روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثالث والخمسون

رواية أغصان الزيتون البارت الثالث والخمسون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثالثة والخمسون

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الثالث والخمسون :-
الجُـزء الثـاني.
“عنوان الكتاب ليس كافيًا، طالما أن الماضي عميق سيبقى العنوان مجرد أسم فارغ أمام ما تحمله طيّات الورق العتيق.”
___________________________________
لمحت “سُلاف” آخر لمحة للطبيب، قبيل أن تغلق جفونها لتغفو، فـ دثرتها “أم علي” جيدًا، بعدما بدأت عيناها تستلم لتيار النوم العاصف، عقب ليلة من أصعب لياليها على الإطلاق. انسحب الطبيب من الغرفة بعد أن تفحص جرحها وطهرهُ وأغلق عليه، بينما بقيت “أم علي” جوارها لا ترغب بالإبتعاد عنها، خاصة وإنها تركت الرضيع “زين” بالقرب منها لكي تسكن قليلًا، فلم يكن بإستطاعتها تركهم لئلا يستيقظ فـ يزعجها.
أسند الطبيب حقيبته على الطاولة، وشمل بنظراتهِ “مصطفى” و “عِبيد” وهو يردف :
– هي بخير الحمد لله، كل التعب ده شعور طبيعي جدًا بعد العملية خصوصًا إني عرفت بإنها فقدت دم كتير، هي هتاخد شويه وقت عشان تستعيد حالتها الطبيعية من تاني وده هيحتاج حالة نفسية كويسة الفترة الجاية عشان إلتئام الجرح مهم بالنسبالنا.
أومأ “عِبيد” رأسه متفهمًا و :
– تمام يا دكتور.
– أنا سيبت روشته فيها شويه أدوية هتحتاجها الفترة الجاية، هتساعد معانا في منع التجلط وتمنع أي قصور في تهيئة الخلايا والأنسجة من جديد.
سحب الطبيب حقيبتهِ ورافقه “عِبيد” لنحو الباب من أجل المغادرة، حينئذٍ كان “مصطفى” يُوجه مقعدهِ المتحرك نحو غرفتها، ودلف إليها وعلى وجهه كُل تعابير الخجل منها. أشار لـ “أم علي” لكي تبرح مكانها وتتركهم سويًا، فـ لبّت هي رغبته وخرجت مُغلقة الباب من خلفها. دنى منها “مصطفى” حينما كانت غائصة في النوم العميق غير شاعرة بأي شئ مما يدور حولها، مدّ يدهِ ليربت على كفها، وهمس بصوتٍ يشوبه لمحة من الندم :
– حقك عليا يا سُلاف، بدل ما أنا اللي احميكي يا بنتي صدرتك للنجس ده هو وأبوه، بس مكنش بأيدي حل تاني، غصب عني سامحيني.. انتي أكتر واحدة حاسه وعارفه بالنار اللي فيها، النار اللي عمرها ما هتخمد أبدًا.
أبعد يدهِ عنها وقد ضرب ذاكرتهِ مشهدًا قديمًا، مشهدًا صحى أمام عينيهِ بعدما رأى حالة “سُلاف”، مشهدًا لم يقل خطورة عمّا يُعايشه الآن.
—عودة بالوقت للسابق—
كان عمرها أربعة أيام فقط، حينما كانت تبكي بكاءًا منفطرًا من شدة الجوع، غير قابلة بأي مُرضعة أو حتى الألبان الصناعية المُجهزة للأطفال حديثي الولادة حينها. كان شعور العجز المميت ينهش في عظام “مصطفى” المبتورة، وهو يحس بالفشل في مهمة الحفاظ على أمانة شقيقهِ الذي رحل عن دُنياه منذ ليالٍ معدودة. حاولت زوجتهِ أن تجد لها أم ترتضي إرضاعها وترتضيها “سُلاف” گوسيلة لسدّ حاجتها الماسّة للغِذاء؛ لكن “سُلاف” أحبطت محاولتهم جميعًا، ورفضت كافة اللواتي تبرعنّ لإرضاعها، في حادثة غريبة أوغرت صدر كل من علِم بشأنها.
—عودة للوقت الحالي—
وضع “عِبيد” يدهِ على كتف “مصطفى”، فـ انتبه الأخير ورفع رأسه نحوه وهو يقول :
-اللي بيحصل دلوقتي نفس اللي حصل زمان، نفس عجزي وقلة حيلتي.. فاكر لما أمك الله يرحمها جت أول مرة عشان ترضع سُلاف؟.. كانت الدنيا مضلمة في وشي، كانت رافضة ترضع من أي واحدة!.. كأنها كانت حاسه إنها يتيمة، أم راغب الله يرحمها حاولت كتير أوي لكن مفيش واحدة عرفت ترضعها، مفيش غير أمك الله يرحمها يارب.
أجفل “عِبيد” عينيه احترامًا لذكرى والدتهِ المتوفاه و :
– الله يرحمها.
بدأ “زين” يفرك في مكانهِ بعدما استيقظ، وقدماه الصغيرة تركل في الهواء بحركاتٍ عشوائية، فـ أشار نحوه “مصطفى” وهو يقول :
– خد زين يا عِبيد، مش عايز سُلاف تصحى دلوقتي خالص.
سحبهُ “عِبيد” بـ رفقٍ حسيس، فـ أرشده “مصطفى” لضرورة خروجهِ وتركهم منفردين :
– معلش يا عِبيد سيبني معاها شويه.
نظر “عِبيد” لوجهها الذي تجلّت فيه علامات الإرهاق، واغتصب لمحة الحزن الجليّة في عيناه وهو ينسحب من هنا، ببالغ الضيق كان يلوم نفسه، هو الذي تعهّد ألا يتركها وأن يبقى ظلًا ظليلًا لها، والآن هي تعاني من نتاج مواجهة “حمزة” بمفردها!. آهٍ لو يداه تطول “حمزة” الآن!.. لجعلهُ عِبرة تُدرّس، لـ انتقم منه وظفر بحقها الذي أُهدر في الثرى. لم يكتفي “عِبيد” بـ الطعنة التي اقتصت بها “سُلاف” لحقها، وإنما أحسّها ردًا هينًا وكان يستحق “حمزة” أعتى من ذلك، ولو أن الأمر بيدهِ لـ نفاه تمامًا، حيثُ مكانٍ لن يكون له منه عودة؛ لكن الأمر صار ثأرها وحدها، وهي فقط تقرر ما الذي عليها فعلهِ، وكيف ستأمن غدرهِ؟.
**************************************
مجرد سماعه لخبر اختطاف شقيقتهِ، جعله ذلك ينتفض من مكانهِ ويسعى بهرعٍ للخروج من المشفى، من أجل البحث بنفسهِ عنها، غير واثقًا بـ “حاتم” الذي بيّت لها نية موحشة بيّنة وقد أقدم على تنفذيها. حذّر الطبيب من خروجه الآن في ظل جرحهِ الذي لم يرتتق بعد؛ لكنه لم يصغي لأي صوت سوى صوت رأسه، حتى إنه رفض بتاتًا تدخل أي غريب في الأمر حتى وإن ذلك الغريب هو أقرب الأقربين له. أما عنه، حبيبها السري، فقد كان گالقدر المغلي على موقد مشتعل لا تخمد ألسنته الملتهبة، تسعّر صدرهِ بحميمٍ حارق وكاد يتصرف برعونةٍ وتسرع لولا تدخل “نضال” في اللحظات الأخيرة، وإجبارهِ له كي ينقل الموضوع بحذافيرهِ إلى “حمزة”، وإلا كانت عواقب مواجهة “حاتم” و “راغب” عواقب وخيمة غير محمودة. فتح “حمزة” هاتفه للإتصال بوالدهِ، فوجد العديد من الرسائل والإشعارات بكمية هائلة من الإتصالات التي وردته حينما كان هاتفه مغلقًا، تجاهلها كلها واتصل بـ “صلاح”، ثم نظر حيال “نضال” وهو يردف بـ :
– هدومي فين يا نضال؟؟.
بُهت وجه “نضال” وهو يجيبه جواب غير متوقع :
– رميناهم، كانوا غرقانين دم وكلهم تراب وطين، قولت أكيد هنجيبلك هدوم نضيفة وانت خارج.
جحظت عيناه وهو يشير لطقم المشفى اللبني في لونه و :
– أكيد مش هخرج بالهدوم دي يا نضال اتصرف!.
انفعل “راغب” بغير قصدٍ و :
– يا حمزة أنجز ونشوف حوار الهدوم في الطريق.
لم يجيب “صلاح” على هاتفه، فـ نهض “حمزة” عن مكانه وكاد يتحرك خطوة لولا دخول “زيدان” المفاجئ، والذي كان فاترًا هادئًا على غير علم بمستجدات الأمور الخطيرة، مما جعل “حمزة” ينفجر فيه :
– كنت فـين يا عـم انت !!.
لم يأبه “زيدان” بصياحهِ الذي بدأ يعتاد عليه، وتقدم منه وهو يناوله حقيبة بلاستيكية أنيقة وهو يقول :
– كنت بشوفلك هدمه تلبسها يا أبو البشوات، بدل لبس العيانين ده.
تحولت تعابيره گمن وجد منقذًا، وتناول الحقيبة في عجلٍ ليتفاجأ بمحتواها :
– ده Sportswear “لبس رياضي”!.
لم يفهم “زيدان” ما قيل له من كلمة أنكليزية، حتى أن إيماءات البلاهه قد قفزت على وجهه فجأة :
– نعم؟؟.
فـ حدق به “حمزة” و :
– جايبلي لبس رياضة ليه هو انا رايح أجري في النادي؟؟
فـ عبّر “زيدان” عن وجهة نظرهِ :
– ده آخر شياكة، وربنا كان أغلى طقم في الدكان كله بس انت مش عارف!.
تراجع “حمزة” عن محاورتهِ أو النقاش معه في تلك اللحظة المشحونة، وطرد الجميع من الغرفة لكي يتخلص من ثياب المشفى ويخرج، من أجل مهمة شديدة الخطورة في انتظارهِ :
– أطلعوا كلكوا، دقيقة وخارج.
كان “راغب” قد استبق الجميع بالتحرك للخارج، مواجهًا صعوبة في كظم مشاعرهِ وكبحها لئلا ينفضح أمرهِ في الأخير، وابتعد قدر الإمكان عن الغرفة مبررًا إنه سيُجهزّ سيارته للمغادرة، بينما الحقيقة هي سعيهِ الذي لن يتوقف لإنقاذ “يسرا” من ذلك البربري. أجرى “راغب” مكالمة تليفونية هامة وفاصلة، منها سيكون طرف الخيط الذي سيدله على بداية الطريق الذي سيسلكه برفقة “حمزة” – مجبرًا -، حتى لا يلفت الأنظار نحوه. دخل الجراچ وبحث بعيناه عن سيارته وسط حشدٍ ضخم من السيارات، أثناء ذلك كانت “أسما” ترد عليه :
– أيوة يا طنط، عايز رقم ليلى ضروري من فضلك.. آه ياريت تبعتيه.
أغلق الهاتف وانتظر رقم الهاتف على أحرّ من الجمر، وما أن وصلتهُ رسالة “أسما” شرع فورًا في الإتصال بها :
– أيوة يا ليلى، أنا صاحب حمزة.. هو بس مش عارف يكلمك دلوقتي فـ أنا بتواصل معاكي بداله، قوليلي اللي حصل بالظبط يا ليلى.
سردت عليه “ليلى” تفاصيل الواقعة تفصيليًا دون أن تترك خلفها أي سهوٍ أو نسيان، حتى إنها فاجئت “راغب” بحصولها على رقم السيارة التابعة لـ “حاتم” تحسبًا لأي طوارئ مفاجئة، وكانت تلك هي الثغرة التي فتحت الأبواب أمام “راغب” وجعلتهُ متحفزًا لإنهاء كل ذلك :
– طب اديني الرقم بسرعة، ووعد مني إنتي مش هيكون ليكي أي علاقة بالموضوع.. مش عايزك تقلقي أبدًا.
كان لابد عليه من وعدها بذلك الوعد المُطمئن، بعدما أحس برجفة صوتها وارتعاشة نبرتها الموحية بالقلق والتردد، خشية أن يمسّها مكروهٍ أو تجد نفسها في مواجهة ما هو أكبر منها. أنهى “راغب” ذلك القسم، وبدأ يخطو للخطوة التالية على الفور بدون تضيع أي وقت، فـ كان من حظه حضور “حمزة” في هذه اللحظة، واستقرارهِ بجوارهِ في سيارته وهو يقول :
– يلا يا راغب، أنا هتحرك معاك عشان زيدان واخد عربيتي ورايح مشوار.
تغضن جبين “راغب” بإستغراب وهو يسأله :
– مشوار إيه ده اللي أهم يسرا؟؟.
التقت عينا “حمزة” الصارمة بنظرات “راغب” المستنكرة، حينما أردف بحزمٍ قاطع :
– مفيش عندي أهم من يسرا، لكن انا مُجبر اتحرك في كذا مكان في وقت واحد.
التفت “راغب” لما يقوم به، وأطلعه على ما استجد من معلومة فاصلة ستغير مسارهم :
– أنا جيبت رقم العربية من ليلى، مش ناقص غير إنك تشوف حبايبك في المرور عشان نعرف العربية دي فين.
أخرج “حمزة” هاتفه من جيب بنطاله الرياضي، فـ تأثر جرحهِ بحركتهِ المباغتة ليتآوه بصوتٍ مكتوم سرعان ما تجاوزه :
– آآآه.. هات الرقم بسرعة.
***************************************
وكأنها فاقت من غيبوبة طويلة، لا تدري هل ما زال لديها الوقت أم أن القطار الأخير قد رحل. بقيت حالة “أسما” في اضطرابٍ مستمر، لا يعنيها سوى الرغبة الجامحة في سماع أي خبر طيب عن ابنتها للإطمئنان على الأقل؛ لكنها بقيت هكذا تكتوي بنيران القلق.
مع سماع صوت رنين الجرس، انتفضت من مكانها وتعلقت عيناها بالباب، حتى فتحه “عطا” وظهر من خلفهِ “حمزة”، فـ أسرعت تعدو إليه وهي تستغيث به :
– شوفت يا حمزة، شوفت اللي حصل؟.
خرج “صلاح” من الداخل أثر صوت الجلبة التي افتعلتها “أسما”، بينما أشار لها “حمزة” لكي تتوقف مكانها حتى لا تصتدم بجرحهِ على الأقل :
– أهدي يا ماما، أهـ…..
لكنها بالفعل كانت قد ارتطمت به دون عمدٍ مما جعله يصيح بصراخٍ موجوع :
– آآآآه.
انفجعت “أسما” وتحجرت مكانها وهي تنظر ليدهِ التي تحركت تلقائيًا نحو معدتهِ، وتلجلجت الحروف على لسانها وهي تسأله بتوجسٍ :
– مالك يا حمزة؟؟.
تماسك “حمزة” لئلا يُظهر ضعفًا مكلومًا أمامها، فـ ينشغل بالها به أيضًا، وسط هذا الزحام من الكوارث المتتالية، ثم أجاب بإختصار موجز :
– ماليش، حادثة بسيطة وأنا واقف قدامك أهو.
لم تتحمل سماع تلك الأكاذيب منه، فـ مدت يدها نحوه تحاول استكشاف ما به بنفسها :
– حــادثـة إيــه!
منع “حمزة” اقترابها أو حتى لمسها له :
– أنا بخير يا ماما خلينا في اللي احنا فيه.
كان “صلاح” قد قطع شوط المسافة بينه وبين ولدهِ، وباغتهُ بتفحصٍ مفاجئ لأسفل ثيابه وهو يهتف بـ زمجره :
– حادثة إيه وأمتى وبخير إزاي!!.
ذلك التغليف الطبي الذي غطى جرحه زرع بعض الريبة في نفس “صلاح” تحديدًا، مما دفعه للتشكك في صحة ما قاله “حمزة” من تبريرٍ ضعيف :
– حادثة إيه اللي تصيب بطنك بالشكل ده وجسمك ووشك سليم!.
تدخلت “أسما” بدورها متسائلة :
– إيه اللي حصل معاك يا حمزة؟؟.
حينها كان عقل “صلاح” قد ذهب بالفعل لمكانٍ آخر وشخصٍ آخر :
– مراتك فين يا حمزة؟؟.. بقالها يومين وهي والولد مش في البيت؟.
لم يسمح “حمزة” لوالده بالشك فيها أو ربط الأمر بها، كي لا يقحم نفسه في الأمر معتبرًا إياه ثأر عليه أخذه، ونفى ذلك عنها على الفور :
– معرفش عنها حاجه من ساعة ما خرجت.. الهانم بتختفي وترجع تاني بمزاجها، على العموم ده مش موضوعنا.. أنا عايزك يابابا.
وزعت “أسما” نظراتها المستهجنة على كلاهما قائلة :
– مواضيع إيه يا حمزة!.. بقولكم عايزة بنتي، عايزة يسرا.
ضغط “حمزة” على كتف والدتهِ وهو يطمئنها بثقةٍ بالغة :
– متقلقيش يا ماما، يسرا راجعة يعني راجعة.
كأنها إشارة، أوحى بها “حمزة” لوالدهِ بإنه لن يترك شقيقتهِ ضحية لتعنتهِ وإصرارهِ؛ لكن “صلاح” لم يهضم تلك الإشارة المغزية، وتجاهل معناها كليًا كأنه لم يسمعه، حتى عندما اختلى به في غرفة المكتب وصرح بنواياه حول قرارهِ بإستعادة “يسرا”، فـ واجه رفضًا عنيدًا :
– ملكش دعوة يا حمزة.. حاتم جوزها وهيعمل لمصلحتها أكتر منك.
كان “حمزة” قد خرج عن طورهِ تمامًا، بعدما استشعر بنفسهِ تخاذل أبيه الغير مبرر :
– الكلام ده مش هيحصل يا بابا.. أنا هرجع يسرا وهنفذلها كل اللي هي عايزاه.
اتسعت عينا “صلاح” بتحفزٍ حانق، لا سيما إنه يعلم عن ولدهِ المثابرة والعِناد والإصرار، لذلك ما كان منه إلا الإقتتال من أجل الزجّ به بعيدًا عن الأمر :
– أنا قولت اللي عندي يا حمزة.. محدش فيكم هيتدخل مهما حصل، وأنا ليا كلام مع حاتم لما أوصله، غير كده مش هيحصل.
انقبضت عضلات فكيهِ، وقد ترجم عقلهِ بعضًا من مشاهد العنف التي قد يلجأ إليها “حاتم” في التعامل مع شقيقتهِ، مما ساهم في رفع حرارة جسدهِ وزيادة انفعاله :
-مفيش كلام مع واحد خطف بنتك!.. طالما يسرا عايزة الطلاق أنا هحقق لها رغبتها، ومش هعدي لحاتم إنه خطفها غصب عنها وعننا.
-حـــمــزة!!.. أنا قــولـت مـلكش دعـوة يعني ملكش دعـوة.
-يا بابا آ…..
-خـــلاص يا حـــمـــزة! من أمــتى وانت بتنـاقـش قـراراتـي!.
كان الصياح قد وصل لأشدّه بينهما، خاصة وأن الأمر مسّ شقيقتهِ المختفية، إلى أن وصل “حمزة” لنقطةٍ كان يُصعب فيها السيطرة عليه :
-من وقت ما قـراراتـك وصـلت يـسرا للي هي فـيه دلوقتي!.
أجزم “صلاح” بأن الحوار بينهما الآن لم يجدي نفعًا، بل سيُشكل بينه وبين ولدهِ الوحيد حائلًا سـ يُصعب هدمهِ، لذا أيقن أن عليه إنهاء النقاش المحتدم على الفور، قبيل أن يتفاقم الوضع بينهما ويستحيل السيطرة عليه، حتى أن نبرته حملت شيئًا من السخرية تجاه كذبته التي لم يقتنع بها “صلاح” :
-أنا شايف إن الحادثة أثرت عليك شويه.. روح أرتاح انا جهزت لك أوضة جوا، ولما أرجع من المكتب هنتكلم تاني.
أعاق “حمزة” عن متابعة حديثهِ هاتفهِ الذي ضجّ برنينهِ، فـ اضطر لعتق رقبة والدهِ وتركه ينصرف من أجل التمكن من الرد على تلك المكالمة الهامة :
– أيوة يا راغب، وصلت لحاجة؟؟
آتاه صوت “راغب” متسائلًا بتهكم :
– عارف حاتم مع مين دلوقتي؟؟.
تحفزت حواس “حمزة” وهو يسأله :
– مين؟؟
– مـيان.
كان مفاجئة صادمة بالنسبة له، خاصة وأن “ميان” لم تكن تتقبل “حاتم” يومًا، تلونت عيناه بلمعةٍ غامضة، وهو يردد اسمها بين شفتيه :
– ميان؟!!..
كان يتجول في غرفة والده المكتبية وهو يتحدث بالهاتف، غير مدركًا إنه صدم أحد صناديق الأوراق القديمة والمستندات العتيقة فـ وقع بعضها على الأرض، لم يكترث كثيرًا وقد علق ذهنهِ بشأن العلاقة التي تجمع بينهما، وما مدى استفادتهِ من موضع تجمعهم :
– إيه اللي جمع الشامي على المغربي!.
جعله صوت الإشعار ينتبه بأن وردته مكالمة أخرى، فـ اضطر لإنهاء مكالمته مع “راغب” مجبرًا :
– أقفل دقيقة وهرجعلك تاني يا راغب.
ثم أجاب على المكالمة الأخرى :
– ها يا زيدان؟؟.. يعني إيه ملهاش أثر! أنا عايز أفهم البت دي بتخفي فين كل ده!!.
دعس “حمزة” على أحد الملفات، فـ اضطر لأن ينحني ليحملهم، وأثناء ذلك كان يتحدث إليه :
– أنا عايز شغلك الشاغل يبقى الموضوع ده يا زيدان!.. مش عايز استنى لما تتكرم عليا و……
نظرة واحدة قرأ فيها أسم “زيـِّان”، كانت كفيلة بـ نشر نبضات گالكهرباء في سائر بدنه. تناول الملف الذي حجر ذهنه وترك الهاتف جانبًا، ترك حتى “زيدان” على الهاتف دون أن ينهي حواره معه، مسلطًا كل تركيزه وحواسه مع ذلك الملف الذي قرأ في أولى صفحاته أسم “إســـمـاعـيـل زيـِّان”، ذلك الأسم الذي يُحيي في ذاكرته كل ما مرّ به من غموض وإثارة وغرابة بالفترة الماضية، الأسم الذي قلب حياتهِ رأسًا على عقب وما زال يعيش النتائج حتى الآن، الأسم الذي سيحلّ الشفرة وينهي حيرته للأبد؛ لكنه لا يعلم.. هل بالفعل ستنقضي حيرته وتذهب گالسراب، أم إنها ستبدأ الآن…
****************************************
***********************************
أم ستبدأ الآن……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى