روايات

رواية غوثهم الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والأربعون

رواية غوثهم البارت الثاني والأربعون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثانية والأربعون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثاني والأربعون”
“يــا صـبـر أيـوب”
__________________
_مولاي جِئتُكَ نادمًا وفي كرمك طامعًا
وأرجوك لا تتركني لنفسي وألا تعدني عنك غائبًا
فتُشرق الشمس في رحاب قُربكَ
وبالبُعدِ عنكَ يُظلم الدربُ فأخشىٰ أن يصبح دربي مُظلمًا.
أرجوك بقلبٍ غطته الذنوب وأضحىٰ من ظلمتها
ظلامه دامسًا والنور في حضرتكَ يغدو مؤنسًا.
أرجوك ومن لي سواكَ
يلطف بعبدٍ غَرُبَ عنه النور والشيطان في سمعه هامسًا.
_”غَـــوثْ”
__________________________________
_أثناء رحلتي في البحث عن الأمان
وجدتُ الضالة ووجدتكِ العنوان، أنتِ وإن كثرت كل الأسئلة
وتعثرت في المكان؛ لكل سؤالٍ أنتِ الجواب، ومن بين فراقٍ وعذاب، جمعنا المولىٰ وبرحمته ألف بين قلوبنا وسبب الأسباب،
فأنتِ وأنا وإن كانت كل الأناس عدونا، ستجمعنا سُبلٌ لا فُرقة بعدها ولا غَياب، أتيتُ ضائعًا وغريبًا لم يعرف طرقه كل الأحباب، فكوني للقلبِ ربيعًا مُزهرًا بعدما دمره الخراب، فإذا كان الغريب يُكرم بالوصالِ،
فالقريب وإن كان مهجورًا يُقتل بالغياب.
<“قريبٌ قتله الهجر بالعذاب”>
قطة صغيرة وقعت في عرين أسودٍ تلاشت من قلوبهم الرحمة والرأفة، لم تتصور أن الأمور قد تصل لهذه الحدود المُبالغ فيها ويتم نهشها من قِبل عائلتها، ألم يكن من المفترض أنهم يسعون لحمايتها ؟ كيف انقلب الأمر إلى ما حدث وتكالبوا عليها لتصبح وسطهم في أكثر لحظات ضعفها، نعم أخطأت حينما دلفت إلى هنا لكن ثمن هذا الخطأ دفعته أكبر من قدرة تحملها.
وجهها تورم من الصفعات التي تلقتها على صفحات وجهها، وظهر الضعف والقهر عليها خاصةً حينما أمسكتها عمتها من خصلاتها واقتربت بها من الباب تلقيها خارجًا وقد رافق هذه الحركة قولها الذي أعرب عن غِلها القانط بين ضلوعها تجاه هذه الفتاة:
_غوري في داهية تاخدك أنتِ وأمك، يلا يابت من هنا ولو عتبتي هنا المرة الجاية هخرجك ميتة، غوري يا بنت البجحة، جتها نيلة أمك واللي بلانا بيها.
لم تقو “عـهد” على الرد عليها فشعور القهر أكبر من قدرتها على العناد لكنها رفعت رأسها تطالع نظرات عمتها المسمومة وكذلك عمها الذي وقف خلف شقيقته يحدق النظر فيها فبصقت في وجهها ثم قالت بنبرةٍ باكية:
_جته نيلة اللي خلف ونسي يربي، العيب مش عليكِ، العيب على اللي عامل فيها راجل وراكي وهو حتى محصلش عيل لسه في حضانة.
همت عمتها بالاقتراب منها من جديد فتدخل “وجدي” يمنعها ثم قال بنبرةٍ جامدة:
_سيبيها، توريني هتعمل إيه، وأنا اللي ييجي يكلمني هقوله جت تتهجم علينا في بيتنا، هي لا عندها عقد ولا معاها ورق يثبت حقها، إذا كان ليها حق هنا أصلًا، إيه اللي جابها هنا وهي محلوف عليها ما تدخل البيت دا، وعلى العموم سنوية أخويا قربت، وعلشان لا ضرر ولا ضرار أنا هبيع الشقة وأقسم فلوسها بيني وبينك يا “نشوى” دا حق ياختي لامؤاخذة.
نزلت دموع “عـهد” لتؤكد قهرها وما كان عليها سوى الرحيل من هنا قبل أن تصبح قاتلة وهي في أول سنين عمرها، لذا التفتت توليهما ظهرها ثم قامت باخفاء خصلاتها المكشوفة من أسفل حجابها لكن عبراتها أبت أن تتركها وحدها في الطريق لذا رافقتها بمجرد حركتها على درجات السُلم، نزلت “عـهد” والقهر والعجز يتضحان على وجهها، لم تتخيل أن تصل قسوتهم إلى ضربها بهذه الوحشية حتى أن ملامحها تورمت من كثرة الصفعات على وجهها.
خرجت من البناية القديمة المُتهالكة وأول وسيلة قابلتها ركبتها حتى تعود للبيت وتأمن هناك بعدما تفاجئت بالقسوة تصبغ قلوبهم وكأنها أصلهم.
وعلى عكسها وقف “يوسف” أسفل بناية عملها الموجودة به العيادة النسائية وحينما شعر بالملل من كثرة انتظاره لها، وهذا لأنه يجهل موعد إنتهاء عملها فلم يكن أمامه سِوىٰ أن يصعد للأعلى ليتيقن من تواجدها، وما إن صعد لطابق العيادة وجدها مُغلقة، حينها زفر بقوةٍ ثم أخرج هاتفه يحاول مهاتفتها أو التواصل معها، لكن كما سبق لم يأتيه الرد.
نظر للعيادة مرةً أُخرىٰ بخيبة أملٍ ثم تحرك من جديد يعود إلى بيته وتيقن إنها حتمًا ستكون هناك ومن المؤكد أنه لن يمرر فعلتها، هي تعانده وتلاعبه وهو يملك ميدان العِناد بأكمله، فعليها أن تتحمل مسئولية فعلها.
وصلت “عـهد” للبناية التي تقطن بها ولم تملك الجُرأة لتدخل إلى والدتها بهذا الشكل المروع للأعصاب، هي رغمًا عنها لملمت شتات نفسها حتى وصلت إلى مدخل البيت، لذا سحبت المصعد نحو الأعلى مُباشرةً حيث سطح البَيت لتهرب هناك مما حدث، وقد أخرجت هاتفها بعدما توقف بكاؤها تهاتف والدتها التي سألتها عن أحوالها، فتحاملت على نفسها وهي توقف عبراتها وقالت بنبرةٍ مختنقة ألقت سببها على تصدع رأسها:
_أنا تمام يا ماما، مصدعة شوية بس طلعت فوق السطح علشان أشم نفسي شوية وهنزلك تاني، كُلي أنتِ و “وعـد” علشان أنا جيبت أكل هناك.
أغلقت هاتفها ثم ارتمت على الأريكة تضم رُكبتيها إلى صدرها وتطوقهما بذراعيها تحتمي في نفسها من الدنيا، وقد شعرت حينها بأصعب المشاعر القاتلة للمرء حيث شعور قهر المرء على نفسه، شعرت بأنها مقتولة في هذه اللحظة وأنها حتى الشفقة على نفسها تقتلها فاندفعت عيناها تُخرج الدموع مثلما تندلع النيران.
وصل “يوسف” إلى البناية هو الأخر وأول مكان تردد عليه مكان سكنها حيث شقتها، ولم يشعر بنفسه وهو يَطرق الباب بضرباتٍ جامدة وقد خرجت له “مَـي” تفتح الباب له فوجدته يسألها باندفاعٍ لم يحسبه:
_بنتك فين ؟.
تعجبت هي من طريقته وجاوبته بتعجبٍ سيطر عليها إبان ردها وهي تطالعه باستنكارٍ شديد:
_فوق السطح، ليه فيه حاجة؟.
تركها بدون جواب بعدما حصل على جوابها هي ومنه صعد للأعلى لتلك التي تعانده، لم يفكر في أي شيءٍ سوى أنها ربما تتعرض للأذى وخاصةً أن مكان “سـعد” لازال مُغلقًا، إذًا الأضرار تُلاحقها وهي فقط تُعاند نفسها قبله، ولم يضع في باله أن ربما الأسوأ قد يكون حدث بالفعل.
صعد إليها فورًا وأول ما رآه هو وجودها على الأريكة تستند برأسها على رُكبتيها تخفي وجهها حتى للوهلة الأولى ظنها نائمة فاقترب منها يمسك مرفقها يسحبها منه حتى وقفت أمامه فاندفع هو بغير هُدى يُلقي حديثه دُفعة واحدة:
_أنا مش قولتلك تكلميني لما تخلصي؟؟ ليه مصممة تعاندي في نفسك وفيا؟؟ طب ردي على الزفت اللي معاكِ دا بدل ما أنا زي الأطرش في الزفة، لأول وأخر مرة تحصل يا “عـهد” علشان أنا مبتعاندش حتى لو كان مين اللي قدامي واعملي حسابـ…..
توقف الحديث عند طرف لسانه تزامنًا مع رفعها لرأسها بعينيها الباكيتين المتورمتين، وكأن قسوة حديثه هي آخر ما كانت تنتظره لتشعر بالمزيد من القهر، خاصةً وجهها المتورم والانامل التي لازال أثرها مطبوعًا على وجهها، فسألها هو مدهوشًا بنبرةٍ اختلفت تمامًا عن سابقتها، حيث اللهفة والقلق والترقب:
_إيه اللي عمل فيكِ كدا ؟؟ مين يا “عـهد” ؟؟.
نزلت دموعها وانتحبت بوجعٍ وكأن سؤاله رفع معدل الضغط على أعصابها ولم تملك القوة لكي تخبره بالفاعل بل ارتفع صوت نحيبها وتقطع أنفاسها من البكاء، وحينها ارتفعت وتيرة أنفاسه وضمها بين ذراعيه يضغط على جسدها بكلا ذراعيه لتبكي هي بنحيبٍ أكبر وكأن الأمان هُنا بين عناقه أكثر ما تفتقده هي أو افتقدته خلال الساعتين المنصرمتين، لم يضغط هو عليها بالأسئلة بل مسح على ظهرها وخفاها بين ذراعيه بقلقٍ قتل أعصابه، وخوفٍ يمقت الشعور به.
لاحظ هو اختفاء نحيبها لكنها لازالت تبكي فسألها بإصرارٍ يوحي بقتامة سؤاله ونبرته وما ينتوي فعله:
_مين يا “عـهد” !! هو اللي عمل كدا ؟؟.
كان يشير بسؤاله إلى “سـعد” لتنفي هي برأسها ثم هتفت بوجعٍ أكبر بكثيرٍ مما كان عليه لو الفاعل كان “سـعد”، حيث كرهه لها ومرضه بها تتوقعه هي، لكن الخُذلان هو الشعور الأصعب، لذا جاوبته باكيةً تعبر عن عجزها أمام نفسها بنبرةٍ أقرب للصراخ:
_مــش هــو، ياريته كان هو، اللي عمل فيا كدا اللي المفروض يحموني منه، اللي عمل كدا الراجل اللي المفروض يقف في وش الدنيا علشاني …عمي، عمي يا “يوسف” اللي داس عليا…داس عليا تاني ومش مراعي أخوه، هو مش شايفني طيب !!.
سألته بقهرٍ جعله يصمت تمامًا، كيف يملك الجواب إذا كان هو أفنى عمره باحثًا عن نفس الشيء، كيف يداوي جراحها إن كان هو مجروحًا من نفس المكان ؟ لذا ترقرق الدمع في مُقلتيه وفرغ فاهه كما فرغ لسانه عن الجواب، صدق حينما ظن أنها تشبهه، بل بالأحرىٰ هي نسخة أخرى عبارة عنه هو، نفس الوجع ونفس الألم من نفس القبيل لكن الفارق هُنا أنه أضحى معها هُنا، لذا احتضنها يحتمي بها من ماضيه وهي تبكي من جديد وتردد بنبرةٍ مكسورة أنهم تسببوا في كسرها.
لا يدري من منهما أمان الأخر إن كان ماضيه فاجئه وهجم عليه ليتمسك هو بها ظل يمسح على ظهرها لتنزل أول دمعة من عينيه بقهرٍ عليها وعلى صوت بكائها، وفي هذه اللحظة صعدت والدتها ومعها والدته التي لاحظت حالتهما ومعها الأخرى التي صرخت باسم ابنتها الباكية واقتربت منها تتفحصها بعدما أبعدتها عن عناقه.
وقف “يوسف” يطالعها بعينين غزاهما الاحمرار كما جمرتين مُشتعلتين بلهب الانتقام، وكأن عيناه تسيران في طرقٍ معاكسة، واحدة تنظر بالغضب والانتقام، والأخرى بالحزن والقهر، وقد انتبه لوالدتها التي بكت وهي تحاول أخذ الحديث منها فقال هو بنبرةٍ خشنة:
_خديها تحت يا “مــي” أنا جاي وراكي.
حركت رأسها موافقةً ثم نزلت بها من المكان، فيما وقف هو يتتبع أثرها بنظره حتى اعترضت والدته الطريق على عينيه وسألته بأسى بعدما شملت وجهه بعينيها:
_أنتَ كنت بتعيط صح ؟.
حرك رأسه نفيًا ثم التفت يوليها ظهره خوفًا من إظهار ضعفه من جديد أمام والدته التي التفتت له وفتحت ذراعيها كاشارةٍ منها ليرتمي بينهما.
ولم يتوانى لو لحظةٍ واحدة بل تمسك بها وترك دموعه تنهمر بعدما تذكر طفولته البائسة في بيت العائلة، لم يَملك القوة حينها سوى الصمت حتى انفجر كما البركان الثائر فيهم وعاد ليحرق القبيلة التي حرقت قلبه من قبل، ورغمًا عن أنف القبيلة بأفرادها سينتقم.
ربتت “غالية” على ظهره وبدأت في قراءة ما تيسر من القرآن الكريم ثم الدعاء له بينما هو لم يرى أمامه سوى صورتها وهي تخبره عما لاقته من عمها لذا تضخم شعور الثأر لديه لكن عليه أن يفهم كيف سارت الأمور، لو كانت علاقته بها أفضل لكان نزل خلفها وظل محاوطها بالأمانِ في كنفه، لكنه يعلم أنها صنعت الحدود وتقف عليها بالمرصاد، لتقتله رغم قربه منها بالغياب.
__________________________________
<“الخطأ بدايته يكون واحدًا، لتظهر عائلته”>
جلس محله شارد الذِهن يفكر فيما حلَّ عليه بالأمسِ، حياته أضحت على المحك من جديد وهو لم يقو على حماية نفسه، قرر أن يترك الماضي الذي تم وسمه به، عُرف عنه أنه من أصحاب التجارة المشبوهة، وكأن الماضي أصبح حَبلًا يُعرقل تحركه، خطأ واحد وقع فيه ومن بعدها توالت عليه الأخطاء وهو يقع فيها طواعيةً منه، دون أن ينتبه لما يمكن أن يخسره، لكن هذه المرة روحه هي المطلوبة، زفر “سراج” مُطولًا ثم حرك رأسه للجهة الأخرى فوجد إطارين يحملا بداخلهما صورتين إحداهما لشقيقته المتوفية برفقة زوجها ومعهما “جودي” في أول أيام عمرها، و الصورة الثانية لـ “نور” وهي تحمل “جودي” بين ذراعيها وكلتاهما تضحك بسعادةٍ وهو يقف بجوارهما مُتصنعًا لعبوس الوجه.
وضع رأسه على مكتبه بانكسارٍ وخزيٍ يهرب من حقيقته كونه أصبح مهجورًا من الجميع كبنايةٍ تقع في مدينة نائية يخشى الجميع الإقتراب منها على الرغم من أن داخلها مثل القصر الملكي.
في مكان أخر تحديدًا بمكان عمل “إيهاب” أو في المكان الذي توجد به كافيهات الشباب و “نَـعيم” معهم، وقف “إسماعيل” في الخارج ينظر لمكان عمل “سراج” بعينين ثاقبتين حتى وجد “عـزيز” مُساعد “سراج” يخرج من الكافيه فاقترب منه بلهفةٍ يسأله عن صاحب العمل بقوله:
_بقولك يا “عـزيز” هو “سراج” ماله، بقاله فترة كدا مش هو ومتعصب على الكل حتى “جودي” سابها عندنا مراحش ياخدها، هو فيه حاجة؟.
حرك “عـزيز” كتفيه بحيرةٍ وهتف بنفس الحيرة:
_والله ما عارف ماله من فترة، بس هو باين كدا مضغوط شوية، بقولك إيه، أدخله كدا وشوفه يمكن يقولك اللي كان بينكم مش قليل برضه، وكنتوا صحاب، هو باعتني مشوار كدا في الكافيه التاني وجاي علطول.
تحرك الشاب من محله بينما “إسماعيل” وقف ينظر في أثره حتى وجد “إيهاب” يقترب منه ثم وضع ذراعه على أخيه يحاوط كتفه وسأله بإيجازٍ عن سبب وقوفه:
_مالك واقف كدا ليه ؟.
انتبه له الأخر ورفع رأسه وهو يقول بنبرةٍ فاترة:
_عادي يعني، بس عاوز أطلب منك طلب.
جاوبه “إيهاب” بملامحه موافقًا ليهتف الأخر بتوترٍ وكأنه يخشى أن يقول هذا الحديث لأخيه:
_عاوزك تدخل لـ “سراج” تشوفه، يعني أنتَ غيري ممكن أنا اتعصب عليه، لكن أنتَ غيري، علشان كدا بقولك أدخل شوفه وأعرف ماله، يمكن يكون محتاج حاجة.
زفر “إيـهاب” مُطولًا بثقلٍ ثم سأله بمللٍ:
_لو عملت كدا يعني هترتاح أنتَ؟.
حرك رأسه موافقًا يؤميء ويؤكد له جواب سؤاله وحينها ابتعد عنه “إيـهاب” نسبيًا ثم هتف بنبرةٍ هادئة يُراضي شقيقه:
_حاضر مش هزعلك، بس روح شوف كدا الطلبات قولهم يشهلوا شوية، عقبال طلبات فرحك كدا لما أقف عليها بنفسي.
تحدث “إسماعيل” بضجرٍ بعدما حدثه أخوه بهذه الجملة الأخيرة وكأنه يضغط عليه:
_ياعم ما تسيبك مني عاوز تجوزني ليه ؟؟.
جاوبه الأخر بنبرةٍ ضاحكة يمازحه بحديثه:
_ياعم عاوز أفرح بعيالك، مالك يا سُمعة؟.
ضحك له “إسماعيل” ثم قال بسخريةٍ:
_طب فرحنا أنتَ بعيالك الأول، على الأقل أنتَ جاهز.
تذكر “إيهاب” ليلة الأمس وماحدث من زوجته حينما نامت بجوار الصغيرة وتركته بمفرده لذا ترك شقيقه بعدما حدجه بسخطٍ ثم توجه إلى مكان “سراج” مباشرةً بدون أن يحصل حتى على الإذن، كعادته يدلف أينما شاء وقتما يشاء.
فتح المكتب عليه يقول بتهكمٍ دفعةً واحدة:
_أنا جاي أقولك إن اللي ليك عندي ميخصكش.
رفع “سراج” رأسه وحينما رأه مسح وجهه ثم قال بنبرةٍ خافتة آلية على عكس عادته:
_تعالى يا “عـمهم” أقعد.
أقترب منه “إيهاب” يجلس حيث أشار الأخر له وقد زاد تعجبه حينما لاحظ وجوم وجه الأخر فبادر وسأله بلهفةٍ:
_مالك ؟؟ أظن الموضوع مش “نـور” بس، الموضوع أكبر من كدا بكتير، لو فيه حاجة عرفني وأنا هنا في ضهرك.
انتبه له “سراج” وفي هذه اللحظة أراد أن يطلب منه الحماية ويخبره بمخاوفه لكن كبرياؤه منعه من هذا، لذا زفر بقوةٍ يعبر عن ضجره ثم قال بنبرةٍ تباينت بين الخوف والتردد:
_مشكلة، مشكلة معطلاني عن كل حاجة، مخلياني واقف في النص، لا أنا قادر أتحرك ولا قادر أرجع أصلح اللي فات ولا حتى قابل أني أفضل كدا مكاني.
علم “إيهاب” أنه لم يرضخ له بالقول، وعلم أنه لن يقبل مشاركته في الحديث بما يؤرقه، لذا تحدث بنبرةٍ جامدة يقول بحديثٍ قوي مثل طبعه شخصيًا:
_يا تِسْعَىٰ إِنك تِحلْ المُشكلة اللي معطلاك، يا تِبطْل كل يوم تِشتكي مِنها، انـــشَــفْ.
انتبه له “سراج” فأضاف هو من جديد متابعًا وربما مُفسرًا معنى حديثه السابق:
_لو المشكلة دي هتوقفك يبقى اسعى وأخلص منها لحد أخر نفس فيك، لو معرفتش بطل تخليها تأثر عليك وتشتكي منها، أوعى تشحت بوجعك، ولو المشكلة كبيرة عليك مش عيب تلجأ للمساعدة، بس متخليهاش تسيطر عليك، وخليك فاكر كلمة الحج لينا، الرجال وقت الحاجة يقضوا ألف حاجة.
ابتسم له “سراج” بطمأنينة سكنته بمجرد الحديث فقط ولوهلةٍ تلاشى أي كره أو بغض من قلبه تجاههم، فيما وقف الأخر واستعد للرحيل فأوقفه “سراج” ما إن انتبه لحركته المغادرة:
_”إيـهاب” !!.
التفت له “إيهاب” برأسه يسأله بنظراته إن كان يريد شيئًا فوجد “سراج” ينطق ممتنًا له بقوله الصادق:
_ألف شكر وتسلم رجلك على مجيتك لهنا.
ابتسم الأخر بسمة طفيفة ثم عانده بقوله:
_دا مش علشان حلاوة عيونك، دا علشان “جودي” اللي نمت على الكنبة بسببها، لا تفتكر نفسك حاجة بس.
ضحك “سراج” بخفةٍ على كبرياء الأخر فيما تركه “إيهاب” وخرج من المكان ثم أخرج هاتفه يطلب رقمًا يعلم أنه سَيقضي حاجته فجاوبها مساعده ووزيره المخلص “ميكي”:
_أؤمرني يا “عمهم”، خير.
جاوبه الأخر بثباتٍ ونظره مثبتًا فوق مكتب “سراج”:
_عاوز حد يتابع “سراج الموافي” ويفضل يكون زي اللي متابع “إسماعيل” أخويا، من بعيد لبعيد يا “ميكي” مش هوصيك، ولو حصل حاجة يتدخل من غير ما يقول.
طاوعه الأخر في القول وأغلق معه المكالمة بخضوعٍ بعدما أخبره بطوعه له فيما يُريد، بينما “إيهاب” لم يهدأ فكره بل زاد الأمر في داخله خوفًا وقلقًا وخاصةً على شقيقه، الأمر لم يمر ببساطةٍ ومثله لم يأمن للأيام بل يضع في حساباته احتمالية حدوث كل المخاطر.
__________________________________
<“أخذ الحق لم يأتي بالهوادة، إنما باليد”>
شعور الثأر تفاقم بداخله أكثر وأكثر في الحصول على حق زوجته، كلما وقع بصره على وجهها المضروب وآثار الأصابع التي تركت أثرها محفورة على وجهها يشعر بالغضب العارم الأشبه بالفوضى التي تشبه رأسه.
جلس بجوارها على أريكة طاقم الجلوس في شقة والدتها وقد أتت الأخرى بالطعام لها وهي تحاول كبت دموعها، تخشى أن تنفجر باكيةً بقهرٍ على صغيرتها فتبكي معها الأخرى، بينما “يوسف” أخذ منها الطعام ثم أمسك الملعقة يملؤها ثم اقترب من “عـهد” يضعها في فمها ورغم مبادرتها بالرفض إلا أنها وافقت من بعد نظرته الصارمة التي رماها بها.
تناولت الطعام بصمتٍ وهي تنتحب وتشهق بدون بكاءٍ، وكأن البكاء فَلَّ عنها بعيدًا وترك أثره يؤلمها فلاهي تبكي وترتاح ولا أثره يتركها تهدأ، لاحظ هو تناولها الطعام بصمتٍ بدون شهية فترك الطعام ثم أمسك كتفيها يديرها له حتى واجهته فنطق بنبرةٍ جامدة يقول:
_”عـهد” !! لازم تفوقي اوعي تفضلي مستسلمة كدا، اللي حصل دا مش هيعدي، ولا حتى هيتسكت عنه وحقك هيرجعلك الليلة دي، بس سكوتك كدا لأ.
نزلت دموعها بصمتٍ فأمسك كفيها بين كفيه يضغط عليهما ويدعم خوفها بوجوده معها قائلًا:
_بصي يا “عـهد” سواء أنتِ قابلة أو لأ غصب عنك أنا بقيت في حياتك معرفش بقى صدفة ولا من الأول أنتِ نصيبي، بس خلاص بقينا سوى، فكرة إنك عاوزة تكملي الطريق لوحدك أنا مش هقبلها، طالما بقيت في حياتك يبقى غصب عنك تقبلي وجودي وإني هشاركك كل حاجة، معرفش بقى تقبلي الوضع دا إزاي بس هتقبليه.
انتفضت من محلها وهي تقول بصوتٍ عالٍ وكأن الضعوط تزداد فوق عاتقها بمجرد أي أحاديثٍ عابرة بانهيارٍ تامٍ بعدما فقدت أخر ذرة بثباتها:
_هتجبرني أنتَ كمان ؟؟ هتكون زيهم؟؟ ولو رفضت بقى هتمد إيدك عليا ولا هتهددني زيه ؟؟ ها ؟؟ رد عليا هتعمل زي مين فيهم، ولا هتبقى أنتَ القاضية بقى وتقتلني؟ رد عَــليا مستكتش كدا !! أنا تعبت ومحدش قادر يستوعب دا، أنا مبقبلش مساعدة من حد، مش أنا اللي بستنى الشفقة والايد اللي تتمدلي، ما بالك بواحد بيتجوزني علشان صعبانة عليه !! أنا مش ضعيفة ومش هقبل أكون واحدة أنتَ أو غيرك تشفقوا عليها.
للمرة الثانية ترفع صوتها عليه وهو يسكت ويتغاضى عن هذا لكن هذه المرة لاحظ انهيارها وأنها من الأساس لم تنتبه له لذا أقترب منها يقف أمامها وقال بثباتٍ:
_وأنا مش بشفق عليكِ، علشان أنتِ مراتي، تاني وتالت ومليون أنا في حياتك بصفتي جوزك مش واحد بيفض مجالس، وكلامك اللي قولتيه ليا قبل جوازنا دا أنه مؤقت وإنك تطلقي وقت ما تطلبي أنا نسيته أصلًا، سمعته بودن وخرجته من التانية، علشان من الأخر أنا مبسمعش كلام حد، ودي قلة رباية مني.
حركت رأسها تستقر بنظراتها عليها فوجدته يُكمل بنفس الطريقة من جديد يقطع عليها سُبل الرفض أو العِناد:
_غصب عنك أنا جوزك واللي يخصك يخصني، وسبق وقولتلك وهقولها تاني أنا لما بمشي طريق مبرجعش منه وبكمله لأخره، إذا كان طريقك كله خوف فأنا بقى هنا قصاد خوفك، وبرضه برضاكِ قبل ما تكوني مُجبرة.
رفعت كفيها تمسح وجهها مرورًا بعينيها ثم فوجدته يقترب أكثر ثم ضم كفيها يقول بنبرةٍ خافتة:
_لو مش قابلة إنك تكوني في علاقة بمسمى صريح، يبقى اعتبريني أنا الأمان ليكِ، على الأقل لحد ما نشوف أخر الدنيا إيه، بس بلاش تفرضي على نفسك إنها رحلة فردية، وأنتِ معاكِ حد تاني هنا، اتفقنا ؟؟.
لم يكن أمامها سوى الموافقة لذا أومأت له بخضوعٍ ولم تنس أنها السبب فيما حدث بسبب عنادها، لكنها الآن تراه هو بصورةٍ مختلفة، يشبه والدها في حمايته لها، يقف أمامها درعًا وهي في الخلف تحتمي به، بينما هو ربت على كفيها ثم تركها وترك مكانه يتوجه إلى شقته بعدما لاحظ خضوعها له وكأنها اقتنعت أخيرًا بما يتوجب عليها فعله.
في شقتهم كانت “قـمر” تنتظره فسألته بلهفةٍ:
_ها بقت أحسن ؟؟ ينفع أروح أقعد معاها دلوقتي ؟.
حرك رأسه موافقًا ثم هتف بنبرةٍ منهكة:
_آه وخدي “ضُـحى” برضه علشان متزعلش، مش عاوزك تفكريها باللي حصل، بس حاولي تخليها تضحك كدا وتنسى اللي حصل رغم أنه صعب يتنسي.
اقتربت منه “قـمر” تربت على كتفه ثم سألته بحماسٍ:
_قولي بس، لو ضحكتهالك هتديني كام ؟.
ابتسم لها رغمًا عنه ثم وضع ذراعه على كتفها يقول بقلة حيلة وكأنه حقًا يتمنى حدوث ما تحدثت عنه:
_عمري كله عليكِ قليل، بس اعملي اللي قولتي عليه.
ضحكت له ثم أشارت على عينيها وتحركت نحو شقة خالها حتى تأخذ “ضُحى” معها إلى “عـهد” بينما هو زفر بقوةٍ فاقتربت منه والدته تقول بخوفٍ عليه:
_ناوي على إيه ؟؟ علشان خاطري متعملش حاجة تخليك تعرض نفسك للخطر أنا ما صدقت ترجعلي تاني، أفتكر أني لسه ملحقتش أرتاح بوجودك معايا، علشان خاطر ربنا.
ضمها إليه يربت على ظهرها ثم لثم جبينها بحنوٍ حتى تمسكت “غالية” به وهي تدعو الله أن يحفظه لها على الرغم من خوفها وقلقها من رد فعله على ما حدث لكنها لم تتحدث بل قررت أن تدعو من جديد.
وقفت “قـمر” تتحدث مع “أيـوب” وتخبره بطلبها منه أن يقف مع أخيها بشأن زوجته وكعادته لم يرفض مطلبها بل أخبرها أنه سيقف حاميًا لشقيقها وأضاف مؤكدًا:
_مش عاوزك تقلقي، أنا معاه وحقها هيرجع، بس مش بأيدي أنا ولا هو، أبويا عرف وللأسف قرر أنه يرجع حقها بنفسه، وبصراحة كدا أفضل هما بيحترموا الحج، المهم أنتِ خليكِ معاها لحد ما نيجي علشان احتمال نطلع ليكم، متخافيش أنا معاهم كلهم وإن شاء الله كل حاجة هتكون بخير يا “قـمر”.
تنفست بعمقٍ تتمنى هذا وهي تدعو الله بينما هو لاحظ قدوم والده فاستأذن منه وأغلق المكالمة ثم وقف مرحبًا به بينما الأخر قال بنبرةٍ جامدة:
_هتيجي معايا ؟؟ لو هتيجي يبقى مالكش دعوة بيهم مش ناقص حد منهم يزعلك، ولو عليا هروح أنا لوحدي، بس علشان “يوسف” لو راح لوحده ممكن يقتل واحد فيهم.
جاوبه “أيـوب” بقلة حيلة يخضع له:
_هاجي معاك بس عاوزك متنفعلش وكل حاجة هتكون زي ما أنتَ عاوز وأكيد حقها هيرجع، يلا يا حبيبي.
خرج “عبدالقادر” وتبعه “أيوب” يقفان سويًا أسفل بناية “يوسف” الذي نزل لتوهِ منها وتقابل معهما فهتف “عبدالقادر” بإصرارٍ يليق بشخصه المهيب:
_قبل ما تتكلم هنيجي معاك، علشان أنا قدام الكل كبيرك وحق مراتك هييجي لحد عندها، مش عاوزة مناقشة بدل ما أطلعك فوق.
اقترب منه “يوسف” وهو يقول بنبرةٍ جامدة تعبر عن انفعاله المشحون بداخل صدره:
_وأنا مش عيل صغير علشان حد يروح يجيبلي حقي، الحق هجيبه بنفسي لحد عندها بأيدي، دي مراتي واللي عمل كدا فيها أقسم بالله ما هسيبه، حتى لو كان أبوها بنفسه كنت هجيب حقها منه.
ظهر التحدي بينهما فتدخل “أيوب” يقول مراضيًا لكلا الطرفين ومنهيًا دور التحدي قبل أن يأخذ أكبر من حجمه:
_وللحق لازم “يوسف” هو اللي يجيب حقها، علشان هو جوزها، وعلشان يتكتموا خالص، وإحنا لازم نكون معاه علشان دول ملهمش أمان وممكن في أي لحظة يقولوا أنه حاول يتهجم عليهم، يلا بينا علشان نروح ونجيب حق مراتك.
ارتخت أعصاب “يوسف” تمامًا ورضخَ له وتأكد أن حديث “أيوب” يحمل الصواب وكذلك “عبدالقادر” الذي أقتنع بوجهة نظر ابنه الذي دومًا يملك حكمة يطالع بها الأمور من جهته، لذا تحركوا مع بعضهم نحو بيت عائلة “عـهد”.
توجهوا إلى هناك سيرًا على الأقدام مع بعضهم وبمجرد دلوفهم لحارة بيتها توجهت الأبصار نحوهم، هيبة “عبدالقادر” الطاغية وشخصه المعلوم والشابان اللذان يسيران بجانبه جعلت الحارة بأكملها تتيقن أن عائلة “عـابد” قاربت على لقاء حتفها لا محالة، وحدث هذا من خلال وقوف “عبدالقادر” أمام البيت مباشرةً ثم أشار لأحد صبية الحارة وما إن أقترب منه أخبره بما يريد وبعدها رفع الصغير صوته ينادي على “وجدي” الذي خرج من الشُرفة ينظر لصاحب الصوت وحينما وجد “عبدالقادر” بهُتتْ ملامحه تمامًا بينما الأخر أمره بكلمةٍ واحدة:
_انزل وهات حريمك في إيدك.
نظر “يوسف” بتعجبٍ إلى “أيوب” الذي غمز له وكأنه يطلب منه أن ينتظر حتى يرى نهاية الأمر، بينما “عبدالقادر” وقف يستند على عصاه يرتدي حلةً باللون الأسود ما زادته إلا وقارًا فوق وقارهِ، الأعين جميعها تثبتت عليه وكأن وجوده هُنا ذِكرى، وأي ذكرى هذه التي جلبت “عبدالقادر العطار” إلى حارتهم المتواضعة.
دقائق قليلة مرت نتيجتها وقوف “وجدي” أمامه بمفرده فابتسم “عبدالقادر” بزاوية فمه ثم هتف يسخر ويقلل منه بقوله حين هتف:
_طبعًا !! هو أنتَ ليك كلمة يعني تمشيها على حريمك ؟؟ مش هتحرك من هنا غير وهما معاك، يا إما بقى نطلع على القسم ونعمل محضر ومعايا شهود كمان، ها قولك إيه ؟؟.
حاول “وجدي” حفظ ماء وجهه أمام الحارة وسكانها اللذين وقفوا يتابعون حديثهما، لذا أخرج هاتفه يطلب رقم زوجته التي جاوبت على مكالمته ليرد عليها هو بنبرةٍ مقتضبة:
_هاتيها وتعالي بدل ما اطلع أخدكم أنا.
كاد “يوسف” أن يقترب منه لكن “أيوب” أمسك رسغه يمنعه من الإقتراب ثم أومأ له بأهدابه أن يتريث حتى يرى النتيجة بعينيه، بينما هو قرر أن يصبر تقديرًا لـ “عبدالقادر” أمام سكان الحارة نظرًا لهيبته ومكانته أمامهم.
مرت دقيقة واحدة تبعها نزول “نشوى” ومعها زوجة أخيها والأولى تنظر له بحاجبٍ مرفوعٍ فيما أشار لهم “عبدالقادر” بقوله الصارم:
_قدامي، يلا منك ليها علشان غلطتي إن سكت عليكم.
تحركوا أمامه والهمسات واللمزات خرجت من الأفواه تتحدث عنهم وعن خضوعهم له بهذه الطريقة المخزية كما أن عمها لم يحاول حتى أو يعترض وكأن الأخر يبث في نفسه كل الخوف، بينما “عبدالقادر” مال على أذن “يوسف” يقول بحكمةٍ أعطته له أيام عمره وخبرته وسط سوق العمل:
_خدهم أرضك وخد حقك منهم هناك، إنما هنا هتبقى زي خناقة الحريم رط على الفاضي، خُد حقك في أرضك مش مكان ماهما عاوزينك، علشان الله أعلم إيه اللي ممكن يحصل.
فهم “يوسف” مقصد حديث “عبدالقادر” لذا سكت وانتظر بأعصابٍ مشدودة القادم، وقد أشار له “أيوب” أن يسير معه إلى البيت وقد سارا خلف “عبدالقادر” الذي تحرك خلف الآخرين مباشرةً، وبداخله يتوعد لهم حتى يتحصل على حق “عـهد” حفاظًا على أولاد صديقيه الإثنين.
__________________________________
<“التلاقي حُجة، والغرض لُقياكِ أنتِ”>
أنهى “أيـهـم” عمله مع “نـهال” ووالدها ولم ينتبه للوقت الذي سُرق منه في هذا المكان حتى انتبه هو لهذا واعتذر منهما واستأذن بالرحيل، فخرجت “نـهال” معه من الورشة وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_معلش بقى أخرناك، أبقى اتأسف لـ “إياد” بالنيابة عننا.
ضحك رغمًا عنه ثم قال بسخريةٍ:
_هو لو عليه عادي المهم أني مقولوش يذاكر غير كدا ياكش يا رب أبات برة البيت والله ما هيفرق معاه.
ردت عليه تدافع عن الصغير وتنفي عنه التُهم:
_والله دا زي العسل، هاته بس ليا وساعتها أنا هقبل بأي حاجة منه، إن شاء الله حتى لو عاوز يسافر برة أنا موافقة.
رفع حاجبيه بسخريةٍ وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة يسخر من علاقتها بابنه:
_الله !! دا أنا بتركن على الرف بقى !! هتاخدي ابني وتسافري عيني عينك كدا ؟؟ دا أمه مقدرتش تعملها.
تنهدت بعمقٍ ثم هتفت بقلة حيلة:
_صدقني لو بأيدي أنا نفسي أكون معاه علطول، بصراحة “إياد” نعمة أنا محرومة منها، فطبيعي أكون منبهرة بيه، تعرف !! أنا بحب وقتي معاه أوي، بحب صحوبيتي معاه، حتى كلامنا في التليفون أنا بقيت بحسب كل حاجة ورايا علشان مكالمته دي.
تلاشت بسمته وتأثر بحديثها الذي ألتمس فيه الصدق وقد لمعت عيناها بالدموع حينما تذكرت أمر حرمانها من هذه النعمة والعواقب التي تلقتها على يد زوجها السابق وعائلته، بينما هو بادر بسؤالها دون أن يحسب حسبته:
_هو “بـهاء” اللي كان هنا دا خطيبك بجد؟.
صُدمت هي من سؤاله الغير متوقع ولم تتوقع أن يبارد بمثل هذا السؤال، لكنها سريعًا تداركت الأمر وكأنه يتهمها بشيءٍ يخالف أخلاقها لذا هتفت سريعًا تنفي حدوث هذا الشيء:
_لأ والله خالص، ولا حتى بفكر في الأمر دا، هو أصلًا مش عاوزني علشان سواد عيوني، دا عاوزني كمالة عدد أو من ضمن الكماليات الناقصة عنده، حاجة كدا مش هتكلفه كتير وفي نفس الوقت هتردله حق هو ملهوش فيه.
عقد ما بين حاجبيه يستنكر قولها فسحبت هي نفسًا عميقًا توقف تأثرها وبوادر بكائها حين قالت بنبرةٍ مختنقة تفسر سبب قولها:
_ يعني واحدة مبتخلفش وهو عارف كدا كويس، وفي نفس الوقت ماسكة شغل أبوها يعني لو اتجوزني هقعد في البيت بقى وهو يمسك الليلة دي كلها، فاكرني مش فهماه، ميعرفش أني لا عاوزة هو ولا غيره ولا أي حد من صنف الرجالة خلاص.
قرر أن يمازحها بقوله حتى يبدل وضعها:
_الكلام دا يزعل “إيـاد” خلي بالك، على كدا ابني من الرخويات ولا إيه ؟؟ مش محسوب من ضمن الصنف ؟.
ضحكت رغمًا عنها وضحك هو أيضًا فصدح صوت هاتفها برقم “إيـاد” فشهقت هي بلهفةٍ رسمت السعادة على وجهها وهي تستأذنه بقولها:
_ طب عن إذنك بقى علشان “إيـاد” بيتصل بيا.
تهجمت ملامحه وحلت السخرية عليه وهو يسألها بتعجبٍ:
_”إيـاد” ابني أنا بيتصل بيكِ أنتِ، وأنتِ بتستأذني مني علشان تكلميه ؟؟ لا إذنك معاكِ يا شابة.
ضحكت من جديد بصوتٍ عالٍ فيما تحرك هو نحو سيارته يركبها عائدًا إلى حارة “العطار” بينما هي جاوبت على المكالمة بحماسٍ شديد تجاوب على مكالمة الصغير الذي دلف حياتها مثل الدواء بعدما ظنت أنها ستبقى هكذا طيلة عمرها مع الداء، أما “أيـهم” نفسه فتعجب من العلاقة القوية التي تربط ابنه بها، وقبل أن يزداد تعجبه سخر من حاله، فهو هنا أيضًا لأجلها وكان من الممكن أن يرسل هذا الورق مع أي شخصٍ آخر لكنه أراد أن يأتِ بنفسه بحُجة العمل والغاية هنا رؤيتها هي
__________________________________
<“تتمنى فتاة وترزق بملاكٍ”>
في شقة “نجلاء” والدة “تَـيام” لاحظت هي حزنه منها وحينما دلف الشقة على الرغم من حديثه معها بنبرةٍ مقتضبة، إلا أنها حاولت معه، وفي هذه اللحظة دلف هو يجلس بجوارها ثم نطق يعتذر منها بقوله:
_أنا آسف لو كنت مزعلك، بس أنا كنت زعلان أنا كمان، ومش بأيدي يا ماما بس يعز عليا زعلها مني، وزعلك برضه غالي عليا غير كدا ميخصنيش أصلّا.
تنفست بعمقٍ ثم قالت بحماسٍ تطمئن قلبه بعدما عاد لها صوابها:
_يا حبيبي هو أنا عملت حاجة؟؟ كل الحكاية بس إن خالتك كانت هتعزمنا وأنا قولت لأ، ولما صممت قولتلها اللي حصل، بص أنا مش زعلانة منك، ولما فكرت عرفت بصراحة أني غلطت، مش علشانك بس البت غلبانة فعلًا، غير كدا بقى هي يتيمة الأم وأنا ربنا مكرمنيش بحد غيرك، يعني هي هتبقى بنتي، متزعلش مني بقى.
ابتسم لها “تَـيام” بسعادةٍ شقت وجهه ثم اقترب منها يُلثم جبينها وهتف بفرحةٍ ظهرت على صوته وهو يقول:
_طب والله كنت عارف إنك مستحيل تزعليني ولا تزعليها، أنا هفرح لما أغلى اتنين في حياتي يكونوا مع بعض، أنا ماليش غيركم، شوفتي طول ما أنتِ بعيد عن اخواتك طيبة إزاي ؟؟ إلهي يا رب العلاقة دي تتقطع علشان نرتاح كلنا.
ضربته في كتفه وهي تقول بتحذيرٍ له:
_أتلم يا واد، بطل قلة أدب، دول خالاتك.
ضحك لها ثم احتضنها وهو يقول بسعادةٍ بعدما استطاعت أن تراضيه بفطنة حديثها:
_أنا ماليش غيرك يا نوجة، أنتِ اللي ليا، مقدرش أزعلك ولو حصل الدنيا بتتقفل في وشي، كأنك بتدعي عليا، متزعليش من “تيمو” حبيبك ماشي؟؟.
ضمته هي بين ذراعيها ثم مسحت على ظهره ثم قالت بنبرةٍ ضاحكة تشاكسه بقولها:
_طب يلا قوم روح صالح خطيبتك، يلا أنا عارفة لما بتقفل معاك بتنكد على الكل، هي ملهاش دعوة وهتلاقيها فهمت غلط، ولا تخليها بكرة وخلاص، أنا بقول خليها بكرة.
في غضون طُرفة عينٍ كان يبتعد عنها نحو باب الشقة من جديد لكي يلحق الذهاب إلى بيت “العطار” بينما هي ضربت كفيها معًا وهي تقول بنبرةٍ عالية تُرثي حالها:
_الصبر يا رب من عندك على خلفة ابن المجانين دا.
جلست شاردة في حديقة البيت بحزنٍ لم تختبره من قبل، تلك المرة هي أحبت وفرحت بدخوله حياتها لكن يبدو أنه لم يتقبل طبعها، ما تفهمه هي الآن أنه لم يعد يشتهي علاقته بها، ربما تكون ضغطت عليه كثيرًا لكنها لم تتنازل عن مبادئها وتعاليم دينها حتى وإن بقيت العمر أكمله بمفردها.
لاحظت “مهرائيل” حالتها فنفخت بضجرٍ وهي تقول:
_يابت ركزي مع أمي، مالك ليه زعلانة ؟؟.
انتبهت لها “آيات” وحركت رأسها نفيًا ثم هتفت بلهفةٍ تسألها بما يشغل عقلها:
_طب تفتكري هو ممكن يكون زهق ؟؟ أو اللي حصل مع “أيوب” دا هو السبب يعني أنه يبعد ؟؟ بس حتى لو كدا هو صاحبه يعني المفروض أنه يعرفه من قبلي حتى.
هتفت “مهرائيل” بسخريةٍ تنفي حدوث هذا الشيء:
_لأ يا شيخة بطلي عبط، هو ممكن يكون مضغوط أو طنط “نجلاء” مزعلاه شوية، إنما “أيوب” دا صاحب عمره ومتربيين مع بعض، دا كان بيلف زي “أيـهم” علشان يحاول يخرجه، متظلميهوش.
هتفت “آيات” بحزنٍ زاد أكثر من السابق بسبب نفي صديقتها وكأنها كانت تتمنى حدوث هذا الشيء:
_أومال إيه يا “مهرائيل” لو مش اللي حصل لـ “أيوب” هو السبب يبقى إيه السبب ؟؟ معقول يكون زهق مثلًا وقال إني معقدة وهخنقه؟؟ بس والله أنا زي أي بنت عادية عاوزة ربنا يكرمنا مع بعض بحلال يكون فيه بركة، بحاول أطبق اللي الدين أمرني بيه.
ابتسمت لها “مهرائيل” بينما أتاها صوته من خلفها يقول بآسفٍ سيطر على نبرته وحديثه وطريقته:
_بس أنتِ مش زي أي بنت، أنتِ زي الملايكة، بالنسبة ليا ملاك ربنا رزقني بيه وغباء مني لو ضيعتك مني تاني، المرة دي هتأكد فعلًا أني مكانتش استهلك من الأول.
اتسعت عيناها بدهشةٍ وكأنها لم تتوقع قدومه إلى هُنا، بينما هو تحرك حتى وقف أمامها يعتذر منها بقوله نادمًا وكأنه قاب قوسين من الانصهار بسبب فعله:
_أكيد مكانش قصدي إنك تفتكري نفسك تقيلة عليا للدرجة دي، لأنك مش كدا وأبعد ما يكون عن كدا، أنا بس كنت متخانق مع ماما شوية وكان فيه مشاكل عائلية بسبب خالاتي، علشان كدا مقدرتش أتعامل معاكِ وأنا مخنوق، بس عشمان إنك تديني فرصة تانية أصلح بيها الغلط اللي حصل.
نظرت لـ “مهرائيل” التي حركت كتفيها بحيرةٍ فتنفست هي بعمقٍ ثم قالت بحديثٍ جادٍ يتنافى مع فرحها بتقديره لها:
_ حصل خير يا “تَـيام” أهم حاجة بس والدتك مينفعش تزعلها علشان اللي ملهوش خير في أمه عمره ما هيكون ليه خير في حد، والطيب وحنين مع والدته هو نفسه البار بعيلته وهو اللي هيقدر مراته وهو نفسه اللي هيحافظ على بنته علشان المباديء مبتتجزأش، لو عليا حصل خير الحمد لله إنكم بخير.
ابتسم لها بمحبةٍ خالصة تنطقها عيناه، هي كما قال حقًا تشبه الملائكة وخير الرزق الذي حصل عليه في حياته، زوجة صالحة يعطيها الله له دون أن يجتهد هو في هذا بل رزق ساقه الله له ومَنَّ عليه بها دون عن سائر النساء، لذا قال حينما لاحظ خجلها من نظراته لها:
_ربنا يبارك فيكِ ويقويني لحد ما أكون الشخص اللي يستاهلك، علشان حاليًا دا أكبر همي.
ابتسمت بخجلٍ ثم حركت رأسها للجهة الأخرى فوقع بصرها على الكتاب الذي قضت به أيامها السابقة حينها سحبته بفرحةٍ وأعطته له وهي تقول بلهفةٍ:
_دا كتاب حلو جدًا وهيفيدك في حياتك بصفة عامة، أتمنى إنك تقرأه إن شاء الله وتقدر تستخلص منه حكمة تنفعك وتنفع بيها الناس اللي حواليك، اتفضل.
وزع نظراته بتساوٍ بينها وبين الكتاب ثم سألها بإحراجٍ من استعارته لهذا الكتاب منها:
_طب كدا مش ممكن تكوني محتجاه تاني؟.
حركت رأسها وأضافت بتفسيرٍ:
_أنا قرأته مرتين أصلًا، وفيه عند “أيوب” منه لو احتاجته هقرأه من عنده، اتفضل.
أخذه منها وهو يقول بنبرةٍ هادئة جادة:
_أنا مش غاوي قراية أوي يعني، بس هقرأه علشان لو خدت حكمة منه أو لقيت حاجة تنفعني تبقى في ميزان حسناتنا مع بعض، ربنا يكرمك بكل الخير.
زاد خجلها منه فيما تحرك هو من المكان عائدًا للخارج بعدما أخذ الكتاب وكأنه حصل على أغلى ما يمكن للمرء أن يحصل عليه وهو كتابٌ منها هي، شريكة عمره ورفيقة دربه، فياليت كما التقى بها في دنيته، يجمعه بها في المولى في جنته.
ضحكت “آيات” بسعادةٍ بعد رحيله وكذلك “مهرائيل” التي ركضت نحوها تحتضنها بحماسٍ شديد وكأن كلتاهما أخيرًا تتذوق الفرحة من هجرانها للأولى وترويض الأخرى.
__________________________________
<“أخذ الحق كما الحِرفة يُتقنها الماهر”>
وصل “عبدالقادر” لبناية “عـهد” برفقة الشابين ونساء عائلتها وعمها وقد سبقهم نحو هناك “بيشوي” الذي ظل كما الدرع يقف في الأسفل لحمايتهم، وما إن وصل “عبدالقادر” صعد معهم بهيبةٍ طاغية وهو يطالع “وجدي” الذي ظهر عليه الخوف منه لينطق “بيشوي” بنبرةٍ هادرة يحذره بقوله قبل أن يتمادى وهو يشير إلى “عبدالقادر”:
_لو الراجل دا أمرك بحاجة فوق وفكرت بس تلاوع أنا مش هقولك هعمل إيه، أنا هسيب خيالك يسرح لبعيد، ماشي؟؟.
تدخل “عبدالقادر” يمنعه بقوله:
_خلاص يا “بيشوي” !! هو عاقل بما فيه الكفاية.
رفع “بيشوي” حاجبه ونظر إلى “وجدي” بنظرةٍ أرعبته وهو يقول:
_أتمنى يا حج، أتمنى إن دا يحصل.
بعد مرور دقائق اجتمعوا في شقة “عـهد” يترأسهم “عبدالقادر” ومعه في الجوار “يوسف” باعتباره رجل البيت، وبعد جلوسهم تحدث “عبدالقادر” لـ “يوسف” قائلًا:
_أدخل هات “عـهد” يا “يوسف” يلا.
حتى هذه اللحظة ألتزم الصمت تمامًا، صمته يقلق من يعرفه ويطمئن من يجهله، لذا ساور القلق قلب “أيوب” لكنه نحى سوء ظنه وانتظر خروج “يوسف” بزوجته.
خرج “يوسف” بها وهو يمسك كفها بتملكٍ واضح يبثها القوة والأمان معًا أما هي عنها بمجرد خروجها لهم تلقائيًا تمسكت بذراعه بكلا كفيها خاصةً من المرفق وكأنها تراه درعًا أمامها، فتحدث هو في هذه اللحظة ولأول مرّة أمام الرجال قائلًا:
_دلوقتي أنا أهو هادي ولحد دلوقتي ساكت، بس حق مراتي مش هسكت عنه، وقبل ما حد يتكلم أنا هسمع منها هي قبلهم وأظن منظرها أهو قدامكم بيقول كل حاجة.
التفت لها فور إنتهاء حديثه ثم طلب منها أن تتحدث بقوله الذي نطق بالكثير من المشاعر أولها الدعم لها:
_يلا يا “عـهد” قولي حصل إيه، أنا معاكِ هنا.
سحبت نفسًا عميقًا قبل أن يظهر بكاؤها فحرك رأسه موافقًا عدة مراتٍ وهتف بنبرةٍ مُصرة:
_يلا قولي حصل إيه، أنتِ صاحبة الحق.
حركت رأسها موافقةً ثم بدأت في سرد ماحدث جملةً وتفصيلًا بدون أي مزايدات، قصت عليهم جميعًا ماحدث منذ مهاتفة صديقتها لها حتى هذه اللحظة بمشاعر راوضها الخوف والانكسار ليتدخل هو يزيدها عِزة وقوة، لتعود هي إلى نفسها من جديد وتسرد الحدث حتى أنهت تمامًا وسألتهم جميعًا بنبرةٍ منكسرة:
_أنا قولت أهو لو فيكم شايف مني غلط يغلطني، أنا واحدة صاحبة الحق ودا حق أبويا وتعبه.
التفت “يوسف” يطالع عائلتها وهو يسأل بنبرةٍ جامدة:
_ها يا حج “وجدي” !! هتغلطها؟؟.
هتف يدافع عن نفسه بغلظةٍ وتبجحٍ أمام البقية:
_يعني هو فيه واحدة تيجي تفضح عيلتها كدا قدام الناس الغُرب ؟؟ ليه إحنا فين؟؟ من يوم ما أبوها مات وهي عاوزة تبقى حرة نفسها ملهاش كبير، لما جيت أبقى كبيرها رفضت، إيه هخلي الناس تجيب في سيرتنا بسببها !!.
همت بالرد عليه تدافع عن نفسها فوجدت “يوسف” يقطع عليها الطريق وهتف يرد بالنيابة عنها:
_لا عاش ولا كان اللي يجيب سيرتها، دا أنا أدفنه مكانه قبل ما يفتح بوقه بسيرتها، مراتي طول عمرها سمعتها زي الجنيه الدهب، واللي يفكر ييجي على سكتها أنا مش هسمي عليه، ثانيًا بقى دا حقها وتعب أبوها، عاوزها تسمي عليكم وتزغرطلك وأنتم بتوزعوا حقها وحق أختها ؟؟.
هتفت “نشوى” بتهكمٍ وهي تتحرك في جلستها بطريقةٍ سوقية دونية لا تخرج من إمرأةٍ محترمة أمام الرجال:
_وهو فين الحق دا ؟؟ دي فلوس أبويا هتشفطها هي وأمها ؟؟ ملهمش أخ يا حبيبي، بعدين هتمد أيدها على عمتها كمان؟؟ ما تجاوبني يا ستي الأستاذ.
وزع نظراته بينها وبين “عبدالقادر” الذي ظهر الضيق والاستياء على ملامحه فهتف حينها “يوسف” بوقاحةٍ:
_كبيري علمني مردش على الحريم خصوصًا لو كانت حُرمة ناقصة أدب زيك كدا وعلشان كدا اكتمي خالص وكلامي مع كبيرك، حق مراتي هيتاخد دلوقتي يا حج “وجدي”.
تدخل “عبدالقادر” يشير إليهم بقوله بنبرةٍ صارمة:
_هتقوموا دلوقتي تبوسوا راسها وتحقوا نفسكم قدامنا كلنا، دا أول حاجة، يلا بدل ما أقسم بربي لأكون متصرف أنا تصرف مش هيرضي حد فيكم أبدًا.
قاموا بإذعانٍ له يقومون بما طلبه هو منهم على الرغم من ضيقهم ونفور “عـهد” منهم، فيما أنتظر “يوسف” إنتهاء فعله ثم نطق بجمودٍ يقول:
_بعد إذنك يا حج أنا عاوز مفاتيح الشقة بتاعة حمايا في بيت العيلة، ومفيش بيع للشقة ودا شرطي الأول، التاني بقى “عـهد” تدخل البيت وقت ما تحب هي وأختها وأمها، زي ما كل واحد فيهم عنده بيته هناك يبقى هي زيها زيهم تعيش في بيتها والمفاتيح تيجي دلوقتي، يا كدا يا عليا وعلى أعدائي.
اندفع “وجدي” يسب ويصرخ عاليًا يرفض حديث “يوسف” فتدخل “أيوب” يقول بثباتٍ:
_حج “وجدي” !! الراجل مقالش حاجة غلط، دا شرع ربنا وحقها، الشقة من حق مدام “عـهد” وشرع ربنا حكم بورث الست والبنت، مفيش حاجة اسمها الستات والبنات ملهاش ورث، هتقف قدام ربنا تقوله إيه ؟؟ بحارب شرعك وبرفض أوامرك ؟؟ هتعاند ربنا !! أعوذ بالله يا أخي، تغور الفلوس اللي تخلي الإنسان يجحد على القرآن وأحكام دينه بشكل بشع زي دا.
تدخل “عبدالقادر” ينطقها أخيرًا ويطلق أوامره:
_هي كلمة، المفاتيح تخرج دلوقتي حالًا تتسلم في أيد “عـهد” قدامنا كلنا، وعلى الله حد فيكم يفكر يقفلها تاني عند البيت سواء جوة أو برة، تدخل وتخرج براحتها ولو سيرتها جت على لسان حد فيكم أنا مش هفكر مرة واحدة قبل ما أقطعه، يلا يا “وجدي” !! خرج المفاتيح.
أخرج “وجدي” المفاتيح رغمًا عنه ثم وضعها على الطاولة بحركةٍ عنيفة تعبر عن رفضه للموضوع فقال “يوسف” بثباتٍ وتحدٍ له:
_تقوم تحطهم في أيدها هي مبتشحتش منك.
زفر “وجدي” ولعن شقيقته وزوجته ونفسه لتسببهم في هذا الأمر لذا نقل فكره لحين إشعارٍ أخر ثم وضع المفتاح في يدها وهي تطالعه بتعجبٍ، هل يخاف منهم لهذه الطريقة أم أنه فقط يسايس الأمور حتى تخضع له في النهاية ؟؟ غاصت في فكرها وخرجت على حركة موجة مفاجئة كان مصدرها “يوسف” حينما قال بوقاحةٍ أمام الرجال:
_طب كدا بقى برة من غير مطرود علشان إحنا عيلة واحدة عاوزين نتعشى مع بعض، نورتونا وإن شاء الله منتقابلش تاني دا الأحسن ليكم.
حاولوا حفظ ماء وجههم من بعد احراجه لهم وقد تحركوا بالفعل وخلفهم “بيشوي” الذي تطوع من نفسه لهذا وفي الداخل تحدث “عبدالقادر” يستفسر منها بقوله:
_ها !! مرضية كدا يا بنتي ؟؟ أنا عملت كل دا لحد ما الشقة ترجعلك، عاوزة حاجة تاني ؟؟.
حركت رأسها نفيًا وهي تطالعه بنظراتٍ ممتنة فابتسم هو لها ثم تحرك نحو الخارج يلحقه “أيوب” الذي تركهما بمفردهما، فسألها “يوسف” باهتمامٍ:
_عاوزة حاجة تاني ؟؟ راضية كدا ؟؟
هزت رأسها نفيًا وهتفت بلهفةٍ تشكره على فعله:
_أنا كدا مبسوطة أوي، شقة بابا رجعتلي، صدقني والله أنا ممكن العمر كله أعيش تحت أمرك بسبب اللي حصل دا، الشقة دي أغلى حاجة عندي، أنا ممكن أعمل أي حاجة أرد بيها جميلك دا.
تعجب هو من هوان نفسها عليها بهذه الطريقة الغريبة التي صدمته ولم تقف عند حد التعجب فقط، لذا هتف بنبرةٍ جامدة يوقفها عن قولها ويُعدل عليها بقوله:
_دا مش جِميل، دا حقك عليا وأنا قولتلك دا، اللي حصل قدامك دا حقك عليا لحد أخر لحظة فيا النفس فيها، أنتِ مراتي وملزومة مني لو معملتش كدا أبقى مش راجل أصلًا.
ابتسمت له على عكس المفترض أن تعانده أو تعترض على طريقته، فيما ابتسم هو لها ثم سحب نفسًا عميقًا يمسك كفيها بكفيه فوجدها تقول بتوترٍ وكأنهى تخشى الحديث:
_أنا عاوزة أقولك إنك داويت جروح كتير أوي الليلة دي، جروح كانت حية بتنزف وأنا مش قادرة أوقفها، شكرًا.
ابتسم هو بسعادةٍ لم يعلم سببها وتعجب من حديثها اللطيف وهي تصارحه ثم تنهد بقلة حيلة وهتف بنبرةٍ هادئة:
_”الأبنودي” قال “أصل المحبة مش بالقول يا تداوي جروحي يا إما بلاش” وأنا قولتلك أني رقبتي فدا صحابي.
حركت رأسها موافقةً فأتت والدتها تمسك في يدها العصير واقتربت منهما لتترك “عـهد” يديه بخجلٍ وكأنها انتبهت لهذا بخروج والدتها.
في الخارج وقف “عبدالقادر” يتحدث مع “أيوب” حتى ظهرت “قـمر” من شقتها فابتسم “أيوب” لها وحينها قال “عبدالقادر” بنبرةٍ أقرب للضحك:
_طب يا شيخنا، خلص وانزلي أنا مستنيك.
نظر له “أيوب” فغمز له “عبدالقادر” وتحرك من المكان يلج داخل المصعد بينما “قـمر” أقتربت منه تسأله بوجهٍ يبتسم ببشاشةٍ كعادتها:
_جاية أقولك أني صليت الضحى الحمد لله و يا رب أواظب عليها، بس عاوزة أسألك عن حاجة تاني.
أومأ لها موافقًا ينتظر منها التكملة فوجدها تضيف بخجلٍ من نفسها وكأنها تعترف أمام والدها بجرمٍ اقترفته:
_بصراحة، أنا بكسل كتير عن صلاة الفجر، بقول هقوم أهو وبعدها أحس إن الجو ساقعة وبعدها أحس إن لسه بدري، رغم والله إني بفضل أحاول، عاوزة أفضل مواظبة عليها وأفرح وأنا بصليها حتى لو نايمة أصحى.
ابتسم هو لها ثم أقترب منها يقول بنبرةٍ هادئة مفسرًا لها ما وددت السؤال عنه:
– من صلّى الفجر فهو في ذمّة الله، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:
«من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله»
رواه مسلم.
– المداومة على صلاة الفجر علامة فارقة بين المنافقين والمؤمنين فهي دليل للبرء من النفاق، قال -عليه الصلاة السلام:
« أثقلُ الصلاةِ على المنافقينَ صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ ولو يعلمونَ ما فيهما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا».
يعني اللي قلبه عمران بالإيمان لوجه الله تعالى بدون رياء أو نفاق هو اللي يواظب على كل الفروض.
– من صلى الفجر فكأنما قام الليل كله.
– يكون للمداوم على صلاة الفجر أجر حجّة وعمرة؛ إذا بقي يذكر الله حتى تطلع الشمس قال -عليه الصلاة والسلام-
«من صلى الغداة في جماعة، ثمّ قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمره»؛ وصلاة الغداة هي صلاة الفجر،
رواه الترمذي.
– صلاة الفجر غنيمة لا تعادلها غنائم الدنيا وكنوزها.
– النجاة من النار والبشارة لهم بدخول الجنة قال – صلى الله عليه وسلم-
« لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل مغربها»، رواه مسلم.
– شهود الملائكة والثناء على من صلى الفجر حاضرًا، قال -عليه السلام-:
«تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر»، رواه البخاري ومسلم.
– بشارة بنورٍ تام يوم القيامة، فقد روى عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قوله:
«بَشِّر المَشَّائين في الظلمات بالنور التام يوم القيامة»؛ وهي إشارة إلى صلاة العشاء وصلاة الفجر في وقتها لوجود العتمة فيهما.
_صلاة الفجر، توفيق من الله – عزّ وجل – ومن محبّة الله لعبده ورحمته به وفقه لأدائها من بين جميع النائمين والخاسرين.
وكذلك فيها فضل عظيم، لقوله رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّه، فَلا يَطْلُبنَّكُم اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدرِكْه، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّم رواه مسلم.
عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ صَلَاةٌ ‌أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ).
نسأل الله أن يوفقنا لأدائها والمحافظة عليها، إذًا صلاة الفجر وفريضة الفجر : تجعلك فى ذمة اللَّه
سُّنة الفجر: خير من الدّنيا وما فيها
قُرآن الفجر :
تشهدهُ ملائكة الليل وملائكة النهار
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}
صلاة الفجر من أسباب رؤية اللَّه عزّوجلّ فى الجنّة، فاللهم أكتبها لنا وبارك لنا وأرزقنا حُبك وحب عبادك الصالحين وجنتك وأحبنا حتى ترضى عنَّا.
ابتسمت بسعادةٍ بالغة ثم رفعت كفيها تتضرع لله بقولها:
_ربنا يباركلي فيك وتفضل معايا كدا تاخد بأيدي ونمشي الطريق سوى لحد ما أكون زيك أو حتى قريبة منك.
أبتسم هو بسعادةٍ زينت محياه الصافي ثم قال بنبرةٍ رخيمة:
_أنتِ كدا كدا قريبة مني، وكدا كدا شبهي، علشان القلب لما بيختار أهل غير أهله بيتعب، ويشهد ربنا إن من يوم وصالك وهو متهني، ربنا يكرمنا برحمته ويرزقنا مع بعض بالصلاة في بيته الكريم وتبقى حلة العمر مع رفيق العمر.
لمعت عيناها بفخرٍ وتمنتها بقلبها فيما أقترب هو يُلثم جبينها بحنوٍ مُقتديًا بخير الأنام في أخلاقه ثم تركها ورحل من البيت، وخلفه هذه المسكينة قلبها تتصارع ضرباته لذا ركضت نحو الداخل تلج شقته.
بعد مرور عدة ساعات أسدل بها الليل ستائره وبدأ في الناس في الخلود للنومِ بعدما أتى وقت الراحة لتبدأ رحلة جديدة في يومٍ جديدٍ بعد انقضاء الليل، وخاصةً في مكانٍ شبه مجهول لم تظهر معالمه حتى الآن وصله بخطواتٍ هادئة ومنها إلى بيتٍ متهالكٍ وتحديدًا إلى الوجهة التي حددها قبل نزوله.
كان الأخر يتسطح الفراش في شقته بمفرده بدون زوجته التي تبيت ليلها في غرفةٍ أخرى لذا نام بدون أن يحمل في ذهنه عبء التفكير أو حتى القلق من أي شيءٍ حتى تمطع بجسده على الفراش وتقلب للجهة الأخرى وبعد مرور ثوانٍ أخرى شعر بشيءٍ معدني يُلامس عنقه، فمسح محلما شعر باللمسة، لتظهر مرةً أخرى فكرر نفس الفعل وفتح عينيه على مضضٍ ليتفاجأ بـ “يوسف” جالسًا على المقعد بجوار الفراش في وضعٍ يعاكس طبيعة المقعد وحينما اعتدل “وجدي” في الفراش بخوفٍ وفتح المصباح المجاور له ابتسم “يوسف” بسخريةٍ وهتف باستهتارٍ:
_براحتك خالص، أنا هنا ليا مهمة هخلصها وأمشي تاني.
هتف “وجدي” باستهجانٍ شديد لتواجده وحديثه:
_أنتَ بتعمل هنا إيه ؟؟ مش خِلصنا ؟؟ وخدت حقها؟
حرك رأسه نفيًا ثم هجم عليه يضع مديته على عنق “وجدي” وهو يقول بنبرةٍ هامسة بالغة الأثر العنيف في الأنفس حتى وصلت لحد الرعب:
_دا حق أبوها وحق أمها واللي جابه “عبدالقادر العطار” إنما حق مراتي أجيبه أنا بأيدي، وزي ما بيقولوا أخد الحق حِرفة، ومحسوبك حريف جامد وحقي ميباتش برة، على البركة نبدأ !!.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى