روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الثالث 3 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الثالث 3 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الجزء الثالث

رواية صرخات أنثى البارت الثالث

رواية صرخات أنثى الحلقة الثالثة

شعر وكأنه يتوهم سماع صوتها، التفت علي إليها ونظراته مصوبة عليها بعدم استيعاب، بينما انسحب آرثر وقد تسنى له مفهوم ما فعلته، حتى وإن كانت نبرتها العربية غريبة عليه، فتمسكها بيده جعله يفطن الأمر دون تفكير.
فور خروجه سحبت فطيمة يدها عن يد علي بخجلٍ شديد، ودمست وجهها أرضًا بحرجٍ لما فعلته، لجئت لصمتها مرة أخرى، ولكن تلك المرةٍ لم يسمح لها علي بذلك، فجذب المقعد وقربها منها وهو يردد بعدم تصديق:
_بقى أنا بقالي 8شهور طالع عيني معاكِ يا فطيمة عشان بس تتكلمي ويجي آرثر المغفل يخليكي تتكلمي في دقيقتين!!
اختطفت بسمة صغيرة على شفتيها تمكن من رؤيتها بوضوحٍ، فابتسم تلقائيًا وهو يراقبها، وردد مازحًا:
_بتضحكي! شكلك شايفاني أنا المغفل مش هو صح.. لإنك قدرتي تخدعيني طول الفترة دي.
رفعت عسليتها إليه لتمنحه نظرة حزينة، تسلل عمقها لنبرتها المرتجفة:
_سكاتي هاد المدة كاملة حيت ما بغيتش نتكلم على اللي داز عليا أ دكتور علي
(سكوتي طول المدة دي لإني مش حابة أتكلم عن الماضي يا دكتور علي).
حقق نقطة بسجله الطبي، وها هي تستجيب للحديث بعد رحلة عناء منه، لذا لن يفوت فرصته، فبدأ بالحديث بإحكامٍ وبحسن اختيار ألفاظه بعد معاناة لفهم نبرتها المغربية:
_بالعكس يا فطيمة الماضي عمره قصير وبيتنسي، بس قبل ما يتنسي لازم نداوي جرحه الأول عشان نقدر نكمل ونبدأ من جديد.
ضمت شفتيها معًا بقوةٍ جعلت أسنانها تنغرس فيهما، وقالت بلسانٍ ثقيل:
_داكشي اللي داز عليا ماشي قصة حزينة غنبكي عليها عامين و لا تلاتة و ننسى، اللي فات غيبقا معايا واجعني و ضارني لاخر حياتي.
ضيق عينيه بعدم فهم تلك المرة، فاستغنت عن نبرتها المغربية وقالت باللهجة المصرية المعتادة لسماعها من مراد ومن الطبيبة يارا المسؤولة عن حالتها سابقًا فقالت:
_اللي فات من حياتي مش قصة حزينة وهبكي عليها سنتين تلاته، اللي فات وجع هيدوم معايا لأخر عمري.
رد عليها بلهفةٍ:
_وأنا جاهز أشاركك الوجع ده يا فطيمة.
رفعت عينيها إليه بارتباكٍ، فتنحنح بحرجٍ وهو يعدل من نظارته الطبية موضحًا مقصده:
_فطيمة أنا الدكتور المسؤول عن حالتك، من فضلك سبيني أقوم بشغلي وأحاول أساعدك، بلاش تحكمي عليا بالفشل بدون محاولة.
وتابع ببسمةٍ هادئة:
_ولا عايزة الجوكر يزعل مني ويقول عليا دكتور فاشل وإن الدكتورة يارا أشطر مني.
ابتسمت فور سماعها عن مراد وقالت:
_مراد ده شخص عظيم، بالرغم من كل اللي اتعرض ليه بسببي ومازال جانبي وحابب يساعدني، بس مش قادر يستوعب إن اللي اندبح بسكينة تالمة مستحيل يرجع للحياة من تاني.
سكن الألم رماديته، ومع ذلك تساءل بهدوءٍ:
_قوليلي يا فطيمة، إنتي اتعرفتي على مراد زيدان ازاي؟
التقطت نفسًا مطولًا استسلامًا لرغبته المستميتة بالنبش حول ما يؤلمها، فبدأت بالحديث بوجعٍ يخترقها رغم تلك البسمة الزائفة على وجهها:
_في اليوم ده خرجت الصبح مع خطيبي، كنا بنحضر للجواز، ويومها طلبني نخرج ونتكلم شوية، لبست وروحت مع والدي عشان أقابله بس وإحنا في الطريق بابا عربية بابا عطلت.
انهمر الدمع على وجنتها وهي تحاول استرداد حديثها، فجذب علي دفتره سريعًا وفتح هاتفه يسجل به ما تقول لعدم استطاعته بالعودة لمكتبه ليحضر حاسوبه والمسجل الخاص بالمرضى، بالطبع لن يخسر تلك الفرصةٍ ليعود ليحضر ما يحتاجه.
كان بحاجة لسماعها تقص عن أي شيءٍ متعلق بماضيها، رغم أنه يعلم اختصارًا شاملًا لحالتها من ظابط المخابرات المصري “مراد زيدان”، المسؤول عن نفقة علاجها بشكلٍ كاملٍ، ويباشر كل فترة بالسؤال عنها(سلسلة الجوكر والاسطورة)، استرسلت فطيمة حديثها ودموعها بدأت تدمعان بحدقتيها، فقالت:
_بابا نزل وطلب مني أقعد في العربية لحد ما يدور على أي ميكانيكي أو شخص يساعده، بس بعد نص ساعه اتفاجئت بعربية بتقرب مني، ونزل منها شابين كان باين عليهم إن وراهم شيء مخيف، ولما قربوا واتاكدوا إن مفيش حد معايا في العربية هاجموني.
ورفعت عينيها إليه وهي تخبره بدموع:
_محستش غير بقماشة بيضة على وشي وبعدها فقدت الوعي ولما فوقت لقيت نفسي في مكان شبه صندوق كبير جوه طيارة، ومكنتش أنا البنت الوحيدة اللي جواه.
جحظت عين علي بصدمةٍ، لم يتوقع سماع هذا، هل يتم تهريب النساء على متن طائرة بكل تلك البساطة، هؤلاء ليسوا الا شياطين لعينة مثلما وصفهم مراد له، هدأت نيرانه قليلًا فبالفعل تم القضاء على تلك المافيا بواسطة الجوكر والاسطورة سابقًا، لذا حثها على الاسترسل وهو يسألها بنبرته الهادئة:
_وبعدين يا فطيمة، اتكلمي.
استكان ظهرها للوسادة من خلفها، فانسدل حجابها رغمًا عنها، عينيها لم تكن تعي سوى الشرود بالفراغ، وهي تكمل له:
_اخدونا مكان غريب، ريحته وشكله مقبض فوق ما تتخيل..
وابتسمت ساخرة رغم صراخ تعابيرها بألم:
_كان بيتقسموا الغنايم فيه، بيعينوا البنات وبيشوفوا مين فيهم اللي تنفع لشغلهم.
وابتلعت ريقها القاحل بمرارة ما واجهته، فقبضت بأصبعها على الغطاء المفرود على جلبابها الأبيض الخاص بالمشفى وهي تخبره بوحعٍ استشافه من حديثها:
_كلنا خضعنا للكشف العذري على إيد دكتورة شكلها مخيف، واللي كانت مننا لسه عذراء كانوا بياخدوهم في عربية لمكان روحت فيه من ضمنهم.
واستكملت ودموعها لا تتوقف:
_لإن بالنسبالهم ليهم تمن أعلى.
وانفجرت بالبكاء الحارق، تاركة دمعة رجلا عزيزا تلمع داخل مقلتيه تأثرًا بوجعها، لم يسبق له التأثر هكذا برفقة مرضاه، لا تلك الفتاة بالطبع ليست عادية بالنسبة له، ترك علي مقعده ونهض يحمل منديلًا ورقيًا، قدمه لها فتناولته عنه بامتنانٍ.
زاد من لطفه حينما سكب من زجاجة المياه كوبًا لها، تناولته فطيمة جرعة واحدة تسد به نيران صدرها المشتعلة، فعاد يجلس قبالتها وتلك المرةٍ رفض الضغط عليها، بل تساءل بلهفةٍ بعد دقائق فاصلة:
_أحسن دلوقتي؟
هزت رأسها على استحياءٍ من حديثها الحساس والمخجل له، بالنهاية هو رجل ولكنها لا تعلم لما تشعر بأنها تود سماع نصائحه وتلقي له ما خاضته من رحلة قاسية، عادت تستكمل له:
_البيت اللي روحناله بعد كده كان فيه جنسيات مختلفة من البنات، أنا من المغرب وكان في هناك بنات من العراق ومصر وبنات كتير أغلبهم من العرب، نسبة قليلة اللي كانت أجنبية.
وتابعت له:
_اللي عرفته بعد كده من مراد إن كل بنت ليها دخلتها، اللي منهم بيبتزوها بشريط فيديو مصورينه ليها، واللي بيغروها بالفلوس، واللي بيستخدموا عليها العنف عشان تكمل، واللي ببهددوها بخطف حد من أهلها، بالنهاية كلهم بياخدوا فترة لحد ما يتعودوا على الشغل المهين ده، وأنا كنت من البنات الجديدة اللي لسه داخلين المكان، وحظي وقعني مع مراد.
وأزاحت دمعاتها بمنديله الورقي وهي تخبره بانكسارٍ:
_كل يوم قضيته بالمكان ده كنت بموت فيه بالبطيء، عيني كانت على باب الأوضة ومستنيه لحظة دخول أول شخص هيدبحني، كنت بدعي ربنا كل يوم أن اليوم ده ميجيش غير وأنا ميتة.
وتمعنت بتطلعها إليه وهي تقول:
_حاولت انتحر معرفتش، كنت كل ما بحاول بلاقيهم فوق رأسي، لحد ما اتاكدت أن الاوضة دي فيها كاميرات مراقبة.
استدار عنها يزيح بإصبعه دمعة كادت بأن تفضحه أمامها، لا يود أن تصل شفقته وحزنه لها، ذاك الطريق مرفوض لأطباء الطب النفسي، عاد يدون بمذكرته ملاحظة طفيفة تنبع عن ألمها الشديد عما خاضته ببداية رحلتها.
فراقبها وهي تخبره باهتمامٍ عن أصل سؤاله المبدئي عن علاقتها بالجوكر مراد زيدان فقالت:
_وفي اليوم اللي الباب اتفتح فيه كان مراد أول شخص يدخله، حسيت إن الدنيا بتضيق عليا، وخاصة لما لقيته بيقرب مني، بس كان بيعمل كده عشان الكاميرات، وقدر إنه يخدعهم أنه بيقربلي، وبعد كده اتفاجئت بيه بيقولي انه ظابط من المخابرات وإنه جاي المكان ده هو وظابط معاه عشان يقبضوا على شبكة الدعارة الدولية دي، وطلب مني أني أساعده عن أي معلومات تقدر تفيده.
واسترسلت بحماس لاخباره:
_ساعتها حسيت ان ربنا سمع دعواتي وهيخلصني من الذل والمهانة اللي كنت هتعرض ليها، مترددتش وساعدته ووعدني إنه هيرجع وهيساعدني أخرج من المكان ده من غير ما حد يلمس شعرة مني، وفعلًا كان أد وعده ورجع من تاني بس المرة دي كانوا كشفوني وعرفوا ان أنا اللي ساعدته فحبوا يكافئوني على الخيانة دي.
وتابعت ببسمةٍ ساخرة:
_لفوا حزام ناسف حواليا عشان يبدوا المكان اللي ممكن يكون دليل عليهم، وبالرغم من كده مراد رفض إنه يخرج من غيري، وساعدني أخوه رحيم زيدان وقدرت اخرج من المكان ده من غير ما حد يمسني.
سحبت نفسًا مطولًا تستعيد به قوة تكمل له الجزء الاخر من رحلتها القاسية فقالت:
_مساعدات مراد منتهش معايا لهنا، رجعني المغرب لاهلي وكان ليا أخ بكل ما تحمله الكلمة، حسيت إني بأخد فرصة من تاني بوجود مراد، رجعت لخطيبي ولحياتي وكان مراد على تواصل مستمر معايا ومع أهلي، ووعدني انه هيحضر فرحي وهيزفني لعريسي..
وانهمرت دمعاتها وهي تردد ببسمة:
_كان بيعتبرني زي أخته وحسيت منه بده فعلًا.
ابتسم علي وهو يجد نقطة هامة قد تعاونه برحلته الشاقة، فدون بنوته “مراد زيدان البداية لتماثل فطيمة الشفاء” ، رفع علي عينيه لها بانتظارها أن تستكمل، ولكنه تفاجئ بها صامتة تبكي تأثرًا، فسألها بريبة:
_وبعدين؟
امتعضت ملامحها بألمٍ برز حينما قالت بحشرجة تلاحق نبرتها المبحوحة:
_ابتدينا نجهز لفرحي بأسرع وقت، لإن طبعًا الفترة اللي اختفتها خلت الناس تتكلم عني، فكان الحل أني اتجوز بأقرب وقت.
وبسخريةٍ أضافت:
_كنت فاكرة إن ده كمان رغبة خطيبي، مع إنه كان فرحان برجوعي الا أنه طلب مني طلب بشع رجعني لكل اللي عشته من تاني.
سألها باستغرابٍ:
_طلب منك أيه؟
تساقطت دموعها وهي تردد بتلعثمٍ:
_طلب مني أروح معاه لدكتورة تأكدله أني لسه شريفة بحجة إن والدته وأهله اللي حابين يطمنوا، رجع يوجعني زي ما اتوجعت ومريت بتجربة أبشع من اللي قبلها.
وأغلقت عينيها وهي تردد بشهقاتٍ قاتلة:
_حتى أهلي اجبروني أروح معاه لان للاسف دي فرصتي الوحيدة اني اثبت للناس إني رجعت من المكان ده نضيفة ومحدش لوثني.
وتشنج جسدها وهي تصرخ بوجع:
_جبروني أرجع اتهان من تاني عشان حاجة كانت خارجة عن ارادتي، وكإني لو كنت خسرت شرفي ورجعت ليهم كانوا هيرفضوني! .
وجد علي بإن الجلسة الاولى تندرج لمسمى خطيرًا بتشنج جسدها الملحوظ، فأغلق النوت، ونهض يخبرها:
_خلاص يا فطيمة كفايا كده النهاردة وبكره نكمل.
اكتفت بهزة بسيطة من رأسها ولم تترك له مجال الحديث، تمددت على الفراش بأنهاكٍ نفسي وجسدي، أسرع علي بحقنها بورديها لتهدأ قليلًا من انفعالاتها، فتقبلت الأمر وغابت بنومها سريعًا.
ترك جسده يخضع لجلوس مقعده القريب منها، لينزع عنه نظاراته الطبية وهو يزيل الدمعات العالقة بأهدابه هامسًا بعصبيةٍ تطيح بخطيبها السابق:
_حقير!
*******
غادرت الشمس ساحة السماء تاركة للقمر البزوغ في ليله القاتم، ومازال غائبًا عن المنزل منذ أمس، جابت فريدة الردهة ذهابًا وإيابًا وبيدها الهاتف تحاول الوصول إليه للمرة العاشرة ولكن دون جدوى، تابعتها شمس الجالسة على الأريكة تتابع دروس جامعتها على حاسوبها الوردي، فتركته جوارها ونهضت تقترب منها مرددة بقلقٍ:
_مامي بليز اهدي، عمران دايمًا كده بيتأخر بره ومش بيرجع غير بمزاجه وحضرتك عارفة كده.
ألقت فريدة الهاتف عن يدها ثم جلست على المقعد تبعد خصلاتها القصيرة عن عينيها، وقد تمكن منها الارهاق:
_أعمل أيه بس معاه عشان أغيره، مفيش أي شيء جايب نتيجة معاه.
واستندت بيدها على ساقيها متكئة بجلستها للأمام:
_أنا ادتيه حتة من قلبي مايسان.. كنت فاكرة إن الحب الطفولي اللي بينهم هيقدر يبعده عن الطريق ده بس للأسف أنا مجنتش حاجة من اللي عملته.
حزنت وهي تستمع لوالدتها، فجلست جوارها وهي تربت بحنان على ظهرها وتخبرها بارتباكٍ:
_متزعليش عشان خاطري.
ابتسمت فريدة وهي تتطلع لابنتها الصغيرة، فقالت بنبرةٍ لم تعتاد منها سماعها:
_أبوكِ سابني وأنا في عز شبابي، وساب وراه ثروة كبيرة الكل كان طمعان فيها، اتحدف عليا رجالة العيلة عشان يتجوزوني بحجة إنهم يحموا المال اللي مش هتصونه واحدة ست.
واسترسلت بألمٍ قاتل يذبح فؤادها:
_رفضت.. رفضت أرتبط بأي حد واعتمدت على نفسي، اشتغلت وتعبت لحد ما كبرتكم، نسيت نفسي ودفنت حياتي.
وتابعت وهي تتعمق بعينيها الواسعتان:
_كنت أوقات بحتاج لوجود حد جنبي، بس حتى أختي الوحيدة ماتت بعد وفاة جوزي بسنتين، وسابتلي بنتها أمانة في رقبتي.
وشددت بحبٍ أمومي:
_مايسان بنتي أنا يا شمس أنا اللي ربتها وكنت جنبها لحظة بلحظة.
ونهضت وهي تتطلع لقصرها الفخم من حولها لتردد بغضبٍ مخيف:
_البيت ده بيتها، ومستحيل هسمح للحقيرة دي إنها تأخد مكانها..
واستدارت تجاهها تؤكد لها:
_أنا اللي يقرب لأولادي أنهش لحمه، ومايسان دي ضي عيوني.
وتابعت بقهرٍ:
_أنا بتوجع وأنا واقفة بالنص بينها وبين ابني ومش عارفة أجبلها حقها.. بس عندي أمل كبير أنها هتغيره!
******
عاد علي للمنزل مثلما وعد والدته، فصعد لغرفته وجذب ثيابه ثم دلف لحمامه، ترك علي المياه تنسدل على جسده دون راجع، وحديثها يقتحمه فيثير غضبًا داخله، وعاطفة تدفعه للعودة وضمها داخل أحضانه، ترك الدُوش يفرد مياهه على خصره ومال يستند على الحائط، ومازال يجابه عقله بتبرير حقيقة شعوره تجاه تلك الفتاة!
لمع عقله بفكرةٍ خطرت له، فجذب المنشفة ولفها من حوله، ثم خرج يبحث عن هاتفه، أخذ ما يقرب الخمسة دقائق حتى عثر على رقمه، فرفع الهاتف وهو يترقب سماع صوته الرزين الذي أتاه بعد ثواني:
_دكتور علي.
ابتسم وهو يردد بوقارٍ:
_مراد باشا.
انتفضت نبرتها قلقًا فليس معتادًا على إتصاله الغريب:
_فطيمة كويسة؟
أسرع يطمنه:
_بخير متقلقش، أنا بس كنت محتاج مساعدتك.
أتاه صوت الجوكر الهاتف باهتمامٍ:
_أعتبر موضوعك منهي لو في إيدي.
إعجب بثقته برده الصارم، وقال بوضوحٍ:
_فطيمة أخيرًا وبعد الشهور دي كلها اتكلمت، والنهاردة كان أول جلسة علاج ليها، وفي الحقيقة يا مراد من خلال كلامي معاها قدرت ألمس مدى احترامها وحبها الكبير ليك، يعني لو في وسيلة تواصل بينك وبينها أظن هيسهل الموضوع جدًا.
أجابه بترحابٍ:
_أنا أعمل أي حاجة عشان فطيمة ترجع لطبيعتها ولو اتطالب الأمر هسافرلك انجلترا من بكره لو تحب.
رفض موضحًا له وجهة نظره كطبيب متخصص:
_لا، أنا حابب في البداية يكون في اتصالات بينكم لإني مش ضامن هيكون رد فعلها أيه لو شافتك وش لوش خصوصًا إنها لسه في البداية.
تفهم الجوكر وجهة نظره، وأبدى تضامنه الكامل معه:
_زي ما تحب، المهم إنها تتحسن وترجع زي الأول.
استغل علي مكالمته الهامة مع مراد زيدان، فبدأ بطرح سؤاله قائلًا:
_طيب كنت حابب أسالك عن شيء.
_اتفضل.
جلس على الفراش وأسند هاتفه إليه وهو يجذب نوته ليردد:
_تاني مرة فطيمة اتخطفت فيها وتم الاعتداء عليها فعليًا، الفترة اللي قضتوها انتوا الاتنين مع العصابة دي كان في أي حوار ما بينكم يعني فطيمة كانت بتتكلم؟
مجرد تذكره تلك الفترة العصيبة التي مر بها بحياته، أظلمت حدقتيه وود لو عاد بحياته ليقتص منهم بدلًا من أخيه رحيم زيدان، ولكنهم بالنهاية لاقوا حتفهم بما يستحقوه، فسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب:
_أيوه كانت بتكلمني، وقتها الكلاب دول كانوا بيحقنوني بالمخدرات وهي كانت حاسة بالذنب لانهم ضغطوا عليها وكانت سبب لرجوعي للمكان ده من تاني.
دون علي ملحوظة هامة، وعاد يسأل من جديدٍ:
_طيب بعد خروجكم؟
أتاه صوته الذكوري المتعصب رغم هدوئه:
_للأسف كنت تحت تأثير المخدرات ومقدرتش أكون جنبها في الوقت ده، رحيم أخويا اللي كان جنبها، لحد ما استرديت صحتي وفوقت من تاني.
_قابلتها؟
_مرة واحدة وكانت حالتها متدهورة ومبتتكلمش نهائي.
أكد عليه علي بعدما استوعب نقطة كان يشك بها:
_مراد بعدك عن فطيمة بعد خروجكم من الحبس ده كان سبب من الاسباب اللي خلها تفقد الأمان، على ما أعتقد بعد أول جلسة مكنش ليها تعارف كامل بأخوك يعني بالنسبالها شخص غريب، يمكن ده كان بداية إنها بقت كارهة تشوف أي راجل خاصة بعد الاعتداء اللي تم عليها.
_يمكن..
وبرجاءٍ قال:
_من فضلك يا علي اهتم بفطيمة، بتمنى في اليوم اللي تسمحلي فيه بزيارتها تكون واقفة على رجليها واستعادت صحتها.
أجابه وهو يمنحه وعدًا قاطعًا:
_هيحصل إن شاء الله متقلقش..
وبلطفٍ قال:
_بعتذر إني أزعجتك في وقت متأخر زي ده، تصبح على خير.
رد بإيجازٍ ووداعة:
_أنا تحت أمرك في أي وقت يا علي.
أغلق الهاتف فور انتهاء مكالمته، ونهض لخزانته يرتدي ثيابه ليغفو بعمقٍ بعد عناء شهور النوم المتقطع.
******
اتخذت قرارها بعد أن قضت ليلها بأكمله تفتكر فيما ستفعله، باكية تحتضن جسدها، ضعيفة في خلوتها بينها وبين ذاتها، قوية فور خروجها من باب غرفتها، تبدو كالحديد القوي الذي لا يهاب شيئًا كاسر، وهي بالحقيقة هاشة، خاوية.
حملت مايسان الحقيبة الفارغة ووضعتها على الفراش، ثم جذبت الملابس من الخزانة ووضعتها داخلها ودموعها لا تتركها، وضعت حدًا لمعاناتها تاركة من خلفها حساباتها المعقدة حول حزن خالتها لقرارها هذا، يكفيها تحمله طوال الخمسة أشهر الماضية من زواجهما.
قلبها يئن.. كفى ألمًا، كفى قهرًا، كفى إهانة ولوعة، كفى تحمل الهجر والكراهية.. كفى!
أغلقت حقيبتها وهي تزيح دموعها، واتجهت للسراحة تضع حجابها فوق فستانها الأسود وهي تتفحص ساعة الحائط لتتأكد بأن الوقت متأخرًا، لتضمن المغادرة ليلًا دون وداع أحدًا، لا تريد لخالتها أن تلين قلبها مجددًا.
جذبت حقيبتها وجمعت جواز سفرها وما يخصها، فقاطعها رنين هاتفها الموضوع على الكوماد، أسبلت عينيها بدهشة بالمتصل بتلك الساعة المتأخرة من الليل، فما أن رفعت الهاتف حتى همست بعدم تصديق:
_عمران!
بقيت ساكنة بوقفتها، لا تعلم هل تجيبه أم لا، ولكن الغريب بالأمر أنه يتصل بها، والأغرب ذاك الوقت المتأخر، كادت مايسان باجابته ولكن ما فعله جعلها تلقي الهاتف على الفراش وتعود لتستكمل استعدادها للرحيل، فتوترت حركتها وعينيها لا تترك الهاتف المتروك على الفراش، فرددت لذاتها:
_لا يكون في حاجة، عمره ما اتصل بيا بوقت زي ده!
انتصر قلبها عليها، فرفعت الهاتف إليها وبقيت صامتة تتلصص لما سيقوله هو، فارتجف جسدها فور سماع صوته الواهن يردد:
_مايسان.
نبرته كان مقلقة للغاية، وبالرغم من ذلك ادعت برودها:
_خير يا عمران نسيت حاجة حابب تقولها.
ابتلعه الصمت قليلًا ثم قال بإنهاكٍ شديد:
_أنا تعبان أوي يا مايا، مش قادر أسوق خايف.. آآ… خايف أعمل حادثة وأقابل ربنا وأنا سكران وكلي ذنوب.. خايف من مقابلته.
واسترسل دون توقف:
_خوفت أكلم علي هيتنرفز لو شافني بالحالة دي، وأكيد فريدة هانم هتعاقبني لو لجئت ليها، ملقتش غيرك.
رددت بلهفةٍ ضربت خفقات قلبها المتسارعة:
_أنت فين أنا جيالك حالًا.
ابتسم وهو يجيبها بتعبٍ ومازال جسده ملقى على الجزء الأمامي للسيارة:
_مش عارف أنا فين!
جذبت حقيبتها وهرولت للخارج وهي تردد لاهثة:
_ابعتلي اللوكيشن وأنا دقايق وهكون عندك، أرجوك خليك في العربية متنزلش.. آآ… أنا مش هسيبك.
ارتعش جسده فور سماع تلك الكلمة التي أبقيته أمانًا قليلًا، فأرسل لها موقعه قبل أن يغلق عينيه مستسلمًا للنومٍ المؤقت.
*****
وقفت تراقب سواد الليل الكحيل برهبةٍ، ومع ذلك تغلبت على خوفها الغريزي واندفعت تجاه سيارتها، حبه القابع بقلبها كالظل الساكن للجسد مدها بالقوةٍ جعلتها غير واعية لمخاوفها تلك، فصعدت لسيارتها وحررت بريموتها حاجز البوابة الخلفي لتنطلق بسرعة البرق وهي تتفحص الهاتف من أمامه، تتبع الاشارة، يكاد قلبها يتوقف أكثر من مرةٍ وهي تتخيله يخالف ما قالت ويقود بذاته فيصطدم بأحد الحافلات، فرددت بانهيارٍ:
_يا رب قصر طريقي ووصلني ليه!
كادت بأن تنقلب السيارة بها أكثر من مرةٍ، تفادت أكثر من حادثٍ حتى وصلت للإشارة المتبعة، ظهرت سيارة عمران من أمامها، وجدتها معاكسة للطريق لا يفصله عن الجسر الفاصل بين الرصيف والمياه سوى خطوات معدودة، وكأنه تفادى سقوطه فعليًا.
تلبدتها الغيوم فور تخيلها بأن السوء قد أصابه بالفعل، فخلعت حزام أمان السيارة وهرولت تناديه بصراخٍ متلهفًا:
_عمـــــــــران.
طرقت على باب السيارة في محاولة لتفحصه من عبر النافذة القاتمة، وجدته يتحرك بصعوبة، ففتح الباب مرددًا وهو يرفع جفنيه بتثاقل:
_مايا.. جيتي لوحدك في الوقت ده!
مالت بجسدها تجاه السيارة تستند على حافتها العلوية، وهي تجاهد ألا تفقد وعيها من فرط حالة الذعر التي خاضتها منذ قليلٍ.
تابع عمران انقباض صدرها وصوت أنفاسها المسموعة، فمال بجسده على التابلو متفوهًا بارهاقٍ :
_أنا شرحلك حالتي قبل ما تخرجي من البيت، مالوش داعي العياط على حالتي البائسة، روحيني أنا تعبان ومش قادر.
استمدت قوتها وانحنت إليه تعاونه على الخروج من السيارة، أخفضت ساقيه أولًا بعيدًا عن المقعد، ثم لفت ذراعه حول رقبتها، فخرج صوتها يهمس من فرط الحركة:
_اتحمل عليا يا عمران لحد عربيتي.
أتكأ عمران على باب السيارة حتى نجح بالوقوف، فاختل توازنه من أثر الدوار، كاد بالسقوط لولا يدها التي تركزت على صدره بقوة.
وزع نظراته بين يدها اللامسة لقلبه ويدها الاخرى التي تحيطه، ليرفعهما لعينيها، زوت حاجبيها بدهشةٍ حينما وجدت عينيه متورمة ومازالت تحتفظ بأثر بكائه، تمزق نياط قلبها فور تخيلها إنه كان يبكي منذ قليلٍ، أرغمت قدميها على التحرك به لسيارتها، وبصعوبةٍ نجحت بفتح باب السيارة، فارتمى باهمال على مقعدها.
حاول رفع قدميه ولكنها لم تستجب إليه، الا حينما رفعتهما إلى السيارة، وقالت قبل أن تنحني:
_هجيب مفاتيح العربية وحاجتك وجاية.
هز رأسه دون اكتثار، فأغلقت باب السيارة ثم أسرعت لسيارته، جلست محله تجذب مفاتيح السيارة، ومن ثم جذبت هاتفه ومحفظته الملاقاة بالمقعد المجاور له، وكادت بالخروج لولا أن لفت انتباهها تلك الزجاجة الملقاة أرضًا بالسيارة تحمل بقايا الخمر، ألقتها مايسان من النافذة بغضب، وغادرت سريعًا بعد أن أغلقت الباب.
اتجهت مايسان للسيارة فتوقفت حينما وجدت عمران يجذب المناديل المبللة الموضوعة بسيارتها ويمسح شفتيه ورقبته بتقزز واضحًا، اندهشت من فعلته،فتوقف حينما وجدها تصعد لمقعد سيارتها واستعدت للمغادرة.
لزم الصمت بينهما جلبابه حتى مزقه عمران الذي يرتكن بجسده على نافذة السيارة:
_هترجعيني البيت لفريدة هانم تعاقبني.
أسبلت بعينيها الباكية تأثرًا برائحة البرفيوم النسائي الذي يفور منه، وقالت وهي تدعي انشغالها بالطريق:
_هنروح شقة بابا اللي هنا، مفتاحها معايا.
أغلق عينيه باستسلامٍ لنومه المرهق، ولم يفق الا على هزات يدها وصوتها المنادي:
_عمران وصلنا.
هبطت مايسان واتجهت إليه فعاد يحتمل عليها حتى وصلت به للمصعد، فوضع رأسه على كتفها وهو يشعر بأنه على وشك فقدان الوعي بأي لحظة، أمسكته مايسان بألمٍ، جسدها الرفيع لا يحتمل جسده الممشوق ومع ذلك حرصت بالا تتركه، تفحصت المصعد حتى صدح بالطابق الثالث عشر، فخرجت برفقته حتى وصلت للشقة، فشلت مايسان باستخراج مفتاحها، فقالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
_عمران المفتاح في الشنطة حاول تجيبه.
منحها نظرة مشوشة، فجذب حقيبتها المعلقة بذراعها وعبث بها بنصف عين، وجد ما يريد فقدمه لها، وعلق حقيبتها بذراعه بشكلٍ أضحكها رغمًا عنها، فانقطعت بسمتها فور أن همس:
_إنتِ واخده في الشنطة جواز سفرك ليه؟
تجاهلت سؤاله ودفعته للداخل، فأشار لها بتعبٍ على الأريكة:
_خليني هنا معتش قادر اتحرك.
رفضت معللة:
_أوضة النوم قريبة متقلقش.
انصاع لها حتى ولجت به لأحد الغرف الجانبية، عاونته ليجلس على الفراش، وجذبت الغطاء إليه فأبعده عنه وعاد ليجلس مجددًا وهو يردد بنفورٍ غريبٍ:
_هأخد شاور الأول.
تعجبت من أمره، فمنذ قليل أخبرها بأنه لا يحتمل والإن يرفض الراحة، ومع ذلك لم تعترض، عاونته مايسان بصعوبة تلك المرة بعد أن اشتد التعب به للغاية، فكان يئن وهو يردد بهمسٍ ساخرًا:
_أنا تعبتك معايا بس ده دين وبتردهولي.
حدجته من هذا القرب الخطر بنظرة استغراب، فقال:
_فاكرة واحنا صغيرين كنت دايمًا بشيلك على كتفي.
قست نظراتها تجاهه، فكاد أن يختل توازنه فرفع يديه معًا حولها، شعر بأنه سيسقط لا محاله ولكنه وجدها تسانده بكل قوتها، فاتبع خطاها لحمام الغرفة قائلًا بعاطفة غريبة تهاجمه:
_عمري ما كان ليا أصدقاء مصريين غيرك، كنت بستنى كل أجازة عشان أنزل مصر وأسمعك وانتي بتحكيلي عن دراستك وحياتك.
وابتلع ريقه بمرارةٍ تلثم لسانه ومازال نفوره يزداد:
_كان نفسي علاقتنا تفضل كويسة على طول يا مايا..
وتمعن بالتطلع لفيروزتها:
_يمكن لو كانت سابتني أختارك بارادتي مكنش شيطاني وزني إني مغصوب عليكي وإنك مش اختياري.
انهى حديثه بسعالٍ قوي جعلها تنتفض برعبٍ من حالته الغريبة، وبرعبٍ قالت:
_عمران مالك؟!
احتمل ليصل للمرحاض، فدفعها للخلف وسقط يتقيء بتعبٍ شديد، وكأنه يصارع الموت، بكت مايسان وهي تتأمله عاجزة عن مساعدته لا تعلم ماذا ستفعل؟
تركته وركضت للخارج ثم عادت بالهاتف تشير له:
_أنا هتصل بعلي.
جلس أرضًا على السجادة القريبة من حوض الاغتسال، يصرخ بصرامةٍ آمرة:
_أووعي تعمليها.
وجذب المنشفة يجفف فمه ورأسه يستند على الحائط بارهاقٍ:
_أنا بس تقلت في الشرب.
خرجت عن طور هدوئها بانفعالٍ:
_وبتشرب ليه مدام بتتعب منه!
فتح رماديته يسلطها بنظرةٍ إليها، وبسمة ساخرة تعج بما يخفيه:
_كنت بحاول أنسى قذارتي بس للأسف منستنيش.
وتابع بفتورٍ:
_كل مرة بخرج فيها من عندها بكون كاره حياتي، قربها في البداية بيكون مغري وبعد كده بقرف من نفسي وجسمي، بقرف من كل شيء وبكرهها هي شخصيًا.. بعاند وببعد وبرجع تاني أضعف وأقرب.
برقت بعينيها الباكية إليه، زوجها المصون يقص لها عن لياليه مع عشيقته بجراءة، ودت لو صفعته ليفق من مستنفع قذارته ولكن ما يهدأ اتفعالاتها حالته المزرية واعترافاته الغريبة بأنه ينفر من فعلها.
شرودها، صمتها، جعله ينتبه لما تفوه به، فرفع ذراعه يقبض على يدها لتفق محنية رأسها له لتراه يردد ورأسه تترنح ليدها:
_متبعديش.. خليكِ جنبي يا مايا.. ارجعيلي الصديقة اللي كانت بتهون عليا كل شيء، متكونليش الزوجة اللي بتعاتب وبتجلد أخطائي.
وضم يده حول ساقيها مستكملًا بصوت مختنق بالعبارات:
_متسبنيش، أنا محتاجلك.
تهاوى الدمع فوق وجنتها فرفعت يدها بآلية تامة تمررها بين خصلات شعره الفحمي، وكأنها تؤكد له وجودها، أزاحت دموعها قائلة بجمودٍ:
_لو مش قادر تعالى ريح وبكره إبقى خد الشاور.
رفض الخروج ونهض بصعوبة ليتجه للجزء المخصص للدوش، فنزع عنه جاكيته وقميصه المتسخ وحرر المياه لتندفع فوق جسده تمتزج بدموعه بعد ارتكابه لذاك الذنب الفاضح.
جلست مايسان على الفراش ليتحرر صوتها المكبوت ببكاءٍ عالي، لا تعلم ماذا تفعل لتتحرر من علاقته السامة، كلما حاولت اتخاذ موقف حازمًا يردعها شيئًا أقوى مما سبقه، ازاحت عنها دموعها فور رؤيته يخرج من الحمام ومازال يتمايل بمشيته، أسندت ذراعه حتى وصل للفراش، فجذبت الغطاء عليه وكادت بالابتعاد فوجدته يتشبث بذراعها وهو يردد بإلحاح:
_خليكِ جنبي.
قبضت على فستانها بتوترٍ، ولكنها رضخت له بالنهاية، تمددت مايسان لجواره لتجده يغفو بعمقٍ والانهاك يبدو عليه، فحدثت ذاتها وعينيها لا تفارقه:
_حيرتني معاك يا عمران!
********
دق رنين هاتفه المجاور لفراشه، فرفع ذراعه يتحسس الكومود حتى وصل لهاتفه، فحرر زر الرد ووضعه على أذنيه وهو يردد بنومٍ:
_أيوه.
أتاه صوتًا يجيبه:
_جمعتلك كل المعلومات عن شمس سالم يا آدهم باشا!
اعتدل بنومته وبسمة خبيثة تحيط بيه، ليمنحه الآذن مرددًا:
_سامعك… اتكلم.
*******
حملت الأغراض من بواب العمارة، وعادت للمطبخ تضع الأغراض على الصينية المستديرة، وكوب القهوة الذي انتهت المكينة من صنعه ثم توجهت للغرفة بارتباكٍ، لا تعلم ماذا سيكون رد فعله بعد افاقته. وتذكر ما قاله بالأمس، توقفت مايسان أمام باب الغرفة حينما وجدته يجذب هاتفه الذي لم يكف بالرن منذ الصباح ومازال يتجاهل الرد على المكالمات، والآن يلقيه على الفراش بغضب، انتبه عمران لها تدنو منه، فوضعت الصينية على الطاولة القريبة منه قائلة بنبرة تحاول جعلها جافة:
_افطر واشرب قهوتك عشان تنزل الشركة قبل ما فريدة هانم توصل هناك.
وكادت بالمغادرة فأوقفها حينما ناداها:
_مايا.
وقفت محلها تبتلع ريقها بتوترٍ، وخاصة حينما وجدته يدنو منها مرددًا بحرج:
_أنا أسف، بسببي خليتك تخرجي من البيت في وقت متأخر ومن ورا ماما وتقلت عليكي امبارح أنا بجد بعتذر.
أبعدت عينيها عنه وقالت دون النظر إليه:
_محصلش حاجة.. بس ياريت مترجعش للقرف ده تاني.
قال باصرار:
_مستحيل.. بعد اللي عشته امبارح مستحيل هشرب الزفت ده وآ.
قاطعه رنين الهاتف مجددًا، فزفر بغضبٍ وهو يتأمل المتصل، فألقاه مجددًا وتلك المرةٍ تسنى لها رؤية إسمها على الشاشة “ألكس”.
خشيت أن يمسك بها وهي تلقط ما بيده فتوجهت للخروج وهي تخبره:
_أنا غسلتلك القميص والجاكت، هجبهملك تلبسهم.
فور أن تأكد من ابتعادها قليلًا، جذب الهاتف يسجل رسالة صوتية سمعتها من تقف بالخارج
«ألكس علاقتنا انتهت هنا، إن كنتِ تحبيني مثلما تدعين ستقبلين الزواج بي، ما حدث بالأمس لن يعاد مجددًا، استهزائك على ديني، تقربك مني بتلك الطريقة لن يحدث الا بالزواج، أعدك تلك المرة إن رفضتي الزواج مني سأطردك خارج حياتي للأبد.»
قال كلمته الأخيرة وهو يلقي الهاتف على الفراش، مرددًا بندمٍ:
_مش هرتكب الذنب البشع ده تاني لو أخر يوم في عمري..
انتبه عمران لها تقف قبالته حاملة القميص والجاكت، دنى منها عمران وهو يحاول قراءة ملامحها إن كانت استمعت لمكالمته، ارتدى عمران القميص ومن ثم الجاكيت قائلًا:
_تسلم ايدك.
وحمل القهوة يرتشفها مرة واحدة، ثم قال:
_مش يالا ننزل الشركة قبل ما ماما تروح تفتش عننا هناك.
هزت رأسها بآلية تامة واتجهت للسراحة، جذبت حجابها وارتدته ثم حملت الحقيبة واتبعته للاسفل، فقادت سيارتها وهو لجوارها شاردًا بما حدث بالأمس وبالأخص بمساعدتها له بالرغم مما يفعله.
******
كانت بطريقها للجامعة حينما صدح صوت عجلات السيارة لتتوقف من بعده عن الحركة، مما جعل من تقودها تهبط وهي تتأمل ما يحدث بصدمةٍ، فركلتها وهي تصيح بضيق:
_مش وقتك خالص، أنا كده هتأخر على المحاضرة.
بحثت شمس بعينيها في محاولة للبحث عن سيارة أجرة، فلفت انتباهها سيارة سوداء تدنو منها، حتى توقفت قبالتها، ليهبط منه بقامته الطويلة قائلًا ببسمة هادئة:
_محتاجة مساعدة يا شمس هانم.
ارتسمت ابتسامة تلقائية على وجهها، ورددت بتذكرٍ:
_آدهم… كابتن آدهم!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!