Uncategorized

رواية البوص الفصل التاسع 9 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل التاسع 9 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل التاسع 9 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل التاسع 9 بقلم يمنى عبد المنعم

الجرئ
وقفت ملك كالمشلولة في كل شيء أمام الجميع تحدق بهم… كأنها في عالم آخر من الجريمة أو المافيا كما يسمونه في عالمهم الأجرامي.
تريد الفرار من الجميع لكن إلى أين…. أشتد ندمها على كذبها الذي تكرر في الآونة الأخيرة منذ هروبها من بيت شقيقها عاصي التي أيقنت الآن أنها أجرمت في حقه.
جُرماً شنيعاً لا يغتفر مها مرت عليه الأيام والسنون إلى هذه اللحظة التي تتوالى كذباتها تلو الأخرى….
أيقظها من شرودها جذب سليم لها من ذراعها وإيقافه إياها أمام أدهم الصاوي…. الذي مازال سطو هؤلاء على فيلته لم يستوعبه بعد.
مما أدى إلى ذهوله التام من صدمته الجديدة من عيار ثقيل هذه المرة، إذ فوجىء بوجود فتاة ما يصطحبها البوص معه أول مرة يراها من قبل.
لذا عقد حاجبيه بعدم فهم وهو لا يدري بأي شيء يجيب البوص الذي يخبره بسخرية بأنه اشتاق إليه بسرعة…. مما جعل أدهم يستاء من اسلوبه المتعال في معاملته في كل مرة يقابله فيها.
وقف سليم أمامه مباشرةً قائلاً بغرور: إيه يا أدهم أنا ما وحشتكش ولا إيه…. طب بلاش أنا، لكن أكيد ملوكه وحشتك مش كده.
ابتلعت ملك ريقها بصعوبة تريد أن تنشق الأرض وتبتلعها فها هي أقحمت نفسها بسبب غباؤها…. في عالم رجل آخر من هؤلاء المجرمون والخارجون عن القانون.
جف حلقها من نظرات أدهم المسلطة عليها ما بين الصدمة والتعجب من رؤية فتاة غامضة مثلها في مكان كهذا… قائلاً بغلظة: ودي مين كمان جاي تحدفها عليا.
ابتسم البوص متهكماً وهو يتأمل تلك المرعوبة في قبضته قائلاً بغموض: معقول هتنكر معرفتك بملوكه الخرسا…. ثم صمت متعمداً بخبث مردفاً بقوله العابث: شايفه يا قطة أول ما شافك نكر معرفته بيكِ إزاي…. شكله كده معجبتوش هديتي.
سرت بجسدها رعدة قوية جراء نظرات الرجلين معاً لها من رأسها إلى أخمص قدميها… فأطرقت ببصرها سريعاً إلى الأرض في ريبةً شديدة ومن هذه الكذبة الأخيرة التي اقترفتها في حق أدهم رغماً عنها.
لا تدري بأي شيء تجيب تساؤلات سليم ولا نظرات الأول لها التي تتساءلها في صمت مطبق من تكونين ومن أين جئتِ.
كيف تجيب عن كل هذه التساؤلات الحائرة وهي كاذبة… لكن أدهم أجابه هو هذه المرة.
قائلاً بخشونة: انت واضح كده ان ثقتك وغرورك بنفسك عطوك الحق في اتهامي بالكذب وتلفيق أي تهمة ليا وخلاص علشان تدي لنفسك الحق تتهجم على فيلتي برجالتك في وقت زي ده.
رفع البوص حاجبه الأيمن بسخرية شديدة وهو يبتعد عن ملك ويضع كفيه في يدي بنطاله بكبرياء.
قائلاً بثقة أغاظته: أنا فعلاً عندي ثقة كبيرة أوي بنفسي وقصاد كده ده خلاني مش بثق في أي حد…. ويمكن كمان ده اللي خلاني في المركز الأول في كل حاجه وسابقك دايماً بخطوات كتير ملهاش آخر.
استشاط أدهم من كلمات سليم وضم قبضتيه بحنق غاضب وجاء ليتحدث ويجيب هذا المغرور…. قاطعه البوص بإشارةٍ من يده مستطرداً قوله باستخاف: اوعى تكون فاكر إن كلامك ودفاعك اللي عايز تدافعه عن نفسك ده هصدقه… لأ فوق يا أدهم يا صاوي أنا مبثقش في أي حد مهما يكون مين.
تطلع إليه بغضبٍ عارم جعلت عيونه كالجمر، قائلاً بحدة: يعني أفهم من كده إنك مش مصدقني إن فعلاً معرفهاش.
اصفر وجه ملك وهي تنصت لكلمات الأخير، خشيةً من فضح كذبها هذه المرة أمام البوص وظلت في حيرة إلى أن أجاب سليم 
قائلاً بانفعال: أيوه مش مصدقك ولا عمري هصدقك… واللي بتنكر علاقتك بيها دي، هيه بذات نفسها اعترفت عليك، إنك بعتهالي ورميتها بطريقي مخصوص علشان تراقبني وتعرف كل تحركاتي وتبعتهالك أول بأول… وقصاد كل ده طبعاً دفعتلها التمن. 
جحظت عينا أدهم من هول ما سمعه فهو بالفعل لم يراها ولم يعرفها من قبل فكيف سيتفق معها على ذلك، فإذا كان يعرفها وجاءت لتنتقم منه فهذا سيكون مبرر لها… لكنه بالفعل لم يراها كما قال.
قاطع حوار شروده هذا كلمات البوص الغاضبة بقوله: وبكده تكون اتكشفت لعبتك القذرة يا أدهم يا صاوي…. واستلقى بقى كل اللي هيحصلك بعدين… وخصوصاً إنك عارف كويس مش أنا اللي تراقب ويتعمل معاه كده.
ثم جذب ملك من مرفقها بقسوة…. مزيحاً إياها بجانب أدهم بعنف حتى كادت تسقط على صدره لولا محاولاتها البائسة في تمالك نفسها حتى لا تلمسه.
متابعاً بغلظة: وهديتك القطة الخرسا دي مرفوضة خليهالك يمكن تنفعك تتجسس بيها على حد تاني.
شعر أدهم بأنه سيصاب بالشلل من تهديدات سليم وكلماته المجحفة في حقه بارتكاب جريمة لم يقم بها بالفعل هذه المرة… فتصبب وجهه بالعرق من شدة الخوف الذي يعتريه…. رغم برودة الجو.
قائلاً بخشونة لم تناسب حالته: صدقني بقولك معرفهاش…. معرفهاش، وأول مرة أشوفها دلوقتي. 
تأمله سليم للحظات ولم يرد عليه ثم أشار إلى جميع رجاله بالأنصراف ما عدا إبراهيم الذي وقف بالقرب منه.
قائلاً بتهديد: تاني مرة لما تحب تبعت جواسيس ابعتهم بيتكلموا…. ثم زفر بغضب متابعاً حديثه بحدة تحذيرية: ده إذا كان فيه مرة مرة تانية أصلاً.
اتسعت عيون فريدة بدهشةٍ عارمة عندما تحدث إليها عاصي عن العريس الذي تقدم لزواجها بغتةً…. واصفر وجهها بشيء من الصدمة.
قائلة بانزعاج: عريس…. عريس مين ده، إلتفت إليها غاضباً قائلاً بخشونة: يعني معقوله متعرفيش أي حاجه عن عريس الغفلة ده…؟
هزت رأسها بالنفي سريعاً وهي تقترب منه بخطواتها الهادئة التي تترقب تأثير كلماتها على محياه.
قائلة بسرعة: صدقني يا أبيه معرفش عنه أي حاجه وعُمريـــ…. قاطعها مشيحاً بيده في وجهها قائلاً بسخط: أمال عرف إزاي عنوان مكتبي ها…
جف حلقها وزاغ بصرها بشيءٍ من القلق…. ولا تدري بأي كلمات تجيب تساؤله… قاطع عليها هذه الحيرة قائلاً بغلظة: على العموم علشان تبقي عارفه… أنا طردته وممنوع أي حد يتقدملك فاهمة كلامي ولا تحبي متروحيش كليتك تاني أبداً.
تحجر بصرها على قراره الذي أشعل بداخلها أمل جديد رغم عصبية الموقف وغضبه منها إلا أنها وجدت نفسها تقول بتلقائية خافته: اطمن يا أبيه أنا مش عايزة أي عريس ولا عايزة أشوف أي حد يتقدملي.
أطال النظر هذه المرة إلى ملامح وجهها كأنه يراها لأول مرة…. فها هي صغيرته قد كبرت وأصبحت عروس رغم صغر سنها…. لكن بداخله يرفض هذا الموضوع.
إنه يشعر بصراع داخلي يدور داخل جنبات قلبه الذي يحيره منذ زمن، وزادت حيرته كلما تفوهت بلفظ أبيه فقد أصبح هذا اللقب يشعره بالبُغض والحنق الشديد، كأنه يترك بينهما الكثير من المسافات ويزيدها إتساعاً.
قائلاً بجمود: على العموم أنا نبهتك ومش هقولك تاني وأي مخالفة لأوامري… انتِ عارفه هيحصلك إيه.
تتبعته ببصرها…. تترقرق الدموع بعيونها الواسعة التي تعبر بها الآن عن شوقٍ وعشقٍ كبير تكنه بداخل قلبها ويظهر جلياً كل هذا العشق داخل عيونها.
جلست على فراشها تتأمل الفراغ حولها ثم اتجهت بنظرها إلى الباب المغلق… قائلة لنفسها بألم: امتى هتعرف إن مش عايزة أي حد غيرك يا عاصي…. ومهما طال انتظاري ليك… قلبي اتقفل عليك انت وبس.
تأمل الفيشاوي ولده قائلاً بفخر: شفت ان تحذيري ليك جاب نتيجة…. تنهد بضيق قائلاً بجمود: بس أدهم الصاوي ميستاهلش اللي بيعمله فيه سليم الأنصاري.
ابتسم بسخرية ثم أجابه باستهزاء: محدش قاله يقف قدامه هوا اللي ابتدى يبقى يتحمل بقى كل اللي يجراله…. بعد كده.
نقر بأصابعه على المكتب أمامه قائلاً بسخط: ولأمتى كلنا هنعمله حساب احنا مش بناخد من وراه إلا الفتافيت… وأي صفقة كبيرة هوا اللي مستحوذ عليها… حتى العملا بقوا يخافوا يتعاملوا معانا من كتر تهديده ليهم.
تراجع والده في مقعده قائلاً بغلظة: عارف كل ده… بس أنا عندي نبقى في أمان بعيد عنه كده ولا أرواحنا تطير بسببه سامعني كويس.
زفر بحرارة مغادراً مكتب والده داخل فيلتهم، شاعراً بورطة أدهم معه متخيلاً نفسه بمكانه قائلاًلنفسه بحده: أكيد هييجي اليوم اللي هتقع فيه ومحدش هيسمي عليك يا سليم يا أنصاري.
تراجعت ملك بخطواتها الخائفة إلى الوراء خشية من تأمل أدهم لها…. الذي كاد يأكلها بهما من كثرة غضبه.
قائلاً لها بانفعال: انتِ بقى وقعتي في إيد اللي مبيرحمش، وكويس إن البوص سابك ليا هنا علشان أعرف بقى منك كل حاجه وإلا هتشوفي إللي عُمرك ما شفتيه.
امتلأت حدقتيها بالدموع بسبب هذه الورطة الجديدة التي وقعت بها بإرادتها…. لامت نفسها على سلسلة الكذب التي لن تنتهي… حتى أنها تمنت أن لا يتركها البوص لذلك الشخص التي تراه لأول مرة.
هدر بها أدهم بقوة قائلاً بانفعال: انتِ هتقوليلي انتِ مين وإيه اللي خلاكي تعملي كده ولا تشوفي الوش التاني.
اومأت برأسها سريعاً بخوف مشيرةً إليه بأن يأتي بقلم وورقة وستخبره…. تأملها بسخطٍ غاضب قائلاً للأحد رجاله: هاتلها قلم وورقة خلينا نخلص ونشوف وراها إيه البلوة الجديدة اللي رماها البوص ومشي.
أمسكت ملك بالقلم لاتدري ماذا تكتب في الورقة…. وظهر ذلك في طريقة إمساكها لهما بين يديها.
وبدأت تخط بيدٍ مرتعشة كذبةً جديدة على يقين أنها ستورطها أكثر مع هذا الشخص… كانت تكتب ودموعها تحجب عنها ما تخطه بيدها.
ناولته الورقة بتردد كبير…. خشيةً منه ومن ما سيفعله بها إذا كشف حقيقة كذبها هذه الورقة.
رمق أدهم ما كتبته بحدة ثم أطبق بقبضته القوية على الورقة قائلاً بانفعال: يعني علشان أنا ساكت لدلوقتي عايزاني أصدق الكلام الفارغ ده.
أشارت له بكفها سريعاً على أنها الحقيقة…. شاعرةً بالريبة من نظراته المشتعلة كالجمر.
زفر بعمق غاضب مشيراً بيده لأحد رجاله قائلاً بلهجة آمرة: خدها في الأوضة اللي بره في الجنينة للصبح وخلي عينك عليها لغاية ما أتأكد بنفسي من الكلام اللي كتبته…. وياويلها مني إذا كلامها طلع كدب ساعتها مش هرحمها…. وتبقى ساعتها تتشاهد على روحها.
تهاوى قلبها بين قدميها وارتعبت أكثر من ذي قبل… هامسة لنفسها بريبة: يا وقعتك اللي مش فايته المرادي يا ملك من البوص لأدهم مفيش فرق بينهم كلهم مجرمين ولصوص….. دي مش مجرد عصابات دي شبكة مافيا كبيرة وانتِ وقعتي جواها.
أمسكها الرجل بعنف من ذراعها مخرجاً إياها من شرودها وهو يجرها بقسوة قائلاً بجمود: امشي قدامي بسرعة يالا.
جلست في حجرةٍ متوسطة الحجم بها فراش صغير ومقعد وغطاء قديم… تطلع بها بقلبٍ موجوع هامسة لنفسها بحزن: لأمتى هتفضلي كده من راجل لراجل يرموكي لبعض كإنك عبدة عندهم…. انتِ لازم تتصرفي يا ملك بسرعة وتهربي من هنا الليلة يا إما أدهم هيموتك إذا عرف الحقيقة واني كنت عايزة أهرب عن طريقه من البوص وبس.
تنهدت بعمق تفكر ماذا عليها أن تفعل من وسط هذا الكم من الحراسة التي بالتأكيد لن يتركوها ترحل هكذا بسهولة.
في وقتٍ متأخر من الليل انتظرته ملك بفارغ الصبر…. فلم تنم طيلة الوقت قائلة لنفسها بتشجيع: يالا يا ملك اتصرفي بسرعة ده أكيد هوا الوقت المظبوط لهروبك….
أمسكت بيدها زجاجة مياة من الزجاج بيدها وفتحت نافذة الغرفة ببطء ثم قامت بفتحها بحذر ووجدت الرجل الذي يحرسها بالخارج جالساً أمام باب الحجرة.
تمهلت إلى أن تأكدت من أنه نائم وغافلاً عن ما سيحدث الآن… ثم قفزت من النافذة وتخطتها سريعاً بجانب حائطها على الناحية الأخرى حتى لا يراها أحد.
تلفتت يميناً ويساراً بحذر شديد تتنفس بخفوت كي لا يسمعها أي شخص يكون قريباً من الحجرة… فوجدت اثنان من رجال الحراسة عند الباب الخارجي للفيلا.
لا يزالون مستيقظون إلى الآن  تلفتت على الجانب المعاكس فوجدت باب صغير الحجم يبتعد عن الباب الكبير بعدة أمتار… فهرولت ناحيته سريعاً.
قبل أن يلمح طيفها أحد وساعدها على ذلك وجود بعض الظلام يحيط بالمكان…. قررت محاولة القفز من فوق الباب رغماً عنها متذكرة ما فعلته عندما هربت من شقيقها عاصي.
اثناء محاولتها للقفز من فوق الباب انطلق  نباح كلب وصوت صافرة إنذار…. ارتعد قلبها من الفزع قائلة لنفسها بهلع: بسرعة يا ملك قبل ما تتقفشي هتروحي في داهية.
بالفعل قفزت بقوة من فوق الباب إلى الأرض على الناحية الأخرى من الشارع…. وانطلقت تسابق الريح بقدميها على أقسى قوةً لديها… فليس لديها وقت فالبالتأكيد ستجد رجال أدهم خلفها يريدون الفتك بها.
في وقتٍ متأخر من الليل دخل فتحي غرفة سهر بعد أن نامت… متأملاً لها وهي نائمة…. متذكراً أنه كان منذ قليل عائداً من مبنى نوعاً ما في مكان هادىء.
تم حجز أحد الطوابق به خصيصاً لهما بعد أن يتم شفاؤها من هذا الأدمان اللعين…. دقق النظر إلى محياها ومنه إلى أهدابها الطويلة المغلقة على كثير من الغموض والوجع معاً.
ثم نزل ببصره إلى شفتيها الباهتتين…. زافراً بقوة عندما وقعت عيونه عليها…. قبض على يده بقوة حتى لا تمتد ناحيتهما.
متمنياً تقبيلهما بكل شوقه إليها الذي دائماً ما يحاربه إلى أن تشفى تماماً، وتعي لما هي مقبلةً عليه معه.
نهض من جوارها مغادراً الغرفة…. وقف بحجرةً أخرى جانبيه فتح باب شرفتها متنهداً بقوة… يريد محو طيفها الدائم من خياله… أمسك سور الشرفة بكفيه لا يعرف ما السبيل إلى الوصول إلى قلبها ثم إبلاغها بأنها قد أصبحت زوجته.
مكث بالشرفة إلى أن شعر بوجود أحدهم خلفه يضع كفه على كتفه بهدوء… قائلاً: مالك يا فتحي سهران ليه لدلوقتي…
تنهد دون أن يلتفت إلى صوت الرجل المصاحب له بالمكان قائلاً له بجمود: أبداً مجليش نوم فقلت أقف في البلكونة شوية.
وقف الرجل بجواره  قائلاً باهتمام: بس اليومين دول حاسس انك متغير مش انت فتحي اللي أنا عارفه.
ضم ذراعيه على صدره قائلاً بجدية: أنا زي ما أنا… قاطعه الرجل مبتسماً بقوله الحذر: لأ اوعى اللف والدوران يافتحي… دنا مش عارفك النهاردة بس… ده احنا عشرة عُمر يا راجل.
زفر فتحي بقوة مما استمعه من فم الرجل قائلاً بضيق: أنا كويس إطمن أنا رايح انام الوقت اتأخر… عن إذنك.
ابتسم له الرجل ولم يغضب من اسلوبه الفج هذا مراعياً شعوره وحزنه على مرض هذه البغيضة الذي لا يريد رؤيتها أبداً.
ركضت ملك كثيراً عن فيلا أدهم وأنفاسها اللاهثة تستغيث بها أن تتوقف عن ذلك وعن قلبه الذي كاد يختنق.
أحست بأن هناك من يتعقبها في هذا الهدوء من الليل… فكان أحد رجال أدهم بالتأكيد.
فزادت من ركضها إلى أن توقفت سيارة ما أمامها بالعرض محدثةً صريراً عالياً… بوغتت بها ملك وكادت أن تتراجع إلى الوراء شاعرةً بالذعر…. لولا امتداد ذراع قوية من باب العربة المفتوح على آخره.
جاذباً إياها بسرعة إلى الداخل مغلقاً الباب مرةً أخرى خلفها… قائلاً للسائق بحزم: اطلع بينا بسرعة من هنا.
في صباح اليوم التالي وقف أدهم داخل فيلته غاضباً من هروب تلك الفتاة الخرساء التي لعبة به…. يحدج رجاله بحنق.
قائلاً بانفعال: قولولي إزاي حتة بنت خرسا لا راحت ولا جات تستغفلكوا يا شوية أغبيا وتهرب قدام عينيكم.
تنهد أحدهم يدافع عن نفسه: انا كنت وراها وخلاص همسكها جات عربيه أول مرة أشوفها وأخدتها من قدامي على طول.
ضم شفتيه ووجهه يعبس أكثر قائلاً: البنت دي لازم تدوروا عليها تاني هاتوهالي من تحت الأرض.
أتت زينب لتوقظ فريدة للذهاب لكليتها بصحبة عاصي الذي يقوم بتوصيلها دائماً في طريقه لعمله…. بناءً على رغبته بذلك فوجدتها تتجهز…. وتمسك بأشياؤها الخاصة بدراستها للكلية.
قائلة بطيبة: كويس إنك صاحية يالا علشان البشمهندس مستنيكي تحت.
تنهدت قائلة بلطف: حاضر يا دادة قوليله نازله أهوه… دقيقتين وهكون جاهزة.
بالفعل أبلغته زينب بما أخبرتها به فريدة… جلس منتظراُ إياها على طاولة طعام الأفطار…. لمحها تهبط من أعلى الدرج.
كاد يبتسم لها لكنه عقد حاجبيه بسرعة…. عندما لمحها بدون حجاب كما أمرها… 
ناداها بهدوء مفتعل… أقبلت نحوه ببطء غير متذكرة ما أمرها به من ارتداؤها لحجاب كي تغطي هذا الشعر المنسدل على كتفيها.
أشار لها بأن تجلس بالقرب منه…. نفذت اوامره قائلة بخفوت: صباح الخير يا أبيه.
تجهم وجهه قائلاً بجمود: صباح النور…. اتفضلي افطري بسرعة قبل ما اتكلم معاكِ.
شعرت بأن هناك خطب ما من نظراته القاسية لها… تساءلت هل ذلك من تأثير ما حدث بالأمس أم العكس.
بدأت تأكل بيد مرتعشة علها تستريح من وطأة تحديقه بها…. بعد قليل أحست بالشبع… قائلة بقلق: هستناك في العربية.
نهضت كي تهرب من تحديقه لها… فأمسكها فجأة من معصمها بخشونة قائلاً بحنق: فين طرحتك اللي قولت تلبسيها ها.
هرب الدم من وجنتيها وهي تطلع إليه فهذا هو إذاً سر غضبه عليها هذا الصباح…. فدافعت عن نفسها بتلقائية وارتباك قائلة: أنا…. أنا آسفه نسيت وكمان معنديش حجاب يناسب لون لبسي.
رفع عاصي حاجبه الأيمن بتهكم قائلاً بغموض:بقى كده يعني هيه دي حجتك علشان متلبسهوش.
هزت رأسها بقوة بالنفي قائلة بقلق: لا يا أبيه صدقني دي الحقيقة أنا مش رافضه لبسه أبداً وموافقة.
  ترك معصمها بضيق قائلاً بغلظة: طب اتفضلي قدامي… يالا، اسرعت بخطواتها المضطربة أمامه.
اتجاه عربته… جلست بداخلها منتظرة أن يقود سيارته… مترقبة ببصرها ما سيحدث بعد ذلك.
جلس عاصي هو الآخر خلف عجلة القيادة… قررت أن تصمت كي لا تثير غضبه أكثر من ذلك.
وجدته يتوقف أمام أحد المتاجر الخاصة بثياب الفتيات… قائلاً بلهجة صارمة: انزلي قدامي بسرعة.
ترجلت كما طلب منها… ودخلوا سوياً إلى المتجر، وفهمت ما ينوي فعله بها هذا الصباح.
جعلها تنتقي العديد من الألوان التي أعجبتها الخاصة بالحجاب… والتي تناسب جميع ثيابها.
أعجبها الكثير منهم بالفعل… وقام هو بدفع ثمنهم لصاحب المتجر ثم اصطحبها إلى عربته من جديد.
قائلاً بضيق: أديني جبتلك أهوه كل الألوان المناسبة للبسك علشان ما يبقاش عندك حجه تانية تقوليها. 
أطرقت بعيونها إلى الأسفل، تشعر بالخجل منه ومن نظراته المؤنبة لها قائلة بتردد: متشكرة… متشكرة يا أبيه
فتح لها باب السيارة مغلقاً الباب خلفها، وجلس هو الآخرليقودها، لكنه بدلاً ذلك… قال لها بنبرة آمرة: يالا طلعي واحد منهم والبسيه قبل ما تروحي كليتك.
شعرت بالخجل منه قائلة بخوت: ألبسه هنا دلوقتي…. زفر بضيق قائلاً بصرامة: أيوه هنا بسرعة نفذي كلامي.
أخرجت ما يناسب منهم ووضعته بيد مرتجفة على شعرها بعد أن عصقته حتى لا تحس بالضيق ولا يظهر من تحت الحجاب.
إلتفت إليها عاصي… وجدها مرتبكة أمامه، تنهد بغيظ من تصرفها هذا… فقام بتعديل مرآة السيارة التي أمامه بالمنتصف.
قائلاً بجمود: بصي هنا بدل ما انتِ خايفة مني كده وكإني هاكلك… رمقته بحياء من أثر كلماته عليها.
قائلة باضطراب: حاضر… هشوف أهوه، قامت بعدها بتعديل حجابها أمام مرآة العربة، وأسرعت بذلك كي تتخلص من مراقبته لها.
انتهت أخيراً وتراجعت بجوار الباب الذي بجوارها، تطلع إليها متأملاً لجمالها الذي زاد بعد ان ارتدته.
قائلاً بعفوية: كده أجمل بكتير أوي يا فريدة… توردت وجنتيها بحمرة الخجل من مدحه إياها بعد كثيراً من الوقت الذي طال انتظارها له.
تتأمله بحياء راقي قائلة بصوت خفيض: بجد بقيت أحلى يا أبيه، تنهد بمزيج من الأعجاب وعيناه تطلع إلى عيونها كأنها تهمس بالكثير من المشاعر التي تختبأ فيهما دائماً.
 قائلاُ بعذوبة: طبعاً يا فريدة وأنا واثق من قبل ما أشوفه عليكِ إنك هتبقي أحلى بيه أكيد.
كاد أن ينسى نفسه ويمسك بكفها لكن ذراعه توقف في المنتصف قائلاً بجدية: متهيألي كده اتأخرنا زيادة عن اللزوم.
استيقظت ملك على صوت الباب وهو يفتح… في نفس الغرفة التي كانت تنام بها من قبل في فيلا سليم الأنصاري.
هبت جالسة على الفور بترقب ليكون هو لكنها ما لبثت أن تنهدت باتياح عندما وجدتها نفس الخادمة التي كانت تأتيها بالطعام من قبل، قائلة باختصار: البسي بسرعة البوص مستنيكي تحت.
انصرفت الخادمة بعد أن ابلغتها بما أراده هو، دارت ببصرها سريعاً داخل الحجرة فوجدتها هي بالفعل من نفس الحجرة.
ولمحت نفس الصورة التي تحمل وجهه الوسيم بلحيته الخفيفة وسيجاره بيده بكل ما يحمله من كبرياء لم تراه من قبل على أحد…. 
قامت من مكانها شاعرة بالقلق بداخلها… فهي لم تطمئن من نظراته الجريئة ليلة أمس، عندما وجدت نفسها بغرفة مكتبه فجأةً بعد أن وضعوا على عيناها قماشةً سوداء على عيونها.
حتى لا تعرف إلى أين…. ولم يمهلوها إلى أن تذهل وتصدم بما يفعلونها بها.
وقفت بالحجرة دون أن ترفع القماشة من على أعينها… بناء على رغبة من كان معها.
فوجئت بمن يفكه لها من الخلف…. شاعرةً بأنفاس قوية بجوار أذنها ارتجف لها قلبها بعنف.
فتحت عيونها ببطء تحدق أمامها فوجدت الظلام أمامها… فزادت التساؤلات بداخلها…. تقدمت بخطوتين للأمام تتحسس طريقها فوجدت.
صدراً قوياً… عريضاً لا تستطيع بلوغ كتفيه بكفيها الرقيقة… تيبست يديها على صدره تشعر بصدمة قوية لم تشعر بها من قبل، وانتقل هذا الجمود إلى جسدها. 
اضاء ذلك الشخص كشاف بوجهها…. مبتسماً بتهكم كبير قائلاً بعبث خبيث: وحشتيني يا ملوكه…. شايفه مقدرتش على بُعدك إزاي. 
اتسعت حدقتيها على آخرهما من هول المفاجأة، فهذا هو لم يكن غيره… من أراد الأنتقام منها منذ أن وجدها أول يوم هروبها من منزلها.
إنه البوص الذي دائماً ما يسخر وينتقم منها كأنه العقاب الذي عاقبها به الله مما اقترفته في حق شقيقها الكبير عاصي.
مردفا بنعومة: إيه رأًيك في المفاجأة الحلوة دي… بذمتك مش أنا أحسن بكتير من أدهم الصاوي… ثم صمت متابعاً ببصره ملامح وجهها التي اصفرت بشدة.
مستطرداً بمكر: وخصوصاً إني هدفع أكترمنه… وهزودلك رصيدك بالبنك، بس على شرط تسمعي الكلام يا قطة.
بُهت وجهها أكثر غير راغبة في سماع المزيد وجاءت لتبتعد عنه… أحاط خصرها سريعاً بالذراع الآخر ملقياً بالكشاف على الأرض بفوضوية تامة… عابثاُ بأنامله القوية بخصلات شعرها الكثيفة.
يرمقها بظراتٍ ذات معنى جريء لم تراه من قبل هامساً بصوتٍ متعمد: مالك يا ملوكه عايزة تبعدي عني ليه على طول… أنا لحقت أشبع بقربك يا حلوة.
تنهدت وهي تستفيق من شرودها… وهي تحدق بعقارب الساعة المعلقة على الحائط تشير إلى تأخرها.
كأنها هي من نبهتها على ذلك التفكير الطويل بما حدث معها بالأمس… قائلة بضيق خائف: ربنا يستر منه المرادي امبارح كنت هموت من الخوف من نظراته اللي مش طبيعية أبداً ليا يا ترى عايزني في إيه كده على الصبح….!!!!
وقفت أمامه ترتعد من الداخل من نظراته الوقحة لها… تريد الأختباء منه أو الفرار…. نهض من مقعده.
وعينيه تدقق في محياها قائلاً باستهزاء: يا ترى نمتي كويس يا ملوكه… ولا فكرتي في كلامي امبارح وطار وقتها النوم من عينيكِ الحلوين دول.
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تضم قبضتيها بقوة رافضة بداخلها كل ما يحدث معها منذ الأمس… كأنها وقعت هذه المرة في فخٍ أكثر من المرة الماضية.
ابتعدت بخطوتين إلى الوراء فابتسم ابتسامة زادته جاذبية مشيراً إلى نفسه بعبث قائلاً بخبث: إيه يا ملوكه أنا شكلي وحش مش عجبك… وعايزة تتقلي عليا أكتر من كده.
كادت تصرخ به بأنها لا تريد أي شيء منه سوى أن يتركها لحال سبيلها، وتنسى أنها خرساء لا تتحدث وتوقع بنفسها بمشاكل أكبر معه.
فهذا الجريء والوقح الوسيم قد أفقدها صوابها بكلماته لها الآن ومنذ الأمس يريد أن يسيطر على عقلها بطرق أخرى…. لم تكن معتادة عليها يوماً ما.
قاطع صمتها الطويل هذا قائلاً بخبث: شكل كده هتتعبيني معاكِ يا أموره وأنا بصراحة مش هقدر أصبر أكتر من كده.
تطلعت إليه بريبة واختلج قلبها بعنف قائلة لنفسها بهلع: نهارك اسود يا ملك…. ده قصده إيه بعد كل ده… ده مش رئيس عصابة وبس… لأ ووقح كمان.
لم يمهلها سليم الأنصاري للتساؤلات الكثيرة واضعاً أمامها حقيبةً مملوءة بالنقود… على مكتبه الخشبي وقام بفتحها بفخر قائلاً بدهاء: تبيعي نفسك ليا بكام….!!!!
استغربت سهر بأنها إلى الآن ومنذ الأمس لم ترى فتحي… وسألت عنه الرجل الذي دائماً بصحبته قائلة بدهشة: أمال فين فتحي الراجل العملاق ده اللي بيحرسني.
تنهد الرجل… قائلاً بضيق: بيخلص شغل بره وراجع كمان شوية… زفرت بحنق قائلة: ياريته ما أشوفش وشه تاني يكون أريح.
حدجها بغضب…فتراجعت إلى الوراء واستكملت طعامها قائلة بضيق: سليم هيفضل حابسني كده لأمتى.
أجابها هذه المرة صوتاً غاضباً بشدة:- لأ دنا اللي حابسك المرادي…!!! 
يتبع..
لقراءة الفصل العاشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!