روايات

رواية لولا التتيم الفصل السادس عشر 16 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل السادس عشر 16 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء السادس عشر

رواية لولا التتيم البارت السادس عشر

رواية لولا التتيم الحلقة السادسة عشر

شردت بهِ أثناء تناولهما الطعام، ترى الآن بدر القديم الذي لطالما آلفته، بدر الذي كان يغدقها بحنانه وحبه واحتوائه دون انتظار مقابل، لا تعلم كيف عاد لقديمه بهذه السرعة؟ ألم يكن غاضبًا، ناقمًا عليها وعلى أفعالها! أم أنه كالطفل الصغير سريعًا ما ينسى ويصفح..
انتبه لشرودها بهِ، ليضع الشوكة جانبًا وينظر لعيناها مبتسمًا:
_ايه يا حبيبي واحشك للدرجادي أنا!؟
ابتسم ثغرها بابتسامة رائعة وهي تجيبه بهمس محبب:
_ أنتَ بتوحشني وأنتَ قصادي.. بعدين أنا ببصلك كتير عشان ابني يطلع نسخة منك.
لمعت عيناه بفرحة طاغية لحديثها له ولكنه ردد بمرح:
_ الله! ده ايه الرضا ده كله؟! انا هموت ولا ايه!؟
وسرعان ما تحولت ملامحها للضيق وهي تنهره:
_ اخص عليك يا بدر.. متقولش كده تاني لاحسن والله ازعل منك وتشوف الوش التاني الي شكله كده عاجبك بقى.
انهت حديثها ناظرة للجهة الأخرى بضيق، ليمسك كفها بكفه العريض وهو يردد بلهفة:
_ لا، وحياة أغلى ما عندك خليكِ زي مانتي كده اوعي تقلبي ده احنا ماصدقنا.
اعادت نظرها له لتسأله باستغراب حقيقي:
_ للدرجادي! محسسني إني قبل كده عمري ما قولتلك كلمة حلوه!
رفع حاجبيهِ بتنهيدة يائسة:
_ كنتِ بتقولي، بس كان دايمًا بعدها خناقة تمحي كل الي قولتيه.
شردت بنظراتها قليلاً مستأثره الصمت، حتى نظرت له فجأة وهتفت:
_ بدر، أنا آسفة.
كانت نظراتها ينضح منها الصدق، فأجبرته على النظر لعيناها والاستماع لها فقط، في حين اكملت هي:
_ أنا آسفة على كل مرة اتخانقنا فيها وكنت أنا السبب، آسفة على كل مرة قولتلك فيها كلام جرحك وحسسك بأنك أقل مني، آسفة إني كنت سبب كبير في اللغبطة الي حصلت في حياتنا، واننا قضينا نص حياتنا الي فاتت سوا في مشاكل وخصام.. آسفة لأني مكنتش جديرة بحُبك، مكنتش قادرة ابينلك حبي لدرجة خلتك احيانًا تحس اني مبحبكش، وآسفة إني دخلت اطراف كتير في علاقتنا ايقنت مؤخرًا أنهم فعلاً كانوا سبب في دمارها، مسامحتك ليَّ بالسرعة دي بعد كل الي عملته قبل كده واخرهم البيبى الي معرفتكش بوجوده بتكسفني قدام نفسي وبتحسسني قد ايه أنتَ أحسن مني.
صمتت تخفض نظرها عن ملتقى عيناه واغلقت عيناها التي أدمعت للتو استعدادًا لِمَ ستقوله ثم فتحتهما وقالت:
_ انا بعترف إن عندي عُقد كتير بسبب مواقف عديت بيها، والعُقد دي مأثرة كتير على شخصيتي، ويمكن سبب أساسي في عِندي واصراري إني دايمًا صح، واحساسي بالتملك تجاه أي شخص في حياتي، بدر انا..
قاطعها حين نهض واقفًا بجوارها محيطًا كتفيها وانحنى عليها قليلاً ليكن مواجهًا لها فأجبرها على رفع عيناها له، وحينها هتف وأعينهما متصلة:
_ أنتِ مش مُعقده يا لليان.. أنتِ بتقنعي نفسك بده، لكن أنتِ زيك زي أي حد مر بمواقف صعبه سابت أثر فيه مش اكتر، بعدين ايه كل الأسف ده! زهقتيني!
ابتسمت بخفوت على حديثه، لتستمع لتنهيدته قبل أن يقول:
_ بصي يا حبيبي، طبعًا أنتِ غلطي في حياتنا سوا في حاجات كتير، وأنتِ عرفاهم والدليل على كده كلامك الي قولتيه من شوية.. بس مغلطيش لوحدك، أنا كمان غلط.. متفهميش كلامي غلط.. بس أنا غلط لما غيرت حياتي وظروف معيشتي وسكني ووظيفتي وكل حاجه عشان بس اقدر اتجوزك، كان لازم من البداية تمشي معايا في طريقي مش انا الي امشي معاكِ في طريقك حتى لو في الأول بس على الأقل كنت هعرف انك مستعده تمشي في طريقي بس نكون سوا، ووقتها كنت هبقى متأكد من صدق حبك ليَّ، لكن للأسف ده محصلش فبالتالي بعد كده شوفت إنك متنازلتيش عن حاجه عشاني، فكان في هاجس بيشككني في حبك، وكان برضو لازم افهم إن كرامتي كراجل هيتقل منها لما اروح اعيش في مجمتع مراتي وابوها يكون جايبلي الوظيفة وغيره، الفكرة مش في إنك في مرة عايرتيني بالموضوع أو لأ، الفكرة في نظرتي لنفسي دايمًا هكون حاسس إن عيني مكسورة حتى لو بقاوح.. بس بيني وبين نفسي بعترف بده..
استقام في وقفته يهز رأسه بيأس على كل هذه الأحداث التي تراكمت في عقله الآن:
_ حتى رفضي لوجود نانسي في حياتك، ماتصرفتش فيه بالشكل الصح.. كان لازم اخد الموضوع بشكل اهدى واحاول ابينلك انها مش كويسة بشكل تاني غير إني أمرك والمطلوب منك تنفذي وتبعدي عنها.. في حاجات كتير كانت غلط يا لليان.. والحاجات دي اكتشفتها في الشهور الي فاتت الي غبتيهم عني.. بس المشكلة إن كان بعد كل مرة بلوم نفسي فيها على موقف، عقلي يفتكر كلامك الي كنتِ بتوجعيني بيه من غير ماتحسي بقد ايه كان كلامك بيجرحني.
نهضت لتقابله في وقفته وتمتمت بأسف:
_ أنا مندفعة وأنتَ عارف.. اسوء حاجة فيَّ إن وقت عصبيتي مبحسش بنفسي، ويمكن الي كان مخليتي مستمرة في الوضع ده، إني ولا مرة بعدها عاتبت نفسي واعترفت إني كنت غلطانة.. لكن دلوقتي الوضع غير.
نظر لعيناها بعمق وسألها عاتبًا:
_ ازاي قدرتي تقوليلي في ستين داهية لما قولتلك إني ماشي؟ أنتِ متخيلة رد فعلك ده قتلني ازاي..
هزت رأسها ندمًا على حماقتها وهي تقول:
_ متتخيلش أنتَ وقتها كانت حالتي ازاي، عارف يا بدر أنا حسيت ب ايه.. شوفت احساس الام الي ربت وكبرت وهي كل حاجة في حياة ابنها وييجي فجأة يقولها أنه حب بنت وهيتجوزها.. وقتها الام مبتستوعبش يعني ايه واحده تانيه هتاخد مكانها، ازاي ابنها الي كانت كل حاجة في حياته هيقدر يبعد عنها ويستبدلها بحد تاني.. حد يشاركه وقته ويشكيله همه ويعرف كل اخباره، حد حتى لو مخادش مكانها هياخد وظايفها.. انا وقتها حسيت نفس الاحساس.. مفهمتش يعني ايه هتمشي؟ يعني ايه بدر الي مكانش يقدر يبعد عني هيبعد عادي كده ويرجع لحياته القديمة الي انا مش فيها، هيقدر يعمل ده عادي؟ هيقدر مكونش في حياته؟ ميرجعش يترمي في حضني، ميصحاش عينه بتدور عليَّ اول حاجة، ميسمعش صوتي اول حد، حسيت اني توهت فجأة.. ووقتها غضب الدنيا كان جوايا، وملقتش عقلي بيفكر غير في إن زي ما هو يقدر يبعد أنا كمان مش فارق معايا.. بس اول ما خرجت تعبت جامد، حسيت روحي فارقت جسمي، واغم عليَّ ورجعتلي أزمة الربو تاني.
اخفضت عيناها لوهلة ثم رفعتهما له بارهاق تسأله:
_ احنا ليه صعبنا حياتنا كده؟ ليه خلينا بعض نعاني رغم إن الوضع كان ممكن يكون افضل.
بابتسامة هادئة كان يحيط خصرها بذراعيهِ وهو يقربها منه قائلاً:
_ يمكن عشان لما نتعلم في أول حياتنا نقدر نحط خطوط نمشي عليها.. يمكن تعبنا الكام سنه القليلة الي فاتت عشان يكون الوضع اهدى واحسن في الكام سنة الكتير الي جايين لينا سوا.. ويمكن عشان نعرف غلاوة بعض وأننا معندناش خيار غير إننا نكمل سوا.. مش مهم السبب، ومش مهم الي عدى المهم الجاي.. خلينا نبدأ من جديد وكأن كل الي عدى كان فترة تعارف.
وحديثه كان كالبلسم الذي طيب قلبها، وهدأ حيرتها، لتبتسم له باشراق وهي تهمس:
_ معاك حق.. بس فترة تعارف ازاي وده؟
أنهت حديثها بضحكة خافتة وهي تضع كفها أعلى بطنها البارزه، ليقطب حاجبيهِ بتفكير ثم قال بتجاهل:
_ نرجع لموضوعنا..
قطعت حديثه بضحكة عالية على رد فعله، ليبتسم قليلاً وعيناه يتراقص بها العبث:
_ بما إن النهاردة بنبدأ حياة جديدة، والي فات كله فترة تعارف.. يبقى النهاردة ايه!؟
كبتت ضحكتها بصعوبة وهي تجيبه بجدية مصطنعة:
_ النهاردة الإثنين.
رفع حاجبه بغيظ مرددًا:
_ والله!؟
رفعت كتفيها له بجهل مصطنع، لتشهق بدلال حين رفعها بين ذراعيهِ، وهو يتجه بها لغرفتهما قائلاً:
_ يبقى النهاردة فرحنا يا ظريفة.
عقبت بضيق مصطنع:
_ فرح ايه ببطني دي احنا هنستهبل؟
رد بلامبالاة غامزًا لها:
_ هو فيه احلى من الاستهبال!
كان قد دلف لغرفتهما ليغلق الباب خلفه بقدمه وآخر ما سُمع كان صوتها يهتف باسمه معترضًا بدلال كان بداية لليلة في رحاب حبهما من جديد.
_________________
‏ومضت سنة الله أنه من عصى الله لشيء عُذب به.
– ابن القيم.
لا لن تصمت أكثر ولن تتمهل ولن تؤجل المواجهة لوقت لاحق، فقد سئمت الوضع بينهما وإن كانت المواجهة ستكون نهاية لعلاقتهما فلتكن، لا يهم، كل ما يهم الآن هو وضع حد لهذه العلاقة المرهقة حد اللعنة.
لذا صاحت بضيق حقيقي وهي تشعر بانها على وشك الانهيار:
_ عاصم.. انا تعبت، كفايه كده بقى.. ولا عاوزنا نقضي ٤ سنين تانيين في وجع قلب زي الي فات.. بجد كفاية العلاقة المتعبة دي، معقول كل ده عقاب لينا؟ كل العذاب ده عقاب على الي عملناه زمان وجوازنا في السر؟
التف يرمقها بنظرات ذات مغزى مرددًا:
_اه.. عقاب، بس شوفي ربنا خلانا نعاقب نفسنا بنفسنا.. احنا السبب في كل العذاب الي بتقولي عليه عقاب وهو فعلاً كده، بس احنا السبب فيه، من البداية خالص لما شيطانك وزك تكدبي كدبتك الخايبه دي الي كانت سبب في كل الي وصلناله لدلوقتي، لحد رد فعلي وقتها، والي كان دافعه الاكبر خوفي من المسؤوليه ومكنتش عارف إني بحبك بجد، فعل ورد فعل كانوا كفيلين يعذبونا ٤ سنين ولسه بنعاني من تباعتهم.
اقتربت منه لتجذبه كفيهِ تحتضنهما بكفيها وهي تنظر له تلك النظرات التي تتسم بالوداعة والرجاء:
_ عاصم، عشان خاطري كفاية.. خلينا ننهيها هنا أرجوك.. انا باقية ومتبته في علاقتنا، والدليل على كده اني فضلت بعد كلامك ليَّ وطردك ليَّ، رغم إني اتوجعت إنك حتى مطمنتش عليَّ ولا همك صحتي، وقولت كلام وتلميحات متصحش، وقسيت عليَّ اوي وقتها يا عاصم، بس عارف ليه ممشيتش زي ما طلبت.. عشان انا وأنتَ عارفين إني لو كنت طلعت من هنا كانت المره دي هتبقى النهاية.. ومفيهاش رجوع، انا كنت هاخد الموضوع على كرامتي اوي ومكنتش هرجع من نفسي، وانتَ أصلاً شايل مني وزعلان يعني مكانش في طريق نتلاقى فيه للأسف.. عشان كده لما فكرت فيها قعدت عشان مش عاوزه تبقى دي نهايتنا… عشان بحبك يا عاصم، رغم كل الي حصل بينا لكن الحقيقة الوحيدة الي مقدرش انكرها إني بجد بحبك ومقدرش اكون مع راجل تاني غيرك.
اغمض عيناه لاعنًا ضعفه أمامها وأمام نظراتها المتوسلة الوديعة، هو من الأساس ضعيف أمامها بدون أي مجهود منها، ماذا عن الآن وهي تحاول استمالته!؟ تحكم في مشاعره قبل أن يفتح عيناه يقول لها بقوة مصطنعة:
_ مش قادر اثق تاني.. أنتِ عملتِ آخر حاجة كان ممكن اتوقعها، مش قادر ارجع اثق فيكِ أو أأمانلك، غصب عني كل ما افتكر ان كل العذاب الي شوفته ووجع قلبي السنين الي فاتت كان مجرد كذبه منك بحس إني مش طايق اشوفك حتى.
انهمرت دموعها بعجز وهي تشعر أنها قد وصلت لنهاية الطريق معه فماذا عساها أن تفعل؟ لو بامكانها العودة للماضي لإصلاح ما ارتكبته لفعلت، ولكن ليست كل الأماني تُدرك.
انفلتت شهقة قوية من بين بكاءها حين فتحت فاهها لتقول له بندم حقيقي:
_أنا.. أنا آسفة.. م.. مش عارفة اقول غير كده.
أنهت حديثها بصعوبة وقد تعالى صوت بكاءها الذي لم تستطع التحكم بهِ لتضع كفها فوق فاهها ملتفة للخروج من الغرفة بعدما انخرطت في بكاء عنيف لم تستطع التحكم بهِ.
خمس دقائق كاملة هي كل ما استطاع الصمود فيهم بعد ذهابها، يعلم أنها تبكي الآن في غرفتها، ويدور هو هنا في غرفته كالأسد الحبيس، كلما فكر في الذهاب لها يتراجع ثأرًا لكرامته.. ظل يطوف أرجاء الغرفة بغير هدى حتى اجتاز الخمس دقائق بصعوبة، بين انفاسه المتسارعة وجذبه لخصلات شعره بقوة، وهزه لقدمه بعصبية كحركة تلازمة وقت عصبيته.
وبعد خمس دقائق كان يفتح باب غرفتها ليجدها في حاله يرثى لها، متكورة فوق الفراش وصوت بكاءها يصله الآن بوضوح، فقادته خطواته تلقائيًا لها ليجذبها بغتًة من ذراعها رافعًا إياها له ليجعلها تتوسد أحضانه، وهي لم تهدأ بل بالعكس ازدادت حدة بكاءها وهي تتمسك بهِ بقوة كأنها تضمن وجوده.. صوت ضعيف خرج من شفتيهِ يهدأها بهِ يشبه الهسهسة، وتبعه صوته واضحًا وهو يقول بارهاق:
_ خلاص.. اهدي يا ريهام خلاص.
استغرق الأمر دقيقتان حتى هدأت قليلاً، فأبعدها عنه ليحتضن وجهها الذي يكاد ينفجر من حمرة البكاء وهو يقول بتنهيدة:
_ ممكن تهدي بقى؟
هزت رأسها بعشوائيه دون حديث، ليناظرها لثواني صامتًا قبل أن يسألها بهمس متردد:
_ توعديني إنك متكدبيش عليَّ تاني ولا تخبي عني حاجة تاني؟
وكالغريق الذي يتعلق بقشه كانت ترفع رأسها له بلهفة تهزها إيجابًا بسرعة وهي تقول:
_ ايوه.. اه اوعدك والله.
ورغم تردده في البداية إلا أن لهفتها الآن ولمعان عيناها بالأمل عززوا قراره، فهتف موضحًا:
_ اوعدك إني هحاول انسى الي فات، مش هقدر اقولك إن خلاص كده حياتنا تمام، هكون بكدب عليكِ، بس هسيبلك فرصة تصلحي الي عملتيه وترجعي ثقتي فيكِ، وهدي لنفسي وقت انسى.
ابتسم ثغرها باتساع وهي تومئ لها إيجابًا تثني قراره، وقالت بفرحة:
_ كل حاجة هتكون احسن ان شاء الله، وحياتنا هتستقر مش كده؟
تنهد بعمق قبل أن يقول بأمل:
_ إن شاء الله.
ورغم إن الأمر سيستغرق وقتًا، إلا أنه يكفي شعاع الأمل الذي تسرب لها، يكفي أنه اعطاها فرصة، وسمح لها بالابحار بعلاقتهما نحو ضفة الأمان، ليس مهمًا أن نرى نهاية الطريق فبمجرد رؤية بدايته يكن حافز للوصول للنهاية..!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!