روايات

رواية بين الحقيقة والسراب الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم فاطيما يوسف

رواية بين الحقيقة والسراب الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم فاطيما يوسف

رواية بين الحقيقة والسراب الجزء الحادي والعشرون

رواية بين الحقيقة والسراب البارت الحادي والعشرون

رواية بين الحقيقة والسراب الحلقة الحادية والعشرون

ماذا عن طلتها الخاطفة لأنفاسي وكأنها وحدها التي أنيرت المكان ،
أم ماذا عن رجفة قلبي في حضرتها وأريد في وجودها أن يتعطل الزمان ،
أم ماذا عن نظرتها الكفيلة أن تشعرني بالأمان ،
تناولتني تلك الأسئلة لمجرد حضورها فقط وتناوبت على قلبي وعقلي كالإدمان .
خاطرة مالك الجوهري
بقلمي فاطيما يوسف
تدلف ريم المالكي صالة العرض وهي تتأبط ذراع أخيها رافعة قامتها لأعلي بشموخ ، في زيها الزهري اللون المفضل لها بشدة وعلى رأسها حجابا باللون الأبيض ووجهها خالياً من مستحضرات التجميل إلا بلمسات بسيطة أبرزت جمال وجهها المستدير ،
كانت عيناي ذالك المالك مثبتة على الباب منتظراً قدومها على أحر من النار وما إن رآها حتى كادت دقات قلبه أن تشق ضلوعه من شدته ،
كان ينظر إليها كالمسحور من جمالها الهادئ الرقيق فأقسم بداخله أنه لن يرى امرأة في جمالها من ذي قبل ،
ساقته قدماه كالمسحور حتى وصل إليهم وهو يمد يده ليد أخيها مرددا بترحاب:
_ أهلا وسهلا يادكتور رحيم نورتنا وشرفتنا ،
ثم نظر الي ريم ملقيا السلام:
_ أهلاً يامدام ريم نورتي المكان .
بادلته السلام بابتسامة متوترة لنطرته التى تغيرت كليا لها وخاصة بعد اعترافه اليوم بحبها فكانت في موقف حرج جداً ،
بادله رحيم السلام مرددا بابتسامة:
_ أهلاً بيك يامستر مالك ، كويس إنك لسه فاكر اسمي .
ابتسم مالك مردفا بدعابة:
_ بذمتك في حد ينسى الدكتور رحيم اللي أول مادخل المكتب عندى موتنا من الضحك بسبب دمه الخفيف .
انفرجت أسارير ذاك الرحيم وهو يردد بنفس الدعابة :
_ الله ده أنا من مرة واحدة بقيت ماركة مسجلة بقي في القلش ،
واسترسل وهو ينظر إلي المكان بانبهار :
_ بصراحة المكان والعرض باين إنه حاجة تشرف أووي وبإذن الله هينجح ويكسر الدنيا.
أماء مالك برأسه بموافقة قائلا وهو ينظر تجاه ريم :
_انا واثق من ربنا ان العرض هيكسر الدنيا وده طبعا بفضله أولاً ثم بمجهود ريم اللي تعبت فيه جدا وهينقل سوق الأزياء للزي الدراسي لحتة تانية خالص .
استشعر رحيم بنظراته الثاقبة اعجاب ذلك المالك بريم مما جعله يفرح داخلا لأجلها فهو يريد لها ان تستقر وان لا تدفن روحها بالحياة ،
وردد بتأكيد على كلام مالك :
_والله كلامك صحيح جدا ريم من صغرها وهي طموحة جدا واقل شيء بتعمله بيبقى مبهر والكل بيعجب بيه جدا بصراحة من غير مجاملة إنها أختي .
واثناء حديثه استمع الى رنات هاتفه نظر إليه وجدها مريم فاستئذن منهم عدة دقائق للرد عليها ،
اما مالك فور خروجه تنفس الصعداء وكأن الدقائق التي يقضيها معها أمنية بات يحلم بها ،
فأشاد إليها منبهرا بطلتها:
_ اللون الزهري جميل جدا عليكي يا ريم والحق يقال إنتي عندك ذوق جدا في اختيار الالوان للمناسبات .
أحست بالحرج الشديد من نظراته وتلميحاته وأومأت له بخفوت :
_متشكرة جدا يا مستر لذوق حضرتك .
أحس بحرجها ولكن فرصة تواجدهما في ذاك المكان ويقف معها وحدهم لن يضيعها وأردف باستفسار:
_ إنتي ليه متعمدة تنسي اعترافي ليكي النهاردة وبتحاولي تهربي بعيونك عني ،
وتابع حديثه بتصميم:
_ لعلمك بقى أنا عليكي مصمم وبجد محتاجك فى حياتي يا ريم وعايزك جمبي.
ابتلعب أنفاسها بصعوبة بالغة وعلامات الخجل اعترت وجهها ببراعة ولم تقدر على التفوه إلى أن استمعت إليه:
_ ممكن تدينا فرصة نتعرف على بعض ونعمل ياستى فترة خطوبة علشان تطمنى ومتحسيش إنك اتدبستي .
رفعت أنظارها إليه وهى على نفس خجلها وأردفت بنبرة هادئة:
_ المشكلة مش فيك إنت ، المشكلة فيا أنا وهى اني رافضة أي ارتباط بعد باهر الله يرحمه وانى مقررة أعيش لولادي بس .
رفع حاجبيه وهتف باستنكار:
_ وده ليه ياريم ممكن أفهم ؟
طيب أعمل إيه في قلبي اللي حبك واتعلق بيكى وبقي يعد الأيام علشان تبقي جمبه ومعاه ؟
استمعت إلى دقات قلبها التى تأثرت بشدة من نبرته ونظرته وخاصة أن لديها مشاعر إعجاب وليدة ،
وتلك المشاعر الوليدة تؤلمها بشدة فهى تريد كبتها وموتها قبل أن تقتحم كل حصونها بشدة وحينها تكون معذبة ،
وأجابته بتوتر وخجل :
_ أنا كنت واضحة جداً من البداية معاك وعمرى ماخضعت بقول ولا فعل يخليك تتعلق بيا .
_كذابة …. نطقها مالك بعيون راجية وأكمل دفاعه المستميت عن حبه :
_ مين قال كدة ؟ كلك على بعضك سحرني ، تدينك والتزامك وهدوئك ، أصلاً دخولك للمكان بيخطف الطلة وبحس إني مش عايز أعمل حاجة غير إني أبص لك وأركز معاكي ومع كل تفصيلة تخصك ، بذمتك مش كدة يبقي حرام عليكي وهتشيلى ذنوب كمان .
_ذنوب ! ذنوب ايه دي …. نطقتها باندهاش شديد وتعجب.
اقترب منها بخطوة واحدة وأجابها بوله :
_ أه ذنوب قلبى اللي انتي معذباه معاكي بسبب رفضك ،
ذنوب نظرتي ليكى اللي بسرقها غصب عنى علشان بتبقي وحشانى ،
واسترسل مقنعا لها بمراوغة :
_ إنتي متعرفيش إن النظرة سهم من سهام إبليس ولا ايه ياقلبي .
إلي هنا واكتفت من جرائته وتلميحاته ورفعت سبابتها وأردفت بتحذير:
_ قلبك ! لحد هنا وكفاية يامالك أنا مش مسؤلة عن اللي انت بتقوله ولا عن ذنوبك اللي عايز تحملها لى بدون وجه حق .
ابتسم على شراستها وتحدث هامسا وهو قاصداً النظر في عينيها كي يرى ازتباكها الذي يعشقه :
_ الله ياريما مالك خارجة منك قمرر ، بذمتك بعد مالك دي عايزاني أكبر دماغى وأسيبك ،
واسترسل بوعيد محبب:
_ طيب شوفى بقى عند معايا مش هيجى سكة وهتجوزك يعني هتجوزك مانا مش هفضل أسهر على الأطلال وأحلم بعيونك اللي دوبونى دول وأسيبك تدفنى نفسك بالحيا علشان حق ربنا ادهولك وخايفة من المجتمع ،
وتابع حديثه قائلاً وهو يشير بيده تجاه قلبها:
_ خلى بالك أنا سامع دقات قلبك دلوقتي والقلب مبينبضش بشدة كدة إلا لعاشق .
أنهي كلماته وتحرك من أمامها عندما لمح قدوم أخيها ،
تصنمت مكانها من إحساسه بها بتلك الدرجة وحدثت حالها بتخبط:
_ هو عرف منين بدقات قلبى وحيرتى هو أنا للدرجة دي مكشوفة أوي كدة ، ياربي أنا مش قادرة أتنفس حتى في وجوده ، ارحمني يارب واهدي قلبي وارزقنى المقاومة.
كان رحيم يقف أمامها يحدثها وهى في عالم أخر إلى أن أشار بيديه أمام عينيها مرددا :
_ اللى واخد عقلك يتهنى به ياست ريما .
_ها بتقول ايه؟ … قالتها ريم بتيهة .
لوى شفتيه باستنكار:
_ ده انتى في عالم تانى بقي ياريم هانم ايه ياحاجة فوقي كدة مالك متنحة كدة ليه ومش سامعاني أصلا ،
واسترسل وهو يرى نظراتها تجاه مالك مرددا بغمزة شقية :
_ الله أنا ابتديت أشك والموضوع فيه إن بقى ، ياتحكى ياتحكى بردو مش هسيبك إلا لما أفهم .
كادت أن تنطق إلي أن استمعت إلى إعلانهم عن بداية العرض فانتبه الجميع ناحية الاستدج وبدأت مراسم العرض فى منظر أبهجها بشدة ،
بعد مرور ساعة كاملة من العرض لاحظت انبهار الجميع بالتصميمات ووجدت اسمها ينادى من قبل مالك علنا أمام الجميع قائلا:
_ الحقيقة نجاح العرض يرجع لتصاميم مدام ريم واللى هى أبدعت فيها جداً لحد ما طلعت بالشكل ده ، بعد اذنك ياريم اتفضلي.
تلقائيا نظرت إلى أخيها بتيهة ، أشار إليها بابتسامة أن تصعد وهو يردد بسعادة:
_ روحي ياقلبى افرحي بنجاحك وخليكي واثقة في نفسك وسيبك من الكسوف الزايد عن اللازم ده وأنا واقف هنا بتفرج على نجاحك بكل فخر .
شكرته بعينيها بامتنان وتحركت تجاه مالك ووقفت في منتصف الجميع ،
تهافتت المباركات عليها وتهافت الإعلامين في التصوير معها وانشغلت بهم ومالك يقف بجانبها يدعمها ويساندها وخاصة أنه رأي خجلها الشديد فحاول تشجيعها ،
فكان مالك معدا لها حملة إعلانية رهيبة انبهرت بها بشدة ،
وبعد قليل انتهت من الإجابة على جميع الأسئلة ، فاستغل مالك انشغال الجميع وهمس بجانب أذنها بحب مما أصابها بالقشعريرة من همسه :
_ مبروك ياحبيبتي أول نجاح ليكي واحنا مع بعض ، والمرة الجاية نحتفل بيه في بيتنا لوحدنا ،
وأنهى همسه برقة :
_ ريم أنا بحبك أووووي ياريت تفكرى في الموضوع.
______________________________
في نفس التوقيت وبالتحديد في المركز الطبي الخاص بصديق إيهاب
التزم الجميع الصمت وبعد ربع ساعه بالتحديد خرج إليهم طبيباً أخر متابع لحالة مهاب وهو يتبطأ في خطواته وعلامات الحزن بادية علي وجهه ،
ذهبوا إليه جميعهم ووقفوا أمامه متلهفين اطمئنانه إلي أن تحدث إيهاب:
_ في ايه يادكتور مالك وشك ميبشرش بالخير.
أجابه بأسف:
_ للأسف الشديد يادكتور البقاء لله .
أمسكه إيهاب من تلابيب قميصه مرددا بفزع :
_ انت بتخرف بتقول إيه إنت اتجننت ؟!
تحدث الطبيب بأسف:
_ النبض وقف للأسف وبحاول أنعشه والمحاولات بائت بالفشل.
انهارت فريدة وجميل وجلسوا على الكراسي بإهمال وهم يرددون:
_ لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم اللهم لا اعتراض اللهم لا اعتراض.
أما راندا كانت مصدومة ولم يصدق حدسها مااستمعت إليه وما إن انتبهت حتي شهقت بصوت عال رج المركز بأكمله :
_ ابننننننننننننننننننننني لااااااااااااااا يااااااااااااارب ابني مماتش مماتش.
ثم وجهت أنظارهم تلقائيا إلي الممرضة التى تهرول إليهم مرددة بأنفاس متقطعة:
_ إحنا قدرنا ننعش الولد يادكتور الحمدلله والنبض رجع لطبيعته تاني ، الدكتور هاني مرضيش يسيبه وحاول كتييير لحد مارجع النبض.
اتسعت أعينهم جميعاً لما استمعوا إليه ، وسجد جميل وإيهاب سجدة شكر لله يعبرون فيها عن مدي شكرهم لربهم ،
أما راندا انطلقت مسرعة إلي حجرة العناية وهي تردد :
_ ابني ابني ألف حمد وشكر ليك يارب ،
حاولت فتح الباب لكن الممرضة لحقتها ومنعتها من الدخول:
_ ممنوع يافندم دخول العناية أرجوكي كدة خطر على صحته .
ضربت علي صدرها بحدة ثم مدت يداها تشد الممرضة من علي باب الحجرة هاتفة بصراخ:
_ بقولك اوعى أنا عايزة أشوف ابني وأطمن عليه ومش من حقك تمنعيني .
استمعوا جميعا إلي صراخها للمرضة فهرولوا إليها جميعاً ،
أخذها والدها بين أحضانها قائلا لها بطمئنة :
_ اهدي يابنتي الحمدلله ابنك بخير ومينفعش تدخلي له ، ادعي له ربنا يشفيه وتعالى استريحى شوية .
مسح إيهاب على رأسه بأسى ونطق بنصح :
_ بعد اذنكم ياجماعه وجودكم هنا دلوقتي ملهوش لازمة اتفضلوا روحوا هو كدة كدة مش هيفوق إلا بعد ٢٤ ساعه علي مايعدى مرحلة الخطر .
هدرت به راندا بحدة وشراسة :
_ أروح مين انت بتقول ايه ؟! أنا لايمكن أسيب ابني لحظة ولا هتحرك من هنا إلا وهو رجلى على رجله .
ربتت فريدة على ظهرها بحنو وأردفت بإرشاد:
_ يابنتي وجودنا هنا ملهوش لازمة ، لازم تروحي ترتاحي علشان تقدري تقاومى وبعدين بنتك مموتة نفسها من العياط هناك لازم تبقى جنبها بردو تطمنيها .
أشارت برأسها برفض قاطع وتحدثت من بين دموعها:
_ والله ياماما لو انطبقت السما علي الأرض ماهروح ولا هتحرك من مكانى الا لو ابنى خارج معايا بخير .
لم يقدروا عليها جميعهم الي أن تحدث إيهاب إلى جميل:
_ خلاص ياعمي خد طنط فريدة وروحوا انتوا علشان سما وأنا وهى هنفضل هنا مش هنتحرك .
أخذ جميل نفسا عميقا ثم زفره بهدوء قائلا برجاء:
_ طيب يابنى أرجوك كل لما أكلمك ترد عليا علطول وتطمنى عليه.
_ حاضر ياعمى ومتقلقش بإذن الله هيبقي بخير…. قالها إيهاب بتمني .
أمن الجميع على كلامه وخرج جميل وفريدة من المركز عائدين إلي منزلهم بقلب ينفطر ألما ،
بينما عاد رحيم وريم من العرض ووجدوا سما تنتحب بشدة وعلامات البكاء على وجهها واحمرار عينيها جعلهم انفطروا رعباً،
هرولوا إليها مرددين في آن واحد:
_ مالك ياسما بتعيطي ليه ياحبيبتي ،
وفين تيتا وجدوا وماما والباقين سايبينك لوحدك ليه .
ارتمت سما في أحضان خالتها وهتفت بشهقات عالية :
_ مهاب تعب جداً ياخالتوا وراحوا بيه المستشفى.
نطق رحيم متعجباً:
_ مستشفى! ليه ماله ايه اللي حصل له ولا تعبان إزاي ؟
كادت أن تجيبهم إلا أن جميل وفريدة وصلوا إليهم ،
نظر إليهم رحيم قائلاً بعتاب:
_ إنت إزاي يابابا متتصلش بيا وتقولي إن مهاب تعب وفي المستشفى وسايبنا كدة مش فاهمين حاجة ؟
أجابه جميل بنبرة صوت متعبة :
_ والله يابني كل حاجة حصلت ورا بعضها وكنا متوترين وحالتنا مايعلم بيها إلا ربنا .
سألت ريم بقلق:
_ مهاب ماله يابابا وعامل ايه دلوقتي.
أجابتها فريدة بنحيب:
_ مهاب تعبان أووووي ياريم أوووي ،
وتابعت نحيبها وهي تضرب بكلتا يديها علي فخذيها بحسرة :
_ مهاب مدمن ياريم مدمن والإدمان سبب له سكتة دماغية وكان هيموت فيها لولا ستر ربنا .
انصدم رحيم وريم مما استمعوا إليه ولم يقدروا علي التفوه ينظرون إليهم بتعجب شديد وعيونهم متسعة بشدة وكأن الطير أكل رؤوسهم ،
وبعد استيعابهم للأمر تحدث رحيم :
_ لله الأمر من قبل ومن بعد ،مهاب ابن أختي مدمن ! والله العظيم مامصدق.
أما ريم هتفت باستنكار:
_ مدمن إزاي ياماما ده مهاب ولا له في اللف ولا الحوارات دي ايه اللي جرى له .
هنا تحدث جميل ناطقاً بإبانة:
_مش بمزاجه بقى مدمن يا بنتي مهاب جات له حاله نفسيه من فراق والدته ووالده وطبعا اختك انشغلت في احزانها وألمها ونسيت ان ليها اولاد عايزين رعايتها واهتمامها .
سألته ريم وهي تبتلع أنفاسها بصعوبة:
_ بس إزاي يابابا وهي كانت عايشة معاهم ومفكرتش تتجوز تاني وكل حياتها ليهم ووقتها بردوا .
أجابها بهدوء:
_ مين قال لك ان الجواز بس هو اللي بيعطل الست عن تربية ولادها !
لا يا بنتي مش زي ما إنتي فاهمه لازم تعرفي ان وجود الأب والزوج مهم جدا في حياة الست مهما كانت قوتها ،
وجوده وسط بيته سند وحمايه وامان .
سألته بتيهة وتخبط :
_يعني انا كده يا بابا ولادي ممكن يضيعوا في يوم من الأيام علشان ما لهمش اب؟
أحس جميل بأنه أخطئ أمامها بكلماته ولكن أجابها بتوضيح:
_مش كل حاجه يا بنتي الست ممكن تقدر تتحملها وتحلها لوحدها لو لقيتي نفسك في يوم من الأيام محتاجه وجود راجل في حياتك يقف معاكي ويسندك ويقبلك بكل حملك ما تفرطيش فيه الدنيا مش بتقف على حد وهي مكتوبة علينا ولازم نعيشها طالما ما بنعملش حاجه تغضب ربنا .
جلست بإهمال وهى ترتعب داخليا مما حدث ومما استمعت اليه وأصبحت تائهة في عالم أخر تفكر ماذا تفعل في مستقبلها .
_____________________________
عودة إلى المشفى حيث يجلس ايهاب وراندا في قلق ورعب شديد ،
يجلسون مقابل بعضهم في توتر بيِّن على معالمهم ، كل منهم ينظر بشرود في اللاشيئ إلى أن التقت عيونهم فى نظرة طويلة ،
نظرته لها تشيد إلى الملامة والعتاب أما نظرتها تلك المرة اختلفت من ذي قبل ، نظرة احتياج لاشراسة ، نظرة تطلب منه الاحتواء لا الابتعاد ،
فحدثتها عيونه :
_ ليه أهملتي في ابننا لحد ما وصل للمرحلة الصعبة دي .
أجابته عيونها بوجع :
_ إنت السبب انت اللى دمرتنا وفرقتنا .
ضيق عينيه باندهاش وكأنه فهم مغزى نظراتها :
_ مانا جت لك واتحايلت عليكي وانتى اللي مصممة على وجعك .
فرت دمعة هاربة من عينيها وأكملت تلك العين عتابها له:
_ كنت موجوعة منك أووي أووي وكنت عايزة أنتقم لكرامتى وكبريائي .
أخذ نفسا عميقا وعلى نفس نظراته :
_ سيبتك تفجرى طاقة الوجع اللى جواكى واستنيتك وقاومت أي اغراء علشان أنا بحبك بس انتى عاندتي واتكبرتي لحد ماكنا هنخسر أعز مانملك .
ولحديث العيون قوة تضاهى قوة حديث اللسان بل وتزيد فالعين تفضح المكنون أيا كان .
وجدها غفلت من شدة التعب وذهبت فى ثبات عميق ، قام من مكانه ودثرها بالغطاء المتواجد في الغرفة وغادر الحجرة وأوصدها خلفه ونبه على العاملين بعدم فتحها نهائيا ،
انتهى ذلك اليوم العصيب على الجميع وانتهت الأربعة وعشرين ساعة مرحلة الخطر واستقرت حالة مهاب بفضل الله وبدعوات من حوله ،
استدعي إيهاب عدداً من الأطباء فى تخصص المخ والأعصاب وعلاج الإدمان واهتم بحالة ابنه ،
مر ثلاثة أسابيع على تلك الأحداث في تعب وتوتر من الجميع ،
فريم أخذت أجازة فى تلك الأسبوعين كى تبقى بجانب أختها ،
وكان الجميع يلتفون حولها يهنئوها بنجاة مهاب ،
وعادت معهم راندا وأبنائها إلى بيت أبيها كى يراعوا مهاب معها فهو يحتاج إلى فترة نقاهة وبالتحديد شهرين .
___________________________
أذاعت قنوات التلفزيون والسوشيال ميديا عرض الأزياء والمقابلة التي تمت مع ريم وأصبحت ذات شهرة واسعة ،
في منزل باهر الجمال كانت هند واعتماد وابنتها التى عادت من سفرها بالخارج تجلسن جميعن وهم يتحدثون عن ريم ولما وصلت إليه ،
فتحدثت اعتماد بحقد:
_ شوفي ياختي البت واقفة فى وسط كام راجل ولا هاممها ، دى معندهاش من الاحترام والأدب ذرة .
مطت هند شفتيها بامتعاض وهتفت متمتمة بسخرية:
_ الخياطة بقي ليها شنة ورنة دلوقتي ياحماتي وبقت ولا نجوم السيما.
تنفست بغل وأردفت باستهزاء:
_ ولما هى بقت مشهورة أوي كدة وأكيد بتقبض بالدولار ليه متنازلتش عن القضية اللى رافعاها علينا اللي ماتتسمى .
هنا تحدثت ابنتها بإبانة :
_ حقها ياماما ومتزعليش من الحق .
رفعت حاجبها وهتفت باستنكار:
_ تك كسر حقها يختي منك ليها ، حق مين والناس نايمين إنتي بتخرفي بتقولي ايه يابت إنتي ؟
أجابتها بتأكيد:
_ بقول الحق اللى ميزعلش وإنه لازم يرجع لأصحابه ،
واسترسلت بنصح :
_ ولعلمك بقى ياماما قضايا الميراث بالذات مبتاخدش وقت فى المحاكم وبالتأكيد هيتحكم لها ،
وخلى بالك كمان من حتة انها بقت مشهورة وشهرتها عالمية كمان دي مش مصممة بس دي كمان صاحبة ماركة يعنى بقت حاجة عالية أوووي ،
فاديها حقها اللى هو حق ولاد ابنك بدل فضحيتنا ماتبقى على كل لسان وساعتها هتندمى نفسك وهتقولى ياريت اللي جرى ماكان .
أحست اعتماد بالخوف داخلها ولم تبينه فتحدثت هند وهي تضع سبابتها جانب فمها :
_ تصدقي عندك حق في كل كلمة قلتيها واحنا مش واخدين بالنا ،
وتابعت حديثها وهي تحول أنظارها إلي اعتماد مرددة بتحذير:
_ خلى زاهر يديها حقها وتغور بيه ياماما بدل مايتفضح ويتقال عليه آكل حقوق ولاد أخوه اللي مات ، إحنا عندنا بنات وعايزين نربيهم من غير مايطلع سمعة وحشة على أبوهم أبوس ايدك.
وظلت ابنتها وهند يستخدمون معها أسلوب الترغيب والترهيب حتى لانت واقتنعت بمشورتهم وفورا أمسكت هاتفها وأبلغت المحامى وزاهر أن يعطوها حقها بالكامل وينهوا ذلك الحوار وهي تستشيط غضبا وفي اعتقادها انتصار تلك الريم عليها .
____________________________
في تلك المدة زادت علاقة القرب بين مالك وريم حيث كان يحادثها يومياً بحجة الاطمئنان علي ابن أختها تارة وتارة يخترع أي أسباب يسألها عن التصميمات ، ولكنه أحب محادثتها في الهاتف وكأنه رجع شابا في مرحلة مراهقته ،
وذات يوم كانت ريم نائمة ظهراً وأثناء نومها استمعت إلي صوت هاتفها ،
مدت يداها وأجابت وأعينها مشوشة أثر النوم مرددة بصوت رقيق :
_ الو ، مين معايا .
أحس برعشة في جسده اثر استماعه لصوتها النائم وود لو كان بجانبها وكانت امرأته في تلك اللحظة ، وأجابها هامسا:
_ صوتك حلو اووي وانتي صاحية من النوم ، بجد أسرني ودوبني أكتر مانا دايب ياريم .
اعتدلت من نومها بتوتر شديد لما سمعته أذناها من ذاك المالك الذي لم يترك فرصة إلا ويغازلها ،
لقد أرهق قلبها وأتعبه بشدة وأصبحت أسيرته ولكن تعاند حالها وتريد كبت شعورها ولكن حصاره لها لم يمهلها فرصة ،
وتحدثت بهمس مغلف بالخجل:
_ مش هتبطل كلامك ده بقى وتفقد الأمل فيا ؟
ضحك بشدة على كلامها وأردف بنفي :
_ شوفي لو السما اختفت والبشر انقرضت والدنيا مبقلهاش وجود ساعتها هبطل أحبك .
أمسكت خصلات شعرها تداعبها بأناملها وعضت على شفتيها السفلية دليلاً على انداماجها لكلماته ونبرة صوته التى اعتادت على سماعها قائلة:
_ وبعدين بقى فيك بطل طريقة كلامك دي ، هعمل لك حظر على فكرة علىشان أنت مستغل أووي .
كان يستدير بالكرسي حول نفسه بسعادة عارمة لكونه يتحدث معها فقط، فما تكون حالته عند لقائها الأول بين يديه ، يحلم كثيراً بذالك اللقاء وردد بحالمية:
_ حرام عليكي اللي انتي بتعمليه فينا ده ياريم والله العظيم حرام ، إنتي بتحبيني زي مابحبك بالظبط وبتكابرى بس اللي متعرفيهوش إن المشاعر فضاحة ،
واسترسل بملامة:
_ كفاية بقي كدة وحنى عليا ووافقى على ارتباطنا وأنا أوعدك انك مش هتندمي أبداً ، وخلي بالك بقولها لك للمرة التانية إنتي كدة بتشيلي ذنوبي علشان كل لما أكلمك وأسمع صوتك بتسحر وبتخليني أقول كلام مينفعش يتقال غير من زوج لزوجته ،
وللمرة اللى مش عارفه عددها بقول لك أنا عايزك تكونى ليا .
ابتسمت على طريقته وكأنها الأخرى عادت ابنة السابعه عشره عاماً ثم ألقت كلمتها السريعة وأغلقت الهاتف فوراً:
_ خلاص هفكر .
استمع إلي كلماتها بقلب ينبض فرحا وعشقا وصار بعقله يفكر كيف يكون لقاؤها الأول بالتأكيد سيكن عاصفة شديدة في ليالى العشق والغرام ،
نظرت للسقف بشرود وتيهة وخطر على بالها رحيم ، هى تريد أن تتحدث مع شخص يتفهمها فأرسلت له رسالة عبر الواتساب:
_ رحيم عايزة نخرج أنا وإنت في مكان هادى ممكن .
جائته رسالتها وهو يهاتف مريم فاستئذن منها كي يراها ، قرأها وابتسم تلقائيا ثم أنهى حواره مع مريم وأرسل لها بموافقة:
_ فى ربع ساعه بالظبط هكون جاهز ياحبيبتي يلا جهزي نفسك .
سعد داخلها من أجل حنان أخيها عليها وقامت بنشاط وحيوية كي تأخذ حماما منعشا وبعد نصف ساعة كانو متحركين بالسيارة ،
وصلوا الي المكان المحبب لها ،دلفوا الي المكان وانتقوا مقعداً بجانب البحر الذي تعشق الجلوس أمامه ،
بعد استقرارهم في المكان أحس بحرجها ، تود أن تتحدث معه في ذاك الموضوع ولكن خجلها يقف عائقا أمامها ،
ولكنه تشجع قائلا:
_ أنا حاسس بيكي ياحبيبتي وحاسس بتعبك وجهادك مع نفسك بس ليه ده كله علشان باهر الله يرحمه اللى بين أيادي ربنا دلوقتي ،
واستطرد نصحه كي يطمئنها من نزاعها الداخلى :
_ هو عند اللى خلقه وانتى لسه عايشة فى الدنيا بني أدمة بتتنفسي ونفسك ليها حق عليكي .
نظرت إلي البحر بروح منهكة حاربتها كثيراً وأومأت بخفوت:
_ مش قادره أتخطى وجود باهر لحد دلوقتي ولا قادرة أتصور نفسي مع راجل غيره يارحيم .
التوي ثغره بحسرة على حالة أخته :
ليه ياريم ليه تعذبى نفسك وتعيشي على ماضى وذكريات وتأنبيها على حاجة ملكيش ذنب فيها ، وكمان تدفنيها جوة دوامة هتسحب جمال روحك لحد ماتخليكي هشة .
_طيب أعمل إيه دلنى على الصح … قالتها ريم برجاء وهى تنظر إلى أخيها .
ربت علي يديها بحنان وأجابها:
_ تدى لنفسك ولقلبك فرصة ، تدى لهم حق إنهم يعيشوا وملكيش دعوة بكلام الناس ارميه عرض الحيطة ، محدش هينفعك وانتي بتضيعى سنين عمرك ورا سراب هيحطمك عيشى الواقع والحقيقة وافرحى بشبابك طالما مبتعمليش حاجة تغضب ربنا .
سألته بتوهان :
_ طيب تنصحني أبتدى إزاي من جديد وخاصة انى معايا ولدين لايمكن هسيبهم أبداً أيا كانت الظروف.
تنهد براحة نظرا لأنه على مشارف إقناعها براحتها :
_ أنصحك بأنك لو جت لك فرصة كويسة مع راجل محترم ومتدين يعرف ربنا وابن ناس توافقى بس بشروطك وأولهم ولادك وتانيهم شغلك مانتي مش هتتنازلى عن حلمك للمرة التانية .
تلج الذكريات المحزنة كالمطارق في صدرها وقالت بيقين:
_ أكيد طبعاً دي أول حاجة هطلبها وأمن عليها كمان ،
وتابعت حديثها وهي تفرك يداها بتوتر:
_ طيب ايه رأيك لو كان الراجل ده مستر مالك ؟
انفرجت أساريره بسعادة تلقائية وأجابها بموافقة:
_ يازين ماختارتى راجل محترم وشهم وجدع وابن ناس وظروفه تنفع ظروفك جدا ،
واسترسل حديثه مستفسرا بخفة:
_ احكي لي كل حاجة ودلوقتي حالا حكم أنا بعشق حكايات العشق والغرام وخاصة الممنوعين.
ابتسمت بشدة علي دعابته وهتفت بعيون التمعت بالحب فور حديثها عنه:
_ تقريبا حبنى واتعلق بيا من أول ماشافني ومش بس كدة من قريب اعترف لى بحبه ومش عايزة أقول لك بقى محاصرنى في كل مكان وحتى التليفون .
_ الله الله ياست ريم ده انتى عيونك لمعوا وبيطلعوا دباديب أول ماجت سيرته …. جملة دعابية نطقها ذاك الرحيم بخفة لطيفة .
أحست بالحرج الشديد رغم أنه يداعبها إلا أنها خجلت بشدة وأردفت بتحذير:
_ والله لو مابطلت طريقتك دى لا هقوم أسيبك وأمشي يارحيم .
ضحك بشدة على خجلها وأردف بنفس الخفة:
_ خلاص ياستي متبقيش أفوشة كدة خدى وادى معايا ،
واسترسل حديثه مشيرا إلى هاتفها :
_ يالا امسكي التليفون حالا وقولي له إنك موافقة تقعدى معاه قعدة مبدئية تعرفوا فيها ظروف بعض واللى فيه الخير يقدمه ربنا .
اعترضت على كلامه بشدة :
_ ايه ده أكلم مين مش بالسرعة دي اهدى كدة .
خطف الهاتف من أمامها قائلا بتهديد:
_ هو انتو كدة الستات تموتوا في المحايلة وتبقى نفسكم في الحاجة وتتمنعوا وأنتن الراغبات ،
واسترسل بوعيد :
_ هتكلميه ولا أبعت له أنا رسالة دلوقتي من على تليفونك ومش عايزة أقول لك بقى هتبقى رسالة غرامية بحتة أبل بيها ريق الراجل اللي نشفتيه معاكي .
مطت شفتيها باعتراض وأردفت بمحايلة:
_ لااااا بالله عليك ماتعمل كدة وأنا خلاص هكلمه .
تحدث شارطا:
_ هتكلميه دلوقتي وقدامي .
أمائت برأسها بموافقة وهي تبتسم ،
أعطاها الهاتف وبيدين مرتعشتين طلبت رقمه ولم تنتظر أكثر من رنتين حتي أجابها قائلا:
_ مش مصدق نفسي والله ريم هانم المالكي بتتصل بيا بذات نفسها ده بايني القمر طلع بالنهار وأنا مش واخد بالى .
أحس رحيم بخجلها الشديد وأشار إليها بتشجيع أن تستمر في الحديث ،
ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة وألقت كلماتها :
_ أنا موافقة نقعد مع بعض مبدئياً كدة واللي عايزه ربنا هو اللي هيكون .
قالت كلماتها وأغلقت الهاتف فوراً وصارت تتلفت حولها يميناً ويساراً من شدة خجلها .
______________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين الحقيقة والسراب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى