روايات

رواية فطنة القلب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء الخامس والعشرون

رواية فطنة القلب البارت الخامس والعشرون

رواية فطنة القلب الحلقة الخامسة والعشرون

( خطف!)
:_ صاحب التلفون دا في المستشفى (…) ومنتظركم تاخدوا.
قالها أحدهم عبر الهاتف إلى مازن الذي اتسعت عينيه ما أن استمع لحديثه، لم يستطع أن يأخذ استفساره بعدما اغلق الآخر الهاتف، سار مازن سريعًا تاركًا الباقية أمام غرفة مريم ينتظرون الطبيب كي يخرج، ولكن لحق به مهران يردف بهدوءٍ:
_ هل علمت مكان ياسين!
حرك مازن رأسه يندفع نحو السيارة، قائلًا:
_ أيوة في المستشفى ورايح اشوفه.
تجمدت الدم بعروق مهران، وشعر بانخلاع قلبه، ولكنه تماسك يدلف إلى السيارة مع مازن ثم غادر الأثنان بقلقٍ على ياسين فلم يعلم أحدهم تلك الصدمة التي وقع بها!
***********
غادر الطبيب من غرفة مريم يخبرهم بأن ما بها من صدمة وأنها ستصبح بخير، بقيت قطوف ونهاد جوار مريم في حين غادرت زينة وملك والباقية إلى منزلهم.
:_ روحي ارتاحي يا طنط أنا هفضل مع مريم.
قالتها قطوف بعدما لاحظت الاجهاد الظاهر على ملامح والدة مريم، حركت نهاد رأسها تمسك بكف مريم، تتسرب الدموع من عينيها قلقًا عليها، تردف بحزنٍ:
_ مقدرش اسيب بنتي.. أنا عايزة اطمن.
نهضت قطوف تحضنها قائلة بحزنٍ على حالها:
_ متقلقيش أنا هكون قاعدة ولما تفوق هجيبك علطول.. حضرتك لزمًا تاخدي الدوا.
نظرت إلى قطوف بأعينٍ مدمعة، تردف بصوتٍ محشرج:
_ الدوا بينيم وأنا مش عايزة أنام.. خايفة تصحى متلقنيش جنبها.
ربتت قطوف على كفها بحنوٍ، تردف بصوتٍ حنون:
_ متقلقيش يا طنط.. أول لما تفوق هجيلك علطول.. بس مريم مش هتسامح نفسها لو اهملتي في نفسك عشانها.. وأحنا حاليًا عايزين نريحها مش نضغط عليها.
بعد عدة محاولات استطاعت قطوف اقناع نهاد التي تناولت دوائها ثم غفت سريعًا، عادت قطوف إلى غرفة مريم تجلس جوارها على الفراش، زحفت بسمة حزينة إلى شفتيها وهي ترى تلك الدمعة تهبط من عينيها، مدت يدها ثم قالت بصوتٍ هادئ:
_ عيطي يا مريم.. قومي وعيطي أنا عارفة أنك صاحية.
فتحت مريم حدقتيها تنظر إلى صديقتها بأعينٍ تفيض بالدموع، ثم قالت بأنين:
_ أنا أول مرة اتوجع أوي كده بعد موت بابا.. ليه ياسبن عمل معايا كده!
لم تجد قطوف جوابًا، في حين وضعت مريم وجهها بين راحتي يدها تبكي بشدة، ضمتها قطوف سريعًا تحاول التماسك أمامها، ولكن لم تستطع فقد ذكرتها بتلك اللحظة التي ادركت بها طلاقها من مازن، دفنت مريم وجهها بأحضان صديقتها يرتفع صوت بكاؤها حتى أصبح صراخ عالي متألم، حاولت الحديث بعد صراخها العالي، تردف بآلام قاسية:
_ سمعتهم طفش منها والله اعلم ليه.. أنا اتكسرت أوي يا قطوف.
ضمتها قطوف بقوةٍ، تردف بصوتٍ ثابت:
_ محدش يقدر يكسرك.
ابتعدت مريم عنها، تنظر لها بأعين سحقها الألم، ثم قالت:
_ بس في الحقيقة جه اللي كسرني يا قطوف..
أغمضت قطوف عينيها بألمٍ، في حين استرسلت مريم حدثها بصوتٍ يحمل شهقات البكاء:
_ يوم موت بابا انهرت وكانت أول صدمة بحياتي.. وبعدها صدمة أمي لما عملت حادثة وبقت قعيدة.. والنهاردة ياسين اللي كنت فاهمة إنه عوضي بس اظاهر هو صدمة جديدة مكنتش متوقعاها..
ابتسمت من بين دموعها، ثم قالت بصوتٍ لم تسمعه قطوف من قبل، ولكن ايقنت أن صديقتها تتألم بشدة:
_ ممكن موت بابا وحادثة أمي يبقوا متوقعين شوية لأن الانسان معروفة نهايته.. بس اللي مش متوقع أن اللي بيحبك يوجعك ويصدمك فيه بأسوأ الطُرق.. دي بذات بتوجع أوي.
انفجرت بالبكاء مرة أخرى، تشعر بألمٍ يتخلل صدرها، وضعت يدها على صدرها تردف ببكاءٍ:
_ قلبي بيوجعني أوي يا قطوف.
ضمتها قطوف مجددًا ولكن تلك المرة تنخرط بالبكاء معها، فهي أيضًا لا تزال تعاني من هروب مازن منها.
**************
:_ ياسين العطار في اوضة كام؟!
قالها مازن بقلقٍ بعدما وصل مع مهران إلى المشفى، لتجيب موظفة الاستقبال:
_ في اوضة 207.. الدور التالت.
دلف كلًا من مهران ومازن إلى المصعد للوصول إلى الغرفة، وبالفعل توقف المصعد للطابق المنشود، دلف مهران سريعًا قبل مازن الذي كاد أن يدلف ولكن صوت ما اوقفه متجمدًا..
:_ متقلقش معملتش فيه حاجة.. دا كسر في دراعه وشوية كدمات لزوم الواجل يعني.
استدار مازن يتطلع نحو ميرڤت بصدمةٍ، في حين ضحكت ميرڤت بسخرية تردف بنبرة خبيثة:
_ هو أنت فاكر أن ممكن حد يبص لابن خالك ويعمل فيه كده.. دا تافهه محدش هيبصله..
قبض مازن على يديه بقوةٍ، يردد من بين أسنانه:
_ ولما هو تافهه بتعملي فيه كده ليه!
منحته بسمة متشفية، تردف بصوتٍ يحمل الشر:
_ مفيش بس محتاجة أكسر غروره دا شوية.. فقررت أكسره في حالتين.. الأولى اكسر حاجة في جسمه وملقتش أنسب من دراعه اللي يتكسر عشان يقف عند حده.. والتاني أكسر نفسه قدام حبيبة قلب.. وعملت الاتنين وكسرته من كل الجوانب.
لم يتخيل مازن أن شر والدته يمكن أن يصل لهذه الدرجة، نظر لها قليلًا ثم قال بصوتٍ ساخر:
_ وسبتيه ليه! ما كنت تقتليه بالمرة!
حركت رأسها بنفيٍ، تجيب بتلك البسمة المنتقمة:
_تؤ تؤ تؤ أنا اقتل.. بس اللي احلى من الموت إنك تعذب اللي قدامك.. وخاصةً باكتر حاجات بيحبها.. سواء بقى بني آدمين أو شغله أي حاجة المهم انك تكسر فرحته بأكتر حاجة بيعشقها عشان ميقومش بعدها تاني.
اشمئز مازن من تفكيرها، ليردف بصوتٍ مختنق:
_ أنتِ عايزة تتعالجي.. أنتِ مش طبيعية.
منحته بسمة ساخرة، ثم غادرت من المشفى بأكملها، تهمس وهي ترسم بسمة متشفية لما ستفعله:
_ أنا مش طبيعية وأنت هتندم.
***********
جلس مهران بالقرب من ابنه يتأمل شكله، يشعر بانفطار قلبه لأجل ابنه، نظر لذراعه المكسور وشعر أن هذا الكسر لم يصل لجسده فقط بل فاق تلك المرحلة.
فتح ياسين عينيه بصعوبةٍ بالغة، يتنظر حوله بوهنٍ، حتى وقع بصره على والده، نظر له بأعينٍ متألم ثم قال:
_ مريم.. مريم فين!
حاول مهران الحديث بصوتٍ متزن:
_ بخير يا بني.. اهدأ اولًا وأخبرني ما الذي حدث لك!
حاول ياسين النهوض من مكانه بيدٍ واحد، يردف بصوتٍ مترجي:
_ عشان خاطري يا بابا وديني عندها اطمن إنها كويسة وبعدها نحكي في أي حاجة !
قاطع تلك اللحظة دلوف مازن الذي صُدم من شكل ياسين، وجهه الملئ بالكدمات، ذراعه المكسور بالفعل، عينيه اللتان تشعان حُمرة، نظر ياسين إلى مازن الذي دلف ليردف له برجاءٍ:
_ وديني أنت يا مازن لمريم اطمن عليها!
ابتلع مازن لعابه، يعلم جيدًا أن حالة مريم لن تسمح لها بأن تتحدث مع ياسين، حاول الرفض ولكن نهض ياسين من الفراش مرددًا:
_ يلا بينا.
أمسك مهران ذراع ابنه يردف بصوتٍ هادئ:
_ عليك بالتأني يا بني.
نظر له ياسين بشكٍ، ثم قال وهو يحاول الاستدار له فما لم يروه أن هناك كدمات بجسده أيضًا:
_ ليه بتقول كده! مريم مالها!
:_ أغمى عليها لما مجتش!
قالها مازن بتوترٍ، لينظر ياسين بغضبٍ نحو مازن يهدر بعصبيةٍ:
_ ما تقولولي فيه ايه!
حاول مازن التماسك قبل أن يردف بصوتٍ مختنق:
_ بوكيه الورد اللي اختارتوا سوا اتبعت امبارح معه رسالة بتقول انك مش هوقدر تكمل معاها تاني.
نظر له ياسين بصدمةٍ، في حين استرسل مازن حديثه مرددًا:
_ ووقتها الناس اتكلموا إنك طفشت من عروستك والله أعلم السبب وهي أغمى عليها لما سمعت الكلام دا.
شُل عقل ياسين من الصدمة، يحاول استيعاب ما يحدث له، فجأة انقلبت حياته رأسًا على عقب، نظر نحو والده يردد بنفيٍ:
_ انتم مش مصدقين اللي حصل.. أنا اتخطفت وخدوني شقة وضربوني فيها جامد لحد ما أغمى عليا.. أنا ملحقتش أقول لحد يلحقني حتى.. الورد وقع مني ومخدتهوش اصلا.
ربت مهران على كتف ابنه، يردد بصوتٍ حزين:
_ أهدأ يا بُني.
نظر له ياسين بألمٍ ثم قال:
_ طب ودوني عندها يمكن لما تشوف شكلي تعرف أن اللي حصل كان مدبر لينا.
حاول مازن الرفض ولكن تمتم ياسين برجاءٍ متألم:
_ عشان خاطري ريحوني.
تنهد كلاهما ثم غادروا إلى منزل مريم يشعران بتوترٍ لما يحدث.
************
وصل مهران وياسين ومازن لمنزل مريم، صعد كلاهمت إلى الشقة وما أن فتح العزيزي الباب حتى صُدم من شكل ياسين، ليردف بصدمة:
_ إيه اللي حصلك!
نظر له ياسين برجاءٍ متمتمًا:
_ ارجوك وديني أشوف مريم.. أنا مبعتش حاجة.. حضرتك شايف شكلي عامل إزاي!
عجز لسان العزيزي عن الحديث، فشكل ياسين ليس بسهل تقبله، في حين تحدث مهران بصوتٍ هادئ:
_ اتمنى أن تقبل طلب ابني.
بقى العزيزي يتطلع لهما حتى افسح المجال لهم كي يدلفوا، وبالفعل دلفوا سويًا حتى بقى في الردهة، تحدث العزيزي بضيقٍ:
_ هو إيه اللي حصلك خلاكي كده!
ابتلع ياسين لعابه، يجيبه بصوتٍ مختنق:
_ ناس اتكتروا عليا عملوا فيا كده.
:_ والرسالة بتاعت..
قاطع ياسين حديث العزيزي يردد بصوتٍ متألم:
_ والله ما بعتها ولا أعرف أن في رسالة اتبعتت.. أنا اتفاجأت بيها لما مازن حكى ليا.
صمت العزيزي قليلًا، في حين استكمل ياسين حديث قائلًا:
_ أنا عمري في حياتي ما اتمنيت واحدة غير زي مريم.. وجيت النهاردة عشان أشوفها واطمن عليها رغم أن حالتي الصحية وحشة.. أنا لو مش عايز اجي الخطوبة فعلًا مش هاجي دلوقتي أطمن عليها.
تنهد العزيزي قليلًا، ثم كاد أن يتحدث ولكن رأى ياسين ينهض بصعوبة ينظر خلفه، استدار ليرى من ليجدها مريم تقف بأعين أغرقتها الدموع تردف بألمٍ:
_ أنت إيه اللي جابك! أنا مش عايزة أشوفك تاني!
حاول ياسين الحديث متمتمًا بحزنٍ:
_ صدقيني أنا عمري ما أذيتك.. اللي حصل امبارح غصب عني وعنك.. أنتِ شايفة شكلي عامل إزاي.
ازدادت دموع مريم، تردف بألمٍ:
_ أنتَ أكبر قرار غلط خدته في حياتي.. سبني في حالي يا ياسين.
نظر لها بصدمةٍ مما تتفوه به، ليحاول مازن تبرير ما حدث قائلًا:
_ يا مريم ياسين ملهوش ذنب في اللي حصل!
صرخت به قائلة بألمٍ:
_ وأنا مليش ذنب.. أنا واحدة يوم خطوبتها اللي هو أهم يوم في حياة أي بنت خطيبها سابها واتبعتت رسالة بيقول فيها أنه مش قادر يكمل.. عايزين مني إيه… أنا سمعتهم بوداني بيقولوا طفش مني.. أكتر يوم مهم في حياتي خليتهم أكبر صدمة في حياتي.
صمت الجميع ولم يستطيعوا التحدث، ليستند ياسين على مازن بيده السليمة، يردف بألم:
_أنتِ كده بتخسري يا مريم.. واللي بيخسر بيندم.
نظرت له بأعينٍ لاتزال تتسرب الدموع منها، ثم قالت:
_ أنا ندمانة من البداية.
تألم ياسين من حديثها، ليردف باختناق:
_ يلا يا مازن.
سار مازن ومهران الذي اتخذ حاجز الصمت، إلى خارج المنزل، في حين نظر العزيزي بعتابٍ إلى مريم التي رات نظراته لها لتنطلق إلى غرفتها مع صديقتها.
*********
وقف أمام والدته التي تذرف الدموع، تجلس بالردهة مع البقية، تقدم نحوها يجثو على ركبتيه يردد بحنوٍ:
_ بتبكي ليه يا أمي كلهم بخير وياسين زمانه جاي.
نظرت له بحزنٍ، ثم قالت محاولة إزالة دموعها:
_ غصب عني يابني زعلانة على حال ابني اللي في يوم وليلة اتغير وبدل ما كنت هفرح بيه ببكي من اللي حصله.
ربت زين على يديها بحنوٍ، يردف بصوتٍ حنون:
_ ياسين قوي ومش هيسمح لحاجة تانية تحصل.. تعالي يلا اطلعك تغيري هدومك عشان تستقبلي ياسين.. لو شافك كده مش هيستحمل وأحنا اللي المفروض ندعمه.
نظرت لعيني زين وهي تعلم صحة حديثه، لتصعد إلى الأعلى برفقة ملك، في حين تبقت ياسمين إلى جوار ورد التي غفت باحضانها، تقدم منها زين يردد بهدوءٍ:
_ هاتيها عشان متتعبيش.
ابتسمت ياسمين متطلعة نحوها، تردف وهي تمسح على خصلات شعرها:
_ عمرها ما تعبتني.. سبها دا هي أحلى حاجة في حياتي.
صمت زين قليلًا ثم قال بصوتٍ حزين، يتأمل صغيرته بألمٍ:
_ مامتها توفت بسبب شغلي.. كانت جاية تزورني في المكتب بتاعي.. وكان عندي عميل بس للأسف العميل دا كان شايل سلاح وأنا معرفش ومحطتش حساب إني أأمن نفسي، وحصل غلطة في الكلام بيني وبينه وضغط عليه فرفع المسدس عليا ومراتي اتخضت من الصوت ودخلت عليا المكتب ووقتها هو شافها وراح ضرب عليها نار.. ماتت قبل ما بنتنا تكمل سنة ومن وقتها سبت شغلي وقررت ارجع القاهرة اشتغل مع والدي في الأرض وأربي بنتي.
شعرت ياسمين بالآسى نحوه، تتأمل ورد فهي بسن يحتاج إلى الأم بشدة، ولكن داهمها شعور غريب، رغبة في السؤال، لم تستطع التحكم برغبتها لتردف بسؤال:
_ هو أنت اتجوزتها عن حب!
تفاجأ زين بالسؤال، في حين تلون وجه ياسمين بخجلٍ، ابتسم زين وعلم أن بداخلها شيئًا له، فأجاب بهدوءٍ:
_ كنا متفاهمين جدًا.. وكانت بتفهمني بدون ما اتكلم.. عارفة لما بكون مخنوق امتى وازاي تخرجني من خنقتي.. كانت ونعمة الزوجة… اتجوزتها لأن لزما بعد ما بخلص جامعة اتجوز وهي كانت محترمة جدًا اتعرفت عليها ولما لقينا نفسنا متفهمين اخدنا قرر الجواز.
لم يعلم بأن حديثه عنها يؤلمها، عادت بنظرها لورد، ولكن أكمل زين حديثه بحنوٍ:
_ بس حاليًا عايز اتجوز عن حب.. لكن الباب مقفول وقاعد مستنى يفتح.
ابتلعت ياسمين لعابها، في حين ابتسم زين لها ثم استرسل:
_ عجبتك الهدية.
حاولت كبح بسمتها ولكن لم تستطع، لتجيبه بصوتٍ خجول:
_ آه.. شكرًا.. بس جبتها ليه!
اجابها بحبٍ:
_ اللي بيحب حد مش هيستنى مناسبة عشان يجيب هدية.
توردت وجنتيها بخجلٍ، في حين قرر زين تركها كي لا يزداد خجلها أكثر مرددًا:
_ هخرج اشوف ياسين ومازن هيجوا امتى.
**********
وصل ياسين إلى المنزل بصحبة والده ومازن استقبلهم زين بقلقٍ ما أن رأى ملامح ياسين المختفية من الكدمات، صعد ياسين إلى غرفته بعدما تلقى السلامات من والدته وياسمين وملك، ثم أغلق على ذاته دون أن يتحدث بكلمة.
***********
عادت قطوف إلى المنزل، ثم عادت تجلس إلى جوار والدها لعلها تشعر بالأمان، تتذكر تلك الليلة بألم، نظرت إلى والدها ثم عزمت على أن تسير بطريق علاجه وبالفعل اتصلت بأحد الأطباء واخبرها بأن تأتي به بعد خمسة أيام كي يراه ويبدأ معه بالفحوصات.
*************
جلس مهران بالحديقة يتأمل القمر، يشعر باختناق شديد مما يحدث مع ابنه ولكن يعلم أنه اختبار من الله، ظل يردد بصوتٍ هادئ ( ربنا لا يتحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا)، شعر بوجود أحد خلفه، استدار لينظر إلى من يقف خلفه فوجده ياسين، تأمل شكله الحزين، لأول مرة يرى ابنه بهذا الشكل، انفطر قلبه بشدة، تمنى أن يعود كما كان سابقًا يفعل ما يحلو له ولكن لا ينطفئ بهذا الشكل.
نظر ياسين بضعف إلى والده ثم قال بنبرةٍ مهتزة:
_ ممكن تحضني.. محتاج حضنك أوي.
حاول مهران التماسك أمام، الآن يعترف أنه يريد الصراخ، لا يستطيع رؤية صغيره هكذا، تقدم نحوه يفتح ذراعيه يضمه بحنوٍ، في حين اختبئ ياسين بداخل والده، يشعر برغبته في البكاء، وبالفعل تسربت الدموع من عينيه، يهتف بصوتٍ مختنق:
_ أنا تعبان أوي ومكسور من جوا ومن برة.
أغمض عينيه بألمٍ، ثم قال بصوتٍ حنون يحاول تخفيف ما به:
_ أنت باختبار يا بني.. ولكن لا تظن إنك بالفعل مكسور.. هل تظن والدك سيسمح بذلك.. أنت أخر ابنائي وصغيري.. لا تحزن سوف يعوضك الله بعدها.
هتف ياسين بتعبٍ جالي وهو يتطلع لعيني والده:
_ ادعيلي يا بابا.. محتاج تدعيلي أوي.
دعا له مهران يربت على ظهره بحنوٍ:
_ اللهم أروي قلبك بحلاوة العوض.. وسعادة النفس.. وراحة العقل والبال.
أمن خلفه ياسين ثم مسح وجهه من تلك الدموع وبقى صامتًا، يحاول الصمود ولكن ما حدث معه لابد من أن يعالج وإلا سيتدمر تمامًا.
*************
صباحًا..
انطلق مازن إلى منزل مريم، بعدما بقى ثلاثة ليلي بعيدًا يعطيها فرصة كي تهدأ، وقف أسفل العمارة يأخذ نفسًا عميقًا، فأيضًا سيرى محبوبته، صعد الدرج حتى وصل إلى الشقة ثم طرق الباب ووجد العزيزي يقف أمامه، حمحم مازن يردد:
_ معلش إني جيت بدون ما اقول.. بس محتاج اتكلم مع حضرتك ومع مريم.
نظر له العزيزي قليلًا ثم افسح له المجال، في حين دلف مازن إلى الشقة يجلس بالردهة، تحدث مازن قائلًا بجدية:
_ أنا مقدر الحالة اللي كل فيها.. بس قبل أي شيء تخيل يا عمي لو في يوم صحيت عشان بنتك تتجوز وتتخطف في يوم جوازها ويتبعت رسالة انها هربت من الفرح ومش هتكمل وتطلع بالنهاية مخطوفة وقتها حضرتك هتحس بأيه.
صمت العزيزي ولم يجيب، بالفعل الوضع صعب ولا يستطيع التصرف، علم مازن أنه أصاب في حديثه ليردف بعدها بتريث:
_ الاحساس دا هو نفسه اللي عمي مهران عايشه.. وياسين ابن خالي عايشه.. ياسين تعب جدًا عشان يتقدم ليها.. وحاليًا بقى منعزل عن الكل سبب اللي حصل.
تنهد العزيزي قليلًا ثم قال بهدوء:
_ للأسف يابني القرار في في ايدي.. كله في ايد مريم وهي حالتها حاليًا مش هتسمح بكده.. الأفضل تسبها مدة ترتاح وتقدر تخرج من الشقة.
تأمل مازن حديثه، ثم حرك رأسه بإيجابية نهض كي يغادر ولكن اوقفه العزيزي مرددًا باصرار:
_ خليك قاعد تاخد واجب وتشرب شاي.
حاول مازن الرفض ولكن اوقفه العزيزي باصرار، ثم نهض كي يرى من سيعده، في حين خرجت قطوف من غرفة مريم ولكنها تفاجأت بوجود مازن، تأملها مازن بحبٍ، في حين أبعدت قطوف نظراتها عنه، أتى العزيزي بالشاي، ولكن ارتفع صوت قطوف مرددة:
_ هستأذن أنا عشان اروح.
كادت أن تسير ولكن اوقفها صوت مازن يردد بمكرٍ:
_ استنى شوية عشان اوصلك معايا.
نظرت له بحدةٍ، في حين اكد العزيزي حديثه قائلًا:
_ خليكي يا بنتي يوصلك طالما هتروحوا.
حاولت قطوف أن تفلت منه، لتردف بصوتٍ يحمل تحدي:
_ اصل هروح اشتري شوية حاجات وهلف كتير.
:_ وماله أنا كمان محتاج اخرج واشتري حاجات هاجي معاكي.
قالها مازن ببرودٍ يحتسى الشاي، في حين نظرت له قطوف بغيظٍ، تتمتم بصوتٍ يحمل الغيظ:
_ هشتري حاجات خاصة مش عايزة حد يعرفها أو يشوفها.
ابتسم مازن باستفزاز، يحتسى اخر ما القدح ثم قال وهو ينهض:
_ متقلقيش أنا مش هروح اختار معاكي هوصلك بس.
نظر مازن للعزيزي الذي يتابع حديثهما بتعجبٍ، مرددًا بامتنان:
_ شكرًا على الشاي كان جميل.. يلا يا قطوف.
وبالفعل انطلق الأثنان إلى السيارة بالأسفل واتجه مازن نحو طريق المنزل، لتردف قطوف بغيظٍ:
_ هو أنا مش قولت هروح اتسوق.
:_ قولتي كده عشان متجيش معايا في العربية.
اجابها بهدوءٍ يركز بصره على القيادة، رفعت قطوف حاجبها تردد بغضب:
_ يعني عارف إني مش عايزة اجي معاك!
اجابه بهدوءٍ استفزّه:
_ آه عارف.
اتسعت عين قطوف بغيظٍ منه، ثم قالت بصوتٍ متهكم تشبح بوجهها بعيدًا:
_ ما دا المتوقع منك.
ساد الصمت بينهما حتى أردف مازن بذات النبرة التي بدأ بها الحديث:
_ صحبتك عاملة إيه!
ابتسمت بسخرية قبل أن تجيب:
_ هتكون إزاي غير واحدة منهارة.. اظاهر أن رجالة العطار بقوا زي الصبار اللي بيقرب منهم بيتجرح أوي ويتأذي.
علم مازن ما ترمي له، وكاد أن يدافع عن نفسه ولكن لم يرغب بالحديث حتى يتأكد من حمايتها أولًا ثم حديثه معها، فمن لايزال يتألم لايزال يعشق.
************
وقفت ياسمين بالحديقة تتأمل الزرع، تفكر بحديث زين عن ورد، وصراحته معاها، ثم تذكرت حديث ملك…
****
:_ زين مش بيحب يجيب سيرة مراته الله يرحمها خالص.. يعني من ساعة موتها محدش يقدر يفتح الموضوع واللي بيفتح الموضوع معاه بيتعصب جامد وبيسيب البيت.
قالتها ملك بهدوءٍ، في حين حركت ياسمين رأسها بايجابية بعدما نالت على اجابة لسؤالها عن عدم ذكر اسم زوجة زين المتوفية.
******
تنهدت قليلًا وشعرت بمدى صدق زين في مشاعره اتجاهه، ولكن تجمد جسدها فجأة وهي تشعر بوجود أحد خلفها أنفاسه قريبة للغاية، استدارت ببطءٍ لترى من ثم جحظت عينيها بصدمةٍ ما أن رأت أن جمال هو من يقف خلفها، تقدم منها جمال كي يلامس وجهها بكفه قائلًا باشتياق:
_ وحشتني أوي.
تراجعت ياسمين برعبٍ منه، في حين ردد جمال بصوتٍ حنون غريب:
_ أنتِ خايفة ليه.. متخفيش مني أنا بحبك يا ياسمين بحبك بجنون وعمري ما هفكر أأذيكِ بس وافقي نتجوز.
تجمعت الدموع بحدقتيها، تشعر برعبٍ شديد، تفمر في كيفية الهرب منه، في حين عاد جمال يردد:
_ أنتِ مش بتردي ليه!
وصلت ياسمين لنهاية الحديقة، لتصطدم بهذا الحائط الخشبي، تردف محركة رأسها بنفي:
_ ابعد عني ارجوك.
تحولت عينيه لشرسة قاسية، يردف بنبرة مخيفة:
_ لو أخر نفس فيا مش هسيبك.. حتى لو وصل الموضوع إني أقتل كل أهلك مقابل إنك تفضلي معايا.
تحولت عيني ياسمين لصدمة، تتجمد الدموع بعينيها، تحاول استيعاب ما يتفوه به، في حين وصلت سيارة مازن إلى المنزل، فأسرع جمال بالهرب يلقي كلمته الأخيرة:
_ المرة الجاية يا جوازك.. يا جنازة حد من عيلتك.
اختفى جمال سريعًا، في حين دلفت قطوف دون أن تلاحظ شقيقتها التي كانت تختبئ خلف شجرة، ثم دلف مازن أيضًا وبقيت ياسمين ترتجف بشدة من كلمات جمال، لم يشعر أحدهم بوجود ميرڤت التي ابتسمت بمكرٍ تردد:
_ أهلًا بيك معايا.. وكده هخلي حبيبة القلب يا مازن مريضة نفسيًا.. ومعاد انتقامي خلاص قرب.
ألقت نظرة أخيرة ثم غادرت تفكر بخطةٍ ما تستعد لتنفيذها اليوم، تعلم أن قطوف ستغادر مع والدها كي يبدأ العلاج له.
*********
وصلت قطوف إلى المشفى مع والدها ومازن الذي أصر على توصيلها، ثم صعد سويًا إلى الطابق المطلوب وما أن وصلا حتى ارتفع صوت رنين هاتف مازن، رفع هاتفه يجيب بهدوءٍ:
_ ايوة يا محمود.. ضروري اجي.. تمام اديني ساعة اكون عندك.
أغلق الهاتف ثم نظر إلى قطوف التي رددت بسخطٍ:
_ روح لشغلك أنا هخلص معاه واجي.
لم يحبذا تلك الطريقة ولكنه اضطر للمغادرة بعدما اخبره محمود بأهمية العميل القادم له.
وقفت قطوف بالقسم الخاص بمخ وأعصاب وجلست إلى جوار والدها تنتظر دورها، ثم انطلقت إلى الممرضة الموجودة تسألها عن دورها ولكنها تفاجأت بوجود بعض الأوراق لابد ملأ بياناتها، بدأت بملأ الاستمارة ثم اعطتها للفتاة تردف بصوتٍ هادئ:
_ كده خلاص في اوراق تانية؟!
حركت الفتاة رأسها بإيجابية قائلة:
_ هتمضي معلش هنا اقرار منك إنك مسؤولة عن حالة والدك.
حركت قطوف رأسها ثم قامت بامضاء على الورقة سريعًا، وما أن انتهت حتى أخبارتها الممرضة بإمكانيتها للدلوف، وبالفعل دلفت قطوف مع والدها إلى الطبيب.
طلب الطبيب من قطوف الخروج بشكلٍ مؤقت كي يكمل فحوصاته، وبالفعل خرجت قطوف ولكنها وجدت هذا القسم فارغ ولا توجد به ممرضة بالخارج دقائق وشعرت بأحد يضع منديل به مخدر على فمها يمنعها من الصراخ حاولت أن تبعد يده ولكن لم تستطع فما كانت سوى دقائق حتى سقطت مغشيًا عليها.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى