روايات

رواية الدكتورة والمحاسب الفصل الأول 1 بقلم نورا سعد

رواية الدكتورة والمحاسب الفصل الأول 1 بقلم نورا سعد

رواية الدكتورة والمحاسب الجزء الأول

رواية الدكتورة والمحاسب البارت الأول

رواية الدكتورة والمحاسب الحلقة الأولى

– محامي وجاي تتقدم لدكتورة! أنت عاقل يا بني؟
– ليه الغلط ده يا عمي؟ هي بنتك وزيرة وأنا معرفش!
جُملتين وداني اتعودت تسمعهم كل كام اسبوع…عريس يتقدم ويترفض بعد ما يتهزء، أزاي واحد خريج أي كلية غير طب ولا هندسة يتقدم لدكتورة! كنت عارفه أن بعد الجملتين دول هيكون في شوية زعيق وبعدها صوت خطوات وهنختم المشهد برزعت باب وزعيق من بابا وهو بيقول “ده إيه البلاوي اللي بتتحدف علينا دي” وقبل ما أكمل تفكير كنت سمعت رزعة الباب وزعيق بابا وهو بيخبط كف بِكف وبيقول:
– أدي البلاوي اللي بتجلنا كل يوم والتاني..خلاص كل من خط له شنب وبقى رجل يجي يتقدم لأي وحدة تعجبه بغض النظر عن تعلمها ومستواها! شباب أخر زمن.
مكنتش قادرة استوعب.. تفكيره عمره ما هيتغير، مقتنع أقتناع تام أن الدكتورة لازم تاخد دكتور؛ أومال هي اتعلمت ليه؟؟!
وعشان متسحلش في نوبة من التفكير اللي ملوش أي لازمة؛ مسكت اللابتوب بتاعي ورجعت تاني لشغلي.
********
– أنا نازلة على الشغل يا ماما.
– متنسيش تفطري يا حببتي، خلي بالك من نفسك.
بوست أيديها أنا وبودعها وسبتها ونزلت، نص ساعة وكنت وصلت الشركة…شركة أدوية كبيرة؛ نسيت أقولكم أني دكتورة صيدلانية مش بشري، وده مش عشان ده أختياري وكده؛ لا خالص؛ الفكرة كلها أن مجموعي مساعدنيش؛ فقولنا صيدلة برضه هتحقق الغرض! كنت ماشية مش شايفه قدامي من كُتر ما أنا مستعجلة؛ لدرجة أني حرفيًا لبِست في واحد واتسببتله في كارثة!
– يلهوي أنا آسفة!
كانت…كانت عيونه قربت تطلع شرار..القهوة اللي في أيده أتدلقت كُلها على الورق اللي كان في أيده التانية! شكلي…شكلي شبه الفار المبلول قدامه بجد! غمضت عيونه بسرعة بيحاول يتنفس، قولت أكيد هيهدِي نفسه…لكنه أنفجر في وشّي وهو بيزعق فيا وبيقرب بشكل…بشكل يخُض وبيقول:
– أنتِ عامية يا بني آدمة! إيه خلاص مبقناش شايفين قدامنا من قلة النظر!
صوته كان واصل لمكتب المدير تقريبًا، وأنا من كُتر الأحراج حسيت أن صوتي مبقاش طالع! كل اللي عملته أني رجعت خطوة لورا أنا ومسهمة وببُص لعيونه اللي قربت تخرج نار! لكن هو مسكتش ولا هِدي..وبكل قلة ذوق كان بيقرب مِني هو وبيزعق أكتر وبيقول:
– إيه خرستي كمان!
وقبل ما استوعب اللي قاله كان بيزُقني من قدامه وبيمشي من قدامي بعد ما رمى كوباية القهوة على الأرض! ده زقني! ده….ده قليل الأدب! عند النقطة دي ولقيت عقلي بيفوق، كل أجهزة الأنذار ضربت عندي وبكل انفعال كنت بلِف ناحيته وبزعق فيه وبقوله:
– هو أيه قلة الذوق ده ! وأزاي تزقني بالمنظر ده يا محترم؟؟
ثِبْت مكانه…وأنا لحظة الشجاعة اللي لبستني لثواني سبتني وهربت؛ وحقيقي كان نفسي أهرب معاها! قرب مِني الكام خطوة اللي كان بعِد عني فيهم، ووسط عيون الموظفين اللي اتلمت علينا كان بيقول:
– يعني غلطانة وبجحة!
– أنا بجحة يا قليل الأدب ياللي متعرفش شيء عن الأحترام!
قولتها بسرعة كبيرة أنا وبقرب منه ومستعدة كل الأستعداد أني أضربه! ده بيشتمني المهزء! بيقولي أنا بجحة! وقبل ما أفكر في أي رد فعل جديد كان هو بيزعق وبينده مديري وبيقول:
– هي إيه الأشكال الزبالة دي! يا حازم بيه تعالى شوف اللي مشغلهم عندك.
– لا بقى كده كتير، أنت مش قليل الأدب بس ده أنت عايز تتهزء كمان!
– بس بس في إيه !
أخيرًا الناس اللي في الشركة قررت تدخل! متهيألي كانوا مستنينا لما نضرب بعض! واحد زميلنا قرب من الهمجي ده ومسكه من دراعه وهو بيقوله:
– في إيه بس يا صلاح أهدى، محصلش حاجة لكل ده.
وبكل بجاحة كان بيحاول يفلِت من أيده وهو بيقوله وبيشاور عليا اللي مش محترم وبيقول!
– دي بنت جاية من الشارع، أزاي وحدة زي …..
معرفش يكمل كلامه عشان الشباب حط أيده على بُقه بسرعة وسكّته وهو بيبتسملي ابتسامة سمجة! وقبل ما أرد بأي شيء كان بيسبقني هو وبيقول:
– روحي أنتِ يا أنسة على شغلك دلوقت وحصل خير، أتفضلي.
مكنتش فاهمة المفروض أجري وراه أجيبه من شعره وأمسح بيه بلاط المكتب على اللي قاله ده ولا أسكت وألم الدنيا، وعشان الموضوع ميكبرش عن كده قررت أختار الحل التاني، خدت غيظي وعصبيتي من البني آدم ده ودخلت مكتبي، مكنتش قادرة أشتغل ولا أدخل المعمل ولا أعمل أي حاجة، كل اللي كنت بفكر فيه أني أزاي سِبت حقي! ده غلط فيا وأنا مرتدش عليه! وبعد ساعة من الغيظ والتفكير قررت أني هروح أشتكيه للمدير اللي شكله لسه جاي من ربع ساعة بس، لكن قبل ما أتحرك من المكتب أو أعمل أي حاجة لقيت باب المكتب بيخبط والولد اللي فض الخناقة واقف قدامي وبيقولي:
– أنا آسف..بس ممكن أتكلم معاكِ شوية؟
اتنفست بهدوء ورجعت تاني لمكتبي، سمحتله بالدخول وقعد قدامي، وقبل ما أتكلم أو أقول أي حاجة كان هو بيسبقني وبيقول:
– قبل أي حاجة أنا بعتذرلك عن اللي صلاح عمله، هو طبعًا غلطان، وحقيقي حقك عليا على اللي هو قاله.
كلامه هادي وبسيط ومُنمق، غصب عني العصبية اللي كانت جوايا اختفت، ابتسمت بهدوء وقولتله:
– اللي حضرتك عملته ده فوق راسي…بس حقيقي هو شخص غير محترم، أنا آه غلطت لما خبطت فيه واتسببتله في أذى الورق اللي كان في أيده؛ بس أنا برضه أتسفتله، ولو كان طلب مني أصلحله الورق ده أو أعيد صياغته تاني بنفسي مكنتش هعترض..لكن هو اللي سوقّي وقليل الأدب.
اتنحنح وابتسم وهو بيقول:
– ليكِ حق في كل حاجة بتقوليها، بس مفيش داعي الكلام يوصل لمستر سيف، وأتمنى تقبلي آسفي .
خلص كلامه واستأذن وخرج من المكتب، أستاذ يوسف…مسؤل الحسابات للشركة، دايمًا بشوفه أنه هادي ومش بتاع مشاكل، والنهاردة عرفت أنه جدع!
********
– تفطري معايا؟
ابتسمت أنا وبحُط أيدي على خدّي وبقوله:
– وهتفطر إيه بقى؟ يمكن فطارك يعجبني فعلًا.
– اللي يعجبك.
قربنا من بعض بسرعة، كان لطيف جدًا، كنت مستغربة نفسي أنا أزاي عمري ما خدت بالي منه قبل كده! يمكن عشان مكنتش واخدة بالي من أي حاجة في حياتي أصلًا!
********
– بقولك إيه يا نور.
كانت ماما، دخلت عليا الأوضة وقعدت جمبي على السرير المكركب اللي كله ورق يخص الشغل، ابتسمت لها أنا وبقولها برواقة:
– قولي يا ست الكل.
وبابتسامة هادية كانت بتقولي اللي مكنتش متوقعه أنه يتقال دلوقت بالتحديد:
– هتفضلي كده لحد أمتى يا حببتي؟ أنا خايفة قطر الجواز يفوتك يا نور؛ أنتِ بقيتي ٢٧ سنة يا قلب أمك.
ضميت كفوفي على بعضها أنا وبحاول أدور على أجابة، مكنش عندي كلام، لما لقت سكوتي طال رفعت وشّي بأيديها، ثبتت عيونها على عيوني اللي تشبه عيونها تمام وقالت:
– أنا خايفة عليكِ، ونفسي أفرح بيكِ، خايفة يكون تفكير أبوكِ غلط، وبرضه صعبان عليا أن بعد كل ده بنوتي الدكتورة متاخدش شخص في مستوى تعليمها.
سكتت وبعدين كملت:
– بكرا هيجي عريس ليكِ، عايزاكِ تديله فرصة، فرصة يا نور بدل ما الفرص كلها تروح.
عيني دمعِت غصب عني، وبصوت مهزوز كنت ببوح وبقول اللي كتماه في قلبي من ٧ سنين؛ من يوم ما دخلت كلية الطب وبدأت العرسان تدُق على بابي:
– وليه يا أمي؟ ليه الدكتورة لازم تتحبس في رُكن أنها تتجوز دكتور! ليه وكل الدكاترة اللي أتقدموا ليا مش كويسين! مش جايز الناس التانية كانت كويسة وأنتوا ضيعتوا عليا فرصة كويسة منغير ما تحسوا؟ مش يمكن أنتوا كده بتظلومني!
عيونها خانتها قدامي، وكان ردها على كلامي هو حُضن..حُضن دافي حاولت تخفف بيه حمولي اللي حسيت بيها في لحظة وحدة، كنت ببكي بحُرقة وألف سؤال بيدور في دماغي، معرفِتش تسكِت دماغي، طبطبت على راسي بهدوء ومسحت دموعي بأيديها، ابتسمت ليا وهي بتقولي:
– اللي في الخير هيقدمه ربنا.
خلصت كلامها وسابتني ومشيت، كنت حاسه أن دماغي فيها نار مولعة مش راضية تهدى! كلامها بيتردد في دماغي، القطر هيفوتني! طب ما يمكن يفوتني بجد! مش ممكن بعد كل ده ملقيش حد مناسب من وجهة نظرهم ويكون نصيبي مع واحد مطلق ولا أرمل عشان خلاص قطر الجواز فاتني؟ كنت متأكدة أني لو وصلت للمرحلة دي هيوافقوه؛ هيندموا شوية…ويزعلوا شويتين…وحياتي أنا اللي هتدمر! ويمكن ملقيش حد يبقى عايزني أصلًا؛ وفي النهاية أعيش طول حياتي لوحدي! وتكون بداية حياتي تسلُط ونهايتها تعاسة ووحدة!
ووسط كل الدوشة دي تليفوني رن، كان بقاله كتير أوي بيرن وأنا مش وخدة بالي، خدت التليفون أنا وبمسح دموعي ورديت، والمصيبة أنه كان يوسف!
– يا بنتي عمال أرن عليكِ فينك؟؟ الميتنج زوم هيبدأ كمان ربع ساعة وأنتٍ قافلة.
الميتنج! أنا أزاي نسيته، بصّيت بسرعة على الساعة وفعلًا كان فاضل ربع ساعة بس، حاولت أظبط نبرة صوتي عشان أثر البُكى ميظهرش عليا أنا وبقوله:
– شكرًا يا يوسف، أنا…أنا خلاص فتحت أهو.
قدر يكشفني، وبنبرة مترددة كان بيسألني:
– أنتِ بتعيطي؟
– لا لا.
نفيت بسرعة أنا وبمسح دموعي اللي هتبدأ تخونّي من تاني، ولكن هو كان عارف أني بكدب، سكت شوية وبعدين قالي:
– طب نخلص الميتينج ونشوف الموضوع ده، أتفقنا؟
ابتسمت أنا وبهِز راسي وكأنه شايفني، قفلت معاه ومسكت اللابتوب عشان أفتح الميتنج؛ والحقيقة كان في وقته! قالولنا في الميتنج أن في سفرية تبع الشركة هتكون لمدة ٣ أيام، والتحرك بكرا بليل وأن لازم التيم كله يكون موجود، خلصنا الميتنج ولقيته بيرن عليا، ابتسمت جوايا تلقائيًا ورديت، وكان أول حاجة يقولها ليا:
– الشركة حست بيكِ وأديتك ٣ أيام تغير جو أبسط يا عم.
ضحكت على طريقته الطفولية اللي كان بيتكلم بيها عشان يضحكني، مدخلش في أي تفاصيل، ولا سألني كنتِ بتبكي ليه، محبش يتطفل عليا أبدًا، الحقيقة أنه نساني حُزني، حتى لو كان نسيان مؤقت.
********
– بابا أنا عندي سفرية مهمة تبع الشغل النهاردة بليل.
– قابلي بس العريس وربنا يقدم اللي فيه الخير.
قالها ببرود وكأنه بيقولي لو وافقتي هتروحي السفرية! مهتمتش عشان معكرّش مزاجي، كنت في أوضتي بجهز قبل ما العريس يوصل، لبست أي لبس قدامي، كنت بحاول أفتكر أي مواصفات ماما قالتهالي على العريس لكني مفتكرتش أي شيء غير أنه دكتور وعنده عيادة! هه؛ وكأن تفكيري أتحول من أني أفكر العريس هيعجبني ولا لاء؛ العريس اللي جاي دكتور ولا هيترفض منهم هما؟! تفكير غريب من عيلة معتقداتها أغرب والغريب أني كنت مؤمنة بفكرهم ده لحد ما زهقت مش أكتر! ويمكن هو ده أكتر شيء مضايقني، أني مش معترضة على فكرتهم؛ ولكني زهقت من تحكماتهم وأنهم بياخدولي قراراتي بعيدًا عن رأي الشخصي أصلًا! حاسه أن أنا كمان سطحية وساذجة ومختلفش كتير عنهم، وعشان كده قررت أني هدي فرصة للعريس اللي وصل دلوقت على الباب.
– تعالي يا نور سلمي على عريسك.
كان شاب صُغير، مُهندم ولابس بدلة ونضارة وشعره مُرتب، كان …كان شكله دكتور! سلمت عليه وماما وبابا سابونا نقعد سوا لوحدنا، كان مستنيني أسأل لكني كنت ساكته، عشان كده أتنحنح هو وسأل:
– ساكتة ليه؟ مش عندك اسئلة؟
– بفكر.
قولتها بهدوء وهو ابتسم، وبنفس النظرة كان بيقولي:
– طب خليني اسألك أنا لحد ما تفكري، أنتِ بتشتغلي يا دكتورة؟
– آه.
– فين بقى صيدلية مش كده؟
كان رد طبيعي بما أني خريجة صيدلة، لكني صدمته لما قولتله:
– لا شركة أدوية كبيرة.
– شركة إيه؟
عرفته اسمها وسألته ليه مستغرب كده، والحقيقة أن رده كان غريب! غريب لأبعد الحدود بجد:
– بس الشركة دي أنا عارفها، دي فيها شغل كتير وتعب ومجهود، حتى اسمع أن فيها سفر كتير.
مكنتش فاهمة هو عايز إيه، ورغم كده رديت عليه ببساطة:
– آه دي حقيقة، حتى عندي سفرية بليل تبع الشركة.
ملامحه اللي كانت هادية بدأت تتشنج! ضغط على كفوف أيده وهو بيحاول يختار كلامه وقال:
– بصي النقطة دي هيكون لينا فيها كلام كتير، بس بلاش دلوقت مش وقته، عندك اسئلة ليا؟
مهتمتش للي قاله ولا لأي شيء، كان شخص عادي ولكني مكنتش مرتاحة، حاسه وراه حاجة بيحاول يداريها، وعشان السفرية مكنش قدامها كتير قررت أفضّي دماغي لحد ما اسافر وأرجع، وعشان السفرية تتم كان لازم أقول لبابا أني مبدائيًا موافقة على العريس؛ وبكده تمت السفرية فعلًا!
********
– بس متخيلتش أن المكان هنا خيال بالشكل ده!
قولتها أنا وبلِف في المكان، كان التيم بتاعنا نازل في فندق في شرم الشيخ، وأول لما استلمنا مفاتيح الأوض المدير بتاعنا قالنا عندكم دلوقت جولة حرة وهتيجوا نبدأ شغل، كنا بنتمشى في دهب وهو بيفرجني على كل جزء فيها، كانت قطعة من أرض الأحلام زي ما بيقوله! كنت موهومه بالمكان وبيه هو كمان! كان بيحاول يفرحني بأي شكل، وأحنا ماشين وقفنا عند ست عجوزة بتعمل عقد بالأحجار، قرب منها وقالها بصوت مسموع:
– عايزك تعمليلي عقد بحجر يدُل على الأشتياق، ألاقي عندك؟
-ويطلع إيه الحجر ده يا وَلَدي؟
الست العجوزة مكنتش فهماه، ولا أنا! وعشان كده بدأ يشرحلها بكل بساطة:
– ده حجر صغير عايزه يتعلق في العقد، عشان لما أدي العقد للمحبوبة كل ما تبُص للعقد تحس إني وحشها، زي ما هي بتكون وحشاني دايمًا يا ست!
فهمِت وضحكت وهي بتبصلي! هما يقصدوا إيه دول! وهي وبتضحك مسكت أحجارها وقالت:
– عرفت طلبك يا وَلَدي.
بدات تقلب في الأحجار لحد ما خرجت من وسطهم حجر ازرق لكنه مقسوم نصين وفي أرسبة بسيطة أوي هي اللي ماسكة الطرفين عشان ميتفرقوش! كان حجر غريب ولكنه شكله يجنن! مسكت الحجر وبدأت تصنع العقد وهي بتقول:
– الحجر ده للُقا الأحبه الصعاب يا وَالَدي، اللتنين مشتاقين لبعض ورايدين بعض، لكن الدنيا مش مجمعاهم على خير، وعشان كده دايمًا بيكونوا مُشتقين لبعضهم.
خلصت كلامها وهي بتنهي العُقد وبتقدمه ليوسف، ورغم أعجوبة كلامها لكنه قبض قلبي! كلامها لمس حاجة غريبة جوايا، رغم أن يوسف ضحك على كلامها وخد منها العُقد وهو بيقولها:
– بقى بقولك عايزها تفتكرني دايمًا تقوليلي الدنيا عايزة تفرقنا! بقى ده فال تقوليه في وشي برضه!
خلص كلامه وهو بيضحك وبيديها الفلوس، لكن هي خدت منه الفلوس وهي بتنفي براسها وبتقول:
– كل شيء نصيب ومكتوب.
خدنا العُقد منها وودعناها ومشينا، كنت بنتكلم طول الطريق في أي شيء وأي شيء غير اللي حصل عند الست! وأول لما وصلنا عند الفندق، وقبل ما نتفرق وكل واحد يروح على أوضته؛ خرّج العقد من جيبه وهو بيديهولي وبيقولي بابتسامة بسيطة:
– العقد ده عشان تفتكريني بيه.
كمل كلامه وهو بيضحك وبيقول:
– وبالنسبة لكلام الست فنفسي أنك تنسيه لأنه هدم كل احلامي بجد.
ضحكت معاه أنا وبضُم العُقد في كف أيدي وبشكره؛ وفي نفس الوقت كلام الست كان بيتردد في ودني!
********
– حقيقي أنتوا تعبتوا أوي يا شباب الفترة دي، وعشان خلاص هتتحرك بعد الفجر؛ فأنا قولت لازم اكافأكم قبل ما نمشي من هنا؛ وعشان كده عايزكم كلكم تجهزوا الساعة ١١ عشان عندنا حفلة سفاري الليلة هنودع بيها دهب.
كانت ألطف مكافأة بجد، كلنا فرحنا بيها، وكلنا طلعنا على الأوض بسرعة عشان نرتاح شوية عشان نقدر نكمل اليوم، ريحت جسمي شوية وصحيت قبل معاد التحرك بساعة، خرجت فستان كنت وخداه احتياطي معايا لونه موڤ طويل وتلت كم، لبسته وفردت شعري وكملت الأجواء بميكاب هادي، خلصت ولبست الجذمة الكعب بتاعتي اللي كنت جيباها عشان لو لبست الفستان ده! كنت بلبسها وهو كان بيخبط، خلصت اللي في أيدي بسرعة وخرجتله، كان …كان مبهور بيا! أول مرة يشوفني بفستان، وعشان كده مقدرش يسيطر على لسانه لما قال:
– هو أنتِ أزاي بتعرفي تكوني حلوة أوي كده رغم أنك زي الألف في الشغل!
ضحكت على كلامه، مشيت جمبه أنا وبقوله بدلال:
– أنا كده، وقت الشغل بكون بميت رجل، ووقت الدلع بكون أحسن ledy !
– ده أنتِ هتدوسيهم كلهم يا بنتي!
ضحكت وبدأنا نتحرك مع التيم، نص ساعة وكنا في المكان، مكان رائع وسط الصحرا، خيم، ونار، وأكل بيتشوي، وشاي على الفحم! كانت أجواء تجنن بجد! قعدنا أنا وهو في ركن جمب النار، مسك البراد وسألني على الشاي بتاعي، بدأ يعمله وأنا بدأت اتأمل فيه، أو…أو بمعنى أصح في الأيام اللي بدأت أقرب فيها منه، كنت كل يوم بكتشف فيه حاجة جديدة حلوة، حاجة جديدة بتشدني ليه! شعور غريب لكنه مرعب ولذيذ! خرجت من كل الأفكار دي على صوته وأيده الممدودة وهو بيقولي:
– بتفكر في إيه يا جميل؟
– فيك.
قولتها بتلقائية لدرجة أني مخدتش بالي غير لما لقيته بيضحك عليا! ده..ده اتكسف مني! أروح فين أنا دلوقت؟ أقوم أجري؟ وقبل ما أنفذ الفكرة وأجري بجد لقيته هو بيقولي:
– يعني بتفكري فيا زي ما بفكر فيكِ يا نور؟
– إيه؟
حضن كوباية الشاي وابتسم، كان مركز في عيوني وساكت، لحد ما خدت نَفَس في لحظة ظهور القمر وقال:
– أصل أنا كمان بفكر فيكِ، من يوم ما بدأت أقرب منك وأنا..وأنا تفكيري كله فيكِ…أنا معجب بيكِ يا نور وحابب يكون في بنا حاجة تربطنا ببعض.
خرج كل اللي في قلبه مرة وحدة، ضربات قلبي كانت مسموعة تقريبًا، حتى أعصابي سابت والشاي كان هيتدلق من أيدي لولا أنه لحقه وهو بيقولي بلهفة:
– حصل خير، أنتِ كويسة؟
كنت…كنت هقوله أني مش كويسة، وأن أنا كمان معجبه بيه وأتعلقت بيه كمان! كنت هتكلم وهقول كل حاجة وكنت هختم الليلة بأفضل أعتراف في الكون…لكن…لكن وقف لساني سؤال عجزني! سؤال هيهِد أو هيبني كل حاجة! وبصوت مهزوز، وأعصاب مرتخية سألته:
– أنت خريج إيه يا يوسف؟
مكنش فاهم مني حاجة، كان بالظبط كأنه هو بيقولي بحبك وأنا بقوله تتغدى إيه النهاردة! ولكني مهتمِتش لملامحه اللي اتبدلت، كنت مثبتة عيوني ومستنيه رده، ولجدية ملامحي رد عليا وقالي:
– إيه علاقة سؤالك باللي قولته يا نور؟ بس يا ستي أنا بكالوريوس تجارة قسم إدارة أعمال، خريج معهد نظم ومعلومات إدارية.
كل حاجة أتهدت في غمضة عين، مكننش عارفه إيه اللي المفروض اقوله، ولا إيه الصح اللي المفروض حتى يتعمل، معادلة صعبة والمفروض أنها تحققها! لاحظ سكوتي اللي طوّل وعشان كده سألني:
– مالك يا نور؟
قوتي انهارت في لحظة، دموعي أتحررت وكأنها ولأول مرة بتعترض على القيود اللي أهلي محاوطني بيها! لاحظت خضته عليا والألف سؤال اللي ظاهرين في عيونه، وعشان كده قررت أتكلم، وبصوت كله بُكى كنت بقوله:
– أنا دكتورة…أهلي مش هيوافقوا بيك يا يوسف!

يتبع

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدكتورة والمحاسب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى