روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت الثامن والثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء الثامن والثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الثامنة والثلاثون

الفصل الثامن والثلاثون
-٣٨- غبية أم بطلة ؟
ارتفع رنين باب المنزل مُنتشلًا إياها من بين أفكارها فاستقامت جالسة لتضع حجابها حول رأسها قبل أن تغادر الأريكة متوجهة إلى باب المنزل وتقوم بفتحه بابتسامة عريضة مرسومة على وجهها بعنايه وهى تقول :
_ حمد الله على السلامة ياحبيبي نورت بيتك ..
تنحنح أيمن المُصاحب لزوجها قبل أن يُلقى التحية عقب قيامه بمهمته وإيصاله لمصطفى فقال بأدب وهو يهم بالمغادرة :
_ حمد الله على سلامتك ياأستاذ مصطفى، هستأذن أنا ..
إلا أن شمس دعته للدخول قائلة بترحاب :
_ أتفضل شوية يامتر مستعجل ليه ..
هز أيمن رأسه رافضاً وهو يقول :
_ معلش مرة تانية، لما الأستاذ مصطفى يرتاح .
اومأ مصطفى إليه بضعف قائلاً بصدق :
_ شكراً ياأستاذ أيمن مش عارف أشكرك ازاى ..
بعد عدة دقائق كان مصطفى يستلقي أعلى فراشه بتعب وإنهاك واضحين، فكان جسده متراخي وعينيه مبحلقتين إلى الأعلى بذهول واضح مُحاولًا استيعاب ما مر به، فعقله يرفض تصديق أو تقبل ماحدث على إنه واقع أليم مر به بل إنه فضل اعتباره مجرد حلم بل كابوس طويل نجح أخيرًا في التخلص والاستيقاظ منه ..
سُرعان ما التقطت أُذناه صوت خرير المياه المُريح بداخل حمامه الخاص، فانشرح قلبه وشعر بآدميته تعود إليه من جديد، فكم اشتاق إلى كل تفصيلة بداخل بيته، وخاصة حمامه الذى تعده له زوجته بتلك الطريقة المحببة إلى قلبه التي تُنعش كل خلية من خلاياه ..
كانت تجلس أرضًا جاثية على رُكبتيها بجوار حوض الاستحمام الكبير، تُراقب الماء الجار يتتابع أمام عينيها بينما عقلها يسترجع ذكريات ذلك اليوم عندما التقطت منه منديله لتُربت به على جانب فمه به برفق مُتعللة بوجود بقايا أحمر الشفاه خاصتها ..
في نفس الوقت الذي تعالى فيه صوت طرقات باب المنزل بعنف فتوجه هو إليه بغضب مُتناسيًا منديله بين أصابعها قبل أن يفاجئ بقدوم آلاء ويغادر بصحبتها سريعًا …
قبل ما يزيد عن الثلاث أسابيع …
أوقفته شمس مُمسكة أطراف أصابعه بيدها برقة، ثم قامت بإخراج ذلك المنديل القماشي خاصته من داخل الجيب العُلوى لسترته وربتت به بلُطف على جانب شفتيه مُعلقة :
_ استنى في هِنا روج ..
انتظر هو عدة ثوان يتأمل ملامح زوجته المُهتمة حتى تقوم بالانتهاء من مهمتها، لكن تتابع الرنين بشكل مُزعج مما أجبره على مقاومة تأمله و التوجه إلى الخارج قائلًا بنبرة أقرب للصياح :
_ أيوة .. أيوة ..
لم يكد يُتِم كلماته حتى قام بفتح الباب بانزعاج واضح، لكن علامات الانزعاج تلك سُرعان ما كللتها الدهشة عندما طالعه ذلك الوجه الذى نجح في تناسيه طوال أشهر الرخاء الفائتة عقب تخلصه منه أو هذا ما ظنه …
استندت شمس بظهرها على الحائط من ورائها تُتابع همهمات زوجها الغير مفهومة، يظهر شبح ابتسامة على طرف شفتيها بعد أن تطلعت إلى الساعة المُعلقة أمامها قائلة بانتصار :
_ برافو ..في ميعادها بالظبط ..
انتظرت قليلًا حتى تعالى صوت آلاء فظهرت هي على أطراف غرفتها متسائلة بمكر :
_ مين يامصطفى ؟
أتتها إجابته المُتلعثمة وهو يقول :
_ الحارس ياحبيبتي، أنا نازل بقى عشان اتأخرت ..
وقبل أن تتفوه هي بكلمة رأته يلتقط معطفه الصوفي المُعلق بجوار الباب ثم أغلقه من ورائه بهدوء..
في تلك اللحظة ازداد اتساع ابتسامتها وهي في طريقها إلى غرفتها من جديد حيثُ النافذة لتتطلع من خلالها إلى زوجها الذى ظهر بالأسفل بعد عدة دقائق فاختبئت بجسدها وراء نافذتها الزجاجية وستائرها السميكة بينما عينيها نجحا في التلصص بخفة لم يلحظها ذلك الذى ثبت نظراته عدة مرات على نافذتها بقلق مُترقبًا ظهورها في أي لحظة ..
ما إن ابتعدت سيارته قليلًا حتى قامت هي بالاتصال بأسامة الذى سُرعان ماأجابها ليتجلى صوتها واضحًا ثابتاً وهى تعبث بذلك المنديل بين أصابعها قائلة :
_ خلاص أتحرك، خليك وراهم من غير ما يشوفك، ولما تاخد آلاء وتتحركوا كلمني ..
بدا صوت أسامة غير مُطمئنًا وهو يتساءل :
_أفرضي مسابهاش ونقلها المستشفى وأكتشف كُل حاجة …
أجابته هي دون تفكير :
_ متقلقش ..وزي ما قولت لآلاء هقولك تاني .. أنا متأكدة إن سُمعته واسمه عنده أهم عنده مليون مرة من حياة أي بنى آدم ..
ثم أردفت مُسرعة قبل أن تُنهى الاتصال :
_ متنساش بعد ما توصل آلاء تجيلي على البيت عشان نكمل اللي أتفقنا عليه ..
زفر أسامة بضيق مُعلقًا :
_ شمس احنا لسه مدخلناش في الجد ..متأكدة من اللي عاوزة تعمليه ده ! اللي هنعمله مفهوش رجوع ده مش لعب عيال ..
أجابته بثقة :
_ وأنا مش بلعب ياأسامة .
انتهت المكالمة وأغلقت الهاتف قبل أن تُلقي به أعلى فراشها بينما مازالت هي تقف ساكنة أمام نافذتها تتأمل تلك القطرات الخفيفة من المطر التي بدأت بالتتابع بهدوء قبل أن تُقرب ذلك المنديل إلى أنفها تستنشقه للمرة الأخيرة مُغمضة عينيها بضعف بينما انقبضت ملامح وجهها بألم واضح أثناء تتابع الذكريات المُختلطة برائحته داخلها، ورغمًا عنها انهمرت دمعاتها فتركت العنان لجسدها الواهن آذنة له بالانهيار واستندت بجانبها على النافذة الزجاجية بجوارها قبل أن تنزلق أرضًا تبكي وتبكي وتبكي بكُل ما أُوتيت بقوة وكأنها المرة الأخيرة التي ستذرف بها دمعًا فتعالى نشيجها ورثائها لنفسها كالأطفال مُعلنة عما بداخلها من حُطام لم يسعه إلا أن يخرج على هيئة قطرات دافئة سُرعان ما تلاشت بين ثنايا جسدها المُكوم أرضًا ..
*****************************
_
سألته هتزعل عليا لو مُت !!
كان نفسى يقولي حتى بعد الشر عليكي، مكنتش عاوزة أسمع منه إنه بيحبني أو خايف عليا، بس كُنت عاوزة أحس إني فارقة معاه، كان نفسي أحس إن كُل الحب اللي استنزفني الفترة اللي فاتت مراحش بلاش، طب هو لو كان مربي كلبة أو قطة كان خاف عليها أكتر من كدة، كان زعل عليها أكتر من كدة ..
أنا مكنتش وحشة معاه في حاجة عشان يسيبني أموت قدام عنيه، بالعكس أنا كان ممكن أضحى بنفسي فعلًا عشانه …
لآخر لحظة وأنا مرمية على الأرض قدامه كان عندي أمل إنه هيحاول ينقذني أو حتى …
أو حتى يعتذر لي !
يقول إنه ندمان على كل حاجة عملها فيا !
يقول إني مستحقش إن يجرالي كده وإنه آسف لأنه خذلني بالشكل ده !
كنت هقوم واعترفله بكل حاجة لو بس حسيت بخوفه عليا ..
آه انا قبلت أعمل كده عشان بس أحس ولو للحظة بندمه، عشان أحس بدموعه نازلة على وشي وهو كله قهر وألم على اللي وصلتله بسببه، كان نفسي وقتها ياخدني في حضنه ويقولي ليه عملتي كده، كان نفسي أحس بالإنسان اللي جواه اللي أنا حبيته ..
بس للأسف زي ما شمس قالت مش هبقى عنده أغلى من اسمه وسمعته ..
سابني في الصحرا مرمية وهو عارف إن ممكن الديابة تنهش جثتي، للدرجادي أنا كُنت مرخصة نفسى !!
للدرجادي كُنت معمية عن حقيقته اللي رفضت أصدقها!!
قولي ياأسامة إني غبية، قولي إني مستاهلش أي شفقة أو مساعدة من حد بعد اللي عملته في نفسي ده ..
قالت كلماتها تلك وهى تجلس على المقعد المجاور لأسامة والذى انتشلها عقب رحيل مصطفى، ساعدها على النهوض والتوجه إلى سيارته بعد أن بدت وكأنها أُصيبت بالفعل، شعر بألم نزيف قلبها المكلوم والذى ظهر أثره واضحًا على ملامحها المذهولة قبل أن تبدأ دمعاتها في الانهمار بجواره ..
التقط هو عدة مناديل ورقية ومد أصابعه بها إليها مُواسيًا بلُطف :
_ للأسف انتي مش غبية، انتي حبيتي، والحُب أعمى ..
الحب بيضعِف وبيذل، الحب بيوجع وبيأذي، الحب بيكسر وبيجرح ..
مقدرش ألومك ولا أقولك انتي اللي عملتي في نفسك كده لأني عارف يعنى إيه قلبك هو اللي يتحكم فيكي، فاهم معنى إنك مش قادرة تقاوميه رغم إحساسك إنك لازم تقفى قصاده وتقوليله لا كفاية، يمكن تقدري تقوليها بس عمرك ما تقدري تنفذيها ..
ثبتت نظراتها على ملامح وجهه المُتألمة والتي توحى بتمكن العشق منه حتى أوجعه مثلها تمامًا فقالت مُعلقة وهى تُجفف دمعاتها :
_ شكلك انت كمان زيي، حبيت ولا طولتش ..
لم يُجيبها فأردفت هي وهي تضغط أعلى عينيها بقوة بمنديلها وكأنها تعتصرها قائلة بتصميم واضح :
_ بس أنا المرادي خلاص فوقت واللي وعدت بيه هقدر أنفذه، بعد ما اتأكدت من مكانتي عنده، خلاص هنفذ وأعمل كُل اللي اتفقنا عليه ..
*****************************
ك
انت قد شرعت في إنهاء الفصل الأخير من روايتها بشغف فهي تعلم أن الليلة هي بداية النهاية خاصة بعد أن هاتفها أسامة مطمئنًا لها على سير الأحداث كيفما خططت لها من البداية، لذا حاولت جاهدة الانتهاء من جميع ما يشغلها على وجه السرعة حتى يتسنى لها المشاهدة والاستمتاع بنجاح خطتها ..
رأته ولأول مرة تلك الليلة عقب رجوعه عاجزًا ضعيفًا شاحب الوجه مُنحنى الجسد، تعلو قسماته علامات الارتياب بينما ملابسه رثة مُلوثة، فأبدت فزعها لكنها بداخلها كانت مُطمأنة، هادئة البال مُستمتعة بذلك الوهن الذي أصابه واتكائه عليها ..
_ أكيد جالك برد، معلش ياحبيبى على ماتاخد حمامك اكون عملتلك حاجة سخنة تشربها ..
هذا آخر ما قالته قبل أن ينفرد هو بنفسه داخل حمامه الخاص وتنهمر دمعاته نادمًا مُؤنبًا في نفس الوقت الذى كانت تعُد فيه هي مشروبه واضعة بداخله عدة أقراص منومة بيضاء وهى تُتمتم بداخلها :
_ معلش بقى أنت النهاردة تعبت ولازم تناملك شوية حلوين عشان الفترة الجاية مش هيبقى فيها نوم خالص ..
بعد حوالي الساعة وعقب اطمئنانها على استغراقه في النوم بفعل تلك الحُبيبات المُخدرة التي وضعتها بداخل مشروبه، انزلقت هي من أعلى فراشها مُتوجهة إلى حقيبتها تُخرج منها حقنة طبية فارغة، واقتربت منه ببطىء تتأكد من انتظام أنفاسه قبل أن تقوم بفرد ذراعه وغرز تلك الحقنة بحذر شديد بداخل إحدى أوردته وتقوم بمِلئها عن بكرة أبيها بدمائه ..
وما إن انتهت حتى قامت بالاتصال بأسامة والذى كان يقبع أسفل منزلها في انتظار اتصالها…
أخرجت هي ذلك المنديل بحوزتها والخاص بمصطفى وقامت بنثر بعضًا من دماؤه أعلاه، أما ما تبقى فاحتفظت به بحوزتها قبل أن تلتقط مفاتيح السيارة الخاصة بزوجها وتتوجه بهما إلى باب منزلها تفتحه ببطىء واضعة إياهم أرضًا ثم تُغلق بابها برفق ..
طلت بعينها من تلك العدسة الصغيرة السحرية أعلى بابها تتأكد من التقاط أسامة لما تركته له خارجًا قبل أن تتوجه من جديد إلى نافذة غرفتها تُراقبه في ظلمات الليل الحالك، فتلك الليلة كانت شديدة البرودة كثيرة الأمطار لذلك خلت الطُرقات من المارة واهتزت أعمدة النور لتنطفئ إضاءتها عدة دقائق قبل أن تُنير من جديد بخفوت وارتعاش …
قام أسامة بفتح إحدى أبواب السيارة بحذر ثم نَثر ما تبقى من الدماء أعلى الكرسي الأمامي تاركًا إياه لمدة نصف الساعة تقريبًا قبل أن يقوم بتنظيف المقعد والسيارة بطريقة عشوائية ومن ثَم أعاد المفاتيح إلى صاحبتها من جديد قبل مطلع الفجر ..
كان أسامة قد أخبرها بموعد قدوم الشرطة عقب معرفته فقامت هي بتحضير ملابس مصطفى الرثة ليوم الواقعة وبداخلها منديله الممتلئ بالدماء وعند ارتفاع رنين الباب أسرعت بتقديم الدلائل على طبق من ذهب إلى الشرطي المسؤول والذي كما توقعت لم يتوان أو يتردد في التقاط تلك الحقيبة البلاستيكية التي برزت أمامه دون أي جهد ..
بصدق ارتعد قلبها رغمًا عنها عندما رأت زوجها يبتعد بصحبة رجال البوليس، بل وأرتعد أكثر حين رأته بتلك الحالة الرثة داخل قسم الشرطة، لكن وكما ذكرها أسامة من قبل …لقد فات وقت التراجع، لذا ومهما حدث ستُكمل مابدأته من قبل مُحاولة قدر الإمكان ألا يرمش لها جفن أو ينبُض لها قلب ..
شعرت أن الحظ يُحالفها عندما ظهرت تلك الجثة المجهولة بنفس مكان الحادث، والتي زادت من ارتباك مصطفى وسرّعت من اعترافه بما حدث تلك الليلة، وعند تفتيش قوات الشرطة للمنزل والسيارة عثروا على كُل الأدلة التي دستها هي عن عمد …
والآن حان وقت اللُعبة الكبرى ..
حيثُ قامت هي بعمل حساب وهمي لأخت زوجته الأولي والتي عَلِمت اسمها وبعض البيانات عنها من السجل المدني خاصته، لذا لم يستوجب الأمر سوى بضع كلمات عن الاختفاء ثم أخذ عدة لقطات من هذا التصريح قبل إغلاق الحساب ونشر تلك الصور على كافة المواقع ..
إلا أنها تفاجئت بتصدي أسامة لها في تلك النقطة بعد اكتشافه أنها والدة تلك الفتاة التي يدعى خِطبتها .. جيداء …
لم تهتم هي بذلك رغمًا عن اعتراضه وسُرعان مااصبحت تلك القضية قضية رأي عام واعترف مصطفى من جديد ..
اعترف ذلك الاعتراف الذي لم تعلم هي شيئًا عنه، وتفاجئت بما رواه أيمن لها (والذي كان بالتأكيد تابعًا لها من الأساس يقوم بإخبارها بكل ما يقوله مصطفى وجميع مالا تعلمه عنه) ، فارتعش قلبها في البداية قليلًا واعتراها الحُزن لذلك الذى كابده مصطفى من قبل.. لكن أتلك هي حُجته ! أذلك هو السبب الذى سيُبرر به جميع أفعاله !
أتلك هي البداية لتذوقه لذة الاستغلال والعبث بقلوب الفتيات !! أذلك هو أول خيط كل تلك السرقات !!
فاجئها ظهور نوال على شاشات التواصل الاجتماعي نافية عنه تهمة اختفائها واعتقدت أن ذلك رد فعل من جيداء كيدًا بها إلا إنها صُدمت بتأكيد نوال لكلماته، هاهي تقولها على العلن وأمام الآلاف من المتابعين أنه قد سرق كتاباتها !!
وقد علمت فيما بعد أن ظهورها ما كان إلا بإلحاح من ابنتها بعدما علمت ماجره عليه زوجها السابق، وبعدما شرح لها أسامة ما فعله بأُخروات ..
وبعد ذلك توالت الفتيات في الظهور كما حثتهن شمس على التحدث، بل وفوجئت بالكثير منهن واللواتي لم تعلم عنهن شيئًا، لذا أحست بأن الحظ يستمر في محالفتها مشجعًا لها وكأنه يستحثها على الاستمرار ..
لكن الآن وعقب انكشاف حقيقته للجميع حان وقت تبرئته، فذلك هو الوقت المثالي لظهور آلاء على الساحة وتقديم البراهين اللازمة لخروجه، فكانت قد أعدت رخصة المسدس من قبل، وانهت من تقارير إصابته بالزهايمر أيضًا في الوقت المناسب ..
وفي إحدى المرات تساءل أسامة عن فائدة تلك الوُريقات التي تُثبت إصابته بالزهايمر فأجابته هي :
_ عشان يبقى في سبب معقول يبرر نفيه للكلام اللي قاله في الأول، ويبرر نسيانه لأن المسدس ده بتاعه أو أن الدم على المنديل هو دمه ..
يعنى تقدر تقول سبب من أسباب تبرئته اللي هنقنعه هو بيها، لأن كدة كدة وكيل النيابة هيفرق عنه بعد ما يقابل آلاء ..
أجابها مُعترضًا :
_ مادام كدة كدة هيطلع براءة يبقى إيه لازمتها كل الحاجات اللي هنعملها دي ؟
قالت مُوضحة :
_ أولاً لأن الأسألة دي كلها هتبقى في دماغ وكيل النيابة ولازم نلاقيلها إجابات مُقنعة عشان ميدوروش ورانا ..
وثانيًا عشان مصطفى ميفكرش كتير أو بمعنى أصح ينشغل باللغبطة الكتير اللي حاصلة لحد ما ننفذ آخر جزء في الخطة ..
علق بتشكك بعدما ورد على خاطره فكرة ما :
_ يعنى انتي مش هتستخدمي تقارير الزهايمر دي في حاجة تانية خصوصًا بعد اعترافه لوكيل النيابة واللي أكيد هيتسرب للصحافة بردو ..
بدا الاشفاق الواضح على ملامح شمس التي أجابته بجدية :
_ ده الخبر الوحيد اللي مش عاوزاه يتسرب ولا عاوزة أي حد يعرف عنه حاجة، والتقارير هنخلص منها بعد ما التحقيق يتقفل ..
رمقها أسامة بنظرة طويلة مُحاولًا معرفة ما بداخلها قبل أن يقول باستغراب واضح :
_ إيه ندمانة على اللي حصل ؟
هزت رأسها نافية بتصميم :
_ ولا عُمري هندم على حقي اللي أخدته بإيدي، بس كفاية كدة عليه ..
*****************************
ك
ان قد تناول حمامه الدافئ باستمتاع شديد وكأن الماء لأول مرة يمس جسده مُنذُ سنوات، ثم ارتدى ملابسه البيتية المُريحة واضعًا عطره المُفضل الذي اشتاق إلي شذاه بشدة، ثُم توجه إلى غرفة المعيشة وهو ينتعل خُفه المنزلي الناعم باحثًا عن زوجته والتي وجدها في انتظاره أعلى أريكتهما المفضلة بعد أن أعدت له ما لذ وطاب من مأكولات، فجلس هو بجانبها مُتسائلًا بصوته الدافئ :
_ عملتي كل ده امتى ؟
أجابته بابتسامة صغيرة :
_ قولت أكيد طالع نفسك في حاجات كتير فعملتلك كُل اللي بتحبه ..
زفر مصطفى بضيق بعد أن أراح جسده مُستندًا على ظهر الأريكة من ورائه قائلاً بكآبة واضحة :
_ هيجيلي نفس أزاي بعد اللي حصل ؟
ربتت شمس على ساقه بغير اكتراث قائلة وهى تُقدم إليه بعض الطعام بطريقة آليه :
_ متفكرش في اللي حصل واعتبر كأن مفيش حاجة
اتغيرت ..
إلا إنه هز رأسه نافيًا وهو يفرك وجهة بكفيه معلقًا بقلة حيلة :
_ إزاى مفيش حاجة أتغيرت ..
ثم أضاف مُتسائلًا :
_ أنا عاوز أعرف الصحافة وصلها إيه بالظبط وبيقولوا عليا إيه دلوقتي .. فين موبايلي صحيح ؟
أجابته شمس بتلعثم :
_ لسه المُحامي هيستلم متعلقاتك بكرة، وبعدين يعني ده وقت موبايلات ولاأخبار، ده بدل ما ترتاح شوية وتريح أعصابك ..
أجابها بتوتر ملحوظ :
_ عاوز أعرف اللي بيتقال عليا وحصل إيه في فترة حبسي ..
ظهرت شبه ابتسامة ساخرة على وجهها قائلة بمكر وكأنها تُذكره بذلك الفخ الذى نُصب له :
_ أنا قولت هتبقى عاوز تعرف الأول مين عمل فيك كده وليه وبعد كدة تبقى تشوف أتقال إيه عليك ومتقالش إيه ..
دون مقدمات امتلأت عينيه بنظرات المقت والغضب عقب تذكره فقال بعصبية واضحة :
_ ومين قالك إني مش هعرف، ديتها بس زيارة للي اسمها آلاء دي وأنا هعرف إزاى أقررها كويس لحد ما تقول على اللي وراها واللي حرضها تعمل كده ..
لاح على وجهها علامات الازدراء بشكل واضح وهي تقول بتهكم :
_ وهتقررها أزاي بقى المرادي، بالأسكرينات بردو اللي هددتها بيها قبل كده ؟
ابتسم مصطفى بتملق عقب تذكره ما علمته عنه، فأقترب منها قائلًا برقة :
_ شمس أرجوكي إنسي كُل اللي حصل ده، أنا مش إنسان وحش أوى كده، آه أنا عملت حاجات كتير غلط ومعترف بده بس أنا معرفش كنت بعمل كده ليه وانتي بالذات لازم تسامحيني لأنك مختلفة عن أي حد عرفته أو قابلته ..
صمت قليلًا قبل أن يُضيف بصدق :
_ أنا عمر خيالي مااتحقق إلا فيكي وعمري ما حبيت غيرك ..
اغتصبت شمس ابتسامة مُجاملة من بين شفتيها قائلة بعد أن بدا عليها عدم التأثر بكلماته على غير عادتها السابقة :
_ طيب بس كُل دلوقتي ونام وبكرة نبقى نتكلم ..
اقترب منها مُداعبًا كفها الرقيق بأصابعه قبل أن يقول بحذر وهو يتأمل ملامحها الرقيقة :
_ وحشتيني على فكرة ..
لم تُجبه هي فأضاف مُقتربًا منها أكثر مُحاولًا العبث بخصلات شُعيراتها الناعمة قائلًا بهمس وهو يستنشق رائحتها :
_ موحشتكيش ولا إيه ؟
جاءت ردة فعله مُفاجئة حيثُ انتفضت من مجلسها بعنف كحركة تلقائية فور مُلامسته لها مما دفعه لقول :
_ ياااه للدرجادي ..
إلا انها تحاملت على نفسها وأجابته مُبررة بينما علامات التوتر تملأ وجهها وأفعالها :
_ لا طبعًا انت كمان وحشتني بس أنا بقالي كام يوم كدة عندي عُذر وهرموناتي متلغبطة .. انت .. انت فاهم بقى ..
ثم أضافت راغبة في الهرب من أمامه :
_ أنا هروح اعملك شاي ..
لكن قبل ابتعادها جاءها صوته الجاد من وراءها وقد استعاد حزمه ليتساءل بصورة مباشرة دون خجل أو تردد :
_ قوليلي خلصتي الرواية بتاعت معرض الكتاب ؟
التفتت إليه بوجهها وعلامات التساؤل تقفز أعلاه قبل أن تقول بحذر :
_ الرواية اللي هتنزل باسمي واسمك ؟
تردد مصطفى كثيرًا قبل أن يُجيبها مُحاولًا ترتيب كلماته حتى تبدو مقنعة :
_ بصي أنا مش عاوزك تفهميني غلط، بس أنا كُنت بفكر أنها تنزل باسمي المرادي عشان يعني لو كانت كلمة كدة ولا كدة أتقالت عليا لما اتحبست كام يوم .. أقدر أخرس ألسنتهم، أصلى خايف بس أحسن تكون حاجة من المحضر اتسربت، ولا انتي إيه رأيك !!
التفتت إليه شمس بجسدها بأكمله قائلة بنبرة واثقة ذات معني بينما عدستيها تلتمعان بتحد في نفس الوقت الذى ظهرت فيه ابتسامتها وهى تقول :
_ لا من الناحية دي أنا عاوزاك تطمن ياحبيبي محدش يقدر يقول نص كلمة عليك ..
ثم أضافت بدهاء :
_ وأنا عن نفسي فعلًا بعت الرواية للمطبعة وأختارتلك الكوفر كمان ورتبتلك بكرة ندوة عزمتلك فيها كُل الصحفيين الكبار والقنوات العربية عشان تتكلم فيها براحتك وتعرف تخرس ألسنتهم كويس وأهو بالمرة تعلن عن روايتك الجديدة ..
رفع مصطفى حاجييه بانبهار قبل أن يقول بإعجاب واضح :
_ معقول لحقتي ترتبي كل ده، ربنا يخليكى ليا ياحبييتي ..
ولته ظهرها مُغادرة قبل أن تُجيبه وهي تضغط على أسنانها بقوة قائلة :
_ ويخليك ليا ياحبيبي ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى