روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثامن والعشرون

رواية أغصان الزيتون البارت الثامن والعشرون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثامنة والعشرون

“وعلى كُلٍ تحمّل تبعات إختيارهِ.”
_____________________________________
أصغت إليهِ بتحفزٍ، وهي تسمع منه نجاحهِ في المهمة التي وكّلتهُ بها، فـ تبسمت بسمةٍ ملتوية، تُناقض كل ذلك السعير الذي ملأ حشاها، وهي تذكر الجزء الأهم من الحبكة التي رسمتها، كي توقع بـ “حمزة” شرّ وقيعة :
– هنوصل لشاكر إن حمزة هو اللي خطف ميان، وخليهم هما الأتنين يواجهوا بعض.
شعّ الحقد من نبرتها وهي تستكمل :
– خلي حمزة بقى يدورله على ميان، ده لو عرف يلاقيها.
صمتت هنيهه ثم أردفت بـ :
– لأ لأ، خليها معززة مكرمة عندنا، بس أنقل الخبر لـ شاكر وسيب الباقي عليه، هو ما هيصدق الفرصة جاتله عشان يولع في حمزة وأبوه.. وساعتها يبقى إبني مُقابل بنت شاكر، وهو بقى يختار هيعمل إيه.
أغلقت المكالمة وعيناها على حقيبة الصغير، فـ انقبض قلبها بتألمٍ وهي تتخيل وضعهِ الآن، تُرى هل هو جائع، أم يحتاج لتبديل حفاضتهِ، أم يبكي بحثًا عنها، أو قد يكون نائمًا بعد صراع مع البكاء لغياب رائحة أمهِ عنه. منعت نفسها بصعوبة شديدة من أن تبكي أو تستسلم لحالة الإختناق الشديدة التي عصرت فؤادها، وهي تُعايش مشاعر الفقد التي توزعت على السنوات الماضية كلها في يومٍ واحد. سحبت شهيقًا عميقًا لصدرها حبستهُ لحظات، ثم ذفرتهُ على مهلٍ مستجمعة بذلك رباطة جأشها، ثم تابعت ضبّ كافة الأغراض لتغادر منزلهم في الحال – وبصفة مؤقتة -، لحين إنتهاء تلك الدورة الشرسة الدائرة بينهم، من ردّ الصاع بصاعين وهكذا…

 

 

سحبت حقيبة خلفها وعلقّت حقيبة الظهر على كتفها، ثم خرجت من الغرفة وهبطت الدرج بتأنٍ، لتواجه “أسما” لدى مقدمة الدرج، وهي ترنو إليها بنظراتٍ مبتسمة حملت معنى شامت ظاهر بوضوح، ثم سألتها بنبرةٍ مثيرة للأعصاب :
– إيه ؟.. خلاص هتمشي وتسيبينا.
مضت “سُلاف” في طريقها وكأن “أسما” ذرة من غبار مرّت دون أن تراها، سلكت الطريق نحو الباب ثم خرجت ثم مباشرة نحو البوابة. أشارت لأحد التابعين لها حتى حضر بين يديها، فـ أملت عليه أمرها :
– هات العربية قدام الباب وبلغ الجماعة يجهزوا عشان نمشي من هنا خلال دقيقتين.
– تمام يافندم.
والتفتت لتلقي نظرة على المنزل وهي تهمس بـ :
– أضحكي شوية ياأسما، بكرة أخليكي تعيطي بدل الدموع دمّ.
*****************************************
ظل واقفًا بجمودٍ في مكانهِ، متصلبًا دون أن يتحرك حركة واحدة، يشاهد ما يحدث من حولهِ بحسرةٍ مقهورة، حتى بدأ الجمع المحتشد يتفرق رويدًا رويدًا، ورجال الإطفاء قد أتمّوا مهمتهم بالسيطرة على الحريق الناشب دون أن تُصاب أي أرواح. لم ينتبه لذلك الصوت الذي يتحدث بالقرب منه :
– ياأستاذ!!.. سامعني؟.
انتبه له مؤخرًا، وكأن سحابة مظلمة تُغطي عيناه فلا يرى أي شئ بوضوح؛ لكنه تعامل وكأنه في كامل قواه العقليه وثباتهِ الإنفعالي :
– نعم.
– بقولك المكتب كان فاضي والحمد لله سيطرنا على الوضع.
أومأ رأسه دون أن يُضيف شيئًا، وانخفض بصرهِ لأسفل وهو يفكر قليلًا، لحظات وأخرج هاتفهِ، وبدأ إجراء إتصال تليفوني :
– أنت فين يانضال؟.
وصل لمسامعه صوت قهقهات وشئ من الجلبة، فلم يشعر بنفسهِ إلا وهو يصيح فيه هادرًا :
– المكتب كلوا خرج عشان تاكلوا برا وسايبين مكتبي يولع!! مش كده يا نضال؟.
بدا صوت “نضال” گمن أصابتهُ صدمة مُفزعة، واهتزت نبرتهِ المتوترة وهو يسأل :
– يولع إزاي يعني!..
لم ينتظر كل تلك التفسيرات والمُهاترات، وأغلق الهاتف وهو يرفع عيناه نحو المكتب الذي أصبح عبارة عن كُتلة متفحمة. لمعت عيناه بوميضٍ مقهور، وتلك الوخزة المكلومة في صدرهِ المُلتهب، وإذ بها تظهر بصورتها أمام عيناه فجأة، وكأنهُ بذلك وصل للمتسبب الرئيسي في نكبتهِ الكارثية، لم تطاوعهُ أقدامه على الصعود هناك مستثقلًا تلك المشاعر الشرسة التي تنخر عظامهِ وعقلهِ وكل أنحاءهِ، فـ عادت خطواته تسير نحو سيارتهِ واستقر بداخلها ليجلس بعض الدقائق القليلة، تُرى ماذا عساه أن يفعل؟. وكيف سيواجه رغبة الإنتقام اللعين التي تسوقها لكل ما تفعله؟. لا يدري، حتى إنه لا يدري ماذا عليه أن يفعل الآن؟!.
***************************************

 

 

جلست “أسما” في حديقة المنزل بعدما بقيت خاوية تمامًا من أي ضيف ثقيل عليها، واستمتعت بكوب من القهوة الفاتحة في هذه الأجواء اللطيفة، بعد أن غادرت “سُلاف” تمامًا ولم يبقى لها أو رجالها أي أثر. سحبت شهيقًا مسترخيًا لصدرها، ومددت ساقيها على المقعد المقابل وهي تردف بخفوت :
– يـــاه، الواحد كان ناسي طعم الراحة وهو في بيته!.
ضغطت على رقبتها ضغطات لينة وكأنها تُمرنها قليلًا، ثم تابعت :
– الواحد محتاج مساچ يرجعله طاقته من تاني، و….
– أســــما.
انتفضت مع سماع صوت “صلاح” المرتفع، وقبل أن تهبّ واقفة كان صوته يتابع عبارة أخرى :
– قاعدة ولا على بالك اللي بيحصل حواليكي.
نهضت عن جلستها بعدما تركت فنجان القهوة، وتسائلت بإستغراب لم يتداركهُ الوعي بعد :
– في إيه ياصلاح؟؟.. وبتزعق كده ليه؟.
فـ أخبرها بالخبر المأساوي على الفور :
– إبنك مكتبه ولع، بقى حتة فحمة!.
كتمت شهقة وقد اتسعت عيناها عن آخرها، وظنت في “سُلاف” على الفور :
– ياخبـر أسـود!!.. أكيد هي اللي عملتها بنت الأبالسة!.. ما هي مش بتتهد أبدًا.
تركها “صلاح” تندب حظها وقد نفذ صبرهِ، وهمّ ليلحق بولدهِ ويسانده بتلك اللحظات العصيبة التي يمر بها، فـ تتبعتّهُ “أسما” بخطوات سريعة كي تستطيع اللحاق به :
– خدني معاك لحمزة يا صلاح.
—على جانب آخر—
كان “حمزة” قد وصل بالقرب من منزله في توقيت قياسي للغاية، متوقعًا إنه سيجدها هناك، ومن ثم سيحرق قلبها حرقًا كما أحرقت مكتبهِ، وحينما تباطئت سرعتهِ تدريجيًا كي يستعد لصفّ السيارة، وجد سيارة أخرى تهجم على مؤخرة سيارتهِ بعمدٍ كي تصيبها، فنظر عبر المرآة وهو يطلق سبّة قذرة :
– إبن الـ ×××× ده أنا هطلع على أهلك قرف اليوم كله.
وترجل مندفعًا من سيارته، وقد بيّت نية عدوانية لسائق تلك السيارة، لولا إنه لمح “شاكر” يندفع نحوه بهياجٍ منفعل، فـ توقف بمحلهِ مصدومًا، وهو يسمع بآذانهِ ذلك الكلام المريب الذي لا يعلم شيئًا بشأنه :
– أنا هدفنك هنا ياحمزة، هـ أحسّر أبوك على شبابك يا حـيوان.
وهجمّ عليه گالحيوان الضاري، يكاد يهلكهُ ضربًا، لولا أن “حمزة” تصدّى لذلك جيدًا وهو يصيح فيه بغضبٍ مستعر :
– لو مكنتش راجل كبير لـ كنت جيبتك تحت عربيتي أقسم بالله.. أنت اتجننت ولا مخك عياره فلت.
لكمهُ “شاكر” لكمةٍ أصابت نصف وجهه السفلي و :
– أنا بتقولي كده يا ×××××.
خرج “صلاح” ومن خلفه زوجته وقد تفاجأ بهذا الوضع المرعب، فـ أوفض مسرعًا وقد تداركهُ الفزع أثر رؤية مشهد گهذا :
– شـاكـر!!.
وتدخل بينهما ليفضّ هذا الإشتباك بصعوبة شديدة، لهث “شاكر” متناولًا أنفاسه بصعوبة، وأردف ممتعضًا وقد تبينت حُمرة عيناه الغاضبة :
– بتخطف بنتي أنا ياحيوان؟.. وحياة أبوك ما هتعيش فيها!.
جحظت عينا “صلاح” بعد سماع ذلك، بينما هدر “حمزة” بصوتٍ خشن خرج من بواطنهِ الحانقة :
– مين خطف مين؟؟.. أنا ولا أعرف حاجه عن بنتك ولا شوفتها!.
دفع “صلاح” “شاكر” برفق ليبتعد قليلًا، وبلهجة دبلوماسية إلى حدٍ ما كان يُهدئه قليلًا :
– إيه بس اللي بتقوله ده ياشاكر بيه؟؟.. حمزة عمره ما يعمل كده مهما حصل.

 

 

لم يتحمل “شاكر” دفاع “صلاح” عن ولده، وزأر بعصبيةٍ مفرطة :
– كل حاجه بتقول عليها مستحيل بتطلع حقيقة في الآخر ياصلاح!.. بس المرة دي مش هسكت، وحق بنتي هيبقى من دمهُ.
– بــقـولك محـصـلش.. مــحـصـلـش!.
ازدرد “صلاح” ريقهِ بصعوبة و :
– أهدا بس وفهمني الكلام ده جبته منين؟.. صدقني أكيد حد بيوقع بينا.
– أنا ســامع صـوت بنتـي بوداني يا صـلاح، إيـه!! عايز تجننـي أنت وإبنــك!.
وفي لحظةٍ طائشة كان يستل سلاحهِ من مخدعهِ المُعلق بأكتافهِ، فـ تعالت شهقة “أسما” التي حضرت على ذلك المشهد المخيف، بينما قبض “صلاح” على ذراعهِ لئلا يفقد أعصابه فـ تحلّ الكارثة الحقيقية :
– لأ ياباشا لأ، السلاح يطول وبعدين تندم!.
لم يعبأ “حمزة” بذلك التهديد العلني كثيرًا؛ ولكن ما شغلهُ هو إدانته بفعلٍ لم يفعله :
– ولا يفرق معايا سلاحك ده، أضرب لو راجل صحيح.
لكزهُ “صلاح” بقوةٍ في صدرهِ كي يقطع صوتهِ نهائيًا :
– أخـرس أنت ياحـمزة.
تدخلت “أسما” وهي تسأل بصوتٍ يرتجف من فرط الرعب :
– إيه اللي بتعمله ده ياشاكر؟.. برضو إحنا كنّا أهل في يوم ميصحش كده!.
فـ صاح “شاكر” في وجهها هادرًا :
– وإبنك مراعاش كده ليه قبل ما يخطف بنتـي!..
فـ أقسم “حمزة” بملء فمهِ، وصوتهِ يكاد يفقأ مسامعهم :
– قولتلك مـش أنـا!.. هخـطفـها لـيه وعـشان إيـه!؟.
فـ خمّن “شاكر” إنه يضغط عليه بتلك الوسيلة، كي يخضع له ولـ “تهاني” أيضًا :
– عشان تلاقي وسيلة تخليني أعمل اللي قولت عليه!.
قطب “صلاح” جبينه بغير فهم، وانتقلت نظراتهِ لولدهِ وهو يسأل :
– هي إيـه الحكاية ياحـمـزة؟؟ ما تفهمني!.
لم يجيب “حمزة” على سؤال والدهِ متجاهلًا إياه، فكر في حلّ سريع يُخلص به نفسه مؤقتًا، كي يتمكن من التفكير على الأقل :
– أسمع ياعمـ…..
وقطع كلمتهِ من منتصفها ليُعيد صياغة لقبهِ من جديد :
– يا شاكر بيه.. طالما اللي عمل كده حطني في الوش يبقى أنا ملزم أرجعهالك، بس فهمني إيه اللي حصل وخلينا ننقذ الموقف.
لم يصدق، وبدا له هو المتهم الوحيد المنطقي الذي قد يقوم بأمرٍ گهذا :
– عايز وقت عشان تفلت بعملتك مش كده!.
– والله لو عايز بنتك بصحيح مفيش قدامك غير إنك تساعدني عشان أساعدك.

 

 

رنّ هاتفهِ في جيبهِ فـ أخرجهُ ليجد رقم غريب يتصل به، وكأن حدسهِ أخبرهُ بأن هذه المكالمة هي المُنتظرة، فـ أجاب على الفور وهو يشير للجميع كي يلتزموا الصمت :
– ألو.
– إبني قدام بنت شاكر، ومفيش قدامك غير ساعة زمن واحدة تحل فيها الموضوع ده.
وأغلقت الهاتف في وجهه، كي تُحل كل إشارات الإستفهام ويتضح الأمر أمام عينيه وضوح الشمس. لم يترك نفسه متأثرًا بالصدمة، وتحرك على الفور كي يعاود لسيارته :
– عهد عليا ميان هترجعلك النهاردة.
حاول “شاكر” أن يستوقفه ظنًا إنه يتهرب منه، لولا “صلاح” الذي كان عائقًا أمامه و :
– طالما إبني قالك عهد يبقى عهد ياشاكر، ده حمزة القرشي، وأنت عارف كويس كويس يعني إيه حمزة القرشي.
أُجبر “شاكر” على أن يصغى إليهم، رغم كل تلك النيران التي تأكل في صدرهِ وتنهش فيه خوفًا ورعبًا على ابنته، غادر “حمزة” بسيارتهِ أمام عينيه، فـ لم يلبث “شاكر” في مكانهِ :
– لو بنتي مكنتش في حضني قبل المغرب، قول على عيلتك كلها يارحمن يا رحيم.
فركت “أسما” وجهها بتوترٍ وهي تُعايش كل تلك الأحداث دفعة واحدة، ونظرت لزوجها تسأله بـ استجداء :
– فهمني يا صلاح!! إيه اللي قلب شاكر علينا كده!! وخطف إيه ده اللي بيكلم عنه!.
تفهم “صلاح” الأمر على الفور، ولم يحتاج سوى بعض من التركيز كي يربط الأمر بـ “سُلاف” :
– البت دي هي اللي عملت كده!.. حطت بنت شاكر قدام إبنها وهتساوم إبنك عليها، وطبعًا إبنك مش هيقدر ينطق حرف واحد!!.. عشان إيدها المرة دي فيها ميان!.
***************************************
خرج “راغب” من دورة المياة بعدما اغتسل، ومن بين شفتيهِ يُطلق صفيرًا منسجمًا أثناء تناولهِ ثمرة التفاح من طبق الفاكهة، ثم قضم منها وهو يتحكم في درجة حرارة مُكيف الهواء. رنّ هاتفه، فـ ترك جهاز التحكم جانبًا وأجاب على “حمزة” بهدوء شديد :
– أيوة يازوم.. في البيت.
بُهت وجهه فجأة، وجحظت عيناه غير مصدقًا وهو يتلقى الخبر منه :
– إيــه!! مكتبــك انت!!.. طب وعملت إيه ؟.
ظل وجهه هكذا، بل أن تعابيرهِ ازدادت شدوهًا :
– الله الله الله!!.. هو أنا مُغيب ولا إيه؟.. ده انا سيبتك ساعتين زمن، ساعتين بس بنت ال×××× قلبت فيهم الدنيا!..
تحرك “راغب” بعشوائية كي يرتدي ثيابه و :
– أهدى بس وقولي، إيه دخل ميان في الموضوع!..
سحب قميصًا وبنطال من الخزانة وألقاهم على الفراش، وتابع تحدثه إلى رفيقه :
– الموضوع زاد أوي حده، والبت دي لازم نلاقيلها مصيبة تشيلها من حياتنا خالص ياحمزة، وإلا هي اللي هتشيلنا.
تغضن جبين “راغب” و :
– إزاي ده!.. هتسيبلها الواد!… لأ مش معايا، حسنين خده عشان مراته تراعيه، ماانت عارف إني هنا بطولي.. طب خلاص خلاص أهدا، أنا هتصرف.
أغلق الهاتف وألقاه جانبًا و :
– خد الواد ياراغب، هات الواد ياراغب!.. ما هو لو كسرناها من الأول مكنّاش نبقى في الحال ده!.
—جانب آخر—
حاول “حمزة” بشتّى الطرق الوصول إليها، لكنها لم ترد على إتصالاته العديدة، واكتفت برسالة نصية واحدة أرسلتها كي تتخلص من إلحاحه :
“لما إبني يكون معاك هرد عليك”.
حرقت أعصابهِ تمامًا خلال ساعتين كاملتين، وهو گالتائه الذي لا يدري أين هو وماذا يفعل!. حتى إنه لا يجد لها أثرًا ولا يعلم

 

 

أين يجدها بعدما غادرت منزلهِ تمامًا. استعاد الرضيع “زين” من “حسنين”، كي يُعيدهُ مقابل إستعادة “ميان” و إعادتها لـ”شاكر”، ثم يبقى الحساب بينهم فيما بعد. أرسل لها رسالة نصية بما إنها لا تُجيب على إتصالاتهِ، وأفادت الرسالة :
“الولد معايا”.
لم يمر سوى لحظات قليلة، وكانت تتصل به على الفور ، وقبل أن يردف بكلمة واحدة كان يستمع لصوتها :
– سمعني صوته.
فلم يلبي ندائها، وسأل بصرامةٍ :
– ميـان فـين ؟؟.
فصرخت صرخةٍ آلمت أذنهِ :
– بقولك ســمـعنـي صـوت إبنـي.
غلى صدرهِ بنيرانٍ متوقدة، وهو يضع الهاتف بجوار الرضيع الذي كان يتحرك بعشوائية على المقعد المجاور له، ونهنهاتهِ قد بزغ صوتها ليصل إليه، فـ خفق قلبها خفقةٍ مرتعدة، وهي تهمس بإسمهِ بإشتياقٍ جارف :
– زين!.
ابتعد صوتهِ عنها لتسمعهُ يصيح بـ :
– ما تنجزي وتـقولـي انتي فيـن؟.
– أنا في الڤيلا اللي جنبك.
كيف نسى أمر ذلك المنزل الذي ابتاعته لنفسها!.. لم يخطر بذهنهِ أبدًا إنها قد تلتجئ لمكانٍ أقرب إليه مما تتصور. رمى بهاتفهِ دون أدنى اكتراث، وتحرك عائدًا نحو منزلهِ كي يضع الصغير بين يديها، ثم يسترجع “ميان” منها أولًا، وما بعد ذلك سيختلف تمامًا بعد الآن. مرّ الوقت بصعوبة شديدة عليها، وهي تنتظر عودة صغيرها بتلهفٍ مجنون، ظلت واقفة بالنافذة تنتظر، ولوعة الإنتظار تُحطم رحمتها كلما مرّ الوقت، فـ تُضمر له عقابًا أشد وأقسى كلما طال عليها الإنتظار. لمحت سيارتهِ، فـ ركضت ركضًا مهرولًا للأسفل، كي تستقبل الصغير بنفسها وتضمهُ لصدرها وتُعبئ أنفاسها برائحته، فـ ألمها قليلًا وترتاح. وقفت أمام البوابة من الخارج، ومن خلفها “عِبيد” وغيره، حتى وقفت سيارتهِ أمامها مباشرة، فـ هرعت نحو الباب لتفتحهُ، واختطفت “زين” لتضعهُ بين أحضانها، سحبت شهيقًا مليئًا برائحتهِ، وضمتهُ برفقٍ دون أن تشعر بسيل الدموع الذي انهمر من بين جفونها رغمًا عنها. ابعدتهُ قليلًا عنها، ونظرت في وجههِ مليًا وهي تهمس بـ :
– حمدالله على السلامة ياروح قلب مامي.. مش هسيبك أبدًا، مش هديك ضهري تاني أبدًا.
وكأنها سنوات مرّت عليها وليست عدة ساعات فقط. طال الوقت وهي تُشبع عطشها به، حتى أحست بعيناه التي ترصد كل ما يجري منها، فـ تحفزت تعابيرها وعادت تتحكم في نفسها قليلًا، كي تعود لـ “سُلاف” من جديد. رفعت بصرها نحوهِ، گالتي ستأكلهُ حيًا وتقطع من لحمهِ بأسنانها. التفتت وابتعدت عدة خطوات، ووضعت “زين” في أمانة “عِبيد” وهي توصيه :
– خلي بالك منه ياعِبيد.. وأبعت هات ميان ورجعها لأبوها.
فـ تدخل “حمزة” رافضًا ما قالته :
– مش هيحصل، هتسلميني ميان زي ما سلمتك إبنك، محدش هيتدخل في الموضوع.

 

 

رمقتهُ بإستخفاف، وقد استعادت إعدادت المصنع خاصتها، وهتفت بـ :
– إنت هتيجي معايا أنا، في مشوار مهم هنروحه سوا.
قطب جبينه بنفورٍ و :
– مشاوير وإيه وهباب إيه!.. أنا مش فاضيلك.
– مش عايز تعرف أنا عايزة منك إيه؟؟.. هقولك.
برقت عيناه بوميضٍ متحفز، شعر كأن ما فعلهُ قد أتى بثمارٍ ناجحة، حتى وإن كانت بعد عناءٍ وعذاب، فـ وافق الفور، على أمل أن يصل إلى ذلك السرّ أخيرًا :
– يلا.
أشارت نحو سيارتها و :
– سيب عربيتك وهما هيبعتوها البيت.. النهاردة هتيجي معايا وأنا السي هسوق.
واستبقتهُ نحو سيارتها، جلست خلف المقود وبدأت تستعد للقيادة، بينما لم يفوّت “حمزة” تلك الفرصة وركب جوارها كي يتخلص من هذا الأمر ويصل إلى سرّها. كان “عِبيد” يتطلع إليهم بنظراتٍ قلقة، ذمّ على شفتيهِ بضيق شديد، وهمس بـ :
– هتودي نفسك في داهيه!.. وطريقك نهايته موت يا سُلاف!.
طال الصمت بينهما، بعدما أبلغتهُ إنهما سيذهبا معًا لمكانٍ هادئ يتمكنان من التحدث فيه. بدأا قيادتها تتغير، أسرع، أكثر تهورًا، وأقل حذرًا. لاحظ ذلك التغير الواضح وكأنها تلقي به وبنفسها للتهلكة، فـ تدخل بالأمر بعدما تسللت إليه مشاعر الريبة:
– أنتي كده هتموتينا!.
لم تأبه به، كأن مسامعها لم تتلقى صوتهِ، نظر حيالها، تعابيرها المتحفزة ووجها المصاب بالوجوم، كل شئ ينذر بمُصيبة على وشك الوقوع، على ما يبدو إنه سقط فريسة سهلة لفخّها، وهذا ما استشعره مؤخرًا، فـ وضع يده على المقود ليختبر صحة شعورهِ من عدمه :
– أقفي علي جنب!.. بقولك أقـفـي.
زادت سرعتها، وتجاوزت حادثة كادت تُرتكب في الحال، فـ تمسك “حمزة” بالمقبض جيدًا وهو يصيح فيها :
– أنتـي يامـجنونة!.. بقولك هـنـمـوت.
تجردت من كافة المشاعر، وهتفت بـ صوتٍ اختلجهُ نبرة مختنقة :
– مش عايز تعرف أنا عايزة منك إيه؟.. هو ده اللي عايزاه!.
– هـو إيـــه؟؟.

 

 

صرخت بصوتها صرخةٍ مدوية :
– تـــمــوت!.. عايـزاك تـموت، تـمـوتـوا كـلكم.
نظر بعينان زائغتان إلى الطريق، ونبضاتهِ تتسارع گأنهُ سباق للركض، وقرر أن ينقذ هو نفسه، دون أن يكترث تفكيرهِ بأيًا من التراهات التي تفوهت بها. وضع يداه على المقود، ودفعها للوراء كي تبتعد ويسيطر هو على الطريق، لكن قدمها راحت تدعس بقوةٍ دون أن تتوقف ، فـ تضاعفت السرعة أكثر وأكثر، لم تكتفي، بل هاجمتهُ كي تتحكم في عجلة القيادة وهي تصرخ وتصيح أثناء بكاءها گالحيوان الجريح :
– عرفت إيه اللي هيحصل لما تختبرنـي بـ إبني؟؟.. شـوفـت أنا مـين ؟.. أنا أقدر أموتك وأموت نفسي دلوقتي ومش مهم أي حاجه، سمعت، مش مـهـم أي حــاجـــــه.
وظلّ الصراع بينهما قائمًا حول من يسيطر على القيادة، محاولًا “حمزة” تفادي أي حـادث سـيؤدي بهما للـهـاويـة، ولكن القـدر كان قد اخـتار وضـع آخـر تمـامـًا….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى