روايات

رواية وجلا الليل الفصل التاسع عشر 19 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الفصل التاسع عشر 19 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الجزء التاسع عشر

رواية وجلا الليل البارت التاسع عشر

وجلا الليل
وجلا الليل

رواية وجلا الليل الحلقة التاسعة عشر

عقله قاب قوسين أو أدنى من الهذيان، كيف لها أن تفعل ذلك ؟ أتته صورتها وهي تحدثه عنها في السابق، وقد ربط الأمور ببعضها، ليهيئ له أنها بالفعل أقدمت على التخلص منها .
أردف بصدمة :- بتخربطي تقولي إيه أنتِ ؟ بتي في الدار ويا أمي .
ضحكت بسخرية قائلة :- بتك قدامي أها، ولو مش مصدقني هخليك تسمع حسها .
قالت ذلك ثم تقدمت منها لتهمس لها بكلمات لترددها الصغيرة له :- أيوة يا أبوي شمس رايدة ترميني في الشارع، بس أنا قاعدة ويا أمي لحد ما تاچي أنت .
بهتت ملامحه وعجز عن الرد، ليأتيه صوت الأخرى الماكر :- أتوكدت دلوك ؟ على العموم بتي هتقعد معاي، أنا مأمنش عليها معاها واصل، دي البت خايفة منيها سلام يا يحيى .
أغلقت بوجهه الهاتف بعد أن بخت سمها في أذنيه، ويبدو أنها نجحت في ذلك، إذ تحولت عيناه إلى كتلتي جمر تحرق من يتطلع نحوهما، أدار المحرك بعد أن أوقف السيارة ليقود بأقصى سرعة ممكنة، والنيران تتصاعد بأوردته لو طالت مدينة لحولتها إلى ركام .
بالمنزل بعد أن قامت بالاتصال به، أخبرها بأنه سيعود على الفور ويرى الأمر، كلف بعضًا من الرجال للبحث عنها، بينما كانت هي تراقب الوضع بأعين ضائعة مزعورة، ملئت الخطوط الحمراء مقلتيها فصبغتهم بالدماء، وزوجة عمها تجلس بجانبها تحاول مواساتها وهي في أمس الحاجة لمن يعاونها .
دلف كالاعصار محدثًا جلبة ودويًا عاليًا بالمكان، ازدرد الجميع لعابه بتوتر جلي، بينما سلط أنظاره عليها، والتي جعلتها تشعر بأنها تتلقى رصاصًا حيًا فأدمى فؤادها العليل، هتف عامر بحذر حينما وجده لا يزال على حالته منذ أن أتى :- خير يا ولدي في حاچة ؟
رفع حاجبه باستنكار قائلًا بتلاعب :- لاه مفيش، انتوا اللي في حاچة ؟
هزت والدته رأسها بنفي قائلة بكذب :- لاه يا ولدي مفيش .
تطلع نحو الصامتة بسخرية، وعندما رأى هيئتها جز على أسنانه بقوة، تجيد التمثيل جيدًا حتى لا يظهر عليها شيء يدعو للريبة، وقف قبالتها قائلًا بثبات :- وين چنا ؟ بقلم زكية محمد
قالها لها وهو يحدجها بغل، وقفت هي باضطراب وهي تفرك يديها بقوة، هتفت بصوت مرتعش :- أاا…چنا …چنا …أاا
قبض على ذراعها بقوة مرددًا بغضب :- أنا أقولك بتي وين ؟ بتي ودرتيها كيف ما رسمتي زين .
هزت رأسها بنفي قائلة بدموع :- والله أنا چيت من المزرعة ملقتهاش، أنا مخدتهاش معاي خوفت تزعق، بس يا ريتني خدتها مكانش دة حصل .
اصطكت أسنانه بعنف وردد باحتدام، دون أن يعبأ بمشاعرها البتة :- كان لازمًا أحط في اعتباري إنك بت سالم من الأول، يعني ما هتچبهوش من برة، الغدر بيچري في دمكم .
هتف عامر بروية :- وهي ليها ذنب في إيه يا ولدي، إن شاء الله هتلاقيها أنا بعت الرچالة يدوروا عليها في النچع .
ابتسم بتهكم وردد بسخط :- متتعبش نفسك يا أبوي بتي أنا خابر زين هي وين .
تنفسوا الصعداء بما فيهم هي، بينما رددت أمينة بفرح :- صُح يا ولدي لقيتها ؟ وينها طيب ؟
أجابها بغيظ :- متخافيش هي في المطرح اللي الظاهر كانت لازم تقعد فيه من الأول .
جعدت أمينة جبينها باستفهام قائلة :- تقصد إيه يا ولدي ؟
أردف بانفعال :- ويا أمها يا أما، مش مسيبها وياكِ أمانة، مراعتيش ليها ليه ؟
رددت بتبرير :- والله يا ولدي ما غبت عنيها، هي خمس دقايق دخلت فيهم المطبخ طلعت ملقتهاش قولت يبقى راحت ويا شمس زي عادتها .
تجهم وجهه وتابع بغلظة وهو يوجه حديثه لها :- اتاريكِ عمالة تسألي أسئلة وتلفي وتدوري، بس ربنا كشف ضويتك (حقيقتك)، قولتلك كله إلا بتي عشانها مستعد أطربق الدنيا .
أردفت بنفي وهي تدافع عن نفسها باستماتة :- أنا مودتهاش مطرح يا يحيى أنا سبتها إهنة وروحت المزرعة، بس هو دة اللي حصل .
ضيق عينيه بتساؤل :- ولما أنتِ ملكيش صالح هتكدب ليه ؟ دي عيلة صغيرة .
ضمت شفتيها بأسى فيبدو أنه لن يصدقها، كفكفت عبراتها بيدها المحررة من أسره، ورددت بمبالاة :- صُح عندك حق عيلة صغيرة ومبتكدبش، يبقى أنا اللي بكدب يا يحيى .
صرخ بوجهها بقسوة :- متعمليش روحك بريئة، صُح يا ما تحت السواهي دواهي .
كاد أن ينفجر ذاك الذي يستوطن أضلعها وينتهي، يا ليتها ما عاشت تلك اللحظة لا تصدق من عشقته بكل جوارحها، وعلى أتم استعداد أن تنهي حياتها إن طلب ذلك، يقف أمامها ويرميها بسهام الاتهام والتي أصابتها بمقتل، رنت أجراس عقلها لتنبهها على ذلك الواقع، والذي يجب أن تتقبله برحابة صدر، تطلعت له بنظرات تحمل في طياتها شعور القهر، وما أصعبه شعور بأن تُظلم من من ظننت أنه لن يقبل بإصابة إصبعك بخدش، تماسكت قدر المستطاع وأردفت بجمود، وها قد أعلنت بوادر حربها، ولنرى لمن الغلبة ؟ :- خليك فاكر حديتك دة زين يا يحيى، وطالما حاطط إني بت سالم ومخبرش إيه، فأيوة أنا بت سالم وهفضل بته، اللي أنت ما طيقهوش مخبراش ليه ! بس دة أبوي ومش هسمحلك ولا هسمح لأي حد يغلط فيه .
قالت ذلك ثم سحبت ذراعها بعنف، ليتركه الآخر وهو يطالعها باستخفاف، لتصعد للأعلى وما إن وصلت لوجهتها، دلفت للداخل وأخذت تلملم أغراضها بكل سرعتها، وكلما فرت دمعة منها مسحتها بقوة، وكأنها تعاقبها بأن لا تسقط المزيد، وبعد أن انتهت توجهت صوب شقة أبيها .
بالأسفل بعد أن وضح لهم الأمر، أردف عامر بحيرة وشك :- بس دي أميرة يا يحيى يعني متستبعدهاش تكون هي اللي عملت إكدة .
ردد بغيظ :- كيف يعني ؟ طيب بلاها وچنا العيلة الصغيرة هتكدب دي بتي وأنا خابرها زين .
تدخلت أمينة قائلة بعتاب :- مكانش يصح يا ولدي اللي قولتهولها قدامنا دة، أنا خابرة شمس زين .
ضغط على شفتيه بغيظ قائلًا :- أنا رايح أچيب بتي دة المهم .
قال ذلك ثم خرج يسابق الريح، فابنته شغله الشاغل ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، أردفت والدته بعد ذهابه بأسف :- ربنا يهديك يا يحيى، منها لله اللي كانت السبب .
زفر عامر باختناق وردد :- بزيادة يا أمينة، ربنا يعدي الأمور على خير ويبعد عنهم الشيطان، روحي شوفيها على ما يعاود، خلينا نحل الأمور بهداوة .
أومأت له بموافقة، بينما ظل هو في مكانه بانتظار عودته .
************************************
بعد ساعة كان في منزلها، يحتضن ابنته بحب والتي غفت على صدره، يتطلع للتي تجلس أمامه بغل، بينما تابعت هي بمكر وهي تكمل ذلك المسلسل الذي نسجه عقلها :- زي ما قولتلك چالي تلفون منيها، وقالتلي تاچي تاخدي بتك اللي قاعدة على قلبي دي .
أردف بدهشة :- وهي چابت رقمك من وين ؟
لوهلة اهتز فكها باضطراب، ولكنها حافظت على ثباتها قائلة :- من الست الوالدة يعني هتكون چابته من وين، وبس أنا خدت بتي بدل ما يحصل فيها حاچة عفشة .
ابتسم بتهكم قائلًا :- توك ما أفتكرتي أنها بتك ؟ مش مطمنلك واصل، واللي هتبين الحقيقة دي بس تصحى .
رددت بثقة فقد حشت ذهنها بأبشع الصور عن غريمتها، ليزداد خوف الصغيرة منها، واخبرتها بأنها ستخبر والدها بما قالته لها هي :- ماشي خلينا نستنى مش هنخسر حاچة .
تابع بفحيح وغضب :- ولو طلع ملعوب منك، يبقى حفرتي قبرك بيدك . بقلم زكية محمد
لا تنكر أنها ارتعدت بداخلها، ولكنها أمنت نفسها بأن تقول الصغيرة كما لقنتها، نهض هو حاملًا ابنته، وغادر المكان بسرعة والذي شعر بأنفاسه تُسحب منه، ليس عشقًا وإنما نفورًا وكراهية .
وصل للمنزل بصحبتها فوجد والده ووالدته، وهذا بالإضافة إلى عمه وزوجته واللذان يطالعانه بحنق شديد، ألقى عليهم التحية واتجه ليضع الصغيرة بإحدى الغرف القريبة، ومن ثم خرج لمقابلتهم ليصرخ عمه باحتدام :- عملت إيه للبت مخليها راچعة زعلانة ؟
رفع حاجبيه بدهشة، ولكنه قرر قلب الدفة لصالحه حينما تفوه :- والله أنا مقولتش لحد أمشي، هي مشت لحالها قبل ما تاچي تحاسبني حاسب بتك اللي الغلط ماسكها من ساسها لراسها .
تدخلت زبيدة ولكن ليس دفاعًا عن ابنتها، بل توبيخًا فهي ترى أن الزوج يحق له أن يأمر وينهي كما يشاء وما على الزوجة سوى الطاعة، كما أنها تخاف أن تزيد الخلافات وتحصل ابنتها على لقب مطلقة، وهذا لن ترضى به أبدًا ولم تمر على زيجتها عامًا كاملًا :- قولتلك يا سالم، بس أنت متبعها وعمال تچلع فيها، أهي طلعت هي الغلطانة في الآخر .
حدجها بغيظ وهتف بصرامة :- اسكتِ يا زبيدة وخليني أتحدت .
التف له ليتابع بضيق :- غلطت في إيه يعني ؟
أردف بتشفي :- رمت بتي يا عمي، ها عرفت غلطت في إيه ؟
اتسعت عيناه بذهول، عقله غير قادر على تخيل تلك الرزينة بفعل شيء كهذا، لا بد وهناك لبس في الأمر، بينما ردد يحيى بانفعال :- أنا عند بتي أحرق الكل، واللي يعمل إكدة يبقى ميلزمنيش خليها چارك .
أردف بانفعال مدافعًا عن ابنته :- بتي لا يمكن تعمل إكدة، أنا خابرها زين دي بالذات متعملش إكدة .
أردف باستفزاز :- ليه مشربتهاش الصنعة إياك، وخليتها زيك تاكل حقوق الناس وتلهفها !
تحولت عيناه لجمر أحمر ملتهب، وصاح بانفعال :- أخرس يا وِلد .
ضحك باستخفاف قائلًا :- إيه حديتي وچعك ؟ طيب زين عندك ضمير لساته حي ما ماتش كيف صاحبه .
رفع يده ليصفعه إلا أنها ظلت متشبسة في الهواء، بفعل قبضة الآخر الذي يصوب نحوه ذخائر الكمد العارم، بينما أسرع عامر بهلع يفصل بينهما قائلًا بتوبيخ لابنه وبصوت عال :- يحيى مية مرة وأنا بقولك ملكش صالح باللي بيني وبين عمك، اللي عملته غلط في حقه وأنا مهرضاش بدة واصل، كان فيني أضربك بس مريدش أصغرك قدامهم .
صاح بانفعال وهو يتوجه للخارج تاركًا لهم المكان برمته :- كان يوم مش فايت لما فكرنا نعاود إهنة، شورة هباب .
أردف عامر بصدمة من عزوف ابنه عن مسار تريثه وردد بصدمة :- الواد خلاص عياره فلت ومحدش مالي عينه .
تدخلت أمينة قائلة بلطف :- معلش يا عامر خوفه على بته خلاه يخربط في الحديت، شوية لما يهدى هيرچع يعتذر زي عادته .
ردد بإصرار :- روحي صحي چنا رايدها ضروري، لازمًا الموضوع دة يخلص بدل الغم اللي عايشين فيه من الصبح دة .
وافقته الرأي فدلفت للغرفة التي تقبع بداخلها، وقامت بايقاظها بهدوء لتتعلق بذراعيها فور رؤيتها سعيدة بعودتها مع أبيها مجددًا، ولكن ولصدمة الأخرى هتفت بخوف :- هو شمس إهنة أنا مريداش أشوفها واصل دي عفشة .
خفق قلبها بعنف كبندول الساعة، وقد داهمت الأفكار السيئة مخيلتها، من أن يكون حديث ابنها صادق وأنها بالفعل أقدمت على ذلك الجرم، هتفت بحنو :- ليه عفشة ؟ شمس زينة وبتاخدك معاها في أي مطرح بتروحه وبترعاكِ .
هزت رأسها بعنف قائلة بصوت أشبه للبكاء :- لاه هتخلي الكلب يعضني، ومش هتخلي أبوي يحبني تاني ويكرهني .
اتسعت مقلتاه على آخرهما، ما الذي تتفوه به ؟ جمدتها الصدمة لتخرج بها بصعوبة بعد أن أخبرتها أنها ليست بالجوار، ركضت نحو جدها والذي حملها ووضعها فوق ساقيه، قبلها بحنان وهتف بتلاعب :- قوليلي يا چنا مين خدك من البيت وروحتي وين ؟
أردفت بآلية وكأنها تسمع ما حفظته :- شمس ودتني مكان بعيد وأمي چات خدتني .
أومأ بتفهم وتابع أسئلته :- طيب شمس مطلعتش النهاردة واصل ميتا دة حصل ؟
أجابته وهي على نفس الأداء :- الصبح بدري قوي .
سألها بمكر :- خابرة البت زينب اللي بتروح وياكِ الكتاب حصلها إيه ؟
هزت رأسها بنفي، ليردف هو بكذب :- وقعت في الترعة وكانت هتغرق بس لحقوها على آخر لحظة، ولما چه الليل ونعست حلمت بصحبتها وقالتلها شايفة لما كدبتي ربنا عملك إيه ؟ الكداب ربنا ما بيحبهوش واصل، ربنا بيحب اللي بيقول الصدق .
توسعت عيونها بانتباه، وقد توقفت عند هذا لبرهة لتعي أنها بالفعل تفعل المثل، تكذب لمجرد أن والدتها أخبرتها بذلك، بعدما زرعت بداخلها مخاوف، أردفت بشفاه مرتعشة :- يعني يا چدي اللي بيكدب هيوقع في الترعة ؟
هز رأسه بموافقة قائلًا :- وممكن الكلب يعضه كمان، وربنا ميرضاش واصل عليه .
زاغت انظارها في المكان وهمست بخوف :- بس أنا مش رايدة ربنا يزعل مني .
أردف بخبث :- ليه أنتِ بتكدبي إياك ؟
نظرت أرضًا بخزي قائلة بخفوت :- أيوة، أمي هي اللي أخدتني من قدام البيت، وراحت بيا بعيد .
سألها بفضول :- طيب ليه قولتي إن شمس هي اللي عملت إكدة ؟
أردفت بخوف وبراءة :- عشان هي هترميني في الشارع، وأبوي مش هيحبني هيحب عيالها بس .
غمرته الصدمة فأردف بهدوء كي لا يخيفها :- مين قالك الحديت دة ؟
أجابته وهي تقوس جبينها ببعض الهلع :- أمي قالتلي، صُح هي هتعمل إكدة يا چدي ؟
هز رأسه بنفي مرددًا بحنو وهو يمسح على شعرها الناعم :- لا يا حبيبة چدك، شمس طيبة وبتحبك دي أمك بتهزر معاكِ بس وحبت تخوفك حبتين، يلا روحي عند شمس زعلانة .
ترددت الصغيرة فمازال حديث والدتها يقبع بداخلها، تنهد بغضب مكتوم وأردف :- طيب خلاص روحي الأوضة دي ألعبي لحد ما أبوكِ ياچي .
وافقته الرأي وما إن اختفت عن ناظريهم هتفت أمينة بحقد :- يا مين يلايمني على رقبتها وأنا أخنقها وأخلص منيها، خرابة البيوت دي شوف يا حچ ملت راس البت كيف بالحديت العفش دة ؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيها . بقلم زكية محمد
تدخلت زبيدة قائلة بفضول وغضب :- أمها مين دي كمان ؟ مش قولتوا ماتت ولا انتوا بتضحكوا علينا ؟
زفر عامر بضيق، فلا مفر من معرفة الحقيقة، إذ شرع في أخبارهم بكل شيء، ومدى كره ابنه لها لدرجة أنه اعتبرها في عداد الموتى، لم يشأ أن يتحدث عنها لذا طوى صفحتها، ورماها في أقرب صندوق مهملات، لكن يشاء القدر أن تعود مجددًا .
اعترضا الاثنين على إخفاء الأمر عليهم، ولكن عامر استطاع تدبر الموقف والتخفيف من حدته، تحدثت زبيدة بغضب :- قولولي وينها دي وأنا اتاويها ولا حد يعرفلها طريق چُرة بت الفرطوس دي .
أردف عامر بضيق من الموقف، ومما فعلته بالفتاة فهو لم يشأ أن يتحدث أمام الصغيرة، كي لا يشوه صورة والدتها أمام عينيها، ولكن ما فعلته غير قابل للتفاوض :- هدوا حالكم يا چماعة، يحيى هيعرف يتصرف زين متشلوش هم .
أخذت تغلي باحتداد، فهي لا تريد لابنها الراحة، كلما استقرت شؤونه تعكر صفوه في لحظة، تلك الحرباء المتلونة، والتي صدموا فيها بكثرة حينما علموا معدنها الاصلي، وما هو إلا عبارة عن صدأ لا قيمة له .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
ليلًا كان الجميع في حالة استنفار بعدما علموا بتلك الواقعة، عدا هي حبست نفسها في غرفتها، رافضة رؤية أي أحد فما عاد بمقدورها التحمل، هدوء مرعب احتل جدران المنزل، قاطعه صوت أقدام آتية نحوهم، والتي عرفوا صاحبها فور رؤيته، كان الأرق باديًا على محياه، وشعور الخزي مما فعله أمام عمه وأبيه، رد عليهم التحية بجمود وتوجه ناحية ابنته، احتضنها بحنو وهو يحمد الله على عدم فقدانها، فهي جوهرته الثمينة التي لا تقدر بثمن، نظرت له بندم وخزي ودموع لمعت بمقلتيها، لاحظها هو ليهتف بقلق بالغ :- وه بتبكِ ليه يا چنا ؟ في حاچة وچعاكِ نروح للدكتور ؟
هتف خالد بمرح :- وه دي تبقى عيبة في حقي يا واد أبوي، وأنا روحت وين عاد ؟
أردف يحيى بخوف على الصغيرة :- مش وقت هزارك يا خالد، مالك يا چنا قوليلي يا حبيبتي حد عملك حاچة ؟ بقلم زكية محمد
هزت رأسها بنفي، تزرف مزيدًا من الدموع، كاد أن يجن وهو يتابع حالتها بهلع، بينما هتف عامر :- متخافش يا يحيى بتك زينة بس هي رايدة تقولك حاچة إكدة، يستحسن تاخدها على چنب وتسمعلها .
اعترته الدهشة ولكنه استجاب لطلب أبيه، نهض يحمل ابنته ليرى ما الشيء الذي تود اخباره إياه، ولا تريد أن يعرفه الجميع أو ربما تشعر بالخزي لكذبها ولا تريد أن يقولوا عنها كاذبة .
خرج برفقتها إلى الحديقة الخلفية، وجلس بها يحثها على الحديث، وبعد محاولات منه أخبرته بكل شيء، ليشعر بتخدر في جميع أوصاله، ذهول صدمة فاقت التوقعات، لا يصدق ما أخبرته إياه وود لو تخبره بأنها تمزح معه، ولكن بكائها ونبرتها النادمة عن كذبها وخوفها عقاب الله، والذي يخبرهم إياه الشيخ بالكتاب الذي تتردد عليه، أي ندم يضاهي ما يشعر به أخذ يسترجع كل حرف تفوه به لسانه، وما كان سوى سوط غليظ جلدها دون رحمة .
أوصد جفنيه بعنف وأخذ يشدد قبضته على شعره، والندم حليفه يطارده في أزقة وشوارع قلبه القاسي، ليعي فداحة جريمته الشنعاء التي ارتكبها في حقها، أي كلمات تغفر وأي أفعال تمحي ما سمعته أذناها ؟
سحب شهيقًا طويلًا وزفره بضيق من نفسه، مسح عبرات جنا واخبرها ببعض الكلمات التي هدأت إثر سماعها إياها، حملها ودلف للداخل ليسأل والدته بخزي :- وين شمس ؟
في تلك الأثناء طالعته بنظرات متشفية فرحة، لأول مرة تفعلها ولكنه أخطأ هذه المرة وليس أي خطأ، هتفت بسخرية مقصودة من سؤاله عنها وكأنه لم يفعل شيء :- شمس في بيت أبوها، هو أنت مفكر بعد اللي عملته وقولته هتقعدلك فيها ؟
**********************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وجلا الليل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!