روايات

رواية غوثهم الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل التاسع والثلاثون

رواية غوثهم البارت التاسع والثلاثون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة التاسعة والثلاثون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل التاسع والثلاثون”
“يــا صـبـر أيـوب”
_____________________
إلهي أتيتُكَ اشكو حزني ووجعي
جئتك نادمًا وقد فاض وسال دمعي
لا يوجد سِواكَ يجبر خاطري ويمحو تعبي
ولا منقذٌ غيركَ يقيم خطوات دربي.
نفسي ضعيفة وأعلنت عليَّ الحرب
فَكُن لي عونًا واكتبلي النصر في حربي
أرجوك وسكنَ الرجاء بات موجودًا بقلبي
ومن غيرك يعلم القلوب وما بها سِواك يا ربي.
_”غَـــوثْ”
__________________________________
“يُكرم الغريب بالوصال”
عبارةٌ رددها لي حكيمٌ ذات مرةٍ أن الزائر الغريب نكرمه بالوصل وليس بالبُعد، لذا تعمدت أن آتيكَ غريبٌ لأنعم من كرمك بالوصال، وأي وصلٍ هذا؟
هذا الوصل مرتبط بالأمان، مرتبطٌ بِكِ أنتِ
وعند إعطاء الأشياء لمسمياتها الحقيقية قلبك لم يكن قلبًا
بل كان مدينة دافئة احتوت في قلبها غريبًا وكانت له الأمن والأمان بعدما كان مُشردًا في مدينةٍ اتسم أهلها بالقسوةِ، لتأتي أنتِ كما طبيب البلدةِ تُكرمي هذا الغريب بوصالكِ، لاتأكد أنا أن ما قيل في سالف الزمن كان حقيقة وهو:
“يُكرم الغريب بالوصال”.
<“صـاحـب الـحـق عَـفي”>
جلس “سعد” بجوار “شكري” عند أعتاب محله من الداخل يدخنان معًا السجائر المُخدرة يهربان من الواقع بغطاء الرأس المصنوع من الوهم وتغطيه اللامبالاة، وأثناء جلوسهما تحدث “شكري” مستفسرًا:
_وبعدين يا جدع هتعمل إيه؟؟ لازم تخفى يومين كدا.
انتبه له “سعد” فزفر بقوةٍ ثم أشار على موضع رأسه وهو يقول:
_ما تُفكك بقى، كلت دماغي وطيرت السيجارتين، داهية تاخد “أيوب” على أبوه على “يوسف” على عيلة “العطار” كلها، يولعوا كلهم في ساعة واحدة.
في نفس اللحظة فُتحَ باب محله بواسطة “أيـهـم” الذي قال بنبرةٍ عالية وصوتٍ متهدجٍ بفعل غضبه المشحون داخل صدره:
_الولعة دي هتمسك في اللي خلفوك ولو عيلتك جابت دكر واحد ييجي يخرجك من تحت أيدي يا حشاش.
أنهى حديثه وهجم عليه في طُرفة عينٍ يحكم حصاره عليه في نفس اللحظة قبل أن يلوذ الأخر بالفرار من المكان، بينما الأخر عماه غضب الثأر خاصةً حينما وقع بصره على جسد شقيقه الذي لم يقص معاناته بل نطقتها جروحه الغائرة وسردت معاناة عاشها أخوه مكبل الأيدي محكم الحصار عليه وهاهو أحكم حصاره على هذا الوضيع ليريه نسبة قليلة مما تعرض له شقيقه، متخذًا بمبدأ العين بالعين.
كان “سعد” مُكبلًا بين يدي “أيـهـم” الذي عمى بصره عما يفعله وكل ما يلوح في أفق عقله فقط هيئة أخيه وكدمات جسده وجروحه الغائرة التي لازالت حية تنزف حتى الآن، بينما “شكري” وقف مُتزعزعًا ولم يقو على التدخل مختليًا بنفسه خاصةً وهو يرى غضب الأخر الذي وضع “سعد” بسيارته وشق الطريق نحو بيته وسط نظرات الحارة بأكملها وسكانها.
في الأعلى خاصةً فوق سطح البيت الخاص بـ “عهد” جلست هي بجوار “يوسف” بعدما وضعت كوبي الشاي ثم قامت بتقطيع الكعك له ووضعته أمامه وهي تقول بلطفٍ _غير معتاد منها_ له:
_اتفضل يا “يوسف”.
انتبه لها وأخذ الطبق من يدها وابتسم وهو يقول بنبرةٍ هادئة ردًا على لُطفها معه:
_حبيب عيوني، ألف شكر.
تحرك حينها بؤبؤاها بتوترٍ ملحوظٍ بعد كلمته هذه لكنها تجاهلتها بالكامل ونصبت عينيها على الكوب الخاص بها بصمتٍ تهرب من أي أحاديثٍ تجمعها به، لكنه باغتها بما لم تتوقعه هي حينما سألها بنبرةٍ هادئة لكن رغم ذلك قوية:
_عملتي إيه النهاردة في يومك بعدما شغلك اتلغى.
استطاع بكلماته أن يستحوذ على كامل انتباهها لذا حركت رأسها نحوه ترمقه بسهامها السوداء متسائلة بتعجبٍ لم ينطقه لسانها لكن نظراتها كانت أمهر في التعبير الذي فهمه هو وقال بنبرةٍ رخيمة يفسر لها سبب سؤاله:
_مش تطفل مني بس أهو أي حاجة نتكلم فيها لو مش عاوزة يبقى خلاص، كدا كدا مبحبش الرغي.
رفعت حاجبيها ثم نطقت بنبرةٍ خافتة وصلته عن عمدٍ:
_استغفرك ربي وأتوب إليك.
رفع حاجبه يسأله بنبرةٍ جامدة:
_خلصي هتحكي ولا لأ ؟؟.
سحبت نفسًا عميقًا بعد سؤاله تُهديء به من انفعالها قبل أن تثور في وجهه ثم أجبرت نفسها على التبسم وهي تقول:
_ولا أي حاجة، استغليت الوقت ورتبت أوضتي، وذاكرت مع “وعد” وخليتها عملت الواجب وماما نزلت اشترت حاجات من السوق وأنا عملت الغدا مكانها، وفتحت نت شوية زهقت قفلته تاني.
حرك رأسه موافقًا ثم سألها بتعجبٍ:
_هو أنتِ مش عندي صح؟؟ يعني أخرنا الواتساب دا لو تركمتي ورديتي أصلًا، أو لو أنا بعت أساسًا.
ضحكت بخفةٍ فوجدته يسحب هاتفها ثم مده له بيده وهو يقول بصوتٍ هاديءٍ يطلب منها بإصرارٍ أكدته نظراته:
_افتحي كدا معلش.
وزعت هي نظراتها بينه وبين الهاتف بترددٍ ثم زفرت مستسملة في نهاية الأمر وفتحت الهاتف بإصبعها ليأخذه هو ثم فتح تطبيق تبادل الصور “انستجرام” ثم قام بالبحث عن نفسه وقام بالضغط على خانة المتابعة وكذلك تطبيق “تويتر” وكذلك “فيسبوك” وكأنه يحاصرها في كل مكانٍ حتى في واقعها الافتراضي، وما إن أنهى مهمته أعطاها الهاتف ورافق حركته هذه قوله بثباتٍ:
_علشان متزهقيش تاني، وهردلك الـ Follow.
تبدلت ملامحها إلى اليأس من أفعاله الغريبة لكنها صمتت، وسكتت تمامًا وكذلك هو حينما شعر أنها لم ترغب في التحدث معه وبطبعه لم يطلب منها ثانيةً لذا أكمل تناول الكعك بصمتٍ وهي تحارب نفسها حتى انتصرت على ذاتها وباغتته بقولها المتوتر:
_وأنتَ عملت إيه النهاردة في يومك ؟.
رفع رأسه عن الصحن وتسمرت حركته ثم نظر لها بعد عدم التركيز معها لمدة ثوانٍ وهو يقول بتعجبٍ:
_احكي عادي ؟ ولا هتتلبسي تاني؟؟
زفرت هي بقوةٍ في وجهه ففهم أنها تضغط على نفسها لكي تفعل أي شيءٍ معه لذا ابتسم لها ثم قال بنبرةٍ رغم هدوئها إلا أنها دافئة بعض الشيء:
_روحت الشركة وحضرت الإجتماع اليوم مكانش أحسن حاجة يعني بس عدى في الأخر، وروحت البيت اللي اتربيت فيه أتطمن على أهله وحقيقة يعني كانوا زي السحر حالي اتبدل معاهم هناك، وقبلها وصلت “رهف” وجيت على هنا.
حركت رأسها موافقةً لكن اسم فتاةٍ أخرى لفت نظرها أكثر لذا سألته بتهورٍ وكأنها تتحفظ للتعامل معه بشدٍ:
_مين “رهـف” ؟.
ابتسم لها وهو يقول بسخريةٍ:
_يعني كل الرزع دا مهمكيش منه غير اسم واحدة تانية؟؟.
بدت أمامه وكأنها مُتهمة لذا دافعت عن نفسها تنفي التهمة الموجهة إليها من قِبله:
_أنا مش قصدي حاجة كدا كدا معرفش عنك أي حاجة، بس اسمها حلو ولفت نظري مش أكتر.
رفع حاجبيه مستنكرًا لما تفوهت به ثم أعاد ملامحه المرتخية من جديد وهو يقول بهدوءٍ:
_دي ياستي جارتي القديمة وأختي اللي اتربيت في بيتهم وماسكة الشغل بتاعي في الشركة والحقيقة أني مطفحها الدم كمان وهي ساكتة عادي.
لم تفهم لما حديثه عن أخرى بهذه الطريقة جعلها تتأهب لافتعال المشاكل معه وخاصةً وهو يُثني عليها لكنها قالت بأسلوبٍ مهما حاولت التحكم به خرج منها تهكميًا رغمًا عنها:
_آه، ربنا يخليكم لبعض إن شاء الله.
ابتسم لها باستفزازٍ وأضاف ما يرفع ضغطها:
_يا رب إن شاء الله.
أدارت وجهها للجهةِ الأخرىٰ عنه فصدح صوت هاتفها برقم شقيقته “قـمـر” فخطفت الهاتف تجاوب عليه وهي تقول بصوتٍ مقتضبٍ مبرمجٍ على هذه النبرة الآلية:
_ألو، أيوة يا “قـمـر”.
نظر هو لها باهتمامٍ عند استماعه لاسم شقيقته فيما قالت الأخرى بحنقٍ عبر الهاتف وهي تشعر بالضيق:
_الزفتة نامت وسابتني محتاسة، عاوزة أجيب القميص اختاري أنتِ معايا قبل ما ماما تيجي وخالتو “أسماء” معاها ويفضحوني وتقعد تفاصل، بسرعة يا “عـهد”.
انكمشت ملامح “عـهد” بتعجبٍ من حديثها وسألتها بحيرةٍ:
_ليه هو أنتِ فين وهما فين ؟؟ مش معاهم؟
جاوبتها “قمر” بضجرٍ وهي تقف بداخل محل الملابس الرجالية:
_هما جوة السوق وأنا برة قولتلهم مش هعرف أدخل معاكم علشان زحمة وهما هيجيبوا سمنة وفراخ، وأنا القميص دا عجبني وهيليق على “أيوب” اختاري بقى، هبعتلك على الواتساب.
أغلقت الهاتف ثم فتحت المحادثة الخاصة بالأخرى فوجدتها ترسل لها الصور الخاصة بالقميصين، وكل هذا يتابعه “يوسف” بصمتٍ حتى حرك رأسه نحو الهاتف يسأل بضجرٍ:
_بتتكلموا في إيه ؟؟.
نظرت له بشرٍ وهي تقول بتحذيرٍ:
_فيه خصوصيات لو سمحت محدش يعرفها.
تبدلت ملامحه وهو ينظر لها حتى قالت هي بتراجعٍ عن طريقتها:
_”قـمر” بتجيب حاجة لحد غالي عليها وهي لوحدها هناك ومامتك ومرات خالك دخلوا السوق يجيبوا فراخ وسمنة وهي برة لوحدها عاوزة رأيي علشان “ضحى” نامت.
حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم سألها بسخريةٍ:
_وهو “أيوب” اللي خارج من اللي كان فيه دا هيروحله بزيارة فراخ وسمنة ؟؟ ليه هو نَفسة ؟؟ ما يجيبوله مُغات وحلبة بالمرة.
نظرت له بسرعةٍ كبرى فور نطقه بسخريته وللحق لم تتمالك نفسها من الانفجار في الضحك بصوتٍ عالٍ مما جعله ينتبه لصوت ضحكتها التي يراها للمرةِ الأولى على هذه الملامح الأصيلة وما إن انتبهت له جاهدت لتكتم ضحكتها فوجدته يقول بعبثٍ:
_طب ما احنا حلوين أهو.
تنحنحت عدة مراتٍ تُجلي حنجرتها بخجلٍ سيطر عليها لكنها قالت بأسلوبٍ هاديءٍ ولازالت ملامحها مبتسمة:
_بصراحة من غير إنكار الجملة ضحكتني أوي.
ضحك هو أيضًا لتعيد هي كرة الضحك من جديد وتضحك على سخريته وكأنها فرصة سنحت لها لكي تتمسك بالضحكات الرنانة بينما قال هو بغلبٍ يسخر من تفكير الأخرين:
_أصلها حاجة تضحك بصراحة، يعني ناخد علبة شيكولاتة، ناخد ورد ناخد فاكهة وعصير، إيه اللي هما بيعملوه دا؟ ياستي ييجوا ياخدوا من هنا ورد بس يسيبوا الوردة الحمرا دي علشان حبيتها.
أشار على الوردة التي أشار عليها صباحًا لتلتفت هي نحو موضع إشارته برأسها فوقع بصرها على جملته الجديدة التي أضافها على اللوح فسألته باهتمامٍ جليٍ بعدما عادت ببصرها له:
_حلوة الجملة دي، ياترى بقى أنتَ طلعت غريب ولا ضايع؟
نظر للجملة هو الأخر ثم ابتسم بسخريةٍ وهو يقول بقلة حيلة:
_أنا الاتنين للأسف، أو للحق يعني كنت الاتنين.
أومأت له موافقةً ثم استعدت لكي تنزل وهذا من خلال رفعها للأشياء الموضوعة على الأرض فوجدته يمسك كفها ثم قال بنبرةٍ مختلطة المشاعر تضاربت بداخله وكأن البُساط يُسحب من أسفله:
_ممكن تقعدي شوية معايا؟.
انخفضت رأسها نحو موضع كفه القابض على يدها فأضاف هو بنبرةٍ عادية يواري خلفها تخبطه بسبب نزولها:
_لو مُصرة انزلي عادي.
لا تدري هي إن كان يُلقي عليها اللوم بسبب نزولها أم أنه يطلب منها البقاء بحق أم أنها تتوهم من الأساس وعقلها يصور لها أنه في حاجةٍ إليها لذا قررت أن تُخرس كل الأصوات بداخلها وتستمع له هو لذا حركت رأسها موافقةً وهي تقول بتوترٍ واضحٍ برغم انها لم تدخر جهدًا في اخفاءه:
_لأ…عادي يعني كدا كدا مش هنام دلوقتي.
ترك يدها وابتسم لها بثباتٍ ثم قال بنبرةٍ رخيمة:
_شكرًا.
أدارت وجهها للجهةِ الأخرىٰ وهي تبتسم بسعادةٍ غير مُفسرة وخجلٍ معلومٍ بكل ذرةٍ فيها بينما هو استعاد وقاحته وقال بنبرةٍ خبيثة:
_كدا كدا يعني كلها ساعتين وتنامي وأجيلك، ربنا يكرم لحد ما تتعودي بقى، شكلك مطولة.
انتبهت له تسأله بنبرةٍ جامدة:
_نعم ؟؟ على إيه إن شاء الله ؟؟.
كالمعتاد منه غمز لها وتبعها بقوله الخافت:
_على حُضني.
نكست رأسها للأسفل هربًا منه ومن وقاحته اللاحد لها وكأنها شيءٌ أبديٌ لا نهاية له ثم فتحت المحادثة الخاصة بشقيقته لكي تنتقي معها ما تريده، بينما هو عكسها تمامًا فبالرغم من سكوتها من جديد وعدم مجاراته في الحديث إلا أنه وجد هدوء رأسه، تلك المدينة المتكدسة بالسكان ومزدحمة بالسيارات حتى حوافها وترتفع بها أصوات الغوغاء والضجيج المزعج لكل خلية بها، لتأتي هي بدورها مثل صافرة الضابط وتعمل على هدوء المكان واستعادة السير بشكلٍ صحيح، لذا لم يتخلَّ عن مشاركتها هذا الوقت حتى ينعم بهذا الهدوء الذي استقر برأسه بعدما طرد احتلال الضجيج لأرض عقله.
_________________________________
<“الحق حقي وحق أخي، أنا أيضًا صاحب الثأر”>
وصل “أيـهـم” إلى بيته بسيارته ثم فتحها بغضبٍ وتعامل معها بعنفٍ وهو يسحب منها “سـعد” الذي سبق وكمم فمه بقطعة قماش ودلف به إلى الحديقة مباشرةً في الليل ومن حسن حظ هذا وسوء حظ ذاك أن المكان أشبه بالفراغ، خاصةً حول البيت لذا تحرك بحريةٍ وهو يقول بنبرةٍ جامدة وصوتٍ هادرٍ:
_وربنا اللي في قلبي حبه أغلى من الكُل، لأخد الحق منك الطاق طاقين وهخرج عليك القديم والجديد، أنا بقى هوريك الترويع اللي حق يا صايع يا بتاع السيجارة.
نظر “سعد” له بغلٍ من نظراته بينما الأخر كبله في المقعد بحبلٍ قويٍ ثم سحب مقعدًا له وجلس عليه بأريحية وهو يقول بتهديدٍ صريحٍ:
_خليني بقى قاعد كدا في وشك بطولي، علشان محدش يقول ضرب وجري واتفرج على رجالة بيت “العطار” بتعمل إيه لما تاخد حقها، مبتروحش تتحامى في غيرها يا “سِعدة”.
في مكانٍ أخرٍ في بيت “بيشوي” تحديدًا جلس بغرفته وأمامه قطعة نحاسية عتيقة الطراز طلب أحد الأفراد منه أن يقوم بالكتابة عليها كمهامٍ يقوم بها لاستغلال هوايته لذا اندمج فيما يفعله وهو يكتب بأدواته على السطح المعدني باندماجٍ حتى دلفت والدته الغرفةِ له وهي تقول بنبرةٍ حماسية:
_ولا !! أنا طلبت معايا آكل دلوقتي وأعمل كوباية شاي، أعملك معايا اتنين رومي على اتنين لانشون كدا ؟؟.
انتبه لها فرفع عينيه عما يفعله وسألها بسخريةٍ:
_والدايت بتاعك ؟؟ راح فين ؟.
لوحت له بيدها فيما ترك هو ما يقوم به ثم اقترب منها وقال بعدما ابتسم لها:
_تعالي نعمل سوى لينا إحنا الاتنين، واقف معاكِ بالمرة.
ذهب خلف والدته يعاونها في عمل الطعام السريع المكون من شطائر الخبز المعجون “فينو” وإبان انشغاله بما يفعله صدح صوت هاتفه في جيبه لذا أخرجه يجاوب على المتصل الذي لم يكن سوى أحد الشباب الذين يعملون معهم وبمجرد اتصال الأخر به قال الشاب بقلقٍ:
_ألو يا أستاذ “بيشوي” الحارة كلها بتقول إن الأستاذ “أيهم” دخل محل “سعد” وضربه وخده معاه في العربية ودلوقتي أنا جيت عند البيت لقيته فاضي بس العربية واقفة، أنتَ كنت معاه ؟؟.
اندهش “بيشوي” مما وصل لسمعهِ وأغلق الهاتف بسرعةٍ كبرى ثم ترك محله وركض لبيت “العطار” فورًا يلحق صديقه المتهور وقد سألته “تريز” بتعجبٍ من تحوله بهذه الطريقة المُرعبة:
_فيه إيه ؟؟ ما أنتَ كنت كويس.
توقف عن ركضه وهو يقول بنبرةٍ عالية كسا عليها التوتر والخوف من أفعال الأخر:
_مش هيجيبها لبر، ابن “عبدالقادر العطار” ناوي يحطنا كلنا في الطين، هروح ألحقه قبل ما يعمل مصيبة تودينا في داهية.
خرج من شقته بملابسه البيتية نحو بيت العطار بخطواتٍ أشبه بالركض يتجه إلى هـناك بأقصى سرعةٍ ممكنة ثم دلف إلى البيت من باب الحديقة خوفًا منه أن يوقظ أهل البيت فوجد صديقه يجلس أمام مقعد “سـعد” الذي حاول فك حصار جسده على المقعد لكن الأخر تركه يفعل ما يُريد وفي النهاية هو صاحب القرار في تركه.
ركض “بيشوي” نحوهما وبمجرد اقترابه صرخ في “أيـهم” قائلًا بانفعالٍ:
_أنتَ اتجننت ؟؟ إيه اللي بتعمله دا ؟؟ فكه يا “أيـهم” متوديناش في داهية وتعكها فوق دماغنا.
وقف “أيـهم” يقول بنبرةٍ عالية هو الأخر:
_روح يا “بيشوي” وفكك من الليلة دي عندي أنا، الواد دا مش خارج غير لما كباره يجولي هنا، هسكت عليه لحد امتى ؟؟ ها ؟؟ مش هفكه وكلمة كمان هتكبر في دماغي وأربطه في الشجرة.
هَـمَّ “بيشوي” بالنطق من جديد فأوقفه “أيـهـم” حينما رفع صوته قائلًا بغضبٍ جام:
_”بــيـشوي” !! خِــلصنا خلاص.
في الداخل تقلب الصغير “إياد” بين ذراع جده الذي انتبه لهذه الحركة ففتح عينيه على مضضٍ وما إن وجد الصغير بين ذراعيه ابتسم بحبٍ ثم عدل وضع جسده وكذلك مد ذراعه نحو “أيوب” النائم أمام عينيه ثم مسح على خصلاته ووجهه بوجهٍ مبتسمٍ، لكن بسمته حزينة، أو لربما متناقضة، عينٌ فرحة لأجل وجود حبيبها هُنا وعينٌ تبكي بقهرٍ على أثار آلامه الموجودة على وجهه، لكن لازال الفرح موجودًا.
استمع للحديث الدائر في الخارج والصوت العالي لذا انقبضت ملامحه وخرج من الفراش نحو مصدر الصوت تاركًا الإثنين خلفه على الفراش، وما إن خرج ووقع بصره على المقعد اتسعت عيناهُ وخطى المسافة المتبقية بلهفةٍ وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_إيه دا ؟؟ إيه اللي حضراتكم عاملينه دا ؟.
التفت له “أيـهم” يقول بضيقٍ من ظهوره بهذا التوقيت:
_قبل ما تتكلم يا حج عاوز أقولك اني المسئول و “بيشوي” ملهوش دعوة بكل دا، دا حق أخويا وهاخده بأيدي، وقبل ما تتكلم هقولك إن البيه هو اللي بلغ عن “أيوب”.
على الرغم من ظنون “عبدالقادر” بهذا الشيء إلا أنه تمنى أن يحصل على تكذيبها خاصةً إذا كان الأمر وصل لهذه الحدود لذا استقر ببصره على وجه “سـعد” الذي خشى هذه النظرة وهرب منها حينما أخفض رأسه للأسفل، وقد خرج “أيوب” هو الأخر في هذه اللحظة وقد اقترب منهم يقول بنبرةٍ عالية بعد رؤيته لهذا الوضع:
_انتم بتعملوا إيه ؟؟ “سعد” بيعمل هنا إيه دلوقتي؟.
تحدث “أيهم” بسخريةٍ يتهكم عليه:
_أهو أبو قلب حنين جه أهو، يمين بالله لو نطقت وقولت أفكه لأكون عاند معاك وساحبه على الشجر، أطلع منها أنتَ بقى أحسنلك.
رفع “أيوب” صوته يقول بنبرةٍ جامدة وقد تفاقم الغضب بداخله حتى أن أمر السيطرة عليه أصبح مستحيلًا:
_مش كدا، حتى لو هو اللي عمل كدا مينفعش، ياعم خاف على ابنك حتى، حقي هييجي بمليون طريقة غير دي، إنما كدا أنتَ بتورطنا وبتورط نفسك كمان، سيبه وخليه يغور من هنا.
تملك العند من “أيـهم” أكثر لذا أقترب يمسك وجه “أيوب” مُشيرًا إلى الكدمات على وجهه وهو يقول:
_ودا إيه ؟؟ ها !! جسمك الوارم دا إيه ؟؟ العشر أيام اللي شوفت فيهم العذاب كانوا إيه ؟؟ أنا هوريه نقطة بس من اللي أنتَ شوفته ولو طلع دكر واتحمل هسيبه رغم أني أشك.
هَـمَّ “أيوب” بالتحدث إلى “أيـهـم” من جديد يحاول أن يُثنيه عن قراره لكن صوت “عبدالقادر” أوقفه حينما قال بنبرةٍ جامدة يمنع استرسال الحديث منهما:
_اللي بتعمله دا غلط يا “أيـهم” !!.
ارتخت ملامح “أيوب” وهدأت ثورة غضبه ليضيف والده من جديد متابعًا بنفس الجمود:
_تشيله من على الكرسي دا وفورًا تربطه في أخر الجنينة، مش عاوز مشاكل ولا حد يتكلم من الحارة، مفهوم !!.
خيبة الأمل ظهرت واستوطنت على ملامح “أيـوب” الذي حرك رأسه نحو والده بدهشةٍ بينما الأخر رحل من مكانه نحو الداخل يقطع على ابنه سُبل التحدث خاصةً بعد الخروج من قوقعة ذهوله، على عكس “أيـهم” الذي ابتسم بخبثٍ وارتخت ملامحه وكأن والده تعلم فنون التبدل بين طباعه.
نفخ “أيوب” وجهه بيأسٍ ثم رفع كفيه يمسك رأسه وهو يقول بنبرةٍ منهكة وكأن التعب حل عليه من جديد:
_يا صـبر “أيوب”، الصبر من عندك يا رب.
تركهم وتحرك من الحديقة نحو الداخل بينما “بيشوي” ضرب كفيه ببعضهما بعد موقف “عبدالقادر” وقال بسخريةٍ:
_أتاريك طالع للعطار الكبير، مش جايبه من برة.
ضحك الأخر له ثم جلس من جديد أمام “سعد” الذي توعد لهم بنظراته نظرًا للإهانة التي تلقاها على أيديهم متغافلًا عما فعله هو انتقامًا لنفسه، بينما “بيشوي” قرر أن يبقى بجوار رفيقه لا يتركه بمفرده.
_________________________________
<“زارنا القمر في دارنا”>
في اليوم التالي في بيت العطار تولى “أيـهـم” مهمة التعامل مع “سـعد” وذلك من خلال بعض الضربات التي وجهها له وكأنه يرد ما حدث لشقيقه به، ورغم هذا لم يُشفى غليله بل اقترب منه بعدما صفعه على وجهه ينطق بغلٍ من بين أسنانه:
_عارف كل ما أضربك حاسس أنه مش كفاية، عارف ليه علشان هو مش زيك، هو نضيف إنما أنتَ قذر وأقذر من أي صفيحة زبالة مرمية في حارة العطار، الغباء كله إنك تتقارن بيه، علشان مفيش مكان يحط واحد في نضافته مع واحد زيك، آخره سيجارة ملفوفة.
دلف “عبدالقادر” له الحديقة بعدما خرج من غرفته ثم توجه له وهو يقول بنبرةٍ هادئة ورضا تام استقر بين ضلوعه يغدق قلبه فور رؤية آثار الضرب تظهر على ملامح “سـعد”:
_بقولك إيه، خلاص كدا عليه خلي عربية من بتوع البضاعة تاخده وترميه في البيت تحت رجل أبوه، مش عاوز الأشكال دي تيجي بيتنا، علشان اللي يدخل بيتك بيشيلك حق كبير فوق راسك، علشان كدا يترمي لأهله مش لازمني منهم أي حاجة، سامع !!.
كاد “أيـهم” أن يعترض على حديث والده ويتمسك بقراره في بقاء “سـعد” هنا لكن والده استطاع أن يقرأ بفطنةٍ ما كُتبَ على ملامح ابنه لذا قال بثباتٍ يتسم بالهدوء:
_نسايب أخوك جايين النهاردة مش عاوزين مشاكل قدامهم، اسمع كلامي بقى أنا ريحتك أهو، بس أخوك متضايق مش طايق البيت وقافل على نفسه، اسمعني بقى واظن حلو كدا وشه خرب خلاص.
تنهد “أيـهـم” بعمقٍ ثم حرك رأسه موافقًا وقال بجمودٍ يعاند أمام أبيه بصفاتٍ تتطابق مع بعضها من كليهما:
_ماشي بس بشرط، الكلام بعد كدا معايا أنا ومني ليهم، الأشكال دي خسارة فيها حد بهيبتك وخسارة ليهم واحد زي “أيوب”، سيبني أنا صايع وهجيب من الأخر معاهم.
تركه “عبدالقادر” ودلف للداخل فلم يملك من الحديث ما يُخرجه من هذا المأزق، كيف هذا وإن كان الأخر نسخة مُصغرة منه في كل القرارات وفي كل الأمور وخصوصًا إن الأمر يتعلق بأحبته.
في الأعلى جلس “أيوب” في غرفته بعد عودته من المسجد، كان يشعر بالضيق من وضع البيت بسبب تواجد غريمه بالأسفل لكنه قرر أن يتغاضى عن كل هذا فور دخول “إياد” ومعه “تَـيام” إلى غرفته فابتسم حينها لهما واعتدل على فراشه حتى اقترب منه الاثنان وجلسا بجواره لينطق هو بسخريةٍ:
_خير جايين تزودا حرقة دمي؟؟.
تحدث “تَـيام” بحرجٍ منه وتوترٍ قائلًا:
_لأ أنا جاي اعتذرلك علشان معرفتش أعمل حاجة بس والله كنت بحاول على قد ما أقدر بس فشلت كأن الطرق كلها مسدودة في وشي، والله ما قصرت ولا حتـ…..
توقف عن الحديث حينما وضع “أيوب” يده على كفه قائلًا بتفهمٍ وتقديرٍ لموقفه:
_من غير كلام أنا عارف وفاهم كل حاجة، كفاية محاولتكم، بعدين احنا مش غرب أنتَ أخويا، يعني أخويا مش هيتخاذل عن حقي أكيد، بعدين نسيت كلامنا ؟؟ أنا مسلم وأخويا زيي مسلم واللي يوجع أخويا المحبوس وهو جوة يوجعني وأنا بعيد عنه برة، عيب عليك.
ابتسم “تَـيام” له بينما “إيـاد” قال بلهفةٍ:
_ياعم نسينا إحنا طالعين ليه، “قـمر” جت تحت.
انتفض “أيوب” من محله وتوجه نحو الباب بسرعةٍ أكبر من لهفته بينما “تَـيام” و “إياد” نظر كلاهما إلى الأخر ليسأل “تَـيام” بحيرةٍ لم تكن بمحلها:
_هو اتخض ليه ؟؟ هما مدينينه؟؟
حرك الصغير كتفيه بتعجبٍ وقال بتعجبٍ هو الأخر:
_أنا عارف ؟، يمكن ليهم عنده حاجة.
في الأسفل نزل “أيوب” يستقبل زوجته وأسرتها حتى وقع بصره عليها تقف بجوار أخيها وما إن رأته ابتسمت هي الأخرى، كانت ترتدي فستانًا باللون الأسود به نقوش صغيرة على شكل القمر بأطواره المختلفة كان لونها ورديًا وقد ارتدت الحجاب بنفس لون النقوش ليبتسم “أيوب” باتساعٍ أكبر حتى اقترب منهم يرحب بهم وأولهم “فضل” الذي احتضنه وهتف في أذنه بقوله:
_ربنا يكرمك ويقويك على اللي أنتَ فيه، احنا كلنا فخورين بيك أوي، متزعلش نفسك يابني.
ابتسم له “أيوب” وكذلك لمعت عيناه بحبٍ له ثم كرر الكرة وهو يرحب ببقية أفراد العائلة حتى وقف بجوار أبيه الذي أشار لهم نحو غرفة الجلوس “المندرة” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_طب اتفضلوا يا جماعة أنتم مش غرب، يلا يا “يوسف”.
حرك الأخر رأسه موافقًا بينما البقية انسحبوا نحو الغرفة عدا “قمر” التي وقفت أمام “أيوب” تمسك في يدها الحقيبة الخاصة بهديته وكذلك توقف هو أمامها منتظرًا فراغ المكان عليهما وما إن حدث هذا حينها أقترب منها يقول بنبرةٍ رخيمة دافئة:
_محدش قال إن القمر جاي يزورنا في ديارنا.
ضحكت هي بخجلٍ ثم هتفت بحماسٍ بعدما تبدل حالها في ثانيةٍ واحدة كحدٍ أقصىٰ:
_يمكن القمر كان عملهالك مفاجأة مثلًا..؟
ابتسم بعينيه قبل فمه فرفعت هي الحقيبة تعطيها له وهي تقول بخجلٍ عاد لها من جديد بمشاعرٍ تتراوح بين الحماس والخجل في آنٍ واحدٍ:
_الهدية دي علشانك، بص لو عجبك البسه، لو مش هيعجبك خليه ذكرى علشان مبحبش أرجع الهدايا.
جاهد ليكتم ضحكته على طريقتها وقد نجح في هذا بينما أضافت هي من جديد:
_وأنا بجيبه عرفت الناس اللي في المحل إني ممكن أرجعه وقولتلهم أنه هدية لجوزي، فعمو قالي عادي بس ميعديش ٣ أيام.
تلاشت بسمته وسألها بسخريةٍ:
_عمو مين؟؟.
بنفس الحماس جاوبته مُسرعةً:
_عمو اللي كان واقف في محل الهدوم، بس طيب والله طلعت عنيه بس هو لما عرف فرح وقالي ربنا يسعدكم.
رمش عدة مرات مستنكرًا ثم سألها بحيرةٍ:
_هو أنتِ قاصدة تكوني فُلة كدا ولا دا طبع ولا إيه ؟؟ أنا كنت عارف إنك على الأبيض بس متخيلتش للمرحلة دي بصراحة.
انكمشت ملامحها بتعجبٍ وقطبت جبينها تستفسر منه:
_”أيوب” دا مدح ولا ذم ؟؟.
ضحك هو رغمًا عنه ثم أمسك رأسها يقبلها جبينها وجاوبها بمرحٍ بعدها:
_دا اسمه يا صبر “أيوب”.
انخفضت رأسها للأسفل بحركةٍ تلقائيةٍ جعلته يبتسم بعينيه ثم أشار لها لكي تتقدمه ودلف هو خلفها نحو الداخل يجلس بجوار “أيهم” و “يوسف” في منتصفهما تحديدًا فتحدثت “غالية” ترحب به بقولها:
_ألف حمدًا لله على سلامتك يا حبيبي، الحمد لله إنك رجعت لبيتك تاني بخير وربنا ينصرك على أي حد يتمنالك الشر.
ابتسم لها وأضاف بتهذبٍ يليق بشخصه:
_ألف شكر يا أمي، وكفاية اللي حصل دا خير علشان حضرتك تنورينا هنا وتيجي مخصوص علشاني، أكيد أنا غالي عندك.
رفع “يوسف” حاجبه وقال بنبرةٍ جامدة دون أن يراعي وجود البقية:
_احنا متفقين على أختي بس، هيبقى أختي وأمي؟؟
أضافت “أسماء” بتلقائيةٍ معهودة منها:
_ومرات خالك كمان يا واد علشان بعزه أوي الصراحة.
انتشرت الضحكات على قولها بينما “قمر” تحركت نحو الداخل تقف مع “آيات” وتعاونها، وقد نطق “يوسف” في الداخل يطلب منهم بنبرةٍ هادئة:
_طب “أيوب” معزوم عند الحج “نَـعيم الحُصري” علشان عاوز يتعرف عليه وعلى مراتي، بالمناسبة يبقى هو الراجل اللي مربيني وعيشت معاه حياتي كلها، يعني ليه مقام كبير عندي.
سأله “أيوب” بحيرةٍ من أمر هذه العزيمة:
_طب وهو يعرفني منين علشان يعزمني؟.
جاوبه “يوسف” بثباتٍ:
_الشباب حكوله عنك يوم كتب الكتاب وهو مصمم وأكيد مش هرفضله طلب يعني، ها هتيجي ؟؟.
سأله “عبدالقادر” هذه المرة:
_فين المكان ؟.
جاوبه “يوسف” بعدما نظر له:
_في نزلة السمان، تحديدًا أرض الحُصري، المكان كله ملك الحج “نَـعيم” وعنده اسطبل خيول هناك، أنا قولت أعرفك علشان متقولش إنك اتفاجئت، فيه خيول هناك واليوم هيعجبك.
استمع “إياد” لهذه الجملة فاقترب منه يسأله باهتمامٍ:
_فين الخيول دي؟؟ خدوني معاكم.
انتبه له “يوسف” وحرك رأسه موافقًا ثم هتف بتأكيدٍ:
_عيوني، كدا كدا هتيجي معانا وهناخد “وعد” كمان علشان نفسحكم هناك، مش هتكمل من غيرك.
قفز “إياد” بحماسٍ ثم احتضن “يوسف” الذي تفاجأ من حركته المباغتة هذه لكنه احتضنه هو الأخر متذكرًا نفسه في صغره حينما كان يفعلها مع والدته ووالده، وكذلك انتبهت له “غالية” التي ابتسمت له وفهمت شعور ابنها.
في المطبخ حينما دلفت “قـمر” فرحت بها “آيات” كثيرًا وسألتها بحماسٍ عن سبب مجيئها إلى المطبخ فجاوبتها الأخرى أنها أتت لمساعدتها لذا قالت “آيات” بحماسٍ:
_أيوة كدا عاوزاكي تاخدي على المكان علشان هيكون بيتك، ولما تيجي بقى هنعمل كل حاجة مع بعض، بس يا رب تفضلي تحبيني ومتقلبيش عليا.
ضحكت لها “قمر” وقالت بلهفةٍ تزيل بها ظنون الأخرى:
_لأ والله مقدرش، أنا عاوزة أقولك أني من بدري بحبك أوي ونفسي نكون صحاب لو مش عاوزة خلاص، بس أنا نفسي اصاحبك أوي حاسة أني محتاجاكي في حياتي.
لمعت عينا “آيات” بدموع الفرح والسرور لذا احتضنت “قمر” بسعادةٍ وهي تقول بصوتٍ مختنقٍ من فرط مشاعرها:
_يا حبيبتي أنا هنا علشانك في أي وقت دا أنتِ مرات الغالي، متعرفيش بيعزك قد إيه لحد ما خلانا كلنا نحبك من قبل ما نعرفك شخصيًا، مبروك عليا صحوبيتك.
ابتسمت “قـمر” بسعادةٍ وهي ترى أول أمانيها هنا تتحقق، صُحبة صالحة مثل “آيات” كانت كل أمالها في الحياة، لم تعرف الصداقات من قبل سوى “ضُحى” فقط والآن هي تحصل على ما وددته من صحبةٍ صالحة كما تمنت.
وقف “تَـيام” في الخارج بجوار باب المطبخ حتى يأخذ العصير من خطيبته وما إن رآها مع “قـمـر” بدا السخط عليه وهو يقول بحنقٍ:
_هو أنا نازل احتياطي في الخطوبة دي؟؟.
أتى له من الخلف “أيـهم” يضغط على عنقه وقال بسخريةٍ:
_اتقي ربنا علشان تنزل تلعب وتكسر الملعب.
لوى “تَـيام” فمه بسخريةٍ جعلت الأخر يرفع حاجبيه بدهشةٍ ثم بدل حديثه بآخرٍ وهو يقول:
_ طب يلا علشان تفتحلي المخزن ونخرج منه عربية نشحن فيها الزفت دا، يلا قبل ما أهله يوصلوا على هنا، مش طالبة وجع دماغ.
في الخارج تحديدًا بالحديقة خرج “يوسف” يجاوب على المكالمة فوقع بصره على “سعد” الجالس على المقعد مكبل الأيدي، ومكلومٌ في وجهه لم يمنع نفسه من الإقتراب منه يشفي نظراته الناقمة عليه، هذا البغيض تسبب في ألمه كثيرًا، تسبب في وجع “عهد” وبكاء “قمر” وحزن عائلة “العطار” بكل ذويها وألم “أيوب” نفسه.
فتح “سعد” عينيه على مضضٍ حينما طلَّ عليه ظل “يوسف” وما إن رأه ضحك بسخريةٍ وهو يقول:
_هي كانت نقصاك…نقصاك بصراحة، بس على العموم مش مهم كدا كدا مش فارق معايا، برضه عملت اللي أنا عاوزه وحرقت دمكم.
ابتسم “يوسف” بسخريةٍ هو الأخر ثم قال بنبرةٍ ضاحكة يقلل منه:
_هو الحقيقة أنا مش مستغربك خالص، جسمك نحس من كتير الشرب والضرب، يعني بالنسبة ليا أنتَ واحد ميت أصلًا، واللي فيك دي حلاوة روح أصلًا.
نظر له “سعد” بلامبالاةٍ وهو يقول:
_وماله خلينا بقى نشوف أخرة حلاوة الروح دي، مين عارف مين روحه هتتحرك الأول ويفوز بالجايزة للأخر، مش يمكن، واللي أنتَ فيه دا حلاوة الروح بعينها ؟؟.
فهم “يوسف” أن مقصد الحديث هنا “عـهد” لذا حرك كتفيه وهتف بثقةٍ:
_عادي وماله، عند أمك إن شاء الله يا حيلتها، أبقى تعالى على قبري الأول وأرقص يوم ما تعملها.
بعد حديثه تبدلت ملامح “سعد” إلى الغل وهتف فيه بنبرةٍ عالية:
_تنكر إنها مكانتش ليك من الأول وظهرت أنتَ في نص الطريق تاخدها مني؟؟ كدا كدا كانت هتبقى ليا بالرضا أو بالغصب هتبقى ليا، متنكرش دا علشان تبرر عملتك.
هُنا فقط ابتسم “يوسف” بخبثٍ ومال عليه يهمس في أذنه بنبرةٍ هامسة بثت الرعب في نفس الأخر بل قتلته محله:
_متبقاش أرنب كسلان وتعايب على السلحفاة المجتهدة، صحيح جيت في نص الطريق بس كملته للأخر مش زيك، ولو فاكر إنها هتيجي معاك بالغصب، مكانوش قالوا إنه كله بالحنية، وأنتَ اللهم صلَّ على النبي برميل قسوة بيتحرك.
اقترب “أيهم” في هذه اللحظة ومعه “تَـيام” لكي يقوما بفك حصار الأخر الذي ضحك أول ما وقع بصره عليهما وهو يقول بطريقةٍ أعربت عن مرض فكره:
_هتضرب تاني ولا خلاص دا أخرك؟.
أقترب منه “أيهم” يسحبه من على المقعد فقال له بنبرةٍ مكللة بالغل ومفحمة بكل شرٍ تقطره الحروف:
_برضه مفيش حاجة هتيجي زي حرقة قلبك على أخوك وهو بيتاخد قدام الكل ولا كلام الناس عنه أنه إرهابي يعيني، ولا العروسة وهي بتعيط عليه وحارقة قلب أخوها اللي خد مني اللي أنا عاوزها، كل دا مش فارق معايا وكفاية أني لوحدي حرقت قلوبكم كلكم.
صفعه “أيهم” على وجهه بغضبٍ أعماه لكن الأخر ضحك من بين تأوهه حتى اقترب “تَـيام” يمسكه من تلابيبه وكذلك “أيهم” لكي يتم وضعه بعربة الرخام، لكن “يوسف” نظر في وجه “سعد” الذي ابتسم لهم لكي يزيد من غيظهم لكن صوت “يوسف” أوقفه حينما قال بثباتٍ:
_ابقى قول لأبوك يبيع وكستك بالجملة علشان القطاعي مش كفاية، وقوله مبروك يا حج خلفت عيل هفأ بيتحامى في الحيطة يوم ما يضرب حد، بص ياض وشوف الرجالة عملت فيك إيه في أرضهم عيني عينك، يلا وابقى اعزمنا على وكستك علشان تبقى ليلة اللي ما يشتري يتفرج.
تبدلت ملامح “سـعد” للقهر وقبل ينطق تم تحريكه من البيت إلى الخارج بينما “يوسف” نجح في حربه الكلامية هذه، تلك المنطقة تحديدًا هو ملك الملعب فيها، يعلم نقاط الضعف جيدًا ويضغط عليها، وهو يعلم نقاط الضعف لدى “سعد” وأن خسارته أمام عائلته تقهره خاصةً في الأمور الخاصة به، لذا عليه أن يتعامل معه هو مباشرةً قبل أن يتسبب لزوجته في أي أذىٰ يلحقه بها.
__________________________________
<“نحنُ والأصل أحباء، من أنتَ يا غريب؟”>
في الشركة الخاصة بعائلة “الراوي” جلس “عاصم” في مكتبه ومعه “سامي” يعرض عليه الملفات الخاصة بالعمل حتى دلفت لهما “فاتن” فجأةً ترتدي حلة نسائية سوداء اللون أنقصت الكثير من عمرها وأضافت إليها رونقًا جذابًا جعلهما ينظران لها بحيرةٍ فيما جلست هي وقالت بنبرةٍ فاترة:
_مساء الخير.
تحدث “سامي” بسخريةٍ من هيئتها وطريقتها:
_والله ؟؟ دا إيه دا ؟ حضرتك لسه فاكرة تيجي؟.
زفرت هي بقوةٍ ثم هتفت بنبرةٍ جامدة:
_أنا جاية علشان الملف اللي عاوزينه من “نادر” والليلة دي هرجع بيتي مش هسيبوا للغرب يبرطعوا فيه على كيفهم، ومحدش فيكم ليه دعوة بيا مفهوم !!.
انتفض “سامي” من محله يسألها بنبرةٍ عالية:
_نعم ؟! يعني إيه إن شاء الله ؟؟.
انتبهت له وابتسمت بثقةٍ وهي تقول:
_يعني مالكش دعوة، خليك في حالك أحسن، ومن الليلة دي كل حاجة هتتغير، خلاص الهبل بتاع زمان مات، واللي حصلي منكم مكانش شوية، علشان كدا الشوية اللي فاضلين في العمر هعيشهم بمزاجي، مفهوم ؟؟.
وقف “عاصم” يقول بسخريةٍ هو الأخر:
_دا إيه دا ؟ حبوب جراءة ؟ ولا مكالمة من المحروس خليتك تعملي كدا، أكيد قالك إن “شهد” نزلت الشركة وأنتِ علشان بتكرهيها جاية تعملي الفيلم دا، نسيتي إنك ممكن تسكتي بأي فعل مننا، ولا نسيتي؟؟.
ابتسمت بوجعٍ وهي تقول بعينين دامعتين:
_لأ إزاي بقى ؟؟ هنسى إنك معاك ورق يثبت أني مختلة عقليًا ولا هنسى إنك مهددني بابني ولا أنسى إنك مهددني بـ “يوسف” ؟؟ جنان بجنان بقى خليني اتجنن مش يمكن ألعب الدور عليكم صح؟.
نظر كلاهما للأخر بينما هي ألقت لهما الملف ثم تحركت من مكانها نحو الخارج حتى قابلتها “مادلين” زوجة “عاصم” تسألها بحماسٍ:
_كويس إنك هنا، جيتي إمتى ؟.
تنهدت بعمقٍ توقف بكائها وهي تقول بنبرةٍ مبحوحة:
_لسه واصلة، لما أنتِ قولتيلي إن “شهد” هنا بصراحة خوفت، أنا مبحبهاش، بتتلون زي الحرباية، دي ممكن تخرب الدنيا كلها، يا رب “نادر” يرجع بقى.
ربتت “مادلين” على كتفها وهي تطالعها بنظراتٍ مشفقة عليها فصدح صوت هاتفه برقم ابنها حينها ابتهجت ملامحها وجاوبت على المكالمة وهي تقول بنبرةٍ باكية:
_حبيب ماما، عامل إيه يا روحي.
ابتسم “نادر” ما إن استمع لصوتها وبكائها لأجله وقال بحبٍ خالصٍ لها:
_زي الفل يا حبيبتي، طمنيني عليكي أخبارك إيه؟.
جاوبته بلهفةٍ وهي تمسح دموعها بكفها الحُر:
_تمام أوي، هتيجي إمتى إن شاء الله ؟.
جاوبها بحماسٍ شديد وهو ينظر في توقيت الهاتف:
_إن شاء الله اسبوع كدا أو حاجة، مش كتير متقلقيش، المهم “شاهي” عاملة إيه يا ماما، طمنيني عليها.
لم تتمالك نفسها لذا أخبرته بضجرٍ من أفعال تلك الفتاة:
_متدلعة يابني، عيلة مش حمل بيت ومسئولية، خروج وسهر وليس ومكياج وحفلات، يابني دي ولا كأنها متجوزة أصلًا، مش شبهنا والله، ودلوقتي عاوزة تروح بيت أهلها وتقفل بيتها كمان اتفضل بقى.
زفر بقوةٍ ثم قال بنبرةٍ جامدة:
_معلش استحملي لحد ما أرجع، وأنا هتكلم معاها مش عاوزك تزعلي نفسك وخلي بالك من نفسك وعلى فكرة أنا فرحان إنك هترجعي البيت، دي خطوة كويسة أوي، يلا باي دلوقتي وهكلمك بليل، بحبك.
ابتسمت هي بحبٍ وقالت بتنهيدةٍ:
_وأنا كمان ونفسي تصدق دا.
أغلقت معه الهاتف فسألتها “مادلين” بحماسٍ:
_اطمنتي على حبيبك؟ تعالي معايا بقى علشان اعزمك على قهوة بما إننا في البريك، “رهف” هناك على فكرة.
سارت معها “فاتن” إلى هناك حيث مكان الإستراحة الخاص بالموظفين يشبه الحديقة المُصغرة وبها كل المنتجات والمكان نفسه يطل على النيل مباشرةً وقد جلست “رهف” تمسك علبة الطعام الخاصة بها وبجوارها كوب العصير المفضل لديها كانت تنظر للنيل بحبٍ حتى جلست بجوارها “مادلين” تقول بسخريةٍ:
_بحس إنك عيلة خارجة فسحة، مش نائب مدير هنا.
ابتسمت لها “رهف” ثم مدت يدها لها بعلبة الطعام وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_طب خدي دوقي كدا لو لقيتي زي البيتزا دي هنا يبقى بحق، دي عمايل أيد “لوزة” يعني لا يُعلى عليها.
جلست “فاتن” بجوارها ورحبت بها الاخرى بحماسٍ وحبورٍ شديدين ثم عرضت عليها الطعام حتى أخذت الأخرى منها قطعة من طعامها وسارت بينهن أحاديثٌ مرحة كما الترحيب والسؤال عن الصحة والهوية، ووقفت “شهد” تراقبهما من بعيد بغلٍ تكنه في قلبها لـ “رهف” تلك التي يحبها الجميع حتى “نادر” نفسه يراها صديقته المفضلة، لذا زفرت “شهد” بغيظٍ وقالت لنفسها من بين أسنانها:
_مبقاش غير العيلة دي كمان تخليهم كلهم يحبوها كدا.
توعدت لها ثم رحلت من المكان بينما “رهف” كانت تضحك بصوتٍ عالٍ معهما حتى احضنتها “مادلين” وهي تلتقط معها الصور بطريقةٍ مرحة وكأنهما داخل إحدى الحدائق العامة وليست شركة عمل، تلك النقية صاحبة الأصل المميز تجبر القلوب على محبتها رغمًا عن أنفها.
_________________________________
<“الخيلُ والليلُ والبَيداء تعرفني”>
بعد مرور يومين تقريبًا أتى يوم العزومة التي جهزها “نَـعيم” لذا العمل كان على قدمٍ وساقٍ في بيته من قِبل الشباب، تجهز “نَـعيم” وخرج يقف في الخارج يتابع بعينيه الحركة من قبل الشباب، وقد ابتسم برضا فور رؤيته لـ “مُـحي” يقوم بالتجهيز مع الشباب، بينما “إيهاب” وقف يتابع الرجال وهم يقومون بنصب الجلسة العربية من خلال وضع الحصائر العربية القديمة وكذلك الحوامل الخشبية للطعام ونصب الخيم فوق الجلسة.
اقتربت منه “سمارة” بحماسٍ وهي تمسك في يدها رغيفًا من الخبز بداخله قطعة لحم حتى عقد حاجبيه ونظر لها فوجدها تقول بلهفةٍ وكأنها قامت بسرقته من المكان:
_امسك كُل كدا واتقاوت علشان تقدر تكمل اليوم يلا، أنتَ مفطرتش كويس ومش عاوز تاكل من الصبح.
ابتسم “إيهاب” لها بعينيه وشرد في ملامحها السمراء التي وقع عليها شعاع الشمس بينما هي ضحكت ضحكة واسعة وهي تمد يدها له بالطعام فأخذه منها ثم قام بشقه لشطرين ومد يده لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_كُلي أنتِ كمان، أنتِ واقفة من الصبح.
ابتسمت بسعادةٍ وهي تقول بفرحةٍ كبرى:
_ياخد عدوينك يا رب، من يد ما نعدمها.
وقفت بجواره تتناول الطعام وكذلك هو ثم قالت بلهفةٍ:
_عن اذنك يا سي “إيهاب” هروح أكمل يا أخويا أحسن الست “تحية” رجلها ورمت يا حبة عيني، تؤمرني بحاجة؟
حرك رأسه نفيًا وهو يبتسم لها لتتحرك هي ويأتي “مُـحي” يقول بنبرةٍ ساخرة:
_طب وأنا ؟؟ مين هيأكلني؟.
أتى “إسماعيل” من خلفه يقول بسخريةٍ تماثل سخريته:
_لو كان هنا كان رزعك واحدة اسأل أمك جابت أجلك.
التفت له فوجد “جودي” ابنة شقيقة “سراج” في يده فابتسم لها بينما “إيهاب” سأل بتعجبٍ:
_هو خالها سبهالك كدا ؟؟ غريبة يعني.
جاوبه “إسماعيل” مفسرًا:
_لأ هو عنده مشوار مهم وأنا كنت بظبط حاجات وجيبتها معايا تلعب بدل ماهي متكدرة هناك معاه، وهي بصراحة أصيلة زي خالها قبل ما أكمل الجملة مسكت أيدي أصلًا.
نظر لها “مُـحي” باهتمامٍ ثم سأل بيأسٍ:
_مفيش منها أكبر شوية؟؟.
ضحك “إسماعيل” رغمًا عنه وتحرك بها بينما “إيهاب” قبض على عنقه وهو يقول من بين أسنانه:
_هي ازازة بيبسي بروح أمك، لم نفسك.
في حارة العطار نزل “أيوب” وفي يده “إياد”، وقد ارتدى القميص الذي جلبته له “قـمر” ونسق معه بنطالًا من خامة الجينز باللون البيج، حيث كان القميص باللون الأسود وبدا في هيئة جديدة على غير الرسمية المعتادة منه، ثم تحرك بسيارته إلى البناية الخاصة بهم فوجدهم في انتظاره بالأسفل وما إن رأته “قـمر” ابتسمت بسعادةٍ والتفتت للفتانين تقول بلهفةٍ:
_القميص شكله عجبه، دا لبسه، حلو أوي عليه.
ابتسمت لها “عـهد” بينما “ضُحى” ضربت رأسها بيأسٍ:
_يا رب لأ دي فيها أسبوع رغي وأنا مش هستحمل.
اقترب “أيوب” منهم وألقى عليهم التحية بينما “يوسف” قال بعجالةٍ:
_طب بسرعة علشان هما هناك مستنيين من بدري، “عُـدي” هيركب مع “أيوب” و معاكم “قـمر” أنا كدا موجب معاك أهو و معايا “عـهد” و “ضُحى” و “وعد” تمام كدا؟.
حركوا رأسهم بموافقةٍ فتحركت “قمر” نحو “أيوب” تقف بجواره ليصلها صوت شقيقها يقول بسخريةٍ:
_أوام كدا ؟؟ أخس على قلة الأصل.
تحدث “إياد” بضجرٍ منه:
_هو أنتَ عاوزنا نسيبهالك؟؟ أومال هتعمل إيه لما هي تيجي تعيش عندنا ؟؟ مش هخليك تشوفها تاني.
رفع “يوسف” حاجبه له فتذكر “إياد” وعده له أن يعلمه ركوب الخيل لذا تراجع مسرعًا بقوله:
_لأ خلاص ابقى تعالى البيت بيتك، تحب نطرد “أيوب” ؟.
ضحكوا عليه وأولهم “يوسف” ثم تحركوا بالسيارات خلف بعضهم يسبقهم “يوسف” لكي يسيروا على خُطاهِ، كانت الأجواء متوترة بعض الشيء من قبل “عـهد” التي جلست في الخلف بجوار “ضُـحى” ومعهما “وعد” الصغيرة وبقى المقعد المجاور له فارغًا حتى أتت “وعد” وجلست عليه وهي تلتقط الصور لنفسها بحماسٍ، بينما “يوسف” كان يراقبها في المرآة خاصةً إنها وافقت بصعوبةٍ بالغة على هذه العزيمة.
في السيارة الأخرى كان “أيوب” يتحدث مع “عُـدي” في شتى الأمور والمواضيع المهمة والغير مهمة بينما “إياد” استغل هذا والتقط له الصور برفقة “قمر” التي كانت تبتسم بسعادةٍ خاصةً كلما وقع بصرها على نظراته لها في المرآة وهي تجلس بالخلف.
بعد مررو بعض الوقت توقفت السيارات في باحة البيت الواسعة وبمجرد نزولهم وجدوا “نَـعيم” والشباب في انتظارهم لذا ابتسموا جميعًا وقد اقترب “يوسف” وتولى مهمة التعريف بينهم، حتى أشار له على “أيوب” الذي ابتسم ببشاشةٍ كطبعه الهاديء، لكن الأخر ابتسم بأريحية شعر بالسكينة فور رؤيته لـ “أيوب” تأكد من كلام الشباب ورأى به صفات الخيل الحُر، لذا قال بنبرةٍ هادئة:
_نورت المكان يابني، ربنا يعلم من ساعة ما جابوا سيرتك وهي بتيجي بكل خير، علشان كدا حمسوني أني أشوفك ويابختي أني شوفتك.
رد عليه “أيوب” بسرعةٍ كبرى وتواضعٍ:
_الشرف ليا أنا يا حج، سماهم على وجوههم وربنا يعلم وش حضرتك بينطق بكل خير وأتمنى أكون عند حسن ظنك.
ابتسم الأخر له بحبٍ كبير ثم استكمل ترحيبه بالبقية حتى وقف أمام “عـهد” التي طالعته بتوترٍ بسبب نظراته التي اتسمت بالقوة حتى نطق بنبرةٍ هادئة وهو يقول مُرحبًا بها:
_نورتي البيت يا بنتي، بيت جوزك دا.
ابتسمت له ونظرت لـ “يوسف” الذي لم تفهم سبب جمود ملامحه لكنها قالت بأسلوبٍ هاديءٍ ولازالت محافظة على ابتسامتها:
_البيت منور بأصحابه وأهله يا حج، دا شرف ليا أني أكون وسطكم هنا.
ابتسم لها “نَـعيم” بإعجابٍ بسبب جوابها ثم أنتبه للبقية ورحب بهم وقال بعدها وهو يشير إلى الخيم المصنوعة لأجلهم:
_الأول نقعد هناك كدا بعدها نتفرج على المكان بس ناكل سوى الأول، يلا اتفضلوا أنتم نورتوا المكان.
تحركوا مع “إيهاب” الذي تولى مهمة إرشادهم وكذلك بقية الشباب ومعهم “عُـدي” الذي اندمج معهم سريعًا بسبب سابق معرفته لهم في عقد القران، بينما “يوسف” سار بجوار “نَـعيم” الذي صمت عن الحديث لكن الأخر سأله باهتمامٍ:
_إيه رأيك؟ متفضلش ساكت علشان رأيك يهمني.
ابتسم له “نَـعيم” بسخريةٍ وقال بتهكمٍ:
_قال يعني لو قولت حاجة هتسمع كلامي، بس على العموم هقولك علشان أريحك، الراجل دا جدع وابن أصول وبصراحة أنا ليا الشرف إن واحد زيه دخل بيتي أصلًا.
كان يماطله في الحديث بخبثٍ جعل “يوسف” يتوقف عن السير ثم سأله بنبرةٍ جامدة:
_بس أنا مش قصدي على “أيوب” أنا قصدي هي.
التفت له “نَـعيم” يبتسم بخبثٍ وما إن رأى نظرات القلق على ملامحه حول نظراته إلى الاطمئنان وهو يقول:
_هي أصيلة، عينها قالت إنها “مُهرة” حرة وأصيلة، لو سيبت ليها الرسن وسيبتها في قلب الميدان مش هتهجر خَيالها، ولا حتى تقسى لو الظروف قسيت، حتى لو الخَيال نفسه طلب منها دا، اتطمن يا عم الخيال.
لم يدرْ “يوسف” لماذا اطمئن بما وصله ولم يعلم سبب تمسكه برأي “نَـعيم” لكن كل ما يعلمه أن الجواب الذي حصل عليه أراح قلبه كثيرًا وقر عينه أيضًا لكنه لم يُظهر هذا بل سار معه بصمتٍ حتى وصل إلى الخيم يجلس بها بجوار زوجته التي ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_المكان هنا حلو أوي ومُريح.
حرك رأسه موافقًا ثم قال بثباتٍ:
_المكان هنا أكبر دليل على جملة “الخيل والليل والبَيداء تعرفني” لسه بس لما ناخد الجولة هنا هتتأكدي بنفسك وخصوصًا “ليل” بقى.
في مكانٍ أخر بمنطقة “الزمالك” وقفت “مادلين” تتنصص على حديث “سامي” و “عاصم” حينما وصلها ذِكر اسم “يوسف” لذا قررت أن تستمع لحديثهم حتى انفعل “سامي” وهو يقول بغضبٍ لم يسيطر عليه:
_أنا مش هتحمل وجود “يوسف” في الشركة والبيت، صدقني إحنا كدا زي الطُعم في أيده، اسمع مني، هي قضية يلبسها هو ومحدش هيقدر يتكلم، سيبني أظبط كل حاجة وأنا هخرجه من الشركة في غمضة عين.
شهقت “مادلين” بتلقائيةٍ ثم تحركت لداخل شرفة الحديقة تطلب رقم “يوسف” وما إن رد عليها قالت بلهفةٍ:
_أيوة يا “يوسف” ؟؟.
كانت “شهد” تتابع تحركاتها وحينما وجدتها تطلب رقمه دلفت تقف أمامها وهي تبتسم بخبثٍ جعل الأخرى تصمت عن التكملة بينما “يوسف” رفع صوته في الهاتف يسأل بحيرةٍ:
_إيه يا “مادلين” ؟؟ ألو…ألو يا “مادلين”.
دلف في هذه اللحظة “سامي” يسأل بتعجبٍ عن سبب وقوفهما فتبدلت ملامح “شهد” وهي تقول بخوفٍ:
_ألحق يا أنكل، شوفت طنط “مادلين” عملت إيه ؟؟.
سقط قلب “مادلين” من محله وبدا عليها الخوف والاضطراب في هذه اللحظة خاصةً أن الأخرى تطالعها بتشفٍ، وحينها تأكدت أن نهايتها أقتربت لا شك في هذا، وعليها أن تتحمل عواقب هذا القرار.
______________
_الفصل دا فيه إهداء إلى الأخت العزيزة والقارئة المفضلة والصديقة الوفية الجميلة “إسراء بدر” كل عام وأنتِ بخير يا جميلة الفؤاد، دمتي معنا ودمتي بخيرٍ يسكن قلبك الهاديء وروحك العزيزة علينا جميعًا.
_‏هذه الأرض لا تتسع لهويتين؛ إما نحن أو نحن، لا تنسوا إخوانكم في فلسطين، وتذكروا أن الدعاء هو سلاحنا في الوقوف بجوار اخواننا، اللهم عليك بالظالمين وعليك بكل متخاذلٍ خسيس.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى