روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثاني والثلاثون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثاني والثلاثون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثانية والثلاثون

كانت تجلس جانبه على طاولة العشاء التي تترأسها صباح بينما تجلس غالية على الجانب الآخر مقابل أخيها ..
عقلها كان شاردا فيما سمعته وللمرة الأولى بدأ كل شيء واضحا تماما أمامها …
واضحا لدرجة مرعبة ..
كان عليها أن تفهم إن حب كحب ليلى لا يمكن أن ينتهي بهذه الطريقة وكان عليها أن تدرك إن زواجها من عمار ليس سوى حفاظا على حياة نديم ولكن من أين ستعلم ذلك وليلى نفسها حاكت خطة مناسبة أمام نديم لدرجة لم يشك للحظة بشيء كهذا او ربما فكر بذلك لكنه تجاهل أفكاره تلك ..
تطلعت إليه بشك داخلها من أن يكون قد شعر بشيء كهذا وتجاهله ورغما عنها سألت نفسها كيف شخص ذكي كنديم عاشر ليلى لسنوات لم يشك للحظة بذلك خاصة وهو يدرك مدى شر أخيه ومدى عشق ليلى له ..؟!
انتبهت على صوت صباح تهتف بها :-
” حياة ، انت لا تتناولين طعامك .. ”
التفتت نحوها ترد بهدوء دون أن تمنحها إبتسامة صغيرة حتى :-
” كلا أنا أتناول الطعام بالطبع لكنني لا أشعر بالجوع في الحقيقة …”
” لماذا حبيبتي ..؟! هل انت مريضة لا سامح الله ..؟!”
نظر إليها نديم بجمود لترد حياة بعدما ارتشفت القليل من المياه :-
” كلا ، لكنني تناولت غدائي متأخرا قليلا اليوم لذلك لا أشعر بالجوع بعد …”
تبادل نديم النظرات مع والدته التي نظرته نحوه بشك تحول الى قلق وهي ترى انقلاب ملامح وجه ابنها بينما انتبهت حياة لغالية التي تنظر لها بتمعن وقد تذكرت ما حدث يوم الزفاف ورغبة حياة بالتراجع عن الحفل وقد أدركت بفطنتها إن العلاقة بينهما ليست على ما يرام …
منحت حياة غالية نظرة خاصة معاتبة فاجئت غالية التي تطلعت إليها بعدم فهم لهذه النظرات ..
ابتلعت ريقها بتردد عندما هتف نديم يسألها :-
” إذا غدا سيأتون لخطبتك ..؟! في أي ساعة يجب أن أتواجد ..؟!”
امتعق وجه صباح لا إراديا بينما ردت غالية بجدية :-
” حاول أن تتواجد بحدود السادسة مساءا فهما سيكونان هنا في السابعة ..”
هز رأسه بتفهم قبل أن يسمعها تضيف :-
” بما إنك سوف تسافر بعد يومين قررنا أن نرتدي الخواتم غدا ..”
قاطعتها صباح بعدم تصديق :-
” ماذا يعني ترتدون الخواتم غدا ..؟! أليس من المفترض أن يكون هناك حفل خطبة ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” كلا لا يوجد حفل .. سنرتدي الخواتم بوجود أفراد العائلتين .. سنكتفي بحفل الزفاف والذي لن يقام على الفور .. ربما بعد عدة أشهر كي نتعرف على بعض جيدا ..”
” هذا سيكون أفضل برأيي .. لا تستعجلي في أمر الزفاف ..”
قالها نديم بجدية لتبتسم حياة بخفة رغما عنها قبل أن تقول ببرود :-
” اتفق مع نديم … الزواج قرار يحتاج الى فترة طويلة من التعارف وإدراك توافق الطرفين قبل تنفيذه ..”
تبادلت غالية النظرات مع والدتها ونديم بينما حياة كانت تركز بصرها على الطبق أمامها وهي تقلب طعامها متجاهلة نظرات الجميع المسلطة عليها قبل أن تنهض من مكانها وهي تهتف بهدوء :-
” عن إذنكم .. شبعت .. سلمت يدكم ..”
ثم توجهت خارج المكان نحو الحمام لتسأل صباح ولدها بسرعة :-
” ماذا يحدث يا نديم ..؟! لماذا وجه زوجتك مقلوب طوال فترة العشاء ..؟؟”
رد نديم بتجهم :-
” لم يحدث شيء يا أمي ..”
هتفت صباح بعدم تصديق :-
” كيف يعني .. من الواضح إن هناك شيئا ما … مشكلة بينكما على ما يبدو ..”
زفر نديم أنفاسه بتعب بينما قالت غالية بتنبيه :-
” حسنا ماما .. حتى لو هناك مشكلة بينهما فهذا شيء يخصهما وحديهما .. من الأفضل ألا نتدخل ونتركهما على راحتهما وهما بالتأكيد سيتجاوزان أي خلافات بينهما ..”
نهضت بعدها من مكانها تهتف بجدية :-
” انا سأذهب وأتحدث معها قليلا .. لن أتحدث بشيء يخصها هي ونديم بالطبع لكنني سأطمئن عليها فقط ..”
غادرت بسرعة تتبع حياة والتي وجدتها تخرج من الحمام لتتقابلان سويا في الممر ..
سألتها غالية وهي تبتسم لها :-
” هل أنتِ بخير …؟! تبدين لست على ما يرام ..”
ردت حياة بهدوء دون أن تبادلها إبتسامتها :-
” الحمد لله ..”
همت بالتحرك لكن غالية أوقفتها تسألها بحذر :-
” هل هناك مشكلة شخصية معي يا حياة .. ؟! لا أعلم لماذا لكنك تتعاملين معي بجفاء غريب الليلة ..”
التفتت حياة نحوها تسألها هي :-
” هل تعتقدين إنني أفعل ذلك ..؟! وإن كنت أتعامل بجفاء معك حقا فما السبب الذي قد يدفعني لذلك ..؟!”
سألت غالية مجددا بحيرة :-
” حسنا انا لا أفهم ، هل فعلت شيئا خاطئا معك .. ؟! هل تصرفت بطريقة أزعتجكِ دون قصد ..؟!”
” نعم انت أخطأتِ في حقي ..”
قالتها حياة بقوة لتنظر اليها غالية بعدم إستيعاب فتهمس :-
” ماذا فعلت انا لك يا حياة ..؟!”
ردت حياة بجدية :-
” تعلمين جيدا إنني صريحة ولا أجيد اللف والدوران ولا أحب التصنع لذا سأتحدث مباشرة دون مقدمات …”
أضافت تسألها بنفس القوة :-
” لماذا فعلتِ هذا بي ..؟! لماذا لم تخبريني ..؟! لماذا كذبت علي ..؟! لماذا لم تخبريني بتضحية ليلى وما فعلته لأجل حماية نديم ..؟! لماذا تجاهلت كل هذا وأخفيته عني ..؟!”
سألتها غالية مصدومة :-
” انت كيف علمت ..؟!”
” هل هذا ما يهمك ..؟! كيف علمت ..؟!”
سألتها غالية بسرعة :-
” هل نديم يعرف بذلك ..؟! هل هو من أخبرك ..؟!”
هنفت حياة بخيبة :-
” كلا للأسف لا يعلم لإن أقرب شخصين إليه أخفوا الأمر عنه وعني أنا أيضا ..”
” هذه الحقيقة لم تكن لتغير شيئا .. ما الفائدة من إخبارك بشيء كهذا ..؟!”
قالتها غالية بجدية لتتسائل حياة بتهكم :-
” ولم يكن ليغير في قرار نديم شيئا أيضا …؟!”
أضافت ببرود :-
” ليكن بعلمك ، هذه الحقيقة تهمني كثيرا وكانت ستغير كل شيء .. لم يكن من حقك انت ووالدتك أن تخفيان عني او عن نديم شيئا كهذا .. ”
أكملت :-
” الى متى كانت سوف تستمر هذه الكذبة ..؟! بكل الأحوال كان سيأتي يوما يكتشف الجميع به الحقيقة ..؟! ماذا سيكون موقفي وموقف نديم حينها ..؟! انا لا أفهم كيف تجاهلتهم كل شيء وأخفيتوا الأمر ببساطة .. حسنا تجاهلتهم تضحية ليلى لكنني سأفترض إنها لم ترغب أن يعلم أحدا بتضحيتها مع إنني أشك بذلك .. تجاهلتم نديم ومشاعره وجرحه من تخلي ليلى عنه بحجة إن هذا أفضل له وسأترك هذا الأمر جانبا أيضا لكن ماذا عني …؟! بأي حق تتجاهلان إخباري بأمر كهذا ..؟! على أساس إنني أصبحت بمثابة أختك ..؟! على أساس إنك تهتمين بي وبمصلحتي ..؟!”
هتفت بها غالية وقد ترقرقت الدموع داخل عينيها :
” انا هكذا بالطبع .. انا فقط لا أفهم لمَ هذا الأمر مهم جدا بالنسبة لكِ ..”
ردت حياة بجدية وقليل من العصبية :-
” انا تزوجت نديم وكل ظنوني إن خطيبته تخلت عنه وتزوجت أخيه لأجل إنقاذ والدها مع الإفلاس .. ورغم هذا كله شعرت بتأنيب ضمير شديد ناحيتها خاصة وأنا أرى الحب في عينيها تجاهه .. تخيلي موقفي إذا بعدما أدركت إن حتى زيجتها كانت لأجل إنقاذه ..؟! ماذا يفترض بي أن أفعل ..؟!”
أضافت بصوت باكي :-
” انا لا أفهم كيف إستطعتم إخفاء أمرا مهما كهذا .. ألم تفكرا في موقف نديم عندما يعلم الحقيقة ..؟! في صدمته حينها …؟! في تأنيب الضمير الذي سيعيش به ..؟! وماذا عني .؟! ألم تفكرا بي وبما سيحدث معي ..؟! تجاهلتهم شيئا مهما كهذا فقط لإنكما وجدتما ذلك الأفضل .. الأفضل لمن بالضبط .. ؟! لنديم أم لي أنا أم لليلى مثلا ..؟!”
” انتِ تقسين علينا كثيرا يا حياة ..”
قالتها غالية بدموع مختنقة لترد حياة بجدية وقوة :-
” انتم إستغليتموني يا غالية .. كل ما فكرتم به كيف سوف تداوون جرح نديم من خلالي لكن واقعيا لا أنا سأستطيع أن أداوي جرحه ولا هو سيتخطى غدر ليلى به … ربما لو علم حقيقة تضحيتها وإنها لم تغدر به كما يظن كان سيكون الأمر أسهل بكثير علينا جميعا .. على الأقل سيتخطى حينها الكثير من الألم الموشوم داخل قلبه وروحه بسب زيجتها تلك …”
أنهت كلماتها واندفعت خارج الممر تسيطر على دموعها بالقوة تجاهد إخفاء ألمها ووجعها ..!!

كانت تجلس بجانبه في الخلف بينما احد رجاله يقود سيارته متجها الى المشفى تتأمله وهو يضع كف يده على كتفه الغارق في الدماء والذي قام أحد رجاله بتغطيته بقطعة من القماش بشكل جيد منعا للنزيف …
عادت تتأمل كفها الملوث بدماءه للحظات قبل أن تسأله بقلق ووجه محمر من شدة البكاء :-
” كيف وضعك أخبرني ..؟! ”
أجابها محاولا اخفاء ألمه ويده موضوعه لا إراديا فوق كتفه المصاب تلمسه بخفة :-
” لا تقلقي ، انا بخير .. مجرد اصابة بالكتف ..”
تحدث حارسه الشخصي الذي يجلس بجانب السائق :-
” الحمد لله إن الإصابة كانت بالكتف وليس في مكانا خطيرا .. سنصل الى المشفى في غضون دقائق ويتم إخراج الرصاصة ..”
” لا أريد الذهاب الى المشفى .. إتصل بدكتور سالم وأخبره إنني سآتي إليه ليستخرجها ..”
هتفت مريم لا إراديا :-
” ماذا تقول انت ..؟! يجب أن تذهب الى المشفى ويتم اخراج الرصاصة خلال عملية جراحية وتبقى هناك ايضا ..”
هتف من بين أسنانه محاولا عدم إظهار آلمه الذي بدأ يزداد أكثر :-
” هذه رصاصة في الكتف وليست في القلب .. ثانيا لا تتدخلي انتِ .. انا أعرف ماذا أفعل ..”
ردت بجدية :-
” لم أكن لأتدخل لولا إنني سبب إصابتك …”
” لا تتدخلي ..”
هتف بها بحزم لتصيح بضجر :-
” فلتذهب الى الجحيم ..”
أنهت كلامها لتجد الرجل في المقعد الأمامي يتصل بذلك المدعو سالم يخبره بقدومه …
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تنظر الى الطريق من خلال النافذة تتأفف بضيق بين الحين والآخر لتسمعه يردد بحزم :-
” كفي عن التأفف .. يمكنني إيصالك الى المنزل أولا إذا أردت ..”
استدارت نحوه تردد بعدم تصديق :-
” هل تراني عديمة الإحساس ومعدومة الضمير الى هذه الدرجة كي أفضل عودتي الى منزلي اولا قبل مداواة جرحك ..؟!”
زفر أنفاسه بقوة ثم استدار نحو النافذة جانبه بتعب تملك منه لتستدير هي بدورها نحو الجهة الأخرى ..
بعد حوالي عشر دقائق هبط الاثنان ومعهما حارس عمار من السيارة بينما بقي السائق داخل السيارة امام منزل الدكتور سالم الفخم والذي سارع يستقبلهم بترحاب شديد مرددا :-
” اهلا عمار بك .. لا أصدق ما حدث .. خيرا ان شاءالله .. دقائق قليلة وسأنهي كل شيء ..”
أضاف بجدية :-
” تفضل معي الى الغرفة الأخرى ..”
تأملتهما مريم وهما يسيران سويا نحو احدى الغرف البعيدة بتركيز مستغربة ما يحدث وبساطة تعامل الطبيب وعمار نفسه مع الأمر ..
همت بالتحرك خلفهما لتجد حارس عمار يقف في وجهها يخبرها بهدوء :-
” تفضلي انتظري هنا يا هانم .. انت متعبة للغاية والأفضل أن تستريحي ..”
تأملته بشك قبل أن تتجه نحو الكنبة وتجلس عليها تتأمل المنزل الفخم والخالي من أي بشر سوى الطبيب وعمار معه في الداخل بينما هي هنا والحارس يسير أمامها ذهابا وإيابا بينما بقي السائق في الخارج …
تراجعت بظهرها الى الخلف تغمض عينيها بتعب قبل أن تتنهد بتعب وصوت مسموع ثم تعتدل في جلستها تطلب من الحارس :-
” هل يوجد ماء .. ؟! سأموت من العطش …”
هتف الحارس بجدية :-
” انتظري لحظة .. سأبحث عن الماء في المطبخ لكن علي إيجاد مكان المطبخ اولا ..”
تأملته وهو يسير مبتعدا عنها متجها للبحث عن مكان المطبخ لتقفز من مكانها تتجه نحو الممر الذي سار نحوه عمار مع الطبيب ..
سارت بحذر لتجد عدة غرف في الممر فتسير تنظر إليها حتى سمعت صوت يخرج من إحدى الغرف فتوجهت نحوها تضع آذانها على الغرفة لتسمع الطبيب يتحدث بجدية :-
” هذه المرة جائت في كتفك .. الله يعلم أين ستصيبك مرة أخرى … انتبه على نفسك يا بك فنحن لا نريد أن نخسرك …”
رد عمار بصوت بدا ضعيفا قليلا :-
” لا تقلق يا سالم .. أنا أعرف كيف أتدبر نفسي وأحميها جيدا ..”
هتف سالم بصدق :-
” انت غالي علينا يا بك .. تهمنا سلامتك دائما ..”
ظهر صوت متألم ضعيف من شفتي عمار ليهتف سالم معتذرا بسرعة :-
” أعتذر يا بك لكنك رفضت التخدير وتريد الإنتهاء من الأمر بعجلة ..”
كان صوت عمار أكثر إنخفاضا فلم تستطع سماع ما يحدث عندما وضعت أذنها على الباب تحاول أن تسمع ما يقوله لكنها شهقت بفزع وهي تشعر بأحدهم خلفها يخبرها ببرود :-
” الماء يا هانم ..”
التفتت نحوه تتأمل وجهه الجامد تماما فتبتلع ريقها وهي تسحب قنينة المياه منه ليهمس لها بقوة وصرامة :-
” تفضلي الى مكانك السابق من فضلك ..”
قبضت على القنينة بكفها وهي تسير عائدة الى نفس المكان يتبعها الحارس كظلها بينما مئات الأفكار تراود ذهنها في هذه اللحظة ..

بعد حوالي نصف ساعة خرج عمار ومعه الطبيب من الغرفة متقدما نحو مريم وحارسه بكتف مضمد بالكامل ..
تأملت وجهه الشاحب لتسمع الطبيب يمنح الحارس ورقة يخبره :-
” اجلب هذه الأدوية اثناء طريق العودة ..”
ثم أشار الى عمار :-
” التزم بتناول ادويتك وتناول العصائر وانواع الطعام التي أخبرتك عنها لتعويض ما فقدته من دم … وحاول أن تأتي بعد يومين للتأكد من سلامة الجرح …”
هز رأسه بتفهم بينما أشار عمار الى مريم :-
” هيا انهضي لنذهب ..”
تقدمت نحوه تسأله بقلق :-
” هل أصبحت أفضل الآن ..؟! هل يؤلمك كتفك ..؟!”
رد بخفوت :
” انا بخير .. هيا لنذهب ..”
سارت جانبه يتبعهما الحارس لتجلس جانبه في الخلف داخل سيارته …
هتف يخبر السائق :-
” اتجه الى منزل احمد سليمان .. سنوصل مريم الى هناك ..”
قالت بسرعة :-
” كلا لا تذهب الى هناك .. لا يمكنني الدخول الى المنزل بوضعيتي هذه ..”
قالتها وهي تتأمل ملابسها الملوثة بالدماء ليهتف بتعب :-
” أين ستذهبين إذا وماذا ستقولين لعائلتك ..؟!”
” انا سأتصرف مع أهلي وربما أذهب الى أحد الفنادق ..”
قاطعها بغضب مكتوم :-
” هل جننت ..؟؟ تذهبين الى احد الفنادق …”
صاحت بحنق :-
” نعم سأذهب .. هل لديك مانع ..؟!”
رد بقوة :-
” كيف ستؤمنين على نفسك هناك ..؟! ماذا لو خطفوكِ مجددا ..؟!”
ظهر الخوف على ملامحها ليهتف بحزم :-
” اتصلي بعائلتك وإخترعي لهم أي حجة لتبيتي خارج المنزل وستأتين معي الى شقتي ..”
قاطعته بعدم تصديق :-
” انت بالتأكيد جننت .. ماذا سأفعل معك في شقتك يا هذا ..؟!”
رد بنبرة جافة :-
” هذه الطريقة الوحيدة لكي لا يتعرض أحد لك .. في شقتي ستكونين بأمان ..”
” وهل سأبقى طوال عمري في شقتك ..؟!”
رد ببساطة :-
” صباح الغد سأجهز لك حراسة خاصة تمنع أي بشر من الإقتراب منك ..”
رددت بغيظ :-
” من فضلك لا تتدخل في حياتي وتقرر القادم نيابة عني .. لا تنسى أيضا إننا لم نعرف من وراء خطفي ولماذا فعل ذلك ..؟!”
سأل بجدية :-
” ألم يخبروكِ عن السبب ..؟!”
ردت بجدية :-
” وصلت انت قبل أن يتحدثوا عن أسباب الخطف ..”
هتف يتسائل بتعجب :-
” من الذي يمكن أن يخطفك ..؟!”
ردت بجدية :-
” لا أعلم ، انا لا أعداء لدي ولا أحد لديه مصلحة بخطفي .. ماذا سيفعلون بي أساسا ولم سيخطفوني ..؟!”
” ربما والدك لديه أعداء ..؟!”
قالها عمار بتفكير لترد بعدم اقتناع :-
” والدي لا اعداء لديه والمفروض إن ديونه جميعا أصبحت معك …”
” إذا من خطفك ولماذا ..؟!”
ردت بعدم معرفة :-
” لا أعلم .. المصيبة إنني لا أعلم حتى سبب إختطافي ..”
هتف بجدية :-
” سأعلم … لا تقلقي .. سأعلم من خطفك وسأعرف كيف أعاقبه جيدا ..”
همت بالرد لكن رنين هاتفها أوقفها لتجد والدتها تتصل بها فأجلت صوتها وهي تجيبها :-
” اهلا ماما ..”
” أين أنتِ يا مريم ..؟! متى ستعودين الى المنزل ..؟!”
ردت مريم بصوت جاهدت لجعله عاديا :-
” في الحقيقة كنت سأتصل بك قبل قليل .. انا سأبيت مع غادة اليوم ..”
سألت والدتها بتعجب :-
” لماذا ستبيتين معها ..؟! ولماذا لم تخبريني من قبل ..؟!”
ردت مريم بسرعة :-
” انا كنت سأتصل بك الآن أساسا .. ثانيا أين المشكلة في مبيتي عند غادة ..؟! تتحدثين وكأنني المرة الأولى التي أفعلها ..”
ردت فاتن :-
” ليست المرة الأولى لكن في العادة تستأذنين قبل ذلك ولا تخبريني فجأة بعدما تقررين ذلك من تلقاء نفسك ..”
قالت كاذبة :-
” والله إضطررت .. وجدتها متعبة قليلا وبحاجة لوجودي … ”
” خير .. ماذا بها ..؟!”
سألتها فاتن بإهتمام لترد مريم :-
” مشاكل عائلية .. سأخبرك عنها غدا ..”
ردت فاتن بتنبيه :-
” غدا صباحا تكونين في المنزل ..”
أضافت تخبرها بجدية :-
” غدا سيتواجد كلا من ليلى ووالدك .. سنتحدث جميعا ويجب أن تتواجدي انتٍ ايضا ..”
هتفت مريم بتعجب :-
” بابا سيكون موجود أيضا ..”
ردت والدتها بقوة :-
” نعم ، لا تتأخري أبدا .. حاولي أن تكوني في الفيلا قبل الساعة الحادية عشر ..”
” حسنا ..”
رددتها مريم بإستسلام قبل أن تغلق هاتفها وهي تتنهد بتعب لتسمع عمار يهتف بها :-
” لم يتبقَ سوى القليل ونصل الى شقتي وترتاحين هناك ..”
التفتت نحوخ تهتف بضيق :-
” انت مصر اذا .. كيف يعني نبيت سويا في شقتك ..”
ردد بمكر :-
” وأين المشكلة في ذلك ..؟! لا تقلقي ستنامين في احدى الغرف وانا في غرفة أخرى تماما .. لا داعي أن تخافي أبدا مني ..”
ردت بقوة وكبرياظ :-
” انا لا أخاف منك أساسا .. ”
هتف هازئا :-
” حقا ..؟!”
ردت ببرود :-
” حقا … لا تقلق من هذه الناحية .. لا انت ولا غيرك يمكنه إخافتي … انا أستطيع حماية نفسي منك ومن أمثالك جيدا …”
” تتحدثين بهده الثقة بسبب إصابتي ..”
قالها بخبث لترد بتحدي :-
” لو كنت في كامل قوتك فلن تستطيع فعل أي شيء ولا يمكنك أن تلمس شعرة واحدة مني حتى .. انت لا تعرفني جيدا بعد .. في وقت الجد أتحول الى مصارعة لا تعرف كيف تتفادى ضرباتها ..”
” أكثر ما يعجبني فيكِ شراستك ..”
ضربت على كتفه المصاب بتعمد ليتأوه بألم للحظات قبل أن ينظر إليها بتوعد لترفع حاجبها نحو بتحدي قبل أن تخرج لسانها نحوه بحركة مستفزة وهي تضحك بخفة على ملامحه المتألمة .

اندفعت الى داخل غرفة نومها بعدما عادا سويا الى شقتهما ..
أغلقت الباب خلفها بالمفتاح بقوة ثم رمت المفتاح أرضا وأخذت تسير داخل الغرفة بتعثر قبل أن تجلس على السرير تردد :-
” غبية انت يا حياة .. ”
أضافت بصوت متحشرج تؤنب نفسها :-
” كيف دخلت بعلاقة كهذه ..؟! كيف جازفت بنفسك ومشاعرك ومستقبلك ..؟!”
أكملت بقهر :-
” لم يكن علي أن أسير وراء قلبي أبدا .. كان علي أن أستمع لعقلي كالعادة لا لقلبي مهما حدث …”
أضافت بدموع خانقة :-
” اللعنة علي .. ماذا فعلت بنفسي ..؟! لقد تورطت ..؟؟ كيف دخلت في كل هذه التعقيدات والمشاكل التي لا نهاية لها …؟! وماذا سأكسب في النهاية سوى الألم والعذاب ..؟! لقد دمرت حياتي بيدي ..”
ألقت بجسدها على السرير تكتم شهقاتها بصعوبة عندما مر القليل من الوقت لتنهض من مكانها وهي ترغب بالتحدث مع أي أحد .. الفضفضة لأحد ما بما يدور داخلها..
حمت هاتفها وسارت تتصل بمي دون تفكير ..
فهي أكثر من سيفهما …
لا أحد سوف يستوعب ما تعانيه أكثر منها ..
جاءها صوت مي القلق يتسائل :-
” حياة ، هل انت بخير ..؟!”
قالت حياة بسرعة وصوت مبحوح :-
” انا اريد الطلاق …”
تجاهلت شهقتها لتضيف بإقرار :-
” لا أريد الإستمرار في هذه الزيجة .. لقد قررت التراجع عن كل شيء .. لا زواج سوف يستمر ولا سفر .. ”
أضافت ببحة باكية :-
” ولا أي شيء ..!!”
سألت مي بعدم إستيعاب :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟! لماذا تتحدثين هكذا ..؟! هل فعل لك نديم شيئا ..؟! هل آذاك بتصرف ما ..؟! انا شعرت بتغيرك منذ بداية الزفاف بل قبله … أخبريني هيا ولا ترعبيني أكثر عليك ..”
هتفت حياة ببكاء :-
“انا تسرعت يا مي .. أخطأت بحق نفسي ودمرت مستقبلي بقرار متهور .. انتِ كنت محقة .. هذه العلاقة ليست ناجحة أبدا .. علاقة خاطئة ..”
قاطعتها مي برفق :-
” كلا يا حياة .. لا تقولي هذا.. لا أحد يدرك ما سيحدث مستقبلا .. ربما تنجح هذه العلاقة .. ربما يتغير شيئا .. حياة انتِ قوية .. اتخذتِ قرارك ونفذتيه .. لا تتراجعي بسهولة .. هذا زواج يا حياة ..”
ردت حياة بدموع حارقة :-
” التراجع الآن في هذا الوقت أفضل من الانفصال مستقبلا بعدما أقترب منه أكثر وأتعلق به وأحبه أكثر …”
” ستتراجعين دون محاولة حتى .. انت حتى لم تمنحي نفسك شرف المحاولة ..”
ضحكت حياة من بين دموعها مرددة :-
” أحاول ..؟! لم سأحاول ..؟! النتيجة محسومة .. انا ارتبطت برجل لا يمكن أن يحبني مهما حدث .. رجل يراني دواءا لجروحه .. رجل يريد مني أن أحييه مجددا متجاهلا مشاعري وحبي له .. يخبرني إني كل شيء وإني كل ما يريده دون أن ينطق كلمة أحبك ولو مرة واحدة حتى ….. ”
” سوف اسألك سؤالا محددا ، هل تظنين إنه يكذب فيما يقوله لك ..؟! هل يكذب في قوله إنك كل شيء وكل ما يريده ..؟!”
ردت حياة بصوت مبحوح :-
” لا أظن ذلك ..”
قالت مي على الفور :-
” بالطبع هو لا يكذب .. أساسا لو كان رجلا كاذبا لأخبرك إنه يحبك أيضا فهو سيكذب بكل الأحوال ..”
” إلام تريدين أن تصلي ..؟!”
سألتها حياة بصوت باهت لترد مي بجدية :-
” سأخبرك .. اولا انت تتعاملين مع رجل صادق وصريح .. رجل لا يجيد الكذب والتلاعب في مشاعرك .. وهذه نقطة مهمة لصالحه .. حسنا هذا الرجل أحب يوما وبشدة .. لكن تلك العلاقة لم تستمر .. أيا كانت الأسباب تلك العلاقة انتهت .. وفي المقابل هو أرادك .. إختارك انت تحديدا ليقضي معك حياته القادمة … حسنا ربما أرادك دواءا له وربما أراد منك الحياة لكن هذا لا ينفي حقيقة قوة تأثيرك عليه .. لا يغير حقيقة إنك تعنين له الكثير وإنه يريدك انت دونا عن أي واحدة أخرى ..”
” يريدني دون حب .. دون مشاعر ..”
قالتها حياة باكية لترد مي بجدية :-
” وانت كنت تدركين ذلك ..وقررت أن تحاولي .. مالذي تغير الآن ..؟! مالذي حدث بعد مرور يوم على زفافك وجعلكِ تقررين التراجع ..؟!”
” حدث الكثير يا مي .. الكثير جدا ..”
” أخبريني بالضبط فأنا يجب أن أفهم كي أفكر بشكل صحيح …”
أخذت حياة نفسا عميقا ثم أخبرتها بإختصار عن لقاءه بليلى قبل زفافهما ثم ما سمعته اليوم عن تضحية ليلى لأجله ..
” إذا تزوجت أخيه لحمايته ..؟!”
قالتها مي بعدم تصديق لتهتف حياة بتأكيد :-
” نعم ، لقد علمت هذا اليوم …”
سألت مي بشك :-
” هل تظنين إنه لا يعرف حقا ..؟!”
ردت حياة بجدية :-
” لا أظن إنه يعرف …”
” جيد .. هنا مربط الفرس …”
قالتها مي بجدية لتسألها حياة بعدم استيعاب :-
” ماذا تعنين بمربط الفرس ..؟!”
سألت مي :-
” أخبريني اولا ، بعدما علمتِ حقيقة زواج ليلى .. هل ستخبرين نديم بالأمر أم تتجاهليه ..؟!”
صمتت حياة للحظة قبل أن تقول بجدية :-
” نديم يجب أن يعلم الحقيقة كاملة .. لكن لا أعلم إذا ما أخبره بنفسي أم أطلب من والدته أن تخبره هي او ربما أخته ..”
” ما علاقة والدته وأخته بالأمر الآن ..؟! هما لا تريدان إخباره أساسا .. دعك منهما وركزي معي .. هل انتِ واثقة من قرارك هذا ..؟! هل متأكدة من رغبتك بمصارحته بهذه الحقيقة ..؟!”
ردت حياة وهي تمسح وجهها بتعب :-
” نعم متأكدة .. انت تعرفين إنني لا أحب الكذب او الخداع .. لا يمكنني أن أعيش معه وأنا أدرك ما فعلته أخرى له وكم ضحت لأجله وأصمت وأتجاهل ما سمعته كأنني لم أسمعه ..”
” جيد ، اذا ستذهبين بكل هدوء وتخبريه الحقيقة وما سيحدث بعدها هو ما سيحدد تصرفك القادم ….”
” ماذا يعني هذا ..؟! انا بالفعل اريد الانفصال ..”
ردت مي بضيق :-
” لا تتغابي يا حياة .. أخبريه بالحقيقة اولا وتابعي ما سيفعله حينها … بالطبع سينصدم ويتألم والخ لكن إذا بعدما يستوعب الصدمة سيظل متمسكا بك ويرفض التخلي عنك فهذا يدل على إنك بالفعل أهم شخص بالنسبة له وإن مشاعره ناحية خطيبته السابقة لم تعد كما هي ..”
” ماذا تقولين انت يا مي …؟! ما هذا الهراء ..؟!”
قالتها حياة بحنق لترد مي ببرود :
” إذا كان هناك هراء فهو تفكيرك وقرارك .. حسنا تريدين الطلاق فأنا معك … لكن نفذي ما قلته .. أخبريه الحقيقة ثم اطلبي الطلاق بهدوء .. حينها ستصبح الكرة في ملعبه وهو من سيقرر ما يريد .. ”
” ربما سوف يستمر معي بدافع الواجب ..”
قالتها حياة بجدية لترد مي بحكمة :-
” هذا الأمر ستدركينه بسهولة .. انتِ لستِ غبية كي لا تميزي إذا ما كان يريدك بالفعل أم سوف يستمر معك بدافع الواجب ..”
أخذت حياة نفسا عميقا وأغمضت عينيها بإرهاق مفكرة إنها دخلت في دوامة لا نهاية لها ..

دلفت الى شقته خلفه لتسمعه يخبرها وهو يشير الى احدى الممرات :-
” اتبعيني ..”
سارت خلفه تتأمل الشقة الفارهة والتي تقع في أحد الأبراج السكنية الخاصة بطبقة النخبة بعدم تصديق والتي تختلف عن تلك الشقة التي كان يقضي فيها أوقاته مع عشيقته …
سارت خلفه تتأمل الشقة التي بدت أشبه بمنزل متوسط الحجم فخم جدا ومبهر في كل تفاصيله ..
توقف أمام أحد الغرف قائلا :-
” يمكنك النوم في هذه الغرفة .. غرفتي في آخر الممر .. ستجدين مفتاح الغرفة في قفل الباب من الداخل …”
ردت بإستهزاء مقصود :-
” على أساس إن وجود المفتاح سيمنعك من الدخول الى غرفتي إذا أردت بإعتبار إنك لا تمتلك نسخة من المفاتيح ..”
ردد يسألها عن قصد :-
” على أساس إنك لا تخافين أحدا..”
ردت بتحدي :-
” لا أخاف والدليل إنني سأدخل الى الغرفة وأنام فيها بكل راحة دون أن أغلق الباب بالمفتاح حتى ..”
ثم فتحت الباب وهمت بالدخول قبل أن تلتفت نحوه تمنحه إبتسامة ساخرة وهي تتقدم الى الداخل وتغلق الباب في وجهه ..
تنهد بصعوبة ثم سار بتعب شديد نحو غرفته مقررا النوم حتى الصباح ..
اما هي فتقدمت داخل الغرفة وسارعت تخلع قميصها الملطخ بالدماء لتتجه نحو الحمام تغسله جيدا بعدما ألقت حقيبتها على السرير …
انتهت من غسله فوضعته على احد المكان المناسبة عله ينشف حتى الصباح ..
عادت الى الغرفة وهي ترتدي تيشرت داخلي ذو حمالات رفيعة اسود اللون كانت ترتديه أسفل القميص ..
اخذت تسير داخل الغرفة تفكر بأحداث اليوم وخاصة ذلك الطبيب وعلاقته الغريبة بعمار ورفض عمار الذهاب الى المشفى ..
شعرت بالنعاس يزحف الى عينيها حتى لم تستطع المقاومة اكثر فرمت جسدها على السرير وغرقت في نوم عميق ..
مرت الليلة وكلاهما غارق في نومه ..
استيقظت مريم اولا فسارعت تنهض من فوق سريرها تنظر الى هاتفها لتتنهد براحة وهي تجد الساعة ما زالت لم تتجاوز العاشرة صباحا ..
حملت هاتفها وسارعت تجذب قميصها وترتديه قبل أن تخرج من مكانها تبحث عنه فلا تجد آثرا له ولا تسمع صوته فتأكدت إنه ما زال نائما ..
عادت الى الداخل واتجهت نحو الحمام تغسل وجهها جيدا لتتوقف عند تلك البقعة الحمراء الخفيفة الموجودة فوق وجهها بسبب آثر الصفعة ..
زفرت أنفاسها بتعب وهي تخرج من الحمام تجذب حقيبتها تبحث عن مستحضرات التجميل التي تحملها معها عادة فتسحب بودرة الوجه الخاصة معها وتعاود الذهاب نحو الحمام حيث تزين وجهها جيدا وتخفي تلك البقعة بحذر …
خرجت مجددا تسحب أحمر شفاه فتوقفت أمام المرآة في الغرفة تضعه فوق شفتيها ثم تتأكد من نقاء ملابسها من أي آثار لحادث البارحة ..
رتبت شعرها جيدا ثم هندمت ملابسها مجددا وخرجت من الغرفة متجهة خارج الشقة لتشهق بفزع وهي تراه أمامها يقف في منتصف صالة الجلوس وكأنه ينتظرها ..
” متى استيقظت ..؟!”
سألته بحذر ليرد ببرود وهو يجذب كأسا يحوي احد العصائر الطبيعية ويرتشف منه القليل :-
” منذ حوالي ربع ساعة ..”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت بجدية :-
” يجب أن أغادر الآن .. ماما تريدني قبل الساعة الحادية عشر ..”
هتف بجدية :-
” بالطبع يا مريوم .. لكن تناولي شيئا على الأقل .. اشربي العصير مثلا ..”
قالها وهو يرفع كأسه في وجهها لتزم شفتيها للحظات قبل أن تبتسم بتصنع وهي تقول :-
” في الحقيقة هذا ليس مهما .. ما يهم حقا هو أن أشكرك على تصرفك النبيل البارحة لأجلي .. في الحقيقة لم أتوقع تصرفا كهذا منك لكنك فاجئتني كما تفعل دائما ..
” مفاجئة إيجابية هذه المرة .. لا تنكري ذلك ..”
قالها وهو يغمز لها لترد وهي تبتسم ببرود :-
” أتفق .. بالفعل مفاجئة إيجابية ..”
أكملت عن قصد :-
” أصبحت أشعر إنك تحمل مستقبلا الكثير من المفاجئات الإيجابية …”
” لكِ أنتِ تحديدا ، هناك الكثير ..”
قالها وهو يبتسم لها ملأ فمه لتهز رأسها ببرود وتهم بالحركة لكنها توقفت على صوته يردد :-
” المهم الآن أن ندرك هوية الخاطف يا مريم ونحاسبه ..”
” بماذا تنصحني ..؟! هل أبلغ الشرطة مثلا ..؟!”
سألته بإقتضاب ليرد بثقة :-
” اتركي هذا الأمر لي والخاطف سيكون أمامي خلال أيام قليلة .. مع إنني أشك جديا بزوجة والدك ..”
هتفت مريم بسرعة :-
” قسما بربي اذا كانت هي وراء ذلك سأقتلها بيدي هذه المرة ..”
هتف بجدية :-
” اهدئي يا مريوم .. نحن لم نتأكد بعد .. هذه مجرد شكوك .. انا فقط فكرت إنها تريد الإنتقام منكِ بعد تحطيمك لأغراض منزلها ..”
رفعت حاجبها تسأله بدهشة :-
” كيف علمت بذلك ..؟!”
رد ضاحكا بخفة :-
” لا يوجد شيء يخفى على عمار الخولي يا صغيرتي .. أساسا هذا شيء صغير للغاية وتافه جدا مقابل ما أعرفه …”
منحته نظرة غامضة قبل أن تهتف بجمود :-
” جيد .. علينا أن نصفق لك ونمنحك جائزة الرجل الأكثر إدراكا لما يجري في العالم حوله ..”
لم يبتسم لها بل تبادل معها نظرات قوية باردة قبل أن يتقدم نحوها عدة خطوات فتتراجع الى الخلف لا إراديا ليلوي فمه هامسا بتهكم :-
” ماذا جرى ..؟! هل تخافين قربي ..؟!”
ردت بقوة :-
” لا يمكنك أن تفعل شيئا لي .. كلانا يدرك ذلك جيدا ..”
قاطعها وهو يجذبها داخل احضانه مرددا وهو يتجاهل شهقتها :-
” يمكنني أن أفعل ما أريده وأكثر ولكنني لست الرجل الذي يلمس إمرأة دون إرادتها ..”
تلاقت عيناها الفزعتين بعينيه الراغبتين ليتحول الفزع في نظراتها الى قوة وحدة وهي تردد بتهكم بارد :-
” نعم انت لا تلمس إمرأة دون إرادتها لكنك تتزوج إمرأة إجبارا عنها بعدما تبتزها وتجبرها على العيش معك مرغمة لسنوات …”
ابتعدت عنه وهي ترمقه بنظرات نافرة لتتحرك خارجا صافقة الباب خلفها بقوة وهي تردد بغضب مكتوم :-
” سافل وحقير …”

دلفت مريم الى منزلها بحذر بعدما فتحت الخادمة لها الباب تخبرها بتردد :-
” احمد بك وفاتن هانم ومعهما ليلى هانم ينتظرونك في صالة الجلوس الداخلية ..”
هتفت مريم بدهشة :-
” جميعهم ينتظروني ..”
اومأت الخادمة برأسها لتندفع مريم الى الداخل تردد بخفوت :-
” صباح الخير ..”
تأملت وجه والدتها الجامد تماما والتي تجلس على كنبة مقابلة للكنبة التي يجلس عليها والدها والذي وجهه جامدا أيضا ..
تجلس ليلى على الكرسي الموضوع جانب الكنبة التي يجلس عليها والدها لتتجه هي على الفور وتجلس جانب والدتها على نفس الكنبة ..تبادلت النظرات مع ليلى التي كانت الوحيدة من ردت تحيتها بخفوت لتتحدث فاتن أخيرا بهدوء :-
” بما إن مريم قد عادت من منزل صديقتها فسأبدا حديثي ..”
تلاقت نظراتها مع نظرات زوجها لتمنحه نظرات قوية قبل أن تضيف بجدية :-
” انتم اليوم هنا لأخبركم إنني رفعت دعوة طلاق ضد زوجي الذي هو والدكم …”
انتفض أحمد من مكانه مرددا بإنفعال :-
” ماذا فعلتِ ..؟! رفعتِ دعوة طلاق يا فاتن ..؟!”
سيطر الجمود على ملامح الابنتين هذه المرة بينما هتفت فاتن في زوجها بقوة وتحذير :-
” احتفظ بهدوئك يا أحمد .. انا لم أفعل شيئا خاطئا ولم أرتكب جريمة .. انت تزوجت علي وانا أطالب بأبسط حقوقي بعد تصرفك هذا .. الإنفصال ..”
” فاتن لا تجني .. نحن بيننا سنوات عشرة طويلة وابنتين الصغيرة فيهما ستتخرج بعد عام من الجامعة ..”
ردت عليه فاتن بجدية :-
” كان عليك أن تخبر نفسك بذلك وأنت تضرب بكل هذا عرض الحائط وتتزوج من أخرى سرا .. هل تعلم لو فقط أتيت وأخبرتني بهذا القرار لتغير الكثير حينها ..؟!”
سألها بعدم تصديق :-
” هل كنتِ ستوافقين مثلا ..؟! هل كنتِ سترضين بزواجي عليكِ ..؟!”
ردت بجدية :-
” كنت سأطلب الطلاق ايضا وسأنفصل عنك بهدوء كما سيحدث الآن لكن على الأقل كنت سأحترمك وأحترم صراحتك معي ..”
” هذا يعني إنني فقدت إحترامكِ لي يا فاتن ..؟!”
سألها بصوت متحشرج لتهتف متجاهلة سؤاله :-
” من فضلك يا أحمد .. انا اتخذت قراري .. دعنا ننفصل بهدوء ودون أي إثارة للفضائح .. انا لم أخبر أي أحد بعد بأمر إنفصالنا حتى أخي وأختي ولن أفعل ذلك حتى نتطلق رسميا .. لهذا ارجوك دعنا ننفصل بكل مودة واحترام ..”
هتف بجدية :-
” لكنني لا أريد الإنفصال عنك يا فاتن .. انا لا يمكنني العيش بدونك …”
أضاف وهو يشير الى ابنتيه :-
” أنتما قولا شيئا .. هل يرضيكما هذا ..؟! هل توافقان على طلاقنا بعد كل هذه السنوات ..؟!”
هتفت مريم بسرعة :-
” الإنفصال هو أقل شيء يمكن أن تفعله إمرأة بزوجها بعدما يتزوج عليها .. نساء أخريات لا يكتفين بالإنفصال بهدوء كما تطلب ماما بل يفعلن الكثير .. بكل الأحوال انا مع ماما قلبا وقالبا وبإصرارها على الإنفصال زاد حبي لها وإعجابي بها …”
رمقها والدها بنظرات حارقة قبل أن يلتفت نحو ليلى يهتف بها بنظرات راجية :-
” وأنت يا ليلى ..؟! هل توافقين على هذا ..؟! قولي شيئا يا ليلى ..”
هتفت ليلى بجدية :-
” لو نظرت الى الأمر من الخارج لوجدت إن الطلاق قرار صعب … عائلتنا ستهدم كاملا وبالتأكيد مظهرنا الإجتماعي سيتأثر لكن انا لن أفكر بهذا مقابل تجاهل مشاعر ماما وكرامتها وكبريائها ..”
أضافت وهي تتنهد بصمت :-
” ماما معها كل الحق .. بالنتيجة انا كإمرأة لا يمكنني أن أقبل بشيء كهذا وبالتالي لن أقبل على والدتي أن تعيش المزيد من الألم بسبب تصرفاتك انت .. هذا الزواج من الأفضل أن ينتهي بهدوء تجنبا للمزيد من الفضائح … ستنفصلان بهدوء وينتهي كل شيء .. ماما من حقها أن تحصل على أبسط حقوقها وانت يجب أن تتحمل مسؤولية أفعالك بالنهاية ..”
تطلع إليها بخيبة قبل أن يندفع خارج المكان بغضب لتتلاقى نظرات ليلى بوالدتها التي نهضت من مكانها متجهة نحو غرفتها حيث تريد الإنفراد بنفسها قليلا ..

هتفت مريم بليلى الجالسة أمامها :-
” برافو حقا .. كلامك كان رائعا ومنمقا كعادتك .. لا أعرف كيف تجيدين صياغة الكلمات بهذه الطريقة المميزة والحكيمة للغاية ..”
” أروض لساني يا مريم .. لا أدفعه للأمام دون تفكير ..”
قالتها ليلى بجدية لتزم مريم شفتيها بحنق قبل أن تسألها وقد تذكرت أمر العزومة :-
” أخبريني بسرعة ، ما أخبار العشاء ..؟! لم تتنسَ لي الفرصة للتحدث معك تلك الليلة …”
هتفت ليلى بغيظ :-
” هل ترين الوقت مناسب لسؤال كهذا ..؟! والدانا سيتطلقان وانت تسألينني عن عشائي مع زاهر ..”
نهضت مريم من مكانها واتجهت تجلس جانبها تسألها مجددا متجاهلة ما قالته :-
” أخبريني هيا .. ماذا حدث على العشاء ..؟! ماذا قال لك زاهر ..؟! هل اعترف لك بحبه ..؟!”
التفتت ليلى نحوها تهتف بعدم تصديق :-
” هل كنتِ تعلمين بذلك ..؟!”
ردت مريم بسرعة :-
” ابدا والله .. لكن انتظري لحظة .. هذا يعني إنه إعترف لكِ بحبه ..”
أشاحت ليلى وجهها بضيق لتهتف مريم بسرعة :-
” أخبريني هيا ماذا قال لك ..”
أضافت تعقد حاجبيها بإستغراب :-
” أساسا أنا لم أستوعب بعد كيف يحمل زاهر مشاعرا لك .. طوال السنوات السابقة لم أشعر إنه يكن لك شعورا خاصا ابدا ..”
ردت ليلى بجدية :-
” إذا كنت أنا نفسي لم أشعر فكيف ستشعرين انتِ …”
ردت مريم ببرود :-
” لإنكِ كنت غارقة مع الآخر أما أنا ففي العادة شديدة الملاحظة ورغم هذا لم ألحظ مشاعره يوما ..”
” تتحدثين وكأنكِ تعلمين ما دار بيننا …”
قالتها ليلى بتهكم لترد مريم بثقة :-
” الأمر لا يحتاج الى تفكير .. دعوة عشاء بعد طلاقك مباشرة .. بمفردك دون أي أحد .. ماذا سيريد منك مثلا ..؟!”
” لحظة واحدة .. هولا يعلم بموضوع طلاقي أساسا .. انا لم أخبر أحدا بعد .. هو فقط يعلم إنني سأنفصل ..”
ردت مريم بعفوية :-
” بل يعلم … انا من أخبرته ..”
نهضت ليلى من مكانها تهتف بعدم تصديق :-
” نعم ، ولماذا أخبرته ..؟! كيف تفعلين شيئا كهذا دون إذن مني ..؟!”
نهضت مريم مقابلتها وقالت بعدما ابتلعت ريقها بتوتر :-
” حسنا هو تحدث معي مساء زفاف ذلك الذي لا أحب أن أجلب سيرته .. تحدث معي وسألني عنك وعن وضعك .. كان يبدو قلقا وكان سؤاله بعدما وصلت ورقة الطلاق فأخبرته إنك بخير وإنك تحررت من عمار أخيرا ..”
صاحت ليلى بإنفعال :-
” لماذا ..؟! لماذا تخبريه بشيء كهذا ..؟! لماذا تتصرفين من رأسك ..؟!”
زمت مريم شفتيها تردد بعبوس :-
” أين المشكلة في ذلك لا أفهم ..؟! بكل الأحوال سيعلم الجميع .. ثانيا خبر طلاقك جعلك يسارع في دعوتك على العشاء والإعتراف لك بمشاعره ..”
” لهذا دعاني على العشاء في اليوم التالي .. كان يعلم وقتها ..”
قالتها ليلى بتفكير لتبتسم مريم مرددة بتهكم :-
” نعم يا ذكية .. بالطبع لم يكن ليدعوكِ على العشاء ويعترف لكِ بمشاعره وانت على ذمة رجل آخر .. هذه ليست أخلاق زاهر أبدا ..”
هتفت ليلى بدهشة :-
” لماذا لم يخبرني بذلك إذا أثناء العشاء ..؟!”
ردن ليلى بجدية :-
” لإنه محترم ومؤدب ولا يريد إحراجك .. رجل بحق ليس كبقية الرجال ..”
رمقتها ليلى بنظرات منزعجة لتسألها مريم بحماس :-
” أخبريني ماذا حدث بالضبط وماذا قال لك بالتفصيل ..؟!”
رمقتها ليلى بنظرات باردة قبل أن تندفع بعيدا وهي تتمتم :-
” باردة وعديمة الإحساس .. والداها يتطلقان وهي كل ما يهمها ماذا أخبرني وما حدث تلك الليلة .. حقا الإحساس نعمة لا يمتلكها الكثير ..”

مساءا ..
وقف أمام باب غرفتها يرتدي ملابسه الرسمية يطالع الباب المغلق بتردد ..
منذ الصباح لم يرها سوى وهي تتناول إفطارها سريعا قبل أن تعاود الإنعزال داخل غرفتها حتى الغداء رفضت أن تتناوله معه وتحججت إنها ليست جائعة ..
حسم أمره و طرق على الباب مرددا بجدية :-
” حياة ، بعد حوالي ساعة يجب أن نذهب الى منزل عائلتي لأجل خطبة غالية ..”
توقف عن حديثه بعد لحظات ليراها تفتح الباب وتطل منه أخيرا لتقول بجدية :-
” انا لن أذهب معك يا نديم ..”
قال بسرعة :-
” من فضلك لا تفعلي … من غير المنطقي ألا تأتي معي .. أبناء عمومي سيأتون أيضا وسيكون من غير اللائق أن أذهب دون عروسي ..”
نظرت اليه بحيرة قبل أن تحسم أمرها وتخبره :-
” حسنا سأذهب ..”
أضافت بعدها :-
” كان هناك موضوع مهم يجب أن أخبرك عنه .. في البداية كنت سأخبرك به صباحا لكن فضلك أن تنتهي من أمر خطبة غالية أولا ثم أتحدث معك ..”
” ما هذا الموضوع وهل هو مهم كثيرا ..؟!”
سألها بإستغراب لتهز رأسها وهي تجيب :-
” مهم للغاية .. سنتحدث به عندما نعود ..”
هز رأسه بتفهم رغم شعور القلق الذي راوده مما تريد التحدث به ..
تركها تتجهز على راحتها حيث ارتدت فستانا بسيطا ولكنه أنيقا للغاية ورفعت شعرها القصير عاليا قليلا ..
وضعت المكياج الهادئ كعادتها وخرجت لتجده ينتظرها فهتف وهو يتأملها مبتسما :-
” تبدين جميلة للغاية ..”
ردت بإقتضاب :-
” شكرا …”
سارا سويا حيث ظلا صامتين طوال الطريق عندما وصلا الى هناك ليجدا صباح تشرف على تجهيزات إستقبال الضيوف بملامح منزعجة فسارعت تستقبلهما مرحبة وقد لاحظت برود حياة قليلا رغم محاولتها لرسم الإبتسامة على وجهها والمباركة لها …
دلف الاثنان الى صالة الجلوس ليصل صلاح مع والدته بعدها فيستقبله نديم بترحيب قبل أن يحيي صلاح حياة بترحيب ولطف ..
سأله نديم بعفوية :-
” أين شريف ..؟! ألن يحضر الخطبة ..؟!”
رد صلاح بإبتسامة متصنعة :-
” لديه عدة عمليات اليوم للأسف .. يعتذر عن الحضور وطلب مني أن أخبرك بذلك ..”
ربت نديم على كتفه مرددا :-
” لا بأس ..”
لحظات قليلة ودلفت زوجة عمه رحاب مع ولدها نادر واخته اروى ليتبادل الجميع التحية فيسأل صلاح رحاب بإهتمام :-
” أين نرمين يا زوجة عمي ..؟!”
ردت رحاب بجدية :-
” صعدت الى غالية فورا …”
هز صلاح رأسه بتفهم قبل أن ينظر الى اروى التي بدت ملامحها منفرجة على غير العادة وكأنها سعيدة حقا لغالية …
تقدمت صباح تجلس معهم تنتظر الضيوف عندما أشارت الى حياة :-
” لماذا لا تذهبين عند غالية حبيبتي ..؟!”
ردت حياة بهدوء :-
” لا داعي لذلك .. أساسا الضيوف سيصلون بعد قليل …”
سألت رحاب نديم :-
” متى ستسافران يا نديم ..؟!”
رد نديم بجدية :-
” طيارتنا ستكون بغد الغد .. مساءا …”
هزت رحاب رأسها بينما هتفت نجاة زوجة عمه الكبير بجدية :-
” بالتوفيق لكما ..”
آمن الجميع على دعوتها عندما رن جرس الباب فنهض الجميع لإستقبال عائلة العريس والذي جاء مع والدته وأخيه الأصغر وأخته الصغرى وابن عمه الذي يقاربه بالعمر …
بدأ أفراد عائلة غالية بإستقبال الضيوف عندما أشارت صباح الى الخادمة لتطلب من غالية النزول وتقديم القهوة …
جلس افراد العائلتين بعدما تبادلوا التحية عندما تلاقت نظرات فراس بنظرات نديم فلاحظ برود نظراته لكنه تجاهلها وهو يتبادل أطراف الحديث مع صلاح الذي وجده مرحبا به اكثر من أخ العروسة ..
لحظات قليلة وهبطت غالية تتبعها نرمين حيث دلفت وهي تحمل صينية القهوة .. تقدمت نحو والدة العريس اولا والتي تناولت فنجان القهوة منها وهي ترمقها بنظرات باردة قابلتها غالية بنظرات متحدية أغاضت باسمة كثيرا ..
جاءه بعدها دور فراس الذي حمل الفنجان منها وهو يبتسم لها لتقابل إبتسامته بأخرى مقتضبة ثم جاء دور فادي الذي تناول الفنجان منها وهو يرميها بنظرات غامضة جذبتها للحظات ثم جاء دور البقية ..
بدأ بعدها الجميع بالتحدث حيث أخبرتهم صباح بطلباتها والتي وافق فراس عليها جميها ومن ضمن طلباتها أن تسكن ابنتها في منزل منفصل عن عائلته وبالطبع اشترطت ان تكون هناك فترة خطوبة لا تقل عن ستة أشهر ..
كل شيء مر بسلاسة غريبة لتنتهي الليلة بإرتداء العروس والعريس خواتم الخطبة حيث ألبسها فراس خاتما ماسيا ثمينا نال إعجاب جميع الموجودين ..
بعدما انتهت الخطبة غادر الجميع منازلهم عندما دلف كلا من نديم وحياة الى الشقة ليرمي نديم مفتاح سيارته وهاتفه بإهمال قبل أن يجد حياة تقف أمامه ترمقه بنظراتها العازمة وهي تردد :-
” يجب أن نتحدث ..”
تنهد وهو يقول :-
” أسمعك ..”
صمتت لوهلة قبل أن تقول بهدوء وتروي :-
” لقد أدركت البارحة حقيقة مهمة تخص زواج ليلى وعمار ..”
تجمدت ملامحه بينما اكملت بنفس الهدوء :-
” وجدت إنه من اللازم أن تعرف الحقيقة التي أخفتها ليلى عنك لسنوات .. اعلم إن ما سأقوله صعب لكن لا بد أن تدرك الحقيقة الكاملة كي تبني حياتك القادمة على أسس سليمة ..”
تقدمت نحوه ووقفت مباشرة أمامه تخبره بتأني :-
” نديم ، ليلى لم تتزوج عمار لأجل أمواله كما كنت تعلم او كما قالت هي .. ليلى تزوجت عمار إنقاذا لك منه .. عمار هددها وإبتزها وهي تزوجته مجبرة كي تحميك من أذيته ..”

دلف الى داخل الجناح مجددا ليجدها ممددة على السرير ترسم على احدى الورقات البيضاء بتركيز شديد ..
تأملها للحظات وهي ترتدي ذلك قميص النوم القطني ذو اللون الزهرى والذي يحمل رسوما كارتونية ..
شعرها الطويل مرفوع بذيل حصان الى الخلف بينما هي ممددة على السرير فوق بطنها وترسم بتركيز مبالغ فيه ..
تقدم نحوها يتأملها مليا قبل أن يسألها بفضول :-
” ماذا تفعلين ..؟!”
رفعت وجهها نحوه وقد سيطرت الدهشة عليها للحظات وهي التي لم تعتد وجوده حولها بعد ..
تأمل الصورة بتركيز قبل أن يهتف بجدية :-
” ترسمين إذا ..”
اومأت رأسها بقليل من الخوف لتجده يسحب الورقة ويتأملها فإعتدلت في جلستها بينما ينظر هو الى احدى الشخصيات الكارتونية التي رسمتها بحرفية عالية ..
توقف عما يفعله عندما رن هاتفه فوجدها تتصل به للمرة التي لا يذكر عددها ..
أجاب يصيح بنفاذ صبر أفزع الأخرى التي تجلس أمامه :-
” نعم يا تقى .. ماذا تريدين ..؟! ألا تملين من كثرة اتصالاتك …”
أضاف بغضب وقد بدت ملامحه مخيفة حقا :-
” ماذا حدث الآن ..؟! أليس هذا ما تريدنه ..؟! أنت خيرتني وأنا إخترت .. لماذا تتصلين بي مجددا ..؟!”
جاءه صوتها المتوسل ترجوه أن يسمعها ليهتف بنفاذ صبر :-
” بالله عليك يكفي .. لقد ملتت لدرجة لا تتصورينها ..”
أغلق الهاتف في وجهها أثناء حديثها عندما أخذ نفسا عميقا عدة مرات محاولا السيطرة على غضبه قبل أن يعاود تأمل الرسمة ..
” هل تجيدين الرسم حقا ..؟!”
سألها بإهتمام لترد بجفاء :-
” الصورة أمامك وأنت عليك أن تحكم ..”
سألها بجدية :-
” هل تجيدين رسم الأشكال الكارتونية فقط ..؟!”
ردت وهي تسحب الورقة منه :-
” بل أجيد رسم المناظر الطبيعية والوجوه ايضا ..”
هتف بعدم تصديق :-
” الوجوه مرة واحدة .. لا تكذبي يا صغيرة ..”
عبست ملامحها وهي تقول :-
“انا لا أكذب .. انا بالفعل أجيد رسم الوجوه ..”
قال وهو يلوي فمة بإبتسامه تدل على عدم إقتناعه :-
” طالما إنك تجيدين رسم الوجوه .. ما رأيك أن ترسميني ..؟!”
رفعت وجهها نحوه تسأله بعدم استيعاب :-
” أرسمك انت ..”
هز كتفيه مرددا بلا مبالاة :-
” ولم لا ..؟! ألم تقولِ إنك تجيدين رسم الوجوه .. إرسميني اذا ..”
همت بالرفض لكنها تذكرت قرارها الجديد بمحاولة التأقلم وعدم الإستمرار بالهروب من كل شيء لا ترغب به …
” حسنا سأرسمك ..”
قالتها مرغمة ليبتسم بخفة وهو يسأل :-
” هل يجب أن أجلس أمامك كي ترسميني ..؟! انا لا صبر لدي لذلك ..”
ردت بجدية :-
” يمكنك أن تعطيني صورة لك وأرسم عليها …”
” حسنا .. هذا سهل …”
أضاف :-
” هاتي هاتفك ..”
منحته هاتفها بعفوية ليفتحه مستغربا عدم وجود رمز سري ليسجل رقمه في هاتفها ثم يتصل عليه ..
ضغط على رقمها وهو يسألها :-
” هل أسجلك بإسم جيلان أم تفضلين إسما آخر .. ؟! اسم دلع مثلا انت معتادة عليه ..”
قالت بسرعة وخوف لا إرادي :-
” كلا ، جيلان فقط .. انا احب إسمي كما هو..”
قال وهو يسجل الإسم في هاتفه :-
” جيلان، يا له من اسم غريب .. ما معناه ..؟!”
ردت بخفوت :-
” لديه اكثر من المعنى ..يقال إن معناه الغزال الصغير وأيضا معناه الفوز في الحضارة الهندية وهناك معاني أخرى كالصمود او التداوي والشفاء وهناك من يقول إنه مقتبس من كلمة جيل ويدل على أكثر من جيل اي مجاميع من البشر ..”
” رغم معانيه المتعددة إلا إنه يبدو لي اسما غير جذابا على الإطلاق …”
قالها وهو يعيد هاتفها إليا بينما يبحث في صورة مناسبة على هاتفه يرسلها لها ..
” على الأقل أجمل من اسم تقى ..”
قالتها بضيق ليتوقف عما يفعله وهو ينظر إليها بدهشة قبل أن يهمس بتعجب :-
” عفوا .. ما علاقة اسم تقى بالأمر ..؟!”
ردت محاولة عدم إظهار خوفها من ردة فعله:-
” أليست حبيبتك تلك اسمها تقى .. ؟! اسمها قديم وليس جذابا أبدا وإسمي أفضل منه بكثير ..”
” من أين علمتِ إنها حبيبتي .. ”
سألها مصدوما لترد بذكاء لأول مرة يراه ظاهرا على ملامحها :-
” كان واضحا من طريقة حديثك معها إنها حبيبتك .. الأمر لا يحتاج الى ذكاء أساسا … ”
نظر إليها ببلاهة للحظات بينما سألته وهي تفتح هاتفها :-
” هل أرسلت صورة لك هنا ..؟!”
” نعم فعلت …”
فتحت هاتفها تتأمل الصورة ليسألها :-
” هل الصورة مناسبة ..؟! أم تريدين صورة أوضح ..؟!”
ردت بجدية :-
” كلا مناسبة جدا ..”
أضافت وهي تسحب ورقة جديدة تهم برسمه وهي تقول :-
” سأبدأ بها الآن ..”
قاطعها ببرودد:-
” ابدئي بها لكن ليس هنا فأنا أريد النوم ..”
سألته بتردد :-
” هل ستطفىء الضوء …؟!”
رد بلا مبالاة :-
” انا لا يمكنني النوم سوى في الظلام الدامس أساسا ..هيا لملمي أغراضك من هنا ..”
تأففت بصمت قبل أن تحمل أوراقها وألوانها وتضعهم على الكنبة لتتأمله وهو ينام على السرير ثم يأمرها :-
” أغلقي جميع الأنوار من فضلك ..”
نظرت اليه بضيق مفكرة إنها لا ترغب بالنوم بل تريد الرسم الذي باتت تحبه اكثر من أي شيء ..
نظرت اليه بتفكير قبل أن تحسم أمرها وتحمل أغراضها ثم تتجه الى غرفة الملابس الملحقة بغرفة النوم ..
عادت الى الغرفة وأغلقت الأنوار ثم اتجهت الى غرفة الملابس حيث جلست على الأرضية هناك مستندة بظهرها على الحائط ثم جذبت الورقة البيضاء والأقلام وفتحت صورته على الهاتف أمامها وبدأت ترسمه ..
صباحا حيث استيقظ مهند من نومه وهو يتثائب بخفة قبل ان يعتدل في جلسته فيتأمل الساعة التي قاربت الثامنة صباحا ..
نهض من مكانه وهم بالدخول الى الحمام عندما تذكرها مستغربا عدم نومها على الكنبة ..
استدار الى الجانب حيث توجه نحو الحمام ليجده فارغا ..
فكر إنها ربما استيقظت لكنه إستبعد ذلك عندما قاده تفكيره نحو غرفة الملابس ودلف ليجدها هناك بالفعل تنام على الأرضية الصلبة وهي تحتضن جسدها الصغير بذراعيها وجانبها ورقة مرسوم عليها وجهه والوان عديدة ..
تقدم لا إراديا نحو الصورة يتأمل الوجه الشبه كامل والذي كان يشبهه للغاية فتطلع إليها بعدم تصديق مفكرا إنها موهوبة بحق ..
تطلع الى وضعية نومها التي سوف تسبب الألم لها فإنحنى نحوها يحمل ليجد جسدها خفيفا كالريشة بين ذراعيه ..
وضعها فوق السرير ثم دثرها بالغطاء جيدا قبل أن يتجه نحو الحمام ليأخذ دوشا سريعا ويهبط الى الأسفل لتناول الإفطار ..
بعد مدة حيث انتهى من حمامه وغير ملابسه وسرح شعره خرج من الجناح متجها الى الطابق السفلي وتحديدا الى غرفة الطعام ليجد الجميع مجتمعا هناك ..
ألقى تحية الصباح ببرود وهو يسحب كرسيا له بجانب أخيه فيصل ويبدأ بتناول طعامه عندما سأله والده بإهتمام :-
” أين جيلان يا مهند ..؟! لماذا لم تنزل معك ..؟!”
رد مهند ببرود وعن قصد :-
” ستنهي حمامها وتنزل …”
رفع فيصل حاحبه بعدم تصديق بينما هز راجي رأسه بيأس ليضغط عابد على فمه بقوة ليمنحه راغب نظرات مهدئة وهو بدوره يحاول تمالك أعصابه من تصرفات أخيه المستفزة ..
بعد حوالي ساعتين هبطت جيلان من جناحها وهي تحمل صورة مهند بعدما انتهت تماما منها وهي تشعر بالفخر من نفسها لرسمها صورته بإتقان …
دلفت الى صالة الجلوس لتجد زهرة هناك تتحدث مع الخادمة قبل أن تصرفها وهي تشير إليها أن تتقدم ..
هتفت زهرة وهي تتأمل الورقة :-
” ما هذه الورقة يا جيلان ..؟!”
ردت جيلان بعفوية :-
” لقد تحداني مهند إنني لا يمكنني رسم وجهه وها قد رسمته ..”
تأملت زهرة الرسمة بعدم تصديق قبل أن تهتف بصدق :-
” إنها رائعة .. انت حقا مبهرة ..”
تقدمت توليب والتي سمعت اطراف الحديث اثناء دخولها لتسحب الورقة من يد والدتها تتأملها بإعجاب قبل ان تقول :-
” حقا وااو .. انتِ فنانة يا فتاة ..”
ابتسمت جيلام بخجل لتقول توليب بسرعة :-
” مهند في الخارج .. في الحديقة الأمامية .. اذهبي وأريه الصورة .. هيا بسرعة .
اخذت جيلان الصورة وتقدمت نحوه حيث يجلس في الحديقة الأمامية يدخن سيجارته بشرود عندما شعر بها تقف أمامه فرفع حاجبه يهتف بغلظة :-
” نعم ..”
تنحنحت تهتف بحرج :-
” لقد أنهيت الصورة ..”
نهض من مكانه ملقيا سيجارته أرضا حيث جذب الصورة منها والتي بدت متكاملة لا شائبة فيها ..
سألته بتردد :-
” ما رأيك ..؟!”
هتف بصدق :-
” رائعة .. انت مبدعة ..”
لم ينتبه كليهما الى تلك التي دخلت الى القصر بثقة لتجده يقف في الحديقة أمام تلك الصغيرة وفي يده يحمل ورقة لا تدرك ماهيتها .. علمت على الفور إنها زوجته فدبت الغيرة المجنونة داخلها خاصة وهو يتجاهلها طوال اليومين السابقين ..
تقدمت نحويهما بملامح مشتع غضبا وغيرة لينتبه مهند إليها فتتجمد ملامحه لا إراديا غير مصدقا مدى جرئتها بمجيئها الى هنا ..
” مرحبا ..”
قالها تقى بنبرة ساخرة قبل أن تلتفت نحو جيلان التي تطلعت لها بإستغراب فتأملتها من رأسها حتى أخمص قدميها تردد بإستهزاء متعمد :-
” انت اذا جيلان ..؟!”
هزت جيلان رأسها بتوتر لتسجب الورقة من يد مهند تتأمل وجهه المرسموم عليها فتعاود النظر الى جيلان تسألها :-
” أنتِ من رسمتها ..؟!”
هزت جيلان رأسها دون رد لتتأمل تقى الرسمة للحظات قبل أن تمط شفتيها تردد ببرود :-
” موهبة لا بأس بها ..”
أضافت وهي تمزق الورقة الى نصفين تحت انظار جيلان المصدومة مما يحدث :-
” لكن مهند حبيبي أوسم من هذه الصورة بكثير ..”

” لماذا فعلتِ هذا ..؟! لماذا مزقتِ رسمتي ..؟!”
هتفت بها جيلان وهي تكاد تبكي وتلك الصورة التي قضت ساعات طويلة في رسمها تمزقت بكل بساطة ولا مبالاة أمام عينيها ..
” أووه أسفة حقا .. هل جرحت مشاعرك يا صغيرة ..؟! انا اسفة ولكن الرسمة بشعة ..”
قالتها تقى بأسف مصطنع وملامح شديدة الإستفزاز ليصرخ مهند بقوة :-
” يكفي …”
هبطت جيلان نحو الأرض وحملت قطعتي الورق تردد بدموع تساقطت فوق وجنتيها بغزارة :-
” رسمتي .. لماذا فعلت هذا ..؟!”
” اهدئي جيلان ..”
قالها مهند بلطف لتتسع عينا تقى وهي تسمع تلك النبرة اللطيفة منه لأول مرة ليزداد اتساع عينيها وهي ترى مهند يحتويها بين ذراعيه يهدهدها مرددا :-
” لا تبكي من فضلك ..”
صرخت بعدم استيعاب :-
” ماذا تفعل انت ..؟! انا هنا الغاضبة وليست هي ..”
دفعته جيلان بعنف بعدما استوعبت إنها بين أحضانه وبدأت تبكي بصوت مسموع وهي تشير الى تقى مرددة :-
” انت لا يحق لكِ أن تفعلي هذا .. إنها رسمتي وتعبت فيها ..”
” اصمتي أيتها الطفلة ولا تتحدثي مع الكبار ..”
” اخرسي يا تقى ولا تتحدثي مجددا ..”
صرخ بها مهند وقد نفذ صبره لتصرخ به بدورها :-
” انت تصرخ بي هكذا لأجل هذه ..؟! ”
أضافت وهي تتقدم نحو جيلان تقبض على ذراعها مرددة بحقد :-
” تصرخ بي لأجل هذه التافهة ..”
دفتعها جيلان مرددة بنفور :-
” ابتعدي عني ولا تلمسيني ..”
هتف مهند وهو يجذبها بعيدا عن جيلان :-
” تعالي معي الى الخارج وانا سأعرف كيف أحاسبك ..”
لكن تقى رفضت أن تتحرك وهي تشير الى جيلان بتحدي :-
” ألن تخبره من أنا ..؟! انا زوجته يا حلوة .. زوجته الاولى …”
تمتمت جيلان بعدم استيعاب :-
“زوجته …”
فهتفت تقى بقوة :-
” نعم زوجته .. زوجته بحق وليس على الورق فقط ..”
جذبها مهند بعنف اكبر يدفعها خارج المكان مرددا بنزق :-
” تعالي هيا ..”
اما جيلان فظلت تتأمل الرسمة لثواني قبل أن تدلف باكية الى الداخل لتقابل فيصل بطريقها والذي أوقفها يسألها بقلق :-
” لماذا تبكين يا جيلان ..؟! مالذي حدث ..؟!”
لم تجبه حيث إستمرت في بكائها ليجذب تلك الورقتين ويتأمل الرسمة مرددا بعدم تصديق :-
” من فعلها ..؟! ”
نظر الى وجهها المحمر وشهقاتها الضعيفة :-
” مهند من فعلها .. كلا لا يمكن .. لا يمكن أن يكون سيئا لهذا الحد ..”
في نفس اللحظة هبط راغب على درجات السلم متجها نحو الطابق السفلي ليجد جيلان تبكي بخفوت وفيصل امامها فتقدم يسألهما بقلق :-
” ماذا يحدث هنا ..؟! لماذا تبكين يا جيلان ..؟!”
إلتفت فيصل نحوه مرددا وهو يشير الى الرسمة :-
” انظر … هناك من مزق رسمتها و ..”
جذب الرسمة يتأمل صورة مهند قبل أن يردد بعدم تصديق :-
” هل مهند فعل ذلك ..؟!”
وقبل أن تجيب جيلان كان يندفع خارج المكان مرددا بغضب :-
” لقد تجاوز حدوده هذا الولد .. يبدو إنه يحتاج من يقف في وجهه بعد الآن بقوة ووضوح ..”
أما فيصل فهمس لجيلان يحاول تهدئتها :-
” اهدئي من فضلك عزيزتي ولا تبكي .. راغب سيأحذ حقك منه ..”
هتفت جيلان أخيرا بصوت ضعيف مبحوح :-
” ليس مهند من فعلها .. ”
” حقا ..؟! إذا من ..؟!”
سألها فيصل بدهشة لتجيب بصوت متحشرج :-
” حبيبته ..”
اتسعت عينا فيصل للحظات قبل أن يصيح على همسة التي هبطت درجات السلم بقلق فأشار اليها وهو يهم بالإبتعاد لاحقا براغب قبل أن يرتكب جريمة في حق أخيه :-
” اهتمي بها يا همسة فأنا يجب أن ألحق بزوجك ..”
…………………………………………………………..
في الخارج وقف مهند امام تقى يصيح بها بعصبية شديدة :-
” هل جننتِ ..؟! كيف تفعلين هذا ..؟! ماذا جرى لك..؟! ما هذا الجنون ..؟!”
صرخت بشدة :-
” انت لم ترَ الجنون بعد يا بك .. تبتسم لها وهي ترسم وجهك ثم تواسيها وتحاول إحتضانها أمامي ..”
أضافت بإنفعال :-
” انت كيف تفعل بي هذا .. هل تظن تلك الصغيرة إنها يمكنها أن تسرقكِ مني ..؟!”
” من تلك التي تسرقني منك ..؟!”
صاح بعدم تصديق قبل أن يردد بنبرة شديدة القوة :-
” اولا انا لست ملكك كي يسرقني أحدهم منكِ … ثانيا والأهم جيلان لا تفعل ذلك لإنها أصغر وأبرأ من أن تفكر بهذه الطريقة .. انتبهى على حديثك يا تقى .. للمرة الأخيرة سأنهبك ..”
” ماذا ستفعل …؟! ماذا ستفعل أكثر من ذلك…؟! انت هجرتني أساسا ولم تعد تسأل عني ..”
رد ببرود :-
” انت السبب يا هانم ولا تنسي إنك من إخترتِ ذلك بمحل إرادتك …”
” انت من تخليت عني يا مهند ..”
قالتها بجنون ليرد بإستفزاز :-
” انا لا أتمسك بإمرأة مثلك تضعني في خيار تعجيزي كي تثبت لنفسها إنها يمكنها أن تتحكم بي .. ”
” انت ..”
قالتها وهي تعتصر قبضتي يديها بقوة وقد توقفت عن حديثها وهي لا تعرف ماذا تضيف لتسمعه يهتف بحزم :-
” اخرجي من هنا حالا ولا تأتي مرة أخرى وإلا قسما بربي سأتصرف معكِ بطريقة لا يمكنك أن تتوقعيها ..”
همت بالرد لكنها توقفت وهي تجد راغب يتقدم نحويهما بملامح مخيفة للغاية يصيح بكل قوته :-
” ماذا تفعل هذه هنا ..؟!”
التفت مهند نحوه بصدمه من وجوده قبل أن يجيب بسرعة مصطنعا الهدوء :-
” ستغادر حالا ..”
توقف راغب أمامهما مرددا وهو يشير الى تقى ببرود :-
” إذا عشيقتك هي من مزقت رسمة زوجتك المسكينة ..”
هتفت تقى بتحدي :
” انا زوجته ولست عشيقته ..”
رد راغب بضحكة مستفزة :-
” الزواج العرفي غير معترف به قانونا ولا شرعا .. ”
” انا زوجته غصبا عنك ..”
قالتها تقى بتحدي ليلتفت نحوها مهند ينهرها بقوة :-
” تقى اصمتي انتِ ..”
هتفت تقى بجنون :-
” ألا ترى ما يقوله ..؟! إنه يقول عني عشيقتك …”
قال راغب ببرود :-
” ألستِ كذلك ..؟! هل تظنين إن تلك الورقة التي بينكما تعني إنكِ زوجته ..؟! تلك الورقة مزقيها وإرميها في سلة المهملات لإن لا أحد سيعترف بها سواكِ ..”
قالت تقى بتحدي :-
” يكفي أن يعترف أخيك بها .. مهند كل ما يهمني ..”
قاطعها راغب بإستفزاز :-
” من الجيد أن يكون حقا كل ما يهمك مهند فهذا يجعل الأمر ممتعا أكثر بالنسبة لي …”
” يكفي ..”
قالها مهند بقوة قبل أن يشير الى تقى :-
” ألم تسمعي ما قلته .. ؟! غادري فورا ..”
توقفت سيارة توليب أمام المكان والتي هبطت تهتف بصدمة من وجود تقى امام راغب ومعهما بالطبع مهند :-
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
رددت تقى بتهكم :-
” ها قد جائت صديقتي السابقة …”
” لا تجلبي سيرة أختي على لسانك ..”
قالها راغب بحذير شديد لترفع تقى حاجبها مرددا بتهكم :-
” اختك تلك كانت صديقتي لأعوام أم إنك نسيت ذلك يا بك ..؟!”
رد راغب بسخرية :-
” كانت صداقة غبية وأختي ببراءتها لم تدرك قذارة تلك الصديقة ولكنها تعلمت خطئها بعدما كشفت حقيقتها الحقيرة ..”
” اخرس أيها الحقير ..”
صاحت به لكنها توقفت على صفعة مهند وهو يصرخ به بقوة :-
” إلا راغب .. إياك أن تتجاوزي حدودك معه يا تقى ..”
ابتسم راغب لمهند بهدوء رغم غضبه منه رابتا على كتفه مرددا :-
” سلمت يداك يا أخي .. ”
أضاف يشير لتقى بصرامة :-
” غادري فورا يا تقى وإلا سأطلب من الحرس في الخارج أن يخرجونك بأنفسهم ويرمونك خارجا يا حلوة …”
” ستندمون جميعا .. والله ستندمون ..”
قالتها تقى بحقد وهي تتطلع فيهم ثلاثتهم ثم اندفعت خارج المكان وهي تبكي ليلتفت مهند نحو راغب مرددا بعصبية :-
” انظر الي .. أنا صفعتها لإنها شتمتك وأنا لا أرضى هذا عنك كونك أخي والكبير أيضا لكن هذا لا يعني أن تتحدث عنها بهذه الطريقة فهي ..”
قاطعه راغب بعصبية :-
” هي ماذا …؟! مجرد عاهرة منحتك جسدها بورقة زواج لا يعترف بها أحد .. هل تدافع عنها حقا … ؟! انظر الى تلك المسكينة التي إنهارت من شدة البكاء بسبب تصرفات تلك الحقيرة …”
أضاف بقوة :-
” برأيي أن تهتم بتلك المسكينة بدلا من دفاعك عن تقى هانم ..”
” تقى زوجتي .. لا تنسى هذا ..”
قالها مهند بقوة ليرد راغب بتحدي :-
” انت فقط من تعترف بها كزوجة لك أما لا أحد غيرك يعترف بذلك ..”
هم مهند بالرد لتهتف توليب بترجي :-
” يكفي أرجوكما .. حقا يكفي ..”
تطلع مهند نحو راغب بملامح مشدودة قبل أن يدفعه بجسده عن قصد وهو يندفع بعيدا عنهما لتهمس توليب بعدم فهم :-
” كيف تجرأت وجائت الى هنا ..؟!”
هتف راغب بقوة :-
” أنتِ آخر من يتحدث … بسببك تلك الفتاة دخلت الى العائلة و لولا ذلك ما كان ليحدث كل هذا …”
همست توليب بقهر :-
” كالعادة منذ أعوام وأنت تحاسبني على ذلك .. ما ذنبي أنا بتصرفات أخيك المجنونة ..؟!”
اندفعت متجهة الى الداخل بعيدا عنه ليزفر راغب أنفاسه بضيق قبل أن يرتدي قناع الجمود ويندفع خارج المكان متجها الى عمله بينما توقف فيصل مكانه والذي وصل متأخرا بعدما أخذ يبحث عنهما ليرى راغب وهو يغادر بعد مغادرة توليب ومهند الذي مر جانبه بلا مبالاة ليتأفف بضيق من مشاكل عائلته التي لا تنتهي ..
…………………………………………………………..
فتحت عينيها على صوت منبه هاتفها فسارعت تجذبه وهي تطفأ المنبه بتعب قبل أن تتراجع الى الخلف بإرهاق ما زال يسيطر عليها وآثار ليلة البارحة أرهقتهت بشدة ..
مواجتهما كانت صعبة ولم تفِ بأي غرض والنتيجة كالعادة مبهمة ولا حل وسط يناسب كليهما ..
زفرت أنفاسها بتعب وهي تتذكر ما حدث بينهما البارحة بعدما أخبرته بوضوح عن حقيقة زيجة ليلى وعمار …
عادت بذاكرتها الى الخلف وهي تتذكر تفاصيل المواجهة بحذافيرها :-
” نديم ، ليلى لم تتزوج عمار لأجل أمواله كما كنت تعلم او كما قالت هي .. ليلى تزوجت عمار إنقاذا لك منه .. عمار هددها وإبتزها وهي تزوجته مجبرة كي تحميك من أذيته ..”
لاحظت جمود ملامحه الذي إستمر للحظات لكن الغريب بدا لها جمودا خاليا من الصدمة ..
ظنت إنها تتوهم كل هذا لكنها أدركت حقيقة ظنونها وإنها لم تكن أوهام عندما هتف معترفا بعد لحظات :-
” أعلم ذلك ..”
تجمدت هذه المرة ملامحها هي لتهتف بعدم استيعاب بعد لحظات قليلة :-
” ماذا تعني ..؟! كيف تعلم ذلك ..؟!”
تنهد وهو يجيب بهدوء مصطنع :-
” أعلم ما تحدثتي عنه منذ لحظات ..”
سألته بإتهام :
” لماذا لم تخبرني ..؟! ”
رد بصدق :-
” انا علمت منذ يومين .. يوم الزفاف تحديدا ..”
” ليلى من أخبرتك ..”
همست بها بخفوت ليهز رأسه مؤكدا ما قالته فتهمس مجددا :-
” لماذا لم تلغِ الزفاف إذا…؟! لماذا لم تخبرني ..؟!”
” ولمَ سألغي الزفاف يا حياة ..؟! هل تزوجتكِ انا كبديل عنها لأفعل ..؟! أم هل تظنين إن رجل مثلي قد يتراجع عن زفافه في يوم الزفاف ..؟! هل ترينني حقا هكذا ..؟!”
” كلا انت لا تفعل ذلك بالتأكيد .. إذا أنت تزوجتني بدافع الواجب وتجاهلت ما قالته ليلى ..”
هدر بإنفعال :-
” ما هذا الهراء ..؟! تزوجتكِ بدافع الواجب ..؟! وخطبتكِ بدافع الواجب وكل ما عايشته معكِ كان بدافع الواجب أيضا …”
صاحت منفعلة بدورها :-
” انا لم أفهم بعد .. انت أدركت حقيقة زيجة عمار من ليلى قبل زفافنا بساعة وتريد مني أن أصدق إنكَ لم تتردد بأمر إتمام الزيجة لكنك تراجعت بدافع الواجب ..”
” لو كنت أفكر هكذا لكنت نفذت طلبك وألغيت الزفاف كما أردت ..”
قالها بقوة لترد بغضب مكبوت :-
” انت لا تتوقع مني أن أصدقك ..”
أضافت عن عمد :-
” انا أساسا كيف يمكنني أن أصدقك بعد وكيف يمكنني إن أثق بك و ًالأهم كيف يمكنني أن أثق بإستمرار علاقتنا بشكل جيد بعد إنكشاف حقيقة كهذه ..”
” انا تعبت يا حياة ولم أعد أعرف كيف أرضيكِ …”
قالها بإرهاق وهو يجلس على الكنبة لتردد :-
” لا يمكنك أن ترضيني أبدا يا نديم لإن ما يرضيني هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك أن تمنحني إياه …”
تطلع إليها بدهشة لتضيف بتساؤل:-
” أخبرني بصراحة .. ماذا سيحدث بعد الآن …؟! ”
” ماذا تعنين بسؤالك هذا ..؟!”
أجابت موضحة :-
” أتحدث عن ليلى .. أنحدث عن مشاعرك نحوها ووضعك بعدما أدركت حقيقة زيجتها من عمار وإنها فعلت كل هذا لحمايتك …”
” لم يتغير الكثير .. نعم انا مصدوم وألوم نفسي لكنني أحاول أن أتجاوز الأمر و ..”
قاطعته بعدم تصديق :-
” كيف تتجاهل الأمر وهناك إمرأة ضحت بسنوات من عمرها لأجلك وتعيش حياة تعيسة مع مجرم كعمار ..؟!”
رد منتفضا من مكانه :-
” ماذا تريدين مني أن أفعل ..؟! أساسا انا منذ ذلك اليوم وأشعر بشيء كالمطرقة يضرب رأسي دون توقف ..لا أتوقف عن التفكير .. لا أعرف ماذا أفعل ولا أفهم كيف سأتعامل مع هذه الحقيقة .. لا تظني إنني أتجاهل الأمر أبدا لكن أنا فعليا لا أدرك ماذا يجب أن أفعل .. أفكاري مشتتة ومشاعري مبعثرة … ”
” ليلى عانت لأجلك كثيرا وانت عليك أن تساعدها بدورك وتنقذها من أخيك المجرم كرد جميل لتصرفها على الأقل ..”
رد بجدية :-
” ليلى تطلقت من عمار بعد عقد قراننا مباشرة .. لقد أرسل عمار لي صورة وثيقة الطلاق بعد عقد القران مباشرة كنوع من التشفي والإنتقام ..”
” لا أصدق .. كيف يمكنه أن يكون بكل هذا الكره والقباحة …!!”
” صدقي بل صدقي أكثر من هذا أيضا ..”
قالها بشرود لتهتف بجدية :-
” حسنا وماذا ستفعل الآن ..؟!”
رد بجدية :-
” ماذا سأفعل ..؟! مبدئيا ما حدث أراحني قليلا .. على الأقل ليلى تخلصت من عمار … ”
” وهل تظن إن هذا كافي ..؟!”
” حسنا سأخبرك بشيء ربما لم تدركينه بعد .. أفضل شيء لليلى الآن ألا أقترب منها لإنني طالما أنا بعيد عنها سيتركها عمار وشأنها أما إذا شعر للحظة إنني مجرد أحاول التقرب منها فسيؤذيها بأي طريقة ممكنة ..”
شعرت حياة بالإختناق لا إراديا وقد فهمت إنه لا يريد الإقتراب من ليلى كي يحميها وهو بدوره لم ينتبه الى حديثه بقدر ما شرد مفكرا في كل ما حدث وخطواته القادمة التي يسير على نهجها منذ مدة ..
” لماذا لا تتحدثين ..؟!”
أفاقت من شرودها على صوته لتهمس بدموع محتقنة :-
” ماذا سأقول ..؟! ”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” نديم .. أظن إن زواجنا أصبح من غير المنطقي أن يستمر ..”
قال بعدم تصديق :-
” ماذا تقولين انتِ ..؟! ”
رد بصمود :-
” ما أقوله هو المنطقي .. لا يمكننا الإستمرار أكثر .. انت لا تدرك ما تريده وأنا لا يمكنني الإستمرار وسط كل هذه الصراعات …”
” لا تتحدثي عن نفسك لوحدك …”
قالها بقوة لترد بمرارة :-
” هل تعلم ما هي مشكلتك يا نديم ..؟! مشكلتك إنك تريد كل شيء وفي نفس الوقت لست متأكد من كل ما تريده .. تتمنى الحصول على الكثير لكن داخلك لست واثقا من رغباتك تلك …”
أضاف وهي تهتف متجاهلة نظراته المصدومة:-
” لقد دعتنا ماما على العشاء غدا .. دعنا نذهب اليوم لكن حديثنا لم ينتهِ اليوم .. ”
انسحبت عائدة نحو غرفتها ودموعها تغالبها مجددا ..
أفاقت من أفكارها على صوت رنين هاتفها لتجد حنين تتصل به لتتأمل الهاتف بتعب قبل أن تجيبها تحاول مجاراتها بحماسها لزيارة الليلة ..
………………………………………………………….
هبطت درجات السلم تتجه نحو صالة الجلوس عندما وجدت الخادمة تتجه في طريقها نحو المطبخ لتسألها بإهتمام :-
” من يوجد في المنزل الآن ..؟!”
أجابتها الخادمة :-
” سحر هانم ووليد بك ما زال في غرفته يا هانم ..”
اومأت شيرين برأسها عندما همت بالتحرك نحو صالة الجلوس حيث توجد والدتها لكن رنين هاتفها أوقفها لتجد عمار يتصل بها ..
أجابته بتعجب قليلا من إتصاله ليأتيها صوته الهادئ يحييها قبل أن يضيف بجدية :-
” أنا أقف حاليا أمام منزلكِ ..”
هتفت بدهشة :-
” ماذا تفعل أمام منزلنا ..؟!”
رد عليها بجدية :-
” ستعرفين عندما أدخل وأتحدث مع والدتك وأخيك .. وليد ما زال في المنزل .. أليس كذلك ..؟!”
سألته بعدم تصديق :-
” ماذا تفعل انت ..؟!”
توقفت عن الحديث وهي تسمع صوت رنين جرس الباب ليقول بجدية :-
” هيا افتحي الباب يا شيرين ..”
أغلقت الهاتف بعصبية قليلا وتوجهت نحو الباب بعدما أشارت للخادمة التي جاءت فورا لتفتحه ثم فتحت الباب لتجده أمامها يرتدي ملابس رسمية ويحمل باقة ورد في يده …
” ماذا تفعل هنا ..؟!”
سألته بعصبية ليبتسم بهدوء وهو يسأل بدوره :-
” هل هذه طريقتك عادة في إستقبال الضيوف يا شيرين ..؟!”
زفرت أنفاسها وقالت بجدية :-
” ما سبب مجيئك يا عمار ..؟!”
رد بجدية :-
” دعيني أدخل اولا يا شيرين أم سنتحدث على الباب هكذا …”
” عمار لا تجن .. ماذا سأقول لماما وأخي ..؟!”
قاطعها بتهكم :-
” يبدو إنكِ لم تستوعبي بعد .. انا جئت خصيصا لأجل والدتك وأخيك ..”
توقفت أنفاسها عندما سمعت صوت والدتها التي خرجت من الصالة تتسائل وهي تتقدم نحوها :-
” مع من تتحدثين يا شيرين ..؟!”
ثم وقفت جوارها تتأمل الشاب الوسيم الذي عرفته فورا والذي ابتسم محييا إياها بلباقة :-
” اهلا سحر هانم .. كيف حالك ..؟!”
ردت سحر تحيته بخفوت وتعجب وهي تقول :-
” عمار الخولي .. اهلا وسهلا ..”
أضافت بلباقة اعتادت عليها :-
” لماذا تقف هنا ..؟! تفضل من الداخل .. ”
ثم إلتفتت نحو ابنتها تقول معاتبة :-
” هل يمكن أن تتركيه واقفا هنا يا شيرين …؟!”
” ماما انا …”
قالتها شيرين بإرتباك وهي تستدير نحوها لكن والدتها سبقتها وهي تقول بترحيب :-
” تفضل يا بني …”
ابتسم عمار مرددا بإحترام :-
” أشكرك يا هانم …”
أغلقت شيرين الباب خلفهما ثم سارت ورائهما حيث عمار يسير بجانب والدتها نحو صالة الجلوس لتشير والدته الى احدى الكنبات تخبره :-
” تفضل اجلس ..”
قبل أن يجلس التفت نحو شيرين وقدم لها الباقة مرددا بجدية :-
” هذه الباقة لك .. ”
تناولت شيرين الباقة منه تشكره بخفوت تتأمل ورود الياسمين المفضلة لها بلونها الأبيض المفضل ..
جلس عمار بثقة على الكنبة فجلست والدتها أمامه وهي تشير نحو شيرين بعينيها أن تجلس لتسارع وتضع الباقة بعناية على الطاولة أمامها ثم تجلس على الكرسي الجانبي له فتهتف والدتها بتساؤل :-
” ماذا تحب أن تتناول يا عمار بك ..؟!”
رد عمار بجدية :-
” ليس مهما .. أي شيء تفضلينه ..”
هتفت سحر متسائلة مجددا :-
” ماذا تفضل انت ..؟! المشروبات الساخنة أم الباردة ..؟!”
رد بهدوء :-
” حسنا .. قهوة سادة إذا أمكن ..”
” بالطبع ..”
قالتها وهي تشير الى الخادمة التي تقدمت كعادتها عند دخول ضيوف الى المنزل لتجلب الضيافة التي يفضلونها ..
بعدما غادرت الخادمة هتف عمار متحدثا بجدية :-
” في الحقيقة لقد جئت هنا لسبب محدد … أردت أن أتحدث معكِ ومع السيد وليد إذا أمكن ..”
” بالطبع يا بني .. سأطلب من الخادمة أن تنادي وليد حالا …”
بعدما طلبت سحر من الخادمة أن تنادي على وليد وتخبره بوجود ضيف في انتظاره عادت نحو عمار لتسأله بإهتمام :-
” اذا ما هو سبب زيارتك يا سيد عمار ..؟!”
اتجه عمار ببصره نحو شيرين الواجمة ليهتف بجدية :-
” انا جئت خصيصا لأطلب يد شيرين منكِ يا هانم ومن أخيها الأكبر بالطبع ..”
نظرت سحر نحو شيرين لا إراديا لترى الوجوم يسيطر على ملامحها عندما عادت تنظر الى عمار تسأله بإهتمام :-
” ألست متزوج حسب علمي يا عمار بك ..؟!”
رد عمار بجدية :-
” لقد طلقت زوجتي منذ يومين رسميا ونحن منفصلان أساسا منذ أشهر .. ”
أضاف بهدوء :-
” انتظرت حتى يتم توثيق الطلاق ثم أتقدم لخطبة شيرين ..”
” بهذه السرعة ..؟!”
قالتها سحر بدهشة ليبتسم عمار بهدوء متحدثا بثقة :-
” لا توجد سرعة أبدا يا هانم .. مبدئيا انا أعرف شيرين منذ سنوات وكنت معجبا بها للغاية لكن الظروف شائت أن تتزوج هي وتغادر البلاد وانا بعدها تزوجت .. عندما رأيت شيرين مجددا وعلمت بطلاقها كنت في ذلك الوقت منفصل تماما عن زوجتي وقد اتخذنا قرار الانفصال وبقي التنفيذ رسميا وحينها أحببت أن أرتبط بشيرين لكن انتظرت أن يتم طلاقي رسميا وبشكل نهائي …”
” منذ متى وانت تلتقي بشيرين أساسا وهل قرار الزواج يأتي بسهولة هكذا ..؟!”
سألته سحر بنظرات مهتمة لتتوتر ملامح شيرين التي قالت بهدوء مصطنع :-
” ماما انا وعمار تقابلنا مرات قليلة الفترة القادمة ..”
التفتت سحر نحوها تهمس لها بحدة :-
” كنت تلتقين مع زوج صديقتك يا شيرين ..”
هتف عمار مدافعا عنها بسرعة :-
” الأمر ليس كذلك أبدا يا هانم .. نحن لم نلتقِ سوى مرات قليلة جدا وكنا نتحدث بشكل عام وليس كما تظنين .. انا فقط من فكرت بأمر الزواج بعدما أدركت إنني ما زلت أحمل مشاعر خاصة نحو شيرين والتي بدورها كانت تتعامل بإعتيادية واكبر دليل إنها لم تكن تعرف بأمر مجيئي اليوم فلا تظلميها من فضلك ..”
انهى حديثه ليسمع صوتاخشنا يلقي التحية وهو يدلف الى الداخل تتبعه الخادمة التي تحمل القهوة له لينهض عمار من مكانه يستقبل تحية وليد الدي نظر إليه بهدوء مريب وهو يرحب به برسمية شديدة ..
جلس وليد جانب والدته مقابلا له ليهتف عمار بجدية مقررا بدء الحديث مع وليد بنفسه :-
” من الجيد إنك موجود يا وليد بك .. لقد تحدثت مع الهانم والدتك والآن سأعاود حديثي بل طلبي مجددا ..”
نظر له وليد بصمت ليضيف عمار بجدية :-
” أنا أطلب يد شيرين منك يا بك ..”
صمت وليد لوهلة يتأمله بنظرات غامضة قبل أن يتسائل بهدوء :-
” كونك تطلب يد أختي فهذا يعني إنك طلقت زوجتك الأولى ..؟!”
رد عمار وهو يومأ برأسه :-
” نحن منفصلان منذ أشهر وتم توثيق طلاقنا رسميا قبل يومين ..”
” فسارعت تخطب أختي ..”
قالها وليد بنفس الهدوء الغامض ليبتسم عمار بثقة مجيبا :-
” ربما تراه تسارعا لكنني أراه رغبة في وصال المرأة التي وجدت بها جميع المواصفات التي أرغبها في زوجتي المستقبلية ..”
” منذ متى وأنت تعرف شيرين لتقرر إنها الزوجة المناسبة لك ..؟!”
سأله وليد ببرود لتهتف شيرين بسرعة :-
” انا أعرف عمار منذ أيام الجامعة يا وليد ..”
قاطعها وليد قائلا عن قصد :-
” منذ أن كانت طليقته صديقتك وخطيبة أخيه ..”
ابتسم عمار مرددا بلا مبالاة :-
” بل قبل أن ترتبط زوجتي وقتها بأخي .. أنا أعرف شيرين منذ آخر سنة لها في المدرسة وكنت معجبا بها جدا ولا أنكر هذا لكن الظروف شائت أن تتزوج هي وتسافر وانا ..”
قاطعه وليد بنفس البرود :-
” وانت بدورك تزوجت خطيبة أخيك والتي بدورها كانت صديقة شيرين المقربة ..”
” هل توجد مشكلة في كونني تزوجت بخطيبة أخي بعد إنفصالهما يا بك ..؟!”
سأله عمار بإقتضاب ليرد وليد وهو يبتسم بجمود :-
” سأكون صريحا يا عمار بك .. إذا تغاضيت فرضا عن كونك زوج صديقة شيرين السابقة والمقربة فهل تتوقع إنني سأتغاضى عن حقيقة زواجك من حبيبة وخطيبة أخيك السابقة ..؟! لو كنت مكاني فهل ستثق برجل تزوج بحبيبة أخيه ..؟؟”
رد عمار ببرود :-
” مبدئيا انت لا يمكنك أن تحكم على الأمور من الظاهر .. لقد حدث ما حدث وتزوجت ليلى بعد إنفصالها عن نديم بفترة .. والآن طلقتها لعدم توافقنا .. نديم نفسه تزوج من فتاة أخرى يحبها كثيرا .. يعني الأمور تسير بشكل جيد مع الجميع وشيرين أساسا لا علاقة لها بكل هذا …”
” بل لها كل العلاقة .. شيرين ستتزوجك انت .. وانت هناك مئات علامات الإستفام حولك ..!!”
” حقا ..؟!”
قالها عمار بقليل من الإستهزاء قبل أن يردد بثقة :-
” تفضل وأخبرني عن جميع علامات الإستفهام التي تخصني داخلك وأعدك إنني سأمحيها جميعا …”
” كيف ستمحي حقيقة زواجك من خطيبة أخيك السابقة يا عمار بك ..؟! ”
” انا لا أفهم ما مشكلتك مع زواجي السابق ..”
قالها عمار بغضب مكتوم ليقاطعه وليد بجدية :-
” مشكلتي الثقة .. الرجل الذي يغدر بأخيه يمكنه أن يغدر بزوجته بكل بساطة ..”
” أنت تتحدث بطريقة غير منطقية للغاية يا وليد بك ..”
” حقا ..؟! وما هي الطريقة المنطقية ..؟!”
سأله وليد بتهكم ليرد عمار ببرود :-
” المنطقية تقول إن الجميع يعرف طبيعة علاقتي بنديم وإننا أخوة بالإسم فقط .. انا وهو لا يجمعنا أي شيء أبدا منذ الطفولة .. انا لا أعتبره أخي أساسا وهو كذلك وبالتالي أمر زواجي من ليلى ليس غريبا ولا غدرا بأخي الذي لا تجمعني به علاقة من أي نوع ولا توجد داخلي أي عاطفة أخوية نحوه وهو مثلي تماما بالمناسبة ..
سأكون صريحا أيضا وأخبرك إن زواجي من ليلى لم يكن زواجا ناتجا عن علاقة حب بل كان زواجا تقليديا سببه الأعمال المشتركة مع والدها .. يعني زواجا عمليا استمر لسنوات لكن في آخر عام ازدادت المشاكل بيننا فإنفصلنا منذ أشهر وتطلقنا قبل يومين بشكل رسمي بعدما حصلت ليلى على كافة حقوقها …”
أنهى عمار حديثه وهو يناظر وليد بتحدي لتهتف سحر بسرعة محاولة احتواء الموقف ونظرات التحدي المتبادلة بين هذين الرجلين :-
” حسنا يا بني … انت طلبت يد شيرين رسميا .. إمنحنا فرصة للتفكير وكذلك أعطي شيرين الوقت الكافي لتحديد قرارها النهائي .. في النهاية القرار الأول والأخير لها ..”
” هذا الكلام منطقي للغاية يا هانم .. وانا أنتظر قرار شيرين على أحر من الجمر ..”
أنهى كلامه بإبتسامة رسمية ثم نهض من مكانه مودعا وليد ثم سحر ثم شيرين الذي منحها نظرات قوية جعلتها ترتبك كليا ..
خرج بعدها لتتجه شيرين بسرعة نحو الطابق العلوي حيث غرفتها متجاهلة نداء وليد عليها …
أوقفت سحر ابنها تخبره بجدية :-
” اتركها الآن يا وليد وتحدث معها لاحقا …”
رد وليد بغضب واضح :-
” أريد أن أفهم منها منذ متى وهي تلتقي بهذا الرجل …؟! ”
قالت سحر بجدية :-
” ستفهم منها كل شيء لكن ليس الآن .. هي مثلنا تماما مصدومة من طلبه ..”
” سنرى يا أمي .. سنرى اذا كانت مصدومة أم تدعي الصدمة لكن ليكن بعلمك انا لن أقبل بعمار الخولي زوجا لها مهما حدث .. هل فهمتِ ..؟!”
أنهى كلماته واندفع خارج المنزل بأكمله تاركا والدته تتننهد بتعب وصدمتها من طلب عمار ما زالت تسيطر عليها ..
……………………………………………………………..
وقفت أمام المرآة تتأمل طلتها الرسمية للمرة الأخيرة قبل مغادرتها المنزل عندما سمعت صوت طرقات على باب منزلها لتسمح للطارق بالدخول وهي تعدل خصلاتها الشقراء ..
دلفت مريم الى الداخل ووقفت بجانب الباب تتأملها وهي عاقدة ذراعيها أمام صدرها عندما سألت ليلى وهي تتجه لحمل حقيبتها :-
” نعم يا مريم .. هل تريدين شيء ..؟!”
سألتها مريم بإهتمام :-
” هل ستذهبين الى الشركة ..؟!”
ردت ليلى وهي تقف أمامها مواجهة لها :-
” نعم .. لا يوجد تهاون أبدا في العمل بعد الآن ..”
سألتها مريم مجددا :-
” ماذا ستفعلين بأمر تلك الشيكات ..؟!”
ردت ليلى بخفوت :-
” سأتحدث مع عمار بشأن هذا الأمر وأحاول أن أصل الى تسوية مناسبة معه ..”
هتفت مريم بحذر :-
” برأيي أن تؤجلي حديثك هذا قليلا ..”
سألتها ليلى بتعجب :-
” لماذا ..؟!”
ردت مريم بتردد خفي :-
” يعني انتظري قليلا .. ضعي تركيزك بأكمله الآن مع الشركة وعندما تسيطرين على الأوضاع هناك فكري بأمر الشيكات ..”
أضافت بجدية :-
” صحيح ، انا قريبا سأبدأ في العمل معك ..”
سألت ليلى بدهشة :-
” غريب آمرك يا مريم .. ألم تقولِ مسبقا إنك لن تعملي في الشركة قبل التخرج ..؟؟”
هزت مريم كتفيها مجيبة ببساطة :-
” غيرت رأيي .. ربما من الأفضل أن أفعل ذلك منذ الآن .. يعني لم يتبقَ لي سوى سنة واحدة من الأفضل أن أتدرب جيدا في الشركة خلالها ..”
” حسنا كما تحبين بالطبع ..”
قالتها ليلى وهي تربت على كتفها وتهم بالمغادرة عندما أوقفتها مريم تسألها بجدية :-
” ماذا ستفعلين مع زاهر ..؟!”
تنهدت ليلى وأجابت :-
” حاليا لن أفعل شيء .. سأنتظره يتحدث مجددا وأخبره برفضي ..”
قاطعتها مريم :-
” ما هذا الجنون .؟! لماذا سترفضين ..؟!”
ردت ليلى بعقلانية :-
” لأنني لا أحبه .. لا أمتلك مشاعر داخلي نحوه …”
هتفت مريم ببساطة :-
” تعقلي يا ليلى .. زاهر رجل ليس له مثيل .. رجل محترم ومثقف وراقي وثري ووسيم ..”
” وماذا بعد ..؟! هل هناك المزيد من الصفات يا مريم ..؟!”
سألتها ليلى بتهكم لتقبض مريم على ذراعها تخبرها بقوة :-
” لا تتسرعي في رفضك يا ليلى .. زاهر رجل مميز ومن غير المنطقي أن ترفضينه بسهولة ..”
قالت ليلى بجدية :-
” ومن غير المنطقي أيضا أن أرتبط به وأنا لا أحمل مشاعرا نحوه بل الأسوأ إنني أحمل مشاعرا لرجل آخر ..”
تنهدت مريم بقوة ثم قالت :-
” زاهر يعلم كل هذا ويريدك .. يعني انت لا تخدعينه يا ليلى ..”
” الأمر لا يتعلق بزاهر فقط بل يتعلق بي ايضا .. انا لا يمكنني أن أكون مع رجل وفي قلبي رجل آخر .. لا يمكنني ذلك يا مريم .. انا لست هكذا ولن أكون حتى لو كان هو يعلم بذلك وراضي ..”
قالتها ليلى بتعب لتهتف مريم بتمهل :-
” يا ليلى افهميني .. انت حتى لا تمنحيه الفرصة ليحاول .. زاهر يدرك ذلك جيدا ومع ذلك يريدك .. او على الأقل يريد أن يربح قلبك .. وانتِ برفضك له ولغيره لن تستطيعين التحرر من مشاعرك نحو نديم .. انت تدمرين نفسك بهذه الطريقة .. على الأقل حاولي يا ليلى ربما حينها ستظهر مشاعر جديدة مفاجئة لك ..”
سألتها ليلى بنفاذ صبر :-
” وإذا لم تظهر ..؟! وإذا لم تتغير مشاعري نحو نديم ..؟! ماذا سيحدث حينها ..؟! زاهر سيتألم .. سيعاني بسببي وانا أيضا سأتألم لإنني سأدرك حينها إنه لا أمل لي للخلاص من هذا العشق اللعين ..”
رددت مريم بسخرية متعمدة :-
” لذا فالحل أن ترفضي أي رجل يحاول الإقتراب منك وتهربي من مجرد المحاولة …”
ردت ليلى بقوة :-
” بل سأترك الأمر للقدر .. ربما يأتي يوم وأجد من يحرك مشاعري نحوه مثلا .. لا أحد يعلم … القدر يخبئ لنا الكثير من الأشياء .. دعينا نترك الأمر للقدر ..”
” هذا غباء ..”
قالتها مريم بعدم اقتناع لتبتسم لها ليلى بخفوت قبل أن تتحرك خارجا فزفرت مريم أنفاسها بتعب قبل أن تخرج من الغرفة وهي تعبث بهاتفها …
وضعت هاتفها على أذنها تستمع الى رنينه عندما جاءها صوته الهادئ مرحبا به :-
” اهلا مريم ..”
ردت بهدوء :-
” اهلا عمار .. ”
أضافت بجدية :-
” طبعا أنت مستغرب اتصالي بك …”
رد ببساطة :-
” أبدا .. كنت أعلم إنك ستتصلين وتستفسرين عما حدث ..”
” نعم هو كذلك ..؟! ماذا فعلت بشأن من خطفني ..؟! هل أدركت هويتهم ..؟!”
رد بجدية :-
” اليوم سأبدأ البحث وسأجدهم في اقرب وقت ..”
قالت بنبرة قلقة :-
” ربما بالفعل سهام مع إنني أشك إنها تستطيع التصرف هكذا ..”
قاطعها عمار متهكما :-
” تعلمي ألا تحكمي على الناس من الخارج يا مريم ..”
زفرت مريم أنفاسها مرددة بتعب :-
” وما الحل برأيك ..؟! وماذا سأفعل الآن …؟؟”
رد بسرعة :-
” حاولي ألا تخرجي هذه الفترة من المنزل مبدئيا ..”
سألت بعصبية :-
” وإلى متى سأبقى حبيسة المنزل .. ؟!”
رد عمار بضيق :-
” حتى نجد المسؤولين عن خطفك يا مريم وإذا أردت الخروج والتعرض للخطف مجددا فأنتِ حرة ..”
” أنت ستنقذني حينها ، أليس كذلك ..؟!”
سألته بعفوية ليرد بثقة وقوة :-
” انا دائما سأنقذك من أي شخص يحاول إيذائك ولو بشكل بسيط ..”
ارتبكت لا إراديا وهي تغمغم :
” حسنا يجب أن أنهي الإتصال الآن .. مع السلامة ..”
جاءها رده البسيط :-
” مع السلامة يا مريوم ..”
أغلقت الهاتف تتأمله للحظات بشرود قبل أن تستيقظ على صوت نداء والدتها عليها فسارعت تخرج من غرفتها تتجه إليها ..
…………………………………………………………….
كان صلاح يجلس في النادي ينتظر قدوم نانسي التي جاءت أخيرا وكالعادة كانت في كامل أناقتها ..
تأملها رغما عنه مفكرا إنها جميلة وأنيقة دائما حتى في أصعب أوقاتها ..
لا يفهم حتى الآن سبب تصرفاتها المهزوزة ونفسيتها المدمرة رغم إنها كانت دائما ما تظهر العكس …
رغما عنه فكر في الرابط الذي سيجمعهما قريبا …
نعم ستكون زيجة مؤقته لكنها زيجة بكل الأحوال وهو شاب لا يطيق التقيد والإرتباط بكل أنواعه ..
جلست أمامه تحييه بخفوت ليرد تحيتها ثم يسألها :-
” ماذا تحبين أن تتناولين ..؟!”
ردت بجدية :-
” شكرا ، لا شهية لدي فأنا تناولت فطوري قبل ساعة .. أخبرني ماذا تريد مني ولماذا طلبتني ..؟!”
رد بجدية :-
” سأتحدث اليوم مع عائلتي بشأن أمر زيجتنا وعليكِ أن تفعلي المثل ..”
رددت بخفوت :-
” اليوم !!”
هتف بجدية :-
” أليس هذا أفضل ..؟! لننتهِ من الأمر سريعا ..”
سألته وهي تتأمله بتمعن :-
” كم سوف تستمر زيجتنا ..؟!”
رد بجدية :-
” عام واحد ثم ننفصل .. أظن إنها مدة كافية .. أليس كذلك ..”
” إذا قلت غير ذلك ، هل ستوافق ..؟!”
سألته وهي تلوي فمها بتهكم ليرد بإبتسامة مرحة :-
” إذا كانت المدة التي سوف تقترحينها أقل فلا مانع لدي بالطبع …”
ابتسمت بملامح باردة قبل أن تقول :-
” إذا تنتظرني مواجهة مهمة مع العائلة …؟!”
“يجب أن تخبري أخيك أيضا ..؟!”
قالها بجدية لترد بخفوت :-
” أخي أمره سهل .. المشكلة في والدتي .. ”
” تحدثي معها بهدوء وتعقل كي تقتنع بذلك …”
قالها بجدية لترد بصدق :-
” الأمر سيكون صادما لها … ”
” وسيكون كذلك لعائلتي لكننا سنتفق على كلام واحد نخبر به كليهما ..”
” حسنا ، سيكون هذا أفضل ..”
قالتها بخفوت ليبتسم بتصنع وهو يسحب فنجان قهوته يرتشف منه القليل ..
بعد مدة وقفت نانسي أمام باب منزل عائلتها تنظر إليه بضيق قبل أن تضغط على جرس الباب لتفتح الخادمة لها الباب بعد لحظات ترحب بها بسعادة ..
سألتها نانسي وهي تدلف الى الداخل :-
” أين ماما ..؟!”
ردت الخادمة بجدية :-
” في الحديقة تتناول قهوتها مع هايدي هانم .. سأناديها حالا ..”
أوقفتها نانسي تقول بجدية :-
” لا داعي لذلك .. سأذهب إليها بنفسي ..”
اتجهت نحو الحديقة الخارجية حيث وجدت والدتها ترتشف قهوتها وهي تجلس بإسترخاء في الحديقة وجانبها هايدي تعبث في جهازها اللوحي بإهتمام ..
تقدمت نانسي نحويهما ووقفت أماميهما تلقي التحية ببرود لتنهض تهاني بسرعة من مكانها تتقدم نحوها بلهفة وتحتضنها بقوة لتقابل نانسي عناقها ببرود ..
ابتعدت والدتها تتأملها بسعادة فجذبتها هايدي تعانقها وهي تخبرها إنها إشتاقت لها كثيرا ..
لم تجبها نانسي بل وقفت تتأملهما بصمت فتبادلت هايدي النظرات مع والدها قبل أن تجذبها من كفها وتجلسها جانبها وهي تقول :-
” تعالي اجلسي معنا .. اشتقنا لكِ كثيرا …”
جلست نانسي بحذر قبل أن تهتف ببرود :-
” أريد أن أخبركما بأمر هام يخصني .. قرار إتخذته ..”
تطلعت إليها تهاني بقلق وكذلك هايدي عندما همست بصلابة :-
” انا قررت الزواج … ”
” ماذا ..؟!”
قالتها تهاني بعدم تصديق بينما همست هايدي تتسائل بعدم إستيعاب :-
” ماذا تقولين يا نانسي ..؟!”
ردت نانسي بجمود ولا مبالاة من صدمتهما :-
” هناك شاب أحبه وأريده تقدم لخطبتي وانا موافقة وهو بدوره يريد أن يخطبني رسميا منكما ..”
” من ذلك الشاب ..؟!”
سألتها هايدي بتمهل وهي تشير الى والدتها بعينيها أن تتصرف بتعقل لتجيب نانسي بجدية :-
” صلاح الخولي …”
هتفت تهاني بصدمة :-
” صلاح الخولي ابن حسن الخولي .. ابن عم نديم الخولي …”
” هو بذاته ..”
قالتها نانسي ببرود لتهتف تهاني بإنفعال :-
” ذلك الشاب النسونجي الفاشل ..”
ردت نانسي بقوة :-
” صلاح ليس فاشلا وعلاقاته النسائية انتهت تماما .. هو يجبني ويريدني ..”
” متى حدث ذلك .. ؟! منذ مدة قصيرة كنت تعشقين إبن عمه ..”
قالتها تهاني بعصبية لترد نانسي بقوة :-
” المشاعر تتغير وصلاح كنت أعرفه منذ سنوات وأحببته ..”
قاطعتها هايدي بجدية :-
” ألا ترين إن الأمر ما زال مبكرا على الإرتباط الرسمي يا نانسي ..؟!”
ردت نانسي بلا مبالاة :-
” كلا ليس مبكرا ابدا ..”
” مستحيل أن أوافق .. إنه شاب مستهتر وفاشل ..”
ردت نانسي وهي تتحداها بنظراتها:-
” يبدو إنك لم تفهمي بعد .. أنا لا أخذ رأيك .. أنا أخبرك بقراري الذي أتخذته أساسا ..”
” ماذا جرى لك بالضبط ..؟!”
قالتها تهاني وهي تنهض من مكانها بعصبية لتهتف هايدي بسرعة محاولة احتواء الموقف :-
” حسنا ماما اهدئي .. لا مانع أن ترتبط به .. ليخطبها و يقضيان عدة أشهر معا ربما بالفعل سيتغير و ..”
قاطعتها نانسي وهي تنهض بدورها من مكانها :-
” من قال إن هناك خطبة أساسا ..؟! أنا سأتزوج فورا …”
” ما هذا الجنون …؟!”
هدرت بها تهاني بإنفعال مكتوم عندما قالت نانسي بحسم :-
” لا تصرخي من فضلك .. لقد اتخذت قراري وانتهى … صلاح سيخطبني قريبا … وإذا لم توافقِ على الأمر سأخبره أن يخطبني من عمي بدلا منك …”
أنهت كلماتها واتجهت خارج المكان تاركة والدتها تتابع آثرها بعدم تصديق بينما جلست هايدي بضعف غير مصدقة تحول نانسي الصادم المريب …
…………………………………………………….
دلف مهند الى جناحه ليجد جيلان تجلس على السرير تحتضن جسدها داخل ذراعيها بملامح جامدة تماما ..
تقدم نحوها وجلس أمامها يسألها بجدية :-
” كيف حالك يا جيلان ..؟!”
ردت بخفوت :-
” أريد أن أغادر هذا المنزل …”
عقد حاجبيه بتعجب متسائلا :-
” تذهبين إلى أين ..؟!”
ردت ببرود :-
” سأذهب عند أخي .. لا أريد أن أبقى هنا ..”
هتف مهند بجدية :-
” لماذا تريدين ذلك ..؟! الجميع هنا يحبك .. والدتي وتوليب وأخواني ..”
” لكن انت موجود وانا لا أحبك ولا أريد أن أتواجد معك في نفس المكان ..”
كز على أسنانه وهو يردد بجدية :-
” حسنا ، برأيي أن تهدئي قليلا .. انت منفعلة بسبب ما حدث صباح اليوم ..”
اعتدلت في جلستها تردد بحزن :-
” رسمتي تدمرت … لقد تعبت فيها كثيرا .. انا لا أفهم لماذا فعلت بي هذا ..؟! انا حتى لا أعرفها ..”
تأمل ملامحها المتسائلة ببراءة مطلقة ليهمس بخفوت :-
” هي هكذا … مجنونة قليلا .. ”
تمتمت بألم :-
” انا لا أريد البقاء هنا ..”
” يكفي يا جيلان .. ما هذه التصرفات الطفولية ..؟! ”
صاح بها بضيق لتدمع عيناها فيزفر أنفاسه بضيق قبل أن يتمتم بملل :-
” انت تبكين على أتفه الأسباب .. إذا بقيت هكذا ضعيفة ومتخاذلة وتبكين بسبب وبدون سبب لن تتقدمي أبدا في حياتك وستظلين هكذا في مكانك …”
نهضت من مكانها تكفكف دموعها مرددة :-
” أريد رؤية أخي ..”
تململ بضيق قبل أن يقول :-
” حسنا قابليه .. لكن اسمعيني جيدا ..”
استدارت نحوه تتأمله ليضيف بقوة وتهديد واضح :-
” أيا ما يحدث في هذا المنزل لا يخرج منه .. يعني لن تخبري أخيكِ بأي شيء يحدث بيننا أو داخل المنزل … خاصة ما حدث صباح اليوم ..”
نظرت إليه دون رد ليسألها بقوة :-
” لماذا لا تجيبين ..؟!”
هزت رأسها بطاعة قبل أن تحمل هاتفها وهي تقول:-
” سأتصل به حالا ..”
ثم فتحت هاتفها بينما وقف مهند يتأملها عاقدا ذراعيه أمام صدرها عندما وجد ملامحها تنفرج وهي تحييه :-
” عمار كيف حالك ..؟!”
جاءها صوت عمار المرحب :-
” اهلا حبيبتي .. انا بخير .. انت كيف حالك ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أريد رؤيتك يا عمار …”
أضافت وهي تتأمل ملامح مهند الجامدة بحذر :-
” اشتقت إليك كثيرا ..”
شعر عمار بشدة حاجتها له فقال بجدية :-
” سأمر عليك بعد ربع ساعة .. كوني جاهزة .. سآخذك الى احد المطاعم لنتناول الغداء سويا ونتحدث ..”
” حسنا سأكون في انتظارك ..”
قالتها بفرحة وهي تودعه قبل أن تنطق نحو غرفة الملابس تخرج لها شيئا ترتديه ليلحق مهند بها وهو يسألها :
” ستخرجين معه إذا ..؟!”
ردت بسرعة :-
” نعم ، سنتناول الغداء سويا ..”
هز رأسه بتفهم ثم انسحب مغادرا المكان لتحمل هي بنطالا من الجينز وتيشرت صيفي تسارع ترتديه قبل أن ترفع شعرها على شكل ذيل حصان بعدما سرحته استعدادا لقدوم أخيها ..
بعد مدة من الزمن ركبت سيارة عمار بجانبه وهي تلقي التحية بخفوت ليسألها وهو يبتسم لها بعدما أدار مقود سيارته :-
” كيف حالك يا جيلان ..؟!”
ردت بتعب :-
” لست بخير أبدا ..”
تنهد ثم قال :-
” سنصل الى المطعم ونتحدث هناك ..”
وبعد مدة جلسا أمام بعضيهما في احد المطاعم الراقية المطلة على البحر ليشير الى النادل الذي تقدم يدون طلباتهما ..
ابتعد النادل بعدها ليتسائل عمار أخيرا :-
” أخبريني إذا ، ماذا هناك ولماذا لست بخير ..؟!”
ردت بعفوية :-
” لا أريد البقاء في القصر.. أريد البقاء معك ..”
هتف بجدية :-
” ألم نتفق يا جيلان إن أمر بقائك هناك ضروري لأجلك ..؟!”
همست بضعف :-
” ولكنني لا أريد …”
سألها بجدية :-
” هل هناك من يزعجك ..؟! هل مهند آذاك أو أزعجك ..؟!”
أدمعت عيناها وهي تتذكر موقف اليوم ليتسائل عمار بضيق وغضب مكتوم :-
” كنت أعلم ذلك .. أخبريني ماذا فعل بك ذلك الحقير ..؟
ردت بتردد :-
” انت لن تخبره إنني أخبرتك بذلك ..”
سألها بضيق :-
” هل هددك بعدم إخباري بشيء ..؟!”
اومأت برأسها ليزفر أنفاسه بقوة ثم يقول بجدية :-
” لا تقلقي .. لن أخبره بالطبع ..”
ابتلعت جيلان ريقها ثم قالت بتردد :-
” لقد أتت حبيبته ومزقت رسمتي ..”
” حبيبته .،؟!”
رددها عمار بدهشة لتهز جيلان رأسها وهي تضيف :-
” نعم وقالت إنها زوجته الأولى قبلي والحقيقية .. تخيل مزقت رسمي التي سهرت عليها طوال الليل .. لا أصدق ذلك .. لقد تعبت بها كثيرا ..”
شرد عمار بأفكاره محاولا إستيعاب ما سمعه عندما سأل جيلان بقوة :-
” هل متأكدة إنها زوجته ..؟!”
ردت جيلان بعفوية :-
” هي قالت ذلك .. قالت انا زوجته الاولى والحقيقة ..”
” وماذا فعل هو ..؟!”
سألها بإهتمام لترد بخفوت :-
” حاول أن يبعدها عني ..”
رفع عمار حاجبه مرددا :-
” إذا لم ينكر كلامها ..”
صمتت جيلان ولم ترد ليضيف متسائلا :-
” هل تعرفين إسمها ..؟! وكيف شكلها ..؟!”
ردت بسرعة :
” اسمها تقى .. وهي شقراء ذات عيون زرقاء او خضراء لا أتذكر بالضبط .. لكنها جميلة جدا ومخيفة جدا ..”
” هكذا إذا .. الباشا متزوج .. يا لها من مفاجئة كبيرة .. كبيرة ورائعة ..”
قالها وهو يبتسم بخبث قبل أن ينظر الى جيلان وهو يهتف بها :-
” أخبريني يا جيلان ما حدث بالتفصيل الممل .. وأيضا أخبريني كل ما تعرفينه عن تلك الفتاة .. ”
اومأت جيلان رأسها بطاعة وبدأت تسرد على مسامعه كل ما حدث وما تعرفه ليبتسم عمار ملأ فمه وهو يتراجع بجسده الى الخلف مرددا بينه وبين نفسه بعدما أنهت جيلان حديثها :-
” وأخيرا وقعتم بين بدي يا ابناء الهاشمي ..”

كانت تجلس أمام طاولة التجميل تتأمل خاتمها الماسي بشرود ..
عقلها لا يكف عن التفكير وروحها يملؤها الإختناق دون سبب معين ..
ربما مغادرة نديم البلاد مساء الغد جعلتها بهذه الحالة فهي سوف تفتقد أخيها كثيرا ولكنها لم تظهر ذلك علنا وأخفت تأثرها الشديد لإنها تثق إن السفر أفضل لوضعه ..
إضافة الى تفكيرها بوضع ليلى النفسي ورغبتها بالإطمئنان لكن خجلها الشديد منها يمنعها من ذلك وبالطبع ضميرها الذي يؤنبها بإستمرار لشعورها إنها آلمت ليلى كثيرا وحطمت قلبها دون رحمة ..
حياة أيضا تشعر بتأنيب ضمير شديد نحوها وهي تشعر إنها ظلمتها عندما قررت أن تشجع علاقتها بنديم لإجل أخيها وسعادته التي فقدها كليا بعدما تعرض له ..
كل هذه المشاعر المختلطة كانت تضغط عليها بقوة ودعوة والدة فراس لها على العشاء هي ووالدتها ضاعفت من ذلك الضغط وهي تتجهز كليا لمشادة جديدة قد تحدث بينهما لكنها بالطبع ستحاول قدر المستطاع التعامل بدبلوماسية معها أولا لأجل نفسها وثانيا لأجل والدتها التي ستأتي معها ولن تسمح بأي إساءة لها مهما حدث أو أي إحراج ..
أخذت نفسا عميقا ثم تأملت ملامح وجهها الجميلة وشعرها المسرح بعناية .. فستانها الجذاب ..
كل شيء كان كاملا فقررت النهوض أخيرا والخروج من غرفتها حيث ستتوجه الى والدتها كي تراها إذا ما أصبحت جاهزة للمغادرة ففراس سيصل بعد عشر دقائق ليأخذهما الى منزله كما اتفقا مسبقا ..
حملت حقيبتها وغادرت المكان لتتجه الى غرفة والدتها حيث طرقت على الباب بخفة ثم فتحتها لتجد ووالدتها أمامها جاهزة تماما وفي إنتظارها وملامحها يظهر عليها الضيق بوضوح ..
هتفت غالية بجدية وهي تفتح حقيبتها وتسحب هاتفها الذي سمعت صوت رنينه :-
” ماما من فضلك لا داعي أن تظهري ضيقك من هذه الزيارة بوضوح هكذا …!”
أجابت على فراس ترد تحيته ثم تخبره :-
” نحن جاهزتان نعم .. حسنا ننتظرك ..”
ودعته بخفوت وأغلقت الهاتف بينما عيناها ما زالتا معلقتين على وجه والدتها لتردد بإستهجان :-
” ماما من فضلك ..”
قاطعتها صباح بتجهم :-
” فهمت .. لا تقلقي ما إن يأتي عريسك المبجل سأخفي كل ضيقي وإمتعاضي منه تماما ولن يظهر أي تعبير يدل عليهما على ملامح وجهي …”
زمت غالية شفتيها بعبوس دون رد عندما سألتها صباح من بين أسنانها :-
” متى سيصل الباشا ..؟!”
ردت غالية بنفاذ صبر :-
” قارب على الوصول .. دعينا ننزل الى الأسفل حتى نخرج إليه مباشرة عند وصوله ..”
ثم اتجهت نحو الباب حيث فتحته وخرجت منه تتبعها والدتها التي أخذت تغمغم بكلمات غير راضية بينها وبين نفسها ..
بعد حوالي خمس دقائق وصل فراس بالفعل فخرجت غالية أولا تتبعها والدتها ..
هبط فراس من سيارته مبتسما وهو يغلق أزرار سترته عندما تقدمت غالية نحوه تبتسم برسمية فكان هو بدوره مبتسما وهو يقبض على يدها ويحييها ..
ابتعد عنها واتجه نحو صباح حيث مد يده نحوها مبتسما بثقة لتمد صباح كف يدها بدورها وهي تبتسم مرغمة فيرفعها فراس ويقبلها بخفة مرددا بلباقة :-
” سعدت كثيرا برؤيتك يا صباح هانم .. وجودك في منزلنا يشرفنا كثيرا ..”
ردت صباح بدبلوماسية :-
” الشرف لنا أيضا يا بني ..”
اتجه يفتح لها باب السيارة في الأمام كنوع من الإحترام تعجبت له غالية لكن صباح رفضت مرددة بهدوء :-
” خطيبتك تجلس جانبك يا بني وانا سأكون في الخلف ..”
رد مبتسما بنفس الثقة :-
” كما تحبين يا هانم ..”
فتح لها الباب الخلفي فركبت صباح ليغلق الباب ثم يسارع ويفتح الباب لغالية وهو يبتسم لها بقوة فتبادله إبتسامته بخفة وهي تصعد على الكرسي جانبه ..
ركب بدوره في كرسيه وشغل سيارته ثم حرك مقودها متجها نحو منزله ..
سأل صباح التي تجلس في الخلف :-
” هل تفضلين نوع معين من الموسيقى يا هانم ..؟!”
ردت صباح بجدية :-
” أفضل الموسيقى الهادئة عادة ..”
وبالفعل فتح لها أحد أنواع الموسيقى الهادئة التي اندمجت معها غالية لا إراديا حيث أغمضت عينيها وشردت في خيالها بعيدا محاولة طرد كافة الأفكار السلبية من عقلها و المشاعر المؤلمة من قلبها ..
بعد مدة من الزمن توقف فراس بسيارته داخل كراج المنزل حيث سارع وهبط من السيارة ليفتح الباب الخلفي فهبطت صباح تتأمل الفيلا الضخمة والراقية بفضول ثم اتجه نحو غالية وفتح الباب لها لتهبط من السيارة وهي تشكره بخفوت …
سارتا أمامه حيث وجدتا الخادمة في إستقبالهما وهي ترحب بهما قبل أن تتجه بهما نحو صالة الجلوس حيث توجد كلا من والدته وأخته ..
تقدمت غالية نحو باسمة التي رحبت بها بهدوء لا يخلو من التحفظ وإبتسامة رسمية وفعلت المثل مع والدتها التي ردت تحيتها بنفس الطريقة …
لوجين إستقبلتهما بإبتسامة لطيفة هادئة تشبهها ليجلس بعدها الخمسة في صالة الجلوس عندما تقدمت الخادمة تحمل لهم أقداح العصير مع أحد أنواع الشوكولاته الفاخرة ..
تبادلت صباح الأحاديث الرسمية مع باسمة وكذلك غالية التي تحدثت بإقتضاب ورسمية شديدة مع باسمة وبلطف وإبتسامة لطيفة مع لوجين التي رغما عنها بدأت تحبها رغم ضيقها من دخول إمرأة حياة أخيها بدلا من عهد التي لطالما إعتبرتها بمثابة أختها الكبرى وصديقتها المقربة ..
لحظات قليلة وصدح صوت جذب إنتباه غالية لا إراديا حيث تقدم فادي وهو يلقي تحية السلام بترحيب لتلتقي نظراتها لا إراديا بنظراته التي بدت وكأنها إقتنصتها من بين الجميع فجمدت ملامحها عن قصد رغم شعورها بشيء من الإضطراب داخلها والذي لم تفهم سببه ..
تقدم فادي مرحبا بصباح اولا ثم اتجه لها ومد يده مرحبا بها لتنهض من مكانها مرغمة ترد تحيته فبالكاد تلامس يده يدها ليسحب يده فورا وهو يبتسم لها بفتور ونظراته الغامضة تحاوطها مجددا ..
اتجه يجلس برقي جانب أخته عندما هتفت باسمة تعرف عنه مجددا :-
” فادي ابني الثاني يا صباح هانم .. يعمل ضابطا في الشرطة .. لم تتعرفِ عليه جيدا المرة الماضية ..”
هتفت صباح وهي تضع إنتباهها عليه :-
” اهلا بني .. ”
رد فادي مبتسما بهدوء :-
” اهلا بك يا هانم ..”
أضاف بلباقة :-
” أنرتِ البيت بوجودكِ يا هانم ..”
ردت صباح تحيته بنفس اللباقة بينما هتفت باسمة بعدما أشارت لها الخادمة إن طاولة الطعام أصبحت جاهزة :-
” العشاء جاهز .. تفضلوا جميعا الى غرفة الطعام ..”
نهض الجميع من مكانهم واتجهوا الى غرفة الطعام حيث ترأست باسمة طاولة الطعام كعادتها بينما جلس كلا من فراس وغالية على يسارها أما صباح وفادي ولوجين على يمينها …
بدأ الجميع في تناول الطعام عندما تحدثت باسمة قائلة :-
” أخبرني فراس إن الخطبة ستطول قليلا يا غالية ..؟!”
نظرت غالية إليها وردت بهدوء :-
” نعم ، هذا صحيح .. انا لا أحب الإستعجال خاصة في خطوات مهمة كهذه الخطوة .. من الأفضل أن نتعرف على بعضنا أكثر ونتأكد من توافقنا قبل الزواج ..”
هتفت باسمة بتهكم خفي :-
” تتعرفان على بعضيكما ..؟! ألستما تعرفا بعضكما مسبقا أساسا ..؟!”
نظرت لها صباح بحدة لا إراديا بينما ردت غالية ببرود :-
” انا لم ألتقِ بفراس سوى مرات معدودة وأغلب أحاديثنا مختصرة .. يبدو إنك تتصورين إننا مرتبطين منذ فترة ونحب بعضنا لكن الحقيقة إننا شعرنا بالإعجاب المتبادل بيننا فقط لا غير لذا وافقت على الخطبة كي أمنح نفسي الفرصة الكافية لتحديد القادم فأنا لا أحب العلاقات الغير رسمية عموما ..”
” تفكير رائع …”
قالتها لوجين بعفوية بينما تغضنت ملامح فراس بإنزعاج صريح من حديثها عن عدم وجود مشاعر داخلها نحوه ..
تعابير باسمة كانت عادية اما صباح فمنحت ابنتها نظرة مشجعة اما غالية فإتجهت أنظارها لا إراديا نحو فادي الذي وجدته يتأملها بلا مبالاة فعادت بتركيزها نحو طبقها وهي تشعر بالضيق من نظراتها التي توجهت نحوه بشكل عفوي بحت ..
” تفكير يليق بفتاة مثلك ..”
قالتها باسمة بإقتضاب لتبتسم غالية بجمود قبل أن تحمل قدح العصير وترتشف منه قليلا …
وضعت العصير جانبا ثم سألت بتعمد :-
” أين تميم ..؟!”
ردت باسمة على الفور :-
” أرسلته عند والدته .. ”
منحتها غالية إبتسامة غريبة لم تفهم باسمة معناها بينما ظهر الإنزعاج بوضوح على وجه صباح اما فراس فقد تجمدت ملامحه تماما لا إراديا ما إن ذكرت والدته سيرة عهد ..!!
إنتهى الطعام وعاد الجميع الى صالة الجلوس عندما عرضت لوجين على الجميع الخروج الى الحديقة الخارجية فالجو يبدو لطيف ومناسب لتناول القهوة والحلويات ..
إمتنعتا كلا من باسمة وصباح عن الخروج حيث فضلتا البقاء في الداخل بينما خرج فراس وغالية يتبعهما فادي ولوجين …
جلس الأربعة في الحديقة جانبا حيث كان الجو رائعا عندما نهضت لوجين من مكانها تستأذنهم لتساعد الخادمة في جلب القهوة والحلويات ..
لحظات قليلة وجاء اتصال الى فراس الذي اتجه بعيدا قليلا ليبقى كلا من غالية وفادي لوحديهما ..
كان الصمت مخيما على الأجواء فشعرت غالية بالتململ وهمت بالنهوض لتساعد لوجين فسألت فادي مرغمة :-
” في أي إتجاه المطبخ ..؟! سأذهب وأساعد لوجين ..”
هتف فادي ببرود :-
” لا داعي لذلك .. بكل الأحوال لن تكوني يوما جزءا من هذا المنزل وانت تعلمين هذا جيدا ..”
احتدت ملامحها وهي تسأله بعدما نهضت من مكانها :-
” ماذا تقصد ..؟!”
ابتسم ببرود مجيبا :-
” أقصد إن كل هذه التصرفات لن تمر علي بسهولة كما تعتقدين .. أنا أذكى من أن أصدقك وأصدق ألاعيبك ..”
صاحت بصوت منفعل قليلا :-
” هل جننت ..؟! عن أي ألاعيب تتحدث ..؟!”
نهض من مكانه مرددا بقوة :-
” لا ترفعي صوتك أولا .. وانتِ تدركين جيدا مقصدي مثلما أنا أدرك من أول يوم إن موافقتك على طلب فراس ليس بدافع الزواج كما تقولين وإنما هناك سببا آخر كالإنتقام مثلا ..”
” هذه أوهام داخل رأسك لا وجود لها أساسا ..”
قالتها بإنفعال شديد ليرد وهو يتقدم نحوها بخطوات مريبة قليلا :-
” حسنا اهدئي .. لا داعي لكل هذا الإنفعال يا غالية هانم .. كوني اهدأ لإن العصبية والإنفعال ليسا من صالحك أبدا …”
كادت أن ترد لكن أوقفها فراس الذي تقدم نحويهما يردد بسرعة :-
” انا يجب أن أغادر حاليا .. أعتذر حقا يا غالية ولكن حدثت مشكلة كبيرة في الشركة وسأضطر الى المغادرة حالا …”
سأله فادي بقلق :-
” هل المشكلة كبيرة ..؟! سآتي معك ..”
لكن فراس قاطعه بسرعة :-
” كلا ابقى هنا وقم بإيصال غالية ووالدتها الى المنزل ..”
أضاف يشير الى غالية التي تجمدت ملامحها تماما :-
” من فضلك قدمي إعتذاري الشديد لوالدتك وأنا ما إن أنتهي من هذه المصيبة سأتصل بها وأعتذر منها بنفسي ..”
اندفع بعدها مغادرا المكان يتابعه فادي بنظرات غير مقتنعة وهو يشعر إن هناك تمثيلية مبهمة خلف تصرفات أخيه بينما تقدمت لوجين وهي تهتف بهما :-
” لقد جاءت القهوة ..”
كانت الخادمة تتبعها وهي تحمل صينية الحلويات عندما سألت لوجين عن فراس وسبب غيابه عن المكان لترد غالية ببرود :-
” فراس غادر يا لوجين .. لديه مشكلة في عمله وإضطر الى المغادرة ..”
تبادلت لوجين النظرات مع فادي فوجدت عدم الرضا يغزو ملامحها لتتدارك غالية الموقف وهي تبتسم متقدمة نحوها تحمل فنجان القهوة لها مرددة بمرح مصطنع :-
” دعينا نتذوق القهوة هيا …”
ثم ارتشفت القليل منها قبل أن تهتف بتلذذ :-
” لذيذة جدا .. سلمت يد من أعدتها ..”
ابتسمت لوجين بخفوت بينما هتف فادي بحيادية :-
” هيا تفضلوا واجلسوا ..”
تقدمت الخادمة بعدها ووضعت أطباق الحلويات أمامهما ثم غادرت لتبدأ غالية تبادل أطراف الحديث مع لوجين بينما أخذ فادي يرتشف قهوته بصمت ..
بعد مدة من الزمن كانت غالية تجلس في الخلف في سيارة فادي بينما والدتها أماما بجانبه بعدما أصر على إيصالهما رغم رفض صباح الشديد والتي أرادت أن تطلب السائق الخاص بهم ..!!
سألت صباح فادي بإهتمام :-
” انت تعمل في الداخلية إذا ..؟!”
رد فادي بجدية :-
” نعم يا هانم .. انا مقدم في الشرطة ..”
تطلعت إليه صباح للحظات قبل أن تهتف بجدية :-
” جيد .. عملكم صعب وخطير ..”
” صحيح لكنه ممتع ..”
قالها فادي وهو يبتسم بخفة لتهتف صباح بجدية بينما غالية تتأمل الحديث الدائر بين والدتها وفادي بضيق غير مفهوم :-
” يبدو إنك تحب عملك كثيرا ..”
رد فادي بصدق :-
” عملي هو أكثر شيء أحبه في هذه الحياة … ”
” كم هو رائع أن يمارس الإنسان المهنة التي يفضلها ..”
قالتها صباح بشرود فأكد فادي حديثها :-
” اتفق معك كثيرا … ”
تنهدت صباح وقالت :-
” الأصعب من ذلك عندما يتعلق الشخص بمجال عمل معين فلا يجد نفسه في سواه ..”
” للأسف يحدث أحيانا .. بينما الكثير يتأقلمون في مجالات لا يحبونها او لم تكن إختيارهم المفضل هناك من يفشل في العمل في أي مجال غير المجال الذي يفضله .. رغم قلة ذلك لكنهم موجودين …”
ابتسمت صباح بمرارة وهي تردد :-
” أخشى أن يحدث هذا مع إبني .. طوال عمره ويعشق محال الصيدلة والكيمياء … أخشى حقا ألا يستطيع إيجاد نفسه في أي مجال آخر ..”
قاطعتها غالية بثقة :-
” سيجد نفسه بالتأكيد .. لا تقلقي .. نديم قوي وأنا أثق بقدرته على التأقلم مع أي وضع كان ..”
قال فادي بجدية :-
” الفكرة ليست بالقوة او الضعف .. الفكرة في رغبة الشخص الداخلية .. أحيانا رغباتنا لا تتوافق مع مختلف المجالات .. مثلا الطبيب لا يتخيل نفسه مهندسا ليس لإنه يكره الهندسة تحديدا او يحب الطب كثيرا لكنه لا يجد نفسه في هذا المجال وبالتالي مهما حاول واجتهد ستظل هناك حلقة مفقودة وفراغ داخله يجعل كل شيء حوله صعب ومرهق .. ”
” الإنسان مجبر أحيانا على التأقلم مع أي وضع كان عندما لا يجد أمامه بديلا …”
قالتها غالية بقوة ليرد :-
” تعلمي ألا تعممي الأمور لإنه دائما هناك لكل قاعدة شواذ ..”
أضاف وهو يبتسم لصباح بلباقة:-
” لكن اتمنى حقا لإبنك أن يجد مجال عمله يناسبه بل ويحبه أيضا كما أحب الصيدلة …”
” أتمنى ذلك حقا خاصة إنه سيسافر خارجا ..”
هتف فادي جدية :-
” أظن إنه يمكنه ممارسة مهنته خارج البلاد …”
” حقا ..؟!”
سألت صباح بلهفة لتسأل غالية بدورها بإهتمام :-
” كيف ذلك ..؟!
رد فادي بجدية :-
” غالبا في اوروبا وامريكا مسموح له أن يمارس مهنته بعدما يقوم بإمتحان معادلة لكن ربما يحتاح أن يحصل على وثيقة من النقابة وهنا يوجد بعض الصعوبة .. لكن عموما يستطيع أن يحل الأمر إذا إختار أوروبا او أمريكا تحديدا ..”
” هو أساسا سوف يسافر الى امريكا لكنني لم أكن أعلم بهذا النظام …”
قالتها صباح بدهشة ليهتف فادي بجدية :-
” يمكنني السؤال عن التفاصيل كاملة وإخباركم بها إذا أردتم ..”
” نريد بالطبع …”
قالتها صباح بسرعة ليهتف فادي :-
” حسنا سأبحث في الأمر وأجلب لكم التفاصيل الكاملة قريبا جدا بإذن الله …”
تلاقت نظراته خلال المرآة مع نظرات غالية ليضيف بجدية :-
” سأتواصل مع الآنسة غالية حينها ..”
أشاحت غالية وجهها بعيدا عنه بينما ابتسم هو بتهكم وعاد بتركيزه نحو الطريق مجددا ..
……………………………………………………………….
في منزل والدة حياة كانت أحلام تجهز السفرة بعناية لإستقبال نديم وحياة ..!!
كانت تبدو متوترة بشكل غريب حتى تقدمت منها حنين تسألها بإهتمام :-
” لماذا تبدين متوترة الى هذا الحد يا ماما ..؟! ضيوفنا ليسوا غربا بكل الأحوال .. حياة واحدة منا ونديم أصبح كذلك أيضا كونه زوجها ..”
توقفت أحلام مكانها وهتفت بخفوت :-
” انا لست متوترة يا حنين .. انا فقط أشعر بالإختناق الشديد ..”
تقدمت منها حنين تسألها بقلق :-
” ماذا حدث ..؟! هل انتِ مريضة ..؟!”
هزت أحلام رأسها نفيا وردت بنفس الخفوت :-
” ستبتعد أختكِ عني مجددا وقبل أن أقضي وقتا كافيا على الأقل معها ..”
” لا بأس .. فترة محددة وستعود بعدها ..”
قالتها حنين وهي تربت على كف يدها لتبتسم احلام بتهكم مرددة :-
” من يذهب الى تلك البلاد لا يفكر في العودة أبدا يا حنين …”
شعرت حنين بالقلق لا إراديا من فكرة إستقرار حياة هناك الى الأبد وهي التي أحبت وجودها وشعرت بالسعادة بوجود أخت حقيقية معها وجانبها ..
رن جرس الباب فأفاقت حنين من أفكارها وسارعت تتجه نحوه وتفتحه وهي تردد :-
” سأفتح الباب ..”
فتحت الباب وهي تبتسم بسعادة محاولة طرد هذه الأفكار بعيدا عن رأسها الآن ..
إحتضنت حياة بسعادة ثم حيت نديم الذي ربت على كتفها بأخوية ومحبة .
جاءت أحلام وسارعت تحتضن حياة التي فوجئت بها تتعلق بأحضانها بقوة غريبة وكأنها تتشبث بها ..
لاحظ نديم ذلك كما لاحظ ملامح أحلام القلقة فإبتسم مرددا :-
” إمنحيني الفرصة لأحيي والدتك على الأقل يا حياة ..”
ابتعدت حياة محاولة إخفاء الألم الذي سكن ملامحها فسارع نديم يحيي أحلام التي رحبت به بحفاوة رغم القلق الذي سيطر عليها بسبب الشعور الذي تكون داخلها بعدم راحة ابنتها وحاجتها الشديدة لها ..
اتجه الجميع نحو صالة الجلوس حيث سارع أشرف للنهوض مرحبا بهم بسعادة واضحة وترحيب حار ..
جلس الجميع في صالة الجلوس يتبادلون الأحاديث بينما أحلام لا ترفع عينيها عن إبنتها التي شعرت إنها تصطنع الإبتسامة والإندماج في الحديث ..
أصبحت المائدة جاهزة فنهض الجميع لتناول الطعام والذي مر بسلاسة قبل أن يجلس نديم مع أشرف مجددا في صالة الجلوس بينما طلبت أحلام من حياة التحدث معها على إنفراد تاركة حنين مع والدها ونديم ..
دلفت حياة أولا الى غرفة والدتها تتبعها أحلام التي أغلقت الباب وتقدمت نحوها بسرعة تسألها وهي تديرها نحوها :-
” هل أنت بخير ..؟! أخبريني عنك .. كيف هي أحوالك ..؟!”
ابتلعت حياة ريقها وردت بصوت حاولت جعله عاديا طبيعيا :-
” انا بخير يا ماما .. ”
” لا تكذبي يا حياة .. انتِ لستِ بخير أبدا …”
قالتها أحلام وهي تقبض على كفها تضيف بتوسل :-
” أخبريني ماذا يحدث معك حبيبتي .. ”
ردت حياة بسرعة :-
” حقا لا يوجد .. فقط فكرة السفر الى الخارج والإبتعاد عن البلاد ومن فيها تخيفني قليلا ..”
” ولكنني لا أشعر إن هذا السبب الوحيد ..”
قالتها أحلام بقلق وعدم اقتناع لتبتسم حياة مرددة وهي تربت على كفها :-
” كلا هذا هو السبب الوحيد وأظن إنه من الطبيعي أن أشعر بالخوف والقلق وعدم الراحة ..”
قالت أحلام بجدية :-
” أخبرتك مسبقا وسأخبرك مجددا … انا دائما هنا … لا تترددي لحظة واحدة في اللجوء إلي إذا ما حدث شيء ما … لا تترددي أبدا يا حياة فأنا والدتك ويجب أن أكون دائما معك وجانبك في مختلف الظروف ..”
” أشكرك حقا ..”
قالتها حياة بصوت متحشرج لتهتف أحلام بجدية :-
” لا تشكريني أبدا .. هذا واجبي وواجب كل أم وأنا تأخرت كثيرا في القيام بواجباتي نحوك ..”
جذبتها بعدها تعانقها بقوة لتبادلها حياة عناقها وهي بالكاد تسيطر على دموعها المهددة بالظهور ..
جذبتها والدتها بعدها واتجهت نحو خزانتها الخاصة حيث أخرجت ورقة وأعطتها لحياة التي تفاجئت بشيكا يحمل مبلغا ضخما …
” ماذا هذا يا ماما ..؟!”
سألتها حياة بعدم إستيعاب لترد أحلام بجدية :-
” غدا صباحا سوف تسحبين هذا المبلغ وتأخذينه معك .. هل فهمت ..؟! ”
” كلا لن أفعل …”
قاطعتها أحلام بقوة وحزم :-
” ستفعلين .. انت لن تذهبي هناك دون أموال خاصة بك .. انا والدتك وما أمنحك إياه أقل بكثير مما يجب أن أمنحه ..”
رددت حياة بعدم تصديق :-
” أقل بكثير .. هل تمزحين يا ماما ..؟؟ إنه مبلغ ضخم جدا وسيكفيني لمدة طويلة ونديم أساسا ..”
قالت والدتها بسرعة :-
” نديم لا دخل له بهذه الأموال .. هو زوجك ومسؤول عنكِ وأنا والدتك ومسؤولة عنك ايضا ..”
” لكن هذا المبلغ كثير .. لا يمكنني أخذه .. ”
قالتها حياة بجدية وهي تحاول إعادة الشيك لوالدتها لكن أحلام أوقفتها بحزم وهي تقول :-
” ستأخذينه يا حياة .. إجبارا عنك ستأخذينه ..”
أضافت وهي تجذبها من كفها نحو السرير تقول :-
” تعالي الآن ودعينا نتحدث قليلا فغدا سوف تسافرين والله وحده يعلم متى ستعودين ..”
………………………………………………………
بعد مدة من الزمن ..
طرقت حنين على باب غرفة والدتها ودلفت الى الداخل لتنهض حياة من مكانها وهي تبتسم لها مرحبة :-
” تعالي يا حنين ..!”
تقدمت حنين نحوها تحتضنها بقوة فبادلتها حياة عناقها لتسمع حنين تقول بنبرة حزينة :-
” سأشتاق إليك كثيرا ..”
غادرت أحلام الغرفة بسرعة كي لا تتأثر أكثر بينما ابتعدت حنين من بين أحضان حياة تضيف :-
” عودي مجددا يا حياة .. انا أحتاج وجودك معي كثيرا ..”
ابتسمت حياة تربت على وجهها مرددة :-
” سأعود بالطبع حبيبتي وسأتواصل معك يوميا طوال وجودي هناك وأنت متى ما إحتجتني تواصلي معي فورا .. ”
عادت حنين تحتضنها بحزن لتكتم حياة دموعها بالقوة وعاد شعور الغربة يخنقها مجددا …
في تلك اللحظة تمنت لو تبقى مع والدتها وحنين بدلا من السفر الى الخارج في زيجة منتهية أساسا …
لكنها كيف ستتراجع بعدما سحبت أوراقها ونقلتها كافة الى احدى الجامعات في الخارج ورتبت أمورها ..
الأمر صعب للغاية وربما لولا ذلك لتراجعت عن قرار السفر بكل تأكيد …
خرجت بعدها بجانب حنين متجهة حيث صالة الجلوس لتجد نديم ينهض من مكانه مرددا :-
” هل نذهب يا حياة ..؟!”
” حسنا ..”
قالتها حياة وهي تهز رأسها موافقة لتبدأ بتوديع عائلتها عندما قالت أحلام بجدية :-
” غدا سنأتي ونودعكم أيضا …”
احتضنتها حياة مجددا ثم عادت تحتضن حنين التي تعلقت بها بقوة …
غادرا سويا المنزل فألقت حياة نظرة أخيرة على المنزل الذي بقيت به لأيام قليلة فقط ورغم عدم شعورها بالراحة التامة وقتها لكنها تتمنى الآن لو تعود إليه بدلا من الذهاب مع نديم الى الخارج ..
………………………………………………………….
دلفت حياة الى الشقة يتبعها نديم لتتوجه فورا ناحية غرفتها عندما سمعته ينادي عليها :-
” حياة ، توقفي من فضلك ..”
توقفت مكانها تأخذ نفسا عميقا قبل أن تستدير نحوه تسأله بجمود :-
” نعم ، ماذا هناك ..؟!”
تقدم نحوها يسألها بجدية :-
” أريد أن أفهم مالذي يحدث بالضبط .. ؟! الى متى ستظلين هكذا ..؟! ”
أضاف يسأل بقلق :-
” هل انت تعيسة معي الى هذا الحد يا حياة ..؟!”
ابتسمت مرغمة ثم قالت بنفس الإبتسامة الحزينة :-
” كلا لست تعيسة .. ولست سعيدة ايضا .. انا لست أي شيء ..”
أضافت بعدما أطلقت تنهيدة طويلة :-
” انا أحتاج أن أنفرد بنفسي لمدة بعيدا عن أي شيء .. أحتاج لذلك حقا ..”
هتف نديم بجدية :-
” أتفهم ذلك كثيرا .. لكننا غدا سوف نسافر الى الخارج .. سنبدأ حياة جديدة ومختلفة تماما وسنكون لوحدنا نحن الإثنان …”
اومأت رأسها تهتف بخيبة :-
” أعلم ذلك وهنا أساسا تكمن المشكلة ..”
” ماذا تعنين بذلك …؟! هل لديك مشكلة في السفر …؟!

ردت بصدق :-
” سأكون صريحة معك .. لو كان بيدي لتراجعت عنه تماما ..”
سيطرت الدهشة على ملامحها ليسألها بعدم إستيعاب :-
” لماذا ..؟! مالذي تغير ..؟! مالذي حدث لتقولي هذا ..؟!”
ردت بألم ظهر في عينيها :-
” الكثير تغيرر.. داخلي تغير تماما .. مشاعري لم تعد كالسابق وروحي تملؤها الخيبة …”
” لمَ كل هذا ..؟! لإنني اخطأت لمرة ..؟! هل تريدين إعتذارا يا حياة ..؟! هل تريدين وعدا بعدم تكرار هذا الخطأ ..؟!”
سألها بقوة لترد بدموع تملأ عينيها :-
” المشكلة ليست في ذلك الخطأ .. المشكلة إن ما حدث بعده وما علمته جعلني أدرك الكثير من الحقائق التي كنت للأسف الشديد معمية عنها تماما …”
هتف بقوة :-
” وانا كنت كذلك .. معمي عنها تماما مثلك .. ”
” لا تقارن بيننا .. انت اخترت أن تعمي عينيك عن الحقيقة حولك مثلما إخترت أن تتجاهل الحقيقة كاملة … ومثلما تريد الآن الإبتعاد دون حتى أن تفكر في جميع من تتركهم خلفك وأولهم تلك التي ضحت بسنوات من عمرها لأجلك ..”
” هل تظنين إنني شخص أناني وعديم الإحساس لهذه الدرجة حقا يا حياة ..؟!”
سألها مصدوما لترد بتعب وهي تجلس على الكنبة وقد أرهقها تفكيرها المستمر منذ البارحة حتى هذه اللحظة بشدة :-
” انا لم أعد أعرف شيئا .. لم أعد أعرف أي شيء ..”
رفعت وجهها نحوه تضيف بملامح تائهة :-
” انا في دوامة كبيرة يا نديم .. دوامة لا أعرف طريق الخروج منها والمصيبة إنني من وضعت نفسي في هذه الدوامة ..”
تقدم نحوها منحنيا بجسده للأسفل حتى بات في مستواها ليهتف بجدية :-
” إنظري إلي …”
نظرت إليه بعينين حمراوين ليضيف بقوة :-
” انا كما أنا يا حياة .. كما عرفتني دوما .. ربما لم أعد مثاليا كالسابق .. ربما ما حدث معي خلق داخلي جزءا أنانيا لا يفكر سوى بنفسه وراحته لكنني لست سيئا لهذه الدرجة كما أخبرتك منذ أول حديث صريح بيننا إنني تغيرت كثيرا بعد تجربتي في السجن والحياة معي لن تكون سهلة أبدا فآثار السجن وما حدث في الماضي ستظل محفورة داخلي والشفاء منها ليس هينا أبدا ..”
” وليلى ..؟!”
سألته بصوت مبحوح ليجيب بإختناق :-
” ليلى أحببتها كثيرا .. مشاعري نحوها كانت صادقة وحقيقية للغاية .. لكن الحياة أخذتنا الى منحنى مختلف … القدر لم يكن معنا .. هل تظنين إنني بالفعل لا اتألم بسبب ما عايشته بسببي ..؟! هل تظنين إن ضميري لا يؤنبني لإنني لم أسمعها ولو مرة واحدة …؟! لكنني تعلمت منذ سنوات أن أخفي الكثير داخلي لذا لا تحكمين على الظاهر فقط ..”
” عد إليها .. انت تحبها ..”
قاطعها بجدية :-
” انت لا تفهمين بعد ما أعنيه .. أنت للإسف لا تفكرين بشيء واحد وهو مشاعري وحبي لها ..”
هتفت مدافعة عن نفسها :-
” بالطبع لا .. انا لست كذلك .. انا فكرت جديا بكل شيء .. درست كل شيء ولم أجد سوى حل واحد لنا وهو الإنفصال ..”
” ولكنني لا أريد الإنفصال عنك ..”
قالها بجدية لتهمس بدموع متجمعة داخل مقلتيها :-
” وانا لا يمكنني الإستمرار في علاقة معقدة كهذه .. علاقة ميؤوس منها .. انا آسفة .. آسفة لإنني تراجعت عن قراري بالمحاولةولكنني …”
قاطعها بجدية :-
” انت لا يمكنكِ أن تتخذي قرارا كهذا لوحدك … لا يمكنكِ أن تقرري الإنفصال لوحدك ..”
” لكنك اتخذت الكثير من القرارات التي تخصنا لوحدك ..؟!”
سألها بجدية :-
” عن أي قرارات تتحدثين ..؟!”
ردت بقوة :-
” أخفيت عني معرفتك بسر زواج ليلى من عمار يوم الزفاف … قررت من ذاتك أن تخفي الأمر داخلك ولا تخبرني بشيء مهم كهذا .. ”
رد بنفس القوة :-
” لإن هذا الشيء لا يخصك .. هذا الشيء يخصني أنا ولا يخصك أنتِ ..”
انتفضت من مكانها تصيح بنفاذ صبر :-
” ومشاعرك أيضا لا تخصني ..؟!”
نهض بدوره مرددا بعصبية :-
” ما علاقة مشاعري بالأمر ..؟! ماذا تعرفين أنتِ عن مشاعري أساسا ..؟! ماذا تعرفين عما أشعر به وعما أعانيه ..؟!”
” لماذا لا تخبرني إذا ..؟! لماذا تخفي عني حقيقة مشاعرك ..؟! لماذا يا نديم ..؟! لإن مشاعرك تخص واحدة أخرى ..؟! ”
قاطعها يضحك بعدم تصديق :-
” كالعادة دائما ما تفسرين الأمور على طريقتك .. دائما ما تحددين جوابي من ذاتك .. تجيبين على سؤالك بنفسك .. دائما ما تحاولين أن تثبتي إن الحق معك …”
” إذا الحق ليس معي … أخبرني الحقيقة إذا ..”
صرخ بتعب وإنهيار :-
” هل سترتاحين عندما أخبرك عن تشتت مشاعري منذ يوم الزفاف ..؟! هل سترتاحين عندما تعلمين بعذاب الضمير الذي أعايشه منذ تلك الليلة لما أصاب ليلى بسببي ..؟! لمَ تعرضت له دون أي ذنب ..؟! هل سترتاحين عندما تعلمين إنني نادم على قسوتي معها وتجاهلي لها بشكل مؤلم ..؟! وهل سترتاحين عندما تعلمين كم ألوم نفسي لإنني لم أفكر للحظة واحدة إن هناك دافع آخر لزواجها من أخي غير الشيء الذي علمته ..؟! هل يريحك هذا ..؟! ولكن الأهم ، هل سوف تستطيعين الفصل بين معاناتي هذه وبين مشاعري وما أريده الآن ..؟!”
هزت رأسها بعدم تصديق قبل أن تهمس بصوت حازم رغم خفوته:-
” طلقني .. نحن لا يمكن أن نستمر هكذا ..”
تحركت خارج المكان عندما أوقفها يصرخ بقوة :-
” هل أدركتِ الآن لماذا لم أخبرك بكل هذا ..؟! لإنك كالعادة تنسحبين فورا دون حتى أن تفهمي بالضبط ما أعنيه … تحللين مشاعري بناء على تفكيرك .. لا تراعين حتى مدى ضياعي وتشتتي والأهم من ذلك تتناسين إنك عاهدتني على الإستمرار سويا رغم كل شيء .. بينما أنا كنت صريحا معك منذ اول يوم وبينما أنا متمسك بك لآخر نفس تهربين أنت من أول مواجهة وتناقضين عهدك لي بكل بساطة ..”
صاحت بعدم استيعاب :-
” هل أصبحت أنا المذنبة الآن .. وعديمة الإحساس بك ..”
قبض على ذراعيها يهمس بقوة :-
” لا يمكنكِ أن تنكري أبدا إنني لم أخدعك يوما وإنني كنت صريحا معك منذ اللحظة الاولى وما زلت كذلك .. اذا كنتِ تحاولين ربط كل شيء بعلاقتنا ورغبتي بالزواج منك فهذه مشكلتك انت يا حياة .. إنعدام ثقتك بي وبتمسكِ بك وصدق رغبتي بك مشكلتك وليست مشكلتي انا ..”
أضاف وهو يلهث بتعب :-
” منذ يوم الزفاف وانتِ تلقين اللوم علي .. تتعاملين معي وكأنني مجرم .. نذل ومخادع .. تفهمتك كثيرا لكنني لا يمكنني السكوت أكثر ..”
أضاف بلهجة قوية :-
” بينما أنا أحاول التمسك بك بكافة الطرق .. أحاول بناء حياة ناجحة لنا وإستمرار إرتباطنا أنت لم تفعلي شيئا منذ ذلك اليوم حتى الآن سوى محاولاتك لهدم كل ما أحاول بناءه … أي علاقة في هذه العالم تحتاج الى جهد كبير من كلا الطرفين كي تستمر وتنجح وانا إخترتك وظننت إننا سننجح سويا .. انا وجدت بك المرأة التي أريدها وأبحث عنها وأرغب في إكمال ما تبقى من عمري معها لكنكِ كالعادة لا تستوعبين هذا او بالأحرى ترفضين تصديقه ..”
تركها وغادر متجها نحو غرفته لتبقى وحدها في المكان تنتحب بشدة حالها وما وصلت إليه بل ما وصلا إليه كلاهما ..
…………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي ..
دلفت حياة الى شقتها في حدود الساعة الحادية عشر صباحا لتجد الشقة خالية من وجوده كما تركتها ..
لقد إستيقظت في تمام الساعة السابعة لتتفاجئ بنديم غير موجود فسارعت بدورها تتناول شيئا خفيفا ثم تأخذ حماما سريعا وتغير ملابسها حيث ذهبت اولا الى الجامعة وإلتقت بالمسؤولين هناك وتسائلت اذا ما كان يمكنها التراجع والعودة الى مقاعد الدراسة مجددا وقد كانت دهشتهم شديدة فكيف تتخلى عن إكمال دراستها في أمريكا والحصول على شهادة معترف بها عالميا هناك والعودة الى جامعتها العادية ..
وبعد الكثير من الأحاديث فهمت مدى تعقيد الأمر وصعوبته بل وربما تكلفته فهي بشكل او آخر سحبت كافة ملفاتها من الجامعة ولم تعد تنتمي لهم وبالتالي لا يحق العودة لها بسهولة أبدا بل ربما تحتاج الى إستثناء من الوزارة والكثير من الإجراءات التي تمتاز بصعوبتها والأهم من ذلك إن نتائجها غير مضمونة نهائيا ..
خرجت من الجامعة تشعر باليأس وقد تأكدت مجددا إن السفر وإكمال دراستها في الخارج هو الحل الوحيد المتبقى لها لتذهب بعدها الى البنك وتقرر سحب المبلغ الذي أعطته لها والدتها فربما يحدث شيء ما وتضطر أن تترك نديم نهائيا وحينها ستحتاج الى الاموال بالتأكيد ..
أخذت الأموال وهي تعد نفسها إنها ستعيد المبلغ كاملا إليها يوما ما عندما تعمل وتستطيع جمعه لها ..
اتجهت نحو غرفتها وخلعت ملابسها حيث ارتدت بيجامة صيفية خفيفة عندما سمعت صوت الباب يفتح …
خرجت بسرعة من غرفتها لتجده جالسا على الكنبة راجعا برأسه الى الخلف وملامحه يملأها الإرهاق …
” نديم ..”
قالتها وهي تتقدم نحوه ليفتح عينيه ويعود برأسه الى الأمام يتأملها بتلك البيجامة البسيطة وملامحها التي تظهر عليها آثار المكياج الخفيف للغاية وشعرها المرفوع بعنايه ليسألها :-
” هل كنت في الخارج ..؟!”
ردت بصدق :-
” نعم ، خرجت مبكرا وعدت قبل قليل …”
” أين ذهبتِ ..؟!”
سألها بقلق خفي لترد بجدية :-
” ذهبت الى الجامعة وتحدثت معهم في عدة أمور ثم إلتقيت بمي في احد المقاهي وتحدثنا قليلا …”
قالت جملتها الأخيرة كاذبة فهي لا تريده أن يعلم بأمر الشيك والمبلغ الذي منحته لها والدتها ..
” ماذا كنت تفعلين في الجامعة ..؟!”
سألها بملامح مستنفرة لتتقدم نحوه وهي تقول :-
” نديم نحن يجب أن نتحدث ..”
ثم جلست قربه تقول بجدية :-
” البارحة لم أنم طوال الليل .. كنت أفكر في وضعنا وما وصلنا إليه ..”
أضافت تلاحظ ملامحه المترقبة :-
” في كل مرة أفكر في وضعنا اتأكد مجددا من صعوبة ما ينتظرنا ..”
سيطر الجمود على ملامحه لتضيف بجدية :-
” نحن علاقة محكوم عليها بالفشل .. هذا هو الواقع يا نديم .. انت تعشق أخرى غيري وانا لا يمكنني القبول بحياة إعتيادية دافعها الأساسي هو الراحة والحاجة ..”
” لم يكن هذا تفكيرك ..”
قالها بجدية لتهمس بخفوت :-
” بل كان تفكيري هو بذاته منذ البداية .. نديم انا لست إنسانة عاطفية بشكل مبالغ فيه .. الحب ليس أهم شيء بالنسبة لي ولا أعتبره أساس الحياة لكنني أحبك ..”
” جيد .. طالما تحبيني لماذا تفعلين بنفسكِ وبي كل هذا ..؟! لماذا تعذبيني وتعذبين نفسك ..؟!”
سألها وهو يقبض على كفيها بقوة لترد :-
” نديم انت لا تفهم .. انت لا تحبني ولن تفعل .. انت تحتاح وجودي .. ترتاح معي وربما تفرح بوجودي حولك لكن ما فائدة كل هذا دون حب .. ربما لو لم تكن هناك أخرى في قلبك لأصبح الأمر أفضل أو أكثر قبولا … ولكن انا لا أستطيع أن أعيش فقط لإنك ترتاح معي وتسعد وتشعر بالسلام النفسي بينما قلبك ينبض لغيري .. انا مثلما أحبك فمن أبسط حقوقي أن تبادلني مشاعري ولإن المشاعر ليست زر يمكننا التحكم به فأنت لست مجبرا على مبادلتي مشاعري ولا يمكنني لومك على هذا أبدا ولكن من أبسط حقوقي ألا أستمر في وضع كهذا …”
ابتسم بحزن مرددا:-
” الحب إذا .. او العشق بالأحرى .. هو ما تريدينه يا حياة .. وانا طبعا عاجز عن منحك إياه … وانت تعتبرين عجزي بسبب أخرى سيطرت على مشاعري .. سأخبرك شيئا …”
أطلق تنهيدة طويلة ثم قال وهو يتمسك بكفها أكثر :-
” يوما ما كان العشق مهما بالنسبة لي …لم يكن أساس الحياة بالطبع وليس أهم شي لكن بشكل او بآخر كان جزءا من حياتي … كان جزءا جميلا لطيفا … العشق ليس أوكسجين الحياة كما يقول البعض او كما يعتقدون .. العشق قد يكون جزءا من حياتنا لكنه لن يكون أساسها .. العشق يضيف لحياتنا روحا جميلة وطعما جديدا ولذيذا وأحيانا يكون طعمه مرا قاسيا إذا كان عشقا مؤذيا ساما .. مختصر كلامي إننا نستطيع الحياة دون عشق لكننا لا نستطيع الإستمرار دون روح .. لا نستطيع الحياة دون روح حية داخلنا …”
صمت لوهلة ثم قال بصدق :-
” انا لن أكذب .. لن أتلو على مسامعك كلمات العشق والهيام .. لن أقول شيئا لا أشعر به … والأهم من ذلك إنني أصبحت أرى الأمور بشكل منطقي وواضح وأدركت إن هناك أمور كثيرة في هذه الحياة أهم من العشق وهذه العواطف.. هذا لا يعني إنني فقدت إيماني بالعشق .. ربما في البادئ ظننت ذلك لكن هذا لم يكن حقيقيا .. نعم انا ما زلت أؤمن إن العشق موجود وقد يكون إضافة جميلة ومبهجة لحياتنا لكنني أصبحت أعلم إنه ليس أساس الحياة وإن الحياة يمكن أن تستمر بسعادة وراحة وصفاء دون عشق …”
تنهد ثم قال أخيرا :-
” ربما انا بالفعل لم أعشقك بعد .. ربما مشاعري نحوك لم تصل الى مرحلة الحب والغرام ولكن يجب أن تعلمي شيئا .. انت الروح الحية التي كنت أتحدث عنها قبل قليل يا حياة … الروح التي لا يمكننا الإستغناء عنها .. الروح التي تمنحنا الحياة … ”
امتلأت عيناها بالدموع فأخفضت وجهها أرضا تغالب دموعها ليهتف بتوسل :-
” لا تبكي من فضلك .. انا لا أستحق دموعك هذه ..”
رفعت وجهها الباكي نحوه تردد ببكاء :-
” انا أصدقك يا نديم .. جميع ما تقوله صحيح .. يسعدني إنك تراني هكذا … وأصدق جميع ما قلته وأثق بحديثك لكن لا يمكنني موافقتك عليه لإنني سأخسر نفسي تدريجيا .. سأتعب من عطاء الحب والمشاعر دون مقابل .. مشاعري الغير متبادلة نحوك سوف ترهقني كثيرا … حطام قلبي سيتزايد يوميا … افهمني من فضلك ..”
أغمض عينيه بتعب ثم فتحها بعد لحظات يسألها :-
” ماذا تريدين يا حياة ..؟! مالذي يريحك بالضبط ..؟!”
ردت وهي تكفكف دموعها :-
” نحن سنسافر يا نديم .. لا حل آخر أمامنا .. انت سوف تسافر وتبتعد كي تبدأ من جديد وأنا سأسافر لأجل إكمال دراستي هناك والحصول على شهادة مهمة … سنكون سويا وستجدني دائما معك لكن ..”
توقفت قليلا تإخذ أنفاسها قبل أن تضيف :-
” سأكون جانبك كصديقة … صديقة تدعمك وتشاركك حياتك …”
” صديقة ..؟!”
رددها بعدم تصديق لتأخذ نفسها ثم تقول :-
” نعم صديقة يا نديم .. نحن لن نكون زوجين أبدين .. سنكون صديقين .. وأنا أعدك إنني سأكون دائما معك طوال فترة وجودنا في الخارج وسأدعمك دائما كي تحقق ذاتك كما ستدعمني انت وعندما يصل كلانا الى بر الأمان الذي ينتظره سننفصل بهدوء …”
” ولكنني لا أريد هذا …”
قالها بقوة وهو ينهض من مكانه لتنهض بدورها من مكانها وهي تردد :-
” ليس جميع ما تريده تناله يا نديم .. تفهم ذلك جيدا ..”
أضافت بحزم :-
” سأذهب للإنتهاء من إعداد حقيبة سفري ثم أتفقد حقيببة سفرك وأرى إذا ما كان هناك نواقص ..”
أنهت كلماتها ثم تركته واتجهت نحو غرفتها ليتابعها هو بعدم تصديقه مما سمعه على لسانها ..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!