روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الثامن عشر 18 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الثامن عشر 18 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الثامن عشر

رواية خطايا بريئة البارت الثامن عشر

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الثامنة عشر

ما قد يبدو لك خسارة قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي سيصبح فيما بعد مسؤولاً عن إتمام اعظم إنجازات حياتك”.
(أحلام مستغانمي)

—————–

بعد صرختها المدوية شهقت “سعاد” بقوة وبرقت عيناها وصاحت بجزع وهي ترى بقعة من الدماء تلوث ملابسها:

-“رهف”… انتِ بتنزفي!

نفت “رهف” برأسها بضعف وكأن عقلها يرفض أن يستوعب أن تلك الخيوط الدافئة التي شعرت بها ماهي إلا بشارة خسارتها. فما كان منها غير أن تغمغم بقهر وهي تحتضن اسفل بطنها وكانها تحاول أن تتمسك بما كان يسكنها:

-البيبي هيروح يا “سعاد” أه ه ه ه

ه ه ه ه ه ه

تأوهت بقوة وهي تشعر أن الألم يتعدى قوة احتمالها، فكانت حرفيًا تشعر بأن شفرات حادة تمزق أحشائها فما كان منها غير أن تستسلم لذلك الظلام الذي سحبها بداومته وأسقطها فاقدة للوعي، تاركة “سعاد” في حالة من الهلع تصرخ بإسمها وتربت على وجنتها ولكن دون جدوى فكانت هامدة وملامحها شاحبة تحاكي الموتى مما جعل “سعاد” تهب بأعصاب تالفة تتناول الهاتف لطلب المساعدة ودمعاتها تنهل من عيناها تشوش رؤيتها. طرقات قوية على باب الشقة فزعتها واسقطت الهاتف من يدها بعدما حاولت جاهدة السيطرة على ارتجاف يدها كي تتحكم بشاشته ولكن لم تفعل لتهرول راكضة تفتح الباب بتلهف شديد لتجد حارس البناية يقف أمام باب شقتها وعدة أشخاص من جيرانها يقفون على مقربة منه وقبل أن تطلب المساعدة صدر صوت الحارس قائلًا:

-لامؤاخذة يا ست “سعاد” السكان سمعوا صوت زعيج وصراخ من حداكم خير في حاجة

هزت رأسها بقوة واندفعت بالحديث مستنجدة:

-ايوة حد يلحقني بنت عمي قاطعة النفس

وقبل أن تستأنف حديثها اندفع شخص من بين الحاضرين وأخبرها أنه طبيب وبعد أن تخطاها للداخل جثى على ركبتيه وتحسس نبض “رهف “وعاينها معاينة سريعة بعيون خبيرة وقال بعملية:

-لازم تتنقل للمستشفى فورًا النبض ضعيف والنزيف لازم يوقف

وافقته “سعاد” بحركة من رأسها وهي تنتحب بقوة على حال رفيقتها،

لتندفع سيدة من جيرانها وتدعى “كريمة ” وتقول بتعاطف:

– يا حول الله يارب … مستني أيه يا ابني البنت هتروح مننا اتصرف

أجابها بسرعة بديهية:

-انا عربيتي تحت البيت هخدها على المستشفى فوراً

قالها وهو ينظر بعينه على ارجاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء بعينه وإن وجد غايته خطى نحو طاولة الطعام التي تتوسط الردهة وسحب ذلك المفرش الثقيل ووضعه على جسدها المسجى ارضًا ثم انحنى بجذعه وحملها برفق و هرول مسرعًا إلى الخارج وقد تبعته “سعاد” باكية لا تفكر بشيء فقط تدعو لها تاركين خلفهم تجمع جيرانهم الذي انتشر بينهم الكثير من الهمهمات والأقاويل المتعاطفة.

——————-

-ممكن تهدى علشان أفهم

قالها “يامن”بنفاذ صبر بعدما حضر “حسن” لتوه وظل يدور حول نفسه كالثور الهائج

ليجيبه هو بانفعال :

-أنا ازاي كنت مغفل كده…دي خططت ونفذت وأنا شبه الأهبل مخونتهاش

= يا اخي اهدى بقى خَيلت امي فيها ايه يعني لما خدت شوية فلوس من حسابك

_أنت هتقولي فيها ايه بقولك الهانم سرقتني وسحبت كل فلوسي ده غير أن بنت عمها مقويها ومخلياها عايزة تتطلق

تناول “يامن” نفس عميق وقال باستغراب شديد:

-انا مش مصدق أنك بتتكلم عن “رهف”!

ليتهكم “حسن” بعدما صدر من فمه ذلك الصوت الساخر المعتاد:

-لأ صدق”رهف” الطيبة المنكسرة اللي كلكم كنتوا بتيجو عليا علشانها طلعت خبيثة وسرقتني لأ وكمان سابت البيت وبتقولي مستحيل ارجع اعيش مع واحد زيك…

زفر “يامن” بقوة وقال بفطنة وبنبرة ماكرة:

-بقولك ايه متلفش وتدور عليا أنا حافظك كويس …هات من الأخر وقولي عملت أيه وصلها لكده!

زاغت عين “حسن” بتوتر ومرر يده بخصلاته الفحمية وهو يتيقن أن لا مفر من إخباره بالحقيقة كاملة، ولذلك تحاشى النظر له وقال بنبرة مهتزة بعض الشيء:

-ما أجرمتش …انا عملت زي ما شرع ربنا قال واتجوزت…

جعد”يامن” حاجبيه وكرر بعدم استيعاب:

-اتجوزت …

أكد “حسن” باقتناع تام:

-ايوة اتجوزت ده حقي وبعدين هي اللي كانت مقصرة معايا و اضطرتني لكده

ضرب “يامن” كف على آخر وتمتم بعدم رضا موبخًا اياه:

-مقصرة ايه يا ضلالي دي مراتك قايدة صوابعها العشرة شمع علشانك…بطل بقى ترمي عليها واتقي الله واعترف أنك أنت اللي دنيِ وميملاش عينك غير التراب

لوح “حسن” بيده وقال وشيطانه يغشى على عينه وهو يشعل أحد سجائره كي ينفث بها غضبه:

-انا مش دنيِ انا حبيت “منار” وبعدين مبسوط معاها و”رهف” غصب عنها لازم تتقبل الوضع برضاها او غصب عنها خلاص اللي حصل حصل مفروض تعيش وترضى وتربي عيالها

تأفف “يامن” من طريقة تفكير ابنة خالته العقيمة وقال بجدية شديدة:

-أنت قررت تتجوز وتستغل اللي الشرع حلله ليك بس هي كمان من حقها تختار يا تقبل او متقبلش وصدقني في الحالتين انت اللي خسران لأن لو قبلت هتفضل تنغص عليك عيشتك و عمرها ما هتنسى أنك كسرتها واتجوزت عليها ولو مقبلتش وصممت على الطلاق يبقى شتت عيالك و خربت بيتك وضيعت الست الأصيلة اللي طول عمرها مستحملاك رغم طباعك الزفت

فارت الدماء برأسه من حديثه ليجد نفسه يصرخ بهياج شديد بعد أن خُيل الأمر برأسه:

-مش هيحصل …ولادي هاخدهم منها غصب عن عينها، وهجبرها ترجع بيتها وترضى بالأمر الواقع بس طبعًا بعد ما تبوس رجلي وتعتذرلي وترجعلي كل قرش خدته

زفر “يامن” بقوة من تَجبر ابن خالته وهدر قائلًا بحدة:

-أنت باين عليك اتجننت عايز تغصبها وتلوي دراعها بالعيال علشان تتقبل جوازك ده إيه الجبروت اللي أنت فيه ده يا اخي! وبعدين ما الفلوس بتاعتها وكل اللي انت وصلتله ده كان بفضلها ولا أنت نسيت

لم يعجبه الحديث وانفعل قائلًا بحمئة غبية:

-يوووه بقولك ايه انا غلطان اني جتلك وأنا عارف أنك عمرك ما هتفهمني ولا هتقف في صفي…ليصدر من فمه ذلك الصوت المتهكم ذاته ويقول بفظاظة أثارت اعصاب”يامن” على الأخير:

-وبعدين محموق اوي وعامل فيها حامي الحمى واللي يشوف كده ميقولش أن العز اللي أنت فيه ده مش من فلوس مراتك اللي اتجوزتها وهي مغصوبة عليك ومبتقبلكش ورغم كده لسة عندك أمل تبصلك نظرة رضا واحدة علشان تترمي تحت رجليها

شعر أن بركان نيرانه مستعرة تنهش به بعد حديثه وزمجر بطريقة تدل على أنه يحاول كظم غيظه حين قال وهو يرفع سبابته أمام وجهه بتحذير:

-كلمة كمان يا “حسن” وقسم بالله مهيحصلك طيب

صدر ذلك الصوت المستخف من فم “حسن”وقال وهو يجذب الأخر من حاشية ملابسه بطريقة مستفزة:

-متعرفش تعمل حاجة و ده أخرك

وبعدين متعملش عليا راجل وروح اتشطر على اللي أنت مش قادر تحكمها الأول

لكمة عاتية كانت رد “يامن” الرادع له بعد حديثه المقيت الذي أصاب صميم كبريائه ببراعة وتلاها صراخه به بنبرة حادة منفعلة للغاية:

-أنا راجل غصب عنك على الأقل انا عمري ما هقبل على نفسي ولا على كرامتي أخد قرش واحد من فلوسها وحقها هرجعه على داير مليم لكن الدور والباقي عليك اللي أخدت فلوسها وروحت اتجوزت عليها بيهم… ولأ كمان مش عاجبك وبتبجح وعمال تجرح يمين وشمال ومش عامل حساب لأي حاجة…يا جبروتك يا اخي

كان “حسن” مشدوهًا من ردة فعله غافل أن بحديثة ذلك كشف الستار عن بواطن الألم بقلب “يامن” وعزز سبب شقائه.

ليقول بتأهب وهو يدلك فكه ويحركه يمينًا ويسارًا كي يخفف من وطأة الألم الذي احتله أثر لكمته:

-هي حصلت تمد ايدك عليا طب واللي خلقك لقطعهالك يا(***)

سبه بلفظ نابي جعل “يامن” يستشيط غضبًا ولكن الأخر لم يكتفي بذلك بل اندفع

كي يهجم عليه ليتمسك كل منهم بملابس الأخر وإن كاد الشجار يحتد أكثر بينهم صرخت “ثريا” واندفعت تحيل بينهم:

-يالهوي … يالهوي هي حصلت تمدو ايدكم على بعض صلوا على النبي يا ولاد ايه اللي حصل

صاح “يامن” بحنق وهو يؤشر بيده على الأخر:

-اسألي الحيوان ده وشوفيه قال ايه…

تسألت “ثريا” بجزع وهي توجه نظراتها ل “حسن”:

-ايه اللي حصل يا بني ليه تقفوا لبعض كده ده انتوا طول عمركم اخوات

تأفف “حسن” وأخبرها بحدة:

-ابنك اللي استفزني لما نسى إن أنا اللي ابقالو و واقف في صف الخبيثة مراتي اللي سرقتني

لم تستوعب “ثريا”ماتفوه به وتساءلت من جديد:

-ازاي يا ابني “رهف” سرقتك فهمني

لم يمهله “يامن” الفرصة لكي يوضح لها بل اندفع قائلًا:

-البيه اتجوز عليها وزعلان علشان خدت فلوسها اللي ادتهالو وطالبة الطلاق…

لطمت “ثريا” اعلى صدرها وشهقت متفاجئة بينما استأنف “يامن” وهو يوجه حديثه له بحدة:

-تصدق وتؤمن بالله انت مش بني ادم انت انسان براس تور ومراتك خسارة فيك وليها حق تطفش من بجاحتك و(***) وكلامك اللي زي السم

قالها بإنفعال وهو يغادر المنزل بأكمله كي لا تثور ثائرته أكثر…

تارك “ثريا” تعاتب الأخر الذي كان يقف بعيون تقدح بنيران الغضب:

-اللي بيقوله “يامن” ده صح يا ابني

تأفف هو ساخطًا ولوح بيده هادرًا بتبجح دون أي لباقة او احترم لتلك السيدة الماثلة أمامه:

-يووووووه أنتوا فلقتوني ….اه صح، ومحدش ليه فيه، وانا غلطان اصلًا إني جيت البيت ده

قالها وهو يخطو نحو الخارج بخطوات واسعة يتأكلها الغضب وكأنه فقد تقدير الأمور وترك لتلك الغريزة بداخله أن تسيطر على كافة قراراته وتلغي عقله؛ فهو يظن أنه لم يخطئ بتاتًا وأن خطيئته مبررة غافل كونه فعل كل ذلك فقط كي يرضي غرور الذكر الذي بداخله ويشعره بالكمال.

——————-

أما في المساء فكانت مازالت تلازم الفراش ولم تتعافى كليًا حين أتت “ثريا” واحضرت معها الطعام ووضعته بجانبها،

لاحظت “نادين” وجوم وجهها واستغربت كونها لم تتحدث معها فقد كانت تجلس بذلك المقعد القريب من فراشها وتحاول جاهدة أن تهاتف “رهف” لتطمئن عنها ولكن بلا جدوى فهاتفها مغلق مما جعل القلق ينهش بقلب “ثريا” التي كانت ملامحها متهدلة ورأسها منكس بحزن بَين أثار فضول “نادين” وخاصًة انها استمعت لصراخ “يامن” خارج غرفتها ولصوت “حسن” ايضًا ولكنها لم تستشف شيء محدد

لذلك تساءلت بعيون زائغة:

-خير يا مرات بابا هو ايه اللي حصل؟

تنهدت “ثريا” وأخبرتها بأسى:

-مش خير يا بنتي “حسن” اتجوز على مراته و”يامن” ما رضهوش الوضع

حانت منها بسمة ساخرة وقالت مستخفة:

-وفيها ايه؟؟

تعجبت “ثريا”وقالت بتلقائية شديدة دون أن تفكر بتبعات حديثها:

= ازاي بس يا بنتي ده خرب بيته بإيده ومفكرش في ولاده ولا في مشاعر مراته اللي طول عمرها سنداه و واقفة جنبه دي غلبانة و متستاهلش كده ابدًا

دفاعها المستميت عن “رهف” ورؤيتها لها كضحية كان بمثابة نزع فتيل لذلك البركان الخامل من الذكريات البائسة بداخلها، فكيف تدعي المثالية الآن وهي ارتضت على أمها نفس المصير من قبل لذلك باغتتها متهكمة:

-وأمي هي اللي كانت تستاهل مش كده يا مرات بابا

رغم تهكمها ولكن صدر سؤالها بقهر وبنبرة متخاذلة جعلت “ثريا” تنفي برأسها وتغيم عيناها قائلة بأسى:

-أمك دي كانت ست الناس كلها وكانت تستاهل كل خير وربنا يعلم كنت بعزها أد أيه

يالكِ من سيدةٍ عطوف ذو قلب حاني حقًا إن لم أكن على يقين تام أنك سبب نكبت والدتي لكُنت صدقت تلك البراءة التي تقطر من حديثك

ذلك ما كان يدور برأسها وهي تطالعها بعيون لائمة احزنت “ثريا” وجعلتها تتيقن أن تلك هي اللحظة المناسبة لتبوح لها.

بينما “نادين” لم تصمت واستأنفت بنبرة كارهة يحفها لوم مقيت نهش قلب “ثريا”:

-وعلشان كده خطفتي جوزها وموتيها بحسرتها

دافعت “ثريا” عن ذاتها:

-انا يا بنتي حرام عليكِ انتِ ظلماني

احتدت نبرة “نادين” وهي تفرغ ما بجعبتها:

-محدش اتظلم غيري انا وامي يا مرات بابا ….امي كانت بسببك مش بتنام ودمعتها مكنتش بتنشف على خدها…أنتِ اللي كرهتيها في الدنيا لما عصيتي ابويا عليها وخلتيه كل يوم يتخانق معاها بسببك

فرت دمعات “ثريا”هاربة على وجنتها واستنكرت:

– محصلش… مكنش بسببي … في حاجات كتير أنتِ متعرفهاش يا بنتي

نفت “نادين” برأسها وقالت وهي تضع صنية الطعام اعلى الكومود و تحاول أن تنهض من الفراش:

-مش عايزة أعرف ومعنديش استعداد اسمع منك حاجة وحتى لو سمعتك مش هصدقك

تمسكت “ثريا” بيدها تحاول أن تستعطفها قائلة:

-علشان خاطري يا بنتي اسمعيني انا عمري ما كُنت وِحشة كده ربنا وحده اللي يعلم أمك كانت زي اختي ومن يوم ما عرفتها وانا واقفة جنبها وعمري ما أذتها ولا شافت مني حاجة وِحشة…اسمعيني يا بنتي وانتِ حرة يا تصدقي يا لأ بس المهم إني أكون ريحت ضميري

حانت من” نادين” بسمة متألمة لابعد حد فعن أي ضمير تتحدث هي،وتعمدت أن تترك الفراش كي تبتعد وتوفر عليها عناء أن تحيك كذبة واهية تقنعها بها وتدافع بها عن ذاتها، ولكن “ثريا” لم تيأس وقالت بصدق شديد:

-انا كنت اقرب واحدة لأمك قبل ما تموت مكنتش بترتاح لحد غيري… وعلشان كده انا أول حد عرف بخبر مرضها اللي كانت رافضة تقوله لحد حتى لأبوكِ وقتها

جعدت “نادين” حاجبيها المنمقين وقالت مستنكرة:

-أنتِ بتقولي ايه امي مكنتش تعبانة

نفت”ثريا” برأسها وتقدمت منها عدة خطوات تسحبها معها كي تجلسها بجوارها واستأنفت:

-صدقيني يا بنتي انا مش هكدب عليكِ …لتتنهد بعمق وهي تتذكر تلك الذكريات الحزينة التي كلما تذكرتها تشعر بلأسى على رفيقتها وتستأنف بعيون باكية:

-امك كانت ست مفيش منها اتنين وكانت علاقتنا ببعض زي الأخوات كنا بنزورها وبتزورنا كان بينا ود زي الأهل بالظبط لغاية ما جه فترة عليها حالها اتقلب و مبقناش عارفين مالها وزنها كان بيقل وعلطول حزينة وسرحانة ده غير انها بقت منعزلة وحابسه نفسها في البيت ولما كنت اروح ازورها كانت تقعد تعيط وتقولي انها حاسة بالذنب علشان مقصرة مع “عادل” و محملاه فوق طاقته وهو مستحملها…حالتها كانت مطمنش ابدًا بس أنا فضلت وراها ومكنتش بسيبها لغاية ما في مرة كنت عندها وتعبت اوي ولقيتها بتاخد مسكنات وحبوب تانية كانت بتخبيها من “عادل ” ولما اصريت عليها وحلفتها إني مش هفتح بوقي قالتلي أن عندها المرض الخبيث وفي مرحلة متأخرة وإن الحبوب دي هي اللي بتخليها تعرف تتحمل الوجع وتتعايش معاكم من غير ما تتحسسكم أنها تعبانة …وقتها حاولت اقنعها تتعالج بس هي كانت رافضة وبتقول انها أضعف بكتير انها تخوض مراحل العلاج على الفاضي.

نفت “نادين” برأسها بجنون وصرخت قائلة وهي توجه لها أصابع الاتهام:

-كدب… كدب أنتِ بتقولي كده علشان تبرأي نفسك …أمي مكنتش تعبانة

هزت” ثريا “رأسها وأخذت تربت على خصلاتها القصيرة بحنو شديد مسترسلة بلا يأس كي تقنعها:

-ميهمنيش أبرء نفسي في عينك أد ما يهمني أنك تعرفي الحقيقة. أمك كانت بتحبك وكُنت أنتِ نقطة ضعفهاوكانت دايمًا تبرر أن معندهاش استعداد تقضي الباقي من عمرها في المستشفيات ومع العَينين كانت شايفة أن وجودها جنبك بالدنيا كلها وكأنها كانت عايزة تشبع منك قبل ما ربنا ياخد أمنته…

نفت برأسها من جديد وهي في حالة صدمة عارمة تحاول أن تستوعب تبعاتها بعيون تغرغر الدمع بهم وبقلب ممزق ينعي فراقها.

لتستأنف “ثريا” وهي تتناول كفوف يدها وكأنها تدعمها وتأذرها:

-حالتها النفسية كانت بتسوء يوم عن يوم، وفي الوقت ده ابوكِ كان هيتجنن ويعرف فيها أيه وكان دايمًا بيلتمسلها الأعذار بس هي كانت مصممة أن مفيش حد يعرف علشان ميتهمهاش بالجُبن والضعف انها رافضة العلاج.

وفي مرة كنت بزورها طلبت مني… صمتت لبرهة تتطلع لملامح “نادين” المستنكرة تتوجس خِيفة من مدى استيعابها للأمر، ولكن الأخرى أخبرتها بنبرة مختنقة متحشرجة على حافة البكاء:

-كملي طلبت منك أيه؟

أجابتها “ثريا” بتلعثم بعض الشيء:

– اني اتجوز أبوكِ واربيكِ.

نزعت يدها من بين راحتها بعنف وانتفضت من جلستها وهي تنفي بسبابتها مستنكرة الأمر بكامل صوتها:

-لا لا لا لا لا لا لا مستحيل أصدق انتِ بتكدبي عليا صح …كل ده من نسج خيالك أمي اكيد مكنتش بالسذاجة دي

أنتِ كدابة وانا مستحيل أصدقك

تنهدت “ثريا “بعمق وقالت بنبرة حزينة بائسة:

-الله يسمحك يا بنتي …بس ربنا يعلم إني مكدبتش عليك ولا عمري قصرت معاكِ أنا رعيت ضميري وحافظت على امانة أمك ليومنا ده ومفيش يوم فرقت فيه بينك وبين ابني

لا تعلم لمَ استشعرت الصدق من حديثها و وجدت ذاتها تود أن تعرف المزيد ولذلك قالت بنبرة مختنقة مغلفة بأنين قلبها:

-كملي…

هزت “ثريا” رأسها واستأنفت:

-انا عارضتها موافقتش وحتى ابوكِ رفض وقتها وكان هيتجنن لما اضطرت تقوله وحلفته ميجبلكيش سيرة عن مرضها كانت فاكرة أنها لم قالتله هتخليه يقبل بس هو رفض وكان علطول بيحاول يأثر عليها انها تتعالج بس هي خيرتنا يأما نتجوز انا وهو يأما مش هتتعالج … وقتها كنا عملنا كل حاجة علشان ترجع في كلامها بس هي كانت دماغها ناشفة ومكنش قدامنا غير نوافق علشان بس نريحها وتقبل تتعالج

لتفر دمعة من عين “ثريا” وتستأنف بألم:

-لكن هي مكنتش أد كلمتها ومقدرتش تتغلب على خوفها وده كان خلاف دايم بينها وبين ابوكِ

لغاية ما في يوم جالي وقالي أنه اتخانق خناقة كبيرة معاها بسبب رفضها وأن يأس من اقناعها واضطر انه يتهمها بالأنانية ويهددها انه هيقولك علشان يأثر عليها مجاش في باله ابدًا أنه هيخسرها بعدها.

مهلًا الآن ترابطت خيوط الحقيقة مع بعضها فما قصته هي لتوها هو ذاته ما استمعت له بتلك الليلة المشؤومة التي لا تنساها مهما حيت، فكانت تستمع لها بأنفاس متعالية وبعيون دامية يهطل منها دمعات حارقة متألمة تنعي بها سنين عمرها التي اضنتها وهي تسعى لأنتقام واهي ليس له أي أساس من الصحة، أيعقل!

لا محال أن تستوعب كم الحقائق تلك دفعة واحدة فحقًا قد تلفت اعصابها على الأخير ولم يعد باستطاعتها غير البكاء لتقترب “ثريا” منها كي تواسيها وتشاركها بؤسها ضامة إياها بقوة لدفء أحضانها، ودمعاتها تنسل تضامناً معها، فما كان من “نادين” غير أن تتشبث بها و

يتعالى على أثر ذلك الحضن الحاني نحيبها الحارق التي كانت تكتم صرخاته وشهقاته المتقطعة بصدرها، وكأنها تنعي بتلك الطريقة كل شيء حتى نفسها.

———————-

كانت تقف مفطورة من البكاء أمام غرفة العمليات لا تستوعب ما آل له حال رفيقتها، فجارهم الطبيب اتى بها إلى المشفى التي يعمل بها وقام بإسعافها بنفسه. تأهبت عندما وجدت بابها يفتح ويظهر الطبيب، لتهرول له متسائلة:

-طمني عليها الله يخليكِ

تنهد وأخبرها بملامح آسفة:

-هتبقى كويسة بس للأسف البيبي نزل ربنا يعوض عليها

شهقت “سعاد” وزاد بكائها بينما هو واساها قائلًا:

-قدر الله وما شاء فعل المهم انها بخير ولسه العمر أدامها

أومأت “سعاد” وشكرته من بين دمعاتها:

-ونعم بالله …انا متشكرة اوي يا لمساعدتك مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه

أجابها برحابة:

-انا معملتش حاجة غير الواجب

حمد الله على سلامتها تقدري تدخليلها بعد ما ينقلوها أوضة عادية ولو احتجتوا حاجة انا موجود وهتلاقيني في مكتبي

اومأت له بامتنان وتساءلت وهي تكفكف دمعاتها:

-بس انا متشرفتش بأسمك

أبتسم بسمة عابرة وعرف عن ذاته وهو يعدل من وضع نظارته الطبية:

-أنا دكتور “نضال توفيق”

-اهلًا بحضرتك انا “سعاد العشري”

هز رأسه بمجاملة وببسمة عملية غادر ليباشر عمله، تاركها تحاول أن تتمالك اعصابها كي تهون على “رهف” وتواسيها في خسارتها

——————-

بعد مرور ساعات الصباح الأولى التي قضتهم صاحبة الفيروزتان في جلسة علاج مع طبيبها النفسي الذي كان يسعى جاهدًا أن يحفزها على الصمود ويساعدها كي تغير مسار أفكارها وأولوياتها.

فكانت تشعر براحة عارمة في كل مرة عن ما قبلها. حتى انها تعودت أن تذهب دون أبيها وقررت أن تعتمد على ذاتها فقرار التغير نابع من ذاتها ولابد أن تتحمل تبعاته وحدها،

أما هو فكان ينتظرها بلا كلل أسفل بناية الطبيب وعندما أتت لموضع السيارة وصعدت بجانبه تساءل بنبرة مهتمة:

-إيه الأخبار طمنيني؟

هزت رأسها ببسمة واسعة وأخبرته وهي تجلس بزاوية المقعد بمواجهته:

-كله تمام …مقدرش اقولك ببقى مرتاحة أد ايه بعد ما باجي هنا وبيبقى عندي طاقة إيجابية تكفي العالم كله

بادلها بسمتها وعقب بتحفيز:

-طب ياريت بقى نوفر الطاقة الإيجابية الجميلة دي للمذاكرة علشان خلاص الأمتحانات على الأبواب

أجابته هي بنبرة مفعمة بلأمل:

-انا فاتني كتير بصراحة بس هحاول أعوض الأيام اللي جاية

اومأ لها وإن كاد يشعل موقد السيارة تساءلت بريبة:

-هتوديني فين؟

رفع منكبيه وقال بإعتيادية:

-هروحك…

نفت برأسها وأخبرته وهي تلملم خصلاتها خلف أذنها بخجل:

-مش عايزة أروح…

لتتلجم لهنيهة تحت وطأة نظراته المتأهبة لباقي حديثها وتستأنف بعدها:

-انا عايزة اروح معاك البيت

صُدم من مطلبها، وخُيل له أنها تمزح ليس أكثر فمن المؤكد أنها ليست بتلك الوقاحة كي تقصد ما وصله، ولذلك تدخل عقله و هدر قائلًا بكامل صوته الأجش وبحدة أجفلتها:

-بيت مين…أنتِ أكيد بتهرجي صح …هو عادي كده تروحي مع أي حد بيته فوقي الله يخليكِ وقولي كلام منطقي انتِ بنت ناس وميصحش

شهقت بتفاجئ من ما استشفه بالخطأ من مطلبها وهدرت بغيظ شديد تدافع عن ذاتها وهي ترفع سبابتها بوجهه:

-انت بتقول إيه … يظهر أنك أنت اللي اتجننت انا مكنش قصدي اللي وصلك كل الحكاية أن طمطم وحشتني وكنت عايزة أشوفها واقعد معاها و اتعرف على أختك … بس يظهر أنك فسرت كلامي غلط وبجد ندمانة إني طلبت طلب غبي زي ده…واتفضل تقدر تروحني

قالت أخر جملة وهي تعتدل بجلستها وتشيح بنظراتها عنه، مما جعله يزفر حانقًا ويلعن تسرعه، ويعتذر قائلًا:

-أنا آسف..بس اصل انتِ ساعات بتعملي وبتقولي حاجات بتطير برج من عقلي ..يعني مينفعش تقولي لشاب هروح معاك البيت اكيد لازم يفهم غلط

نظرت له نظرة مطولة ثم قالت بنبرة معاتبة:

-أنا عفوية ومش متعودة أفكر في الكلام قبل ما اقوله ومش ذنبي أن تفكيرك رجعي

-رجعي ده ابن اختك صح

رفعت حاجبيها تستغرب انه يمزح بينما هو كان يحاول أن يسخر من ذاته ليس منها فهنا تكمن نكبته فتلك الفوارق الطبقية بينهم وطبيعة نشأتهم تجعل الكثير من الأمور لا تتوافق بينهم وهو كان يعلم ذلك جيدًا ولذلك لم يتجرأ ويمنى نفسه بحلم يستحيل تحقيقه. نفض أفكاره المنطقية بعيدًا وأجابها بقناعة تامة:

-“ميرال” انا تفكيري مش رجعي انا اتربيت على كده في أصول الواحد مينفعش يتعداها
(ميراكريم)
زفرت حانقة ثم قالت بكل ثقة:

-“محمد” انت ليك منطق غريب بحاول استوعبه على أد ما اقدر بس أنا بعيد عن منطقك وبعيد عن الأصول وعن اللي أنت اتربيت عليه؛ انا بثق فيك لدرجة إني أأمنك على حياتي كلها وعارفة ومتأكدة أنك مستحيل تأذيني او تخذلني ابدًا.

اتوسلك كفى … قلبي لم يعد يحتمل. ذلك ما صرخ به عقله ولكن ما تفوه به كان:

-هروحك…

قالها وهو يجاهد كي يفر هاربًا من فخ عيناها ويتصنع الثبات بينما هي

تنهدت وهزت رأسها بطاعة حين شرع بالقيادة وأخذت تنظر عبر زجاج نافذتها للطريق بملامح محبطة وعيون اندثرت بها تلك اللمعة الشغوفة بفضله.

أما هو فكان يمسد جبهته بأبهامه وسبابته وعقله يخبره بمنطقية باحتة أن لا يجوز أن تتواجد بمنزله ويسمح لها أن تقتحم حياته البسيطة لذلك الحد، ولكن برر قلبه أنه يضخم الأمور فهي تود الذهاب من اجل ابنة شقيقته ولا مانع من زيارة عابرة لا ضرر منها وخاصًة أنه محال أن ينفرد بها مع وجود شقيقته والصغيرة وعند تلك الفكرة وجد ذاته يضرب بقرارات عقله وبحدود منطقه عرض الحائط،

وهمهم قائلًا دون أن يحيد نظراته عن الطريق:

-بتحبي البامية…

استغربت سؤاله ونظرت له بطرف عيناها دون ان تجيب، ليباشر هو حديثه بنبرة مشاكسة:

-براحتك أصل البت” شهد” عليها طاجن بامية أنما أيه تاكلي صوابعك وراه وياسلام بقى لو بالليمون … بس ياخسارة مفيش نصيب وطلعتي مش بتحبيها

جاهدت كي تكبح بسمتها وقالت وهي تدعى الخصام:

-بحبها واوي كمان بس يظهر أنك بخيل ومش عايز حد يشاركك في الطاجن

قهقه بقوة بتلك الضحكة الخشنة المفعمة بالرجولة التي تعبث بثباتها في كل مرة وتبث قشعريرة لذيدة بأوصالها وخاصًة عندما صدر صوته الضاحك مشاكسًا:

-نبيهة بسم الله ما شاء الله عليكِ وبتفهميها وهي طايرة وبصراحة، اه انا طفس واوي وحاسبي بقى لحسن جوعت على السيرة

عقدت حاجبيها وناوشته وهي تنكمش على ذاتها:

-ايه هتتحول وتاكلني!

قهقه من جديد وقال بغمزة عابثة من بندقيتاه:

-متقلقيش مليش في الحلو.

نكست رأسها كي تخفي أشتعال وجهها من إطراءه المحسوس لها ولم تعقب فقط تبتسم وتنظر لكل شيء عداه بينما هو كان يشعر أن على حافة الهاوية وأن صموده بدأ يتلاشى شيء فشيء وجعلته يسير في درب من دروب الجنون فتصرفه ذلك لم يكن راضياً عنه ولكن ماذا يفعل أمام فتنتها وتأثيرها عليه. تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير صدرت منه عندما تذكر شقيقته فبماذا سيبرر تلك الزيارة المفاجأة يقسم أن أي شيء سيخبرها به لن يخيل عليها.
(ميراكريم)
ليزفر بقوة ويدعو الله بسره أن يمر الأمر بسلام فهو لا يضمن ردود فعل شقيقته.
ترى هل ستتقبل وترحب بها أم ستجن كعادتها وتطردهم معًا

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!