روايات

رواية غناء الروح الفصل الأول 1 بقلم زيزي محمد

رواية غناء الروح الفصل الأول 1 بقلم زيزي محمد

رواية غناء الروح البارت الأول

رواية غناء الروح الجزء الأول

رواية غناء الروح
رواية غناء الروح

رواية غناء الروح الحلقة الأولى

داعب شعاع النور جفنيه وهو مستلقي بأريحية فوق فراشه ينعم بدفئه بعيدًا عن متاعب العمل وصراعات النسوة عليه، شعر بأصابع رقيقة ناعمة تحمل رائحة طيبة، بل كانت رائحة شهية تثير داخله مشاعر جمة، تتبع فضوله وفرق جفنيه ليطالع فتاة جميلة تقف بثياب أنثوية فاضحة، شهقة كادت تخترق جوفه، اتساع بؤبؤيه يشبه متفرج أبله يرتعد من أفلام الرعب، تلقائيًا قبض بكفيه فوق غطائه الازرق يجذبه على جسده كمن قُبض عليه بالجرم المشهود! وهتف بنبرة غليظة تنافي ردود أفعال جسده المرتعبة:
-أنتي مين؟!
تلون ثغرها المغطى بلون أحمر ناري بابتسامة ناعمة رقيقة وهي تهتف:
-أنا حبيبتك يا حبيبي!
إجابة لم يفهم منها شيء قط، فعاد يقول بنبرة قاربت على الجنون وهو ينظر لجدران غرفته يتأكد من وجوده بمنزله:
-مافهمتش أنتي مين بردو وازاي تدخلي اوضتي؟!
ضحكة رخيصة خرجت منها وهي تتخصر ثم قالت:
-قولتلك حبيبتك!
وقبل أن يجيبها بسبة نابية، التقطت أذنيه صوت أخرى تقف بإحدى زوايا الغرفة تدافع عن حقها به بصوت أنثوي شرس:
-لا يا حبيبتي أنا اللي حبيبته!
انفرج فمه بصدمة أخرى وهنا اتفق جسده معه وانتفض كمن لدغه عقرب:
-انتوا مين؟! وازاي دخلتوا هنا!
لم يجيباه بل الاجابة كانت من نصيب مَن خرجت مِن أسفل الفراش تبتسم ابتسامة خبيثة:
-أنت حبيبي أنا ولا يمكن أسيبك ليهم.
وقف فوق فراشه يمسك وسادته أمامه يدافع بها عن نفسه:
-انتي خرجتي منين انتي كمان؟!
-من تحت السرير يا حبيبي.
هز رأسه كالمجنون وانطلق يبتعد عنهن وتوجه لباب غرفته يفتحه في محاولة قوية منه للهروب بينما هن يمسكن بثيابه بجنون وهو يخطو للأمام حتى وصل للباب وفتحه ولكن أصابته الصاعقة حين وجد منزله يمتلئ عن أخره بالفتيات ولا يوجد أثر لعائلته وكل واحدة منهن تدافع عن أحقيتها فيه وبالزواج منه!
ظل يهز رأسه كالمجنون ويصرخ فيهن لعلهن يبتعدن عنه ولكن لا فائدة فظل يطلب منهن الرحمة به والرأفة بحالته وهن يطبقن عليه كمن وجد كنز ثمين، فأصبح لا أثر له وهو بينهن وأنفاسه اختفت تدريجيًا حتى شعر بيد قوية تجذبه من قاع أحلامه الغريبة والمجنونة:
-قوم يا بيــــه، قوم يا دنجوان.
تمتم داخله بارتياح قبل أن يفتح عيناه:
-دا صوت سليم أخويا، يبقى ان شاء الله خير.
وبالفعل فتح عينيه هذه المرة على واقعه يتأكد من خلو غرفته من الفتيات، ثم اعتدل رغم امساك سليم بيه بقوة:
-اوعى كدا يا سليم، اشوف يمكن فيه حد تحت السرير.
تجاهل سليم كلامه غير المفهوم، ورد بنبرة ساخرة وهو يشير بيده الأخرى على هاتفه:
-عيد ميلادك دا ولا عيد ميلاد هارون الرشيد إلا لما لقيت راجل واحد بيوحد ربنا في الصور، فاضحني على طول ربنا يفضحك.
تصنع الدهشة سريعًا وقال بنبرة غلب عليها الحزن:
-أنا!، على طول ظالمني.
توسعت أعين سليم من وقاحة أخيه المتعمدة، فقال:
-أنت بتكذب عيني عينك كده، ده أنا شايف الصور بعيني.
اعتدل فوق فراشه يحاول التخلص من قبضة أخيه الأكبر، مفكرًا في فكرة للتخلص من تلك الورطة:
-دي كانت مفاجأة بريئة منهم.
رفع سليم أحد حاجباه متسائلاً بنبرة غلب عليها نفاذ صبره:
-مين دول بقى؟ حبايبك ولا معجباتك.
صاح بعلو صوته يبعد تلك التهمة عنه وهو يقول بصوت يغمره الإصرار الكاذب:
-لا أبدًا، دول أصحابي، هو أنا قلبي أيه عشان يبقى دول كلهم بحبهم، يا سليم افهم فيهم كذا واحدة صاحبتي والكام واحدة دول عزموا أصحابهم.
تلون ثغر سليم بسخرية، فهتف:
-اه يا حرام على طول كده مظلوم، طيب عيد ميلادك المفاجأة البريئة اللي عملوها الكام واحدة صاحبتك اللي بردوا هما اللي عزموا كم البنات دول، مفيش فيهم راجل يوحد ربنا.
-لا أزاي كان فيه طبعا هو اللي بيصور.
مد سليم أصابعه يرجع خصلات شعره المتناثرة فوق جبهته للخلف، بينما كان يردد بصوت عالٍ:
-ايوه بردوا مفيش صورة واحدة ليكم مع بعض.
ابتسم يزن ابتسامة سمجة وهو يجيب:
-مابيحبش يظهر في السوشيال ميديا بيتكسف.
ابتعد سليم عنه باشمئزاز وهو يقول:
-عنده دم يعني، مش زيك.
-اه أنا عندي فراولة.
قالها بصوت مكتوم، فانقض عليه سليم مرة يهدد بنبرته الغليظة الحادة:
-اقسم بالله يا يزن لو ما اتعدلت واتظبطت في حياتك وشغلك، وبعدت عن البنات والهلس والقرف ده، لأكون مجوزك بمعرفتي وغصب عنك.
ابعده يزن عنه بصعوبة وهو يقول بنبرة شبه جادة:
-على فكرة أنا كنت صاحي من النوم وواخد القرار ده أصلاً.
سأله سليم بشك:
-قرار أيه؟! الجواز!
هز رأسه نافيًا وفمه يؤكد صحة قراره الذي اتخذه عقب حلمه المريب:
-جواز أيه يا عم، أنا بطلع السلم واحدة واحدة، أنا قررت ابعد عن البنات، أنا حاسس بقرفة، أو محسود أو مخنوق، ماعرفش مالي!
-بعيدًا عن أحاسيسك اللي كلها هتدفنها أول ما تخرج من باب البيت وتلمح بنت حلوة، أنا كلمتي واحدة وأنت عارفني، أسمع بس عنك حاجة ماتعجبنيش، وأنت وقتها هتشوف اللي عمرك ما شوفته مني.
ثم اعتدل سليم مرة أخرى في وقفته وهندم ثيابه بعنجهيته المعهودة وخرج بخطواته الواثقة، فزفر يزن أنفاسه وظل يمسح فوق خصلات شعره في حركة لا إرادية تتملكه عندها يكون متوترًا أو غاضبًا.
***
في مكان آخر وفي إحدى مناطق متوسطي الدخل، جذبت ” سيرا ” سترتها البيضاء من فوق الحِبال المرصوصة خارج الشرفة، ثم دخلت لغرفتها ببسمتها الصباحية والتي زادتها إشراقًا ذلك الصباح خصيصًا، لأنه أول يوم عمل لها في ” مركز تدريب نسائي” في منطقة راقية بمبلغ مالي عندما سمعته وصفته” محترم، مرتب محترم” رفعت يدها للأعلى وهتفت بهمس:
-يارب الزق في الشغل، ويكون وشه خير عليا، يمكن يجيلي عريس ولا حاجة.
فُتح باب غرفتها ودخلت ” أبلة حكمت” أختها الكبرى وهي تقول بصوت معترض:
-والعريس هيجي منين طول ما أنتي حالك كده.
اختفت بسمتها واتخذت وضع الهجوم:
-يا أبلة حكمت أنا بدعي بصوت واطي بيني وبين ربنا وباب اوضتي مقفول، داخله في حياتي ليه؟!
انفلت لسان ” أبلة حكمت” بوابل من الشتائم:
-قليلة الادب ازاي تكلميني كده، وأنا أختك الكبيرة.
اصطنعت الندم فوق ملامحها وخفضت بصرها قليلاً وهي تقول:
-أسفة يا أبلة مش هتتكرر تاني، ممكن اكمل لبسي عشان الحق انزل شغلي.
سخرت ” أبلة حكمت” منها بصوت عالٍ لم يعجب “سيرا ” إطلاقًا ولكنها التزمت الهدوء:
-قال شغل قال، كنتي اتنيلتي على عينك وذاكرتي ودخلتي كلية كويسة تعرفي تشتغلي شغلانة حلوة، لكن نقول أيه كنتي لاسعة ودخلتي تربية رياضية، في بنت تبقى كابتن يا ناس.
شاركت ” فريال” في الحديث وهي الأخت الأصغر من حكمت ببضع سنوات قائلة وهي تحمل طفلها الصغير ذي العامين:
-الدنية اتغيرت يا أبلة حكمت، وبعدين سيبي سيرا في حالها يمكن ربنا يوفقها في حياة أحسن مننا.
شهقت “أبلة حكمت” عاليًا وقررت إظهار إمارات التعالي والنفور:
-أحسن منك أنتي وشاهندا و كريمة، لكن أحسن مني في أيه ان شاء الله!
التوى فم “سيرا” بسخط، ولمحتها “أبلة حكمت” بطرف عينيها فانفجر فمها بكلمات يملأها الغيظ:
-طيب والله اتمنى سيرا تعيش نفس العيشة اللي أنا عايشها.
خرجت حروف سيرة ثقيلة للغاية وهي تنظر لأختها الاخرى ” فريال” بنظرات ذات مغزى:
-يا ريت يا أبلة حكمت، بس إلا قوليلي هي الجلابية الزرقة دي جديدة ولا أيه؟!
نظرت ” حكمت” لثيابها باستنكار ممزوج بعدم الفهم:
-لا قديمة، ما انتي شايفها مية مرة!
تصنعت ” سيرا” الدهشة، قائلة:
-والله! ما شاء الله عليكي يا أبلة حكمت محافظة على هدومك، كل مرة كده بتلخبط وبفتكر هدومك جديدة.
انتفخ صدر حكمت بالفخر مما دفعها للتباهي بنفسها، قائلة:
-نفسي تتعلموا مني وتبقوا زيي تعرفوا توفروا والله حالكم هيبقى أحسن.
مالت ” فريال ” بنظراتها المعاتبة نحو سيرا التي انطلقت سهام الاعتذار من عينيها ردًا على تلك النظرات، انتظرا خروج ” حكمت ” من الغرفة وهي تستكمل حديثها المتفاخر عنها وعن زوجها العصامي وعن حالتهما المادية المتيسرة، فقالت ” فريال” بغيظ فور خروجها:
-حال أيه اللي نبقى زيه، دي بتيجي تفطر هي وعيالها كل يوم عشان توفر ومش مراعية ظروف بابا ولا أنه متحملنا كلنا.
هزت “سيرا” رأسها بيأس، فتابعت الاخرى بنفس الغيظ:
-وانتي يا باردة بتفتحيها عشان نقعد احنا نسمع وصلة التمجيد في نفسها على حسابنا، وان هي عرفت تختار وقاعدة في شقة جوزها وليها حياتها، لكن أنا وشاهندا وكريمة اختيارتنا غلط ومحملين بابا فوق طاقته بوجودنا هنا احنا واجوزاتنا وعيالنا و….
اوقفتها سيرا متأسفة:
-خلاص حقك عليا يا فريال، معلش كنت عايزة اخلع منها وانتي عارفة مابتجيش غير بكده.
عاتبتها فريال بأسلوب هادئ نوعا ما:
-مش على حسابنا يا سيرا، أنا واخواتك تعبنا من كلامها.
خفضت سيرا رأسها بأسف فلم تجد ما تقوله، ولكن سرعان ما استدركت فريال نفسها وقالت بهدوء يتخلله بعض الاهتزاز النفسي البسيط:
-معلش يا حبيبتي وترناكي قبل شغلك الجديد، حقك عليا.
سرعان ما ابتسمت سيرا وهتفت بشقاوة مداعبة اختها بأصابعها في خديها:
-افراج ياعني، امشي؟!
ضحكت فريال ولكن ضحكتها لم تكن صافية بقدر جمال قلبها الابيض كما دومًا تصفه سيرا، شعرت سيرا بأن هناك خطب ما يحلق في سماء حدقتي فريال، فقالت بشيء من القلق:
-في أيه يا فريال؟!
حمحمت بحرج واندفعت تخبر اختها الصغرى بما تحاول إخراجه منذ بداية دخولها:
-كنت كلمت بابا على فلوس لكمال جوزي عشان مشروعه الجديد اللي انتي عرفتي بيه…
قاطعتها سيرا وهي تلملم باقي اغراضها قائلة:
-اه السوبر ماركت، ايه بابا مش معاه فلوس؟!
خفضت فريال رأسها بحرج شديد قائلة:
-لا معاه بس فلوس جهازك اللي هو وماما بيشلوها على جنب، فقالي استأذنك يعني اخد منها مبلغ اهو يساعد كمال في مشروعه يمكن ربنا يفرجها عليه وعلينا وحياتنا تتحسن شوية.
ظهرت علامات الاستفهام على وجه سيرا وهي تتساءل بحماقة:
-ما تاخدوا يا بنتي في أيه؟! انتي شايفة العرسان بتتحدف عليا.
تهللت أسارير فريال وقامت باحتضان سيرا بفرحة عارمة وهي تقول بامتنان:
-بجد ربنا يخليكي يا رب يا سيرا ويجبر بخاطرك يا حبيبتي.
قبلتها سيرا في وجنتيها بحب، مردفة بمزاح خالطه الرجاء:
-ويخليكي ليا يا حبيبتي، بس عشان خاطري نبهي على عيالك يسبوا الجبنة الرومي بتاعتي في حالي عشان أنا اعصابي تعبت بجد.
توسعت أعين فريال بصدمة وأسف معًا:
-يا خبر هما ولاد الجزمة دول كلوها بردو.
هزت سيرا رأسها بقلة حيلة وهي تضع حقيبتها خلف ظهرها تستعد للخروج من غرفتها بعد أن دق هاتفها عدة مرات معلنًا عن وصول صديقتها “حورية” أسفل المنزل، فودعت فريال سريعًا وفي طريقها للخروج من غرفتها حتى باب المنزل قامت بتوديع جميع افراد عائلتها المنتشرين في جميع أركان الشقة التي ورثها أبيها عن عائلته ولحسن حظه كانت مساحة الشقة واسعة وتتضمن غرف كثيرة فساعده الوضع على انجاب خمس فتيات هما ( حكمت، وكريمة، وفريال، وشاهندا، وسيرا) وتوأمان بعمر المراهقة هما ( عبود وقاسم)، ولكن والد سيرا لم يكن بحسبانه أن الزمن سيجعل من شقته عبارة ملجأ لفتياته حتى بعد زواجهن، فظروفهن المادية لم تساعدهن هن وازواجهن على استئجار شقة، فعرض عليهن مساعدتهن بإقامتهن معه، وتدريجيًا بدأ في ضخهن بالأموال بعد أن زادت أعباء الحياة عليهن، ووسط كل ذلك استطاعت سيرا الحصول على غرفة صغيرة في أخر الشقة تفصلها قليلاً عن باقي الغرف المرصوصة بجانب بعضها، فشعرت ببعض الخصوصية أو أنها تتوهم ذلك حتى تستطيع مواكبة الحياة معهم بعد أن أصبح أمر اقامتهم دائم ولا خيار فيه.
***
سارت ” سيرا” بجانب صديقتها حورية في طريق طويل بعد أن هبطا من وسيلة الموصلات العامة، وقررا استكمال باقي طريقهما سيرًا على الاقدام فتحظى كلاً منهما بقليل من الوقت تخبر الاخرى عما تكنه بصدرها من أمورٍ لا تستطيع إخراجها لأحد، فتنهدت ” حورية” بانزعاج واضح قبل أن تسمح للسانها في ترويض عقل ” سيرا” الجامح:
-يا سيرا يا حبيبتي طلعي كلام أبلة حكمت أختك من دماغك عشان تعرفي تعيشي.
زفرت ” سيرا ” بحنق قبل أن تقول:
-اعيش أيه يا حورية، أنا اقسم بالله خلاص بدأت اطق، ونفسي فعلا اهرب من البيت ومن الضغط النفسي اللي أنا فيه، أبلة حكمت محسساني إني خلاص بقيت بايرة، لا محسساني أيه دي بتقوليهالي في وشي، ومش عاجبها أي حاجة، حرفيًا ليل نهار بتتنمر عليا وعلى اختيارتي وعلى كل خطوة بعملها في حياتي.
-طيب وعمو حسني رأيه أيه في كلامها ده؟
ضحكت ساخرة بخفة وهي تجيب على صديقتها:
-بابا زهق منها وبقى يسكت، ولو فكر يكلمها ويرد عليها تتقمص وتنزل شقتها.
صاحت حورية بسعادة لإيجادها الحل المناسب في مأساة صديقتها:
-حلو خليها مقموصة بقى في شقتها.
توقفت سيرا عن السير وهي تردف بيأس:
-دي لو اتقمصت العصر بتطلعلنا العشا.
انفجرت حورية ضاحكة، فتابعت سيرا بصوتها المغمور في اليأس:
-المشكلة مش على قد أبلة حكمت، المشكلة إني مابقتش حاسة بخصوصية في أي حاجة، البيت زحمة باخواتي وعيالهم، حتى كريمة بقت تيجي تلات أيام في الاسبوع وتقضيهم عندنا هي وجوزها بعد ما بابا عرض عليها عشان يساعدهم من ضغط المصاريف.. الشقة مابقتش مستحملنا بفريال وجوزها وعيالها التلاتة وشاهندا وجوزها وعيالها الاتنين كملت بكريمة وعيالها الاربعة ده غير أبلة حكمت وعيالها اصلا مقمين عندنا.
اوقفتها حورية بعدم فهم:
-هي مش أبلة حكمت متجوزة تحتكم وليها شقتها.
-ما هي بتصحى الصبح تقعد معانا ومابتنزلش غير بليل.
شعرت حورية بالتيه فقالت بأسف:
-الله يكون في عون بابكي ومامتك بجد ده مورستال.
تنهيدة أخرى عميقة خرجت من صدر سيرا المكتظ ببعض الأمور النفسية المعقدة:
-بابا وماما على قلبهم زي العسل، المشكلة فيا أنا بقيت خايفة افكر اتجوز ابقى زيهم، نفسي ربنا يكرمني بعريس كويس ومقتدر ماديًا.
رمقتها حورية باشمئزاز وهي تقول:
-سطحية اوي، المفروض تقولي ربنا يكرمني بعريس ابن حلال.
-ما هو هيطلع ابن حلال أكيد طالما هيتجوزني.
ارتسمت علامات الامتعاض فوق وجه حورية:
-وده ليه ان شاء الله؟!
توقفا الاثنان أمام البرج الشاهق والذي يقبع به ” المركز الرياضي” ، فبدأت سيرا في وصف نفسها بصوت شقي وابتسامة واسعة وأنثوية مفعمة بالحياة:
-عشان أنا بنت حلال، وطيبة وغلبانة وقلبي…
ضحكت حورية بمكر شقي وهي تسألها:
-ماله قلبك بقى يا اختي؟!
-أكيد ابيض وقمر زيها كده.
صوت رجولي اخترق دائرة حديثهما المغلقة، فأصابهما بالفزع وخاصةً “حورية” التي هتفت بصدمة لم تكن تتوقعها:
-يزن؟!
مرر بصره من فوق حورية بقصر قامتها إلى تلك طويلة القامة بجسدها المناسب لطولها، مرورًا بملامح وجهها الجميلة والبريئة والتي تنافي نبرة التعالي الملاحقة لصوتها وهي تستعرض مواصفاتها بكل جرأة سرقت عقله رغم أنه كان يضع لنفسه بعض الحدود حين خرج من منزله مقررًا الحد من التعامل مع النساء اليوم كتدريب حقيقي له على استكمال باقي حياته دونهن ولكن الوضع اختلف وشعر بتأجيل ذلك القرار قليلاً.
-مين ده يا حورية، قريبك؟!
انتبه على صوتها وهي تتساءل بنعومة استفزته، رغم أنه متعاد على تلك الصفة ولكن يبدو أنها أنثى تحظى بجاذبية مميزة لم تمر عليه أو ربما يتوهم ذلك كعادته مع كل فتاة جديدة يقابلها!
وقبل أن تجيب ” حورية” كان هو يسبق بيده التي صافح بها ” سيرا” بلباقته المعهودة، وصوته الرجولي الجذاب القادر على سلب لُب الفتيات في ثوان معدودة يصدح بنغمة مميزة وهو يقوم بتعريف نفسه:
-يزن الشعراوي صاحب معرض العربيات اللي وراكي ده.
قاطعته حورية وهى تهتف بغيظ منه ومن طريقته الملتوية في جذب انتباه صديقتها البلهاء:
-بتسأل انت قريبي ولا لا، مابتسألش بتشتغل أيه؟!
مازحها كعادته وهو يردف:
-ماتبقيش قاطعة ارزاق، وعلى العموم حورية تبقى قريبتي.
استنكرت حورية بصدمة:
-ايه ده ولا اعرفك!
-انتي تطولي تعرفي حد نضيف زيي!
انفجر فم حورية بصدمة بعد أن القى بقنبلة وقاحته في وجهها دون سابق انذار، فسارع بقوله الممازح:
-خلاص ياستي ماتعيطيش قريبتي..
قطع كلامه لثوان ثم اشتبك بنظراته مع تلك الواقفة تتابع حديثهم بعدم فهم:
-كان ممكن يجيلها جلطة دلوقتي بسبب هزاري، احنا في معرفة كده ما بينا، المهم ماتعرفتش باسمك؟
جاذبيته جعلت من سيرا بلهاء كما سبتها حورية بسرها:
-أنا سيرا صاحبة حورية وابقى مدربة الزومبا في الجيم اللي فوق ده.
رفع حاجبيه لحديثها الغريب بداية من اسمها العجيب والذي لم يسمعه من قبل حتى مهنتها الاغرب، ولكنه سعد بتجربة جديدة سيخوضها قريبًا وخاصةً بعدما لمح نظرات الاعجاب المختفية بأعين تلك الغزالة الرقيقة.
-فرصة سعيدة يا سيرا لو احتاجتي أي حاجة أنا موجود في المعرض على طول، واتمنى تيجي تشرفيني طبعًا فيه.
ثم نظر لحورية مستكملاً حديثه بتحدٍ:
– أيه القطة كلت لسانك؟
رمقته حورية بامتعاض، فهمس لها قبل أن يتركهما:
-قصيرة وحقودة، الاتنين كتير عليكي.
انفجر فمها بدهشة من مدى وقاحته، حتى استمعت لضحكات سيرا الخافتة، فقالت بغيظ:
-بتضحكي على أيه يا باردة؟!
وضعت سيرا يدها فوق فمها قائلة:
-أسفة بس هو ظريف اوي وضحكني.
-والله ما حد ظريف الا انتي اتنيلي اطلعي يلا، عارفة لو مش أول يوم وانتي متوترة والله ما كنت عبرتك وجيت معاكي.
دفعتها حورية لداخل المبنى وبداخلها بعض القلق من يزن ووجوده الدائم أمام عمل سيرا، حيث شعرت بالخوف أن تقع صديقتها في فخ هذا الصياد الماهر، فلم تهرب سمكة من شباكه قط، وكأنه يملك طُعم ايقاعهن في حبه بكل سلاسة دون أن يبذل مجهود، ما العمل وخاصة بعدما علمت من اختها عن كل شيء يخص يزن وحبه للفتيات بحكم صداقتها مع مليكة زوجة زيدان.
***
بعد عدة ساعات..
تركت المبنى التي تعمل به صديقتها “سيرا” وتوجهت عازمة كل العزم نحو ذلك الصياد، راسمة علامات الجدية والصرامة علها تجدي نفعًا معه، ورغم أن دخولها يشبه هبوب عاصفة عاتيه إلا أنه استقبلها بابتسامة مشرقة مردفًا بصوته الهادئ:
-والله نورتي المكان.
رسمت ابتسامة مقتضبة:
-المكان منور بأصحابه.
أشار إليها بالجلوس متحدثًا بسلاسة كعادته:
-ده إيه اللطف ده! احنا لسه الصبح كنا هنموت بعض.
رفضت الجلوس واستمرت بمكانها متحدثة بجدية أكبر حاولت إظهارها فصاحبت معها نبرتها الحادة:
-لا ونموت بعض ليه يا أستاذ يزن، احنا كبار وعاقلين.
رسم فوق وجهه إمارات الملل، قائلاً:
-وبعدين؟
رفعت حاجبيها معًا، ونظرت له نظرة طويلة قطعها هو بسؤاله الصريح:
-يعني بعد المقدمة الرسمية دي عايزة أيه؟
أجابت سريعًا بصراحة ووضوح:
-تطلع سيرا من دماغك.
رغمًا عنه خرجت منه ضحكة ساخرة وهو يقول:
-أيه يا بنتي انتي محسساني اني قاتل متسلسل!
استمرت على نفس النهج ومالت نبرتها لشيء من الحدة الممزوجة بالتهديد المبطن:
-بلاش السخرية تكون محور كلامنا، أنا قولتلك احنا عاقلين.
اخشوشن صوته وهو يعقب على حديثها الذي استفزه كثيرًا رغم أنه لم يظهر لها ذلك:
-ما انتي اللي غريبة وبتقولي كلام أغرب الصراحة!
هزت كتفيها والإصرار يتعلق بحافة صوتها وهي تقول:
-أيه الغريب في كده، أظن إنك فاهم كويس اقصد أيه، هي مش زي البنات اللي تعرفها هي انضف من كده بكتير، بلاش تجرها لسكة مش بتاعتها.
رغم أنها استفزته وانقشع عنه قناع البرود والهدوء، إلا أنه رد باستهزاء:
-لدرجادي سمعتي سبقاني.
ردت بنفس نبرة التهكم خاصته:
-ما شاء الله عندك تصالح مع الذات ماشوفتوش في حياتي.
رغم سخريتها الواضحة إلا أنه تحدث معها بصدق:
-يمكن عشان مابكونش قصدي أأذي حد.
لم تلاحظ صدقه وكأن الصورة المأخوذة عنه كانت كالغمامة أمام عينيها، فاستمرت على نفس النهج الهجومي:
-امال اللي بتعمله ده يبقى أيه؟
هنا استنفذت كل طاقته معها وأجاب بشراسة ضمنية:
-أنتي جاية تناقشيني بقى في حياتي الشخصية؟!
لم تجد رد مناسبًا بعد أن وضعت نفسها في موقف حرج معه، فاستكمل هو حديثه بنفس نبرته الخشنة:
-أصل أنا بصراحة مش فاهم أيه مدى الجرأة اللي عندك تخليكي أنك تيجي وتتكلمي في حاجة ماتخصكيش.
ضمت شفتيها بضيق واضح بعد احراجه لها، فاستكمل ولم يعطِ لها فرصة للرد:
-لا انتي لو عايزة كلام يوجع ويحرج أكتر ممكن اقوله، بس أنا هاحتفظ بمساحة القرابة ….
صمت لثوان معدودة ثم قال بصوت مبطن بالسخرية:
-سوري اقصد بالمعرفة اللي ما بينا فعشان كده هسكت وهطلبلك حاجة تشربيها.
ردت بكبرياء:
-شكرًا لذوقك.
-لا وعلى أيه شرفتي الشوية الصغيرين دول.
غادرت وهي في أوج لحظات غضبها من ذلك المتعجرف الماكر وبالنهاية لم تأخذ منه عهد واضح حول عدم تعرضه لصديقتها، ولم تأخذ في الحسبان أنه سريعًا قام بربط حديثها معه وفكرتها المأخوذة عنه بصداقة زوجة أخيه معها هي واختها شهيرة، ومالت نفسه للغضب المتفاقم من “مليكة” التي من الواضح أنها السبب في تلك الصورة المأخوذة عنه رغم أنه لم يتجاوز حدوده معها قط هي أو شمس!
****
في أحدى المنازل السكينة والتي يبدو على قاطنيها أنهم ميسوري الحال، اندفعت ” يسر ” للغرفة تبكي بحرقة شديدة بينما والدتها “أمل” تحاول جاهدة في تهدئتها:
-يا يسر اهدي ابوكي كده هيسمع.
أشارت نحو عنقها وبصوت مختنق قالت:
-مابقتش قادرة اسكت واعدي، أنا خلاص حاسة أني هموت بقهرتي يا ماما.
-يا بنتي قهرة أيه بس، الموضوع بسيط.
كانت مجرد كلمات تتلفظ بها والدتها على أمل امتصاص حزنها ولكنها كانت الشرارة التي أشعلت نيران حرقتها:
-عمره ما كان بسيط، ماتحاوليش تحسسيني إني تافهة، انتي نفسك يا ماما ماتقدريش تعيشي اللي أنا بعيشه مع نوح.
ضربت والدتها كف بأخر قائلة:
-يابنتي هو عشان بهديكي تقوليلي كده، وفعلا انتي مكبره الموضوع جوزك دكتور تغذية …..
قاطعتها “يسر” بغيظ من وسط بكائها:
-ولازم لسانه يكون زي العسل ولبق عشان يفضل مستمر في مجاله…فـ يكون كل اللي بيتابعوه معاه بنات وبس، واللي شغالين عنده بنات وبس، حتى المعمل يا شيخة اللي دخل شريك فيه مع حد كاستثمار بردو كانت دكتورة واللي شغالين في المعمل كلهم كلهم بنات مفيش ذكر واحد في حياته، أنا عمري ما سمعت راجل بيتصل عليه كلهم بنات وستات مفيش حد يستحمل اللي أنا بستحمله، وفي الاخر الدكتور المحترم بيكلمني على إن تجربة الجوازة التانية نفسه يجربها.
-ارفضي.
-ماقدرش انتي عارفة كويس، أني مقدرش ارفض.
قالتها بنبرة منفعلة، ولحظات الماضي تهاجم عقلها كالوحش الضاري حين يقرر الانتقام فجأة، لن تنسى قط ما وافقت عليه في لحظة غاب بها العقل وسيطر فيها القلب!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غناء الروح)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى