روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء السادس والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت السادس والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السادسة والعشرون

الفصل السادس والعشرون
” رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
(26)
ما يُرهقني بالأمر أننا لم نقُل وداعًا ولن نتفق على موعدٍ للقاء آخر ، حمل كلٌ منا ما بقلبه ورحل تاركين للقدر مهمة جمعنا ولو لصدفة على رصيف الأيام ..
وها نحن الآن بعد ما بلغ الغياب منـا مبلغهُ ، وطوت الأعوام قلوبنا ، تركت قلمي ليس لـ جفاف حبر الأمل به ، ولكن أي كلام يمكن أن يُكتب أو يبقى بعد جفاف العينين من الحزن !
نهال مصطفى .
••••••
لم تكمل جُملتها ففوجئت بلطمة قوية نزلت على وجنتها شلت لسانها من أخيها وهو ينهرها لتصمت :
-قلت لك اخرسي .. للأسف هتفضلي طول عمرك سودة من جواكي مش شايفة غير سواد ، وبتحاولي تبوظي حياتي كل ما اصلحها .. كل ما أحاول اصفى لك تيجي تعكيها أكتر ، أنا بقيت بقرف منك ومن ألاعيبك .
-مُراد ..
نطقت اسمه بنبرة مرتعشة وعيون نازفة بدماء الحزن وما أن دار نحوها قائلًا :
-عالية ، هفهمك !
-مش عايزة أفهم حاجة ، طلقني .
امتلأت أعين ” هدير ” بالشماتة والانتصار على عكس “جيهان” التي تراقب مخططها المُشيد ينهار فوق رأسها ، ابتعدت عن ابنتها واقتربت من عالية محاولة إصلاح ما أفسدته هدير وقالت بذعر مُغلف بالحنية الكاذبة :
-عالية يا حبيبتي وحدي الله ، دي هدير بس بتحاول توقع ما بينكم ، ما أنتِ عارفة جنانها وأنها ساعات بتقول أي كلام عشان تضايق اللي قدامها وخلاص .
أوشكت رأسها على الانفجار ، فلم تعد تتحمل المزيد من الكذب والخداع والمسرحيات المزيفة ، طالعتها باشمئزاز ثم قالت :
-أنتوا ازاي كده ! ازاي كُل حياتكم بتكذبوا وبتصدقوا كذبكم ! ازاي بتناموا بالليل وأنتو جواكم السواد والغِـل ده كُله .
تحاشت الوقوف أمام خالتها واقتربت خطوة من هدير بعد ما ارتدت عالية ثوب آل دويدار الذي يفتك بكُل من يقترب لمجـده وقالت بتحدٍ :
-أنتِ فاكرة إني طلبت الطلاق عشان الكلمتين الفارغين بتوعك دول .. حقيقـة أخوكي كانت مكشوفة قدامي من أول يوم وقالها صريحة في وشي .
ألتفتت إليه بنظرة مُؤكدة
-فاكر !
ثم عادت إليهـا وأكملت :
-بس الفرق إني لمست جواه حتة نضيفة وقررت اشتغل عليها ، قُلت يمكن ربنا ساقني لعنده لسبب ما ، قررت أرد له جميل أنه أنقذ حياتي في يوم ، وأكون له طاقة نور تطلع الشخص النضيف اللي جواه ..
ذرفت دمعة الفشـل من طرف مُقلتيها وتحولت نبرتها لنحيب مكتومٍ وأردفت بـ ندم :
-بس واضح إني كُنت غلطانـة .
ودارت لتوجه جُملتها المغلفة بالعتـاب والاتهام لخالتها و قالت :
-أن للأسف الشديد الحداية مبتحدفش كتاكيت !
صاحت هدير بوجهها :
-أنتِ مالك طايحة في الكُل كده ! ده جزاة أخويـا أنه ستر عليكِ بعد مُصيبتك دي ! أنتِ فاكرة كان في حد هيبص في وشك لو معملش كده .. دور ستنا الشيخة دي مش علينـا يا عالية أنا اكتر حد عارفك وعارف مسكنتك !
انفجر مُراد بوجه أخته بعد ما انقض على معصمها وهو يُرجها أمامه موبخًا :
-أنتِ أيه فاكرة كُل الناس زيك ! بس الغلط مني رجعتك بيتي تاني بعد ما طردتك منه زمان ، افتكرتك كبرتي وعقلتي ..
عاليـه بكللٍ :
-متتعبش نفسـك معاها ، أنا هدخل أغير هدومي عشان نروح للمأذون ..
بمجـرد ما رمت كلماتها انصرفت نحو غُرفتها لتنفيذ ما طلبته ، اندفعت جيهان نحو ابنها متوسلة :
-أوعى تسمع كلامها يا مُراد ، أحنا مش هنطلع من المولد بلا حُمص كده .
رمقها بأسهم الخسة ثم قال جُملته قبل أن يتبع خُطى عالية :
-ما بس بقا ! أنتوا مصنوعين من أيه !! كفاية لحد كده أنتِ وبنتك كفاية..
رحل مُراد خلفها وما أن دخل غرفته باغتت جيهان ابنتها بقرصة مؤلمة في ذراعها :
-عاجبك كده ! هديتي اللي بخطط له من سنين .
-أصـلًا عالية دي بنت صفره أوي ، لا هتاخدوا منها أبيض ولا أسود ، متحلميش أنتِ وابنك ..
” في الغُرفة ”
-عاليـة ممكن نتكلم طيب .
كانت جُملة مُراد الأخيرة مليئة بالأسى والحزن ، لا يعرف ما الذي سيقوله ولكن أراد أن يخلق بينهم أي لغـة حوار ، رمت ” عالية ” ملابسها التي أخرجتها من الخزانة وبدون ما تُطالع وجهه أردفت بحدة :
-مفيش منه فايدة الكلام يا مراد ، خلصت لحد كده .
-ما خلصتش يا عالية ، ولو سمحتِ اقفي وكلميني زي ما بكلمك .
لبت طلبه بسخرية وقالت :
-أيه هتخترع كذبة جديدة ! متحاولش يا مُراد خطتك فشلت والسبب اللي اتجوزتني عشانه بح ، شوف لك طريقة تانية تنتقم بيها من عاصي دويدار غيري .
-دي مش طريقة للكلام ..
عالية بأسف مليئ بالسخرية :
-والله هي دي طريقتي ، وأسفة عشان طريقتي مش ملونة بالكذب والخداع بتاعكم ..
أحست بنغزة مجهولة بقلبها ولكن عنادها كان أقوى من الانتباه إليها وأكملت :
-أظن بعد اللي اتقال أنا مش هقبل أعيش على ذمتك ساعة زيادة ، لأن جوازنا في الأساس باطل .. كفاية لحد كده ..
صعق بوجهها معارضًا وهو يمسك معصمها بقوة :
-جواز أيه اللي باطل أنتِ بتقولي أيه ؟
أزاحت يده عنها بعيدًا وقالت :
-أيوة باطل لأنه في حكم جواز المُتعة ، يعني وجودي معاك أصلًا حرام شرعًا ..
ثم رمقته بحزن على حاله :
– يا خسارة يا مراد كان عندي أمل انشلك من العالم اللي أنت عايش فيه ، بس طلعت بضحك على نفسي .
تجاهل كل ما قالته ووقف عند عقدة الفزع التي ربطها رحيلها المفاجئ عنه ، أكتفى بهز رأسه مُتقبلًا اتهامها بهدوء وما أن غربت وجهها عنه لتُخرج بقية ملابسها من الخزانة تسلل ببطء حتى صُدمت بقفل باب الغرفة عليها بالمفتاح ، ركضت نحو الباب المُغلق وصرخت :
-كده بتقل حسابك يا مراد ، فاكر لما تحبسني هو ده الحل !
ثم ضربت على الباب صارخة بقوة :
-افتح الباب ده ، أنا مش طايقة اتنفس حتى في بيتك .
وضع المفتاح في جيب بنطاله ثم قال صراحة :
-وأنا معنديش استعداد اخسرك بعد ما لقيتك يا عالية .. سامحيني بس هو ده الحل لحد ما تهدي ونتكلم .
•••••••••
-اليوم هيخلص وأنتِ بتبسبسي يا شمس ! قولي مالك !لـيه التوتر ده كُله !
بعد ما طالع ساعته أردف ” تميـم ” جُملته الأخيرة لشمس التي كانت تُماطل في سرد ما تُخفيه عنه ، أحست بالارتباك الشديد ثم قالت :
-خلاص وقت تاني ، شكلك مستعجل مش حابة أعطلك .
جذبها من كفها المُرتعش وقال بحزمٍ :
-قولي يا شمس ، بلاش تهربي زي كُل مرة .
هنـا صوت طرق الباب أنقذ شمس من الورطة التي وضعت بها نفسها ، سحبت يدها بسرعة وقالت بصوتٍ مرتعش :
-اتفضل ..
دخلت أحدى الخادمات بعجلٍ يبدو عليها الذعر :
-تمـيم بيه ، في بوليس تحت وبيسأل على الدكتور شمس وأختها !
تجمدت نظرات الثنائي لبعضهم ، حتى نفض غبار الشرود عن رأسه مُتسائلًا :
-في أيه ، تعرفي حاجة يا شمس ..
شمس بدهشة :
-معرفش ، هنزل اشوف فيه أيه ..
-استنى هنا ، أنا جاي معاكِ .
هبط الجميع إلى أسفل بين انتشار حركة المخبرين والأمناء في جميع أرجاء القصر وكل منهم يبحث عما جاء لأجله ، خرجت نوران من الغرفة بقلق وهي تشاهد المنظر المُرعب بالأسفل ، اقترب تميم من الضابط قائلًا :
-أنا المهندس تميم دويدار ، جوز الدكتورة شمس ، ممكن أفهم في أيه !
أخرج الضابط إذن النيابة من جيبه وقال :
-ده أذن النيابة بتفتيش البيت ، لان في بلاغ مقدم من عبلة المحلاوي تتهم فيه الدكتورة واختها بسرقة مجوهراتها ومجوهرات عالية دويدار .
وضعت نوران كفها على شدقها وتوقفت في منتصف الدرج إثر ما وقع على آذانها ، أما عن شمس تمسكت فجأة بيد تميم ورمقته بعيونها النافية لكل هذا قائلة :
-تميم ده افترى ، الكلام ده كل محصلش ..
تدخل الضابط مُتسائلًا :
-أوضتكم فين وأوضة أخت المدام ؟
أشار تميم عما سأله ، فأمر الضابط احد العساكر بتنفيش الغُرفة ، وهنا أتت عبلة من الخارج وقالت باتهام واضح :
-أهي ، هي دي يا حضرة الظابط اللي سرقت دهبي ودهب بنتي .
أومئ الضابط مُتفهمًا :
-هنشوف دلوقتِ يا هانم .
أصعب دقائق مرت على الجميع في انتظار بينة الاتهام الشنيع الذي وجهته عبلة لشمس وأختها كي تتخلص من وجودهم بمنزلها ، أتى العسكري برفقة أصدقائه حاملًا بيده صندوقًا خشبيًا:
-لقينا ده في أوضة تميم بيه يافندم .
لما رأته عبلة صاحت بلهفةٍ :
-هو الصندوق ده ياحضرة الظابط ..
ثم رمقت شمس بنظرات الشماتة :
-شفت اللي جايبهالنا من الحواري عملت أيه !
أكد الضابط سؤاله الموجه لعبلة :
-متأكدة ! يعني ده دهبك يا مدام عبلة !
-هو ، هو يا سيادة النقيب .
هز الضابط رأسه قائلًا :
-تمام أحنا هنرفع البصمات من عليه ..
ثم وجه جُملته الأخيرة لتميـم :
-والدكتورة واختها هيشرفونا في القسم .
حل الذعر على ملامح شمس وأختها وهن ينفيان التُهمة عنهم ، طالعت شمس تميم بتوسلٍ :
-تميم أنا والله ما أخدت حاجة ، أنت طبعًا مش مصدق الكلام ده .
أمسك العساكر بكلٍ من شمس ونوران نحو عربة الشرطة ، أما عن تميم جُن علقه كي يحل تلك الورطة التي يثق من تلفيقها ، صعد على الممر المُبسط الذي صنعه عاصي خصيصًا لأجله بجوار السُلم كي يتحرك بين الطوابق بحرية ، دخل الغُرفة وهاتف مُحاميه الخاص قائلًا :
-اسبقني على هناك يا متر وشوف حل لحد ما اجيلك ، مراتي مش هتقعد ساعة واحدة في القسم .
قفل الهاتف عندما أدرف كلماته وأخذ يقلب الأفكار في رأسه حتى عزم أمره وفارق غُرفته متجهًا إلى غُرفة ” عبلة ” التي اقتحمها بدون استئذان ، كانت في تلك اللحظة تتحدث مع مُحاميها كي يرجع لها المشغولات الذهبية وما أن رأت تميم شهقت بذُعرٍ :
-طيب سلام أنت دلوقتِ يا متر .
قفل تميم الباب خلفه بشدة رجته كما رجت قلبها وكانت الصدمة الكُبرى إليها عندما رأته واقفًا على قدميه تُطالعه بأعين مُتسعة تشع بلهب الدهشة والذهول ، شهقت بذعر وهي تتراجع للخلف :
-أنتَ ، أنتَ بتمشي !
اقترب تميم منها وهو يشع بجمرات الغضب :
-عملتي ليه كده ! انطقي .
غلفت صدمتها بنبرة الحنية المزيفة التي تلونت بها فجأة كالحرباء ودنت منه بلهفةٍ :
-أنا فرحانة بيك أوي يا تميم ، أنا أنا كُنت حاسة إنـ إنك بخير ، أنتَ خبيت عني ليه وو
شرعت أن تُعانقه الحية بمكرها ولكنه باغتها بقبضة قوية على عنقها مُهددًا بنرة تحرقها من شدة الغضب ، تحول أمامها من الشخص المُسلم إلى آخر شرس يود حرق العالم بنظرة من عيناه الثائرة :
-مكر التعابين ده مش عليـا يا بنت المحلاوي ، أنا سكتت لك كتير ولحد هنا وكفاية ..
ثم أطلق نتهيدات غضبه ممزوجة بأنين روحها التي أوشكت على مغادرة جسدها وأحمرار وجهها بحمرة التوسل :
-همـٰوت يا تميم في أيدك .. سيبني .
بغلٍ دفعها للوراء حتى ارتمت على الأريكة تتخذ أنفاسها بصعوبة وتسعل بشدة ، لم يكُف تميم عن ذلك ولن يمنحها الفرصة الكافية للاستراحة ، أزاحها للوراء حتى أرتطم ظهرها بمسند الأريكة ورفع ساقه اليمنى فوق المنضدة وأخرج هاتفه وفاتح الشاشة على صورة ما ، ولى الهاتف إليها قائلًا بصوت عاصف :
-شوفي كده ، فاكرة الورقة دي ! بصي وملي عينك منها كويس أوي ! مش أنا ولد الخدامة ، أهو ولد الخدامة ده هينيمك على البروش ، هي ساعة واحدة لو مراتي ما رجعتش هحرق قصر دويدار ده كُله باللي فيه !
بعيون مُتسعة حد الانخلاع وشفاه مزمومة تقطعت الكلمات بفمها :
-أنت جبت الورقة دي منين ، أنتَ …
قفل هاتفه ووضعه بجيبه قائلًا :
-ومش بس الورقة دي ، فيها غيرها كتير أوي ، بس كل ده ولا حاجة مقابل انك تسمعي كلامي وتقولي أمين ، وكلمة كده ولو محاولة قتل زي اللي حصلت وراحت فيها أمي أنا هنسفك من على وش الأرض .
وقفت مرتعدة وهي تترجاه :
-تميـم ، افهم بس دا أنا بحبك ، كل ده مش لمصلحتنا ، أعقل يا حبيبي ودي بنت حرامية خليها تروح في داهية وانا من بكرة هجوزك ست ستها بس بلاش بلاش الورق ده حد يشوفه ، عشان خاطر أخواتك يا تميم ، أنا متأكدة أنك بتحبهم ومش هتأذيهم ، تميم ..
مسك معصمها بقوة وقال كلمته النافية :
-كلمة واحدة تروحي تخرجي شمس واختها حالًا زي ما دخلتيهم ، ماشي يا مراة أبويا … اااه ومش محتاج افكرك ، أني واقف على رجليا ده لو حد عرفه يبقي أنتِ اللي اخترت الوش التاني لتميـم دويدار .
مجرد ما انهي تهديداته القاسية التي تلعن باقتراب الحرب تحرك نحو مقعده المتحرك وجلس عليها وهو يرمقها بنظراته القاسية وتمتم بتوعدٍ:
-مش عايز الشيطان يوزك كده ولا كده ، طول ما أنتِ حاطة لسانك ده جوه بؤك أنا ساكت وببعد عن الشر وأغني له كمان .
” في الطابق الأسفل ”
صوت رن جرس الباب جعل ” سيدة ” تركض مسرعة لفتحه ، وما أن فتحته فوجئت ” بهدير ” بجوار حقيبة ملابسها وهي تقول بضيق :
-ساعة عشان تفتحي !
•••••••
بعيدًا عن أجواء القاهرة المشحونة بالشـر ، إلى حورية البحر الأحمر ” الغردقة ”
صوت طرق شديد على الشقة التي يلهو فيها ” فريد ” بعد ما قضى ليلة مشحونة بالغضب والسُكر برفقة ” سارة ” ، فقضي الثنائي ليلة محاطة بالشر والانتقام من أنفسهم قبل أي شخص أخر ، تحرك نحو الباب بصدره العارٍ وأقدامه الحافية وكانت صدمته عند فتحه للباب مردفًا :
-قاسـم !
-أنا عارف إنك مش بتحبني ، بس أنا جاي لك هنا عشان نركن كل العداوة دي على جنب لحد ما نوصل للي عايزينه ! أحنا الاتنين دلوقتِ هدفنا واحد ..
ما نهى قاسم جُملته حتى أختتمتها سارة التي ترتدي ملابس كاشفة وبيدها زجاجة الخمر مُنادية على فريد ، تبادلت نظرات الثنائي كلا من قاسم وسارة حتى عاد الأول مُتسائلًا :
-هتسيبني نحكي على الباب .
فتح الباب على مصرعيه بعد ما أشار بعينيه لسارة أن تعود لغرفتها وما أن دلف قاسم وقفل فريد الباب ورائه فقال :
-أيه اللي فكرك بينا ! ما صدقنا خلصنا منك !
-ينفع نقفل الماضي ونركز في اللي جاي !
فريد بجزع :
-أيوة اللي جاي ! ولو كان اللي جاي عشانه رسيل فهي خلاص بح طارت ..
جلس قاسم بجواره قائلًا :
-بس أنتَ مخسرتش ، أنا طلعت كسبان كل أملاك قنديل المصري ، يعني وصلت لغايتك حتى ولو خسرت الوسيلة .
-أنت عايز مني أيه يا قاسم .
-هو سؤال واحد بس ، عشان أعرف إذا كنا ينفع نتفق أول لا ..
اشعل فريد سيجارته قائلًا :
-اللي هو !
-كُنت عايز رسيل ولا الفلوس !
أخذ نفسًا طويلًا من سيجارته وقال بطمع :
-الاتنين .. رسيل والفلوس .
-يبقى مش هنتفق ..
فريد بدهاءٍ :
-طيب ما تسمعني اللي عندك ، يمكن نتفق .
-هسمعك ، دلوقتِ رسيل متجوزة رجل مش سهل ، نفوذ وسلطة وباشارة منه بيتفذ اللي عايزو ، وانا وأنت عايزين رسيل ، بس الفرق بينا أن رسيل كان غايتك لفلوس كتير ، أنا دلوقتِ جاي أديك الصنارة اللي هتصطاد بيها فلوس ملهاش عدد .
راق الحديث لفريد الذي رفع حاجبه مُتسائلًا :
-في المقابل !
-رسيـل ، رسيل تبقى ليا .
••••••
‏هناك دومًا صدمة صغيرة ستشعرك بألم كبيرٍ ، لا شيء بإمكانه أن يعيد ارتياحك لشخصٍ أو مكانٍ ما حتى لو اعتذر لك العالم بأسره .
نهضت عالية من فوق سجاده الصلاه بعد ما اصبحت سجينة الغُرفة والوحدة ولم يبقى لها إلا المصحف الذي أهداه إليها ، والمسبحة خير ونيسًا لوحدتها ، تناولت المصحف بأيدي مرتعشة وهي تفتحه لتقرأ سورة ” مريم ” التي تُريح قلبها كثيرًا ، حتى ربتت تلك الآية على فؤادها المُتأكل من شدة الحزن :
-فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ ربك تَحۡتَكِ سَرِيّٗا
توقفت هنا عند صوت فتح باب غُرفتها بعد مُضي أصعب ثلاث ساعات مروا عليها ، تشتت تركيزها عن قراءة القُرآن ولكنها أصرت ألا تمنحه أي اهتمام ، دخل مُراد وقفل باب الغرفة بإحكام ثم نزع سترته وأخذ يتجول بالغرفة بصمتٍ قاتـٰل حتى جلس بجوارها قائلًا بحزنٍ :
-على فكرة هدير كل كلمة قالتها كانت صح ..
قفلت المصحف بهدوء ووضعته فاصل بينهم ورمقته بنظرة سريعة ثم قالت بعدم اهتمام :
-أنا مش عايزة أعرف أي حاجة ، لأنك متهمنيش يا مُراد .
تفقد ملامحها التي تتوارى عنه كإنها تريد إخفاء أمر ما عليه ، هز رأسه بأسى :
-طيب بصي لي وقولي الكلام ده في وشي .
-الكلام مفيش منه فايدة ، لو سمحت أنا مش عايزة أكمل في اللعبة السخيفة دي ، أنا مش حمل وزر زي ده من ربنا .. ولا راضية على حياتنا بالشكل ده .
تجاهل حديثها الحارق وأكمل :
-من وقت ما أبويا وأمي انفصلوا ، وجات تعيش عندكم في القصر ، أنا حسيت نفسي عالة ، قررت اسيب البيت وارجع أعيش مع أبويا وانا عندي ١٧ سنة ، لحد ما دخل المشروع الأخير هو وباباكي وخسر كل فلوسه ، متحملش الصدمة ومات ، بقيت في الشقة لوحدي ، كان باقي على امتحانات ثانوية عامة شهرين .. رفضت آخد جنيه واحد من عيلة دويدار ، وقلت هبني نفسي بنفسي .
ألتفتت إليه بحنو يمزق قلبها حتى أكمل حديثه :
-كنت طول اليوم بشتغل عشان أجيب مصروف يومي وطول الليل أذاكر واحفر في الصخر عشان أدخل كلية الهندسة اللي بحلم بيها .. في الوقت اللي أخواتي كانوا عايشين فيه أحلى أيام حياتهم ، أنا كنت أنام على البلاط في شقة ” السيدة ” لحد ما ربنا كرمني ودخلت الكلية اللي بحلم بيها .
أخذ يعبث في ساعة يده المعدنية ويراجع نفسه لماذا يحكي لها كل هذا ، ولكنه عندما رأي الاهتمام ساطع بعيونها أطلق تنهيدة طويلة :
-بدأت شغلي من الصفر ، أنزل مواقع واشيل على كتافي زلط وطوب ، لحد ما بقيت معيد في كلية هندسة وصاحب أكبر شركات المقاولات والعقارات في مصر ، كل طوبة أنا أملكها يا عالية كانت بدراعي ، وبتعبي ويشهد ربنا مدخلتش قرش حرام بطني .. ااه كنت اشرب ، اسهر زي الشباب عادي وقتها ربيت نفسي بنفسي ، أخر مرة صليت فيها كانت قبل امتحان فيزيا ، وبعد كده ملقتش حوليا غير عالم كله بينهش وياكل في بعضه ، مؤامرات وخطط وأذى ، قلت بس هي دي الحياة وكملت .
حكت كفيها بارتباك :
-أيوه وأنا مالي بالكلام ده ، بتحكي لي كده ليه .
أغمض جفونه بعجز:
-عشان لما لقيتك لقيت نفسي يا عالية .. مش هنكر إني كنت طمعان في كل اللي معاكي ، بس كل ده تحت رجليـا مقابل ضفرك ، أنا عمري ما كنت اتخيل أن ربنا يكرمني بواحدة زيك كده ، وعايزاني وقت ما ألقاكي اسيبك تمشي !
كل أنش بها خضع لكلماته ولكن عنادها كان أقوى من أن يرضخ لقلبها النابض :
-ولو قُلت لك إني مش حابة أكمل يا مراد ! أنا وانت كنا ضحية لعبة سخيفة وجيه الوقت اللي كل حاجة ترجع لأصلها .
-ليـه ، يمكن القدر قرر يديني فرصة جديدة على أيدك .
-أنت راجل ناضح وواعي يا مراد ، مش محتاج حد يدلك على طريق ربنا ،وكمان محتاج تتجوز وتكون أسرة ويكون ليك حياتك ، بس للاسف مش أنا الشخص ده ولا هينفع أكون .
مراد بإصرار :
-وأنا مش هطلقك يا عالية .
وثبت قائمة بتحدٍ :
-تمام ، وأنا هكلم عاصي وتميـم وهما يجوا يشوفوا الموضوع ده ، طالما هتقبل على نفسك تجبر واحدة على العيشة معاك يبقى ..
وقف أمامها مقاطعًا بعد ما فاضت عيناه ببحيرة الخسارة العظمى ، أخرج المفاتيح من جيبه والهاتف ورماهم أمامها على السرير قائلًا بخذلانٍ :
-ومش أنا الراجل اللي يجبر ست على العيشة معاه يا عالية .. اللي أنت عايزاه أنا هعمله .
•••••••
-يُسري أنا عايز خبر مش محاولات ! اللي ما يتسمى ده لو مظهر لحد بكرة أنا اللي هحاسبكم بنفسي .. واوصل لفرع الشركة في أيطاليا وفض معاهم الشركة دي خالص مهما كان التمن يا يسري
على اليخت الخاص به في منتصف البحر يقف عاصي بعيدًا عن تلك العصفورة الشاردة ويتحدث بالهاتف ، أمهل يسري أن يوضح له نتائج سعيهم ، ولكنه غير مجرى الحديث بسرعة وقال :
-لقيت أخوات رسيل ؟
-فص ملح وداب سعاتك ، بعد ما ابن عمهم استولى على كل حاجة هما اختفوا ، ومش عارفين نوصل لحد فيهم .
زفر بضيق وهواء البحر يداعب ملامحه الغاضبه :
-عايزك تجيب لي كل المعلومات عن الواد ده ، وتعرف لي طريق أخواتها في أسرع وقت .
قفل الهاتف ثم عاد إليها بخطواته الهادئة تائهًا مع خصلات شعرها التي يُمازحها الهواء فتصبح كموج البحر المُتقلب ، دنى منها حتى جلس بجوارها مُتسائلًا :
-شايف أنك بقيتِ أحسن دلوقتِ .
-عرفت أزاي .
انكمشت ملامح وجهه بإعجاب ثم قال :
-لمعة عيونك رجعت من تاني .
-شايفة أنك حفظتني وبقيت تفهمني بسرعة .. أنت بتعمل معايا كده ليه ؟!
-مش فاهم !
-يعني ورطت نفسك معايا ، وبتحاول تساعدني عشان أعدي الفترة دي ، لغيت كل شغلك عشاني ، وحاجات تانية كتير ، ليه ؟
كلمة ” لماذا ” تلك الكلمة التي تُناشد كل تصرفاته الغامضة ، لأول مرة يقف أمامها وجهًا لوجه وعليه أن يضع جوابًا مقنعًا لأفعاله الغريبة ، شرد طويلًا حتى رد بدهاء :
-رد جميل ..
-جميل أيه ! أنا ما عملتش حاجة استاهل عليها كل ده!
أحس نفسه إنه وقع بمأزق جديد لا يعرف طريق النجاة منه ، تحمحم بخفوت وقال :
-ازاي ! لا طبعًا عملتي واخرهم انقذتيني من الورطة اللي كُنت هقع فيها مع الوفد الإيطالي ، وترجمتي الاجتماع أحسن من كل المترجمين اللي اتعاملت معاهم .
طالعته بعدم تصدق ثم قالت :
-طيب وقبل كده ، قصدي قبل الاجتماع ، تمسكك بيا ، إصرارك إني لازم ابقى بخير ، وقوفك قدام مامتك عشاني .
لو لم يكن صدره مغارة جليد ، لقال شيئًا عذبًا يُشبه كلمة ” أحبك ” ، نفض غُبار تلك الهواجس عن رأسه وقال :
-ما تغيري الموضوع ..
-ما دام دي رغبك تمام ..
ثم أصابتها رغبة شديدة في التحدث معه بعد ساعاتٍ من الصمت :
-تعرف أنك بتشبه البحر .
ألتفت إليها باهتمام :
-ازاي ؟!
-ملامحك بتتغير حسب الظرف اللي حوليها ، يعني البحر بالنهار لونه ازرق ، ووقت الغروب أحمر ، وبالليل أسود ، اللون الازرق ده لما تبقى مبسوط أو مرتاح عمومًا ، شوفت ده بوضوح في الاجتماع ، اللون الأسود لما تبقى غضبان ، بحس أن في إعصار هيدمر الدنيا نتيجة غضبك ، بس بعيدًا عن كل ده جواك أسرار وعالم خفي محدش يعرف عنه أي حاجة ، زي جوف البحر كده .
كان مُستمتعًا بتحليل شخصيته على لسانها حتى تمددت شفتيه بابتسامة خفيفة وقال :
-طيب دي ميزة ولا عيب !
فكرت قبل أن تُجيبه حتى أردفت بارتياح :
-كُل واحد جواه شيء مميز وشيء بيسعى عشان يصلحه ! الانسان وحده اللي بيلمس حقيقة الاتنين جواه
-وأنتِ شايفة أيه أكتر شيء مُميز فيكي .
ضحكت بحسرة مبطنة بالسخرية على سؤاله وقالت ممازحة :
-لما ترجع لي الذاكره وافتكر هابقى أقولك ، بس ممكن أعرف ردك على نفس ده دلوقتي !
تناول حبة ” كاجو ” من الطاولة أمامه واستغرق وقتا لا بئس به ليفكر في جوابًا لسؤالها الذي يفتش في دواخله ، ارتشف رشفة من كوب الماء ثم أطال النظر بعيونها اللامعة وقال بنبرة ينصهر لأجلها الحديد :
-بعيدًا عن وجه عاصي دويدار المُزيف اللي كل الناس عارفاه ، بس لو حصل و قلبي دق لـ ست بعيشها فوق السحاب ، لأني بسلمها عمري كُله .
لا تعلم لماذا ردت الكلمة بصدرها بهذه القوة للدرجة التي أحست أن قلبها أوشك على الانخلاع ، توترت قليلًا ثم قالت بتخابث :
-وواضح أنك لسه ملقتش الست دي !
-عرفتي منين ؟!
-عادي ، شايفة إنك بتدور لسه عليها في كل الستات !
كل مدى ينبهر بفطنتها وذكائها ، رفع حاجبه بإعجاب ثم قال :
-تفتكري ممكن اقابلها بعد العُمر ده ؟!
-لو ليك نصيب هتقابلها آكيد هيحصل !
ساد الصمت بينهم للحظات حتى أردف بتردد :
-حياة ..
-نعم ..
كان سيقول شيء ما ولكنه تراجع في أخر لحظة وقال بحيرة :
-الفجر هنرجع القاهرة .
•••••••
” صباحًا ”
” في قصر آل دويدار ”
يجلس تميـم على مقعده المُتحرك أمام الأريكة التي تغفو عليها شمس حتى امتدت أنامله لمسح تلك الدمعة الهاربة من طرف عينيها ، وثبت كالملدوغة من نومتها عندما أحست بيده متمتمة :
-تمٰيم !
حاول أن يهدأ من روعها :
-أشش أهدي مفيش حاجة أنا جمبك ، أنتِ كويسة !
كفكفت عبراتها بأسفٍ :
-حاسة إني في صدمة من إمبارح ، مش قادرة استوعب كل ده ! هي ليه عملت فينا كده ؟ مش كفاية اللي عملته ! هي عايزة مننا أيه !
مسح على شعرها الذي نسيت أن تُغطيه من شدة التعب ونامت بدون أن تشعر ، ربن على كتفها بحنو ثم قال :
-أنا محبتش اتكلم معاكي في أي حاجة امبارح وسبتك ترتاحي ، ممكن تهدي ومحصلش حاجة !
انخرطت دموعها بعجز :
-تميم أنتَ لازم تعرف الست دي عملت فينا أيه ! الست دي بسببها جدتي ماتت بقهرتها ، لو هندور على الحق فـ أنا اللي ليا عندها كتير !
-شمس ممكن تهدي وتحكي لي ! أنا مش فاهم حاجة ؟
أطرقت شمس بخفوت :
-حاضر هحكي لك كل حاجة ، بس وعد متزعلش مني .
••••••••
بعيون بهتت من رحب الحياة حتى بات كل ما يُحيطها من نعم ونقم بلون واحد وبمذاق النسيان الذي حل في وقته المُناسب ، كانت تراقب العالم من وراء النافذة ، تتفقد الطُرقات بشـرود يقف مُلحًا على أبواب الأقدار ربما يلحظ منه وميضًا يغير مجرى حياتها .
صفت سيارته الفارهة أمام مدخل قصرهم الفخم وتبعته من الوراء ثلاث سيارات مليئة بالحراسة ، كانت عيناه تقتنصها طوال الرحلة الطويلة بدون ملل ، حتى عندما غفت رغم عنها منحها كتفه ليكون لها مسندًا ، قفل جهاز الحاسوب وأردف جُملته الأولى بعد رحلة الصمت الطويلة :
-أنتِ كويسة ؟
ولت رأسها إليه بعد ما قرأ بعيونها وميض الألفة التي باتت تظلل عليها بقُربه وقالت بصوت خفيض :
-ااه كويسة ..
فتح له الحارس الباب كي يدلف من سيارته ، وما أن تأهب للهبوط تمسكت بكفه بتردد لينتظر ، تراجع عما كان سيفعله وطالعها بحيرة :
-عايزة تقولي حاجة !
هزت رأسها بتوجس ثم بللت حلقها وسألته بوهنٍ :
-أنا لو وثقت فيك ، هتخذلني !
استغرب من قسوة ولين جملتها التي قيلت بنبرة العجز لشخص لا يحترف السباحة فـ نجا من الغرق على ظهر حوتًا ! أ يأمن للبحر الذي كان سيغرقه أم للحوت الذي أنقذه ! أصدر عاصي إيماءة خافتة وقال بهدوء بعد أن استغرق وقتًا طويلًا في التفكير :
-عندك اختيار تاني غير انك تثقي فيـا !
هزت رأسها يمينًا ويسارًا بحسرة وأطبقت جفونها بأسفٍ :
-لو كان عندي حل تاني كُنت هختاره !
-أهو السؤال واجابته عندك ..
اكتفى بجملته القصيرة وولى وجهه مغادرًا ، كانت تنتظر منه الكثير من الكلمات التي تهدأ من روعها ، والوعود التي تتكئ عليها الأيام المُقبلة ، ولكن رغم رده الشحيح والفقير من أي عهد إلا أن هناك سيل جارف من الأمان أنصب بصدرها.
رجل مثله اعتاد الصمت ، كانت خطواته أكثر من وعوده وكلماته ، لم يتعلم الثرثرة إلا حدها ولكن في هذا الموقف خصيصًا ارتدى ثوب عاصي دويدار الحقيقي عندما تعلق الأمر بمجده الشامخ ، توقف أمام سيارته ثم أشار لأحد الحُراس أن يفتح لها الباب ، أدلفت من سيارته بتوجس وخطوات مترددة حتى استقرت بجواره تُخاطبه بعيونها الخائفة ، ارتفعت عينيه لأعلى بتباهٍ ثم تعمد أن يُغلغل أصابعه بين فراغات يدها ويضغط عليه بقوة أجبرت كل أنش مرتعب بها أن يسكن ويأنس إجلالًا لهيبته .
تقدمت خطواته بثبات وهيبة وكانت حركتها بمحاذاته تستمد الثقة منه ، دخل من باب القصر بعد ما رحبت به سيدة الخدم وخلفها اثنان من الفتيات لتنفيذ أوامرها ، ما توسط عاصي وحياة ساحة القصر فـ جاءت ” عبلة ” من الباب الخلفي مُرحبة بسخرية :
-يا أهلا والله ، كويس أن عاصي بيه لسه فاكر أن له بيت يرجع له .
ثم اقتربت منه وتعمدت أن تُعانقه :
-ليـك عندي مفاجأة ..
ابتعدت عنه وأخذت تُرمق ” حياة ” بشماتة :
-متأكدة أنه هيفرق في حياتنا كلنـا ..
تحوم الاسئلة والدهشة حولهم وهم يتبادلون الحيرة من طريقة ” عبلة ” المُثيرة للفضول ، أردف عاصى متسائلًا :
-في أيه !
طالعت “حياة” بتصغير ثم قالت بفرحة عارمة :
-هتعرف دلوقتِ .
تشبثت ” حياة ” تلك المرة بيده بقوة وتبدلت الأدوار ، أحس برهبتها ، وخوفها وهي تلتصق بكتفه ، مال على أذنها قائلًا :
-تحبي تسبقيني على الأوضة ، شكلك مُرهق .
تدخلت عبلة بخبث :
-لا خليها ، لازم تسمع الخبر الجديد .
في تلك اللحظة ؛ حل ضباب وجود ” هدير ” التي قطعت درجات السُلم بهدوء مُرتدية ” روبًا ” من الحرير باللون الازرق مُرصعًا بالريش ، جاءت من الخلف جاهرة :
-وحشتني أوي .
أحست بعناقه كمن يضم جذع شجرة صلبه ، خالية من أي مشاعر ، أطرقت ” حياة ” وجهها أرضًا باستيحاء ثم أفلتت يده ولكنه لم يمنحها الفرصة لذلك بل تمسك بها أكثر ، وهتف غاضبًا :
-سيدة ، أنا مش قلت محدش يدخل البيت ده غير بإذني !
خرجت شمس وتميم من غُرفتهم ، ثم نوران إثر صوت الصخب الذي حل بالوسط ، لم تمهله استكمال زمجرته وقاطعته بعيون التحدي التي لم تترحزح عن ” حياة ” :
-أنا ما بقتش محتاجة أذن يا عاصي عشان أدخل بيت دويدار ..
جز على فكيه بجزعٍ :
-رجعتي هنا ليـه يا هدير !
وضعت يدها على بطنها وقالت بتغنجٍ :
-أنا حامل يا عاصي ..
ثم وضعت كفها على وجنته واطلقت تنهيداتها المُنتصرة وأكملت :
-ابنك في بطني ، وبيتنفس حُبك زي ما أنا بتنفسه ، هجيب لك الولد ، الولد اللي هيخرس كُل الناس اللي طمعانة فيك .. حلمي اتحقق خلاص وبقيت شايلة ابنك واسمك لاخر عمري !
ثم سحبت يدها عنه وهي تتفقد ملامح حياة المُرتبكة ، وتحولت نظرات الانتصار بعينها لانتقام ، خشنت نبرة صوتها وقالت بحقد :
-دلوقتِ بقا ، وبما أني سيدة البيت فـ من حقي أقول مين يقعد فيه ومين لا ..
وضعت يديها بخصرها وجهرت :
-وأنا دلوقتِ اللي بخيرك يا عاصي ما بين ابنك اللي في بطني ووريث آل دويدار وبين اللي جايبها من الشارع دي .
صرخ بنبرة راعدة بوجهها ليُخرسها :
-هديــر .. متنسيش نفسك .
بنفس النبرة طاحت بوجهه :
-أنتَ اللي متنساش نفسـك ، أنا اللي مراتك وأم ابنك وعايزة مصلحتك ، الهانم لا هي حامل ولا حاجة ، دي بتخدعك ، أنا روحت المستشفى وشوفت تقايرها بنفسي ، البنت دي كذابة وعايزة تقلبك في قرشين .
صدمة تلو الأخرى لم تكن بحسبانه ، ما لبث أن رمت خيوط شِباك مكرها فوقه ، فأحكمت ربطها بجُملتها الأخيرة التي قالتها بنبرة لاهثة مُبطنة بالغل وهي تتوسله :
-شوفت ، شوفت مين بيحبك ومين اللي بتغشك ، عاصي طلقها ، طلقها وارميها بره وانا هخليك أسعد راجل على وش الأرض ..
ثم شدت يده عنوة ووضعتها على بطنها وأخذت تستعطفه :
-ابنك هنا في بطني ، طمنه .. طمنه وقوله إنك مش هتتخلى عنه ولا عن مامته عشان واحدة زي دي ..
طلقها عشاننا وعشان حياتنا سوا يا عاصي … عاصي البنت دي والله ما حامل وبنتصب عليك
رمق حياة بعيونه الصقرية وقال بنبرة جادة :
-أنتِ صحيح مش حامل !
طالعته بنظرة اندهاش وهزت رأسها بالنفي عاجزًا لسانها ان يتفوه بشفا كلمة ، قطب عاصي حاجبيه قائلًا لهدير برود:
-مش مشكلة ، قُريب هتكون حامل .
انفجرت هدير بوجهه صارخة :
-أنت بتقول أيه ! بقول لك البنت دي نصابة ويا أنا وابنك في البيت ده يا هي يا عاصي .
أغمض جفونه للحظات قبل أن يُفجر مفاجأته بوجهها :
-ما تتحسبش كده يا هدير ، مش عاصي دويدار اللي يتخير في البيت ده كلمتي وبس هي اللي بتمشي على الكبير والصغير ، ودلوقتِ اسمعي كويس كلامي ، فلنفترض أنك حامل لقدر الله ، يبقى قُدامك حل من الاتنين ، هتعيشي مدة حملك هنا مُعززة مكرمة لحد ما تولدي ، وبعدها ابني هتربيه ” حياة ” وأنتِ هتختفي من حياته خالص ده لو حابه تحتفظي بالطفل ….
تمسك بيد حياة بشدة كأنه يعلن امتلاكها له في العلن وأكمل بصرامة :
-ياما تروح تنزلي الطفل ده ويا دار ما دخلك شر ، وافتكر انه مفيش مشكلة على حياتك لو ده حصل دلوقتي ..
ثم صاح جاهرًا وهو يطالع شمس بالطابق العلوي :
-ونشوف رأي الطب أيه !
أنتِ أيه رأيك يا دكتورة شمس ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى