روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وست عشرة 116 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وست عشرة 116 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وست عشرة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وست عشرة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وستة عشر

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وستة عشر :-
الجُـزء الثـانـي.
“والعِناق الحقيقي هو أن تأتي بعِطر، وتذهب بعطرين.”
_____________________________________
انتفض من نومهِ فزعًا، وقد تندّى جبينه بالعرق المفرط جِراء المجهود الذهني والنفسي الذي بذله أثناء النوم. تنفس “حمزة” بصعوبة بعدما اكتشف أنه كان يحلم، وإنه اليوم الثالث على التوالي بدونها، بدون معرفة أي شئ عنها أو عن مكانها الذي التجأت إليه. تأفف مضجرًا وهو يسكب الماء في كأسهِ، ثم تجرعه دفعة واحدة ليهتف بعدها :
– وبعدين!!.. ياترى راحت في أنهي مصيبة؟!.. أنا غلطان من الأول إني أمنتلها.
نهض عن مكانهِ مستعيدًا تلك اللحظات في ذهنه للمرة العاشرة، علّه يتذكر أي شئ يدل عن مكانها…
*عودة بالوقت للسابق*
قبض على عنقهِ دوم تفكير، وقد صعد الغضب لذروة مراحله بعدما اكتشف هروبها :
– إنت بتخرف تقول إيه!!.. هربت؟!.. قصدك انتوا اللي هـربتـوها هي وابنـي.
تنصل منه “نضال” بأعجوبة، وصرخ في وجهه بإهتياج :
– والله ما اعرف حاجه عنها، هما كلمتين سابتهم في ورقة يمكن ده يريحك.
ووضع الورقة المطوية في قبضة يدهِ متابعًا :
– سُلاف سابتنا كلنا يا حمزة.. ياريت تفهم إنها مش عايزة تشوفك ولا حتى تفتكرك.. انت بالنسبالنا كلما ذكرى سودا كل اللي بتعمله إنك بتفكرنا بالخسارة اللي خسرناها.
قرأ الكلمات التي كتبتها في عجالة، ثم عاود النظر إليه بأعينٍ محتقنة:
– أنا اللي خسرت كل حاجه ومعدش فاضل غير ابني وهي.. انتوا خدتوا كل حاجه، فبلاش تتكلم عن الفقد الوحيد اللي فقدتوه ومكنش بسببي.. انما انا خسارتي كلها بسببكم.
دفعهُ من أمامه وهو يهتف بـ :
– أوعى من وشي.
واندفع بالدخول ليتأكد بنفسه من كونها ليست بالداخل، كأن قلبه يرفض تصديق ما فعلتهِ من غدرٍ به؛ فـ ركض “نضال” من خلفه محاولًا منع اقتحامهِ للمنزل :
– مش من حـقك أبدًا تدخل بيت انت منبوذ فيه.. ارتجع ياحمزة وإلا هبلغ عنك.
طرق “حمزة” على الباب بأقصى قوة وهو يصيح عاليًا :
– أفــتـحي يا سُـلاف، أنا عـارف إنك جــوا.. خلاص مش هديكي الأمـان تاني يابنت زيّان.
حاول “نضال” أن يكون حائلًا بينه وبين الباب ومازالت عبارات النفي تتكرر على لسانه :
– قولتلك مش جـوا، هي بلطجة وخلاص.
انفتح الباب بغتة ومن خلفه ظهر “عِبيد” وتعاليم النوم على وجهه، رمقه بإستهجانٍ مفرط، وبصوتهِ الحازم كان يهدر بـ :
– شكلك كده عايز عاركة على الصبح، جاي هنا برجليك ليه مش خلاص فضينا الحوارات دي؟.
لم يجيبه “حمزة”، وإنما سعى للدخول على حسن غرة قبل أن يتأهب “عِبيد” لمنعهِ، وحينما حاول الأخير صدّ ذلك الإقتحام منعه “نضال” بعدما تأكد من فشل جميع المحاولات إن لم يبحث هو بنفسه :
– سيبه يدور يمكن يهدى لما يصدق انها هربت.
انفتحت عينا “عِبيد” عن آخرها بعد تصريح “نضال” الأخير، وأفاق تمامًا من نعاسهِ الغالب على مداركه ليقول :
– إيــه!؟.. هــربـت يعني إيه؟.
تذكر “نضال” أمر “مصطفى” وتواجده منذ الأمس في غرفة “راغب”، فـ أوفض ليمنع اقتحامهِ لتلك الغرفة تحديدًا قبل أن يصل إليها. وقف أمام بابها، يراقب دخوله وخروجه من غرفة لأخرى حتى وصل أمامه، فأشار له “نضال” ليتوقف وهو يقول :
– دي أوضة راغب و عمي جوه.. مش هينفع تدخلها.
تبادلا النظرات للحظة، حتى تابع “نضال” قائلًا :
– أقسملك إنها مش هنا يا حمزة.
صدقه، لم يتشكك في قسمهِ للحظة وهو يعلم إنه لا يُقسم أبدًا بالكذب؛ لكن في قلبهِ غصة بحجم الكون كله، ولا يدري أيهم كان أقسى في شعورهِ، إنها تركته أم إنها خدعته مرة أخرى!. ألم تشفق عليه قطّ؟ ، ألم تتذكر لحظة واحدة بينهما استجداها بأن تعطي لعلاقتهم فرصة؟.. هذا ما آلمه أكثر، إنها لم ترق له ولو لحظة، وانخرطت بعقلها خلف أهواءها الإنتقامية التي لم تنتهي بعد.
*عودة للوقت الحالي*
نغز “حمزة” فخذهِ بمضخّ الأنسولين قبل أن يتناول لقيمات الإفطار، من أجل بدء يوم آخر يواصل فيه البحث عنها، بجانب أعمال مكتبه التي تراكمت فوق رأسه بعدما أهمل عمله كثيرًا بالفترة السابقة، وها هو يعود بكل قوة ليستعيد بعضًا من خسارتهِ الفادحة.
طرقات مفاجئة على الباب جعلته يضع الحقنة في أحد الأدراج بشكل عاجل، لئلا يكشف أحدًا مرضهِ الجديد، ثم سمح بالدخول :
– أدخل.
دلف “زيدان” وهو يلوّح يداه الممسكة بورقةٍ مطوية، وقد برزت نواجذه بتلك الإبتسامة العريضة، فـ هبّ “حمزة” واقفًا وهو يسأل بتلهفٍ :
– عرفت حاجه؟؟.
كانت نبرتهِ مغترّة وهو يجيب :
– طبعًا.. قولتلك بنت بلدي هنلاقيها في بلدي مصدقتش.
اندفع “حمزة” نحوه ليخطف الورقة من يده وهو يردف :
– يعني في مرسى مطروح فعلًا!!.. إزاي احنا كنا هناك اول امبارح ومكنش ليها أثر؟.
– مراحتش سكنها القديم ولا نزلت في الأماكن اللي نعرفها.. قاعدة في شقة تبع دار الأيتام.. الرجالة قطروها لما راحت الدار الصبح وجابولي العنوان.
وكأنما انبعثت الروح فيه من جديد، تخضب وجهه بحُمرة منتعشة وابتهجت نبرته وهو يهتف :
– جدع يا زيدان.. جدع، هديتك عندي كبيرة أوي.
اتسعت عينا “زيدان” وهو يسأله بنبرةٍ طامعة :
– كام؟؟.. قصدي يعني إيه الهدية؟.
تلوت شفتي “حمزة” مستنكرًا جشعه الذي لا ينتهي أبدًا :
– لما أشوفها بعيني الأول نبقى نشوف الموضوع ده.. متقلقش.
وأسرع يخرج من مكتبه وهو يتابع :
– عندي مشوار للمكتب هخلصه ونطلع على هناك ع طول.
تنهد “زيدان” وهو يهمس بخفوت غير مسموع :
– ربنا يهديكي ياست.. لـ احسن انا فرهدت خالص!.
************************************
كان سعالهِ جافًا عنيفًا، وكأنه يقتلع ضلوعهِ كلما سعل، هذا الوصف الأقل لحالة “مصطفى” ومعاناتهِ مع أصابتهِ بالأنفلونزا. تعاطى أدويتهِ ودثرهُ “عِبيد” جيدًا وهو يردد :
– سلامتك ألف سلامة ياعم مصطفى.. شد حيلك تو دور وهيروح لحاله.
تنفس “مصطفى” بصعوبة وهو يسأله بفضول :
– طمني.. عرفتو حاجه عن سُلاف يا عبيد؟.
جاوره “عِبيد” جالسًا على طرف الفراش، وقد حافظت تعابير وجهه على ثباتها دون أن تحيد، مُجيبًا سؤاله :
– لأ.. انت أكتر واحد عارف بنت أخوك وعنادها، طالما مش عايزة حد يوصلها يبقى مش هنلاقيها بالسهولة دي.
كان “مصطفى” متأثرًا بغيابها ذلك تأثرًا بالغًا، لقد خالفت الأحداث كل توقعاته وظنونه، كان مخططًا لسير الأوضاع كما يريد هو، لكنها الآن غادرت لتبقى وحيدة، بعدما لم تجد بينهم ما تألفه وترضاه. طرد “مصطفى” زفيرًا حارًا من صدرهِ ليقول :
– كل ما افتكر إنها في مكان معرفوش صدري يضيق عليا.. أفرض كان جرالها حاجه!.. ولا معاها رجالة يحموها ولا حد جمبها.. ليه بس يابنتي كده! ما يولع حمزة على ابنه في ساعة واحدة احنا مالنا!.
كان “عِبيد” قد أيقن صدق حدسهِ، فلم يدسّ الأمر بداخله كثيرًا وباح به ع الفور :
– خلينا نتكلم بصراحة يا عمي.. سُلاف هربانة من مشاعرها اللي اتأكدت إنها رايحة لابن المحروق صلاح.. خايفة تضعف وتصدق إنها حبت أكتر واحد كانت بتكرهه في حياتها.
لم ينكر “مصطفى” هذه الحقيقة التي أدركها مؤخرًا، وبات غير قادر على تجاهل الوضع الراهن لأكثر من ذلك :
– وبعدين يا عِبيد.. كان المفروض تكون جمبنا أحنا عشان نساعدها.. مش لوحدها مع حتة عيل.
– العيل ده أملها اللي ماسكة فيه.
حرر “عِبيد” تنهيدة متأثرة مستطردًا :
– أنا رأيي نسيبها تختار وتقرر من غير ما نأثر عليها، محدش هيحس باللي جواها غيرها ياعم مصطفى.
حاول “مصطفى” أن يعتدل في جلسته وعيناه تنطق بإستهجان شديد :
– سُلاف مش هتقدر تختار طول ما هي تحت تأثير زين يا عِبيد.. أنا مش هوافق عمري إنها تـ….
قاطعه “عِبيد” رافضًا هذا التسلط الذي دفع بها للهروب من هذا الضغط اللعين :
– صدقني ياعم مصطفى انا بكره حمزة كره العمى، بس ميهمنيش في الآخر غير سُلاف، لو هي اختارت عدوي وهتبقى مبسوطة معاه أنا معنديش مانع أدعمها وأفضل جمبها وقت ما تحتاجني.. خلاص مفيش حاجه هتروح أكتر من اللي راح.
بتر “مصطفى” هذا الحوار غير راضيًا عن المجرى المنحرف الذي اتخذه “عِبيد” من أجل دعمها فقط، متغاضيًا عن كل الاعتبارات التي شكلت هذه العداوة منذ البداية :
– خلاص مش عايز أسمع أكتر من كده.. سيبني لوحدي يا عِبيد.
ذمّ “عِبيد” على شفتيهِ وهو ينهض واقفًا :
– طيب ياعمي، عن أذنك.
تركه في حالة الغضب العارم تلك، متخيلًا إنها قد تخضع لدقات قلبها، هذه الفكرة أشعلت النيران في صدرهِ المتعب فأرهقتهُ أكثر، ولم يجد مفرًا من مجابهة الأمر بالتفكير المطوّل فيه، وفي الحلول التي قد يلجأ إليها للقضاء على أية بذور لهذه النبتة التي نمت في أفئدتهم المسكينة.
*************************************
كان نهارًا مُشمسًا لطيفًا، استيقظت فيه بكل نشاط من أجل نزهة اليوم التي ستصحب فيها الصغير، وبعد أن تأكدت من نظافتهِ وبدلت حفاضتهِ بأخرى، بدأت تلبيسهِ من الثياب الجديدة التي ابتاعتها له. مالت عليه تشم رائحتهِ الجميلة، لقد تشبهت برائحة والدهِ كثيرًا لا تعلم كيف!.. قبّلت جبهتهِ ووجنتيهِ ثم همست وهي تداعب أذنهِ :
– النهاردة هنخرج مع بعض شويه، مستعد؟.
كان يلوح بأرجلهِ الصغيرة في الهواء گالمتحمس، وكأنه يفهم ويعي ما تقوله له، ضحكت وهي ترى ابتسامته الصغيرة التي تنير لها الدنيا كافة، ذلك الصغير هو الإنسان الوحيد الذي تستطيع معه أن تنسى أي شئ وكل شئ؛ لكن ضحكتها لم تدوم كثيرًا، حيث راودها الندم من جديد، أحست وإنها وجهت لذويها طعنة خائنة بذلك الإختفاء المفاجئ، ولم تقوَ على مواجهة ذلك الشعور الذي لازمها منذ الوصول. لمرات عديدة كانت تتهرب من التفكير في الأمر، لكنها في النهاية استطاعت أن تتخذ قرار بالتحدث إلى أحدهم على الأقل، گنوع من أنواع الإطمئنان للطرفين. أغلقت الستائر وجلست في مكانٍ لا تتبين منه وجهتهِ، ثم فتحت هاتفها الذي أغلقته لأيام عديدة من أجل القيام بأتصال مُصور يرى فيه المتصلين بعضهم البعض. لم تنتظر طويلًا، لحظتين وكان يرد عليها “نضال” بكل تلهفٍ وقلق :
– سُلاف.. انتي فين، قاعدة فين بتعملي إيه؟؟ انتي كويسة؟.. في حاجه حصلت معاكي؟.
بسمةٍ غلبت على ملامح الحزن المتفشية في قسماتها، وأردفت بنبرةٍ وديعة تناقض فعلتها المجترئة :
– طب أهدى شويه عشان أعرف أرد عليك.
ضاق عليه صدرهِ، ظهورها لم يريحه بل أتعبهُ أكثر، شاعرًا بالعجز عن الإمساك بها :
– أهدى إيه بس!!.. انتي بهدلتينا واحنا بندور عليكي يمين وشمال، هو حمزة يستاهل كل ده يعني!
اشتدت تعابيرها حزمًا وجدية، وصارت نبرتها أكثر صرامة وهي تنفي ذلك بقوةٍ أثبتت شعورها بالإدانة :
– إيه اللي دخل حمزة في الموضوع يا نضال!.. أنا بعدت لأني محتاجة أكون لوحدي شويه، وجود أي حد جمبي بيمثل نوع من أنواع الضغط، وأنا مبقتش متحملة خلاص مش قادرة.
بدت وكأنها على حافة الإنهيار، وهي التي اتصفت بالجسارة والقوة، ها هي قواها بدأت تهوى وتضعف رويدًا رويدًا، فما كان من “نضال” إلا امتصاص قليلًا من عصبيتها المفرطة :
– خلاص أنا آسف.. مقصدتش أبدًا أضغط عليكي، أنا بس كنت هموت من القلق، بس طالما انتي بخير مش مهم أي حاجه تانية.
بالفعل بدأت تسكن قليلًا، وظهر ذلك على ملامحها التي ارتخت إلى حدٍ ما، ثم سألته :
– طمني على عمي.. عامل إيه؟.
*************************************
متبقي من الوقت ساعة ونصف الساعة، حتى يكون بداخل محافظة مرسى مطروح، لا يعلم كيف مرت عليه الساعات السابقة في طريق السفر الطويل، بعدما عجز عن إيجاد طائرة تقلّه إلى هناك في غصون ساعة واحدة أو أقل، تحامل على نفسه من أجل لقاؤها، مجرد تخيل لحظة تلاقيهم وحدها كانت كفيلة ببث الصبر في نفسه الملتاعة؛ لكن طاقة الغضب بين ضلوعهِ تكاد تحرق الأخضر واليابس، ترى كيف يواجهها؟.. هل يصفع وجهها أم يبرحها ضربًا، ما العقاب المناسب لها لما عاشه بالأيام الماضية بسبب فعلتها الهوجاء!؟. تنهد “حمزة” وهو يصرف عن عقله تلك الأفكار المجنونة لئلا تتمكن من رأسه، ثم التفت ينظر إلى “زيدان” يسأله :
– فاضل كتير؟؟.
كان “زيدان” مبتهجًا مسرورًا من تلك الرحلة المفاجئة، يقود السيارة وكأنه ذاهبًا للجنة :
– هانت ياأبو البشوات خلاص.. ده انا الولية والعيال وحشوني على الآخر، السفرية دي جت من عند ربنا والله.
زجره “حمزة” بإزدراءٍ قبل أن يهدر فيه :
– أنا مش واخـدك رحـلة.. لما نخلص اللي ورانا أبقى روح طفي شوقك براحتك.
فتح “حمزة” النافذة المجاورة وبدأ في تحرير أنفاسهِ الساخنة لتختلط بالنسيم البارد، مؤثرًا بذلك على انفعالاتهِ المتأججة، سيفيده الهدوء في التعامل معها الآن، الأهم هو أن يراها أمامه وما بعد ذلك سيمرّ، كما مرّ كل شئ.
**************************************
انتهت من ارتداء ملابسها، وتجهزت بأناقةٍ ناعمة من أجل الخروج، ثم تركته على الأريكة تناولت مفاتيحها وهي تقول :
– هنزل أجيب العربية قدام الباب وأجيلك على طول يا زوز.. مش هتأخر عنك.
تحركت بالفعل وبدأت تخطو بحماسةٍ حتى خرجت من بوابة البناية، وقبيل أن تخطو للأمام كانت تراه أمام عيناها، تصلبت في مكانها، وتحجرت نظراتها المثبتة عليه، رأت فيهما نيران حامية تتقاذف مصوبة نحوها. سرت ارتعاده في بدنها، وتذكرت للتو إنها تركت الصغير بالأعلى، فـ أتتها طاقة عتيّة دفعتها لتركض عائدة من حيث أتت، ولم يقف هو هكذا، بل اندفع راكضًا من خلفها وهو يصيح بأعلى صوته :
– مش هـتهربي تـاني ياسُـلاف، على جثتي.
صعدت للطابق العلوي ركضًا دون أن تلتقط أنفاسًا وهو من خلفها، فتحت الباب بشئ من الصعوبة نتيجة توترها الزائد، فسنحت له الفرصة لأن يقترب منها أكثر، لم تلبث بالدخول حتى داهمها هو وقد لحق بها، وضع قدمهِ حائلًا لئلا تتجاوزه، بينما هي خلف الباب تحاول أن تدفعه بكل ما أُوتيت من قوة :
– أفتحي البـاب.. انتـي عارفـه إنـي خـلاص وصـلتلك.
التقطت أنفاسها بصعوبة لتقول من بين نهجاتها :
– أبعد عـني بـقى.. عايز منـي إيـه تاني آ آآآه.
دحر بابها بكل قوة، فـ ارتدت للخلف محافظة على توازنها، صفع الباب وهو يرمقها بغيظٍ شديد، وكأنه سيهدم الدنيا فوق رأسها، تراجعت للخلف بخطوات شبه متعثرة، وحذرتهُ بنبرة شديدة اللهجة :
– إياك تـ…..
لم تستطع إتمام كلمتها، حيث تفاجئت بذراعهِ التي نالت منها، وإذ به يضمها إليه في قوةٍ، مواجههًا عنادها البدني المعتاد الذي يدفعه في كل مرة يقترب منها، متجاهلًا رفضها الذي تحاول إعلانه له رغم ما يجول في صدرها من شوقٍ يحرق الفؤاد. أطبق عليها گأنما يخشى فرارها وهي بين ذراعيهِ، عانقها عِناق الغائب مئة عام، حتى تداخلت رائحتهم مع بعضها البعض، وذابت حصونها أخيرًا لتخضع أمام قلبها لأول مرة منذ عرفته.. ضمتهُ.. ضمتهُ إليها وكأنها تضم وليدها الجديد، سعيدة بوجوده في أحضانها، بعدما أضفى عليها شيئًا كان ينقصها، لقد أحست في هذه اللحظة بـ الأمــان الذي عاشت تبحث عنه، وها هو يهديها إياه….
**************************************

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!