روايات

رواية غمرة عشقك الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء الحادي والعشرون

رواية غمرة عشقك البارت الحادي والعشرون

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة الحادية والعشرون

ركضت حبيبة في ممر المشفى الممتد امامها بقلب يخفق برعب والالم تنحر بصدرها…… نزلت دموعها بغزارة وهي تتذكر اتصالها بشقيقته وبكاءها الهستيري وهي تحكي لها عن الصوت الذي سمعته عبر الهاتف بعد ان فشلة لساعات في الوصول إليه…
وبالفعل إجابة سمر عليها وكانت لا تقل حزناً وانتحاب منها واخبرتها وقتها بنبرة ميته انها بالمشفى معه وقد تم حادث على الطريق واصطدم أحمد باحد السيارات الفارهة والتي دفعته على الرصيف وانطلقت سريعاً تاركة جثه غارقة في
الدماء خلفها…….
وقتها وقع قلب حبيبة وهي تهبط على السلالم برعب…..
(جراله اي ياسمر…. قوليلي بالله عليكي أحمد كويس……) تعالت شهقاتها المتقطعه وهي تكتم
فمها بيدها بصدمة….
وقتها قالت سمر بهدوء تبث الطمأنينة بها…
(متقلقيش ياحبيبة…. أحمد كويس هو بس حصله شوية كسور في رجله ودراعه… بس دكتور عمل اشاعة على جسمه ومخه وطمني عليه مفهوش
حاجة…….اطمني….)
اخبرتها حبيبة وهي تسير في الشارع وعيناها
غارقة بدموع……
(انا جايه ياسمر قوليلي اسم المستشفى اللي انتوا فيها……)
حسمت سمر الامر وهي تخبرها بحزم….
(بلاش يا حبيبة انا اهوه بطمنك عليه… وخدي بالك من تصرفاتك ياحبيبة اللي بتعملي انتي واحمد ده غلط……)
بررت حبيبة الأمر بحرج…..
(مفيش حاجة بينا ياسمر….. احنا صحاب وبنطمن على بعض….. عادي…….)
عضت سمر على شفتها بغيظ وهي تذم في
كلماتها…….
(ما بلاش الكلام اللي أحمد محفظه ليكي ده عشان تقولي لاي حد معترض على اللي بتعملوا….. مفيش حاجة اسمها صحاب وانتي عارفه الكلام دا كويس….)
ارجعت حبيبة شعرها للخلف بضيق وهي تقف على الرصيف تشير لسيارة أجرة…..

 

 

(ممكن يا سمر نأجل كلام في الموضوع ده… والله
ما وقته انا عايزه اطمن على أحمد… قوليلي اسم
المستشفى ياسمر لو سمحت……)
زمجرت سمر بسام….
(برضو هتيجي ياحبيبة…..)
اكدت عليها بصلابة….
(مقدرش مشفهوش وطمن عليه……)
زفرة سمر بغضب وهي تستسلم لطلبها على
مضض…
(اعملي اللي انتي عيزاه…. انا تعبت من شغل العيال بتاعكم اسم المستشفى***عرفاها ولا اوصفها….)
استلقت حبيبة السيارة وهي تشكرها بلطف….
(لا عرفها………… شكراً ياسمر…….)
وقفت عند باب الغرفة الماكث بها والتي أشارة عليها احد الممرضات بعد ان سألت عنه….
طرقت على الباب وانتظرت حتى قالت والدته بهدوء…..
“أدخل……”
دخلت حبيبة غرفة المشفى بوجهاً أبيض شاحب ومقلتين حمراوين وشعرها مشعث متهدل باهمال حول وجهها…..بينما كانت ترتدي طاقم غير مرتب بالمرة وكانها ارتدته وهي مغمضة العين……..
ابتسمت زينب وسط ملامحها المجعدة الحزينة..
ورحبت بها بلطف…..
“اتفضلي ياحبيبة يابنتي….تعالي ادخلي….”
رفعت حبيبة عيناها عليه فوجدته ينظر لها وكان مستلقي على الفراش مجبر القدم….. وذراعه الايسر
مجبر كذلك…..وعلى جبهته لاصقة طبية صغيرة……
يبدو عليه التعب وهو يرمقها هكذا بصمت وكانه يعاتبها على مجياها لهنا !……
عادت عينيها لامه ثم لاخته التي كانت تجلس على المقعد بصمت وشرود وكانها تحل معضلة صعبة
انها حتى لم ترحب بها ولم ترفع عينيها عليها بل ظلت مكانها صامته شاردة حزينة وكانها في عالم غير العالم…..
وبرغم حزن حبيبة على أحمد ورعبها عليه إلا ان رؤية انهزم سمر هكذا اوجع قلبها واشعرتها ان
تلك المرأة تتحمل فوق طاقتها ومزالت صامدة…
بادلت حبيبة السيدة الإبتسامة وهي تمسك
بحقيبة يدها تستمد منها القوى وهي تقول…..
“الف سلام على احمد ياطنط…….” ثم نظرت له وقالت بخفوت وحرج من والدته….
“الف سلامة عليك يا احمد…… قلقتني عليك….”
كان أحمد جالس على الفراش ممد الساقين…
واحد ساقيه المجبرة مرفوعه للأعلى ام ذراعه المجبر فكان مثني ومرتاح على صدره…….يبدو انه يعاني بحق فعيناه تضج نظرات كالمطعونة من شدة الالم انه حتى يجلس على غير هدى ويحارب حتى يكن امامهن صلب…
اليس رجل وأهم شيء ان يكن صلب حتى في
مرضه واوجاعه؟!……يحق للرجل ان يبكي ويصرخ ويتألم اليس بشرا مثلنا؟!……… لماذا تفرض علينا الحياة قوانينها وينساق الجميع خلفها بدون ان
يعترض !……
رد أحمد وهو يبتسم في وجهها بهدوء…
“انا كويس ياحبيبة…….. الحمدلله…..”
نهضت سمر عن مقعدها وهي تقول لامها بنبرة باهته…..
“انا راحه مشوار سريع كده ياماا وجايه…خليكي

 

 

مع أحمد……”
لاح الرعب على وجه زينب وهي تشعر بانقباض
في صدرها……
“على فين يا سمر…….”
اتجهت سمر للباب و وضعت يدها على المقبض
وهي تقول بوجوم….
“بعدين ياماا…. مش دلوقتي هنتكلم بعدين….”
هتفت زينب بحزم وهي تتقدم منها….
“نتكلم دلوقتي…..انا كده كدا عيزاكي…..”نظرت
لابنها ولحبيبة وقالت بنبرة عادية…..
“شويه وجايه يا أحمد…..انتي مش غريبة يا حبيبة…..”
اغلقت زينب الباب خلفها وهي تحدث
ابنتها بحزم….
“راحه فين ياسمر وسيبه اخوكي كده…..”
ردت سمر بوجه شاحب وحلق جاف….
“مشوار…. قولتلك مشوار هخلصه واجي علطول…”
حذرتها والدتها وهي ترفع سبابتها اليها….
“اوعي تكوني راحه لماهر ياسمر……. اوعي….”
اكدت سمر بوهن وبعينان غائرتان…..
“لازم ارحله… هو اللي عمل في احمد كده….لازم اخلص الموضوع ده وكفاية لحد كده…..انا مش هستنا لما حد يموت منكم بسببي.. ”
منعتها والدتها وهي تتوعد له….
“متقوليش كده يابنتي ربنا كبير…….وانا اللي
هروح لابن الكلب ده و…..”
بترت سمر توعدها وهي تقول بصوتٍ ميت…
“ملوش لازمه ياماا…. انا خلاص مش عايزه
حاجة…… ولا عايزه حد يتاذي بسببي……”
“يعني ايه…..”وقع قلب امها بقدميها وهي ترمقها باستفهام…..
ردت سمر وهي تلوي شفتيها بحيرة بعد ان
اخذت قرارها للتو……
“يعني هتجوز ماهر……. ملهاش حل تاني
مش هخسر اكتر من اللي خسرته……”
هتفت زينب معترضة وهي تنظر لابنتها بقهر
عليها…

 

 

“عايزه ترمي نفسك مع واحد زي ده… لا يابنتي دا
ملوش أمان هترمي نفسك في حضن واحد مؤذي
زي ده….. اهدي يا سمر هنلاقي ليها حل… ان شاء
الله حتى لو نطلع على القسم نعمله محضر
عشان يحرم يقربلنا تاني……”
لاحت بوادر السخرية على وجه سمر الباهت
وعقدة حاجبيها ذاهله من تفكير امها الساذج
وعلقت باقتضاب……
“محضر !… بعد كل اللي حصلنا ده لسه شايفه ان المحضر هيمنع ماهر عننا…. دا برشوة وفترى
دخل ابراهيم السجن…. وبالفلوس سلط واحد يضرب اخويا بالعربية وهو ماشي… ولو عندت معاه اكتر من كده احتمل يسلط حد من رجالته ويضيعني ويشوه سمعتي…. وبعد اللي ماهر عمله في ابراهيم وأحمد اتوقع منه اي حاجة تانيه……. انا هروح يامااا…
” خالي عارف كان عنده حق…. قالي انتي بتلفي
لسه في نفس الدايرة المقفولة……..انا معنديش مشكلة افضل جواها بس تخرجه انتوا براها…
وكفاية عليكم كده خلوني ارتاح بقه من وجع
القلب ده……ومحسش بذنب ناحية اي حد فيكم.. ”
مسكت والدتها يدها قبل ان ترحل وهدرت من
بين اسنانها بشدة…..
“مش هتعملي كده…….. مش هسيبك تضحي
بنفسك……. وترمي نفسك الرميه السودة دي…..”
حاولت سمر حل قبضة امها عن رسغها وهي
تقول بضياع واهٍ……
“سبيني يامااا ابوس ايدك…… خلاص انا تعبت ومحدش حاسس بيا ….. انا بيتحرق قلبي كل يوم وكل ثانية وانا وقفه مكاني ومش عارفه اعمل حاجة ليكم….. مش عارفة اخرج ابراهيم ولا عارفه احمي نفسي واهلي من شر ماهر…… عايزاني اعمل إيه حاولت…. بس مش عارفه…… الحقيقه بتقول اني اضعف من اني اقول لا… اضعف من اني اقف قصاد ماهر المحمدي في بلد القرش فيها هو اللي بيتكلم
وبيرد وبيشتري زمم الناس…..
نظرت لامها بتشنج قائلة….
” ارحميني يامااا وسبيني مبقاش منه فايدة اللي بتعمليه ده… “ابعدت يد امها وسارت مبتعده عنها بوجهاً أحمر مبلل بدموع….
هناك انهزم في قلبي ودمار مؤلم بصدري…. وبرغم ذلك ينتج منهم نيران متوهجة تريد الاندلاع على
من دمر كل شيءٍ بحياتي لأجل رغباته الحيوانيه ؟!….
خرجت سمر من المشفى ومنها الى سيارة أجرة وكانت امها تركض خلفها محاولة الحاق بها.. لكن
الحظ لم يكن حليفها وهي ترى ابنتها تستلقي سيارة الاجرة وترحل بعيداً……..
ضربت زينب على فخذيها وهي تنتحب بقهر
وتناجي الله بقلة حيلة….

 

 

ماذا عليها ان تفعل لحماية ابنائها…. تشعر انها هي من أخطأت في البداية حينما جعلت ابنتها رجل البيت
ووضعتها في مكان لا يناسبها وتصرفت على اساسه
في حياتها…….. وحتى الان وهي تخبرها انها ذاهبه لتدمر حياتها كانت واقفه مكانها كالمقيده بسلاسل
حديديّه تسمعها بحسرة وخزي وهي تبكي…….
لن نكتب فلسفة بل سنكتب واقع ، سلاحك في الحياة عبارة عن نقود معك تشتري الضمائر وما
بعدها معك تربح لا تخسر…. ولا تأمل بتغيير….
…………………………………………………………….
جلست حبيبة بجواره على حافة الفراش الأبيض
وهي تتأمل ملامحه بنهم وحب وهو لم يقل عنها
تأمل بل كانت عيناه تلمع وهي تطوف على وجهها الجميل براحة وكانها أجمل ما رأت عيناه…….
قالت حبيبة بصوتٍ رقيق….
“كنت مرعوبه عليك اوي يا أحمد….. كنت هتجنن اول ما سمعت صوت الخبط والعربيات…”
سالها بخفوت وعيناه تلاحق عيناها….
“خوفتي عليا يابيبه…..”
اجابته سريعاً وهي تقول بلهفة….
“اوي يا احمد….. دا انا كنت هموت من الرعب عليك……..”
هتف سريعاً بصوتٍ مبتهج قليلاً….
“بعد الشر عليكي يابيبه……برغم اني مدشدش زي مانتي شايفه لكن مبسوط اني شوفت لهفتك عليا….
وحسيت انك……..”توقف وهو ينظر لها لعل النظرات تعبر اكثر من الكلمات بينهما…..
توترت حدقتي حبيبة وهي تدفعه
للمتابعة…
“حسيت اني إيه ؟…..”
انهال من بحر عيناها وهو يقول
بثقه….
“انتي عارفه اقصد إيه…….”
اخفضت جفنيها وهي تصارح بطريقة غير
مباشرة…
“عارفه يا أحمد وتاكدت النهاردة اكتر……”
هز راسه معاتباً وقال…
“النهاردة بس يابيبه…..”
رفعت عينيها اليه وحمرة الخجل تزحف ببطء لوجنتيها البيضاء الناصعة…..صارحة حبيبة
بخجل…
“يمكن من أول ما شوفتك وانا كنت حاسه ان في حاجة هتبقا بينا في يوم من الأيام…. بس مكنتش متوقعه انها هتبقى بدري اوي كده……”
عقب احمد بجدية وهو يسافر بعيناه على وجهها الجميل……
“بس الحاجة دي ملهاش معاد… دا بتيجي خبط

 

 

لزق كده….. وانا حاسس اني وقعت على بوزي خلاص……. وحبيتك..”
دققت حبيبة النظر اليه اكثر وقد لمعة زيتونتي عيناها وهي تبحث عن الصدق في كلماته برغم من ان صدق مشاعره باكملها ظاهر في عيناه القاتمة
ذات الامعة العابثة…..ارجعت خصلة مش شعرها
امام نظراته المتربصة لها….وسمعها تقول بارتباك..
“مش وقته اللي انت بتكلم في ده……احنا لسه بندرس…..”
هتف احمد بلهفة وهو يتحرك قليلاً في جلسته…
“عارف ومش طالب منك كتير…..انا عايز بس وعد منك انك هتستنيني لحد ما خلص دراسه…..”
“وبعد ما تخلص….”رمقته بملامح انثويه هادئة…
اكد سريعا بثقة….
“هشتغل علطول وهاجي اتقدملك…..وده وعد مني اوعديني انتي كمان…..”
تلبكت حبيبة امامه وحاولت الهروب من تلك
الوعود بقدر المستطاع….. قالت بحزم رقيق….
“اوعدك بايه……اني هستناك…..انا فعلاً هستنا بس مش عشانك عشان مفيش في دماغي حاجة
دلوقتي غير دراستي……”
هز أحمد رأسه بوجوم وشعر بخطٍ من الصقيع
يحتل قلبه المشتعل بحبها…..
“تمام……..انسي اللي انا قولته قدري محصلش…”
حاولت حبيبة تغير الموضوع وسالته…
“مقولتليش العربية دي خبطتك ازاي…..وازاي
تخبطك وتجري كده…..”
اجابها أحمد على مضض…
“معرفش اي اللي حصل الطريق كان فاضي وانا بعدي واول ما رجلي اتحطت على الاسفلت لقيت العربية شلتني……”
عقبت حبيبة بعفوية….
“ياحبيبي معلش……….. الحمدلله ان ربنا نجاك……”
تهلل وجهه سريعاً وكان الحياة عادت
إليه فقال بخبث….
“بتقولي اي مسمعتش كويس…..”
لاح التعجب على ملامحها فإعادة
باستغراب…
“بقولك معلش….الحمدلله ان ربنا نجاك……”
رفع شفته بتهكم وعقب بسخط…
“والله واول واحده دي راحت فين….”
تذكرت حبيبة ما قالته فشهقت بصدمة وهي
تقول باعتراض…
“لا مقصدش اللي وصلك….. دي جت كدا على فكرة….”
قال بحنق منها…
“ياريتها تيجي كدا علطول…..”
إبتسمت وهي تهز راسها باستياء….

 

 

“مفيش فايدة فيك……حتى لو فيك اي بالذي مش هتبطل رخامه…..انا هعدي عليك الصبح قبل ما روح الجامعة…..ماشي…..”نهضت حبيبة من مكانها وهي تتنحنح بحرج…
“كان نفسي قعد شويه كمان معاك بس انا مقولتش لحد في البيت اني هنا……”
اوما لها أحمد وهو يقول بتفهم…
“لا روحي انتي عشان الوقت……وخدي بالك من نفسك وبقي طمنيني……ماشي…..”
“حاضر……”اومات له وهي تخرج من الغرفة
مودعه إياه بأجمل ابتسامه لديها……
خرجت من المشفى وسارت في الممر وهي تكاد تشعر انها تلمس النجوم لمس…..ابتسمت بنعومة
وهي تتذكر اعترافه لها……
اخبرها للتو انهُ يحبها…ودت لو صارحة أيضاً بحبها
له لكنها لجمت وهربت منه ومن اعترافه……توترت وخفق قلبها وقتها فلم تجد إلا الصمت احد الاسلاحه الواهيه أمامه……..
تمتمت وهي شاردة….
“قال انه بيحبني……قالها.. “خبطت بقوة في كتف شاب يمر بجوارها…تاوهت وهي تمسك كتفها فكانها
خبطت في حائط صلب……اعتذر الشاب سريعاً وهو
يقول بتهذيب….
“انا اسف معلش والله مخدتش بالي….انتي….هو كل مرة ولا إيه……”
رفعت حبيبة عينيها بعد تلك الجملة لتجد شاب وسيم انيق الملابس يبدو عليه الثراء تفقدت ملامحه
اكثر لتجده هو نفس الشخص الذي اوقعت هاتفه في الشارع لديها…….هتف الشاب بمزاح…
“اكيد افتكرتيني صح………..الاسكرينا…..”
ابتسمت حبيبة بحرج وهي تخفي الخصلة خلف اذنها…..
“خدت بالي…اسفه مشفتكش تقريباً كنت سرحانه….”
اعتذر لها بالباقة….
“هو المرادي انا اللي خبطك مش انتي……على العموم انا اللي اسف يا…….صحيح اسمك إيه…..”
رمشت حبيبة بعينيها عدت مرات وهي تحدق به بدهشة ممزوجه بتهكم….. ثم قالت بصوتٍ قوي
وهي تتجاوزه….
“فرصة سعيدة ياستاذ……….عن اذنك…..”
افصح لها الطريق بتوجس من تقلبها الغريب
وهو يقول…
“تمام………….اتفضلي……. وانا اسعد على فكرة… ”
قالها وهي تولي ظهرها له وتسير للامام بدون الالتفات إليه……..
ابتسم يوسف وهو يتجه للممر ومنه الى غرفة صديقه الذي حينما فتح الباب صاح إليه….
“احمد حوادث اللي مشحطت الكل وراه…..”
ابتسم أحمد وهو يقول….
“واضح انك جاي غصب عنك…..”
جلس يوسف على المقعد بجوار الفراش وهو
يقول …
“عيب عليك انا اول ما عرفت جيت جري…كرم كمان جاي ورايا……….المهم اي اللي حصل…. ومالك بقيت مسطول وماشي مش شايف قدامك…”
اوما أحمد وهو يحرك ذراعه المجبر
قليلاً…
“نصيب يا يوسف……………الحمدلله….”
اوما يوسف بتفهم وهو يسأله….
“الحمدلله الف سلام عليك ياصاحبي…المهم
الدكتور قالك إيه……”
أجابه أحمد بهدوء…
“شوية كسور وكدمات……”
تطلع يوسف لقدم أحمد المجبر وذراعه ليعقب
بشفقة عليه…..
“انت مدشدش كدا ليه….الخبطه كانت جامده

 

 

اوي كده……”
رد احمد وهو يكبح الالم الذي يشعر بها…
“انا محستش غير والعربية بتخبطني وبتهبدني بعدها على الأرض……”
اغتاظ يوسف وقال بغضب….
“لا حول ولاقوة إلا بالله…والسوق الزفت ده راح فين دا لازم يتحاكم طالما بهيم ومش عارف يسوقها….”
لوى احمد شفته بسخط….
“اهو عمل النصيبه وهرب……”
ساله يوسف باستفهام….
“والعربية……… ماخدتش رقم العربية…..”
ابتسم احمد ذاهلا معقباً باستهزاء….
“يابني هو انا كنت في اي…….. ولا إيه…..”
ربت يوسف على كتفه بتفهم وهو
يقول…
“معلش يا احمد شفاك الله وعفاك…..”
دخل في تلك الاوقات من باب الغرفة عارف الذي كان يلوح على وجهه علامات الهلع والحزن وهو ينظر لاحمد بقلق….وقال سريعاً وهو يتقدم منه بحنان لاول مرة…..
“أحمد………عامله اي ياحبيبي انت كويس…..”
لاح التعجب على وجه أحمد وهو ينظر اليه…
“حبيبك !….انت وشك مخطوف كدا ليه
ياخالي…….انت خوفت عليا ولا إيه….”
جلس عارف على حافة الفراش وهو ياكد عليه
بعتاب
“ومخفش عليك ليه…. هو انت مش ابن اختي..
يعني زي ابني تمام……..”
التوت شفتي احمد وهو يردد هازئا….
“سبب مقنع برضو…..”
مسك عارف فكه بيده وحركه يمين ويسار
وهو يتفقد وجهه باهتمام ……
“وريني وشك وبطل لماضه…..”
ضحك أحمد وهو يمزح مع عارف بسماجة…
“وشي مفهوش حاجة ياخالي….. رجلي وايدي بس اللي اتكسرو…..هتضطر الشهر الجاي ده تولع على
الفحم بنفسك…… ”
هتف عارف بعيون لامعه بدموع……
“اولع عليه ورعيك كمان هو انا عويل… تعالى في حضني انا كان قلبي هيقف من ساعة ما كلمت امك وعرفت منها…..”عانقه عارف وربت على كتفه برفق
تمتم احمد وهو بين احضانه……
“كنت فكرك مبتحبنيش……”
عاتبه عارف وهو يبعده عنه برفق…..
“في حد مبيحبش ابنه ياعبيط….. دا انت واختك حته من قلبي…….”
ابتسم احمد وهو يخبره تلك المرة
بصدق…..
“حبيبي ياخالي ربنا يخليك لينا…..” مسك احمد يد
عارف وقبلها……..

 

 

…………………………………………………………….
دخلت الشركة بمفردها بعد ان سمح لها الحرس بالاسفل بدخول باوامر من رب عملهم
(ماهر المحمدي…)
وكانها تتقدم من حبل المشنقه….تسير بقدمين متجمدتين وعينيها حمراء كالدماء وتحت جفنيها
داكن من قلة النوم وراحه…….. شعرها مشعث
غير مرتب متهدل باهمال حول وجهها الشاحب وشفتيها الزرقاء….. من يراها يظن انها أصيبت بمرض خبيث ليس له دواء تشفى منه………. في الحقيقة انها تعاني فعلاً من مرض اقرب للعنة والذنب الوحيد هو انها استهانت به حتى افترس جسدها واصبح عدوة مؤذيه تصيب كل حبيب لديها………الحل الأمثل ان تنعزل عن الحياة وتغلق ابوابها حتى تموت وحدها ولا تكن سبب في ضياع أرواح اخرى بسببها !….
بلعت ريقها بصعوبة وكان هناك شفرة حلاقه حادة تحتل حلقها وهي تفتح باب المكتب وترفع عينيها عليه….كان جالس بمكانه المعتاد خلف مكتبه الثمين ينظر لها بقسوة وتلذذ بخضوعها اليه أخيراً…… كان جالس كالجبروت وهو يلاحقها بعينيه وهي تتقدم منه ببطء وكأنها ستقع في الهاوية الآن لذلك داخلها تردد يذيب الحجر رأفه بحالها وبرغم ما تعيشه امام عيناه الجافة كان يبتسم وهو يشعر بانها تنحني كي يطوق عنقها بسلسال حديدي مفتاحه مفقود لكي تبقى مكانها مضطرة للتواجد معه تحت اي ظرف كان !…….
وقفت امامه بعيون حمراء ميتة التعابير برغم حالتها الميؤوسه إلا انها قالت بنبرة تحمل كم كبير من
مرارة ما تعيشه……
“انا جتلك زي مانت عايز………..وموافقه……..”
القى ماهر عليها نظره سريعة وهو يتلاعب بها
قائلا وهو يشير للمقعد….
“مش تقعدي الاول عشان افهم موافقه على إيه…”
جلست بدون اضافة حرف واحد.. وهذا أدهشة فمنذ متى وهي مطيعة لهذا الحد….هل كسر انفها بحادثة
اخيها وسجن حبيبها…… بطبع يجب ان تنهزم امام
ارادته القوية بها لنرى إلا اي مدى ستبقين صامدة
ياسنيوريتا……..
“تشربي إيه…….”
لم تحرك وجهها نحوه بل نظرت امامها وهي
تقول بنبرة باهته…….
“خلينا نتكلم في المهم……….انا موافقة…..”
قست عيناه بتلذذ وهو يسألها
بخبث…..
“موافقة على إيه بظبط……”
لم ترفع عينيها مجدداً عليه بل قالت بنبرة جافة…..
“اننا نتجوز……..زي مانت عايز……بس عندي شرط وهو مهري منك…. ”
رفع حاجبه بمكر وكانه يعلم الطلب بدون ان
يسأل عنه…. ولكنه تصنع الغباء فتساءل ببرود…..
“اللي هو……”
رفعت عينيها الشاجنة اليه قائلة باختصار….
“ابراهيم يخرج من السجن……”
رفع رأسه للاعلى ببرود….. ثم قال بصلف
“مصيرة هيخرج بعد ما يقضي العقوبة اللي عليه..”
تحركت شفتيها بحدة وهي تقول….
“شرطي واضح يا ماهر وبلاش لف ودوران…..”
مط شفته بمكر وقال….

 

 

“وان منفذتش………هتعملي إيه… ”
عينيها عليه كانت تضخ اشمئزاز وهي تقنع اياه
بقسوة……
“هتنفذ….لان خروج ابراهيم من السجن مش هياثر على حاجة بينا….بالعكس دا يمكن يحسن صورتك قدامي….وبعدين انت خايف منه ليه…هو ميقدرش يعملك حاجة…….انت فين وهو فين…….”
برر ماهر الامر بغرور….
“ميقدرش يهوب ناحيتي ولا ناحيتك…لكن هيوجع
دماغنا واحنا……”
قاطعته بحنق مكبوت….
“متقلقش هو اول ما يعرف اننا اتجوزنا…….هيبعد خالص………ومش هتشوفه تاني……”
رفع ماهر أحد حاجبيه وسالها بتشكيك….
“متاكده……….ولا انتوا متفقين سوا……”
عقدة سمر حاجبيها بتعجب ثم بعد لحظة واحدة ضحكت بسخرية وهي تقول هازئة من تفكيرة…
“متفقين !…..متفقين ازاي….. معذور اصلك متعرفش مين هو ابراهيم راضي…….”
لمعة عينيه بقسوة وهو يخبرها بقرف….
“شحات…..هيكون مين غير شحات…دخلتي وسطنا وعملتيلو قيمه…….”
لملمت تلك البسمة الساخرة وهي تنظر له ببرود
ثم قالت…..
“ماهر……. خلينا نتكلم في المهم….اذا نفذت شرطي هوافق على جوزنا………..قولت إيه…..”
تعمق بعينيها السوداء وهو يقول بانتشاء….
“اكتب عليكي اخر الاسبوع…….قولتي انتي إيه….”
قالت سريعاً….
“لم ابراهيم يخرج هنتجوز…..”
ضحك ماهر فجأه ساخراً وهو يقول….
“العبي غيرها ياسنيوريتا……جوزانا قبل اي شيء…”
قست نظرات سمر ولاح الانفعال على وجهها وهي تقول……
“زي مانت مش ضامني انا كمان مش ضمناك….يبقا الحل إيه……”
رد ماهر مختصر ببساطه…..
“ضمانك عندي……… كلمة شرف مني…….”
ضحكت سمر بقوة تحمل مرارة كالعلقم بحلقها….ثم
عقبت بسخط مشمئز….
“شرف!…….تفتكر انت لو عندك شرف كنت عملت اللي انت عملته فيا ده؟…….قال شرف قال…….يارجال دا انت غلبة ابليس بشرك……..”تلاشت البسمة سريعاً
وهي ترمقه بمقت…..
اخبرها ببرود وحرب النظرات والكره بينهما
مستمره…
“همشي في الإجراءات من دلوقتي وبعد ما نتجوز
هيخرج…..”
قالت بحزم…..
“يخرج قبل ما نتجوز…..”
حاول التملق اليها وهو ينظر لها بشهوانيه
واضحة…….
“الحكومة يومها بسنة…..اسمعي الكلام قولتلك انه هيخرج يعني هيخرج هو خلاص مبقاش يلزمني
بقا كارت محروق بنسبالي…ولو هخرجه فا عشان خاطر عيونك وعشان ترضي عني……”
تقززت من نظراته فابعدت عينيها عنه
وهي تسأله……
“هتخرجه ازاي…….”
لوى شفتيه وهو يرمقها باستهانة….
“اوعي تكوني بتسجليلي……”

 

 

ابتسامة باردة في خطٍ مستقيم احتلت شفتيها
وهي تعقب بتهكم…….
“لا مانا عارفه ان الحاجات دي مش هتاثر فيك…البلد كلها في جيبك انت ولي زيك……”
لمعة عينا ماهر باعجاب وهو يفصح عن الامر
بمكر….
“عجبتيني وغلبتيني بالكلام ياسنيوريتا……. كده
بقيتي عارفه انتي هتتجوزي مين بجد…..على العموم هنطعن في الحرز اللي مسكوه ولم يتكشف عليه من تاني عشان يتاكده انه حشيش فعلاً ولا لا هيكتشفه انه عجوة بلح………..والبلح مش من الممنوعات ولا إيه……..”
توسعت عينيها بصدمة وهي تغمغم
بذهول….
“يابن الـ………”
اخرسها سريعاً بشر……
“هشش…… لسانك ياسمارة الجاي مش هيعجبك مني…….”
نهضت من مكانها وكان انفعالها كله بات صعب السيطرة عليه امام هذا الوغد…..صرخت بعصبية…
“انت شيطان اقسم بالله ما طبيعي…..هتعمل اي فيا اكتر من اللي عملته………مفيش حد عاقل بيعمل
كده…….. مفيش…..”اغمضت عينيها حينما وجدت
نظراته المتربصة لها….ماذا تفعل ألا تعرف حتى الان حجمها الطبيعي أمامه…..جلست من جديد منهزمة
بحسرة……. لتجد نفسها بعدها تهتف بضعف وهي تنظر لسطح المكتب بتعب……
“امشي في الإجراءات وانا موافقه…..بس يارب تطلع أد كلمتك ويكون عندك شرف بجد المرادي……”
تملق لها من جديد بصورة واضحه وهو يقول بخفوت……
“المرادي غير كل مرة……. المرادي جيتي برجلك وانا هعمل اي حاجة عشان نحل الخلاف اللي بينا ونتجوز
زي مانا وانتي عايزين…….”
رفعت عينيها عليه وقالت ببرود…..
“زي مانت عايز…..وبلاش تسالني على اللي انا عيزاه عشان مش هيعجبك ردي……”
رد ماهر بتملق حاني محاول اغراءها بالمال
والنفوذ قدر المستطاع……
“مصيرك تعرفي انك طول مانتي معايا هتكسبي…
وهتبقي هانم زي ما كان نفسك……مش قولتي قبل كده لرزان انك نفسك تتجوزي واحد غني ينشلك من الفقر ادي حلمك اتحقق……..وجالك لحد عندك……”
عبس وجهها قليلاً…… ثم قالت بعدها بمرارة
“مفيش حاجة بتيجي كاملة…..حتى اللي حبيته كان عيبه الوحيد انه زيي عشان كده قدرت تستقوى عليه
وترمي الرميه دي…….”
لمعة عينا ماهر بقسوة….ثم توعد بصوت قاسي…
“مش هحاسبك على كلامك دلوقتي ياسنيوريتا…. بس اعرفي انك مسافة ما هتبقي مراتي..هيبقى
ردي عليكي مختلف…..”
نهضت سمر من مكانها ببرود وهي ترمقه
بازدراء….
“امشي في إجراءات براءة ابراهيم وبقى اديني
رقم المحامي عشان اتابع معاه……..”
عزم عليها بتملق…..
“مستعجله ليه قعدي اشربي حاجة معايا…..”
رمقته سمر بازدراء في وقفتها وقالت….

 

 

“هنشرب ياماهر……..هنشرب كتير اوي……”اولته ظهرها وهي تشعر بتقزز من نفسها ومنه…….
كره النفس أصعب مرحلة ممكن ان تمر على الانسان
محاول فيها ايذاء نفسه باي طريقة ممكنه….يشعر
بان العالم يضيق به ويكره التفكير بحلول وسط
بل انه يصر على القاء نفسه في اقرب هاوية
كي يرتاح وينهي امره قبل الجميع…….
يمقت على نفسه…و يستهين بحياته….ويلقي نفسه في اقرب كف مرحب به…وبين الهم والوتيه يشعر
انهُ بحاجة للتنازل عن كل شيءٍ في سبيل الانتقام
والاصعب…….ان الانتقام من نفسه ! ، أحد اخر مراحل تلك الحالة العصيبة ، ومن بعدها ياتي الندم ؟!…
……………………………………………………………
بعد ان تركته ودخلت مكتب والده ظل مكانه في حديقة الفيلا لوقتاً مضنٍ من التفكير بها وبحياتهما التي اصبحت كالنقيض بفعل يداه هو… هو فقط
من دمر كل شيء…….
صعد للطابق العلوي حيثُ غرفته دخل بها واغلق الباب عليه واستلقى على الفراش بتعب بعد ان
حل ربطة عنقه وسترة ويليها القميص والقى
اياهم بأهمال…. ثم رمى جسده على الفراش
مكان نومها وهو يفكر حينما وجدها تضم ثيابه لصدرها وتغمض جفنيها بوجع….. لن ينكر وجعها
ولن ينكر شوقها حتى هو يشتاق لكل شيءٍ بها….
يشتاق لعناقها….. للمسها…….. لهمس حاني منها
تروي قلبه به عشقا غير متناهي…. من ضيعها سواه ومن يندم عليها الان غيره……
اغمض عينيه بالم وهو يستجمع تلك الذكرى
الجميلة بينهما …..
(مش هتنزل ياخالد…..)
هتفت اية بها بحنق وهو تسحب القميص من بين يده وكان يقف امام مرآة الغرفة عاري الصدر ببنطال البذلة وكان يتابع ارتداء ملابسه لكنها عرقلت كل شيء وهي تسحب القميص وتقف امامه بقميصها القصير الكناري يبرز جمال بشرتها البيضاء الناعمة……
نظر لها بعيناه الخضراء وبشرته المحمرة قليلاً
التي دوماً تعطي جاذبية أخرى يتميز بها عن اي
رجل غيره……..
(ولي بقه مش عايزاني انزل….قولتلك اني رايح لنضال هسهر معاه شويه……)
وضعت آية يدها بخصرها بغيظ…
(مش هتنزل ياخالد………مش كل يوم تنزل وتسبني
انا اتخنقت………خلينا حتى اجي معاك…..)
اخبرها ببساطة وهو يمشط شعره امام المرآة…
(لو ريتاج موجوده كنت خدتك معايا بس هي مسفرة والقعدة كلها رجالة هتيجي معايا تعملي اي بس…)
ضيقت عينيها وهي تنظر له بشك…..
(القعدة رجالة اكيد جيبين ستات معاكم….)
رفع عيناه الخضراء عليها وهو يقول بصدمة…
(لي الظلم ده……. بطلي افترى……كلها رجاله والله..)
مسكت يده وترجته وهي تقترب منه بدلال…
(خالد خليك معايا…….خلينا نخرج مع بعض…. انت وعدتني اننا هنخرج يوم اجازتك…..مش بتوفي بوعودك ليه معايا……)
قال خالد امام عينيها العسلية الجميلة التي تنظر له برجاء أشبه بنظرة القطط حينما تدلل على
صاحبها….
(يوم تاني يا اية……….انا وعدتهم اني جاي….)
صاحت بانزعاج وهي تبتعد عنه….
(مانت وعدتني قبلهم………المفروض…..)
قاطعها وهو يقترب منها بملل….
(اية هاتي القميص………وكفاية رغي…)
(لا…) ابتعدت خطوتين بعناد….
تقدم منها من جديد وبدات عينيه تنظران لها
بغضب
(اية بلاش تهزري انا متاخر……)
ردت آية ببرود وهي توليه ظهرها بصلف وبين قبضتها القميص……
(اتاخر اكتر اعملك إيه….عشان تبقى توفي بوعودك معايا…….)
(اية……)
نادها وهو يعض على شفته بحنق وعيناه
تلاحقاها بغضب و…….استمتاع بما تفعله
الشقيه الجميلة به…..يصل للنشوة من اي شيء
تقدم عليه معه وحتى ان كان عناد وتحدي
انثوي جميل يخرج من أجمل أمرأه راتها عيناه….
صاح على صوتها الناعم العنيد وهي
تقول…
(لا…..)
انطفئ بريق الاعجاب المتوهج بعيناه وزاد الغيظ منها مع تذكرهُ لموعده مع أصدقاءه……
(لا ! براحتك….انتي اللي جبتي لنفسك…..) ركض خلفها في الغرفة الشاسعة وهي تضحك بقوة عليه وبين يداها قميصه……

 

 

صعدت على الفراش وكانت تنوي الركض للناحية الاخرى لكنها وجدته يمسك كاحلها ويوقعها بقوة على الفراش صرخت بفزع وهي تجده يعدل وضعيتها كي تستلقي على ظهرها وتكن امام وجهه مباشرةً
وهو يصعد للفراش كي يطل عليها بهيئته الرجوليه
الجذابة…..هتف بخشونة وهو يرمقها بعيون تلمع
كلما رأت ضحكاتها……
(مش قولنا نبطل الحركات دي مش كبرنا عليها
ولا لسه…..)
قالت اية بعتاب لئيم امامه….
(وبما اننا كبرنا لازم نبقى قد كلامنا…)
سالها وهو يتعمق باطار عينيها
الجميل….
(عايزه إيه…….)
مررت سبابتها على لحيته النابته وهي تقول
بدلال انثوي……
(تفضل معايا النهاردة ونخرج زي ما وعدتني…)
ترك لعيناه حرية النظر إليها للحظات كانت
تحرقها خجلاً…ضربته في صدره وهي تنظر
لعينيه بحنق….
(بتبص على إيه…..بص قدامك….وركز معايا
هنخرج….)
لمعة عيناه بومض الشوق وهو ينظر لعينيها
بحب…..
(هنخرج بس لم اشبع الاول عشان انا جعان….) مالى عليها وقبل جيدها قبلات قوية متفرقة…..اغمضت عينيها باستمتاع وهي تترك له حرية الانغماس
بنهر حبها….ويد تضمه اليها اكثر والاخرى باصابعها تداعب خصلات شعره البنية الناعمة بوتيرة من العشق الخالص….
همست أية بضعف بين صخب مشاعرهما….
(بحبك……..)
رفع راسه عن عنقها ثم نظر لشفتيها الممتلئة بعيون مظلمة……ومالى عليها كي يقبلها قبلات متفرقة على كل جزء من شفتيها قائلاً بهمس عذب صادق
لابعد حد….
(وانا بموت فيكي…….باحبك يا اية……باحبك اوي…)
خفق قلبها بقوة متعبة وبرغم من حلاوة اعترافه لها في وقتا كان نادراً بينهما إلا انها لم تلامس كلماته كما يجب ان تكون وكان الاعتراف ينقصه شيءٍ أهم !….
زادت وتيرة قبلاته على وجنتيها وشفتيها هبوطاً الى جيدها لتهمس بصعوبة بين تلك الملحمة العنيفة…
(حبيبي…………اهدى مش قادرة اتنفس……خالد….)
رفع وجهه عنها بعد هذا النداء ليخبرها بنبرة بها لمحة قوية من الحنق ولوم….
(ازاي الواحد يقدر يشبع منك…….. انا طول الوقت
عايزك ومحتاجلك…..)
نظرت اليه باستغراب وهي تساله برقة….
(وليه مضايق اوي كده وانت بتقولها….طبيعي اوحشك زي ما بتوحشني….)
رد بانفاس متحشرجه من قوة المشاعر بينهما
وعيناه تنهال من وجهها وكل جزء انكشف بجسدها بفعل يداه العابثة…
(مش طبيعي اللي بيحصل بينه…… وكانك بقيتي ادمان يا اية….. جرعة لازم تتاخد كل يوم.. مش شرط
تحصل علاقة بينا… لكن شرط اساسي المسك وخدك في حضني كل ما شوفك…….)
نظرت بغرابة عاقدة حاجبيها بتعجب وهي
تتساءل…
(ياترى دي حاجة حلوة ولا وحشه عشان

 

 

احترت معاك……..)
اخبرها بضياع ولم يحيد عنها عيناه ولو للحظة….
(كفاية حيرتي مش هيبقا انا وانتي……)
لم تهتم بما قاله وكأنها تحاول الخروج من
القوقعه التي لا يود الخروج هو منها مهما
حاولت معه…
(يعني هنخرج النهاردة…)
لاحت شبه بسمة على شفتيه اليابسة وهو يحاول
ارضاءها……
(هنخرج يا آية النهاردة مين يقدر يقولك لا……) ثم صمت وهو يسافر بعيناه على وجهها الجميل قائلا ببحة عميقة راغبة بتلك المرأه وكانها اكسير
الحياة بنسبة له…….
(بس اجليها شوية………شوية كمان….) مالى على شفتيها وقبلها بقوة ومدت هي يدها وداعبت خصلات شعره الناعمة وهي تقربه لها اكثر من
المعتاد وبمنتهى الجرأه والاستمتاع….
ليشعر هو بان الدماء تعود لعروقه كلما
توحدان بتلك الطريقة المتناغمة شاعر بعدها
بان افضل لحظة كانت بينهما على فراش
واحد………بدون خلاف او تناقض او عقد….
روحين بجسد واحد…….
عندما خرجت من الحمام بعد ان اخذت حماما دافئ وقفت امام المرآة بمئزر الاستحمام وهي تشغل مجفف الشعر على شعرها المبلل الذي استطال
حتى اخر ظهرها…….بنعومة ودلال يحكي عن
أمرأه خلقت لتكن الاجمل بحضورها الخفيف
وخفة دمها المعتدلة…. وشقاوتها الغير منتاهيه
و وحنانها الدائم للجميع…….وقوتها الحاضرة
امام اين كان……يحكي عن آية الخولي الاعلامية الجميلة التي خطفت قلبه ومزال يعافر في الاعتراف…..
اقترب منها بعد هذا التأمل المتغذي على صبره ليجد نفسه يضمها من الخلف وبرغم فرق الطول الملحوظ بينهما فهي امام هذا الطول كابنة صغيرة قصيرة امام والدها……
اغلقت المجفف وتركت جسدها كله يستند على صدرها العريض شاعره بعضلاته البارزة وصدرة المشدود خلفها يلتصق بظهرها…. اكتملت الصورة اكثر بضم ذراعيه القوية لها من الخلف محيطه خصرها بحب وشفتيه تستند على شعرها الاشقر..
اخذ قدر كبير من رائحة غسول شعرها المنعش
انها تستعمل افضل الزهور الربيعيه المعطرة وهي زهرة الفريزيا تلك الرائحة الرقيقه ولطيفة تفوح
من شعرها بجمالاً تجعلها يستنشق جزاء كبيراً
منها كالدمان ككل مابها…..
اية مميزة وكل ما بها يختلف عن اي امرأه عرفها قبلها……لن ينكر تجارب حبه في الشباب والمراهقة
لن ينكر مواعدته لغيرها لن ينكر ما مر قبلها
لكنه معها يستشعر براحه والكمال احاسيس تداهم اعماقه وتلامسها……اشياء لم يشعر بها يوماً مع اي أمرأه من جنسها وهذا النقيض الذي يحيره
والنقيض الذي بات صعب ابعاده وكانه كشيطان يدفعه للمعصية وفي النهاية يخبره بانه بريء
من ما اقترفته يداه…….

 

 

همهمت آية وهي تتفتح عيناها وترى صورته المنعكسة في المرآة امامها وهو حائر شارد في احضانها وهذا ليس جديد بينهما….بلعت تلك المرارة التي احتلت جوفها فجأه وهي تبتسم اليه محاولة
اخراجه من دائرة الوتيه تلك وهي تبتعد عنه
قليلاً قائلة وهي تنظر لشعرها في المرآة باهتمام زائف….
(خالد….اي رايك لو قصيت شعري شويه….)
انتبه سريعاً لم قالته فقال بنفي….
(لا يا اية…..بلاش تقصيه………طوله كده حلو وعجبني….)
ضيقت عيناها وهي تستدير اليه باستمتاع
خبيث…….
(هايليق اكتر لو قصيته…….وهو طويل مضايقني….)
عقد حاجبيه وحذرها بجدية….
(مش مهم خلي يضايقك…….. مفيش قص شعر ولو المقص قرب منه هتزعلي…….)
(افكر………) اولته ظهرها بمكر وصلف واضح…..
مسكها في لحظة من ذراعها وادارها اليه وهو يحذرها من جديد…….
(اية اياكي تقصيه…… انا بحب شعرك كده…..)
اهدته أجمل ابتسامه وهي تسحب يدها برفق من
بين يده قائلة بعتاب شاجن…..
(يابخت شعري بالحب دا كله……” ادرات ظهرها واضافة…. “انا هدخل البس شويه وجايه…)
قال من خلف ظهرها….
(متتاخريش……)
اخبرته وهي تغلق الحمام….
(ربع ساعة وجايه علطول…..)
مط شفتيه وهو يحسب بتركيز…..
(ربع ساعة والخمس دقايق بنسبالها ساعه يبقا تلات ساعات………وادي قعده……) القى نفسه على الفراش بملل منتظرها كي تنتهي…..
ابتسم خالد باشتياق يطوف على وجهه وعيناه
التي تتوهج مع ذكرى قربهما الحميمي ومشاعرهما الصاخبة وبين مزاحها وجدالها وشقاوتها…. ورائحة عطرها الذي يشعر بانه مزال يعناق انفه بنعومة محببه لقلبه كصغيرته وكل مابها …….حتى
شعرها….
آآه شعرها قد قصت إياه بعناد…..وكلما استطال ولو قليل قصته بتصميم مؤلم وكانها تخبره انها تكره اي شيء يذكرها به……لو كنت نست مابينهما ما كانت واظبت على قص شعرها كلما استطال….. وبرغم حنقه من ما فعلته بشعرها إلا ان تلك الخطوة تجعله يثق مائة في المائة ان ما بينهما لا ينسى حتى مع مرور السنوات…… واليوم في غرفته كان خير دليل؟!……
عاد من من شروده على صوت طرقات على الباب وبعدها سمح للطارق فدخلت المربية وهي تحمل علي الصغير الذي عندما وجد والده انقض عليه بسعادة ضحك خالد وهو يضمه لاحضانه…..
انحرجت المربية وطاطات براسها وهي تقول….
“اية هانم بعتاه لحضرتك…..عشان بيسال عليك…..”
تمتم الصغير وهو ينظر لوالده ببراءة…..

 

 

“با با….”
ابتسم خالد لابنه وهو يقبله ثم شكر المربية واغلق الباب خلفها…….ليحدث الصغير بشوق ابوي اصبح
يشق طريقه اليه كلما نظر لابنه وسمع صوته ينادي اليه (بابا…)وكم كانت جميلة وهي متقطعة من بين شفتيه الحمراء الصغير ووجنته الممتلئة الناعمة
جداً….وعيناه الصغيرة الخضراء الواسعة بجمال
انه جميل وهو يرمقه ببراءة وعيناه الصغيرة تسافر على وجهه ثم يمد قبضته الصغيرة ليلامس
وجه خالد و….

ابتسم خالد لابنه وهو يقبله ثم شكر المربية واغلق الباب خلفها…….ليحدث الصغير بشوق ابوي اصبح
يشق طريقه اليه كلما نظر لابنه وسمع صوته ينادي اليه (بابا…)وكم كانت جميلة وهي متقطعة من بين شفتيه الحمراء الصغير ووجنته الممتلئة الناعمة
جداً….وعيناه الصغيرة الخضراء الواسعة بجمال
انه جميل وهو يرمقه ببراءة وعيناه الصغيرة تسافر على وجهه ثم يمد قبضته الصغيرة ليلامس
وجه خالد و….
“آآه….كدا ياعلي…..”وضع خالد يده على وجهه فقد جذبه الصغير بقوة وفي لحظة غدر من انفه باظافره
الصغيرة الطويلة و المسننه…….
مسك خالد يد ابنه ونظر لاصابعه….
“انت عايز تقص ضوفرك…..اية سيباك كده ازاي…”
تمتم الصغير باسم امه بطريقة مضحكة…فحدثه خالد
وهو يضحك بسعادة بعد ان نطق الصغير اسمها لاول مرة أمامه…..
“ايوا اية………… عارفها امك اللي هتجيب اجلي قريب…”
ضحك الصغير وشاركه خالد الضحك وهو يهز راسه……وحينما تلاشت الضحكة بتدريج تنفس خالد براحة وهو يرمق صغيره بحب ابوي وقرص وجنته بلطف…..وهو يبوح اليه بصدق…..
“تعرف انك احسن حاجة حصلت بينا……لولا وجودك
كان زماني محروم حتى من اني اشوفها……..لولا وجودك ياعلي مكنتش هحس بالاحساس اللي بحسه كل ما بخدك في حضني وبسمع كلمة بابا منك…انت نعمة كبيرة اوي ياعلي واجمل هدية جتلي…..واحلى حاجة انك منها…….حته منها و روحها فيك…..زي
مانا روحي فيك و………….وفيها………”ضم الصغير الى صدره فلم يمانع الصغير بل ظل في احضان والده ساكن وكانه كان ينتظر هذا العناق او شفق على والده واستشعر بحزنه………

 

 

من هم الاكثر احساس بنا ؟…. من يغرقونا بالحنان والعطف بمنتهى الكرم وبدون اي مقابل…..
غير الأطفال………… لا تبخل في عناق طفلك فهو يحتاجه كما تحتاج انت إليه اكثر ….
كان على حافة السرير بصدره العاري كما هو……..ضحكاته تملأ وجهه وهو يلاعب صغيرة بسعادة ، والذي يشاركه الضحك بقوة متمتم بكلمات متقطعة جعلت خالد يظل يردد باستمتاع امامه
عدت اسماء بداخل محيط العائلة حتى يستجيب الصغير له ويردد خلفه بتمهل……. مرة يفشل معه واخرى ينجح بطريقته لكن كان خالد وقتها يردد
اسم (اية) كثيراً عليه فكانت عيناه تتلألأ بسعادة كلما سمع علي ينادي على امه باسمها وكانه يناديه هو ليستشعر بكل هذا الابتهاج كلما سمع الصغير ينطق باسمها….
كالحلوى هي شهية حتى اسمها من بين شفتي الصغير تزيد خفقاته وتلمع عيناه وتاثر عليه لمجرد نطق اسمها بحروف متقطعة غير واضحه……
بعد فترة وجيزة هبط على السلالم وبين يداه الصغير
سمع صوت ضحكاتها مع والده وهي تحكي له عن احد كواليس برنامجها مع احد الممثلين الصاعدين…
ابتسم خالد بعمق وهو يتذكر ثرثراتها السابقة الدائمه عن عملها وضيوفها في كل حلقة……. ولن ينكر غيرته
والملل الذي ينتابه كلما شعر بمشاركة عملها جزاء
من حياتهما….
دخل الصالون فتمتم الصغير باسم امه وهو يحاول القفز عليها ببراءة…….
لم تتلاشى ابتسامة خالد بل اتسعت وهو يترك صغيرة على الارض ليسير الى امه بقدميه
الصغيرتين بحرصاً وتمهل وهو يتمتم باسمها كما علمه والده……
ضحكت اية وهي تلاحقه بعينيها العسلية وهو يتمتم باسمها لأول مرة…..
تقدم الصغير من مقعدها….. حملته وعانقته بقوة وهي تحدثه بعتاب…..
“كل دا غياب ياستاذ…. بابي خدك مني
خلاص……. القعدة معاه احسن مني…..”
تمتم الصغير باسمها وهو يلعب بخصلات شعرها القصيرة….. عقدة حاجبيها وهي تتحدث بجدية
زائفة……..
“اي آية دي…..فين مامي…راحت فين…….”
شارك خالد في الجلسه معاهما وهو يخبرها ببساطة…..
“انا شايفه ان اية احلى……..”
بدون ان تنظر اليه قالت وهي تلاعب صغيرها…
“ماماي احلى……..مش كده يا علي……”
داعبته آية بانفها فشمت رائحة عطر خالد معلقه على وجنتي الصغير الذي يبدو انه قضى ربع ساعة في اللعب والقبلات بداخل احضان والده فرائحة العطر تفوح منه بقوة…….
اغمضت عينيها وهي تشتم تلك الرائحة بهدوء وبدون ان يلاحظ احد ما تفعله….فهي كانت تلاعب الصغير بانفها وتاخذ كذلك القدر الكافي من هذا العطر التي تعشقه كما تعشق صاحبه……..
ظل خالد يتابعها بعيناه وهي تلاعب ابنه ومنشغلة معه وكانها تتعمد الانعزال عنه حتى في جلسة
تجمعه مع والده الذي كانت تثرثر معاه منذ ثوانٍ
قبل دخولها……..
هل يجب عليها ان ترسل له بغضها وكرهها في كل مرة يجتمعان……..
سمع والده يقطع وصلت التامل تلك وهو يساله بهدوء…..
“جيت بدري يعني ياخالد…مش عادتك…دا انت بتخرج الصبح ومبترجعش غير اتناشر بليل….”
رد بتبرير أحمق….
“مفيش شغل كتير عندي فقولت اروح……”
تعجب فؤاد فاضاف….
“ازاي دا انا لسه مكلم رشا عشان اعرف اخبار الاجتماع اللي هتدخله ولقيتها بتقولي انك مشيت واجلت الشغل كله لبكرة………”
توترت ملامحه وهو يخبر والده باقتضاب وحرج…
“سبته عشان تعبان شوية…ومكنتش فايق لحاجة…
وبعدين انا بليل رايح مناسبة عند ناس صحابي وطبيعي اجي اغير هدومي واخد اية معايا عشان معزومه هي كمان…….”
اوما فؤاد وهو يحدث ابنه بهدوء…

 

 

“مانا عارف اية قالتلي قبلك…….ابقى سلملي على نضال وريتاج وقولهم عقبال العمر كله مع بعض.. ”
وزع فؤاد نظراته عليهما بتساوي وتابع بحزن ….
“مفيش اصعب من الفراق خصوصاً لو الاتنين لسه بيحب بعض………”
تقابلت عيناه بعيناها فهربت بعيون مطعونة بالوجع تتجرع ألماً كلما بقى قلبها على عشقه وفي……
في غمرة شرودها شعرت باظافر الصغير تجذبها من وجنتها بقوة….. تأوهت بقوة وهي تضع يدها مكان
الخدش البسيط الذي سببه الصغير لها و الذي ابتسم ببراءة وهو ينظر لها وكانها لعبة محاول بعدها خدشها من الناحية الاخرى…..
وقع قلب خالد بعد تأوّهها فوجد الصغير يتابع جذب وجنتها الأخرى بدون اي احساس بذنب نحوها….
“علي…….” صاح باسم ابنه وهو ينهض عن مقعده…
رفعت اية وجهها وابعدت يدها عن وجنتها فظهر هذا الخط الرفيع الأحمر في عرض وجنتها البيضاء….
نظرت له باستغراب ثم عادت تنظر لابنها الذي قطب
حاجبيه كوالده حينما يتزمر ومط شفتيه الصغيرة ببراءة مثلها حينما تغضب……..وجدت الصغير يلقي نفسه في احضانه متمتم بـماما وهو يختبئ من غضب والده……
قالت اية برفق وهي تضم ابنها…..
“اهدي ياخالد محصلش حاجة هتخوفه منك….هو فكرها لعبه……”
اقترب خالد منها تحت انظار والده الذي ينظر لهما بدهشة من توصلهما الغريب معاً وكانهما لم يفترقان يوماً………والصغير يوحدهما اكثر معاً بدون ان
يشعرا بذلك…..
جثى خالد على ركبتيه امامها عند المقعد الجالسة عليه….بلعت آية ريقها بتوتر وهي تنتظر ما سيقدم عليه امام والده…فقد هرب صوتها وتيبس جسدها امام هذا القرب وما أعجزها اكثر جلوس علي في
احضانها……
بعد ان جلس امامها مد يده باهتمام ومرر ابهامه على طول خدشها الرفيع كي يمسح تلك النقطة البسيطة من الدماء………
سحب بعدها من على الطاولة مناديل تعقيم مبلله
مررها على خدشها برفق وهو يسالها بحنان……
“بيوجعك……”
نظرت له ببلاها وهي تقول باستهانة….
“دا خربوش بسيط…….. مضربنيش بنار يعني…..”
فار دماءه وهو يقول بحنق منها….
“وانا هستنا لما يضربك…..”نادى على ابنه الذي يخفي راسه بداخل احضان امه…..
“علي……”
نظر له الصغير ببراءة وتاهب وهو يمسك بملابس
امه بقوة واهيه……حدثه خالد بعتاب وشفتيه
تبتسم قليلاً له كي لا يخشاه الصغير ويبكي…
“كده خربشت ماما…..”
نادى علي باسمها كما علمه والده وهو ينظر لها بابتسامة رائعه لا تخلو من لطف الاطفال الفطري لديهم ….ضحكت اية وهي تمد يدها وتعبث في
شعر الصغير بحب مداعبه إياه بشقاوة….
“البريء اللي معملش حاجة ياخرابي على الضحكة…”دغدغته اية بمرح فضحك بقوة وهو يحاول خدشها مجدداً كنوع من تبادل المرح معها
لكن بطريقته !….
حاولت آية حماية وجهها بعيداً عنه وهي تحذره بمزاح….
“تاني……..بابي هيزعق…..بص خالد بيبصلك ازاي..”
نظر الصغير لوالده فضحك وهو يرى خالد يبرق بعيناه بجدية مصطنعة….. ضحك الصغير اكثر
وهو يحاول النيل من امه مجددا بدون ان يهاب والده….

 

 

هز خالد راسه باستياء ثم امر الدادة بعد النداء عليها ان تحضر قصاصة الاظافر الخاصة بصغير….. بالفعل
احضرت القصاصة وبنفس الجلسة بداء بقص اظافر الصغير….. والذي يجلس في حجر والدته ووالده يجثو على ركبتيه يقص اظافره ببطء وتمهل……
كانت آية تداعبه وتلاعبه حتى لا يخاف او يرفض قص اظافره وكان خالد مع كل قصت ظُفر يشاكسه
بعيناه ووجهه بحركات مضحكة مرحة فيضحك الصغير عالياً وآية معه…
راقب فؤاد سعادة ابنه وضحكاته معاهما….راقب دفء تلك العائلة الصغيرة وكمالها معاً…. راقب الصغير الذي قرب قلوب تهوى البعد واوجاعه….
دعى بعدها فؤاد بالوعة بعد هذا المشهد
الجميل المبهج لعيناه……
“يارب قربهم من بعض عشان خاطر ابنهم اللي ملوش ذنب في اي حاجة بتحصل بينهم…..”
…………………………………………………………….
في المساء قد بدلت ملابسها في احد الغرف وارتدت ثوب السهرة الانيق التي ستحضر به الحفل معه…
هبطت آية على السلالم بهالة الانوثة والجمال التي تتميز بهم وكان خالد بانتظارها بالاسفل في ردهة مباشرة وعيناه كانت تراقبها وهي تنزل على السلالم بمنتهى الثقة والصلف الجميل الذي يحق لها بدون اي إنكار فهي اكثرهن فتنة وجمالاً وتميزاً !……
كان الثوب من اللون الاسود الامع طويل بارز
قدّها الانثوي الممشوق بارز مفاتنها السخية
بصورة مهلكه لعيناه……..لملمت شعرها الاشقر القصير بتسريحة انيقة مرتفعة للأعلى….ووضعت القليل من الزينة على وجهها فأصبح اكثر جاذبية والاكثر حينما حددت عيونها العسلية الواسعه بالكحل الاسود…. وشفتيها كانت مطلية بالحمرة الحمراء التي ارتسمت على شفتاها باحترافية فجعلت خيلاته تعمل في اتجاه واحد….كيف
يتم مسح تلك الحمرة بمحرام ورقي وهو موجود ويود المساعدة باي طريقة ممكنه فهو خدوم جداً
في تلك الاشياء ، خاصة ان كانت تخص حمرة شفتيها هي !….
كان كعبي حذائها العالِ يقرعان الارض المصقوله بثقه وخيلاء وهي تتقدم منه بخطواتها متهادية ..ثم قالت بنبرة رقيقة ككل مابها…..
“يلا بينا ياخالد…….”
حاول السيطرة على تلك الانفعالات الغريبة التي تحدث له بقربها فتوتر وهو يغلق أزرار سترة
الحلة التي كانت غاية في الاناقة والجاذبية عليه تلائم طوله وعرضة وتبرز جسده الرياضي……كاحد
نجوم السينما هو ومن ينكر انه ينافسهم بالوسامة
والجاذبية….خصوصاً بعيناه الخضراء وشعره البني الغزير وتلك الحمرة التي تحتل وجهه الرجولي المنحوت فتزيد تميزه عن غيره بعيناها التي
تتفقده الان وتتغزل به سراً……
انتبهت اية الى ربطة عنقة وسريعا عقدة حاجباها وهي تتقدم منه خطوتين…..
تيبس جسده فنظر لقربها ولعينيها الواسعة ثم هبط بعيناه لشفتيها الشهية المزينة باغراء…….
انتظر حتى وجدها تحل العقدة وتربطها من جديد بهدوء وتريث انثوي جميل عقبت وهي تعقدها له
وعيناها تداهم عيناه بفتور…
“الجرفته مكنتش مظبوطه…..امتى هتتعلم تربطها صح……..”
تعمق بعسليتيها الصافية وهو يقول ببطء موجع لقلبه وقلبها معاً……..وقد استشعر مرارة البعد
أخيراً !…….
“لسه بحاول………من ساعة ما سبنا بعض…..”
اخفضت جفنيها وهي تنهي عقد الربطة ثم مررت
يدها على كتفه تنفض شيءٍ وهمي وهي تغير الحديث بنبرة عادية….

 

 

“كده بقت مظبوطه……يلا بقه عشان منتاخرش…”
اولته ظهرها وهي تخرج من باب الفيلا…لحق بها
وهو يسير بجوارها وقال بمدح متردد…..
“طلعه……… طلعه جميلة اوي النهاردة……”
اطبقت شفتيها بخطٍ مستقيم وهي تنظر للامام بحزن…ثم ابتسمت شبه ابتسامة وهي ترد
المجاملة بفتور……
“ا…..Merci… ياخالد…. انت كمان طالع حلو اوي بالبدلة…. ”
شعر ببوادر الغيظ تجتاح صدره بعد ردها الفاتر وابتسامتها المستهانة بجملته…..
ترك الصمت يخيم عليهما وهم في طريقهما للمرأب
ثم بعدها استلقى السيارة وهي بجواره وانطلق بها
بعد ان قال بهدوء……
“اربطي الحزام…..”
اومات له وهي ترى السيارة تتحرك وظلت طوال الطريق صامته وهو معها حتى وصلا للحفل المقام
بمناسبة عيد زواج زوجين قد مر على زواجهما عشر سنوات……عشر سنوات من الحب والالفة والعشرة معاً…عشر سنوات بها ايام حلوة وايام مُره…. عشر سنوات……..
هل يحدد الحب بين الزوجين بعدد السنوات؟
ام يحدد بعدد مرات الخصام بينهما؟
انا على يقين ان سنوات الزواج ليست مقياس السعادة والحب…..
وان الخصام بين زوجين هو كاشف الستار
عن مشاعر تختبئ بين ازقة الافئدة حيثُ شاءت
الاختفاء علناً بعد ضغوطات الحياة…
على يقين بان الحب باقي ان كشفنا عنه ولو
حتى بنظرة….
وعلى كامل اليقين ان الزواج مكتوب والطلاق
واقع مفروض بأيدينا !….
……………………………………………………………
في حوش السجن سمع اسفل احد الاشجار صوت شجار حاد بين رجلين……. اتجه اليهم كي يفض
الاشتباك بينهم ليجد عمار يضرب من احد رجال
(بيومي) انتفخت اودجه وغلى الدماء بعروقة وهو يرى عمار منهزم تارك الرجل ينال منه ضربا مع ان عمار برغم من طوله المعتدل إلا انه بجسداً رياضي
صلب بل و يفوق قوى وشباب عن هذا البائس
المتعاطي الهزيل الذي يلكمه بمنتهى الافتراء……
والاخر لا يدافع عن نفسه حتى…. تدخل ابراهيم حينما زاد غضبه منه ومن عمار الذي اصبح صديق
له في هذا المكان المشئوم…….
اول شيءٍ فعل ابراهيم فض الاشتباك وهو يصيح
اليهم بخشونة….
“استهدوا بالله ياجماعه…… هتموت بعد في اي ياعمار….”
صاح عمار بتجهم نحو الرجل….
“ولا حاجة يابراهيم…. قعد في امان الله لقيت اللي جاي ياخد الاكل اللي بطفحه ولما اتكلمت مد ايده اللي شبه المرزبه دي عليا……”
هتف الرجل بوجها بغيض وهو يقول هاجماً…..
“بقولك اي هات الطفح ده للمعلم بيومي….. وطالما الزيارة بتاعتك كانت فراخ ومحاشي يبقا المعلم اولى بيها…”
مرر عمار يده على شعره بغضب وهو يتمتم
بتشنج…..
“هي ماشيه بلطجه ولا اي ياجدعان… حتى الاكل اللي بيجلنا في الزيارات…..”
اكد الرجل بفظاظة وهو يتبجح أكثر في الكلام…
“آآه حتى الاكل وبعد كده قولهم يجبولك كام قاروصة سجاير………. عشان المعلم…..”
فغر عمار شفتيه وهو ينظر للرجل ذاهلا ثم
تشدق بانفعال…….
“يعني انا مبدخنش اخلي اهلي يغرمه قاروصة سجاير عشان المعلم يتكيف……”
اقترب منه الرجل فاتح صدره اليه ومقبل على
الشر ان زاد الحديث بينهم اكثر….
“ايوا ياخوي مش عجبك…… قول مش عجبني وانت هتفحر قبرك بايدك……”
مالى عمار بحنق واخذا علب الطعام المرصصة فوق بعضها وهو يقول بحنق……
“ياعم لقبر ولا نعش…. انا كلها اسبوعين وغاير من هنا…….. خد الأكل أهوه……”

 

 

منعه ابراهيم بغيظ…
“ياخد اكل إيه……. انت هتسيبه ياخد اكلك….”
تمتم عمار بتحفظ…..
“آآه هسيبه يعني هي اول مرة…. سيبه وتقي
شره…”
هدر ابراهيم بغيظ من صديقه….
“التقوى دي لله واحده…….” ثم نظر ابراهيم
للرجل بغضب وقال ببرود…..
“بقولك اي روح اشحت للمعلم بتاعك في حته تانيه هنا مش تكيه……طريقك أخضر……..”دفعه ابراهيم في لحظة اندهش منها الرجل حينها توسعت عينا الرجل وهو ينظر له بغضب ثم نظر حوله ليجد العساكر بدات بظهور فتوعد له وهو يقول بشر أسود…
“فحرت قبرك بايدك يابن راضي…..ولو وصل للمعلم
كلامك ده هيزعل اوي…….وانت لسه مجربتش زعله..
عقله ياعمار وهات الطفح ده…….”
اوما عمار على مضض…..
“خلاص ياعم خد الاكل ورحمنا من تهددتك….”
منعه ابراهيم مجددا بقوة…..
“يرحمنا إيه….سيب الاكل ياعمار…..”ثم عاد للرجل
قال بشزراً
“بقولك اي طريقك اخضر…… واعلى ما في خيرك اركبه………انت ولبلطجي اللي مسرحك……”
احتقن وجه الرجل وهو ينظر لإبراهيم بدهشة ثم لم يلبث إلا والقى عليهم نظرة توعد ثم تركهم ورحل…
ضرب عمار على فخذيه بقوة وهو يصيح..
“الله ياخربيتك يابن راضي……خلتني اعادي الشياطين……ياجدع انا كلها اسبوعين وغاير
شكلي هخرج من هنا على نقاله…..”
نظر له ابراهيم شزراً وهو يقول باقتضاب…
“بطل تولول زي النسوان وقولي سيبه يبهدلك ليه… انت كان ممكن تفرش امه على الارض تحت
رجلك………….. مدفعتش عن نفسك ليه……”
تمتم عمار بتشنج وهو ينظر اليه بانفعال…
“قولتلك قبل كده هنا اوضتين وصالة دا من رجالة بيومي يعني اي عواء هيعمل معايا الصح…… واحتمال وانا نايم القي نفسي متشرح……”
انفعل ابراهيم عليه وهدر بغيظ منه…..
“جرالك اي ياعمار كذا مره تكرر نفس الكلام… هو
اي اللي حصل معاك بظبط……”
اخفض عمار راسه وهو يجلس تحت الشجرة
قائلا ببرود وهو يقضم من الخبز الجاف……
“مش معايا….. مع واحد صاحبي اتعرفت عليه اول ما دخلت السجن… كان زيك كده دمه حامي وجدع مع الكل وبسبب جدعنته عمل عواء مع رجالة بيومي راحوا معلمين عليه وهو نايم… وياريتها علامه في وشه كان عاش…… دي علامة جابت أجله……”
تمتم ابراهيم بصدمة بها لمحة من التاثر…
” ياولاد الكلب…… كل ده بيحصل في سجن امال
برا بيعمله إيه….. ”
لوى عمار شفتيه هازئا وهو يعقب بمرارة…
“السجن دنيا تاني برضو……. الفرق بينه وبين برا سور………والاتنين سجن… ”
ضحكة يئس خرجت من بين شفتي ابراهيم
وهو يؤكد كلامه مضيف….
“عندك حق الاتنين سجن………. القادر بيفتري على الضعيف والفلوس هي اللي بتكلم وبترد وبتشتري….”
تمتم عمار وهو ياكل بغيظ ناظرا امامه بشرود…
“كل حاجة بالفلوس……. لو كان معايا فلوس كنت حققت حلمي وعملت مشروعي وكسبت وطلعت
وبقيت اغنى واحسن من ابن الكلب اللي دخلني السجن……. حسبي الله ونعم الوكيل فيك ياماهر..”
اتسعت عينا ابراهيم بتعجب وهو يشرف عليه بوقفته ثم سأله باستفسار …..
“ماهر !….. هو اللي دخلك السجن هنا اسم ماهر…”
استغرب عمار ردة فعل ابراهيم فتابع بصوتٍ
باهت….
“مالك علقت على الاسم كدا ليه…. اه ياسيدي اسمه ماهر…. ماهر المحمدي راجل اعمال اكيد سمعت عنه..
كنت شغال عنده في شركة وعرضت عليه مشروعي على اساس ان يمولني ويبقا مستثمر وكده….. فكان عاوز يديني الصابونه وياخد دراسة المشروع ويقولي امك في العشه ولا طارت……… ولما صحصحت
للي هيعملو وطلبت ضمانات للمشروع قبل ما ياخد الدراسة اللي عملتها لقيته بيلبسني في الحيط
بتهمه ولا اعرف لبستها ازاي….”

 

 

اشتعلت عينا ابراهيم بنفور وهو يتمتم زاهلاً…
“يابن الكـلب…..دا مسبش حد غير لم افترى عليه…”
ترك عمار اللقمة وهو يشعر بان الطعام يقف
بحلقه يأبى الانزلاق فقال بصوتٍ اجوف نافر……
“هو ابن كـلب فعلاً ومفتري…سبع سنين في تهمه زور
ضيع مستقبلي وبقيت حرامي على اخر الزمن بعد ما اهلي صرفه عليا دم قلبهم وسفروني اشتغل ودرس برا……بس تعرف ان اللي غبي….عشان رجعت مصر وقررت افتح مشروعي هنا في بلدي….انا اللي غبي فكرت ان ممكن رجال الاعمال اللي زي ماهر وغيره ممكن يساعده شاب مكافح متعلم زيي….انا اللي غبي عشان صدقت الشعارات بتاعتهم والكلام اللي بيقوله قدام الكامرات اقسم بالله انا اللي غبي……….انا اللي غبي….”
اولاه ابراهيم ظهره عازم الرحيل وهو يقول
هاكما……
“انت فعلاً غبي…… بس مش لوحدك كلنا اغبيه…. عشان بنستهاون بحجم اللي قدمنا….كلنا اغبيه يا عمار مش لوحدك……. ”
سار مبتعد عنه…. ما تلك الاشارات ولماذا بعد دخولة هنا يصادف عمار مباشرةً…… وبعدها بشهرين من صداقته يكتشف انه احد ضحايا ماهر.. وتم اتهامه باحد التهم الزور مثله مع اختلاف الاسباب…
كيف لهذا الشخص بكل هذا الافتراء والظلم ان يظل هكذا واقف وصامد يصعد ويعلو ويدهس على الجميع بحذاءه بدون ان يحاسب…..
(الله يهمل ولا يمهل…. لكن العبد دوما في عجلة من أمره……… سبحان الله…….)
في داخل الزنزانة تحدث الرجل بهمسا الى بيومي الذي عبس وجهه سريعاً وارتفع حاجبيه استنكراً
ثم نظر الى الرجل بغضب أسود وهو يدفعه
بقوة بمنتهى الاشمئزاز قائلاً باهانة…..
“بقيت عمل شبه المرا اللي بتيجي تشتكي لاهلها من جوزها……مخدتش حقك ليه منه ياجعر بدل مانت جاي تسمعني كلامه……”
اخبره الرجل بخضوع مهذب وهو يسبل
جفنيه….
“مستني اشارة منك ياسيد المعلمين…..”
حك بيومي في لحيته وهو ينظر امامه بشر ثم
قال بنبرة سوداوية….
“الواد ده أصلا معوج ونظراته ليا مش عجباني وكانه مستقل بيا ومش عجبه كلامي…..وشكله النهاردة هيتعلم عليه زي الواد اللي كان قبله….”عادت عينا بيومي على الرجل وهو يحذره بخفوت…
“بس المرادي مش عايز ايدك تغوط…..خدش تذكاري
كده بس……عشان يفتكرنا علطول….انت عارف العين علينا ولو مات في ايدك المرادي…. احتمال كبير نقع في ايد من لا يرحم……”
هتف الرجل بانكار اليه….
“عيب عليك ياسيد المعلمين المرادي هبقى حنين…”
التوت شفتي بيومي بضحكة ماكرة وهو
يقول….
“طب ياحنين……… اما نشوف……”ثم نظر لرجالة
وهو يتمتم بانهاك مصطنع….
“والله الواحد تعب من شغل المعلامة ده… الناس مبقاش عندها أخلاق ياخي…. بيخلوني اتعامل بعنف
معاهم…. مع اني من جوايا ابيض وصافي النيه….”
صاح احد رجالة بتملق وهو يمدح فيه بمبالغه واضحه…..
“الحنين ابو قلب أبيض……معلمي ومعلم الناس كلها….. التعليم ده فن واحساس وانت ياكبير فنان
من يومك…..مين هيبقى معلم غيرك يامعلم… ”
صاح الجميع اليه بنفس التملق….
“ايوا……. مفيش غيرك يا معلم…… يامعلم…..”
ضيق بيومي عيناه وهو يسحب من سجارته باستمتاع…..
“حب الناس ده نعمة كبيرة…. ربنا يديمها علينا…”
قبل بيومي كف يده من الجاهتين بتأثر…….

 

 

صاح الجميع بتملق اكبر ومدح مبالغ…..
“الله عليك يامؤمن……”
” ياتقي….. ”
“… ياسيد المعلمين…”
تمتم ابراهيم من بعيد بتوعد ….
“ياولاد الكلب…….ولاد الكلب إيه… دا انتوا ولاد حرام…..وربي لتكون نهايتكوا على ايدي…. ”
في الزنزانة ليلاً ذهب الجميع الى النوم……
وعلى فراش ابراهيم ليلاً بدات خطوات بطيئة حريصه تقترب منه في الظلام عند فراشه
مباشرة……شعر بمن يسحب الغطاء عنه ويرفع يده بشفرة حلاقة و……..
وجد الرجل يده تكبل بقوة قبل ان تصل لابراهيم واصوات متداخله من حوله ليجد العساكر فوق راسه و أحد الضباط يقف بجواره مباشرةً….اتسعت عينا الرجل وهو يترك الشفرة الحادة ارضا وهو يحاول فهم ما يحدث امامه فقال ببلاهة….
“انا فين انا بعمل اي هنا…. …انا شكلي بمشي وانا نايم يا باشا………ااه شكلي بمشي وانا نايم……”
ضربه الضابط في كتفه وهو يقول ببرود
مستفز….
“الكلام ده تقول لم تتحول للتحقيق….كده عرفنا
مين اللى موت اسماعيل…….مبروك عليك الاعدام ياذكي….. ”
توسعت عينا الرجل وهو يصيح بتسرع….
“لا انا مش هلبسها لوحدي ياباشا…..اسماعيل مات
آآه وانا اللي قتلته…… بس دي كانت اوامر من معلمي……”
صاح بيومي من على فراشه بغضب……
“انت خليت فيها معلم ياجحش……”انتبه بيومي لنظرات الضابط فانتابه الخوف وهو يرفع يده للاعلى مؤدي التحية العسكرية…….واضاف بانكار…
” محصلش ياباشا انا بريء….”
أمر الضابط العساكر باخذه هو ورجاله وسجنهم في حبس انفرادي حتى الصباح ليبدا التحقيق والحكم عليهم بقضية قتل احد المساجين والذي فشل احد الضباط في السابق باخراج القاتل من بينهم ……
ابتسم ابراهيم وهو يغمز لعمار بخبث ضحك الاخر بتشفي نحوهم ثم هز راسه بتشجيع إليه…….
……………………………………………………………
في يوم الزيارات كان يجلس ابراهيم على احد المقاعد امام والديه وشقيقتيه وكان يتسامرون
معه في عدة اشياء عن احواله وحياته هنا فقد مر
حوالي شهرين على تواجده بهذا المكان……
قال ابراهيم بهدوء….
“الحمدلله انا كويس….انتي اي اخبارك ياحاجه…بتاخدي علاجك….”
قالت نوال بحنو….
“آآه ياحبيبي الحمدلله…متقلقش عليا ابوك واخواتك علطول جمبي…….انت شكلك خاسس اوي وتعبان هنا…لي مش بتاكل يابراهيم… ومش مهتم بصحتك
لي بس يابني…”
“باكل ياحاجه باكل الحمدلله….”ربت على ركبة والده وهو يقول بحنان….
“وانت ياحاج عامل إيه….بتدعيلي ساعة صلاة الفجر ولا نستني……..بقيت تنزل لوحدك اهوه من غيري… مانا علطول باخرك….”
رد والده بنبرة شاجنة….
“بالعكس دا انت اللي كنت بتصحيني نصلي جماعه
في الجامع…….الشيخ حسان بيسلم عليك…..وبعتلك السلام……. وكمان دعالك كتير امبارح ان ربنا يفك كربك ويرجعك لينا سالم…….”
“اللهم امين……ابقي سلملي عليه ياحاج….”ثم نظر لشقيقتيه بابتسامة حانيه….
“عامله اي يارباب…… وانتي يا رحمة……”
قالت رحمة بابتسامة حزينة….
“الحمدلله…. بقينا احسن لم شفناك ياهيما….”
قالت رباب بعد تنهيدة مريرة……
“الحمدلله يابراهيم بخير… وهنبقى بخير اكتر لم نتلم تاني في بيتنا……”
اوما لها بوجوم…..
“ان شاء آلله…..”تنحنح وهو ينظر لوالدته ثم سألها
عن روحه بلهفة برغم اتزان صوته وجمود ملامحه امامهم………
“هي سمر عامله اي يامااا………بتشوفيه….
مبتجلكيش…….هي متعرفش ان انتوا جايين النهاردة…….”
نظرت رباب لامها بغضب ثم لرحمة وأخيراً الى ابراهيم وعضت على لسانها بغل وهي تنتظر رد
امها…..و الذي اتى سريعاً بهدوء…..
“هي… جتلي وعلطول بتطمن عليا….. وكانت ناوي تيجـي بس……”
صاحت رباب بتشنج نحو امها….
“انتي بدفعي عنها لي ياماا… ما تقوليله الحقيقة…”

 

 

قضمت رحمة على شفتها وهي ترمق اختها
الكبرى بتحذير……..
“رباب احنا قولنا إيه……”
هدرت رباب بغيظ وغل….
“ولا قولنا ولا مقولناش….انا هاين عليا اروح بيتها وجبها من شعرها…..دي بنادمه واطيه..معداش شهرين على حبس اخوكي… هب سمعنا انها هتتجوز……مـ”
قاطعها ابراهيم بصوتٍ اجوف به لمحة من
البلادة…
“سمر هتجوز……….هتتجوز…….هتجوز مين…”
برمت رباب شفتيها بتهكم….
“واحد جيبه مليان داخل يحمل ويمشي…اللي زي دي هتفكر في اي غير الفلوس وانا اللي كنت فكراها بتحبك……لما عيطت ووقعت من طولها في المحكمة….كنت واثقه انها هتستناك العمر كله……
وتيجي بعد شهرين بس نسمع انها هتتجوز……كلبة فلوس وواطيه…..حسبي الله ونعم الوكيل….صحيح في وقت الشدة بيبان مين عدوك ومين حبيبك…..”
هتف راضي بصرامة….
“كفاية يا رباب انتي مش صغيره على اللي بتعملي ده……..”
صاحت رباب بقسوة على اخيها وهي تلوح
بيداها بتشنج…
“مش لازم يعرف الحقيقة……ويبطل يسأل عنها ويتعشم انها مستنياه…..”
لم يسمع أبراهيم حرف اخر منها بعد ان سمع خبر زواج سمر…..سمر تزوجت……رجل ثري….من غيره
الذي سعى كثيراً للنيل منها… من غيره الذي القاه
هنا كي يصل اليها بالخارج من غيره؟!….
لماذا قبلت بتلك الزيجة لماذا وهو هنا بين اربع حيطان يقضي عقوبة جريمة لم يرتكبها ولا باي شكل من الأشكال…..لماذا وعدته بعيناها بالبقاء وهي تنوي بيع كل شيء وتقدم للأمام بدون الالتفات إليه…..
صدره يغلي ويشعر بضيق انفاسه…… رجولته تزأر اوداجه انتفخت بقوة….انفعالات غريبة سوداء تجتاح
جسده اليابس بمكانه في المقعد……. وكان امامهم كصخرة الصلبة بوجهاً مات التعبير عليه فأصبح صورة على ورقة….. لكن عيناه القاتمة بداخلها
حروب تقام بضراوة…….. حرب العدو بها مفقود والمحارب بها عاجز حتى عن الصراخ بدافع التقدم……..لكنها تبقى حرب بداخله…..لا هواية لها
ولا معنى…… لكنها حرب….حرب النفس للنفس وما أصعب تلك الحروب ؟!…..
ربت والده على ركبته وهو يقول بحنان مشفق على صمته الذي يخفي خلفه رجل عاجز مصدوم امام إدراك حقيقة زواجها من غيره……
“كل شيء اسمه ونصيب يابني متزعلش نفسك..انت مش ناقص…..”رمق راضي ابنته بعتاب….
اشاحت رباب عيناها للناحية الاخرى بحرج وهي تصب بداخلها كل العنات على سمر….
انتهت الزيارة في تلك الاوقات نهض الجميع كي يودعوه…….بوعد بزيارة أخرى….
نهض ابراهيم باعجوبة وهو يودعهم بنبرة
باهته…
دخل الزنزانة والقى جسده على الفراش وغطى وجهه بالوسادة ونزلت تلك الدموع…..
نزلت الدموع عليها بقهر…ولاول مرة يبكي قهرا لاجل احد اليوم بكى لاجلها… ولاجله… ولاجل النصيب الذي ارسل له اخر إشارات بينهما….لن يلتقيا أبداً….قد افترقا…….فرقت بينهما الحياة ونزل الستار على نهاية القصة الجميلة…..على نهاية الحب الذي لم يبدأ بينهما بعد………
سمر تزوجت وهو هنا….سمر ستنجب اطفالاً وهو هنا
سمر ستكن زوجة ماهر ستعطي حقه المسلوب منه لماهر وهو هنا …….ستكن امًا لاطفال ماهر وهو هنا
سمر ستقتله وهو هنا……..سمر ستحرق قلبه وهو
هنا…. هو هنا عاجز…… سيسمع اخبارها كالغريب
وهو هنا…
قد خسر كل شيء لاجلها واكتشف الان انه لم يخسر شيءٍ سواها في تلك المحنة….. وسيبقى هنا في سجن داخل الزنزانة مع المجرمين الذي اصبح
واحداً منهم…….
ولاجلها اصبح هنا…. ولاجل نفسها باعت والقت حبه
في اقرب صندوق قمامة قابلها……..
سمر تزوجت…….. تزوجت يابراهيم….. تزوجت….
جفت الدمعة بعيناه وقست ملامحه وشتدت نظراته تحت الوسادة وهو يرى الانهزام بداخله يتحاول لشيءٍ قاسي نافر نحوها… نحو من وهب قلبه

 

 

في يداها فالقته أرضا ودهست عليه ؟!…….
………………………………..……………………………
وقفت امام المرآة ببنطال أسود وكنزة بنصف كم تماثلها اللون…… كوت شعرها اليوم على غير العادة
فأصبح منسدل ناعم….. ابراهيم يحبه مموج متمرد
مثلها……
اغمضت عينيها بعذاب… لماذا كلما حاولت نسيانه تتذكرة…. الم تحفز نفسها على البعد والاكمال
بدونه….. مر ثلاثة أشهر على سجنه…… اليوم
سيخرج وفي نفس الوقت ستمضي على
قسيمة زواجها من ماهر…….
ماهر بالخارج معه المأذون والشهود ، انهُ ينتظرها… ووالدتها وخالها عارف بالخارج معه وبعض الجيران
باستثناء أحمد الذي تشاجر معها منذ شهر تقريباً
بعد خروجه من المشفى…. دب بينهما شجار قوي
بسبب قرارها المفاجئ بالزواج من ماهر… وكان رفضه وقتها قاطع وصارم امامها…… وكم اسعدها صغيرها الذي كبر سريعاً واصبح رجلا راشد… شديد
الطباع يغار عليها بشدة….. انها لوهلة امام غضبه
واصراره ظنت انهُ اكبرها سناً لوهلة شعرت انها
تحتاج لعناقه فقط لعناق كي يطمئنها انه سيجد
حلاً….. وانها لن تبيع ولن تترك ابراهيم ولن تدخل جحر الثعابين بقدميها…..
صاح احمد بانفعال وهو جالس على الفراش ممد الساقين واحدهم مجبر وكذلك ذراعه اليسرى….
(يعني إيه هتتجوزي….ازاي يعني….انتي ناسيه اللي عامله فيكي في المستشفى وقبلها في ابراهيم….
اي اللي جرالك ياسمر وغير رايك اوي كده…)
كانت مشرفه عليه بوقفتها بصلابة وهي تقول
بجمود…..
(اللي حصل اني شايفاه انه مناسب ليا…..ومش لازم ابررلك كل حاجة…..هتجوز وخلاص على سنة الله ورسولة مش هكفر يعني…..)
عقد حاجبيه ذاهلا وزمجر بقوة…..
(هو اي اللي مش لازم تبرريلي…….ويعني اي هتجوزي….. انتي ساكته ليه يامااا… ما تتكلمي
موفقة على اللي بنتك بتقوله ده…….) كبح انفعاله للحظات وهو ينظر لامه…..
نظرت زينب لابنتها بعتاب ثم قضمت على شفتها بحسرة ولم تنطق….. انفجر أحمد صارخاً بغضب
وقد أحمر وجهه من شدة انفعاله…..
(قسما بالله ما هيحصل….اي السلبية اللي انتوا فيها دي……..إيه مش هنقدر نقوله لا……)نظر لاخته وكان عاجز عن الحركة بسبب كسر قدمه….
(مفيش جواز ياسمر…..ولو حصل هحبسك هنا في الاوضة لحد ما تعقلي…..)
جحظت عينا سمر بقوة وهي تقول….
(تحبس مين انت اتجننت يا أحمد…..انت بتكلم اختك الكبير…..)
صب الاهانه الاذعة عليها وهو يقول……
(الكبير مش بسن….. الكبير بعقله وقرارته….وانتي قرارتك دي متطلعش من عيله في اعدادي…..)
احتقن وجه سمر وهي تصرخ فيه بغضب….
(احترم نفسك يا احمد وتلم……… وحط لسانك جوا بؤك انا هعمل اللي انا عيزاه ومش انت اللي هتيجي تمنعني…..)
لمعة عيناه بقسوة وهو يهتف بصرامة…..
(لو حصل انا مش هقعدلك في البيت… ولا هحضر الهبل اللي بتعملي دا كله…..)
هتفت سمر وهي تنظر له بغيظ….
(ومين اللي هيقف قدام الجيران خالك
وامك بس…….. وحضرتك إيه؟…….. عدمتك !….)
لوح بيده بعصبية واستهانه…..
(ااه عدمتيني وعقبال ما تعدميني بجد…..)

 

 

صاحت والدته وهي تبكي بلوعة….
(بعد الشر عليك ياحبيبي….)ثم نظرت لابنتها الواقفة امامهما يابسة الجسد ، جامدة الملامح …..
(خلاص ياسمر….ارجعي عن اللي في دماغك يابنتي عشان خاطرنا……)
وزعت نظراتها النارية عليهما بتساوي وقالت….
(انا اتفقت مع ماهر على كل حاجة…..وفترة قصيرة وهنكتب الكتاب…..وانا مش قاصر عشان اتحبس في اوضه او استنى حد يبقى جمبي في يوم زي ده…)
اولت ظهرها لهما فهدر احمد من خلفها
بتشنج اكبر..
(اعملي اللي تعملي بس اعرفي ان اليوم اللي هتمضي فيه على قسيمة جوازك من الراجل الوسخ ده هتبقي يوميها بنسبالي ميته….)
صرخت والدته فيه بحزم…
(اخرس يا أحمد……)
زاد صراخه عليها وهو يؤكد بقسوة…..
(مش هخرس يامااا……اقسم بالله لو حصل ياسمر لانتي اختي ولا اعرفك……)
اقتربت منه والدته ولكزته في كتفه بقوة….
(اخرس يا احمد……..اخرس بقولك…)
برقت عيناه بشدة وهو يزمجر نحو امه بقوة….
(متضربنيش ياماا….سبيني….انا أصلا مش قعدلكم في البيت ده……..هتصل بكرم وروح اغور عنده…
عشان كل واحد يعمل اللي على هواه….)
ضربت والدته وجنته برفق بدافع اسكاته….
(قولتلك اخرس………. كفاية اللي احنا فيه….)
استدرات إليه سمر ونظرت اليه…ثم قالت بمرارة….
(سبيه يامااا………. اعمل اللي انت عايزه يابن امي وابويا……… اهرب زي كل مرة…..هي عادتك ولا هتشتريه…..عمرك ماوقفت جمبنا……..الهروب هو الحل لكل مشاكلك…….)نظرت لعمق عيناه وهي
تتابع بجفاء……
(بس يمكن تيجي في حياتك المشكلة اللي تحرمك من الهروب………وتضطر تواجه……..وبلاش تلومني
يا احمد …….انت مش في مكاني….ولا عمرك
هتكون في مكاني………)
اخفض أحمد جفنيه بغضب ولم يقتنع بكلامها ولم يشعر بشفقة نحوها بل انه كان يشعر بالنفور من قرارها السلبي نحو تلك الزيجة البائسة……
فاقت من شرودها على صوت فتح باب غرفتها ودخول أمها اليها….. التي نظرت اليها بشجن وحسرة…..
“خلصتي يا سمر…… المأذون مستعجل… و…. وماهر مستعجل……” مضغة زينب الاسم بصعوبة وهي
تنظر لابنتها التي استدارت لها وقالت بهدوء….
“انا خلصت يامااا…… يلا بينا……”

 

 

نظرت والدتها الى ملابسها بعدم رضا وبرغم ذلك لم تعقب فقد بلعت الاعتراض وهي تخرج من الغرفة…
خرجت سمر اليهم…. وكان في صالون يجلس ماهر
والمأذون والشهود الذي كان من ضمنهم المحامي الذي يمسك قضية ابراهيم تلك الفترة ……
رفع ماهر عيناه عليها ولاح على وجهه علامات الرفض والاقتضاب وهو يرى ملابسها البسيطة
والسوداء كذلك ترتديها بيوم كهذا……
مط شفتيه وهو ينظر للماذون وشهود بحرج…. وأيضاً
كان خارج غرفة الصالون احد نساء الحي وقد عزمتهم زينب حتى لا يرتاب الجميع من زواج سمر المفاجئ……ربما مظهر سمر الان وزواجها السريع والغريب كذلك كان الارتياب بعينه…
فابنتها رفضت ليلة زفاف كاي عروس..رفضت ثوب زفاف…… رفضت ابلغ او حضور احد من الجيران…
لكنها أعلنت عن زواجها قبلها لاحد الجيران والكل أرسل الاخبار لبعضهن حتى وصل الخبر لاذن
نوال وبناتها….
تقدمت سمر منهن وجلست على الاريكة بجوار ماهر
بوجها جامد التعبير… مات الاحساس من عليه…..
همس ماهر بصوت خشن يبعث الاشمئزاز لاعماقها
“مبروك ياسنيوريتا……”
مطت شفتيها بتقزز ولم تنظر له…. ابتسم بسعادة
وكانها بادلته المباركة ليقول للماذون بوجها متهلل فرحاً….
“يلا ياعم الشيخ خلصنا…. اصل انا والعروسة مستعجلين اوي……”
بلعت سمر الغصة الحادة في حلقها وهي تقول بصوتٍ خافض لا ينم على شيء…….
“قبل اي حاجة…. ابراهيم هيخرج النهاردة صح….”
اكد ماهر سريعاً….
“ايوا…. اسألي حتى المحامي… مانتي متابعه معاه بالك شهر والاجراءات كلها على يدك….. ولا اي يا متر…”
تحدث المحامي بعملية…..
“دا صحيح ياهانم……….. انا مغشتكيش في حاجة الاجراءت كانت ماشيه زي الألف معانا…… والنهاردة هو بيمضي على اورق خروجه…….”
اومات له سمر وهي تنظر للماذون ثم لماهر…. الذي دفع الماذون للبدا بمراسم عقد القرآن…. وبالفعل بعد مدة كانت تمضي على قسيمة الزواج وتطلق بعدها احد الجيران اعلى الزغاريد…..
وجدت سمر ماهر يمسك يدها ويمدها الى فمه ويطبع قبله عليها ثم ينظر لعينيها قائلاً بسعادة…
“مبروك ياسنيوريتا…… وأخيراً بقيتي مراتي….”
سحبت يدها بقوة وكان حيه لدغتها وهي تنهض سريعاً راكضه لغرفتها مغلقة الباب خلفها… ثم القت جسدها على الفراش كي تنتحب بصوتٍ عالٍ…. الان فاقت من الصدمة بعد فوات الاوان…….. فاقت وهي زوجة ماهر ؟!
اي شيطان تلبسكِ كي تقدمي هذا التنازل وتبيعي نفسك……. الآجل الجميع ضحيتي… وهل سيراعي
احد هذه التضحية ام سيسخر الجميع منكِ وينعتوا
اياكي بالخائنة الوضيعه التي لا تركض الى خلف مصالحها الشخصية !؟…….
بكت بقوة وظلت تصرخ بمرارة وندم وهي تكتم وجهها بالوسادة حتى لا يسمعها أحد…….
انزع روحي من جسدي فانا تعبت من المعافرة اريد الخلاص وبعض الراحة………… فقط القليل منها وسارتاح…………..لا اطيق حياتي ولا اتقبل وجودي بها……………فكيف عليا ان اتابع وانا بهذا الشكل المخزي…………مدمرة بداخل وامامهم اتظاهر
بانني في افضل حال……..
……………………………………………………………..

 

 

بعد ان انهى ابراهيم اوراق خروجه خرج من البوابه الكبيره ليجد عائلته بانتظاره ينتظروه بطبل والزمامير
كان وجهه جامد التعبير قاسي وصلب…وعيناه غائرة عميقه سوداء…سواد مرعب….تغير كثيراً…ثلاثة اشهر كانوا بمثابة ثلاثة سنوات…هنا راى وتعلم… وعلم ان الحياة سجن والجميع سجناء…ومن لم يدرك تلك الحقيقة بعد فهو مغيب عن الواقع….
بالخارج مهم رأيت… لن ترى أبداً الجانب المظلم الحقيقي خلف تلك الاسوار الحديديّة……
انه تغير ، لربما كان الوعي مهم في حياتنا ، لكن الوعي الذي يحفز الانسان على الجمود والقسوة
هو وعي مريب لا نود مقابلته حتى لا نقسى
ونتغير مع من نحب؟!………..
عانقه والده وهو يبكي وكذلك شقيقتيه وامه التي وقعت أرضا وهي تعانقه بسعادة ودموعها لا تجف من على جنتيها المجعدة…..خر أرضا معها وهو يعانقها بقوة قائلاً بنشج…..
“خلاص يامااا كفياكي دموع……..انا خرجت خلاص الحمدلله………. وهرجع وسطكم من تاني……”
تحسست نوال وجهه باشتياق وهي تبكي
بحرقة وسعادة كذلك……
“وحشتني اوي ياضنايا………وحشتيني اوي يابراهيم……..كنت خايفه اموت وانت مش جمبي….”انحنت لتبكي على كتفه وتشتم رائحته
كي تتأكد من وجوده….وان عناقه ليس حلم
يروادها كل مرة وتستيقظ منه على امل ان
تجده معها…….
مالى ابراهيم عليها وقبل قمة رأسها وصدره
ينبض بالوجع وهو يقول…..
“بعد الشر عليكي ياماا……يجعل يومي قبل يومك ياغاليه…….”
رفعت وجهها المجعد الاحمر اليه وهي تمنعه
بحنان الأم…..
“لا ياحبيبي……….ربنا يباركلك في شبابك وتفرح
وتتهنا بيه………”
غمغم ابراهيم بوجع وهو ينظر امامه
بوجوم…
“افرح وتهنى!……من بعدها مات الفرح والهنا جوايا……”..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!