روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثالث والخمسون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثالث والخمسون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثالثة والخمسون

” هل تتزوجني …؟!!”
نطقتها بثبات ظهر في عينيها بل في كل إنش منها …
كانت تعي ما تقوله …
لم تنطقها في فورة غضب او لحظة مجنونة ..
نطقها بكل ثبات ممكن ..
نطقتها لانها تريدها فعلا ….
كانت تناظره بقوة وصلابة ..
تتحداه ان يرفض …
هي باتت تدرك مكانتها عنده …
باتت تدرك مدى هوسه به ..
هو يعشقها بجنون … عشقه مختل وهي بدورها لا تقل اختلالا عنه …!!
هي المجنونة ، الشرسة وربما المختلة ..
هي من ستلقي بنفسها داخل احضانه ثم تشهر انيابها في صدره فتقتله وحينها لن تتخلص لوحدها منه بل سيتخلص العالم بأكمله من عمار الخولي …
نطق أخيرا وعيناه تفتشان عن أي لمحة تردد تظهر عليها :-
” ادخلي ….”
دخلت على الفور واغلقت الباب خلفها لتلتقي عيناها في عينيه فتكرر سؤالها :-
” هل تتزوجني …؟!”
هتف بقوة :-
” سأفعل ولكن ….”
توقف قليلا ثم مال نحوها قرب وجهها يضيف بتسلط :-
” لن تستطيع أي قوة في هذا العالم على انتزاعك مني ما إن تكوني لي وبين ذراعي ….”
التوى ثغرها بابتسامة باردة وهي تخبره :-
” أحب قوتك … تسلطك وقسوتك ..”
سألها عن قصد :-
” هذا فقط ما تحبينه بي ..؟!”
ردت بتأكيد :-
” لا تنتظر مني مشاعرا لا أمتلكها يا عمار … انا لا أجيد التصنع وانت لن تصدقني حتى لو فعلت ….”
هتف بثقة :-
” بالطبع لن افعل … لا تقلقي بشأن هذا … ما إن تكوني بين ذراعي سوف أعلمك عشقي … سأجعلك تعشقيني كما لم تفعلي من قبل .. ستدركين على يدي معنى العشق الحقيقي وشعور العشق حتى الاحتراق … ”
ثقته جعلتها تبتسم بنفس الثبات وهي تسأله مجددا :-
” ألن تسألني عن سبب طلبي هذا ..؟؟ ألا تشعر بالفضول حيال السبب الذي جعلني أريد الزواج منك ..؟!”
هو يعلم ان هناك سببا ومهما ايضا …
يعلم ان طلبها ليس بدافع نزيه …
بل يدرك جيدا إنها خلف طلبها هذا تضمر له شيئا ما لكنه يريدها …
يريدها كما لم يفعل من قبل …
يريدها بكل قوته وسطوته وغضبه وجنونه …
يريدها بثورة عاشق لا يخمدها سواها ….
هي وحدها من امتلكت قلبه كما لم تفعل غيرها …
هي وحدها من وشمت روحه بعشقها …
هي العشق المرهق والحلم المستحيل فأي جنون سيجعله يرفض حلمه الذي على وشك أن يتحقق و يناله بين ذراعيه كما تمنى دائما …؟!
تقدم نحوها اكثر يجذبها نحوه … يطوقها بين ذراعيه …
يميل نحو ثغرها ويقتنص قبلة ذكرته بتلك القبلة التي نالها منها في سيارته بعدما أخرجها من النادي الليلي ..
يومها تجاوبت معه بطريقة أثارت جنونه كليا بينما لم تكن هي واعيه لما فعلته به من مجرد قبلة …
قبلة لم تكفيه ابدا بل زادته رغبة فيها وفي تملكها ولولا سقوطها غارقة في النوم بعدها بثواني لكان نالها كليا دون تردد …!
اما هي فكانت ثابتة في مكانها …
تتأمل بعينين مشعتين تلك الرغبة المشتعلة في عينيه …
رغبة جعلتها تنتشي بغرور اكبر وهي تدرك من جديد إنها تؤثر عليه بطريقة كبيرة …
تؤثر عليه لدرجة هي نفسها لم تكن تتخيلها …
ابتسمت بخفوت وهي تراقب ابتعاده عنها قليلا وعلى ما يبدو سيتراجع عن تلك القبلة وهذا ما لا تريده …
وهذه المرة كانت القيادة لها ..
وبكل ما تملك من جرأة تقدمت نحوه تميل بشفتيها فوق شفتيه وتقبلها برقة لا تشبهها ..
رقتها جعلته يلتهم شفتيها دون وعي فهي بحركة بسيطة منها جعلته يغرق كليا بها دون مجال للنجاة …!
غرق فيها عمار ونسي كل ما يدور حوله وهي لم تمنحه الفرصة ليتذكر سواها …
غرقت معه وهي تدرك إن في غرقها الآن نجاة قادمة …
غرقا في بعضيهما وكانت القبلة ستتطور الى ما هو اكثر لولا رنين هاتفه الذي جعله يبتعد عنها وهو يزمجر بغضب بينما ظهر الانتصار في عينيها وهي تدرك مجددا ان بعدما حدث قبل لحظات لن يعود اي شيء ابدا كما كان وان سقوط عمار في فخها بات وشيكا …
تابعته وهو يحمل هاتفه ويجيب على المتصل لتظهر الصدمة على ملامحه ..
صدمة تلاها ألم اجتاح عينيه الخضراوين ليغلق الهاتف ويسحب مفاتيح سيارته من فوق الطاولة متجاهلا ندائها خلفه لتغلق الباب خلفه بحنق وهي تتسائل عن هوية المتصل الذي جعله ينسى كل شيء بل ينساها هي كليا ..!
………………………………….
في المشفى …
تقف توليب مستندة على الحائط والدموع تغرق وجنتيها يجاورها شقيقها فيصل بملامحه شديدة الوجوم ..
قبالهما تجلس كلا من زهرة وهمسة التي كانت تبكي هي الأخرى بصمت وعلى مسافة منهما يتحرك مهند ذهابا وإيابا بقلق شديد …
لم يستطع أن يتركها ويذهب خلف الأخرى التي تسببت بكل هذا لها فترك لراغب مسؤولية تولي ذلك ليذهب الأخير الى قسم الشرطة مع احد الحراس بينما سارع هو يذهب مع جيلان التي حضرت الاسعاف ونقلتها بسرعة قصوى الى المشفى وهاهي في غرفة العمليات منذ مدة ولم يخرج اي احد ليطمئنهم عليها …
اما والده فكان يجلس بعيدا عن الجميع بملامح جامدة تماما لا توحي بأي شيء ….
نهضت زهرة من مكانها وتوجهت نحو زوجها تجلس بجواره وتخبره :-
” هون على نفسك يا عابد … ستخرج سالمة باذن الله…”
لم يجبها عابد ولم تظهر أي ردة فعل عليه لتتساقط الدموع من عيني زهرة والتي لم تعد تتحمل أكثر ولم يعد بمقدورها ادعاء الثبات اكثر …
تساقطت دموع توليب بشدة اكبر عندما تذكرت ما حدث وكيف طعنتها تقى بتلك السرعة وعلى حين غرة منها …
جذبها فيصل يعانقها محاولا التخفيف عنها رغم حزنه وضيقه الشديد لتهمس له من بين دموعها :-
” والله لم انتبه الى السكين يا فيصل .. لا اعلم كيف أخرجتها فجأة وطعنت بها جيلان .. كل شيء حدث بسرعة دون أن أعي ذلك ..”
قال فيصل بخفوت محاولا تهدئتها :-
” انت لا ذنب لك يا تولاي …. تلك الحقيرة باغتتك بل باغتت جيلان نفسها وطعنتها … من أين كنت ستعملين إنها تنوي بشيء كهذا لها ..؟!”
تمتمت توليب بوجع :-
” كان يجب أن أبعدها عنها ولكنها اخرجت السكين فورا …”
قال فيصل من بين اسنانه :-
” الحقيرة .. كانت تخطط لهذا جيدا …”
استكانت توليب بين ذراعيه تبكي اكثر عندما تقدم عمار راكضا ليتوقف مكانه وهو يرى وضعيتهم تلك والتي بدت بائسة بشكل أصاب قلبه بالرعب ….
ابعد فيصل توليب عنه وتقدم نحوه بتردد ليسأله عمار بملامح شحبت كليا :-
” ماذا حدث …؟! ”
أجاب فيصل بخفوت :-
” لقد تعرضت لطعنة بالسكين وهي الآن في غرفة العمليات …”
ثم توقف عن بقية الحديث وهو يلاحظ الخوف الظاهر في عيني عمار التي كانتا حمراوين بشدة …
للحظة بدا عمار مختلفا للغاية …
بدا ضائعا وضعيفا …
اختفت نظرات الجبروت والتحدي الملازمة له كلما أقبل عليهم …
شحوب ملامحه وقلق عينيه كان يخبره بمدى خوفه بل رعبه ..
شعر فيصل بالشفقة عليه فهو يدرك رغم كل شيء او عمار يحب أخته كثيرا …!
” ستكون بخير …”
حاول طمأنته قليلا وهو يربت على كتفه ليتجاهل عمار حديثه وهو يتجه الى غرفة العمليات ويقف خارجها قرب الباب المغلقة بملامح مختنقة تماما …
ظل واقفا مكانه بتأهب عاقدا ذراعيه امام صدره ينتظر خروج الطبيب بلهفة …
لم يهتم بما يحدث حوله من احاديث بل وبكاء ايضا …
لم ينتبه لقدوم راغب الذي تقدم نحو والده يحاول التخفيف عنه متجاهلا اخبار الموجودين بما حدث مع تقى ..
هو حتى لم يهتم بالسؤال عن هوية الجاني وسبب جنايته ..
هو لم يهتم بأي شيء سواها ..
سوى خروجها سالمة من غرفة العمليات ….
قلبه وعقله كانا معها ….
صورتها لا تفارق عينيه …
وكلماتها الأخيرة له في ذلك اليوم تتردد على مسامعه فتشعل لهيب روحه اكثر واكثر …
احتقنت عينيه بالدموع ..
دموع لا يستطيع اطلاق العنان لها لانه ان سمح لها بذلك سينهار كليا هذه المرة دون أن يتأكد من قدرته على النهوض بنفسه بعدها ….
شعر بأحدهم يقف بجواره فلم يهتم بالنظر نحوه لكن الاخير تحدث بصوت جامد يخفي خلفه مرارة شديدة :-
” نحن السبب … انا وانت سبب ما يحدث … ”
تضاعف طعم المرارة في حلقه وهو يضيف :-
” انا لن أسامح نفسي أبدا على ما أصابها … ذنبها سيبقى معلقا في رقبتي حتى آخر عمري …”
استدار عمار اليه فتلاقت عينيه الخضراوين بعيني مهند الزرقاوين …
كانتا عينا مهند عبارة عن مشاعر عاصفة ما بين الوجع والأسى والخوف والعذاب وتأنيب الضمير …
مشاعره كانت مختلطة والغريب انها كانت تشبه مشاعره في تلك اللحظة …
كلاهما يتحملان وزرها …
كلا منهما دمرها كلا على طريقته الخاصة ..
وكلاهما يخشيان خسارتها وان كان الخوف لاسباب مختلفة ….
ولكن تبقى الحقيقة الثابتة ان خسارتها ستجعل حياة كليهما تنتهي فالأول لن يستطيع أن يحيا مع تأنيب ضميره نحوها وحقيقة انه كان سببا في رحيلها والثاني يدرك جيدا ان خسارتها يعني نهايته الحتمية فهو كان يعيش لأجلها هي خصيصا منذ رحيل والدته …
خسارتها ستجعله يفقد والدته نهائيا هذه المرة …!!
توقفت أنفاس كليهما داخل صدره والباب أمامهما تُفتح فيخرج منها الطبيب بملامح واجمة جعلت قلب عمار ينتفض بقوة داخل أضلعه ورعبه يتضاعف عندما هتف الطبيب بسرعة :-
” الحمد لله .. تم انقاذها على خير ولكن ..”
توقف لثواني ثم اضاف بأسف :-
” فقدنا الجنين في المقابل ….”
نهض عابد بسرعة وملامحه انفرجت قليلا بينما ظل مهند صامتا للحظات تقدم فيها راغب نحوه وهو يربت على كتفه بمؤازرة وكذلك فيصل عندما وجدوه يندفع نحو الحائط و هو يصرخ بأعلى قوته كأسد حبيس مجروح بينما يضرب رأسه بقوة في الحائط عدة مرات متجاهلا محاولات شقيقيه لإيقافه ….
اعتصر عمار قبضتي يديه بقوة وهو يستمع لصياح مهند الموجع والذي رفض ان يتوقف عما يفعله رغم تساقط الدماء من رأسه ….
شدد من عصر قبضتيه بينما تساقطت الدموع من عينيه ربما لأول مرة بهذا الشكل …
بينما البقية كانوا ينظرون الى مهند بملامح باكية وأولهم والده …!
………………………………
وقفت ليلى قرب النافذة بملامح متحفزة عاقدة ذراعيها امام صدرها تنتظر قدوم كنان بعدما اتصلت به تطلب منه المجيء حالا …
عقلها ما زال لا يستوعب ما سمعته …
ورغم ان كلام مريم كان مختصرا لم يمنحها الكثير مما تحتاج معرفته لكنه كان كافيا لتدرك ما يحدث …
هي كانت تعيش في خدعة …
زوجها الذي منحته قبولها بل ثقتها وأمانها كان يخطط منذ زمن للايقاع بطليقها السابق ولكن ليس هذا ما يهم …
ما يهم هو ما جمعه بشقيقتها …
شقيقتها التي كانت تعمل لصالحه …
شقيقتها التي لم تخبرها بالحقيقة بعد مرور كل هذه المدة على معرفتها به …
لا تصدق حتى الآن إن مريم فعلت بها كل هذا …
رباه لقد كانا يلتقيان ويتحدثان امام عينيها وكأنهما يعرفان بعضهما لتوهما بينما هي كانت تعرفه قبلها وبالتأكيد التقيا مرارا وتحدثا مرارا والله وحده يعلم ما كان بينهما من خطط واتفاقيات وهي كالبلهاء لم تكن تدرك ما يحدث …
كيف خدعاها ولماذا …؟!
وماذا عن انتقام كنان من طليقها السابق …؟!
ربما هي جزء من انتقامه …
لم لا ..؟! كل شيء بات ممكنا بعدما عرفته …
شعرت بوالدتها تقف خلفها تخبرها بخفوت :-
” هوني على نفسك يا ليلى …”
استدارت ليلى نحوها تخبرها بدموع محبوسة داخل مقلتيها :-
” لن أسامحها على ما فعلته … لن أسامحها على خداعها مهما حدث ….”
لم تستطع فاتن ان تقل شيئا ورغم انها لم تفهم ما يحدث بالضبط لكنها استطاعت ان تدرك اساس الموضوع من خلال حديثها وقت الشجار …
ورغم غضبها من مريم وتصرفاتها لكنها كانت قلقة عليها بعدما غادرت المنزل بتلك الطريقة خاصة وهي ترفض الاجابة على اتصالاتها …
تجاهلت افكارها بخصوص مريم وهي تخبر ليلى بترجي :-
” فقط اهدئي حبيبتي … انا اخاف عليك يا ليلى … اخشى ان يصيبك شيء او تمرضي لا سامح الله …”
ثم جذبتها تعانقها فاستسلمت ليلى لها وهي تقاوم دموعها بضراوة لتهمس له بخفوت :-
” هل بقي أحدهم لم يخدعني يا ماما …؟! هل هناك شخص متبقي لم يخذلني …؟! الجميع خذلني يا ماما … ”
تساقطت دموع فاتن على حال ابنتها خاصة وهي تستمع لحديثها بتلك النبرة المليئة بالوجع والضعف لتضيف ليلى ببوح مخنوق :-
” وانا التي كنت أظن إن صدمتي في نديم هي الاقسى لأكتشف ان هناك من هو اقرب منه لي و صدموني مثله و اكثر .. بابا ثم مريم ….”
تساقطت دموعها فوق وجنتيها وهي تضيف :-
” مريم يا ماما .. شقيقتي الصغرى … ابنتي الروحية …”
شددت والدتها من عناقها وهي تتمتم برجاء :-
” لا بأس يا ليلى .. لا بأس يا حبيبتي …. كل شيء سيتحسن … فقط اهدئي …”
رن جرس الباب فسارعت ليلى تبتعد عنها وهي تكفكف دموعها ثم تشير لوالدتها ؛-
” غادري انت الى غرفتك الآن …”
سألتها فاتن بتردد :-
“مالذي ستفعلينه الآن ..؟!”
اجابت ليلى بجدية :-
” لا تقلقي يا ماما .. سأفعل ما هو صحيح … اتركيني وحدي معه من فضلك ….”
اضطرت فاتن ان تومأ برأسها وهي تتحرك مغادرة المكان بصمت بينما تقدمت ليلى نحو الباب تسبق الخادمة التي جاءت لتفتحها ففتحت هي الباب له لتراه يتقدم نحوها وهو يسألها بقلق :-
” ماذا حدث يا ليلى …؟! لماذا طلبت رؤيتي حالا ..؟!”
ثم توقف يتأمل عينيها الحمراوين ليسألها بقلق اكبر :-
” هل كنت تبكين …؟!”
تمتمت بخفوت :-
” تفضل يا كنان …”
تنهد كنان وهو يدلف الى الداخل لتغلق الباب خلفه وتتحرك معه الى صالة الجلوس عندما عاد يسألها بإصرار ؛-
” والآن أخبريني عما حدث ولماذا كنت تبكين …؟!”
أجابت عليه بهدوء لا يشبه ما تحمله داخلها من فوضى :-
” تشاجرت مع مريم وطردتها من المنزل …”
تغضن جبينه وهو يسألها :-
” لماذا ..؟! ماذا حدث …؟!”
اتجهت نحو الكنبة وجلست عليها واضعة قدما فوق الاخرى لتخبره :-
” هناك من ارسل لي صورها مع عمار … ”
رأت الصدمة في عينيه لتضيف بثبات :-
” صورها وهي تتبادل القبلات معه …. ”
ملامحه جمدت تماما لتكمل بسخرية :-
” ألن تتحدث …؟! ألن تقول شيئا ..؟! أم إن الصدمة تمكنت منك …؟!”
هتف بتروي :-
” إذا عرفت كل شيء ….”
هتفت ببرود :-
” عرفت ما يكفيني يا كنان …”
ثم نهضت من مكانها تقف قبالته وهي تعقد ذراعيها امام صدرها تضيف بثبات :-
” هيا تحدث … أسمعك …”
سألها بجدية :-
” هل تبحثين عن مبررات …؟!”
سألتها بسخرية :-
” وهل لديك مبررات من الأساس …؟!”
لم يجبها فاتسعت ابتسامتها قبل ان تردد :-
” هل تعلم …؟! لن أسألك عن سبب ما فعلته … عن كذبك علي وخداعك لي …”
” انا لم اكذب …”
قالها بقوة وهو يضيف متجاهلا اتساع عينيها :-
” ما بيني وبين مريم حدث قبل قراري بالزواج منك … بل حتى قبل تفكيري بك اساسا .. ”
اخذ نفسا عميقا ثم اضاف :-
” انا وعمار بيننا ثأر قديم … ثأر لن أرتاح حتى أخذه منه … نديم هو الآخر لديه ثأر وان كان مختلف … اجتماعنا كان لا بد منه لإن كلينا غايته هو الايقاع بعمار والتخلص منه …”
سألته بعدم تصديق :-
” انت ونديم أدخلتما مريم بهذا المخطط الانتقامي …”
هتف بصراحة :-
” نديم لم يكن يعلم بإن مريم طرفا معنا في هذه الخطة …”
اخذ نفسا عميقا ثم قال :-
” انا من تحدثت مع مريم بعدما أدركت وجود شيء يجمعها بعمار … بعدما كاد عمار أن يقتل خطيبها … اجتمعت بها وتحدثت معها وادركت ان عمار يشكل خطرا حقيقيا عليها لانه مهووس بها وبالتالي هي تمتلك نفس رغبتي بالتخلص منه … قررت استغلال مشاعر عمار القوية نحوها للايقاع به وبدأنا خطتنا سويا حتى ظهرت انت بالصورة و …”
قاطعته :-
” وبوسي ..؟! والصور التي أرسلتها لي معها ..؟!”
اجاب بصدق :-
” بوسي كانت معي في البداية ولكنها انسحبت .. غالبا خافت من مواجهة عمار … الصور انا فعلا من ارسلتها معها ولكن ذلك كان قبل أن تجذبين انتباهي بطريقة أججت رغبتي بك …”
” ماذا كنت تنتظر مني بعد ارسال تلك الصور ..؟!”
اجاب معترفا :-
” كنت انوي استخدامك انت الاخرى من خلال الصفقات التي كانت تجمعك بعمار وقتها … ومريم لم يكن لديها علم بكل هذا فهي كانت سترفض ان يكون لك اي صلة بما يحدث ….”
” كنت تريد استخدامي انا ايضا ولولا انك قررت الزواج بي كنت سوف تستمر بخطتك …”
قالتها ببؤس ليهز رأسه مؤكدا حديثها :-
” نعم يا ليلى … هذا صحيح ولكن اقسم لك إنني بعدها أنهيت كل هذا وأخبرت مريم انها أصبحت خارج اللعبة ورغم انها رفضت ذلك لكنني هددتها وليكن بعلمك هي رفضت ارتباطنا ايضا وكانت تريد اخبارك لكنها تراجعت بعدما اكدت لها مدى رغبتي فيك وصدق مشاعري نحوك ….”
صاحت بعدم تصديق :-
” هل تعتقد ان ما تقوله سيغير من حقيقة ما فعلته ..؟! هل تعتقد إنه سيؤثر بي …؟!”
سار نحوها ووقف امامها يخبرها بصدق :-
” كلا ، ولكن انا استحق ان تتفهمي موقفي … ”
أضاف وهو يقترب نحوها اكثر :-
” انا كنت مضطرا لذلك … كان يجب ان اتخلص من عمار بطريقة ما دون أن أتورط بعدها بأي شيء … افهميني من فضلك ….”
” انت كاذب …مخادع …”
قالتها وهي تضيف بقهر :-
” انا تزوجتك يا كنان … هل تعلم معنى ذلك …؟!”
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تضيف بحشرجة :-
” انا منحتك ثقتي عندما قبلت الزواج بك … انا منحتك ثقتي عندما ارتديت خاتمك ..، منحتك ثقتي عندما قبلت بوضع اسمي جوار اسمك …”
تساقطت دموعها وهي تضيف :-
” انا قبلك تعرضت للخذلان اكثر من مرة … مرة من الرجل الذي احببته من اعماق قلبي ومرة من الرجل الاقرب لروحي .. والدي …”
” ليلى …”
هتف بها برجاء خالص وهو يحاول ضمها بين ذراعيها لتتراجع الى الخلف بسرعة وهي تضيف باكية :-
” لم يكن علي الوثوق بك … انت مثل الجميع … لا تختلف عنهم … ”
” كلا يا ليلى .. انا لست مثل اي احد … انا اختلف عنهم …”
أضاف ونظراته تتوسلها ان تسمعه وتغفر له :-
” ليلى انا احبك … ”
جمدت ملامحها للحظة وهي تسمع اعترافه بالحب لها …
لحظات وظهرت السخرية المريرة على ملامحها ليتقدم نحوها خطوتين وهو يضيف :-
” اقسم لك انني احبك …. انا لم أدرك حقيقة مشاعري نحوك في البداية رغم صدقي معك ولكن الآن أدركت … أنا أحبك يا ليلى .. سامحيني من فضلك …”
منحته نظرة قاتمة جعلت لون العسل في عينيها يبدو أسود داكنا في تلك اللحظة وهي تهمس :-
” طلقني … طلقني يا كنان فأنا لن أبقى على ذمتك لحظة واحدة بعد الآن …”
لاحظت الصدمة التي ظهرت في عينيه لثواني …
صدمة تبعها رفض صريح ظهر في نبرة صوته وهو يخبرها بقوة :-
” لن أطلق … اطلبي اي شيء آخر عدو الطلاق …”
باغتته بتحدي :-
” انا لا اريد سوى الطلاق …”
هتف بثبات :-
” اذا انا اسف لانني لن امنحك ما تريدين …”
ثم اندفع خارجا من الفيلا بسرعة تاركا اياها تتابعه بعينين باكيتين …
………………………………………………
في اليوم التالي
غادرت الشركة مبكرا اليوم على غير عادتها فهي منذ وفاة والدتها تتعمد قضاء اكبر وقت ممكن في الشركة لكن منذ ذلك اليوم ونقاشها الحاد معه وهي فقدت الرغبة في فعل اي شيء خاصة العمل ..
تنهدت بتعب وهي تتوجه نحو سيارته مفكرة في سبب غياب عمار هذه المرة عن الشركة …
عمار بات يتغيب باستمرار على غير عادته …
توقفت عند سيارتها وهي تراه يقف بسيارته قبالها مرتديا بذلة كحلية انيقة ونظارة شمسية تخفي عينيه ..
تقدم نحوها بخطواته الواثقة كعادته ليهتف ما ان وصل عندها :-
” مرحبا … كيف حالك …؟!”
ردت ببرود مقصود :-
” اهلا ، بخير الحمد لله …”
سألها بجدية بعدما خلع نظارته الشمسية :-
” لماذا لا تجيبين على مكالماتي يا غالية …؟!”
ردت بعدما عقدت ذراعيها امام صدرها :-
” ربما لإنني لا أرغب بالتحدث معك ….”
تنهد بصوت مسموع ثم قال بجدية :-
” ما تفعلينه غير منطقي ابدا … ”
” ومالذي أفعله يا فادي …؟!”
سألته بثبات ليجيب بنفس الجدية :-
” تجاهلك المتعمد لي فقط لانني عبرت عن ضيقي من تواجدك مع ابن عمك …”
قاطعته بثبات :-
” مبدئيا الأمر لا يقتصر على شريف وانت تعرف ذلك .. ثانيا انا بالفعل لست راضية عن طريقتك معي … انت لم تر نفسك كيف كنت تتحدث معي يا فادي …”
سألها بضيق :-
” وكيف كنت أتحدث يا غالية …؟!”
أجابت بحنق :-
” كنت تتحدث بصيغة الأمر … تأمرني أن أقطع أي تواصل مع شريف والذي يكون ابن عمي يعني قريبي من الدرجة الاولى …”
“” لاحظي ان ابن عمك هذا يحبك …”
قاطعته بملل :-
” كان يريدني يا فادي …. كان يريد الزواج مني وهذا كان في الماضي … لم يكن يجمعنا اي شيء ولن يحدث وهذا الامر لا يتعلق بك … سواء بوجودك او عدمه ما كنت لأتزوجه لانني أعتبره بمثابة أخ لي وهو أدرك هذا واحترم رغبتي تلك … ”
أضافت بحزم :-
” وعليك ان تعلم يا فادي انني لا أتقبل طريقتك تلك حيث إلقاء الاوامر وما شابه … انا لا يسيرني احد يا فادي … انا افعل ما اريد وقت ما اريد ولا يهمني اراء من حولي طالما ادرك جيدا انني لا أفعل شيئا خاطئا …. لست انا من تخضع لأوامر من حولها او تفعل شيئا فقط لارضاء شخص ما أيا كان هذا الشخص ومهما بلغت مكانته عندي … عليك أن تعلم هذا جيدا وتستوعبه كي لا تندم فيما بعد على اي خطوة قادمة تجمعك بي …”
هتف بسخط :-
” هذه المحاضرة كلها لإنني طلبت منك ألا تتواصلي معه وهذا بدافع غيرتي عليك … انا رجل غيور يا غالية وانت حبيبتي … حبيبتي التي أغار عليها بشدة …. لماذا لا تراعين شعوري …؟! لماذا لا تتفهمين أسبابي …؟! ضعي نفسك مكاني … هل كنت تقبلين بوجود علاقة من آية نوع من واحدة كان يجمعني بها علاقة من اي نوع ..؟!”
” ها انت قلتها .. علاقة يا فادي … انا وشريف لم يكن بيننا علاقة .. وليكن بعلمك لو كنت انت مثلا سبق لك وارتبطت بواحدة قبلي وهذه الواحدة كانت قريبتك … ابنة عمك على سبيل المثال .. لم أكن لأمنعك عنها أبدًا وبالتأكيد لن أطلب منك ألا تتحدث معها عندما تراها في اي تجمع او مناسبة عائلية …”
تنهد مرددا بضيق خفي :-
” حسنا يا غالية … انت تبالغين كثيرا …”
” حسنا انا أبالغ في موضوع شريف ولكن ماذا عن فراس …”
تصلبت ملامحه لتضيف :-
” انظر الى ملامحك يا فادي … انت لم تتقبل حتى التطرق لموضوعه … ذلك اليوم أنهيت سهرتنا فورا ما ان ذكرته … اذا كنت ترفض تعاملي مع شريف لهذا الحد فكيف سيكون الوضع مع فراس …؟!”
تمتم بصدق :-
” الوضع سيكون صعبا ولكن …”
اخذ نفسا عميقا ثم قال :-
” ولكنني سأحاول تقبله خاصة مع مرور الوقت …”
تمتمت بصدمة :-
” تحاول ..!! انت لست واثقا بعد من قدرتك على التقبل اذا …”
” الامر ليس كذلك يا غالية …”
قالها بتجهم وهو يضيف :-
” افهميني يا غالية من فضلك …”
تنهد قبل أن يهتف مقرا :-
” انا احبك حقا … حبي لك هو الشيء الوحيد المتأكد منه ولكنني بشر … خطبتك سابقا بشقيقي سوف تشكل حساسية بيننا رغما عني وعنه … الأمر لن يكون سهلا ولكنني سأحاول تقبله تدريجيا لأجلك ….”
” لا يمكن يا فادي …. كان عليك ان تتأكد من قدرتك على تقبل ما كان يجمعني به قبلما تعترف بمشاعرك لي ..”
قالتها بألم خفي ليهتف بصدق :-
” لقد اعترفت بمشاعري دون ان ادعي … دون تخطيط مسبق … مشاعري تمكنت مني يا غالية ….”
سألته بملامح باهتة :-
” هل تشعر بالندم اذا ..؟!”
رد بسرعة :-
” الأمر ليس كذلك … ما اقصده انني احببتك دون ادراك مني … عشقك تغلغل داخلي دون أن أعي ذلك حتى تمكن مني فوجدت نفسي أعترف بتلك الحقيقة وأنا أدرك جيدا إنه فات آوان التفكير ….”
” إذا عليك أن تنصر حبك يا فادي … دع حبك لي يكون سلاحك الذي ستحارب به غيرتك و رفضك لما كان يجمعني بشقيقك …”
رأت الحيرة في عينيه فأكملت تتمسك به وهي التي تدرك جيدا انها تعشقه كما لم تفعل من قبل :-
” انا احبك يا فادي … حارب لأجلي …. تجاوز الماضي لأجلي … حبنا يستحق المحاربة حتى لو محاربة نفسك … أليس كذلك ..؟!”
هتف بنبرة حارة :-
” بالتأكيد يستحق بل أنت تستحقين أن أحارب الكون بأكمله لأجلك …”
ابتسمت بشكل أضاء ملامحها فتأملها بعشق جارف مرددا بعاطفة لم يكن يعلم يوما انه يمتلكها :-
” كل يوم يمر علي معك أغرق بك أكثر .. أعشقك أكثر وأخاف أكثر ..”
تنهد مضيفا :-
” أخاف من اللحظة التي سأكتشف بها إنني كنت أغرق في وهم لا يمكن أن يصبح واقعا …”
ارتجفت قلبها وهي تسمع كلماته الاخيرة لتهتف بقوة وهي تضع كفها برقة فوق موضوع قلبه :-
” انت من يمكنك ان تجعله وهما او حقيقة يا فادي .. تذكر ذلك جيدا وحارب ليكون حقيقة ثابتة لا مجال لانكارها …”
……………………………………..
عاد الى المنزل بملامح مكفهرة قليلا عندما وجد شقيقه جالسا في صالة الجلوس يرتشف القهوة بصمت قطعه وهو يهتف مرددا بعدما دخل اليه :-
” ماذا تفعل هنا في هذا الوقت يا فراس …؟! ليس من عادتك أن تتواجد في المنزل في وقت كهذا ..؟!”
أجابه فراس بعدما اعاد فنجانه الى مكانه :-
” ارتشف القهوة كما ترى …”
أضاف وهو يسأله ببرود :-
” وأنت ..؟! أين كنت ..؟! اليوم لديك إجازة كما سمعت …”
رد فادي بدا مبالاة وهو يهم بالخروج من صالة الجلوس عائدا الى غرفته :-
” كنت في مشوار مهم …”
لكنه توقف وهو يسمع شقيقه يسأل بنفس البرود :-
” ما أخبار غالية …؟!”
تجمد فادي مكانه لوهلة قبل أن يستدير نحوه يرمقه بنظراته للحظات قبل أن يجيب :-
” بخير ….”
ابتسم فراس بسخرية وهو يردد :-
” وتقولها بكل صراحة …”
” لا أميل الى الكذب والمراوغة وانت تعلم طبعي هذا جيدا ..”
قالها فادي بتجهم لينهض فراس من مكانه مرددا :-
” حسنا … ومتى ستنتهي منها ….؟!”
تجهمت ملامحه اكثر وهو يسأله بحدة :-
” مالذي تعنيه يا فراس …؟!”
مط فراس شفتيه مرددا بصفاقة :-
” يعني انا تفهمت انجذابك لها ….هي فتاة جميلة بل صارخة الجمال … تجاهلت علاقتك بها وانا ادرك جيدا انك تتواصل معها بل وتلتقي بها … تستطيع القول انني منحتك الوقت الكافي لتلهو معها كما تريد ولكن الى هنا ويكفي …”
تقدم فادي نحوه يهتف بانفعال :-
” هل تعي ما تقوله يا هذا …؟!”
رد فراس بجدية :-
” أعيه بالطبع ولا أعتقد إنك تنتظر مني كلاما مختلفا …”
هدر فادي بقوة :-
” أنا أحبها يا هذا … أحبها و سوف أتزوجها …”
اتقدت عينا فراس بغضب شديد وهو يخبره :-
” ستكون دمرت كل شيء حينها لانني لن أقبل بذلك وأنت تعلم هذا جيدا …”
” ولماذا لن تقبل ..؟! ما شأنك أنت أساسًا ..؟!”
سأله فادي بغلظة ليجيب فراس :-
” كانت خطيبتي يا فادي ام انك نسيت هذا … ناهيك عما فعلته بي …”
أكمل وهو يرمقه بنفور :-
” انا لا اصدق كيف تقبل على نفسك الارتباط بها بعدما فعلته بي…”
هتف فادي ساخرا :-
” قل هكذا منذ البداية … انت ترفضها بسبب ما فعلته بك تلك الليلة وكيف جعلتك تتنازل عن حضانة طفلك رغما عنك …”
” ولن أنسى ابدا …”
قالها فراس بجمود وهو يضيف :-
” ومثلما انت لن تنسى انها كانت خطيبتي … هل تعي ماذا يعني انها كانت خطيبتي ..؟!”
ظهر الوجوم على ملامح فادي ليضيف فراس عن قصد :-
” ماذا لو أخبرتك عما كان بيننا في بداية الخطبة ..؟! ماذا حدث بيننا ..؟! غالية كانت خطيبتي يا فادي .. هل تدرك معنى هذا …؟!”
قبض فادي على ياقه قميصه يأمره :-
” توقف … لا اريد سماع حرف واحد منك …”
” بل ستسمع … هي كانت خطيبتي … لامستها وقبلتها …”
سارع فادي يلكمه على وجهه بقوة اسقطته ارضا لينهض فراس بعد لحظات وهو يمسح دماء انفه مضيفا بتهكم :-
” ما بالك لم تتحمل حتى سماع كلامي …؟! على العموم انا قلت الحقيقة .. الحقيقة التي تتجنبها انت كليا ولكنها ستبقى تلاحقك دائما … ”
صاح فادي بعصبية :-
” قلت اخرس … الا تفهم ..؟!”
دخلت والدتهما الى المكان تتسائل بجزع :-
” ماذا يحدث هنا …؟! هل تتشاجران ..؟!”
ثم اتسعت عيناها بهلع وهي تشاهد فراس بتلك الدماء النافرة من انفه ليهتف فراس بسرعة :-
” ابنك المبجل يضربني لاجل غالية هانم … حبيبة قلبه ..”
صرخ فادي به :-
” قلت اخرس …”
تسائلت باسمة بعدم استيعاب :-
” ماذا تقول انت …؟!”
” كما سمعت يا ماما … فادي يريد الزواج من غالية … خطيبتي السابقة …”
نظرت باسمة الى فادي مرددة بعدم تصديق :-
” كلا ، مستحيل …”
زفر فادي انفاسه بضيق لتهتف والدته به :-
” قل شيئا يا فادي … تحدث وعارض ما قاله شقيقك …”
هتف فادي بتردد :-
” ما يقوله فراس صحيحا … انا احب غالية وسأتقدم لخطبتها قريبا …”
جحظت عينا باسمة بعدم تصديق لما تسمعه على لسانه لتخبره بعد لحظات استوعبت فيها ما قاله :-
” حينها سأتبرئ منك يا فادي … بل جميعنا سنفعل … اذا تزوجتها سوف تنساني انا وكل العائلة … هل فهمت …؟!”

تأملت عيناه الطعام الموضوع على الطاولة أمامه بشرود قطعته غالية وهي تدلف الى الداخل ملقية التحية بسرعة وهي تهم بالتحرك متوجهة الى غرفتها عندما أوقفها مرددا :-
” انتظري يا غالية …”
تمتمت غالية بجدية :-
” هل هناك شيء يا نديم …؟!”
سألها باهتمام:-
” أنت تغادرين العمل مبكرا هذه الفترة … هل هناك مشكلة ما ..؟!”
أكمل مضيفا :-
” هل هناك مشاكل مع عمار …؟!”
تقدمت نحوه وهي تسأل بتعجب :-
” لماذا سيكون لدي مشاكل معه …؟! واقعيا انا الا أتعامل معه منذ عدة أشهر الا للضرورة القصوى … عندما احتاج اخباره بشيء ما يخص احد المشاريع او ما شابه …”
اضافت وهي تسحب كرسيا وتجلس قباله :-
” هل هناك سببا ما دفعك لتطرح سؤالا كهذا …؟!”
هز رأسه نفيا وهو يجيب :-
” ابدا … انا فقط مستغرب من عودتك مبكرا الى المنزل طوال الفترة السابقة على غير عادتك …”
تنهدت وهي تخبره بصدق :-
” في الحقيقة مزاجي ليس جيدا هذه الفترة … انا اساسا عدت الى العمل بسرعة بعد وفاة ماما محاولة مني لالهاء نفسي ولكن على ما يبدو حتى العمل لم ينجح في ذلك …”
كانت المرة الاولى التي تتحدث بها غالية بطريقة كهذه …
ربما المرة الاولى في حياتها التي تقر بها بتعبها وضعفها على غير العادة …
نطقت بعدها بتردد :-
” في الحقيقة انا ايضا قلقة بشأن وضع الشركة العام … عمار متغير كثيرا هذه الفترة ولا يهتم بالعمل مثل السابق … اليوم لم يكن موجودا اساسا وهذه ليست المرة الاولى التي يتغيب بها عن الشركة … تصرفه يثير استغرابي لان عمار رغم كل شيء يبقى العمل لديه رقم واحد ..”
هتف نديم متحاشيا الحديث عنه :-
” دعك منه الآن … المهم انت يا غالية …”
ابتسمت مرددة بتعب :-
” انا بخير … ربما احتاج الى القليل من الراحة …”
كان يعلم انها تكذب فهي ليست بخير ابدا لكن طبيعتها تمنعها من الاعتراف بحقيقة كهذه رغم انها ذكرت قبل قليل جزء بسيط من معاناتها …
لم يكن غريبا عليه تصرف غالية وعدم رغبتها في الخوض في غمار مشاكلها مهما كان حجمها وهذا ما يضاعف من قلقه عليها فهي تميل دائما الى اخفاء وجعها والحفاظ على رباطة جأشها امام الجميع …
تنهد مرددا وهو يربت على كفها :-
” متى ما احتجتني فأنا موجود … انت بالطبع تدركين هذا جيدا …”
ترقرقت الدموع رغما عنها في عينيها وهي تردد بصوت مبحوح :-
” اعرف بالطبع ..”
ثم تنفست بعمق ونهضت من مكانها تضيف :-
” سأصعد الى غرفتي لأرتاح قليلا …”
هز رأسه بتفهم عندما غادرت هي المكان ليعاود النظر الى الطعام بضيق فحياة ليست هنا لان والدتها دعتها الى قضاء اليوم معها وبالطبع دعته هو ايضا لكنه اعتذر عن الدعوة متعللا بأسباب لا وجود لها بينما في الحقيقة هو لا يمتلك المزاج هذه الفترة لفعل اي شيء لان باله مشغول كليا بعمار وانتقامه المنتظر منه …
رغم تردده ورفضه الداخلي في بداية الامر الا انه اضطر ان يوافق كنان على مخططه فيستغل أخت عمار من والدته بالضغط عليه ليعترف بنفسه امام الشرطة على ما فعله به بينما في نفس الوقت ينفذ كنان مخططه بما يخص شركة الادوية السرية ….
رن هاتفه بإسم كنان فسارع يجيب الاخير وكأن الأخير كان يدرك بما يفكر عندما قال نديم بسرعة :-
” اهلا كنان … ”
باغته كنان بالقول :-
” هناك مصيبة حصلت لم تكن في الحسبان …”
سأل نديم بقلق :-
” ماذا حدث ..؟!”
رد كنان بجمود :-
” أخت عمار … تعرضت لمحاولة قتل على ما يبدو …”
انتفض نديم من مكانه مرددا بعدم تصديق :-
” ماذا تقول يا كنان ..؟؟ محاولة قتل ..؟!!”
تمتم كنان :-
” نعم .. تعرضت لطعنة بالسكين مساء البارحة وهي الآن في المشفى … نجت من الحادث لكنها فقدت طفلها …”
تجهمت ملامح نديم برفض لما يسمعه قبل ان يردد :-
” سآتي عندك حالا …”
ثم اغلق الهاتف وتحرك متجها الى الخارج بعدما سحب مفاتيحه ….
بعد اقل من نصف ساعة وصل الى مكتب كنان الذي استقبله مرددا بضيق :-
” هل رأيت ما حدث …؟! خطتنا تدمرت …”
قاطعه نديم متسائلا بحدة :-
” هل أنت من فعلها …؟!”
سيطر الوجوم على ملامح كنان مرددا بذهول :-
” مالذي تقوله انت ..؟!”
قال نديم بجدية :-
” من سواك لديه عداوة مع عمار تدفعه للتخلص من اخته …؟!”
” انت جننت …”
قالها كنان بسخرية ليهدر نديم :-
” هل تحاولي اقناعي ان حدوث الاعتداء على الفتاة في هذا التوقيت تحديدا صدفة …؟!”
صاح كمان بغضب :-
” ماذا جرى لك يا هذا ..؟! انت تعلم جيدا ما كنت اخطط له … ”
قاطعه نديم :-
” ربما غضبك منه تحكم بك فقررت أن تثأر لشقيقتك بتلك الطريقة البشعة .. بأن تقتل أخته كما تسبب هو بوفاة شقيقتك …”
” لا تكن أحمقا يا هذا .. لو كنت أريد قتل أخته لفعلتها منذ زمن … انا أريد قتله هو ..، انظر انا لست مثاليا ولا حتى طيبا لكنني بالتأكيد لن أقتلها بسبب افعال اخيها … دم شقيقتي سآخذه من روح عمار وليس احد سواه … صحيح انا كنت انوي استغلالها لادخال عمار الى السجن لكن ابدا لم أكن انوي ايذائها وانت اكثر من يعلم هذا والا ما كنت لتشاركني في خطتي …”
زفر نديم انفاسه مرددا بحنق :-
” كيف حدث هذا إذا ولماذا الآن تحديدا …؟!”
رد كنان بضيق :-
” لا أعلم .. حقا لا أعلم …”
نظر نديم اليه بصمت للحظات قبل أن ينطق بتردد :-
” ربما هذه فرصة لنراجع انفسنا …”
سأله كنان بوجوم :-
” ماذا تعني ..؟؟”
قال نديم :-
” يعني ألا نستغل ابرياء لا ذنب لهم في انتقامنا …”
نظر اليه كنان بدهشة لثواني قبل ان يهتف بعدم استيعاب :-
” انت تمزح بالطبع …”
اكمل من بين اسنانه :-
” مبدئيًا نحن لم نكن ننوي ايذاء الفتاة بل لو خطفناها كما خططنا فما كنا لنلمس شعرة واحدة منها … نحن فقط نستغل مكانتها لديه خاصة ان عمار يعرفني جيدا ويتوقع مني فعل اي شيء …”
اخذ نفسا عميقا ثم قال بتهكم :-
” على العموم يمكنك الانسحاب الآن لكن عليك ان تعرف انه انسحابك يعني بقاء الوضع كما هو عليه .. وعليك ان تعلم ان الامر لا يقتصر على ماضيك والسجن و مستقبلك الضائع بل الأمر يتعلق بعمار ايضا لان عمار لن يتركك تحيا بسلام طالما هو حي يعيش بيننا وانت اكثر من يعلم ذلك ….”
نعم هو اكثر من يعلم …
عمار مريض وهو لن يتركه يحيا بسلام حتى بعدما جعله يفقد كل شيء …
هذه حقيقة ثابتة لا جدال فيها …
…….:…………………….
مرت الليلة ثقيلة للغاية على الجميع ….
لم تخفف عنهم نجاتها من الموت وقع المأساة ..
ربما لانهم يدركون ان الصغيرة لن تنجو بروحها من جميع المآسي التي مرت بها وإن نجا جسدها من الموت …
في اليوم التالي تم دفن الصغيرة مباشرة بوجود جدها و أعمامها وخالها اما والدها فلم يكن متواجدا …
رفض مهند أن يستلمها …
لم يطاوعه قلبه على ذلك …
كيف سيراها …؟! ويحملها ..؟! والأسوء أن يدفنها …؟!
كيف سيحمل طفلته التي ماتت بسببه ..؟!
بسبب نزوة حقيرة مع عاهرة …؟!
هو لن يتحمل …
هو الآن لا يحمل ذنب جيلان فقط في عنقه ..
هو يحمل ذنب طفلته ايضا ..
طفلته التي رحلت قبل أن ترى النور ..
طفلته التي تذمر في بداية الامر عندما علم بحمل والدتها بها ثم قرر ان يتقبل وجودها ولو رغما عنه ثم بات ينتظر قدومها وان كان انتظاره لها مشوبا بالقلق الشديد …
طفلته التي رفضها في البداية ثم اضطر لقبولها فيما بعد فنالت تدريجيا حيزا من اهتمامه ومع مرور الوقت استطاعت ان تستحوذ على جزء من قلبه وكأن الله اراد ان يزرع محبتها فطرية في قلبه كي يجعله يدرك ثمن جنونه وحماقته عندما يخسرها وتكوي خسارتها قلبه ….
قرب الساعة الحادية عشر صباحا كان مهند يقود سيارته متجها الى مركز الشرطة …
ملامحه بدت مخيفة تماما في تلك اللحظة …
ملامح جمعت الغضب والألم والعذاب والتوعد في آن واحد ….
وصل الى هناك ولم يكن يدرك ان راغب ارسل خلفه من يراقبه والذي بدوره اخبر راغب بما يحدث …
دلف مهند الى مركز الشرطة محاولا ان يتماسك قدر المستطاع ولا يتصرف بجنون قد يسبب له مشاكل هو في غنى عنها في الوقت الحالي …
قابل هناك محامي العائلة والذي كان متواجدا ليخبره إنه تم حبس تقى حاليا حتى يتم تحويلها للمحاكمة…
لكن ما اثار جنونه هو احتمالية تحويلها الى مشفى نفسي فهي على ما يبدو تعاني من اختلال ما اضافة الى كونها أدمنت المخدرات منذ عدة اشهر كما تبين مبدئيا …
اندفع مهند بغضب نحو المحامي يطلب منه أن تنال ما تستحقه …
لا يريد ان تكون نهايتها في مشفى الامراض العقلية ..
يريدها ان تدخل السجن وتتعفن فيه ….
يريدها ان تدفع ثمن جريمتها وقبلها يريد ان يراها …
يريد ان يراها ويفرغ غضبه فيها ….
طلب من المحامي ذلك بملامح قاتمة والاخير اخبره انه سيدبر زيارة له وسيحاول الحصول على الموافقة ليصل راغب اخيرا محاولا التحدث مع شقيقه والذي اكتفى بسؤال جامد لا روح فيه :-
” هل استيقظت …؟!”
ظهر الأسف على وجه شقيقه وهو يتذكر ما حدث …
استيقاظ جيلان فجر اليوم ….
انهيارها الذي لم يستمر سوى لدقائق قبل ان تأخذ الحقنة المهدئة مفعولها لتستيقظ بعد ساعات قليلة بملامح جامدة لا تلين وصمت دامي دون أن تظهر منها اي ردة فعل …
الجمود يغلفها كليا وحتى آلام جرح عمليتها لم يخفف ولو قليلا من ذلك الجمود فلم تظهر على وجهها اي تعابير تدل على شعورها بالألم ولو قليلا ….
كانت صدمتها اكبر من اي شيء هذه المرة ….
صدمة تليها أخرى حتى خارت قواها …
الأمر لا يقتصر على فقدان جنينها فقط …
هي فقدت كل شيء منذ زمن ..
منذ اللحظة التي خسرت فيها والدها أو ربما قبلها حتى …
والنتيجة واحدة …
هي تعاني … تتألم بصمت .. تنطوي على نفسها كليا وتعجز عن صياغة اي رد فعل مهما كان بسيطا …
والطبيب قراره كان واضحا ..
جيلان ستدخل المصحة النفسية وحالا …!
……………………………….
كانت تسير في صالة الجلوس بملامح حادة …
كانت تتحرك دون وجهة محددة ..
تسبه بصوت مرتفع تارة وتلعنه داخلها تارة اخرى ….
لم يعد حتى هذه اللحظة …
مرت ساعات طويلة على رحيلة بعدما اتاه ذلك الاتصال الذي جعله يهرع فورا خارج الشقة تاركا اياها لوحدها هنا …
كيف فعل هذا بها ..؟!
كيف تركها بهذه الطريقة …؟!
كيف ..؟!
قبضت على خصلات شعرها بأناملها وهي تتسائل عن سبب رحيله بتلك الطريقة والأهم سبب عدم ظهوره حتى الآن …
توقفت عن افكارها عندما سمعت صوت مفاتيحه يتحرك داخل القفل خارجا فعلمت انه عاد اخيرا ….
اندفعت نحو الباب عندما وجدته يدلف بملامح منهكة كليا …
توقفت للحظة تتأمل ملامحه تلك بحيرة …
ماذا حدث معه ليبدو بهذه الهيئة المزرية …؟!
مالذي أصابه …؟!
وقف عمار مكانه بعدما اغلق الباب متأملا اياها بصمت لوهلة بينما عقله لم يكن معها …
عقله كان بعيدا تماما عنها …
سارت نحوه بخطوات مترددة قبل أن تسأله وهي تتأمل عينيه شديدتي الاحمرار بتوجس :-
” هل انت بخير …؟!”
نظر لها دون ان يجيب فتقدمت نحوه اكثر حتى بات لا يفصل بينها مسافة تذكر …
عادت تسأله بقلق :-
” ماذا حدث يا عمار …؟! لماذا تبدو بهذا الشكل …؟! هل حدث شيء سيء ….؟!”
ثم لمست ذراعه بأناملها لتتفاجئ برجفة تصيب جسده جعلتها تنتفض مرددة :-
” تحدث يا عمار … لمَ انت صامت هكذا …؟!”
نظراته بل ملامح وجهه ورجفة جسدها أخبرتها بمدى قسوة ما حدث معه …
هناك شيء ما حدث … شيء جعله يبدو على هذا النوع المأساوي … شيء صعب جدا وقاسي جدا …
شعرت ان تلك فرصتها …
فرصتها للتقرب منه …
عليها أن تحتويه … تمنحه قربا يخفف عنه وتفهم منه ما يحدث …
هي يجب ان تستغل اي فرصة متاحة للتقرب منه اكثر … للسيطرة عليه وعلى مشاعره بشكل اكبر …
” عمار انت تخفيني …”
قالتها بخوف مقصود قبل ان تمد كفيها تحاوط بهما وجهه بينما تخبره بخفوت :-
” ماذا يحدث يا عمار …؟! فقط اخبرني …”
عيناها كانتا تنظران له بقلق و استجداء …
عيناها في هذه اللحظة تحملان حنوا خاصا لم يكن يعلم انها تمتلكه …
تحملان اهتماما صادقا كان يحتاجه في هذا الوقت بشدة …
تمتم بنبرة ضعيفة :-
” اختي يا مريم …”
سألته بتوتر :-
” ما بها اختك يا عمار …؟!”
مال بوجهه نحو الاسفل مستقرا بجبينه فوق كتفها بحركة صدمتها للحظة وهي تجاهد كي لا تنتفض رفضا من قربه المفاجئ على هذا النحو وهو بهذه الحالة المهيبة من الضعف والوجع ….
حبست انفاسها داخل ما ان شعرت برطوبة خفيفة فوق كتفها الظاهر من تحت التيشرت ذو الحمالات الرفيعة …
كان يبكي … عمار الخولي يبكي فوق كتفها ….
ابتلعت ريقها وهي تشعر بملمس دموعه فوق كتفها …
شعرت بالعجز في تلك اللحظة وهي لا تعرف كيف تتصرف …
دموعه تتساقط تدريجيا بصمت مؤلم …!!
واخيرا مدت كفها تمرره فوق ظهره وهي تتمتم :-
” اهدأ يا عمار .. اهدأ ارجوك …”
ثم قررت ان تعانقه فسارعت تلف ذراعها الآخر حول جسده بينما وتميل بوجهها فوق رأسه الموضوع على كتفها تخبره بحزن مصطنع :-
” يا إلهي ماذا حدث … انت تقلقني اكثر بهذه الطريقة …من فضلك اهدأ ودعني افهم ما حدث …”
ثم رفعت وجهها قليلا لتبدأ بتمرير اناملها داخل خصلاته برقة شديدة تمنحه عاطفة حانية تدرك جيدا انه يحتاجها حاليا وبشدة …
ظلا على هذه الوضعية وهي تمرر أناملها في خصلات شعرها دون توقف حتى تحدثت اخيرا بعد فترة وقد شعرت بتوقفه عن البكاء :-
” هل أنت أفضل الآن .:..؟!”
رفع رأسه أخيرا بعيدا عنها فسارعت تلتقط انفاسها براحة خفيفة عندما تحرك مبتعدا عنها وهو يمسح وجهه بكفيه …
لم تمنحه الفرصة للابتعاد فتحركت بسرعة وراءه ووقفت خلفه مباشرة تخبره :-
” تحدث يا عمار .. سأموت قلقا على اختك … ماذا حدث معها ..؟! أخبرني …”
التفت نحوها بوجهه شديد الاحمرار وعينيه المتألمين ليرى القلق واضحا في عينيها …
تحدث اخيرا بصوت متحشرج :-
” انا خسرت جيلان للابد يا مريم … خسرتها حقا هذه المرة …”
ما ان انهى كلماته حتى انهار مجددا باكيا بين ذراعيه لتأخذه هي بسرعة بين احضانها تعانقه بحنان جارف وكلماتها اللطيفة تحاول تهدئته …
لو أخبرها أحدًا إنه سيأتي يوم تجد فيه عمار الخولي يبكي منهارا بين ذراعيها لضحكت عليه بشدة ونعتته بالجنون …
لكن هذا ما حدث بالفعل وعمار الخولي بكل قوته وجبروته وتسلطه يبكي كالطفل بين ذراعيها…
اخذت تربت على ظهره بلطف بالغ وهي تحاول تهدئته …
تبثه كلماتها المساندة …
هدأ بعدها فسألته عما حدث مع أخته ليقول هكذا …
اخبرها عما حدث بألم طاغي بينما اخذت هي تستمع له بانصات ..
تظهر له شفقتها وحزنها الشديد على ما أصاب أخته المسكينة بينما داخلها تبتسم بتشفي عليه وربما عليها فهي في النهاية اخته وتستحق ان تدفع ثمن حقارة أخيها ..
……………………………….
منذ أن غادر مكتب كنان وعقله لا يتوقف عن التفكير …
كلمات كنان صادقة جدا وواقعية جدا …
هو أمامه خيارين لا ثالث لهما …
اما ان يقضي على عمار او يقضي عمار عليه ….
كان يدرك جيدا ان الأمر لا يتعلق فقط به بل بمن حوله …
عمار لا يهتم ولا يراعي احدا …
مال بوجهه نحو النافذة اكثر يتأمل غروب الشمس بوجوم تام ويطرح على نفسه عدة اسأله لا نهاية لها …
هل يتراجع عن قراره ويترك عمار للزمن …؟!
ولكن هل عمار سيتركه وشأنه ..؟!
وحتى لو تركه عمار ، ماذا عن ماضيه المدنس …؟!
كيف سيتجاهل تلك الحقيقة ..؟!
حقيقة ستظل تلاحقه طوال حياته وتلاحق ابنته القادمة كذلك …
هل تستحق صغيرته ان تحيا بهذه الطريقة …؟!
كيف سيبرر لها هذا مستقبلا …؟!
ومن قال انها ستتفهم ..؟!
هل ستصدق انه كان بريئا …؟!
وهل ستتحمل اي رفض يقابلها في حياتها بسبب ماضي والدها …؟!
تنهد وهو يفرك جبينه بتعب عندما دلفت هي بملامحها المشرقة فنظر اليها وسرعان ما انحدرت عينيه اتجاه بطنها البارزة .. طفلته التي تسكن هنا هي جل ما يهمه …
تقدمت نحوه تعانقه بعفوية كعادته ليحتضنها باحتياج صريح ورغبة في الغوص داخلها والالتحام معها دون فكاك …
كان يريد ان يهرب داخل احضانها من العالم كله …
من ماضيه المظلم ومستقبله المجهول …
من تردده وحيرته ..
من شيطانه و ضميره …
من خوفه ورهبته ….
كان يريد ان يحتمي بها من كل شيء …
هي ملاذه الذي يهرب اليه كعادته …
ملاذه الذي لم يلفظه يوما ولن يفعل …
شعرت بما يعتمل به فسألته وهي ما زالت تعانقه :-
” ماذا هناك …؟! انت تبدو متبعا …”
تمتم بصدق :-
” كثيرا .. متعب كثيرا يا حياة …”
ثم ابتعد من بين احضانها يخبرها بنفس الصدق :-
“احتاج الى الهرب حالا من العالم بأكمله … ”
لمست لحيته بأناملها تسأله باهتمام :-
” ماذا حدث يا نديم …؟! ”
” حدث الكثير يا حياة …”
قالها بخفوت لتخبره بجدية :-
” و انت تخفي عني الكثير يا نديم … هناك الكثير مما اجهله … ”
أضافت وهي تمرر أناملها على جانب وجهه :-
” ولكنني لن أسمح لك بأن تخفي عني ما يحدث اكثر … اريد ان أفهم ما يحدث معك لذا تحدث وأخبرني من فضلك عما يجري في الآونة الأخيرة ….”
تنهد بتعب ثم ابتعد عنها متجها نحو السرير يلقي بجسده فوق …
تأملته ونصف جسده ممدد فوق السرير وقدميه متدليتان للأسفل وعينيه مغمضتين وكأنه بالفعل يحاول الهرب من حصارها لكنها لن تسمح له بذلك …
عليها ان تفهم ما يحدث وحالا ..
سارت نحو السرير بتثاقل وجلست جانبه لتهتف بجدية :-
” هيا يا نديم … انا اسمعك …”
فتح عينيه ونظر اليها وهو ما زال على وضعيته ليسألها :-
” مالذي تريدين معرفته ..؟!”
هتفت :-
” ما يحدث معك … ما تخطط له يا نديم …”
أضاف وهي تميل فوقه فتقابل عينيها عينيه :-
” انا أدرك جيدا انك تخطط لشيء ما ومنذ مدة طويلة … تفهمت رغبتك بعدم التحدث مسبقا … منحتك الفرصة الكافية حتى تتمكن من الحديث من تلقاء نفسك ولكنك لم تفعل لذا أنا أريد أن أعرف ما يحدث وما تنوي عليه بالضبط ولن أتنازل عن حقي بمعرفة هذا …”
اعتدل في جلسته اخيرا يتأملها بصمت لتقترب بجسدها منه وهي تردد :-
” لا تحاول التهرب مني لإنني لن أسمح لك بذلك …”
ثم قبضت على كفه تتوسله :-
” تحدث بالله عليك … ارجوك …”
تنهد بصوت مسموع ثم قال :-
” الأمر يخص عمار ….”
سألته بقلق :-
” مالذي ستفعله مع عمار يا نديم …؟! انا اعلم ان الامر يخصه ولكنني اريد معرفة ما تنوي عليه …”
مسح وجهه بخفة ثم قال :-
” عمار يجب ان يدفع ثمن جريمته بحقي … يجب أن يعترف بما فعله معي كي أستعيد برائتي …”
سألته تسايره فيما يقوله :-
” وكيف ستفعل هذا …؟! كيف ستجعله يعترف بما فعله …؟!”
نظر لها للحظات قبل ان يجيب وهو يشعر برغبته الشديدة بالبوح لها :-
” سوف أهدده … يعني سيعترف مجبرا لا مخيرا ….”
سألته مجددا بتوجس :-
” وكيف ستجبره ….؟!”
زفر أنفاسه بتعب ثم قال :-
” كان هناك طريقة ولكن …”
توقف مجددا وهو يتأمل القلق في عينيها فسارع يقبض على كفها يرجوها :-
” عديني انك سوف تسمعيني و تتفهمين موقفي جيدا يا حياة … انا احتاجك الآن اكثر من اي وقت … احتاج دعمك انت دونا عن الجميع …”
شعرت بحاجته الماسة لها ولدعمها فقالت بصدق :-
” انا معك و ادعمك يا نديم لكن بما لا يخالف الشرع والقانون ….”
تجهمت ملامحه وهو يخبرها :-
” نحن لن نؤذي أحدًا … نحن فقط سوف نستغل نقاط ضعفه كي نجبره على الاعتراف …”
سألتها بتروي :-
” ما المقصود بنقاط ضعفه …؟!”
تردد لوهلة قبل ان يقول :-
” عمار لن يعترف بما فعله معي الا اذا ما هددناه بحياة أقرب الناس لقلبه … ”
توجست اكثر وهي تسأل :-
” تحدث بصراحة يا نديم … من تعني بأقرب الناس اليه …؟! زوجته …؟! ”
أضاف بلهجة رافضة للفكرة ككل :-
” أم طفله القادم … ؟!”
نهض من مكانه يجيب بلا مبالاة مصطنعة :-
” ليس مهما ايا منهما .. المهم أن يعترف بفعلته الشنيعة وينال عقابه ….”
” انت تنوي خطف زوجته …؟!”
سألته بعدم تصديق ليلتفت نحوها مجيبا :-
” ليس اختطاف بالمعنى الحرفي ولكن …”
توقف عندما ظهر الرفض في عينيها واضحا هذه المرة ليهتف بجدية :-
” انت وعدتني انك سوف تفهميني ..”
تقدمت نحوه تهتف بصدق :-
” انا اتفهمك يا نديم ولكن لا أوافقك الرأي …”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” ما تفعله خطأ … لا ذنب لزوجته او طفله القادم بأفعاله …”
هدر منفعلا :-
” ولا ذنب لطفلتنا ايضا أن تأتي الى هذه الدنيا ووالدها سجين سابق بتهمة ملفقة لا أساس لها من صحة …”
كان يتحدث بانفعال والغضب والالم يسيطران على كل انش فيه …
قالت بصدق حاني :-
” هي لا ذنب لها ايضا … انا اتفهمك واتفهم رغبتك في أن تحصل على برائتك لأجلها هي قبلك ولكن ليس بهذه الطريقة .. ليس من خلال إيذاء آخرين لا ذنب لهم فيما فعله عمار … انت حينها ستصبح مثله يا نديم …”
هتف مندهشا :-
” مالذي تقولينه يا حياة …؟! كيف بالله عليك تقارنين بين ما سأفعله وما فعله هو …؟! حياة انا لن أؤذي طفله .. لن أمسه بسوء ابدا … عليك ان تفهمي هذا … كل ما أريده هو اعتراف منه بما فعله معي .. بتلك التهمة التي لفقها لي … لا اريد منه شيئا اكثر من ذلك …. اريد برائتي … حقي يا حياة … ”
توترت ملامحها ولم تعرف ماذا تقول ليضيف :-
” كيف تقارنين بين ما فعله هو وما سأفعله انا …؟! انا لن أتسبب بأي أذى لأحد ..! حتى عمار نفسه … لن أخذ سوى حقي منه … حق ظلمه لي … لا أريد منه شيئا أكثر ولا أنوي أن أحصل على غير ذلك … انا لا أريد سوى برائتي وبعدها لن يجمعني به اي شيء ولن يكون لي اي علاقة به …”
” ولكن .. ماذا لو انقلب الوضع ضدك ..؟! ماذا لو أدرك هو ما يحدث مثلا …؟! ربما تدخل في مشكلة جديدة أكبر من السابقة … ألا تفكر بهذا …؟!”
تغضنت ملامحه قليلا قبل أن يهتف بثبات :-
” كلا لم ولن أفكر … انا لن أقضي عمري بأكمله أتوجس من أي تصرف أقوم به … لن أبقى مكاني خائفا تاركا مستقبلي يسير نحو المجهول …. انا اتخذت قراري يا حياة …. إما أن أحصل على برائتي أو لأموت أفضل ….”
……………………………..
في صباح اليوم التالي …
فتح عينيه بتعب ليتأمل المكان حوله للحظات قبل أن ينصدم من نومها جواره بطريقة توحي إنها قضت الليلة جانبه حتى غلبها النوم فنامت جانبه بتلك الوضعية حيث النصف العلوي من جسدها مائل على السرير بينما قدميها منكمشتان اسفل جسدها الملتوي بوضعية نوم غير مريحة …
اخذ يتذكر ما حدث البارحة ..
انهياره بين ذراعيه وما تلاه عندما اخبرها عما حدث مع اخته وكيف أخذت تهدئه وتخفف عنه ..
لم ينتظر تصرفا كهذا منها فهي فاجئته حقا ورغم توجسه منها حتى هذه اللحظة الا انه شعر بالصدق في نبرتها وعينيها وألمها على مصاب شقيقته …
تأملها وهي نائمة في تلك الوضعية وكالعادة قلبه لا يتوقف عن النبض في حضرة وجودها …
هو محاصر رغما عنه في محراب عشقها …
عشقها الذي يسيطر عليه كليا ….
عشقها الثابت رغم كل العواصف التي مرت بها حياته …
مد كفه رغما عنه يلمس خصلاتها الشقراء بينما عينيه تلتهمان ملامحها التي فقدت شراستها وحدتها المعتادة ليحل محلهما السكون والسلام …
هو مغرم بها .. مغرم بشراستها ومكرها … بجنونها وغضبها …
يتوق لمعايشة سلامها وسكونها ولا بأس من الغرق في فيضان جموحها المدمر ….
تراجعت افكاره الى الوراء وتحديدا الى البارحة فتذكر جيلان وما أصابها …
عادت الغصة تملأ روحه …
غصة لا مفر منها ..
غصة ستلازمه الى الابد ..
جيلان لن تغفر له ما عاشته بسببه مهما حدث …
جيلان لن تسامحه ابدا …
ابتسم بسخرية مريرة متسائلا اذا ما كانت ستتجاوز ما أصابها أساسا أم ستنغلق على روحها تماما كما يخشى الطبيب …؟!
ماذا لو لم تتخطى ما أصابها …؟!
ماذا لو بقيت على وضعها الحالي …؟!
كلا ، جيلان ستتحسن … سوف تستعيد نفسها … سوف تحيا مجددا ..
جيلان لا يمكن ان تبقى هكذا .. جيلان ستحيا من جديد وتنهض من سقطتها مجددا حتى لو خاصمته الى الابد بعدها …
اغمض عينيه يخفي دموعا تشكلت بهما بينما كلمات شيرين تتردد داخل مسامعه في لقائهما الاخير ..
” وماذا عن جيلان ..؟! لماذا فشلت في حمايتها إذا ..؟!”
يتذكر كلامها بأكمله ..
وضوحها وصراحتها معه …
هي الأخرى لم تتحمله …
هي الأخرى تألمت بسببه …
عاد بعينيه ينظر الى تلك النائمة ليرتجف قلبه مجددا …
لا يعرف لماذا بات يشعر انه فقد كل شيءٍ …
ان كل شيء تسرب من بين يديه …
الجميع يغادر حياته ….
الجميع يرفضه ….
ماذا يفعل …؟!
هل يعلن هزيمته على الملأ …؟!
هي يعترف بأخطأئه …؟!
عند هذه النقطة ظهر الرفض بقوة في عينيه …
وعادت الذكريات تتجمع داخل عقلها …
ما بين ماضي عايشه وهو وحده يدرك ما فيه وحاضر مليء باللعنات ….
في الماضي خسر والدته .. أحب الناس لقلبه بلا ذنب … بلا حول له ولا قوة … خسرها دون ان يفهم لماذا حدث ذلك …؟! لماذا فقدها …؟!
واليوم هو يخسر أحب الناس لقلبه ايضا لكنه يدرك الاسباب … الاسباب التي هو يمثل أحدها بل أهمها …
ابتسم بمرارة ولأول مرة يخشى ان يضعف … ان ينهار ويعلن هزيمته …
كلا لن يحدث … عمار الخولي لا يستسلم … عمار لا ينهزم …
عمار سيبقى كما هو حتى آخر لحظة في عمره ….
اذا كان يعتبرون ما فعله بمن حوله ذنب لا يمكن غفرانه فهو بدوره لن يغفر يوما ما مرت به والدته بسببهم ….
نديم دفع ثمن افعال والدته …
والده كذلك …
مال بوجهه اكثر نحوها يتأملها وكأنها أعظم انتصاراته …
وفي تلك اللحظة أدرك إن خسارته وإن حدثت فسوف تكلل بأعظم انتصار …
انتصاره الاخير …
مريم ….
مد كفه يوقظها بهدوء فالتقت عيناها بعينيه لترهبها تلك النظرات في عينيه …
نظرات عشق متطرف … عشق مجنون ..
عشق قادر أن يهزم جيشا كاملا …
عشق قادر ان يدمر العالم بأكمله ..
” عمار …”
تمتمت بها بخفوت لتجده يميل نحوها اكثر …
ثغره يقترب من ثغرها حتى اختلطت انفاسها بأنفاسه وقبل أن يلمس شفتها بشفتيه قال كلمته الأخيرة :-
” سنتزوج… وحالا ..”
قالها بكل ثبات …
قالها وهو مدرك جيدا لما سيفعله ومستوعبا تبعاته ..،
هو يخاطر بكل شيء …
يسير في درب عشقها دون تفكير..
هو لا يخطط …
يتجاهل كل ما يحيطه …
يعمي قلبه عن حدسه الصادق بها …
هو إختار أن يعيش أيامه الأخيرة معها ..
في محراب عشقها …
عشقها الذي تاق إليه أكثر من أي شيء ..
وليحترق كل شيء بعد ذلك …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى