روايات

رواية جحر الشيطان الفصل الثالث 3 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الفصل الثالث 3 بقلم ندى ممدوح

رواية جحر الشيطان الجزء الثالث

رواية جحر الشيطان البارت الثالث

رواية جحر الشيطان
رواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان الحلقة الثالثة

قال رجل لذي النون وهو يعظ الناس‏:‏ يا شيخ، ما الذي أصنع‏ ؟‏ كلما وقفت على باب من أبواب المولى صرفني عنه قاطع المحن والبلوى‏.‏ قال له‏:‏ يا أخي، كن على باب مولاك كالصبي الصغير مع أمه، كلما ضربته أمه ترامى عليها، وكلما طردته، تقرّب إليها، فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها‏.‏
تجمع كل آل الشرقاوي في المشفى في إنتظار أن يطمئنهم الطبيب على ملك، كان “حذيفة” يزرع الممر ذهابًا وآيابًا، القلق ينهش قلبه، يودُ أن يمر هذا الوقت سريعًا، ولكن كما العادة الوقت لا يمر على قلوب أنهكها الخوف من الفقد، قلوبٌ فارغة من كل شيء في أنتظار كلمة قد تُحييها وقد تميتها أيضًا وتدفنها تحت الثرى وهي حيةٌ تُرزق، وعلى المقعد أسندت “أسماء” رأسها على كتف سمر التي لُفت ذراعها حولها تبثُ لها السند علها تطمئن، الدموع لا ترقأ من عيناها، الزمن توقفت عقاربه على لحظة رؤية أبنتها هكذا، هل ستخرج حية؟ هل ستراها مرة آخرى؟ هل ستضمها لصدرها؟ هل ستعود لها ضحكتها وفرحة أيامها؟!
بجوارها كانت تجلس سجى وهي تحمل أبنتها أروى التي مشخصة العينين، منظر ملك لا يبرح مخيلتها كـ الوشم ظل في بالها لا يغادر.
ضم يوسف أحفادة لصدره كأن هكذا يطمئن قلبه أنهم بخير، بأمان، لقد عادوا، بجواره كان فيكتور يربط على كتفة يطمئنة، يُطيب خاطرة بأن ملك ستكون بخير.
أسندت خديجة رأسها إلى الجدار الموازي لغرفة العمليات التي بداخلها ملك، عمرو يحاوط كتفها، يحاول أن يروح عن نفسها، ولكن كيف؟
أما لمار فكانت تهز قدميها في توتر، تملك الهلع من فؤادها وسحقه، لا سيما كل أحفادها أغلى من ابناءها، لن تستطع هي على فُقد أحد آخر.
أسندت رأسها إلى الجدار خلفها، مغلقة العينين، مُحادثة نفسها في ألمٍ شديد بما ألَم بها :
– أشتاق إلى نفسي، أن أجدها، أجل نفسي القديمة التي تحيا في هدوء وراحة وليست حياة كلها قلق من الفقد والخذلان، ليست حياة يحوم حولها الموت وأنا أنتظر وأشاهد من يأخذ من احبتي قبلاً.

 

 

فتحت أجفانها على سماع صوت الطبيب الخارج من الغرفة، ليهرعوا جميعهم نحوه في ترقب فبادر الطبيب قائلًا بعينين تدور في وجوههم :
– الحمد لله الحالة بخير ولكن الجرح سبب مشكلة….
اذدردت أسماء لعابها وهي تسائلة :
– مـ .. مشكلة أيه؟
صوب الطبيب بصره عليها وهو يجيب :
– لقد فقدت النطق.. ولكن مع الوقت ممكن يعود لها … أهم حاجة تحاولوا تنسوها اللي حصل، السلام عليكم.
انهى جملته مستأذنًا وهو يربت على كتف يوسف الذى تبسم له مفسحًا الطريق ليمر.
خر حذيفة ساجدًا يحمد ربه على نجاة طفلتة، بينما أنفجرت خديجة باكية في سعادة، أما أسماء فلم تستقبل كلام الطبيب برضا، شُلت أطرافها و وميضُ من الزكريات شع في مخيلتها وصدى صوت قرة عينها ضج في ذهنها في قوة، ألن تسمع صوت صغيرتها مجددًا؟
هل ستحرم من ضحكتها التي كانت تُزهر فؤادها.
أستدارت جالسة على المقعد بقلبٍ كظيمٌ يتلظى، لاحظ حذيفة ما حل بها كان قد أنتهى من سجودة لله، فأقبل نحوها، باسم الثغر، مشرق المحيا، وقال :
– حبيبتي ملك بخير قولي الحمد لله أن متصبتش بأزى وأنها جت في فُقد النطق بس.
ردت أسماء من خلف دموع عينيها وهي مطرقة في عدم إستيعاب:
– مش هسمع صوتها تاني!
مش هتناديلي بـ ماما!
مش هسمع ضحكتها، مش هتناديلي نلعب ونذاكر سوا.
ربط حذيفة على كفها الذي بين يديه، وقال وهو يضم رأسها إليه ملثمًا جبهتها :
– قولي الحمد لله هتخف مع الوقت بإذن الله وهترجع ضحكتها تنور دنيتنا اهم حاجة أنها بخير دلوقتي يا بنتي.
أقترب ياسين ضاممًا أياه يبثها بالرضا قدر المستطاع وألتف الجميع حولها ولم يذروها إلا حينما تبسمت ضاحكة في رضا.
🌸 اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد 🌸
بعد مرور عدة أيام كان الصغار قد نسوا ما حال، وعادت لهم روح الحياة من جديد، جلست خديجة على مكتبها الخاص في حجرتها، يمناها ممسكة بقلم تنقر به على سطح المكتب في شرود تام، وعيناها محدقة بدفتر ذكرياتها، ظلت على هذه الحالة مليًا وقد بدأت الدموع تترقرق في عينيها وهي تتذكر حالة ملك وما حل بـ أروى، أطبقت أجفانها لتنساب دموعها في ألم جم، وانكبت على الدفتر، تدون به ما يدور بخلدها، ويعتمل صدرها، لا سيما هذا الدفتر كان مؤنس لوحدتها، رفيقها السرمدي فكلما غلبها حزن هرعت للكتابة، وكأن القلم راحة الفؤاد، يهون عليه كل مُر، ويشاركها أحزانها. وراحت تكتب باسمة، مُحلقة في عالم آخر ألا وهو الكتابة :

 

 

-” الوجع لا يمر يظل أثره في الفؤاد ندبة لا تداويها الأيام، ويظل يؤلم الفؤاد لا هو يلتئم ولا يتركنا نحيا بسلام، أن تففد نعمة من نعم الله تشعر حينها بالنقص، بالألم، ويضيق الفؤاد ذرعًا، هكذا كان حال ملك صوتها الذي كان يملأ يومي فقدته بين ليلة وضحاها، هذا هو حال الحياة غير مستقرة، انت الآن في حال وبعد قليل في حال آخر ولا ندري لماذا هذه الحياة لا تستقر، لماذا تهدينا اوجاع لا صبر لنا عليها، يتألم قلبي يا ملك لحالك ويفيض قلبي شوقًا لسماع صوتك، وتحن روحي لضحكتك تشرقها وتبهج أيامي، أعذريني يا حبيبتي أعذريني لم أستطع فعل شيء لكِ، ولكن يسعدني جدًا رضاكِ على هذا الأختبار بعدما حادثتك عن فضل الصبر، كنتِ وما زلتِ يا ملك ملاكًا أنتِ… بريء جميلٌ لطيف عزيزة أنتِ وآه من قلبك الراضي يا ليتني أملكه، أملك صبرك وحلمك ورضاكِ؛ آهٍ وآهٍ يا أروى أبنتي الصغيرة التي لم أنجبها لا تتعجبي لا غرو منذُ نعومة أظافرك وأنا من أهتم بكِ من أجل سجى، لذلك أنتِ طفلتي، هذا الرهاب الذي أصابك من الدم والصدمة ستمر، هذا الوقت سيمر يا صغيرتي،
العائلة هي كل شيء، يا ليت الجميع يعلم ذلك…..
أستغرقتها الكتابة ولم تشعر إلا وصوت أمها تُناديها قائلًا في إهتمام:
“خديجة …ملك هنا”.
همت خديجة بالرد عليها، إذ فُتح الباب وطلت ملك من خلفه، لتستدير خديجة بالمقعد بعدما أغلقت الكتاب وقد ذرت القلم على آخر صفحة كانت تدون بها، فتحت ذراعيها مغمغمة في نشوة :
– ملكوتي … تعالــــــي”
ركضت ملك إليها مُعانقة أياها ولم يمكثوا طويلًا وأنضم أليهن أروى ولمياء، كانت خديجة عازمة على بث الصبر في افئدتهم، تسرد عليهم قصص الصحابة، ليتناسوا ما مروا به.
💞سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم 💞
كان يجلس زين خلف مكتبة، منكبًا على بعض الملفات في جهد، تلقى رسالة على هاتفه كان فحواها غريب ومحير، إذ كان مضمونها “لقد عُدت يا زين، وأقسم أني سأأخذ روحك، حتى إذا كان على حساب روحي، فسأخذها بأي مقابل وأي شكل، سأحول حياتك إلى جحيم إنت وعائلتك”
طرف زين قليلًا وهو يعيد قراءتها، ثم هز رأسه في حيرة، ولم يُلقي لها بالًا، لذا وضع الهاتف جانبًا وانكب صابًا جُل أهتمامه في الأوراق التي أمامه.
بينما هو مشغولًا إذ طُرق الباب ليرفع رأسه وما هم بالسماح للطارق حتى فُتح الباب ودلف منه شخصًا لم يتعرف عليه فـ رمقة في حيرة، وهو يهب غاضبًا، صارخًا فيه :
– من أنت يا هذا؟! وكيف تدخل مكتبِ دون إستأذان!
تبسم الرجل وفك أزرار جاكته وجلس في أريحية وهو يتمتم وعيناه تدور في المكتب بإذرداء :
– ذوقك بالألون لا يروق ليّ.
ثُم تنهد وهو يلتفت له بينما زين يطالعة مزهولًا ، قال الرجل وهو يضع قدم على الآخرة في حركة تدل عن معرفته بقدر ذاته :
– لطالم لم يروقني اي شيء خاص بك حتى أنت نفسك، المهم لم تعرفني، أليس كذالك؟
رمقة زين بحيرة وهز رأسه نفيًا وهو يجلس مسندًا بمرفقية على المكتب :
– لا، لم يذيدني الشرف بعد، من أنت يا هذا أجبني.
قال آخر جملته في حدة وهو يطرق المكتب ويطالعة شزرًا.

 

 

فتبسم الرجل قائلًا في هدوء :
– الأحسن ان لا تعرفني، والأهم أنك يستحيل ان تعرفني ألا إذا شئت أنا بذلك.
نهض قائمًا ومال برأسه على زين وكفية مستندة على المكتب :
– إلى اللقاء لأننا سنلتقي كثيرًا بعد الآن.
غمز له وحثا للخارج سريعًا قبل ان يسمع رد زين الذى أعترى قلبه القلق، وأمسك هاتفة سريعًا مجريًا أتصال لصديق له شرطيًا.
🍂أعوذ بالله من العين والحسد 🍂
تناهى إلى سمر التي كانت جالسة تطعم شيماء وحمزة قرع الباب، فوضعت الطبق من يدها وهبت واقفة في سرعة، على علم مسبق بالطارق، فتحت الباب لترحب بـ مكة بمصافحة وعناق طويل، تمتمت سمر وهي تحتضنها :
– جدعة يا بت لما سمعتي كلام وجيتي ميبقاش اسمي سمر إذا ما خليته يلف حاولين نفسه!!
أبتعدت مكة وهي تجيبها مترددة مرتبكة :
-بس خايفة حاجة تحصل، ويكتشف أن كل ده خطة مننا؟!
دفعتها سمر بخفة في كتفها وهي تتمتم في غيظ :
– ياختي يولع هما عياله ولا مش عياله؟
ثم أستدركت قائلة وهي تحدجها بنظرة حادة :
– هيكتشف إزاي يعني؟، هااا الموضوع هيفضل بيني وبينك بس يا ماما، يااااختي تعالي أدخلي نتكلم جوة يلا وفكِ كدا.
دلفت وتبعتها مكة وهي تفرق في كفيها، ما ان أبصرها حمزة حتى نهض سريعًا وأقبل إليها مصافحًا أياه في ادب وقال :
– عاملة ايه يا خالتوا طمنيني؟
داعبت مكة خصلاته وهي تجيبه في محبة :
– الحمد لله يا نور خالتوا، أنت عامل ايه يا حبيبي؟
أستماعا لصوت سمر الصائح :
– يا عم قعدها الاول وبعدين اسئلوا وتوحشوا براحتكم، قال يعني ليكم سنة مشفتوش بعض؟
هز حمزة كفية ضاحكًا لـ مكة التي قهقت لطريقة سمر في الحديث وجلست بجوارها بعدما، أخبرت سمر حمزة أن يأخذ أخته ويلهو سويًا بالغرفة، فـ امتثل لها فورًا في أحترام، وأخذ اخته شيماء ومضيا للغرفة، فـ ألتفتت مكة إلى سمر وتساءلت بما يؤرقها :
– أنس هيجي ولا، لا؟
نفت سمر مشوحة بكفها في أمتعاض :
– لا ياختي مش هيجي فـ اطمني وخدي راحتك كدا. … ونفذي اللي قولته ليكِ.
زمت مكة شفتيها في رجاء قائلة :
-متأكدة ان مش هتحصل مشكلة؟.
ربطت سمر على منكبها في تشجيع بيَّن وغمغمت :
– متأكدة توكلي على الله، يلا.
أومأت مكة وأخرجت هاتفها وهمت بالأتصال على عثمان ألا أنها لغت وهي تحرك رأسها قائلة :
– لا، لا، لا مش هتصل هستنى هو يتصل…
ما كادت تنهي جملتها حتى علا رنين هاتفها معلنًا عن أتصال من عثمان، فما أن ابصرت الأسم أرتعشت يديها وأنزلق الهاتف في حجرها، ألا ان سمر شجعتها، فجذبت الهاتف وردت عليه وهي ترتعد خوفًا وقلقًا :
– ايوة يا عثمان.

 

 

صاح عثمان فيها متسائلًا :
– أنتِ فين وسايبة العيال لوحدهم ؟
صمتت مكة لبرهة تستجمع أطراف شجاعتها وغمغمت في ثبات :
– عثمان سمر تعبانة وأنس مكنش موجود ومش هيرجع أنهاردة من شغلة فبالتالي هي اتصلت عليّ لأن أسماء في المستشفى وسجى وأنت عارف فمفيش غيري، ايه اسيبها تموت يعني وأرجع؟
لان صوته وهو يبادر في قلق :
– لا لا مش أقصد، طب هي كويسة؟ أجيلكم نوديها المستشفى؟
نفت مكة متشدقة :
– لا أصلًا في طبيبة جت وادتها علاج وطمنتني عليها، بس هبيت معاها أنهاردة..
أنتفض عثمان قائلًا :
– نعم ياختي تبيتي؟
أجابة مكة مؤكدة :
– ايوة يعني هسيبها لوحدها مثلًا.
-طب والعيال؟
تبسمت مكة في انتصار وهي تقول :
-آه صح خلي بالك منهم، شوف على الساعة أربعة كدا في درس رياضيات لمياء جهزها وحل معاها الواجب و وصلها، ام معاذ فأقعد ذاكر معاه، ومتنساش اول ما يرجعوا تغسل هدومهم وتروق أوضتهم، آه صح افتكرت خليك مع لمياء لحد ما تنام اوعى تسيبها او تطفي النور عشان بتخاف، بالليل هتصحيكك كذا مرة عشان. تدخل الحمام تونسها يعني.
كان عثمان تدريجيًا تتوسع عيناه ويرمش في عدم فهم فاغرًا فاه من الدهشة وما هم بالأستفسار حتى قالت مكة :
– سلام دلوقتي عشان أشوف سمر لو عوزت حاجه كلمني مع السلامة.
أغلقت فورًا وهي تنفجر ضاحكة، تضرب كفًا بكف وبجوارها سمر لا تصدق أنها فعلتها.
🍃اللهم عافني من شر سمعي وبصري ولساني وقلبي ومن شر مني 🍃
بدأ يفعل كما قالت له مكة مرغمًا، راح يذاكر لهما، ملك تارة ومعاذ تارة أخرى، كان كل شيءٍ جديدًا، لم يعتاد هو كل ذلك، كان يشعر بثقل على قلبه، وبينما هو يذاكر لـ “معاذ” إذ جاءت “لمياء” واقفة أمامه صائحة في صوت مختنق فـ البكاء :
– بابا…أنت ليه مفكرتنيش بالدرس؟ اهوو فتني.
نظر إليها في تعجب ممزوج بالغضب من نفسه، كيف سرقه الوقت ولم يعرف موعد درسها، كيف فاتته هذه، يا الله كيف يرضيها الآن؟
أطبق أجفانه محاولًا الهدوء والثبات، ودنا منها وهو يقول :
-حبيبتي بجد أنا آسف، أنا نسيت غصب عني.
أمسك بكتفيها برفق وجثى ليصبح في إزاءها وقُال في رفق :
– متزعليش حقك عليَّ، اي رأيك أذاكرلك أنا الدرس اللي المفروض تخديه أنهاردة.
كانت تضم شفتيها وهي تجاهد كي لا تبكي، وأبعدت كفيه في أدب جم وهي تتمتم في نبرة مختنقة لا تخلو من الإحترام :
-لا يا بابا… خير إن شاء الله، أنا داخلة أوضتي، بعد أذنك.
نهت جملتها وأنصرفت من أمامه، مغلقة الباب خلفها، فنفخ في ضيق وهو يتنهد في قلة حيلة، ماذا عساه يفع؟ ما كاد يستدير لـ معاذ، حتى أقبل في اتجاهه وهمس متبسمًا :
– بابا أنا جعان!

 

 

صُدم حقًا صُدم وتلاشت الراحة من على قسمات وجهه، لا يدري ما يفعل، ليس على دارية جيدة بأمور الطبخ، إذًا ماذا يجب أن يفعل؟ ربـــاه أرفق بحاله، تبسم لهُ مداريًا أمتعاضه، وقُال متصنعُ البهجة يمدح في نفسه :
– ماشي وأنا كمان جوعت، هخليك تدوق دلوقتي أكل مكلتوش من أيد ماما.
أومأ معاذ مصفقًا، لا يعلم بما يعانية في قرارةُ نفسه، ولجا إلى المطبخ وجلس معاذ على مقعد الطاولة متابعًا أياه بعينية، بينما فتح الثلاجة على أمل أن يجد بها شيء فقط للتسخين، ألا إنه فرغ فاه حينما لم يجد شيءٌ في الثلاجة، أذرد لعابه وهو ينظر إلى معاذ ولا يدري لما خُيل له نظرة شماتة بعينية وهو يحثه على الإسراع في أعداد شيء، حسنًا إذا كان لا بُد من أن يعد شيئًا سيعد.
بعد ساعة تقريبًا أنهى أعداد المكرونة مع بانية، و وقتما بدأأ الأكل آنذاك بصقوه سريعًا في قرف بيّن، ونظرا الصغارين له بنظرة محتجة واجمة. ونهضت لمياء دون كلمة بينما ضم معاذ وجهه بين كفية وهو يحرك كتفية في قلة حيلة وردد:
– شكلنا هنام من غير عشا، فينك يا ماما بس؟
وتنهد حامدًا الله ثُم نهض مُغادرًا إذ وقف قبل خروجه من المطبخ ملتفتًا برأسه قائلًا :
– أنا هدخل أذاكر يا بابا متنساش أغسل الأطباق ولم الأكل. وكمان روق المكان ياريت، وقبل كل ده مريلت ملك موسخة ياريت تغسلها وتنشفها عشان هتروح بيها المدرسة.
أنهى جملته وغادر دون أنتظار ردًا ألبتًا، تاركًا والده غارقًا في صدمته، مزهولًا مما قاله، ينظر في أثره محملقًا والدهشة لا تفارقه. حسنًا كيف سيفعل كل ذلك بمفرده؟ يا ويله كيف ينتهي بالأساس، آه لماذا تعبت سمر في هذا اليوم بالتحديد، نفض رأسه مستغفرًا فيما ذهبت به أفكاري.
وراح يلم الأطباق التي حقًا كان الأكل فيها ردئ للغاية، وجلاهم في صعوبة وهو يشعر بالتيهة، ما أن فرغ شرع في غسل ما يحتجناه للذهاب به إلى المدرسة وما أن نثرهم على الحبال، حتى رمى نفسه على أقرب أريكة وجدها في تعبٍ جم مما بذله، وما كادت عيناه تغفى حتى نهض ليوضب المكان، وتبسم في ظفر ما أن أنتهى، وكرر قبل أن يخلد للنوم أن يطمئن على الصغار، ففتح الباب وجدهما قد غطوا في ثباتٍ عميق كُلاً إلى فراشه، لا أرديًا وجد البسمة تشق ثغره، وللحقيقة هذه اول مرة يراهم فيها نائما، لطالما كان يعود ليلًا متأخرًا للنوم فقط ولربما رأهما قبل ذهابه للعمل، ساقته قدميه ليتوجه صوب فراش معاذ وقبل رأسه، يا الله كل ما يشعر به من ألمٍ وهم وتعب ومجهود قد مُحى من فؤاده دثره جيدًا في الغطاء، وتوجه إلى فراش لمياء قبل وجنتها، وأحس فجأة بكفين صغيرين تلتفا حول عنقه وصوتٍ رقيق يهمس في نعاس أذاب قلبه :
-نام جنبي يا بابا عشان أنت وحشني.
نظرت إليه في أعين بريئة لامعة فوجد نفسه يستلقى بجوارها فرحًا مسرورًا، الحبور قد غمر قلبه أنغمارًا، وسعادة لا توصف ولذة لم يتذوقها قبلًا، وجد حاله يتشارك الحديث معها، اخبرته عن أفتقدهما له، فـ علم خطأه وكم فوت على نفسه نعمة كبيرة من الله بصحبتهما، نام هذه الليلة في راحة لم يعتادها قبلًا، وقد علم مدى خسارته ببعده عنهما طيلة الأيام الفائتة.
وتعجب كل العجب من بعض الأباء الذين يعاملون أبناءهم معاملة الأعداء، يضربوهم، ويخوفوهم، ويدعون عليهم ظنن منهم أنهم هكذا يتعلموا.. يشتد عودهم، لا يدرون أنهم يسببوا كرهًا في قلوبهم وشعورًا بالفتور، ولا غرو للأبناء أن يجلسوا في حضرتهم وجلون، متوترون، على اعصابهم، يخشوا حتى التفوه بحرف، يا للعجب وأشد عجب، لا يدرون لذة النعمة التي أنعم الله بها عليهمن.

 

 

هذه هي الحياة أغلب المرء يعامل أبناءهم معاملة جافة غليظة، يتسببوا بكره الأبناء، ولا يدركوا انهم غارقين في لذة لا تعادلها لذة في الوجود.
💦 اللهم إني أعوذ بك من عِلم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ودعاءٍ لا يسمع ونفسٍ لا تشبع 💦
أستيقظ عثمان في صباح اليوم التالي على صياح حاد ويدًا تهزه في قوة، وصوتٍ منزعج، يهتف :
– يا بابا ليه كدا، إزاي متصحناش للمدرسة؟
فرك عثمان عينية محاولًا التركيز، وأطال النظر في معاذ، قبل أن يعتدل في جلسته، وقال:
– هي الساعة كام؟
ثم تابع وهو ينظر بجواره إلى لمياء التي تململت في إنزعاج أثر الصوت :
– أختك نايمة يا بني واطي صوتك دا!.
ضرب معاذ الأرض بقدمة وقال في عصبية :
– أنا عايز ماما، اي ده؟
أنهى جملته وغادر، لـ يزم عثمان شقتية في أستياء وهو يتمتم :
– اعمل ايه بس يا ربي؟
شعر برأس لمياء توضع على قدمة مستلقية، وفي صوتًا رقيق، أردفت في رفق بإنتقاء كلمات أكبر من سنها :
– متعملش يا حبيبي، أنت عشان بعيد عننا فمش عارف عنا اي حاجة وكأنك مش موجود، لا بتعرف امتى بنروح المدرسة ولا أمتى حنى بنرجع، امتى بنام وامتى بنصحى وامتى نقعد وامتى نذاكر وامتى نقعد مع خديجة تحفظنا قرآن وتحكيلنا سيرة الرسول الحبييب صل الله عليه وسلم.
تابعت وهي ترفع رأسها قليلًا وتنظر في عينية :
– بابا واحنا اصلًا امتى بنشوفك ولا بنقعد سوا، تعرف اننا احيانًا كتير كنا بنفكر انك مش بتحبنا بس ماما كانت بتقولنا انت قد ايه بتحبنا.
لُجمت كلماتها قلبه، لعل توقف نبضه لوهلة، وربما نهشت كلماتها روحه كإنها وحشٌ مُفترس، لماذا عُقد لسانه وتغرغرت عيناه دمعًا، ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، ود لو يتوارى من أمامها الآن، ربما تهزي فقط، حقًا تفضيله للعمل جعل طفليه يحسا بإنه لا يحبهم وهو الذي يذوب حبًا فيهما؟ يا حسرةً قلبه على هذا الوقت الذى ضيعه بعيدًا عن هذا الفردوس الذى خُلق له، ومنه، وفيه، تنحنح بعد هنيهة لا يدري ما يقول، ولكنه همس في صدق :
– لمياء … أنا بحبك يا جنة أبوكِ وأنتِ ومعاذ قد بعض، أنتوا حياتي أصلًا، بس يا بابا … بابا ظابط شرطة يعني غصب عني وطبيعي أغلب الوقت مش موجود ولكن.
أسترسل في وجهًا مستنيرًا وهو ينظر إليها في أهتمام :
– من أنهارده وعد مني مش هضيع لحظة في وقتِ من غيركم.
صاحت لمياء مصافقة وهي تعانقة في حبور جم،وفجأة وكان كالأعصار يركض معاذ ليقفز عليهم معانقًا أياهم في فرحة.
وسلبا لحظةً من العمر ربما لن تتكرر، وعسى الفرحة تغادرهم، فـ الحياة لا تظل على حالها، فما بين الثانية والآخرى حياة، ربما موت لشخصً وربما ولادته.
أبتعد معاذ مفركًا في كفية في توتر مفعم بالأرتباك وغمغم وهو ناكس الرأس :
– بابا على فكرة احنا مفتتناش المدرسة.
رفع عثمان حاجبة وقد ساور الشك قلبه، وقال في حدة :
– أومال؟

 

 

أشارة لمياءبالصمت لمعاذ حيثُ وضعت سبابتها على شفتاها وهي تحذره بعينيها، ثوانٍ وكانت تتأوه إذ أن عثمان أمسك مؤخرة رأسها متمتمًا وهو يهزها :
– مخبين ايه عليَّ ومش عايزَة يتكلم ياقردة أنتِ؟
تملصت لمياء من بين يدية في صعوبة، وقالت متصنعة الغضب وهي تعقد ذراعيها :
– ماما هي اللي قالت نعمل كدا، واصلًا لو مصحناش على المنبة ومن غير ماما فمستحيل العيال يروحوا من غيرنا لأننا كلنا بنروح سوا.
ذُهل مِما صِرحت به الآن، فقال وهو يردد بصره عليهما :
– وليه ماما تعمل كدا؟
هزت لمياء كتفيها بعدم معرفة، بينما زم معاذ شفتيه وهو يهز رأسه لا يعرف.
لامست لمياء بسمة خبث بدت على علمات وجه والدها، فدققت فيه النظر ثم نظرت لمعاذ تحادثة بالحركات فكانت تحرك كتفية تتساءل عما يخطط والدها، فحرك معاذ كتفيه صعودًا وهبوطًا بعدم معرفة، كان عثمان يتابعهم بعينيه في حيرة، وقد احتقن وجهه بالتعجب ما لهم يتحادثان بلإشارات هكذا؟؟
صاح عثمان غارقًا في دهشتة ورأسه تدور بينهما :
– في اي بتتكلموا بالإشارات كدا ليه انتوا خُرص؟
ضرب معاذ براحتة مقدمة رأسه وهو يغمغم :
– دي طريقتنا الخاصة في التواصل إيش عرفك أنت؟
نظر له عثمان في إمتعاض، قبل أن يشير إليه قائلًا في خبث:
– أقعد يلا هنا جنبي واسمعوني.
أنصاع له معاذ جالسًا بجوارهما على الفراش، وسرد لهم عثمان خططه.
🍀اللهم ارزقني وعافني واهدني وارحمني🍀
_ كانت مكة تجلس على الأريكة في شرود بينما سمر تقوم بتجهيز الأفطار، منشغلة الذهن على صغارها، هذه أول ليلة لا تنام معهما، هذه أول مرة تبتعد ليلةً كاملة، هل أستطاع عثمان الأهتمام بهما كما يجب؟؟ أستغرقتها هذه الفِكَر ولم تشعر ألا ورنين هاتفها يتعالى منتشلًا أياها مما أستحوذ عليها من أفكار لا جدوى منها في لهفة وقلب ينبضُ بالشوق هبت واقفة لتركض تجاه الهاتف الذى كان في إحدى الغرفة، لتجيب سريعًا في أنفاس متهدجة :
– الو، عثم….
ما كادت بأكمال إسمه حتى أتتها صرخته مُنتزعة قلبها من مكمنة :
– ألحقيني يا مكة الحقي لمياء وقعت أنا …أنا مش عارف أعمل اي ولا اتصرف إزاي؟
شهقت مكة في خوف إتسعت حدقتيها في هلع وهي تردد في عجل وتغلق :
– أن… أنا جاية انتبه عليها.
دارت حول نفسها، غشاوة عينيها تحجب عنها الرؤية، كأنها تائهة لا تدري ما تفعله، تشعر بفؤادها ينصر أنصهارًا، أنقذها صوت سمر القلق :
– في اي يا مكة حصل حاجه؟
أجابة مكة والدموع تسبق كلماتها :
– ايوة عثمان قلي لمياء وقعت مش عارفه بنتي جارلها اي؟
ربتت سمر على كتفها في رفق:
– متقلقيش خير إن شاء الله.
ساعدتها على أرتداء العباءة، لتركض مكة ومن خلفها سمر بدقائق.

 

 

لجت مكة إلى الشقة شبه لاهثة، ألا أنها صُدمت ما أن رأت الشقة معتمة بشدة، وكل الأنوار منطفئه، أذردت لعابها في رهبة وقد تسلل الخوف لا أرديًا إلى أوصالها، تركت الباب منفرجًا على مصرعية، وسارت في خطوات متمهلة للداخل حذرة، وهي تهمس في خوف ورأسها تتحرك يمنى ويسر لربما تبصر أحد :
– عثمان، معاذ، لمياء، أنتوا فين؟
كانت تدرك أن لا أحد خرج من الشقة هكذا طمئنتها حبيبة، أنتفضت للخلف برعدة شديدة أحتاجتها وهي تصرخ في زعر ما أن غُلق الباب في قوة مصدر صوتًا قوي، ولاح إليها شبح عند الباب ذو وجهًا مخيف يسيل منه الدماء، بينما عينية بيضاء يخر منها الدماء تحدق بها في رعب، سال دمعها وهي تتراجع للخلف بأقدام تشعر أنها قد شُلت لا تقو على الحركة، وقلب قد توقف لتوه، كان الشبح يقترب في بطئ شديد أثار رعبها أكتر، ودت لو تصرخ وتستغيث بأحد ولكن لسانها قد عُقد، أستمعت لصوت صراخ لصغارها فألتفتت بعشوائية حولها، حتى دنا الشبح أكثر فتخشبت في مكانها وأستشعرت بيدين تتلامسها في طريقه مرعبة، لا ليس يد بل أيدي جمة تتلامسها، صرخت بصوتًا عال وهي تحاول الفرار حتى جاء الضوء و وقع الصغار أرضًا في نوبة ضحك، وخلع عثمان القناع الذي كان على وجهه وهو يمسك ببطنة ويقهقه، بينما نظراتهم هي في وجوم، لا تصدق أنهم فعلوا ذلك، هتفت مكة في غضب كاد يحرقها:
– انتوا ازاي عملتوا كدا؟ انا كنت هموت من الخوف!
توقفوا عن الضحك ليطرقوا الصغيرين رأسهم في أسف، وأقترب منها عثمان فما أن هم بأمسك ذراعيها حتى أنتفضت مبتعدة قائلة في تحذير :
– أياك يا عثمان.
نفخ عثمان في ضيق وتمتم :
– دا مجرد مقلب يا مكة عشان كدبك امبارح متكبرهاش بقا.
لم تعيره اي أنتباه كان قلبها أبيًا أن يسامح، نظرت إلى صغارها في عتاب فركضا محتضنا قدميها وهم يتمتموا:
-متزعليش يا ماما بابا هو اللي أجبرنا نعمل كدا.
-متزعليش مني يا ماما أنا أسف.
حركت مكة كفيها على خصلات كُلاً منهم وغمغمت في بسمة هادئة :
– خلاص حصل خير تعالوا اقعدا مع خالتوا سمر تحت، عشان تشوفوا جدو يوسف وتقعدوا معاه.
أخذت صغاريها ونزلت في حين بقى عثمان يزفر في خزى وضيق من نفسه.
🌳اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء 🌳
وما أروع الحياة حينما تهدينا شخصًا يُعلمنا كيف نحافظ على بعضنا بعضٍ، يُحثنا على الأهتمام بأحبتنا، يعلمنا معنى ان نحافظ على اواصر الألفة بيننا كلا تنقطع ولا تدبل، هنيئًا لمن وجد شخصًا كهذا يكون دوءً من ندبات الحياة، وخليلًا للعبور في كل السبل لا يترك الأيد ولا يرخي الوثاق، يظل مرشدًا للطريق، شخصًا أن غيرته الحياة لا يتغير معك، منارةً من ظلمة الحياة الحالكة، وبلسمًا للفؤاد المكلوم لعله يبرأ، يتمحور هذا الشخص في خديجةُ ويوسف، الذي لم يكن جدًا للصغار، بل كان رفيقًا للدرب، يجلس ويلهو معهم طيلة الوقت، يعلمهم كيف يحبوا بعضًا ولا يحقدوا على أحد، لطالما ضرب لهم أروع الأمثلة، في علاقته هو وفيكتور، يسرد على مسمعهم تلك الأواصر التي نشبت في أنقى الصدف لتصبح أحلاها، فيكتور الذى كان على غير هدى فهداه الله وأسلم، فيكتور الذي كان النصف الآخر له، أو بالمعني الأصح تؤم الروح وظلها الذي لا يفارق مهما فارق الأهل والصحاب والأحبة جمعاء، جلس الصغار حول يوسف يتمازحون ويلهون في جوًا بهيج، ربما تلك اللحظات لا تعود مجددًا، ربما تولي هاربه تاركة جرحًا غائرًا في سويداء الفؤاد، لا تداوية الأيام، ولا تمحية السنين، يجوز لجرحًا جديد أن يستتره خلفة، تلك كلها أمورًا مستترة في ضمير الغيب لا يعلمها ألا الله، وربما غدًا أجمل، أو عما قليل تمسى أسواء، ومع ذلك أنها الحياة حيث لا مفر ستعاني حتمًا، أن لم تعاني فأعلم ان الحياة تبغضك.
🌿اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال 🌿
تلقى زين مكالمة هاتفية وهو نائم ليصحو على أثرها، مد كفه ملتقط الهاتف ودون أن ينظر ليرَ اسم المتصل أجاب قائلًا في صوتٍ ناعس :
– الو السلام عليكم.

 

 

رد الطرف الآخر السلام لينتفض في جلسته من أن علم هويته، أنه صديقه الظابط وبالطبع قد آتى له بكل المعلومات، قد فارق النعاس جفنية وهو يستمع لكلمات الظابط التي كانت كـ الأسهم تنطلق على فؤاده مباشرة تكاد تصيبة قتيلًا، عيناه توسعت على آخرهما كيف حدث هذا؟ كيف عاد بالأساس.
حذره الظابط وأغلق وظل زين على حالتة،إذ علا رنين هاتفه في يده ليجيب وهو يذرد لعابه في توتر مربك :
– أنت عاوز أي؟
أجاب الآخر في هدوء ونبرة لا تخلو من الحقد :
-أظن قد علمت من أكون؟.
ثم أسترسل بلهجته الطبيعية :
– عايز موتك يا زين وبما أنك عرفت فـ الأنتقام هيبدأ من أنهاردة، ودع عيالك يا زين!
أغلق الخط فور أنتهاء كلماته التي صُعقت زين في رعدة قوية، ظل يصرخ ويهيل له الشتائم، جاءت عائشة ما أن تناهى لها صوت صراخه، لتقترب منه وهو يلهث وصدره يعلو ويهبط في منظر أرتابها :
– زين؟ مالك في ايه؟ حاجة حصلت في الشغل؟
نهض زين في حالة جنون، يدور حول نفسه في منظر مخيف، وتساءل في نبرة مريبة :
– العيال، العيال فين؟
حركت عائشة رأسها يمنى ويسر في آستياء من حالتة الغريبة، التي لأول مره تبصرها عليه، قالت في حيره :
– ما أنت عارف أن في الوقت ده أكيد بيكونوا في المدرسة!
ظل يتنفس في عنف لدقائق وهو يزرع الغرفة ذهابًا وآيابًا، ليتنفس في أنتظام رويدًا رويدًا ويرنوا إليها ممسكًا مرفقيها قائلًا في أعين زائغة خائفة مما أخبره به صديقة الظابط، لقد علم أنه أن نجى فهذا حفظ الرحمن حتمًا، قال في رجا متوسل:
– عائشة، أسمعيني كويس جهزي الشنط عشان هننزل مصر أنهاردة، انا هروح اجيب العيال.
أطالت عائشة النظر إليه في حيرة، ألم يكونوا ينُوا اليوم بالأحتفال بعيد ميلاد الصغيرين، فما باله الآن؟ وما أصابه؟
نظرت له في تيهة، وقالت في حيرة :
– أنا مش فاهمة حاجة في اي؟
سحبها إلى صدره في قوة يُكاد يغرسها داخله، بكل قوتة .. وخوفة.. وقلقة.
تسلل الخوف إلى فؤادها، حالتة غريبة وهو أغرب يا ليتها تعرف ما حل به لن تنأى عنه ألا أن تعرف.
غمغمت عائشة وهي تضمة، خفقات قلبه تحت أذنيها تصارع الحياة:
– زين حبيبي مالك اي اللي حصل احكيلي؟.
رد زين وهو يضم وجهها بين كفية، خافيًا ما يستتر بين ثناياه :
– اسمعيني لو رجعت أو مرجعتش هتخدي العيال وتنزلي مصر، وتقولي للمار تكلم ضياء هيفهمها كل حاجة تمام.
عبارتة فطرت قلبها، الذى تصدع من خوفة، تدفقت الدموع بعينيها غير مطمئنها:
– هو في ايه؟ ليه بتتكلم كأنك مش هترجع؟

 

 

تبسم زين وقال وهو يلثم جبهتها في ود :
– أنا هعمل اي حاجة عشان تكونوا بخير، مش هسمح لحاجة تحصلكم، لو موت اعرفي اني بحبك أختي أسراء أمانة عندك هي وسجى خلي بالك منهم متسمحيش لحاجة تحصلهم، أنا لازم أروح اجيب العيال.
هزت عائشة رأسها عدة مرات ممسكة بكفه في قوة ترجوه قائلها وعينيها تتوسله :
– لا مش هسيبك تمشي…عشان خاطري!
طمئنها قائلًا مرة آخرى وهو يربط على كفها براحتيه:
– مش هسيبكم انا دايمًا معاكم بس هروح اجيب العيال تكونِ أنتِ جهزتي الشنط.
تركها لتنهار أرضًا وبدل ملابسه في عجل، وقبل مغادرته أرتفع بكاء صغيرته كأنها تناديه، تطلبه أن يودعها قبل رحيلة، فـ أتجه حاملها بين يديه ضاممًا أياها إلى صدرة بحنو وبقلبٌ يفيض شوقًا من الآن لثم وجهها الصغير، لتتبسم له وتلاعبه فضحك لها وهمس بجوار أذنها :
– مهما فرقت السبل الأحبة سيأتي الآوان ويعُدوا ويجمعهم القدر.
القلوب دائمًا تميل لأحبتها.
بكت الصغيرة ليخطف قبلها سريعة من وجنتها وهو يضعها على الفراش مغادرًا في عجل،كان الوداع مؤثرًا وانهم على دارية إنهم لن يلتقوا مجددًا،وتلك العائلة ستتلاشى، ثوانٍ وكان ينطلق في سيارته بسرعة جنونية، كاد أن يفعل على آثرها أكثر من حادث لكنه تفاداه،
وصل المدرسة ودخل سريعًا شبه راكض متوجهًا صوب مكتب المدير ليعلمه ان امرًا جلل قد حصل وعليه أخذ “وليد وأسلام” الذين حضرا بعد دقائق مزهولاٍ، أمسك فيكتور بكف كِلا منهما بيدة في قوة يخشى أن يغيبوا عنه، استلقى السيارة وأنطلق ولاذ بالصمت لم يجيب عن تساؤلاتهم، تصاعد رنين الهاتف مع صياح الصغار رعبًا من تسرع السيارة، فقرر أن لا يجيب، ألا أن ذاد الرنين مشوشرًا عقلة الذى لا ينفك من التفكير، ليجيب وهو يذرد لعابه ما أن علم ماهية المتصل:
– عايز ايه؟
لم يُجيب أحد فهتف :
– رنيت ليه قول؟ أنت عايز ايه أصلًا،رجعت من الموت إزاي وقدرت تعمل كل ده إزاي؟
أستمع لتنهيدة عميقة قبل أن يأتيه صوت المتحدث قائلًا في آسف :
– انا لو منك مش هفكر وأشغل بالي بكل ده، هفكر إزاي هنجي نفسي وعيالي من الأنفجار هو أنت متعرفش؟ مش في قنبلة في السيارة!
أنهى جملته وظل يقهقه في إنتشاء مستمتعًا، في حين إتسعت حدقي زين وهو يسمع لضحكاته تصم أذنية، أسبل جفنية مستسلمًا، وراح الآخر يقول من بين ضحكاته :
– اياك بقا توقفها عشان لو وقفت بــــــــــــــــوم هتنفجر.
ضحك في إنطلاق وقال في برود مخيف :
– وآه متقلقش أنا هاجي أشوفك وأنت بتموت.
أغلق زين الخط في وجهه، وسار على غير هدى مُنطلقًا، أسودت الحياة في وجهه وتيقن أنها النهاية لا محالة، أدمعت عيناه وشريط حياته تمر أمامهما، بعد ربع ساعة بالتحديد كانت سيارة سوداء تسد طريقة ويقف متكأً بظهره علي باب السيارةرجلٌ ذو بدلةً سوداء اللون بيده الهاتف الذي حدد موقع سيارة زين، وتبسم له وهو يلوح بكفه مودعًا وهو يحرك شفتية قائلًا :
– باي يا زين هخلص منك وبعدين على اخؤتك وعيالك.
توقف زين بالسيارة مسبلًا جفنية وشفتية تهمس بالشهادة وعلى وجهه نضرة الرضا والراحة مستقبلًا الموت بصدر رحب، وفجأة كان الأنفجار منطلقًا كـ الرعد، ويندلع الحريق محرقًا السيارة حرقًا، وتوقدت النيران تلتهمها ألتهامًا…..
هل هذه النهاية؟ أم إنها فقط بداية النهاية؟
من هذا المجهول؟ ماذا يقصد زين بعودته من الموت؟
ماذا سيكون مصير عائشة؟

 

 

كل هذا سنعرفة في الأحداث القادمة من؟
جحر الشيطان…..
إحنا لسه في البداية خالص الجد لسه مجاش 😂
سؤالنا الديني أنهاردة 🙈
ما أول هدية أهديت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين) قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) رواه البخاري ومسلم.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية  كاملة اضغط على : (رواية جحر الشيطان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!