Uncategorized

رواية الملتهب الفصل الثاني 2 بقلم نتالي جواد

 رواية الملتهب الفصل الثاني 2 بقلم نتالي جواد

رواية الملتهب الفصل الثاني 2 بقلم نتالي جواد

رواية الملتهب الفصل الثاني 2 بقلم نتالي جواد

*في قصر رخامي، ضخم، بُني على سفح جبل شاهق، تحوطه الاسوار الضخمة من كل الجهات، لامع كأنه شُيد بتعويذة سحرية لا تمت للعمل البشري بصلة*
علت صرخة مدويه تردد صداها في ارجاء القصر الفضي من خادمتين مذعورتين واعينهما تنظر نحو جسد امرأه أكلته النيران، حتى كاد يتحول رماد وقد بدأت النار تلتهم السجادة الحمراء تحتها، وتكاد تصل الى السرير الضخم وسط الغرفة، كانت حجرة غاية في الابداع، ستائر فاخرة، لوحات جميلة… كانت تدل على ان صاحبتها أرق من أن تفعل هذه الفاجعة.
قالت احد الخادمات بذعر من وسط شهقاتها تحاول كبت صوتها بيديها على فمها
«سيده أدلين!، ما الذي فعلته بنفسك!؟ لا سيدتي!»
دقائق معدودة حتى جاء الجنود بجرات ممتلئة بالماء، قذفوا بها جسد الفتاة اولا ثم باقي الاثاث الذي امتدت اليه اللسنة اللهب، بعد عدة جرات انطفأ الحريق وبقي الدخان يتصاعد ببطء.
اقشعرت أبدانهن لهول ما رأت اعينهن، اغلقت احداهن باب الحجرة، وهرعت اخرى تجري بين الردهات ثم نزلت درجاً طويلاً ملتويا بقيت تجري حتى وصلت مبتغاها فتحت الباب الأخضر العتيق بقوة مزعجه بذلك سيدة على عتاب السبعون من عمرها، كانت تقرأ كتابها السميك بهدوء بعيدا عن كل شيء بُعد حجرتها وضعف سمعها كانا كافيين لعزلها عن الخارج، قالت الخادمة بنبرة هلعة وبالكاد تجر نفَسها:
«أ…أدلين يا سيدتي!»
فزعت السيدة من نبرة الخادمة الجزعة، قلبها اخذ ينبض بقوة، وكأنها أحست بما تريد قوله، نهضت بصعوبة ورمت الكتاب الذي كانت تقرأه على الارض.
«ما بها أبنتي يا ليزا؟»
ترددت الخادمة ثم لفظت كلماتها وهي تجز على اسنانها، وتنظر للأسفل بينما الدموع تنهمر من عينيها، ويداها مقبوضتان الى صدرها.
«لقد… لقد انتحرت… أدلين سيدتي، لقد…»
اختل توازن العجوز المسكينة، وبدت غير مصدقة لما قالت الخادمة، وكأن سطل ماء في غاية البرودة قد سكب عليها، بينما كل شيء داخلها تحول لدرجة الغليان، أمسكت بأكتاف الخادمة تهزها بقوه
« ماذا تقولين ما لذي حدث؟! ماذا فعلت أدلين؟ وكيف تجرأتِ على ذكر اسم ابنتي والموت في جملة واحدة؟! »
أشاحت الخادمة بوجهها عن السيدة، وقالت بألم لبشاعة ما ستقول:-
«لقد احرقت نفسها تواً.»
لم ترد السيدة، بل نظرت اليها بنظرات عدم تصديق، واخذت تركض بسرعه لا تناسب سنها نحوا غرفة ابنتها، والخادمة تجري ورائها تحاول ان تمنعها من الوصول للغرفة
«أنتظري سيدتي، ارجوكِ توقفي»
وصلت الى للحجرة بعد وقوعها عدة مرات، لتجد الخادمات يقفن امام الحجرة، وجههن ممتقعة بسواد، هيمن الذعر عليهن جميعا.
قالت وهي تحاول التقاط انفاسها
«لا ابنتي أدلين!»
خرجت صرخة متألمة من قلب السيدة وهي تشاهد جسد ابنتها على الارض، والأبخرة تتصاعد منه، ونصفة قد تحول لكتلة مشوهة.
اخذت تصرخ بشكل هستيري وقد القت باللوم على زوج ابنتها من فورها، أذ لا سبب لتعاسة ابنتها غيره:-
« ارتان لن اسامحك ما قد حييت، لا ابنتي! ادلين، لقد قتلها الوحش، قتلها التنين المحترق! »
اخذت تهذي بغير وعي حتى سقطت مغشيا عليها من هول صدمتِها.
انتشر الخبر في ارجاء القصر لكن لم يأبه به الكثير ماذا سيتوقعون من امرأة عاشت مع التنين ثلاثة عشر عاما، هذه مدة تستحق التقدير.
***
*في بلاد بعيدة حيث زرقة السماء قد اخفاها ستار ليلي مرصع بالنجوم*
« قنداليا هي اعظم إمبراطورية في العالم، يحكمها أرتان اندريك، أو كما يلقبه المُلتهب، او التنين المحترق، شديد البطش والهيمنة، جلس على العرش منذ كان في الخامسة عشر من عمره»
« ولما امبراطورية عظيمة يحكمها طفل»
قاطعت الفتاة خادمتها العجوز التي كانت تروي لها بينما تمشط شعرها البني الطويل
« لا تقاطعيني، او لن اكمل لكِ القصة. »
صمتت الاميرة، بينما اخذت دفلارا تستأنف سردها بنبرة صوت قادم من ماضِ ضبابي مبهم غير واضح المعالم:-
«لم يكن طفل كان وحش قاتل في هيئة طفل»
«ماذا وحش!»
قاطعتها جوليا مره اخرى، لكن دفلارا استمرت تقص حكايتها وهي تنظر نحو الفراغ وكأنها ترى شيء ما لا يراه احد غيرها.
« يقولون انه متوحش جدا، ويمكن ان يقضي على اي احد بلمسة واحدة، عندما يغضب فأنه يتحول لكتلة نارية حارقة تقتل دون وعي او ادراك، وهذا ما جعل دول النجم الأخرى تستسلم أمامه، وتنصاع له، هو يحكم كل هذا القطب بيد من حديد، انقطعت العلاقات، والجميع يخضع بصمت، كل دولة تحاول الإيقاع بالأخرى لم يعد هناك أمان، والسلام قد اصبح حُلما صعب المنال»
تنهدت بضيق ثم استرسلت قائلة
« نحن قطعنا علاقاتنا بتلك البلاد البعيدة منذ زمن بعيد ولم…»
توقفت الخادمة عن الكلام ومسحت دمعة كادت تسقط من عينيها المحاطة بخطوط خلفها الزمن واخذت تضفر شعر الاميرة، وتربط طرفه بقماشه فاخرة تلائم فستانها البنفسجي، اخذت تتفحصه لترى اذا ما أغفلت خصلة ما.
قالت جوليا باهتمام واضح:
« حسنَ، ما خلفية هذا الرجل؟ ما هو ماضية؟ من الذي انجبه للحياة ؟ كان يجدر بوالديه قتله لا تنصيبه ملكا»
« لقد كان الامل الوحيد…»
همست لنفسها ثم اخذت تحدث الاميرة
«هذه امور لا عليك بها اميرتي.»
زفرت جوليا بضيق وحزن، وهي تفكر في كلام دفلارا وقالت
« من الجيد اننا بعيدون عنه، بحق أُشفق على أولئك المحيطين به »
« لا تفكري في الامر كثيرا، انه لا يستحق ذلك؛ وها قد أصبحتِ جاهزة لنزول الان اميرتي، دعيني فقط اثبت لكي زينة شعرك »
نهضت لتقف امام المرآة، لتصدر منها ابتسامة رضا عن فستانها البنفسجي ذا التنورة الفضفاضة، المزركشة برسومات دقيقة، و ماسات ثمينة؛ ظهر فستانها عاري بالكامل إلا من خيوط تجمع اطرافه وتترابط على عامودها الفقري؛ ضفيرتها الطويلة على كتفها، تحت شال رقيق بالكاد يستر ما تحته، مثبت على راسها ينسدل على كتفيها، ويلامس الارض من خلفها، لتكتمل اطلالتها الرقيقة مجموعة الإكسسوار الثمينة، عقد كبير، مع اساور لها نفس الزينة، واخيرا قطعة جواهر كقطرة الندى، تدلت من بين خصلات غرتها لتستقر فوق جبينها.
قالت بأعجاب ونظرها معلق بصورتها في المرأة:
«سلمت يداكِ دفلارا، اشكرك حقا.»
« لابأس اميرتي هذا واجبي، عليك النزول الان لا بد انهم في انتظاركِ الان.»
نزلت جوليا برفقة بعض الوصيفات وبعض الخادمات الاخريات للأسفل، حيث تعلقت بها الاعيُن طوال هبوطها عن الدرج المزين بأبها الزينة، تهامست الألسن مبدية إعجابها بفستانها وشالها الفخم، وكل ما يتعلق بها.
اعتادت هي هذه السهرات المملة لوالدها الملك.
الجميع هنا، الوزراء، الشيوخ، كبار المقام، كلهم هنا ما عداه هو، وما حاجتها لكل هؤلاء وهو غير موجود، عبست بضيق وهي تتجرع كأس الشوق والحنين إليه، مرت ست اشهر منذ اخر مرة رأته فيها.
بعدما نزلت جوليا بقيت دفلارا ترتب المكان وبعد ان انتهت همست لنفسها
« انهيت العمل الان، سأبحث عن آسيلا لأرى اين هي، هذه الفتاة ستفقدني صوابي بطيشها»
حدثت نفسها كما تفعل عادتاً عندما تغضب من ابنتها الوحيدة ثم اخذت تبحث عنها هنا وهناك.
في نهاية الحفل أو المسرحية الاجتماعية كما تسميها جوليا وبعدما غادر الجميع
صعدت جوليا الى غرفتها وقد نال منها التعب ليس الجسدي انما النفسي حيث اضطرت لمجاراة الجميع، عن دخولها رمت بشالها بعيدا، ثم الحقته اساورها التي لم تصمد فتكسرت كزجاج هش على أرض الغرفة، نزعت عقدها ورمته ليرتطم بالمرأة الكبيرة، كانت هذه طريقتها الوحيدة لتعبير عن الحزن الذي بداخلها الان، لديها رغبة عارمة برؤيته، بعناقة، بلمس شعره، بالنظر في عينيه، لكن هيهات لا زال هناك شهر آخر لعودته.
حررت شعرها ثم جلست على سور النافذة واحتضنت ركبتيها، تنهدت بيأس وهي تنظر للقمر الفضي في كبد السماء، وقد بدأ يرسل اشعته النرجسية ليظهر كل شيء بمظهر انيق وهادئ، اعتادت السهر على هذه الشرفة والتفكير كيف سيكون الغد، جوليا تخشى الغد كثيراً تخشى ان يكون اسوء من اليوم، او يحمل لها شيئًا سيئا.
عادت دفلارا متعبة الى حجرتها المظلمة، في الطابق السفلي، ارتمت منهكة على فراشها وكل ما يجول في فكرها ابنتها
« اسيلا اين انتِ»
تفوهت وهي تمسح دمعات حارقة غدرتها، اسيلا تحب ان تكون حرة لا يمكن تقييدها ابدا وهذا ما يخيف دفلارا هي اعتادت ذلك لكنها تخشى ان تفقدها كما فقدت اخوتها قبلها، حرقة قلب داهمتها، حنين، شوق، غضب، حزن، خوف، كل تلك المشاعر اجتمعت في صدرها المشتعل من ضرب السنين، نامت دون ان تدري ودمعها على خدها.
داهمت خُلدها اثناء نومها صورة قديمة، لشجرة كبيرة امام كوخ صغير، يلعب امامة اربع اطفال، كوخ يبدو دافئ وهادئ؛ في اغصان تلك الشجرة ذات الجذع الغليظ عُلق بخيوط رفيعة قطع زجاجية شفافة مستطيلة الشكل، تهتز كلما هبت نسمات الهواء، لتصدر صوتا جميلا يبعث على السعادة والفرح لمن سمعه، تحت الشجرة يجلس أحدهم يضم رأسه بين يديه وينظر للأسفل، فجأة ودون سابق انذار تحول الكوخ لكوم رماد والشجرة كذلك احترقت وذلك الشخص جالس تحتها على وضعه لم يتأذى، بل كان غير مُبالي بالنار التي عانقت جسده الساكن دون حراك مع الجثث المنتشرة حوله.
تجهم وجه دفلارا وهي نائمة وكانت تصدر تأوهات ألم وكأن النار طالتها في مكانها هذا، شدت نفسها اثناء نومها وهي ترى نفسها تصرخ بخوف، تحاول الولوج في النار كي تنقذ شيئًا، وقبل أن تصل إليه استيقظت فزعة خائفة من حُلمها، مسحت وجهها بكفها، تحسست جسدها خوفا أن النار قد مسته.
زفرت بارتياح عندما تأكدت ان هذا مجرد حُلم مزعج وأن الماضي لم يتكرر، ولن تعيشه مره أخرى.
تناولت من جانبها كأس ماء كي تشرب، فقد شعرت أنها لم تشرب الماء منذ سنين. نظرت للفراش الذي بجانبها ورأته خالي لا يحوي صاحبته.
«أسيلا..»
رددت بيأس بينما تحدق بالفراش الخاص بأبنتها.
في حجرة جوليا كانت الافكار تأكل رأسها
« هل حقا انسان كهذا موجود؟ أفعلاً!؟ ماذا يفعل في هذه اللحظة يا تُرى؟ وحش مثله كيف سيقضي وقته؟»
صوت جوليا يردد في رأسها، بينما تتقلب في فراشها بأرق، لم تستطع النوم، فعادت الى الشرفة كي تجلس هناك تفاجأت عندما رأتها مفتوحة بعدما اغلقتها كيف فُتحت ولم تلاحظ؟
«لا بأس ربما نسيتها مفتوحة »
السماء مظلمه والقمر اختبأ خلف بعض السُحب مدت عينيها للأمام فوجدت بحر ظلام شاسع مرقط ببقع صفراء غير واضحة المعالم تلك هي مصابيح بيوت سكان المملكة كانت بعيدة جدا عنها لا تظهر في النهار من شدة بعدها لكن عتمة الليلة الشديدة وضحت تلك الانوار واظهرتها غير صريحة التفاصيل.
اعين تراقبها من بعيد ليقول صاحبها
« لن تريه»
يتبع..
لقراءة الفصل الثالث : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية العشق الطاهر للكاتبة نسمة مالك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!