Uncategorized

رواية كاره النساء الفصل العاشر 10 بقلم سهير عدلي

 رواية كاره النساء الفصل العاشر 10 بقلم سهير عدلي

رواية كاره النساء الفصل العاشر 10 بقلم سهير عدلي

رواية كاره النساء الفصل العاشر 10 بقلم سهير عدلي

وضع مروان جبينه على باب حجرة العمليات، الندم يمزق أحشائه، هو الذي ظن نفسه ذئب بشري..قد ماتت الرحمة في قلبه، للحظات ظن أنه كفر بكل النساء..وأنهم كلهن في نظره مجرد  أداة للتسلية..للمتعة، للقضاء على الوقت، جومانة وحدها احتلت مكانة خاصة في قلبه، استولت عليه واستحوذت على نبضاته..عينيها أداة التحكم التي تتحكم به كل نظرة منها تزلزله..في لحظة غباء مضى على ثق ذبحها، في لحظة خوف من فقدها قبل أن يمزقها أربا بدم بارد.
همس لنفسه وهو يضرب جبينه في الباب عدة مرات والندم يأكل قلبه:
-ما كانش المفروض أوافق، ما كانش  المفروض أقبل..أنا غبي حمار..وحش مفترس ..ضيعتها قبل ما تبقى ملكي.
ظل يخبط رأسه في باب الغرفة ندما.. ويجلد نفسه ويلومها أشد اللوم.. يشعر أنه يريد أن يضرب نفسه بالرصاص عقابا لها على ما فعلته.
على بعد متر واحد جلس عبد الحميد أبيها على مقعد الأنتظار، وكل شئ بداخله متوقف نبضه ..قلبه الذي لا يخفق.. عقله المشلول ، ضميره الميت ..هكذا كان يشعر..صمت رهيب بداخله ينذر بشئ خطير..يريد أن يلوم نفسه ولا يستطيع..يريد أن يتكلم يعاتب ضميره يحاسبه..لكنه عاجز ..فقط كان لسانه ينطق بكلمة ينطقها بروح تحتضر..تخرج بحروف ضعيفة ميتة:
-بنتي..بنتي..بنتي..بنتي.
ساعتين بعدها خرج من الحجرة طبيب نسائي عمره ثمانية وعشرون عاما..أشقر..شعره أصفر ذو تعاريج..شفتاه غليظتان مقلوبتين باشمئزاز من فعلته، وجهه غاضب مستاء لم يخفى ذلك على مروان الذى أطرق وجهه خجلا من نظراته المحتقرة له وحينما قال له الطبيب:
-أنت جوزها.
أومئ مروان برأسه ايجابا.
استطرد الطبيب بنفس تعبيرات وجهه المستاءة:
-ايه ال أنت عملته في مراتك ده..ال أنت عملته ده جريمة، جريمة بشعة.. يحاسبك عليها القانون.
نبض قلب مروان بخوف ليس خوفا على نفسه بل خوفا عليها..حتى انه سأله وهو يحدق فيه باضطراب:
-حصلها ايه؟؛ قولي حصلها أيه.
وكأن الطبيب الشاب أراد أن يعذبه فلم يريحه بل قال له وهو ينظر له باحتقار:
-أدعي ربنا أن يلطف بيها.
ثم تركه وانصرف..كل ذلك وأبيها لم يتحرك قيد أنملة ولم ينظر حتى للطبيب وهو يتحدث  وحديثه يسلخ قلبه، لم يهم ليسأله عنها.. والصمت بداخله تحول الى براكين من الغضب ونارا تنتشر بداخله حتى كادت أن تحرقه.. لم ينهض الا عندما رأى ابنته تسوقها الممرضة أمامها على السرير المتحرك ..غائبة عن الوعي معلق في ذراعها المحلول.. حينها قام بصعوبة ساقيه مقيدتان كأنه لا يملك ارادة لتحريكهما ينظر لها وقد جادت عيناه أخيرا بدموع غزيرة يهتف بلوعة:
-بنتي ..بنتي..بنتي.
جذبه مروان من ياقته وظل يهزه بعنف قائلا له من بين أسنانه متوعدا:
-دلوقت بنتك..عارف ياعبد الحميد لو بنتك جرتلها حاجة وربنا محخليك دقيقة واحدة على وش الدنيا.
تعجب مروان من ردة فعله أنه لم يقاوم ولم يحاول حتى أن ينزع يديه عنه..أو حتى أن يدافع عن نفسه..بل تركه يفعل به مايشاء..كأنه تمثال من خشب لا يملك لنفسه أي حول، كأنه يستحق لنفسه ذلك.. ظل مروان يتفرس وجهه الذي بدأ يشحب بشدة ..شفتيه أصبحت سوداء..عيناه اغلقت بأعياء شديد ..ثم سقط فاقد للوعي..رغم عنه صرخ  مروان باسمه فزعا:
-عبد الحميد.
حمله بين ذراعيه وتوجه به نحو طبيب ليفحصه..والذي شخص حالته أنه تعرض لجلطة قلبية دخل على أثرها العناية المركذة.
************************************
كان مالك عائد من عمله فوجد نريمان جالسة على مائدة الطعام، دافنة وجهها بين ذراعيها تبكي بحرقة فسألها منزعجا:
-ايه عتبكي ليه؟؛ ايه الحوصل؟؛
رفعت رأسها كان وجهها أحمرا بشدة مبتلا بدموعها قالت بكلمات سريعة:
-جومانة صحبتي حتموت يامالك ..حتموت.
-طب اهدي إكده وفاهميني مالها صاحبتك دي حوصلها ايه.
قالت وهي تشهق:
-معرفش أنا كلمت عزيزة بطمن عليها قالتلي انها في المستشفى، وفي العناية بس مقالتش مالها وايه ال حصلها..عشان خاطري يامالك وديني ليها عايزة أشوفها عشان خاطري أنا قلقانة عليها قوووي.
ثم ارتمت في حضنه وقد تفاجأ بذلك فتسمرت ذراعيه.. حائر هل يضمها اليه أم يبتعد كما يأمره عقله، وبالفعل استجاب لعقله فقال لها وهو يبعدها عن صدره برفق:
-طب ماشي روحي غسلي وشك .. عشان نطمن عليها.
ابتسمت له في امتنان وركضت في حماس بعد أن قبلته في خده.
بعد أن اختفت من أمامه وضع يده على أثر القبلة زافرا بضيق رافضا  اياها.
*******************************
-خلاص يابنتي من ساعة ما جيتي من المستشفى وانتي حتموتي نفسك من العياط.
قالتها وداد وهي تشدد من ضمها لابنتها ..ولكن نريمان لا تكف عن البكاء والشهلقة تقبض على حضن أمها بقوة تحتمي بها من مصير كهذا قالت وكلماتها ضائعة من كثرة البكاء:
-مش قادرة ياماما مش قادرة من ساعة ماشفت جومانة راقدة ومش حاسة بالدنيا وأنا حموت عليها..الدكتور قال انها بين الحيا والموت لو النزيف موقفش حتموت ياماما حتموت.
ثم واصلت البكاء بهستريا..ووداد تشدد من ضمها وهي تقول:
-بعد الشر عليها ياحبيبتي ربنا يلطف بيها يارب ويشفيها..والله البنت دي صعبانة عليا مش عارفة أب ايه ده..ال يعمل في بنته كده..ربنا يحرقه البعيد.
رفعت نريمان رأسها من على صدر أمها تسألها بانزعاج:
-ماما..فين مالك..سابني وراح فين.
وداد:
-مالك يابنتي بعد موصلك راح الشغل أبوكي عايزه هناك ضروري.
نريمان بتزمر:
-يووووه بقى هو ده وقته ازاي يسيبني في الحالة دي أنا محتجاله قووي.
أشفقت وداد على ابنتها من شدة تعلقها بزوجها فقالت لها وهي تمسح على شعرها:
-حالا يجيلك يابنتي متقلقيش روحي أنتي بس اغسلي وشك ونامي شوية لحد ما مالك يرجع.
انصاعت نريمان لنصيحة أمها وصعدت الى شقتها وهي في أشد الحاجة الى وجوده بجوارها.
*********************************
في حجرة العناية المركزة القابع بها عبد الحميد، راقد على سريره موصول بأنابيب طبية، وأجهزة تشير لنبض ضعيف وحياة على وشك الأنتهاء، رأسه يروح يمينا ويسارا تحت كمامة التنفس كأنه في معركة..نعم هو الآن في معارك وليس معركة واحدة..معارك الماضي الذي حضر وكأنه يحدث للتو شاهدا على فعلته الشنعاء، حضرت أمامه ذكرى ليلة زواجه..تلك الليلة التي كان ينتظرها على أحر من الجمر في هذه الليلة سوف يتحقق أكبر حلم في حياته وهو زواجه من أجمل فتاة في القرية التي عين بها مهندسا زراعيا.. وهي سلمى ابنة عمدة هذه القرية، فتاة كالفرسة العفية..تملك كل مقومات الجمال، حلم كل رجال القرية ومطمعهم في نفس الوقت.. ذلك من أجل أموال أبيها التي سترثها بمفردها..كان عبد الحميد عريس لقطة بالنسبة للعمدة فهو مهندس، وسلمى لا تجيد حتى القراءاة والكتابة،( العمدة سيناسب المهندس يابلد ) هكذا كان يتحدث العمدة بين رجال  القرية.
اقيم عرس كبير بالطبل البلدي، عرس يليق  بالعمدة ونسيبه الباش مهندس، في مثل هذا الوقت كان من عادات هذه القرية أن يدخل العريس على عروسه ( دخلة بلدي) لكي يخرج أبيها  بعد ذلك بعلم الشرف مرفرفا عاليا أبيا بين أهالي البلدة.. ولكن عبد الحميد رفض تلك العادة المتخلفة، فهذه الليلة ملك له لا يجب أن يتعدى عليه أحد، وأصر عبد الحميد على أن تكون ليلة زفافه له وحده بينه وبين عروسه لا شريك بينهما، ولكن العروس ليست بكرا، يالعارك ياعمدة..خرج عبد الحميد في تلك اللحظة هائجا..سائر وعلم الشرف ناصع البياض..منتكسا بين يديه، يضعه أمام وجهه وهو ينظر لعيناه المزلولة قائلا:
-هو ده الشرف ياعمدة..بتغشوني بتضحكو عليا هي دي بنتك البكر المصون.
لم يستطيع العمدة التفوه ببنت شفة.. كان عرقه يسيل على جبينه بغزارة يشعر أن روحه تزهق بالبطيئ قال له بصوت محشرج:
-استر عليا ياعبد الحميد وال عتطلبه انا حدهولك.. أنا حكتبلك ثروتي كلتها.
توراى الشرف خلف سلطان المال..لمعت عيون عبد الحميد طمعا.. أمام الثروة تنازل عن كل شئ حتى الشرف.
وعاشت سلمى معه مكسورة مقهورة، مسجونة بجريمة عارها، كان عبد الحميد يعاملها معاملة العبيد..لم يغفر لها خطيئتها حتى ابنته التي جاءت بعد عام من زواجها لم يتقبلها، شك بها ولولا التحاليل التي أثبتت بنوتها له ، لكان ألقى بها في الشارع، أو في ملجأ، رحم الله سلمى عندما قبض روحها أثناء ولادتها..ولم يرحمها زوجها.. ذنبها الذي ارتكبته جعلها موصومة بالعار حتى مماتها، بل أنه لم يرحم أبنته التي ليس لها ذنب، عاش بوهم هذا العار ويقينه أن ابنته سوف ترث من أمها سلوكها السيئ..وحتما ستجلب له العار كأمها، فضيق عليها الخناق، وأغلق عليها الأبواب، حبسها في سجن الماضي، كان متزمتا معها..يعد عليها أنفاسها، ويحسب لها خطواتها كل ذلك لكي يحميها أو يحمي نفسه من عارا ظن أنه واقع لا محالة..ولكنا دمائها العفيفة الغزيرة التي فرشت الأرض أحييت ابوته بعثت حنانه من جديد..وولدت أيضا ندما شديدا.
ظل يهمس لنفسه بهستريا ودموعه تسقط من جانب عينيه:
-ابنتي أشرف من الشرف..أبنتي ضاعت بسببي..ضايعتها ..خسرتها بقسوتي..ظلمتها..بنتي جومانة ..جومانة..
وعلى صوته المحتضر باسم جومانه حتى أن الأجهزة ارتفعت أزيزها تنذر بتوقف قلب المريض.. ركضت الممرضة في عجلة..لتنادي على الطبيب..بعد أن حضر الطبيب وبذل كل ما يمكن لأنعاش قلبه.. مرة أخرى دون جدوى فالروح لفظت أنفاسها الأخيرة.
يتبع..
لقراءة الفصل الحادي عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية الحبيبة بالخطأ للكاتبة سهير عدلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!