روايات

رواية ملاك بوجه شيطاني الفصل الخامس 5 بقلم آية محمد رفعت

رواية ملاك بوجه شيطاني الفصل الخامس 5 بقلم آية محمد رفعت

رواية ملاك بوجه شيطاني الجزء الخامس

رواية ملاك بوجه شيطاني البارت الخامس

رواية ملاك بوجه شيطاني الحلقة الخامسة

أفاق من غفلته القصيرة، فأعاد الحياة لوالديه بعدما مروا بأصعب اختبار، فلم يرزقهما الله سوى به، وبعد صبر دام لعشر سنوات، ثمرة فؤادهما وما تمنوا يومًا هدايته بكل منى، تحسنت حالة “مصطفى” تدريجيًا وخاصة باليوم التالي، فتمكن الشرطي بأخذ أقواله، وأعترف بكل شيء فور أن اتصل به اصدقائه إلى لحظة مساعدته لصبا وتهريبها من الكوخ، فلم يكن هناك ما يدينه وخاصة بعد أن تطابقت أقوالها معه، وبوجود الدليل القوي (كاميرا هاتف أحد الجناة) لم يتهم بشيءٍ، اسند “مصطفى” رأسه للخلف براحة وامتنان كبير يشعر به تجاه ربه، فإن حدث لها سوء لم يكن ليسامح نفسه أبدًا، مازالت كلمات والدته تتردد على مسمعيه، فإن كان أصابها سوء أو فقدت حياتها سيكون المتهم الوحيد بالأمر، وخاصة لما حدث بالجامعة وتهديده لها أمام معظم طلاب الجامعه، وبعيدًا عن كل ذلك كيف سيحتمل رؤية خدش واحد يمسها، فوالله لأصابه الجنون حتمًا، وكان سيحول العالم لمحرقة تبتلعهم حيًا، احتضن “مصطفى” جرحه بيده وحاول النهوض عن فراشه، فتأوه بألمٍ جعل أبيه يقلق في منامته، فاسرع إليه وهو يسأله بلهفةٍ:
_رايح على فين يا ابني!
استند “مصطفى” على ذراع أبيه وردد بصوتٍ خافت:
_عايز أتوضا.. ساعدني يا بابا عايز أصلي!
التمعت عين اباه بالسعادة، للجوء ابنه وهو بتلك الحالة لربه، فسانده حتى خرجوا معًا للطرقة المطولة، ولم يتركه الا بعد أن أتم الوضوء على أكمل وجه، وعاد به لفراشه من جديدٍ، ففرش مقابله سجادة الصلاة، ليؤديها على فراشه بعذر حالته الصحية، وبالرغم مما أصابه الا أنه مازال يتذكرها في دعائه!
كان يدعو الله أن لا تتحطم نفسيتها بعد ما تعرضت له! استمر بالدعوات فأخذ يناجي ربه بأن يحفظها وأن تكون في أحسن حال، وضعف عن قوة تحمله فردد بداخله وتلك الدمعة تتدفق على خديه:
_متحرمنيش شوفتها يا رب.. حتى لو مرة واحدة ومن بعيد.. أنا عارف ان دي معصية بس أنت اللي عالم بقلبي وبحالي، أنت الأحن عليا.
دعوته الصادقة استجابت من فوق سبع سنوات، وكان تأثيرها غريبًا عليه بعض الشيء، لم يكن عقله مهيئ لاستقبال ما يحدث هنا، لوهلةٍ ظن أن من فرط شوقه لها يتوهم وجودها أمامه، الغرفة التي وُضع بها لم يكن بها وحيدًا، فكان يشاركه به أربعة من المرضى وكلًا منهم بصحبة فرد من عائلته، ووالدته الآن هي من تجلس به بعد رحيل زوجها للمنزل، رمش “مصطفى” بعينيه بدهشةٍ، وهو يحاول أن يهدأ من ضربات قلبه التي ستهلكه لا محالة، فحانت منه نظرة جانبية لوالدته فوجدها تتطلع لها ببسمةٍ صغيرة أكدت له بأنها بالفعل هنا، فعاد ليتطلع لها مجددًا بصدمة.
كانت تقف على مقربةٍ من سريره ويبدو عليها الارتباك بقرار قدومها، تقدم قدمًا وتؤخر الأخرى، حانت منه نظرة فابتسامة داعبت شفتيه حينما رأى خمارها الوردي يرفرف من خلفها كمعتاد نقائها الطاهر، وإن يكن وجهها يكسوه بعض الإرهاق الا أنها مازالت تمتلك هالة تفرض سلطانها على عقله وقلبه وجسده وكل ما يمتلك!
اقتربت منهما “صبا” وعلى استحياءٍ رددت:
_السلام عليكم.
أجابتها والدته بترحابٍ شديد:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وتمعنت بالتطلع إليها وهي تهمس بصوتٍ كان مسموعًا لها بالرغم من انه منخفض:
_دي صبا!
حذرها بنظرةٍ خاطفة منه، فنهضت عن المقعد ثم قالت:
_اتفضلي يا حبيبتي.
بخطوات مضطربة اتجهت “صبا” للمقعد، وطال بها الوقت ومازال الصمت يستحوذ عليها، كانت تفرك أصابعها بتوترٍ لقرارها بالمجيء للاطمئنان عليه بنفسها، فحتى ما يقال بمثل ذلك الموقف لا تعرفه، عاجزة عن اختيار ما ستقول، استأذنت والدته لتحضر شيئًا لها ولابنها المريض، ولم تبقى سوى هي لجوار فراشه بتلك الغرفة التي تعج بالناس من حولها، ومع ذلك كانت تشعر بأنها بمفردها معه، كانت تشعر بخجل شديد إلى أن قرر مصطفى رفع الحرج عنها حينما قال بصوتٍ رخيم:
_مفيش داعي احساسك بالذنب يجبرك تيجي لحد هنا.. أنا متفهم اللي حساه وبعفيكِ عن أي واجب ممكن تحسيه تجاهي.
رفعت عينيها المرتبكة إليه، ومازالت لا تعلم ماذا يقال وأي ستقول! ، لذا سألته بتوترٍ:
_أنت كويس؟
أومأ برأسه بابتسامةٍ هادئة، بينما يكافح بالأ يتجاوز بحديثه الحدود فعجز عن ذلك لذا همس بشيءٍ من المرح:
_بقيت زي الحصان لما شوفتك.
لم يروق لها حديثه الذي اربكها ربكة فوق ربكتها، خطف نظرة لما ترتديه بين أصابعها بحزنٍ جعل قلبه ينغز بقوةٍ، فمازالت ترتدي دبلة الخطبة بعد، بالرغم من أن خطيبها لم يشاركها بتفاصيل ما حدث وقد بدى غريبًا بالفترة الأخيرة، نظراته المفعمة بالحب جعلتها لا تطيق الجلوس، فنهضت وهي تحمل حقيبتها وأخبرته على استحياءٍ:
_أنا لازم أمشي.
أشار برأسه بتفهمٍ، وأرغمها بأمرٍ كان صارمًا بالرغم من أنه بصالحها:
_خدي بالك من نفسك واختاري الشوارع اللي تمشي منها.
اكتفت بإيماءة بسيطة من رأسها قبل أن تتحرك خطوتين وعادت بهما لتقف قبالته من جديدٍ، أمسكت طرف السرير الحديدي بين يدها، تخفف ضغط ما تشعر به، وتبذل مجهود لتخرج تلك الكلمات الثقيلة التي أتت خصيصًا للبوح بها:
_شكرًا على اللي عملته معايا.
تعمق بالتطلع إليها وهو يخبرها:
_أنا عملت كده عشان نفسي مش عشانك.
رفعت عينيها تجاهه بدهشة لجملته الغامضة، فاسترسل بنفس تلك البسمة:
_امشي يا صبا.. ومتحاوليش تفسري كلامي.. لانك عمرك ما حسيتي بيا ولا هتحسي.
ابتلعت ريقها بتوترٍ، وانسحبت تلك المرة حتى غادرت المشفى بأكملها، وبقى هو يتأمل المقعد تارة وحافة الفراش التي لامستها بيدها تارة أخرى، فقد منحته تلك الدقائق المعدودة سعادة جعلت لقلبه نصيب من الفرحة المسلوبة منه.
********
القلق كان يسيطر على وجهها، ومازالت تخطو بالردهة ذهابًا وإيابًا وهي تطرق بيدها بقلةٍ حيلة، تابعتها ابنتها الصغرى بشفقةٍ واقترحت عليها:
_هتلاقيها راحت مشوار هنا ولا هنا وراجعة… تعالي اقعدي عشان رجلك.
رددت بخوف يتبعها كالشبح:
_مشوار فين بس.. هي عمرها ما راحت أي مكان من غير ما تقولي!
واتجهت نظراتها المشككة تجاه زوجها الذي يقرأ الجريدة بهدوءٍ، فتساءلت بحيرةٍ:
_هي صبا قالتلك هي راحة فين يا صالح؟
قلب صفحة الجريدة بهدوءٍ جعلها تتأكد من شكوكها، وقبل أن تضيف كلمة أخرى كان باب شقتها يفتح وتدلف منه ابنتها، فاتجهت إليها وهي تصيح بغضبٍ:
_روحتيله المستشفى صح يا صبا؟
أخفضت عينيها أرضًا بخجل، فاستطردت والدتها بعصبية بالغة:
_نزلتي كده عادي من غير ما تقوليلي راحة فين ده انتي عمرك ما عملتيها!
أجابتها بتردد:
_لاني كنت عارفة ان حضرتك مش هتوافقي فاستأذنت من بابا ووافق.
ابتعدت نظراتها المحتقنة عنها واتجهت تجاه زوجها، لتنشب حربًا بينهما:
_أنت كنت عارف بنتك راحة فين وسبتها يا صالح! أنت مش عارف الواد ده كان بيضايقها ازاي والمشاكل اللي عملالها!
أبعد الجريدة عنه ثم استقام بوقفته وهو يشير لابنته بحنان:
_ادخلي اوضتك انتي يا حبيبتي.
أشارت له بوقارٍ واتجهت لغرفتها، بينما صاح هو بها بانزعاجٍ:
_كان واجب عليها ولازم تعمله.. الولد ده هو سبب نجاة بنتك ولو مكنتش عملت كده من نفسها كنت هطلب منها تروحله.. الواد كان بين الحيا والموت وكل ده عشان بنتك..
رددت بدهشةٍ مما يخبرها به:
_عمل الواجب وشكرناه وانت مسبتهوش لسه عايز أيه يا صالح!!
ابتسم وهو يقرأ ما يدور بعينيها، ثم قال:
_أنا منكرش اني نظرتي فيه اتغيرت واني ندمت اني رفضته واصريت على ده… الولد اثبتلي انه راجل وهيقدر يحمي بنتي بروحه لو حكمت وأنا مش هعوز أكتر من كده بس انا في نفس الوقت عاجز اني أجبر بنتي على خطوة زي دي.. هي اللي هتعيش معاه مش أنا..
جحظت عينيها في صدمةٍ بالغة.. فصاحت به:
_أنت ناسي إن بنتك مخطوبة ولا أيه؟
أخبرها باستهزاءٍ:
_هو فين خطيبها ده ، اللي اتخلى عنها وقت ما عرف باللي حصل ولا منه فاسخ الخطوبة ولا معاها، انا بنفسي هرجعله دهبه النهاردة، أنا بعد اللي شوفته اكتشفت ان المظاهر دي خداعة أوي، واللي تفتكرهم ولاد ناس وعلى خلق يضربوك الضربة تخليك تلف حولين نفسك.. الحمدلله اننا لسه على البر.
وتركها واتجه لغرفته وهو يستطرد بحذمٍ:
_من بكره هأخد دهبه وحاجته وهرجعهمله.. كل شيء قسمة ونصيب.
******
لأول مرة كانت تشعر بأنها تائهة في عدة دروب، تعجز حقًا عن رؤية طريقها، تخشى بأن ما يلامس قلبها ما هو الا الشفقة تجاه هذا العاشق المختل، تخشى أن تكون ضحية تقدير رد معروفه، فتظل تعاني عمرها بأكمله لدرجة تجعلها تتمنى أن يكون هذا اليوم هو نهاية لحياتها عوضًا عن العيش معه، مهلًا هل تفكر حقًا بمنحه فرصة!
ترى ماذا أصاب عقلها وقلبها الذي باتت كلماته تمتلك سحر التحكم به، عساه تغلب على كرهها بحبه وعشقه المجنون، عساه تمكن من اقناعها بمنحه الفرصة لتتعرف عليه من قربٍ، فما عجزت عن فهمه تلك الليلة جعلها واثقة بأن بداخل هذا البلطجي الشرس هناك ملاك يخفي أجنحته وعليها استكشاف الأمر بذاتها، خلعت “صبا” خاتم خطبتها من يدها ومازال عقلها شارد التفكير، وتلك المرة كعادتها ستترك القرار لمن يختار لها الصائب والأخير، فلجأت لربها تصلي استخارة وهي تناجيه بإلحاح بأن يرشدها لتجد دربها الضائع!

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاك بوجه شيطاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى