روايات

رواية القاتل الراقي الفصل الثامن 8 بقلم سارة بركات

رواية القاتل الراقي الفصل الثامن 8 بقلم سارة بركات

رواية القاتل الراقي الجزء الثامن

رواية القاتل الراقي البارت الثامن

رواية القاتل الراقي الحلقة الثامنة

“الحب ماهو إلا جنون”

من بعد تلك الليلة نفذت ما قاله لها ياسين وأصبحت تخرج من القصر لأي مكان تريد ولكن كان هناك تشديدًا قليلًا، وهو أن بعض الحرس كانوا يرافقونها أينما تذهب وهي كانت منزعجة من ذلك الأمر ولكنها إعتادت عليه بعد ذلك، منذ تلك الليلة ايضًا لم تراه، حتى في وقت الفطور تعجبت أنه لم يَعُد يتناول الطعام معها هي وعماد، وعندما تسأل الحرس يقولون أنه في العمل، لا تدري لماذا تريد أن تراه؟؟ ولا تدري لماذا تبحث عينيها عنه؟؟ لماذا تشعر أنها تعرفه من قبل؟؟ .. لما يدق قلبها حينما تراه؟؟ … لما لا تستطيع النظر إلى أي شئ آخر سوى عينيه؟؟ .. منذ تلك الليلة فقط يشغل تفكيرها كأنه إستحوذ عليها، تراقب غرفته تنتظر أن يعود لها ولكنه لا يعود إلا بعد نومها ويذهب قبل إستيقاظها وهذا ماعلمته من الخدم، ولكنها تُذكر نفسها دائمًا أن تلك المشاعر التي تشعر بها ماهي إلا وقت وسينتهي؛ فيجب أن تعتاد على ذلك وتعتاد على تلك الحياة؛ فليس كل من قدم لنا يد العون نفكر به ونجعله يشغل بالنا ونُعجب به أيضًا … أفيقي مريم .. ظلت تُذكر نفسها دائمًا بذلك .. وفي يومٍ ما..

كانت تجلس أمام عماد بإحدى حدائق القصر شاردة بالأيام الماضية .. فقد مر أسابيع قليلة على عملها هنا، ولكن على الرغم من سعادتها في أيامها الأولى بالعمل؛ إلا أنها لم تعد تشعر بالسعادة، فقط ماتشعر به هو الملل على الرغم من خروجها المستمر من القصر وهو التجوال في الطرق والجلوس بالقرب من نهر النيل قليلًا تستنشق بعض الهواء النقي … حاولت في الأيام الماضية نسيان ما فعله هشام بها .. وقد تخطت تلك الأزمة بشكل نسبي حتى أنها لم تعد تراقبة على وسائل التواصل الإجتماعي … إستفاقت من شرودها على صوت عماد..

عماد بتعجب من حالها:”أنا بكلمك يا مريم.”

نظرت له مريم بإستفسار ..

عماد بإستفسار:”في إيه؟؟ مالك؟؟ ساكته وسرحانة، بقالك فترة مش عاجباني.”

تنهدت مريم بصعوبة ثم أردفت بهدوء..

مريم:”مافيش.”

عماد بتعجب:”مافيش إزاي؟؟ إنتي مش شايفة نفسك؟؟ الموضوع ليه علاقة بهشام طيب؟”

هزت مريم رأسها بنفيٍ ثم تحدثت ناظرة أمامها بشرود ..

مريم:”أنا بس أهلي وحشوني.”

عماد ممسكًا بيدها وبإبتسامة لطيفة:”ماتزعليش عليهم يا مريم .. راحوا للي أحسن مني ومنك.”

هزت رأسها موافقة وظلت صامتة لعدة ثوانٍ ثم إستأنفت حديثها ..

مريم بإبتسامة:”تعرف يا عماد إني كنت مخطوفة وأنا صغيرة؟”

عقد عماد حاجبيه بتعجب ودهشه ليس من حديثها ولكن من إبتسامتها تلك …

عماد بتعجب:”وإنتي مبسوطة كده ليه؟؟؟ حد يبقى مبسوط إنه كان مخطوف؟؟”

قهقهت مريم بخفة ثم أكملت ..

مريم:”بصراحة اه.”

عماد:”طب هتجاهل فرحتك دي وإحكيلي إتخطفتي إزاي؟”

هزت كتفيها بلامبالاة وأردفت ..

مريم:”كنت ماسكة في إيد بابا، وكنا في مكان زحمة جدا فغصب عني من الزحمة سبت إيده وتوهت، إللي فاكراه إن واحدة قالتلي تعالي آخدك لماما وروحت معاها.”

عماد بتعجب:”ببساطة كده؟؟ إنتي كان عندك كام سنة وقتها؟”

مريم:”عشر سنين.”

عماد بهمهمة:”تمام، كملي.”

مريم بتنهيدة:”أخدتنى على مكان مش فاكرة كان إيه، كل إللي كنت فاكراه إن كان معايا أطفال زيي وأصغر مني، وفضلنا هناك يومين تقريبا.”

عماد بإهتمام:”ورجعتي إزاي لأهلك؟؟”

مريم بإبتسامة:”معرفش، بس كل إللي فاكراه .. إن كان في صوت ضرب نار كتير وكل إللي كنت حاسه بيه وقتها إن كان في حد شايلني، ولما فوقت كنت بره المكان ده وكنت نايمة عند شجرة والشرطة لقتني هناك، وبس.”

إرتجف قلب عماد من الخوف ليس من الخوف منها بل عليها؛ فلقد تذكرها .. تلك الفتاة الملقاة بجانب الشجرة، الفتاة التي كان يحملها ياسين في أول جريمة قتل له … قتله لجمال ورجاله … لم ينسى هذا اليوم إطلاقًا .. نظر لها بتشتت كأنه يعيد تذكُّرَ كل ما حدث بحياته وما رآه من ياسين؛ فجميع ذكرياته معه تثبت له أن ياسين يعلم جيدًا من تكون مريم؛ فهو لم يأتي بها هنا لتعتني به، ولكنها أتت هنا لأن ياسين يريد ذلك.. إستفاق من شروده على صوت مريم ..

مريم بقلق:”مالك يا عماد؟؟ إنت كويس؟؟ وشك إصفر كده ليه؟؟”

هز عماد رأسه بالنفي وبتيه ..

عماد:”أنا كويس.”

كانت يديه ترتجفان ولاحظت مريم ذلك …

مريم بقلق:”لا إنت مش كويس خالص، في إيه مالك؟؟ إنت كده بتقلقني عليك.”

نظر عماد بهدوء داخل عينيها محاولًا التحكم في إرتعاشه .. تبدو بريئة كثيرًا، لا تعلم شيئًا .. تبدو طفلة كما كانت .. لا يريد لها الأذية … تحدث عماد بإرتعاش ..

عماد:”إهربي.”

عكفت حاجبيها بتعجب من قوله ..

عماد برجاء:”عشان خاطري إهربي من هنا.”

مريم بهدوء مسايرة له:”حاضر ههرب .. بس إنت محتاج تاخد الأدوية بتاعتك عشان ترتاح وبعدها ههرب، إتفقنا؟”

هز عماد رأسه في الحال مصدقًا لها؛ أما هي كانت مشفقة على حالته تلك، أمسكت بمقبض كرسيه المتحرك وتوجهت نحو القصر؛ فيبدو أن حالته تسوء أكثر وهذا يبدو من حديثه الغير معقول …

في وقت الظهيرة:

تقف بغرفتها تنظر لذلك الحائط الزجاجي بشرود، تشعر بالضيق والإختناق هنا .. ولا تدري لماذا؟؟ … تنهدت بإحباط عندما تذكرت حالة عماد السيئة عندما كان يرجوها أن تهرب وهي تعطيه أدويته وهو ملقى بسريره وهي فقط تبتسم له وتخبره بأنها ستهرب … تعلم جيدا أنه سينسى ماقاله عندما يستيقظ بسبب ” الزهايمر” الذي يعاني منه دائمًا، ولكن هناك شئٌ آخر؛ فهي أحيانا تشعر بأنه طفل وأحيانا مراهق وأحيانا رجل عاقل، تشعر أن كل مايحدث لهذا الرجل هو ليس بسبب عوامل السن؛ يبدو أنه يحتاج لطبيبٍ نفسي ولا يحتاج لها … تشعر بالضيق الشديد من ياسين الذي يترك قريبه هكذا ولا حتى يقوم بالسؤال عنه أو الإهتمام به؟ .. هل قلبه قاسي إلى تلك الدرجة؟؟ حتى لو كان هناك خلافٌ بينهما؛ فلا يحب أن يكون قاسيًا معه إلى تلك الدرجة .. لقد طفح الكيل، لم تعد تتحمل مايحدث حولها ولم تعد تتحمل مايحدث لعماد أيضًا … خرجت من غرفتها عازمة على رؤية ياسين المغربي الآن .. وقفت أمام غرفته بغضب وقام بطرقها عدة مرات ولكن لا يوجد إجابه فتحت الغرفة الكبيرة ولم تنتبه لجمالها وحجمها، ولكن كل ماكانت تبحث عنه هو ياسين فقط … أغلقت الباب بحدة ثم هبطت للأسفل وأوقفت أحد الحرس …

مريم:”ياسين بيه فين؟”

نظر إليها الحارس بهدوء ولم يُجبها … غضبت مريم من صمته..

مريم بغضب:”ماهو يا تقول هو فين؛ يا إما لما هو ييجي يبقى يشوف شغله معاك.”

إرتجف الحارس ونظر أرضًا وأردف…

؟؟:” في المقر الرئيسي في الشركة.”

تعجبت مريم من خوفه منه ولكنها تركته وذهبت عازمة على مقابلته .. خرجت من القصر وطلبت من سائقٍ لإحدى السيارات بالقصر إيصالها للمقر الرئيسي لشركة المغربي، ورفضت رفضًا قاطعًا أن يرافقها أحدٌ من الحرس وهددتهم بأنها ستخبر رئيسهم في العمل وتعجبت من خوفهم عندما أخبرتهم بذلك ..”هل يخافونه لتلك الدرجة؟” .. بعد مرور وقت قصير .. توقفت السيارة أمام شركة ضخمة جدا، ذُهلت مريم قليلًا عندما رأتها ولكنها إستفاقت وتذكرت أنها هنا لكي توبخه لعدم إهتمامه بعماد ولعدم ظهوره و… هزت رأسها بنفي وغضب من تفكيرها وهبطت من السيارة وعندما وقفت أمام الباب الرئيسي بالشركة أوقفها أفراد الأمن ناظرين إلى ملابسها العادية بتعجب ..

؟؟:”إنتي مين؟؟ وعايزة مين؟”

مريم بضيق مكتوم وكذب:”أنا مريم أعرف ياسين بيه وهو منتظرني في مكتبه.”

؟؟:”ياسين بيه مش موجود في مكتبه.”

غضبت من كذبهم ودخلت عنوة عنهم من جانب الباب وذلك نظرًا لصغر حجمها .. هرولت سريعًا هربًا منهم لأنهم كانوا يلاحقونها .. وعندما وصلت لجهة معينة ولا تعلم أين ستذهب تقابلت مع أحد الموظفين وسألتهم عن الطابق الذي يوجد به مكتب ياسين المغربي .. أخبرها بالطابق وركضت نحوه مهرولة والأمن يلاحقونها .. وصلت للطابق من خلال المصعد وكانت تتنفس بصعوبة لأنها ركضت كثيرًا .. دخلت الطابق ونظرت حولها لا تدري أين يوجد مكتبه إنتبهت للمصعد الآخر يصل للطابق التي هي به، ركضت سريعًا لعلمها أنهم أفراد الأمن، ركضت ولا تدري أين تذهب؟؟ … وعندما وجدت بابًا امامها قامت بفتحه بسرعة ودخلت الغرفة وإختبأت خلفه وهي تتنهد بإرتياح … كانت مغمضة العينين وهي تلتقط أنفاسها وعندما فتحتهما تفاجأت مما رأت .. كان يجلس ويرأُس المائدة الموجودة بالغرفة الكبيرة وحوله العديد من رجال الأعمال بالإضافة إلى حرسه الموجودين بكل أرجاء الغرفة .. يبدو أنها غرفة إجتماعات … أعين الجميع كانت تنظر لها بتعجب وإستفهام؛ فمن من تلك التي إقتحمت إجتماعهم؟؟ .. حاولت أن تستجمع شجاعتها وقامت بتوجيه حديثها له … عكفت حاجبيها بتصميم .

مريم:”عايزة أتكلم معاك.”

نظر كل من بالغرفة نحو ياسين بفضول؛ فمن تلك التي تتحدث معه هكذا وبتلك الطريقة؟ .. ينظر لها بهدوء غريب كأنها لم تقتحم إجتماعه المهم، كأنها لم تفعل أي شئ … تفاجئت مريم بباب الغرفة يُفتح وكان أفراد الأمن ..

؟؟ بإعتذار:”ياسين بيه، إحنا آسفين لحضرتك جدا، بس الآنسة هـ………..”

صمت عندما أشار لهم ياسين بالرحيل بإشارة من يده … رحل أفراد الأمن، ثم نظر ياسين لجميع من بالغرفة …

ياسين بهدوء:”الإجتماع خلص، إتفضلوا.”

خرج الجميع وأيضًا الحرس بإشارة من ياسين؛ بينما مريم كانت تقف بجانب في الغرفة ولوهلة شعرت أنها قامت بفعل شنيع … إستفاقت على صوته وهو يشير لها بالجلوس على أحد المقاعد القريبة منه ..

ياسين بهدوء:”إتفضلي يا دكتورة.”

جلست بهدوء وهي تنظر له بتوتر وتعجب في ذات الوقت .. لماذا هو هادئ هكذا؟؟ أو بارد كما يبدو!! ..

ياسين:”إتفضلي، أنا سامعك.”

ظلت صامتة لعدة ثوانٍ ولا تدري ماذا تقول، شعرت أنها نسيت ما تريد التحدث عنه ..

ياسين بتكرار وهدوء:”أنا سامعك يا دكتورة.”

وبدون وعي منها قامت بمعاتبته …

مريم بإستفسار:”أنا ليه مش عارفة أشوفك؟؟؟”

تعجبت من حديثها ذلك ونظرت له بتيه عندما سمعته يتحدث ببرود …

ياسين:”وتشوفيني ليه يا دكتورة؟”

لماذا يتحدث ببرود هكذا؟؟ .. عكفت حاجبيها بغضب وإستقامت في مكانها وإقتربت نحوه قليلا …

مريم بضيق:”عايزة أشوفك عشان عايزة أعرف في إيه بينك وبين عماد خلاك تهمله بالشكل ده؟؟؟ ماهو مش معقول يبقى إنتوا الإتنين قرايب، وإنت بتعامله بالشكل ده؟؟ حالته إللي هو فيها دي بتثبت إنه محتاج دكتور نفسي، وأنا مش هقبل إني أفضل أراعيه وأنا عارفه إنه تعبان نفسيا مش جسمانيًا.”

ياسين بإستفسار ناظرًا لعمق عينيها:”إنتي جايه عشان كده بس؟”

أخفت توترها من نظراته لها ..

مريم بغضب:”أيوه، إنت إزاي سايبه كده؟؟ مهما كان بينكم إيه، ماتسيبهوش وتهمله،إعتبره زي أبوك و………..”

قطعت حديثها وإبتلعت لعابها بخوف عندما رأت تلك النظرة الجليدية مرة أخرى .. إستقام من مقعده وإقترب منها، أما هي عادت عدة خطوات للخلف بخوف منه …

ياسين بنبرة جليدية:”إنتي عارفة إنتي عملتي إيه؟؟؟ إنتي قاطعتي إجتماع يساوي ملايين عشان تتكلمي عن عماد!!، مش في إختراع إسمه تليفون؟؟؟ إحتاجتي تتكلمي معايا في حاجة زي دي يبقى على التليفون، أو تستنيني لما أرجع القصر، يعني ماتجيش هنا وتعملي كل إللي إنتي عملتيه ده عشان خاطر شخص كبير في السن ومن الطبيعي إنه يعيش الحالات دي، وإنتي كدكتورة المفروض تكوني عارفة ده كويس.”

تعجبت من قسوته في حديثه عن عماد، كيف يكون هكذا؟؟ .. لا تدري لماذا تشعر أنها تريد البكاء الآن؟؟، كيف تقوم بإحراج نفسها هكذا؟؟ .. هو الآن يوبخها على مافعلته منذ قليل بدلا من أن توبخه هو على عدم رؤيتها له وعدم إهتمامه بعماد!!، إمتلأت الدموع بعينيها لأنها شعرت أن وجودها غير مرغوب به هنا.

مريم بحشرجة وهي تنظر أرضًا:”أنا … أنا آسفة، أنا بس كنت متضايقة عشان هو كان تعبان وصعب عليا، أنا آسفة عشان جيت وخليت شكلك وحش قدام الكل هنا، *هبطت الدموع من مقلتيها* مش هتتكرر مرة تانية.”

عقد ياسين حاجبيه بغضب دون سبب يُذكر وهو ينظر لحالتها تلك، إنتظرت أن يُجِبها ويقبل إعتذارها، فهي تشعر أنها تبدو كالفتاة الصغيرة المعاقبة من قِبل أبيها، ولكنه لم يُجبها، رفعت رأسها ونظرت لملامحه بهدوء تقابلت نظراتهما لثوانٍ معدودة .. هو بنظرته الجليدية؛ أما هي بنظرتها الهادئة البريئة .. ولكن قطع نظراتهما تلك حديثه …

ياسين بنبرة مبهمة:”إتفضلي إرجعي للقصر يا دكتورة، وأنا ليا كلام مع كل إللي سمحولك تيجي هنا.”

كادت أن تتحدث وتخبره أن لا ذنب ولكنه تحدث بنبرة غاضبة بعض الشئ ..

ياسين:”إتفضلي.”

خرجت من الغرفة سريعًا تاركةً إياه في حالة كبيرة من الغضب …

………………………..

في المساء:

منذ أن عادت من شركته وهي تجلس هكذا بغرفتها تنظر أمامها بشرود هل قلل من شأنها يا تُرى؟؟ أم هل كان محقًا بحديثه ولم يقلل من شأنها البته؟ .. لماذا إذا تشعر بأنه جرح مشاعرها؟؟ .. وبالنسبة للهاتف هي حتى لا تملك رقم هاتفه!!، ولكن جاء في عقلها أنها يمكنها أخذه من أحد الحرس هنا، تنهدت بضيق من نفسها متحدثة بتأفف ..

مريم بضيق:”غبية و متخلفة، إزاي تعملي كده؟؟، إزاي تقللي من نفسك؟؟.”

ضربت رأسها بيدها تلعن غبائها على مافعلته .. ظلت هكذا لعدة دقائق حتى سمعت صوت طرقات على باب غرفتها .. وجدت خادمتين أمامها إحداهما كانت تحمل شيئًا ولم يكن واضحًا لأنه كان يحقيبة كبيرة .. تحدثت إحدى الخادمات بإبتسامة هادئة وهي تقدم لها ورقة مطوية ..

؟؟:”إتفضلي، ياسين بيه باعت لحضرتك ده.”

أردفت الأخرى بإبتسامة أيضًا وهي تشير لما تحمله بالحقيبة:”وده كمان.”

تناولت مريم الورقة المقوية من الخادمة أما الأخرى دخلت الغرفة ووضعت الحقيبة في خزانة ملابسها ورحلت الإثنتان .. أغلقت مريم باب غرفتها وهي تنظر للورقة التي بيدها بتعجب وقامت بفتحها وقرأت أسطرها بهدوء …

“أتمنى إنه يليق بيكي في الذكرى السنوية للمستشفى، وماتقلقيش مش هحاسب حد على إللي حصل النهاردة.”

تنظر أمامها بذهول للمكتوب بتلك الورقة وبدون وعي منها قامت بفتح خزانة ملابسها وفتحت الحقيبة وشهقت عندما رأت ذلك الثوب الأحمر .. أمسكت بالثوب تتلمسه من جماله الخلاب .. يبدو أن ماتراه هو إعتذارٌ راقٍ من ياسين المغربي على الرغم من أنه لم يُخطئ، بل هي من أخطأت .. إحتضنت الثوب بقوة وهي تشعر بالسعادة … وهنا إنتبهت لجملة “الذكرى السنوية للمشفى” … إلتقطت هاتفها وبدأت تبحث في الإنترنت عن تاريخ الذكرى السنوية … صُدمت عندما وجدت أنه غدًا .. ستذهب نعم، يكفي أنه دعاها للحفل.

…………………………………..

في مساء اليوم التالي:

كانت تقف أمام المرآة مرتدية ثوبها الأحمر الطويل ذو الأكمام القصيرة والذي يليق بها تمامًا، تضع آخر لمسة وهو أحمر شفاة مماثلا للون الثوب … قامت بوضع شعرها على جانب كتفها وهنا قد إكتمل مظهرها .. إبتسمت بهدوء لمظهرها الخلاب والذي هي معجبة به؛ فهي لم ترتدي أي ثوب منذ أن كانت بالجامعة وقبل وفاة عائلتها … أغمضت عينيها لوهلة ثم قامت بفتحهما وخرجت من غرفتها وإتجهت لغرفة عماد وقامت بفتح الباب .. كان يجلس على كرسيه المتحرك مرتديًا بدلة سوداء رائعة للغاية .. تذكرت كم قامت بمحايلته على الموافقة للذهاب معها للحفلة لأنه كان رافضًا الذهاب وبشدة على الرغم من أن ياسين أرسل له هذه البدلة أمس لحضور الحفل .. ولكنه يرفض أي شئ يتعلق بياسين؛ فقد ترجته كثيرًا حتى يأتي معها ولا تكن وحيدة حتى قبل … ولغرابتها لم يتحدث عن ما حصل بالأمس منه وهو طلبه منها بأن تهرب .. كأنه نسي بالفعل، إستفاقت من شرودها وإبتسمت له بسعادة؛ أما هو كان ينظر لها مدهوشًا من جمالها ..

مريم بإستفسار:”إتأخرت عليك؟”

عماد:”لا .. بس إنتي حلوة كده ليه يا مريم؟”

قهقهت مريم من حديثه وكادت أن تمسك مقبض كرسيه ولكن سبقها أحد الحرس ..

؟؟:”هننزله إحنا، حضرتك إستنيه في العربية تحت.”

هزت رأسها له بهدوء .. بعد مرور وقت قصير .. كانت تجلس بالسيارة وبجانبها عماد .. وتشعر بالحيرة هل سيأتي هشام أم لا ؟؟ فهو لا يحب تلك الحفلات .. إذا لن يأتي ولوهلة شعرت بالإرتياح لذلك الإستنتاج … أخبرها الحرس بأن “ياسين المغربي” قد سبقهما وقد بدأ الحفل منذ قليل .. وصلت السيارة أمام قاعة حفلات كبيرة التي يصدر منها موسيقى جميلة وهادئة، هبطت من السيارة ووضع الحرس عماد على كرسيه وقام أحدهم بإمساك مقبض الكرسي، وتحركت مريم خلف عماد .. دخلا القاعة المليئة بالأشخاص وعلى مايبدو أن أغلبهم يكونون زملائها بالعمل سابقًا .. نظر الجميع لها بتعجب، لأنهم يعلمون جيدًا أنها تركت العمل؛ فلماذا أتت؟؟ … ومنذ متي وهي جميلة هكذا؟ .. تجاهلت نظرات الجميع لها ولا تعلم لماذا فعلت ذلك ولكن أول شخص بحثت عنه بعينيها كان “ياسين المغربي” … ظلت تبحث عنه بين الحاضرين وبجانبها الحارس الذي يقوم بتحريك كرسي عماد على حسب خطواتها هي، حتى تقابلت نظراتهما .. كان يتحدث مع أحد رجال الأعمال وعندما إلتفت للخلف تقابلت نظراته مع مريم … ظلا هكذا لثوانٍ عديدة ينظران لبعضهما البعض .. هو يتفحص ثوبها وهيئتها كاملاً ثم يعيد النظر بداخل عينيها؛ أما هي فقد قشعر جسدها من الخجل والإحراج من نظراته .. إبتسم لها بهدوء سامحًا لها بتلك الإبتسامة أن تقترب وكادت أن تقترب منه ولكن أوقفها أكثر شخص لم تكن ترغب برؤيته اليوم ..

هشام بإبتسامة:”مريم، إزيك؟”

أغمضت مريم عينيها بضيق وقد تعجبت من نفورها لرؤيته .. قامت بفتح عينيها ونظرت له بهدوء ..

مريم:”الحمدلله.”

كادت أن تتحرك وتذهب لياسين .. ولكن هشام أوقفها ممسكًا ذراعها .. وهنا فقط نظرت مريم سريعًا نحو ياسين وجدته قد عاد للتحدث مع الرجل الذي كان يتحدث معه سابقًا ولكن ملامحه متغيرة …

هشام:”أنا محتاج أتكلم معاكي.”

أفلتت ذراعها من يده بقوة ونظرت له بغضب ..

مريم:”إنت إزاي تلمسني؟؟”

تحدث هشام ساخرًا:”أفندم؟؟ إنتي نسيتي إللي كان بينا؟”

مريم بقوة:”أيوه نسيت، وياريت مشوفش وشك تاني.”

كادت أن تتحرك ولكنه قبض على ذراعها بقوة وهنا عماد صرخ به بغضب..

عماد:”سيبها.”

نظر له هشام بضيق ولكنه تجاهله وكاد أن يتحدث لمريم ..

عماد بغضب:”بقولك سيبها.”

كاد هشام أن يقوم بالرد عليه ولكن الحارس الذي معهما هدده بالسلاح الذي بجيبه .. تركها هشام وعاد بهدوء لحيثما كان ولكن الغضب كان ميسطرًا عليه لدرجة أنه أراد أن يقتلها .. عاد ووقف بجانب طارق الذي ينظر له بسخرية ..

طارق:”إنت فاكر نفسك مين؟؟ إنت مش شايف لابسه إيه؟؟ دي لو قعدت تشتغل سنة بحالها مش هتعرف تجيب تمن الفستان ده، خلاص يابني راحت عليك، ياسين المغربي بقا في جيبها.”

صرَّ هشام على أسنانه بغضب لمجرد تخيله أنها وقعت بحب شخصًا غيره ..

طارق بإبتسامة وهو ينظر لإتجاه آخر:”فوق لنفسك وشوف إللي بتحبك بجد.”

نظر هشام بالإتجاه الذي ينظر به، وجد “رضوى” خطيبته تقترب منهما بإبتسامة مشرقة ..

رضوى محتضنة طارق:”مساء الخير يا أونكل.”

طارق:”مساء النور يا حبيبتي.”

إتجهت رضوى نحو هشام وقامت بتقبيله على وجنتيه ..

رضوى:”معلش يا حبيبي إتأخرت عليك.”

رد هشام بنفور:”مافيش مشكلة.”

عاد بنظره نحو مريم التي وقفت بجانب ياسين ويحاول التحكم بغضبه قدر المستطاع .. تقف بجانبه ولكنها تشعر بشئ غريب يتجاهلها؟!، نظرت لعماد الذي يجلس بكرسيه بعيدا عنها غضبًا منها لأنها ذهبت لياسين، عادت بنظرها لياسين ووجدت فكه بارز كأن هناك شئ مايزعجه ونظرت للكأس الذي بيده وجدته يضغط عليه بقوة كأنه سيكسره ولكنها إستفاقت على صوت الرجل الذي يتحدث معه ..

؟؟ ناظرًا لمريم:”مش تعرفنا يا ياسين بيه؟”

تحدث ياسين بهدوء:”دكتورة مريم بتراعي عماد بيه .. والدي.”

صُعِقت مريم عندما سمعت تلك الجملة، حقيقة لا تصدق ماسمعته، هل يكون والده؟؟؟ حقا!!!! …لماذا إذا لم يخبرها عماد بذلك؟؟؟ لماذا؟؟؟ … نظرت مريم لياسين بعدم فهم ولكنه لم يكن ينظر إليها حتى كأنها غير موجودة على الإطلاق ..

؟؟:”تشرفنا يا دكتورة.”

مريم بإبتسامة مصطنعة لذلك الرجل:”شكرا، الشرف ليا.”

وفي خلال دقائق إنضم بعض الرجال لهم وشعرت مريم بالحرج أكثر لأن ياسين لم يعِرها أي إنتباه ولم يتحدث إليها مطلقًا … تنهدت بخيبة أمل وإبتعدت عنه وعادت لتقف بجانب عماد وبداخلها أكثر من تساؤل .. كيف يكون والده وهما يكرهان بعضهما هكذا؟؟؟ ..

إنتبهت لعماد الذي يمسك بيدها ..

عماد:”إنتي كويسه يا مريم؟”

إبتسمت بهدوء وهزت رأسها له ثم عادت لشرودها مرة أخرى … وبعد دقائق قامت بالإستئذان من عماد متجهة للحمام .. بعد عدة دقائق خرجت من الحمام وقبل أن تدخل للقاعة مرة أخرى …

طارق:إزيك يا دكتورة؟؟”

صرّت مريم على فكّها بغضب وإلتفتت له بضيق ..

مريم بتأفف:”نعم؟”

طارق بإبتسامة مقتربًا منها:”أنا شايف إنك كسبتي وإرتحتي.”

مريم عاقدة حاجبيها بضيق منه:”هو أنا هلاحقها منك ولا من إبن أختك؟؟ ماتسيبوني في حالي.”

كادت أن تدخل القاعة ..

طارق بإبتسامة:”ياسين المغربي عمره مايحبك ولا يفكر فيكي.”

توقفت بمكانها وزاد الغضب بداخلها وإلتفتت له مرة أخرى..

مريم:”يحبني مايحبنيش دي حياته وهو حر فيها، وياريت كل واحد يخليه في حاله، وسيبوني أشتغل في سلام.”

طارق بإستئناف لحديثه:”مش عايزة تعرفي ليه؟”

مريم بضيق:”مش عايزة أعرف، وياريت بعد إذنك مش عايزة أشوفك إنت أو إبن أختك قدامي تاني، ماشي؟؟؟؟”

لم تنتظر ردًا منه ودخلت القاعة غاضبة ووقفت بجانب عماد، تشعر بالضيق والغضب في آنٍ واحدٍ … ظلت هكذا تتأفف بضيق مما يحدث حولها .. حتى أعلن مسئول الحفلة عن إلقاء ياسين المغربي لكلمة الحفل ..

صعِدَ ياسين على منصة القاعة وبدأ الحرس بالإنتشار حوله .. تحدث ياسين بهدوء ..

ياسين بإبتسامة هادئة:”مساء الخير، الحفلة منورة بيكم كلكم …..”

بدأ ياسين بالتحدث عن إنجازات المشفى خلال السنوات الماضية … وعلى الرغم من غضبها منه لم تستطع إبعاد عينيها عنه .. سمعت بعض الوشوشات من بعض الفتيات خلفها يمدحون في ياسين المغربي وكم هو جذاب ورجل أربعيني أعزب مناسب لكل الفتيات هنا بالقاعة .. شعرت بالضيق من ما سمعته وحاولت أن لا تستمع لهم .. قام ياسين بإلقاء كلمته وأعطى جائزة تقديرٍ لطارق لرعايته للمشفى في الفترة السابقة وأخبرهم بأنهم سيجلبون مديرًا للمشفى عن قريب ..

مر الوقت بذلك الحفل الممل بالنسبة لمريم؛ فلم تفهم إلى الآن سبب دعوته لها؟؟ هو حتى لا ينظر لها! .. تأففت بضيق من ذلك الملل ونظرت لعماد الذي يأكل الحلوى بجانبها ..

مريم بضيق:”كفاية كده يا عماد عشان السكر.”

كاد أن يرفض ولكنها أخذت طايق الحلوى من أمامه ..

مريم بلوم:”إنت كده هتتعب أكتر.”

عماد بضيق طفولي:”بس أنا بحب الحلويات.”

مريم برفض قاطع:”لا، لحد كده وكفاية، أنا مش هقبل إن حالتك تسوء.”

هز رأسه وصمت، ظلت تنظر حولها في الحفل وتقابلت عينيها مع عيني هشام الذي ينظر لها بغضب، ولكن قاطع نظراتهما خطيبته الذي جعلته ينظر لها وهي مبتسمة له … تأففت مريم فكم هي تكرهه الآن أكثر، هي حقًا أصبحت لا تطيقه .. قررت أن تقوم بالتمشية قليلًا حول القاعة في الليل ولم تنتبه لياسين الذي يتابع خروجها من القاعة .. أخذت تقوم بالتمشية حول القاعة من الخارج وهنا وجدت حمام سباحة كبير وعميق جدا إبتسمت بهدوء وتوجهت نحو ذلك الكرسي بجانب المسبح وقامت بخلع حذائها ذو الكعب العالي متأوهة بألم .. لقد تحملت الوقوف به كثيرًا يجب عليها أن تريح قدمها الآن .. أغمضت عينيها مستمتعة بالهدوء حولها ولكن قاطع هدوئها صوتها خلفها ..

رضوى:”مساء الخير.”

نظرت مريم بتعجب لمن تراها أمامها ..

رضوى:”أنا خطيبة هشام، أكيد تعرفيني.”

عكفت مريم حاجبيها بضيق وتحدثت بلا مبالاة ..

مريم:”اه، أهلا.”

رضوى:”ممكن أطلب منك طلب؟”

مريم بتأفف:”قولي.”

رضوى:”ممكن تبعدي عن هشام؟”

إستقامت مريم من مكانها ونظرت لها بغضب ..

مريم:”وهو أنا ماسكه فيه يعني؟؟؟ حطاه في جيبي مثلا؟؟؟ ماهو خطيبك موجود عندك.”

رضوى بهدوء:”أومال تفسري بإيه نظراتك ليه في الحفلة؟”

مريم بضيق:”أنا كنت ببصله؟؟؟ إنتي بتتكلمي بجد؟؟؟”

كادت رضوى أن تجيبها ولكن مريم إستأنقت حديثها ..

مريم:”بقولك إيه، إبعدوا كلكم عني .. أنا زهقت وتعبت منكم .. كل شويه حد فيكم يطلعلي بحاجة، وأنا زهقت بصراحة، ولمي خطيبك يا حبيبتي شويه، هو إللي بيحوم حواليا من أول ما جيت هنا.”

حديث مريم إستفزها مما جعلها تدفعها بقوة من غيظها؛ ولطول فستان مريم وخلعها لحذائها العالي أيضًا، تعثرت ووقعت بالمسبح ..

رضوى بضيق:”تستاهلى، بنت مستفزة وباردة.”

تركتها وذهبت دون أن تلتفت خلفها … لكن لا أحد يعلم نهائيًا أن مريم لا تستطيع السباحة … حاولت قدر المستطاع أن تصل لسطح المسبح ولكنها لا تستطيع .. حاولت مريم أن تصرخ بأقصى صوت لها ولم تستطع .. تحاول أن تقاوم الغرق ولكن لم تستطع أيضًا .. فقدت التنفس وبدأت بإغلاق عينيها وآخر مارأته هو غوص أحدٌ بالمياة بقوة، وآخر وجه رأته كان وجهه هو .. “ياسين المغربي”.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية القاتل الراقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى