روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وثلاث وعشرين 123 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وثلاث وعشرين 123 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وثلاث وعشرين

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وثلاث وعشرين

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وثلاثة وعشرين

“دائمًا ما تكون البدايات هي الأكثر صعوبة والأكثر متعة.. البدايات هي الإشراقة التي تتدفق لحياتك وكأنها جرعة من السعادة، فـ أحسِن اختيار بدايتك.”
__________________________________
دائمًا ما يكون الإختيار بأيدي الإنسان، وهو اختار أن يتحلى بالهدوء الحكيم من أجل مناقشتها، دونما الحاجه إلى استخدام أساليبهِ الإندفاعية القديمة، والتي أودت به لعُقر المرض.
جلس “حمزة” قبالتها بعدما استمع لقرارها الذي بدا وكأنه الأخير، ثم نظر إليها في لينٍ وهو يبسط أمامها مطلبهِ :
– بس انا محتاجلك هنا، المكتب لسه بيقوم من جديد وانتي الوحيدة اللي أقدر أثق فيها من تاني.. خليكي معايا هنا.
لم تتأثر بكلماتهِ على الإطلاق، وكأن مبررها في ألا تتزحزح عن موقفها هو الإختلاف الشاسع بينهما في طريقة وأساليب العمل، حتى مبادئ وأخلاقيات العمل تختلف بينهما. لذلك كان عليها أن تبتر أي أمل قد يكون لديه بشأن العمل معه، وإن كان ذلك فظًا شديد اللهجة :
– مقدرش، أنا بحب اشتغل في مكان مواكب دماغي، وأنا وانت مستحيل هنتفق في الشغل.. خلي كل واحد في حاله أحسن.
ثم نهضت عن المقعد والتفتت حول محيط المكتب لتخرج منه :
– أتمنى ألاقي مرونة منك بخصوص الموضوع ده.
وقف عن جلسته بعدما انتشر على وجهه علامات عدم الرضا، واضطر أن يكون لينًا لطيفًا – خاصة في بداية عودتهم – حتى يحصل ما يريده من حُبها الذي مازال مدفونًا بين أضلعها وتخشى أن تظهره له.
– ماشي يا سُلاف.. المكتب ده هيكون موجود والعرض قائم مدى الحياة، الوقت اللي تحسي فيه إنك خلاص قدرتي تتخطي فكرة الإختلاف اللي بينا هكون هنا مستنيكي.. بس ده ميمنعش إني أرفض تشتغلي مع الراجل ده.
أرادت أن تُسكت أصوات رأسه الغيورة التي تُلح بإزعاج، فـ أفضت عن بعضًا من نواياها علّه يهدأ :
– مع إني مش بحب أشارك تفاصيل عن شغلي مع حد بس هريحك، أنا مش هرجع مكتب أستاذ عناني مرة تانيه.
كأنه تنفس للتو، ارتاح ولو قليلًا، وظهر ذلك على وجهه وهو يرد بـ :
– كده أحسن برضو.
لم يعتاد بعد على أعراض مرضهِ الجانبية، تلك التي قد تظهر في أي وقت وأي مكان، لاسيما إن كان المريض ذا طابع عصبي منفعل. أحس ببعض الإندمال في أطرافهِ، ورأسه تهتز كأنه دوّار أصابه، فـ تحرك منصرفًا قبيل أن تظهر عليه أعراض أكثر :
– أنا هجيب حاجه من مكتبي وراجع ع طول.
رغم إنه اجتهد لئلا يُظهر لها أي شئ، إلا إنها لاحظت بسهولة تغيير في خطوط وجهه، وإيماءات جسده التي لم تبدو طبيعية للغاية، فـ تحركت من خلفهِ في عجالة لتستكشف ما ورائه، وبدون تفكير كانت تقتحم غرفة مكتبهِ دون سابق استئذان، فـ ترآى لها وضعًا كلاهما لم يحبذ رؤيتهِ. كان “حمزة” قد نغز سنّ أبرتهِ الطبية لضخ الأنسولين في جسدهِ وضبط مستوى السكر الذي بدأ ينخفض في الدم. أطبق جفونهِ يعتصرهم في ضيقٍ من رؤيتها للحظات ضعفه الخاصة جدًا، بينما كان حالها هو الشعور بمزيد من الشفقة على حالتهِ الصحية التي تدهورت هي الأخرى. أوصدت الباب ودنت منه بعدما فرغ مما يفعله، انحنت لتجلس القرفصاء أمامه، ثم نظرت داخل عيناه الحزينة وسألته في عتابٍ :
– ليه مقولتليش؟.
أشاح بوجهه بعيدًا وهو يجيب :
– مكنتش عايز حد يعرف.
لم تجد من الكلمات ما يكفي لمواساتهِ، استصعبت للغاية فكرة إنها قد تكون من إحدى مسببات إصابتهِ بمرض لعين گهذا، سيظل رفيقهِ إلى أن يذهب قبرهِ. رأى ذلك في لمعان عيناها، فـ تدارك الأمر فورًا قبل أن تُحمّل نفسها وزرًا گهذا، قبل أن تجلد ذاتها وتؤنبها؛ فـ نهض وهو يمسك بذراعها كيف تقف عن جلستها تلك، وأردف بـ :
– قومي متقعديش كده.. وشيلي الأفكار دي من دماغك، أنا اقتنعت ان كل واحد بياخد نصيبه من الفرح والحزن والهم والمرض والحب.. كل واحد مقسموله قدر من كل حاجه، والنسب دي تتفاوت من حد للتاني، في ناس كتير أفقر مني بس صحتهم أحسن مني، وفي ناس ناجحين عني بس ملقوش نصيبهم في الحب، محدش بياخد كل حاجه ياسُلاف.. وانا رضيت بأي حاجه طالما هتكوني معايا انتي وزين، ده عزائي الوحيد.
كلماتهِ أصابت صميم وجدانها، لمست بقعةٍ ما راكدة في قلبها، أحست وإنه بالفعل قد بدأ يعيش عهدًا آخر معها، وإنها قد تكفيه عن أي شئ آخر. أراد في هذه اللحظة عناقها، ضمها لصدرهِ حتى تتخلل سخونتهِ أنفاسها، فـ سحبها إليه بلطفٍ حتى استقرت رأسها هناك، ومسح على شعرها مرددًا :
– إحنا هنكون بخير أوي الفترة الجاية ياسُلاف.. وعـد.
*************************************
كان أحد أسوأ الأخبار التي حصل عليها مؤخرًا، خسارة واحدة مثيلتها كان بمثابة ثقب كبير أو فجوة واسعة في هذا الصرح الضخم الذي ترعرعت فيه، تلقى “عناني” كلماتها وعلى وجهه تعابير حزينة ضايقتها، وما أن فرغت من حديثها كان يرد عليها بصوتٍ ملأه الضيق :
– مش عارف أقولك إيه ياسُلاف.. متخيلتش ييجي يوم وتطلبي تسيبي المكتب! مش عارف إزاي هتقبل حاجه زي دي!.
أبعدت عيناها عن النظر إليه حتى لا يخنقها شعور الضيق من نفسها، وحاولت تبرير نفسها أمامه :
– أنا متأكدة ياأستاذنا، بس صدقني ده غصب عني.. انا كمان عمري ما توقعت إني ممكن اسيب المكان هنا يوم واحد، انا كل حاجه اتعلمتها كانت هنا على إيدك.. بس فعلًا مبقاش ينفع دلوقتي بعد ما شرحتلك الوضع كله بصراحة.
أومأ رأسه في أسفٍ وهو يقول :
– فهمتك، بس مستصعب الموضوع مش أكتر.. ده انتي خرج من تحت إيدك أحسن متدربين هنا في المكتب، أكيد مش هيبقى سهل عليا تمشي.. بس مقدرش أكون سبب في مشاكل ليكي بعد ما اخترتي الطريق اللي هتمشيه.. ومش محتاج أفكرك إن المكان ده ملكك ومن حقك تلجأي ليه في أي وقت، وأي حاجه تحتاجيها هتلاقيني موجود على طول عشانك.
نهضت “سُلاف” بعدما أزالت همًا عن عاتقها، وصافحتهُ بإمتنانٍ متودد :
– أكيد طبعًا.. إن شاء الله هنشوف بعض كتير.
– طبعًا.. خلي بالك من نفسك.
قالها مشيرًا نحو ذراعها المصاب، فأومأت رأسها بالموافقة وهي تقول :
– متقلقش.. مع السلامة.
خرجت من مكتبهِ وهي مرتاحة للغاية، كانت واحدة ضمن الخطوات الأكثر أهمية، والتي كانت تحمل على عاتقها همّ مواجهتها وها قد انتهت. انتبهت على نفسها وهي تستقر في السيارة، فلمحت تلك الإبتسامة اللزجة على وجه “زيدان” وهو يسألها :
– هنروح فين ياست الستات؟.
رمقتهُ بنظراتٍ حازمة، تلاشت فيها تلك الإبتسامات المثيرة للأستفزاز، ثم هتفت بنبرةٍ حادة :
– متقوليش ست ستات دي!.. اركب وهقولك تطلع على فين عشان نخلص من وجودي معاك بأسرع وقت.
حمحم “زيدان” وهو يغلق باب السيارة عليها ثم هتف بـ :
– مقبولة منك برضو، مـاشي.
وصل بها أمام الصرح العظيم الذي وصفته له، كانت مشفى خاص راقية وفخمة، ترجلت من السيارة وذهبت للداخل مرورًا بالبوابة الزجاجية، فـ استغل “زيدان” تلك الفرصة وبدأ في إجراء مكالمة هاتفية لربّ عملهِ كي ينقل إليه ما حدث مؤخرًا :
– أيوة يا باشا، كانت في مكتب الراجل الكبير اللي كانت شغاله معاه قبل كده.
أصيب بالذهول مع علمهِ بالأمر، لا سيما إنها لم تخبره عن تلك الزيارة التي قامت بها مسبقًا، ومع ذلك لم يحبذ أبدًا وضع مراقبتها بذلك الشكل :
– أنا مطلبتش منك تراقبها يا زيدان.. قولتلك توصلها مكان ما تحب بس.. سامعني؟.
شعر “زيدان” بالحرج، فـ أراد أن يزيل عن نفسه ذلك الشعور، لذلك ألقى إليه خبر آخر سيكون أكثر أهمية لديه :
– كده؟؟.. زي ما تحب ياأبو البشوات، هقفل بقى أحسن المستشفى زحمة ومش لاقي ركنات.
مع ذكر سيرة المشفى تدفق القلق بين شرايينهِ، وبدى ذلك على نبرة صوتهِ التي تلفحت بالتوتر وهو يسأله :
– مستشفى إيه وليه !.. انتوا فين دلوقتي؟؟.
************************************
كان قرارًا مفاجئًا، نتج عنه بعض التبعات المؤلمة، حيث نصحها الطبيب أن تنتظر بضعة أيام أخرى حتى تتمكن من فك الجبيرة ولكنها عجزت عن تحمل هذا العبء أكثر من ذلك. أحست بوخزاتٍ موجعة تضرب ذراعها كله، ومرفقها تكاد لا تستطع تحريكه، فـ أمسك الطبيب بساعدها محاولًا مساعدتها على تجاوز ذلك التيبّس وهو يوضح لها سبب الأعراض التي تشعر بها :
– ده طبيعي أول ما نفك الجبس، العضم بيكون أخد وقت على نفس حاله عشان كده هيتعبك شويه أول يومين وبعدها خلاص.. بس انا نصحتك نستنى شويه وانتي رفضتي!.
تأففت وهي عاجزة عن التستر على تعابير التألم التي انتشرت على وجهها و :
– مش قادرة أتحمله أكتر من كده.. آآه.
تآوهت بتألمٍ مكتوم بعدما شدّ على مرفقها، فـ اعتذر منها مبررًا :
– آسف.. لازم نحرك كف الأيد ونطمن عليه قبل ما تخرجي.
طرقات على الباب تبعها دخول “حمزة” بذلك القلق الذي صاحبه طوال الطريق حتى وصل إليها :
– مساء الخير.
دهشت من رؤيته هنا الآن وسألته :
– إيه اللي جابك هنا؟.
فـ كانت نبرته المعاتبة تجيب وهو يدنو منها :
– انتي إيه اللي جابك هنا من غير ما تعرفيني؟!.
ثم نظر نحو الطبيب بعدما رأى إنها تخلصت من الجبيرة :
– مش كان لسه شويه يادكتور!!.. الدكتور اللي متابع حالتها قال أسبوع كمان على الأقل.
فـ أوضح الطبيب إصرارها المستميت على التخلص من ذلك العائق الذي أرقها في نومها و صحوها :
– والله انا قولتلها إننا هنكون أفضل لو استنينا، بس هي أصرت تفكه دلوقتي.
نهضت “سُلاف” عن رقدتها وهي تمسك ذراعها قائلة :
– أنا كويسة مبقتش محتاجاه.
ساعدها في حمل حقيبتها وساندها ثم أردف بسخرية معترضة :
– أي عناد وخلاص.. گالعادة.
ابتسم الطبيب مودعًا إياهم بعد الإنتهاء من فحصها :
– حمدالله على السلامة.. خير متقلقش الموضوع مش مقلق للدرجة.
شكره في اقتضابٍ وهو يصحبها للخارج :
– شكرًا.
خرج بها دون أن يتحدث إليها، فأحست وكأنه يكتم غضبه من فعلتها وكأنها ما زالت وحيدة، فأثرت الصمت وسارت معه لتجد نفسها في قسم المعامل والتحاليل، فـ توقفت عن السير فجأة، ونظرت إليه في تعجب وهي تسأله :
– احنا بنعمل إيه هنا؟.
فأجابها على مضض :
– هنعمل شويه تحاليل عشان نطمن عليكي، لزوم الحرص.
فـ أعربت عن رفضها لذلك :
– مش عايزة.. انا تمام.
فـ قطع المسافة بينهما وهو يهتف في حزمٍ :
– مش كل حاجه هتمشي على مزاجك يا سُلاف، أحيانًا هتضطري تسمعي كلامي لأني موجود في حياتك، انتي مش لوحدك زي زمان ومينفعش تتجاهليني.. يعني إيه تيجي المستشفى تفكي الجبس لوحدك؟؟.
استشعرت حساسيته المفرطة من تجاهلها الغير مقصود له، فحاولت – قدر استطاعتها – أن تظهرله حسن نواياها فيما يخص الأمر :
– أنا مقصدتش اتجاهلك.. أنا حسيت إني جيبت آخري من الجبس ده فـ جيت أفكه عادي، الموضوع بسيط مكنش لازم تيجي.
أراد بذلك ترسيخ مبادئ لعلاقتهم في بدايتها، وفي نفس الآن رغب في احتواء المواقف بالحُب، والتخلّي عن العصبية والعِناد، إذ إنه لن يُجدي معها نفعًا. فـ تلطّف وهو يبرز لها اهتمامهِ ورغبته المُلحّة في رعايتها :
– حببتي مفيش حاجه اسمها مش لازم.. أنا عايز أشاركك كل حاجه، أبقى جمبك في كل موضوع مهما كان صغير ف نظرك، افتكري إني بقيت معاكي دلوقتي وانتي هتلاقي نفسك بتشاركيني كل حاجه بتلقائية صدقيني.
تفهمت رغبته في التقرب منها، فأومأت رأسها بموافقة على ما قاله و :
– طيب.
أشار نحو المعامل وأردف بـ :
– دلوقتي لازم ندخل المعمل لأني سايب خبر إننا جايين.. وبعدها هنعمل شويه آشعه على دراعك، مش عايز أمشي من هنا قبل ما اطمن على كل حاجه.
انصاعت له في الأخير وسارت لجانبه بطواعية، هذه مرّتها الأولى التي تتخلّى فيها عن صوت عقلها، وتُدمن اهتمام أحد بها، حتى وإن كانت قد اعتادت اهتمام الآخرين بشأنها، إلا أن اهتمامه له مذاق فريد جدًا. تنشطت خلاياها الهرمونية، فأفرزت من هرمونات السعادة الكثير حتى أحست بالنشوة، إنها نشوة تفوقت على مشاعر الإنتصار في الحروب التي خاضتها ضدهِ، البدايات الحقيقية التي لم تختبرها من قبل. الآن هي الحُقبة الأفضل في حياتها، والتي لا ترغب في أن تنتهي أبدًا.
*************************************
كان ينتظر موعد المحادثة المرئية مع الطبيب الألماني على أحرّ من الجمر، نظر في ساعته للمرة الخامسة على التوالي كي يتأكد من الموعد كي لا يفوته، حتى أصبحت الساعة العاشرة مساءًا بتوقيت مصر، فـ أسرع نحو غرفة مكتبه وأوصدها عليه لكي يتمكن من التحدث بأريحية.
فتح التطبيق الألكتروني ( zoom meeting) بعدما ارتدى سماعات الرأس وفتح الكاميرا، حيث استعان به في الوصول المرئي للطبيب الذي اقترحه عليه أحد الأطباء، وما أن بدأ التواصل حتى علت ابتسامة متحمسة على وجهه وهو يرحب به :
– Hallo “مرحبًا”
– Hallo Herr Hamza “مرحبًا أستاذ حمزة”
Ich habe die medizinischen Berichte und Tests Ihrer Frau erhalten, ich möchte Ihnen die frohe Botschaft übermitteln, dass wir in der Lage sein werden, eine Gebärmuttertransplantation mit Leichtigkeit durchzuführen.
” لقد وصلتني التقارير الطبية والفحوصات التي قامت بها زوجتك ،اريد أن أنقل إليك الخبر السعيد بأننا سنتمكن من إجراء عملية زراعة الرحم بكل سهولة.”
**********************************

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى