المريض بسبب رفضه للحياة، بس بيتعالج منه مع الوقت، سكتوا وكانوا بيبصولها بحزن، كنت حاسس إني عايز أمسك أيدها، الأيد اللي دايما بشوفها بتحضنها وبتحميها، بس مقدرتش، كأن في حاجز بيمنعني، فكرت أنها لأزم ترتاح دلوقتي، حتى مواجهة بباها وأعتذاره مش هينفع دلوقتي، أتكلمت وأنا ببعد عن سريرها، كلام صدمهم.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مراد وجهاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!