Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل الخامس عشر 15 بقلم إسراء علي

  رواية أغلال لعنته الفصل الخامس عشر 15 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الخامس عشر 15 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الخامس عشر 15 بقلم إسراء علي

هي قلعة إخترق هو حصونها و في ساحتها الفارغة خاض المعركة 
و خسرت ضده، قيدها بـ لعنة وهمية و في أُذنها همس
“حصونكِ قد بُنيت لحمايتي” 
أغلقت كيان الهاتف و وضعته جوارها ثم بكت بـ قوة غيرِ آبهة بـ صوتها الذي قد يصل خارجًا، بينما حوراء ركضت إلى الداخل حينما سمعت صوت بُكاءها و دون حديث ضمتها تربت عليها بـ غرض تهدئتها
أمسكت كيان ذراع حوراء ثم قالت بـ نبرةٍ صارخةٍ و كأنها لم تعد تحتمل حفظ السر الذي أثقل كاهلها حتى و إن كان مطلب شخصي بل كان توسل أرهق قلبها أن يُدفن هذا السر معهما إلى القبر 
-أنا ظلمته يا حوراء، كُلنا ظالمينه… 
توقفت يد حوراء عن التربيت عليها و عقدت حاجبيها ثم سألت بـ تردد و توجس 
-يعني إيه!… 
قبضت يد كيان بـ قوة أكبر دون حديث حتى تألمت حوراء و لكنها لم تتحدث بل تحملت حتى رفعت كيان نفسها و مسحت وجهها ثم نهضت إلا أن حوراء أمسكتها و سألتها بـ تحيّر
-رايحة فين!!… 
لم ترد كيان بل خرجت و توجهت إلى حيثِ يجلس جدها و جدتها ثم صرخت فجأة أفزعتهم
-هتسمعوني كويس، فين عُميّر!… 
خرج عُميّر من المرحاض على عجالة حينما سمع صوت شقيقته و وقف جوار حوراء التي كانت تركض خلف كيان و نظرا إلى بعضيهما في حيرة و تساؤل و لكن لم يستمر ذلك كثيرًا حيث قالت تلك الصارخة 
-في حاجة مُهمة لازم تعرفوها… 
تهكنت حوراء أنها تخص ماضيها مع قُتيبة و لا تفسير آخر لهذا بعد مُكالمتهما، لذلك تنحنحت حوراء و قالت بـ تراجع
-طب هستأذن، هكلم بابا… 
يد عُميّر منعتها فجأة، فـ شهقتو نظرت بـ توتر إليه، لتجد فكهُ مُتشنج و كأنه يمنع نفسه من فعل أهوج و يُريدها حاضرة حتى يُسيطر على نفسهِ، على الأقل ستستطيع حوراء تهدئة الأجواء من حولها فـ صمتت و سكنت جواره
نظر حلمي إلى كيان التي كانت تهتز من كثرة إرتجاف جسدها، و حينها عَلِمَ أنها ستبوح بـ سرٍ شديد الخطورة، أو ربُما شيء سيقلب كيانهم رأسًا على عقب، سيتغير شيء قوي بينهم 
نهضت جدتها ثم ربتت على ظهرها و جذبتها لتجلس جوارها، ترأف بـ حالتها المُهتزة، تلك الفتاة وصلت إلى مرحلةٍ ميؤوس منها، لقد ظنت أن بـ إبتعادها عن هذا المكان ستنسى و تُمضي قدمًا، و هذا ما ظنته حين عادت و أخبرتها أن ستتزوج لآخر، و لكن كُل هذا هُدم و الآن أمام هذه النظرة و الحالة المُريعة
هتفت بـ نبرةٍ حنونة و هي تقبض على يدها و تنظر إلى حلمي ليترأف هو الآخر بـ حالتها 
-أتكلمي يا حبيبتي… 
نظرت إلى الوجوه حولها و كأنها مُذنبة ما ينتظرها الجميع لتقُص الحقيقة و تنال عقابها المُستحق، ثم فركت يدها الحُرة بـ ساقها و قالت بـ تلعثم و نبرةٍ باهتة 
-كان كان طلب مني إني محكيش لحد، الـ الحقيقة نهائي، بس هو يستاهل يتعرف الحقيقة… 
ظنت أن حديثها غيرُ مفهوم فـ زفرت بـ ثقلٍ و قالت
-أقصد إنه ميستاهلش يتحاسب على حاجة معملهاش
-زأر عُميّر بـ حدة:قتل و كُلنا عارفين ده كويس… 
ضغطت حوراء على يدهِ و زجرته بـ حدة ثم هتفت بـ نزق ليصمت
-سيبها تتكلم، متبقاش عامل زي اللُقمة اللي فـ الزور كدا… 
صمت عُميّر على مضض ليس لعبارة حوراء فقط و لكن لنظرة جده له فـ جلس و صمت ينتظر باقي حديثها، بينما إلتفت السيد حلمي لكيان و قال بـ إهتمام 
-كملي يا كيان سامعينك… 
سرت رجفة عنيفة في جسدها و هي مُجبرة أن تتذكر أحداث ماضية، أحداث كانت تظن أنها ألقت بها في صندوق أسود و من ثم ألقت به في مياه شديدة العُمق، أخذت نفسًا و قررت الحديث و قد فات آوان التراجع و الهروب 
-فـ اليوم دا كُنت راجعة من المدرسة… 
“عودة إلى وقتٍ سابق” 
كانت شديدة الحماس للعودة و إخبار الجميع بـ النتيجة التي حصلت عليها، كانت أكثر سعادة من ذي قبل، كانت تُريد إخباره بـ شدة، تُريده أن يعلم أنها تقوم بـ قُصارى جهدها و أنها ستسبقه 
تعلم أنه لا يأبه و لكنها تُريده أن يفخر بها، لذلك كان الحماس يعمي عينيها و علقها عما يدور حولها، و فجأة توقفت عندما وجدت شاهين – والد قُتيبة – يقف أمامها و يُحدق بها بـ تدقيق لم تفهم ما به، و تحدث هو أولًا بـ نبرةٍ ناعمة كـ عادتهِ معها 
-رايحة فين يا كيان!… 
إبتسمت بـ براءة إنه والد قُتيبة فـ لا بأس، لتقول بـ ذات حماسها
-جبت درجات حلوة و كُنت هوريها لأهلي 
-سأل بـ خُبثٍ: مش هتوريها لقُتيبة!… 
تخضبت وجنتيها بـ خجل و نظرت حولها و كأنها تبحث عنه فـ ضحك و قال
-مش هنا، راح مشوار… 
تغضنت تعابير وجهها بـ إحباط و أنزلت رأسها بـ حُزن، ليقترب منها شاهين بـ خُبثٍ قذر و وضع يده على كتفها بـ طريقةٍ حميمية ظهرت و كأنه يربت على كتف إبنته ثم همس بـ فحيح
-أنا عارف هو فين و كمان مستنيكِ
-رفعت رأسها بـ لهفةٍ:بجد يا عمو! 
-قبض أكثر على كتفها وقال:طبعًا يا روح عمو، تعالي نروحله… 
سارت معه بضع خطوات و لكنها توقفت فجأة و قالت بـ تردد
-بس لازم أروح لجده و تيتة الأول
-متقلقيش مش هنتأخر… 
ساد التردد بـ عينيها و لمحه شاهين فـ قال يضغط على كلماته و يضربها في مقتل لن تستطيع الخروج منه
-قُتيبة مشغول أوي، و لو مروحتيش تشوفيه مش هتعرفي لكام يوم، و بعدين كان مستنيكِ من بدري و هيزعل لو مرحتيش… 
و أمام قُتيبة يختفي كُل المنطق و التردد فـ تبعته دون خوفٍ، فـ هو شاهين والده و الذي لن يؤذيها كما يفعل قُتيبة، لذلك لم ترفع حوائط حذرها و تبعته بـ براءة 
“عودة إلى الوقت الحالي” 
إرتعش جسدها بـ قوة و عانقت نفسها ثم قالت بـ إرتجاف و بدأت تبكي بـ صمتٍ تسترجع طعم الألم داخل فمها
-مكُنتش مفكرة إنه هيعمل حاجة، هو كان أبوه فـ مُستحيل يأذيني، كان بيعاملني كأني بنته فـ روحت معاه من غير تفكير… 
نظرت إلى جدها تتوسله ألا يدعها تُكمل و يفهم ما حدث و لكنه كان أقسى من ذلك، يُريد أن يسمع براءة قُتيبة بـ أُذنيهِ لا مُجرد شعور أحمق، فـ هتف بـ صلابةٍ وسط صمت مُخيف أكل الجميع من الصدمة 
-كملي!… 
إهتز جسدها إلى الأمام و الخلف و هتفت بـ داخلها “لا بأس” كُل هذا مر، و شاهين قد مات و لكن الألم لا زال حاضرًا و كأنه حدث أمس، أخذت نفسًا مُرتجفًا و أكملت، لن تتراجع، فقط لأجلهِ
-قُتيبة محاولش يأذيني زي ما حكى و أبوه أنقذني فـ قُتيبة قتله، اللي حصل العكس… 
و كأن الطير تأكل الخُبز من رؤوسهم فـ ساد صمتٍ مُخيف، الحقائق التي عاش عليها الجميع طيلة هذا الوقت، أصبحت أكذوبة بُنيت على إعتراف ساذج منها، فَضَلَ قُتيبة أن يكون بـ نظرهم قذرًا على ألا يكون والده ذلك، والده الذي يكرهه كثيرًا 
********************
-العشا أذنت يا أسعد قوم نصلي… 
نهض أسعد بعدما نطق عُبيدة بـ عبارتهِ بـ سكون و خجل كبير، بينما ربت عُبيدة على كتفهِ و إبتسم قائلًا بـ نبرةٍ عاقلةٍ، أخوية 
-أنا متكلمتش معاك يا أسعد عشان تحس بـ الكسوف مني، أنا كلمتك عشان أنا أخوك الكبير 
-هتف أسعد و هو يُبعد رأسه عنه:عشان كدا مكسوف منك… 
إبتسم عُبيدة و أكمل سيرهما إلى المسجد ثم قال بـ هدوءٍ
-و مين مغلطش فـ سنك، مين أصلًا مبيغلطش
-جاءه الرد سريعًا:أنت
-رفع عُبيدة حاجبيه و قال بـ دهشة:مين قالك! مش عشان بوريك أحسن صفاتي و تصرفاتي يبقى مبغلطش، كُلنا بنغلط يا أسعد… 
توقفا أمام المسجد و خلعا نعليهما ثم دلفا و توضأ عُبيدة و من ثم أسعد ثم و قبل أن تبدأ الصلاة هتف الأول
-كُلنا بنغلط، بس اللي ربنا بيحبه هو اللي هيلهمه الإستغفار… 
بدأت صلاة العشاء و إنتهت، ليجلسا قليلًا في المسجد و كان أمامه أسعد الذي قال 
-أنا إعتذرت من وقاص و وعدته مش هعمل كدا تاني، مكنتش حابب يقولك 
-رد عُبيدة:وقاص عشان بيحبك لجألي يا أسعد، عشان عارف إني هوجهك صح، عشان عاوزك راجل صح، مش كلمتين تسمعهم منه و من نضاله فـ تسكت شوية و ترجع
-هتف أسعد بـ هجوم:مكنتش هرجع
-و عرفت منين! إيه ثقتك!… 
صمت أسعد و لم يجد ما يقوله فـ ربت على ساقهِ و قال بـ صوتٍ رخيم
-وقاص تعب عشان يربيك لوحده وسط حاجات كتير كان بيواجهها، و مش بقول كدا عشان صاحبه، بس أخوك ميستحقش تغلط و ياريت تبعد عن صُحابك دول، أنت وعدته بس موفتش بـ وعدك… 
أحنى أسعد رأسه بـ خجل، عُبيدة مُحق لقد وعد شقيقه و لكنه كان لا يزال يلتقيهم خلسة مع الإمنتاع بـ الطبع عمل يتعاطوه و لكن كم كان سيستمر موقفه بـ الرفض و الثبات هذا! 
-إسمع يا أسعد، ربنا إداك أخ بيحميك و أداك حد زيي ينصحك، إبعد عنهم هيجروك لطريق وحش، المُهم متقصرش فـ حق ربنا و إطلب يسامحك و هتلاقي وقاص سامحك… 
أومأ أسعد و إبتسم لإبتسامة عُبيدة المُشجعة ثم ربت على ساقهِ و قال
-قوم يلا عشان هيقفلوا الجامع… 
خرجا من المسجد و تبادلا أطراف الحديث حتى توقف عُبيدة على صوتٍ يعرفه جيدًا، صوت مليء بـ الغطرسة و الترفع و في مواجهتها كان يقف رجلًا ما يبدو و كأنها يتشاجران
سمع صوت أسعد يسأله و لكن لم يُزحزح عينيه عنها 
-مين دي؟! 
-خليك هنا…
توجه عُبيدة إلى حيث تقف إيزيل و على مقربة منهما سمع الحديث الدائر 
-دفعت إيزيل يده و قالت بـ صلف:و النهاية من كلامك دا!… 
إقترب ذلك الرجل منها ثم حاول إمساك يدها و قال بـ صوتٍ ماكر شديد النفور 
-يعني إتجوزيني يا إيزيل و هرجعلك حقك
-رفعت إيزيل حاجبها و قالت بـ فتور:حقي! اللي أنتوا كلتوه يا بن عمي! 
-صك أسنانه وقال:و أنا بقولك هرجعه… 
ضربت إيزيل يده التي بدأت تتجرأ أكثر ثم قالت بـ نبرةٍ شبه حادة
-قولتلك مش عايزة حاجة، و حقي هيرجع… 
مسد يده مكان ضربتها الحارقة ثم قال مُقتربًا أكثر و إبتسامة مقيتة ترتسم على وجههِ 
-إوعي تكوني حاطة عينك على وقاص، شكلك كدا بتفكري فيه… 
صفعة غير متوقعة سقطت على وجههِ ثم هدرت هذه المرة و الغضب يعتريها بعد أن تجرأ على قول ما يمس شرفها
-أنا مش زبالة زيكوا، فوق و إعرف أنت بتكلم مين… 
إتسعت عينيه بـ خطورة و تطاير الشرر منها ثم رفع يده ينوي صفعها و قررت هي تلقيها، لن تُظهر خوفها حتى و إن كانت ترتعد داخلها، إلا أن الصفعة لم تهبط و لم تشعر بها بل بدلًا عن ذلك سمعت صوت مألوف يقول بـ صوتٍ جهوري غاضب
-هو محدش قالك راجل لواحدة يبقى اسمه إيه؟! 
-نظر إليه بـ ذهول و هدر:إوعى إيدك يا بني آدم أنت!… 
حاول نزع يده و لكن عُبيدة كان يشد على يدهِ أكثر و الآخر يتأوه و لكنه لم يأبه بل نظر إلى إيزيل و سألها بـ إهتمام 
-أنتِ كويسة!!… 
نظرت إليه إيزيل بـ دهشة ثم أومأت بـ تردد، و كاد الآخر أن يضرب عُبيدة إلا أنه قام بـ لف يده خلف ظهره و رفعها في إتجاه مُعاكس، حركة بسيطة و يقوم بـ كسر يده، ليقترب منه عُبيدة و همس حتى لا تسمع إيزيل 
-عارف لو مكنش فيه واحدة واقفة، كُنت علمتك معنى الرجولة
-هدر الآخر بـ  تألم:أه يا وسـ آآآه… 
ضغط عُبيدة بـ حذر حتى لا يكسر ذراعه ثم هتف بـ تحذير 
-تؤتؤتؤ، مفيناش من شتيمة… 
دفعه عُبيدة بعيدًا عنه ثم جذب يد إيزيل و أخذها راحلًا حتى وصل إلى حيث يقف أسعد، الذي لا يقل دهشة عن إيزيل، ليترك يدها و يقول بـ صوتٍ خشن 
-أنا آسف إني سحبتك كدا، بس مكنش ينفع أسيبك و أمشي… 
أمسكت إيزيل معصمها و فركته ثم قالت بـ إمتنان و خجل يراه لأول مرة
-شكرًا يا عُبيدة… 
نظر إليها عُبيدة مُطولًا، كان لأول مرة يُحدق بـ ملامحها رغم صلفها و عجرفتها، إلا أنها تبدو كأي فتاة تخشى العُنف و يظهر جانبها الضعيف في هذه المواقف، خاصةً و هو كان يستشعر إرتجاف جسدها مُنذ قليل
حينها إبتسم بـ لُطف و حك مُؤخرة عُنقه و قال
-عفوًا، أنا معملتش حاجة كبيرة 
-إبتسمت هي و قالت:بس حقيقي شُكرًا… 
لأول مرة يراها كـ أُنثى، أو أن ينظر إليها من منظور آخر، هي رقيقة و جميلة بـ عجرفة نُقشت حروفها على معالم وجهها الفاتن، و هذه أول مرة يستمع إلى اسمه بـ هذه النبرة الرقيقة و اللطيفة الشبيهة بـ الحلوى القطنية
وضع يده على فمه و عقله يومض بـ تحذير سائلًا إياه ألم تكن تكرهها؟ 
تدخل أسعد و سأل ناظرًا بينهما بـ غرابة 
-أنتوا تعرفوا بعض يا إيزيل! 
-أجابت:مش إحنا شغالين مع بعض فـ نفس الشركة؟ 
-بتشتغلي فـ شركة وقاص! مكنتش أعرف… 
رفع عُبيدة حاجبه و صمت بينما سألها أسعد 
-كُنتِ بتعملي إيه فـ الوقت دا! معرفتكيش من بعيد! 
-هتفت:كُنت آآ
-قاطعها عُبيدة:الوقت إتأخر، تعالي نوصلك فـ طريقنا… 
لا تعرف لماذا فعل هذا و هي كانت من الأساس لن تُخبر أسعد بـ أي شيء و لكنها قررت التماشي معه و قالت
-تمام شُكرًا 
-هتف أسعد مُعترضًا:مش نفهم الأول… 
ضرب عُبيدة رأس أسعد و قال بـ صوتٍ تحذيري
-يلا يا أسعد وراك كُلية الصُبح، و متنساش كلامنا… 
سار ثلاثتهم في نفس الطريق و لكن كانت إيزيل تسير جوار أسعد و تتبادل معه أطراف الحديث، و لكن لماذا يشعر عُبيدة بـ كُل هذا الإحباط؟ 
********************
بعد مرور أسبوع
لا تُصدق، حقًا لا تُصدق، اليوم هو اليوم الموعود، ستُزف إليه، ستُصبح عروسه كما تمنى، بعد مُحادثتها مع جدها مُنذ سبعة أيام كان الصمت حليفهم وقتها نهض جدها دون حديث حتى عُميّر 
شقيقها الذي كره و لا يزال يكره قُتيبة كان صامتًا، و الصدمة ترتسم على ملامحهِ فـ منعته من الحديث، و رغم ذلك لم يوافق أحد عليه بل كان سبب أقوى لفسخ خطبتهما، و كان هذا أكثر من المُستحيل 
حينها قالت كيان قبل أن تعود إلى غُرفتها و تلحق بها حوراء 
-أنا مش هكون لغيره، كدبت و إتحمل ذنب مش ذنبه، قُتيبة كان بيكره أبوه… 
هي حقًا لا تعلم أنه يكره والده و لكنها إستنبطت ذلك، و كان حجة أقوى لها، و مر يومين و جاءت جدتها و أخبرتها أن الزفاف سيتم في غضون خمسةِ أيام و فقط، و هي لم تسأل، حتى حوراء لم تعلم ماذا حدث
و ها هي اليوم ترتدي ثوب الزفاف الذي أحضرته حوراء على عجالة، كان بسيط من الحرير بلا أي نقوش أو زينة، يضيق على جسدها العلوي مع حزام من الزهور البيضاء تُزين خصرها ثم تنسدل الزهور في الخلف حتى نهاية الثوب
و خُصلاتهِا القصيرة جمعتها بـ طوقٍ آخر من الزهور و لكن تداخل معها بعد الغصون، كانت جميلة بـ رقة و بـ إمكانيات قليلة، الزفاف سيتم بـ المنزل يقتصر حضوره على الأقارب فقط و مأذون شرعي ليعقد القران 
و هذا ما تمنته، حوراء من وضعت لها مساحيق التجميل، و وضعت ذلك الطوق، وضعت حوراء أحمر الشفاة كـ لمسةٍ أخيرة ثم قالت بـ حماس
-جميلة أوي يا كيان… 
مزيج من السعادة و الخوف لِما هي مُقدمة عليه، لتنهض و تواجه حوراء التي ترتدي ثوب أزرق اللون ثم قالت 
-أنا خايفة… 
أغلقت حوراء أحمر الشفاة ثم حاوطت ذراعيها و قالت بـ نبرةٍ صادقة، و تحمل طُمأنينة كبيرة 
-تأكدي يا كيان إنك إختارتِ راجل، لو ضر العالم عُمره ما هيضرك، دا حبيبك الأول و الأخير… 
“لو ضر العالم عمره ما هيضرك” تردد صدى العبارة في أُذنها أكثر من مرة، أجل قُتيبة على أتم الإستعداد لقتل نفسه إن كان ذلك سيحميها، قُتيبة ألقى بـ مُستقبل مُشرق ليُنقذها و يُلقى به بـ السجن
إبتسمت كيان بـ تردد و ضمت حوراء هامسة 
-شُكرًا يا حوراء… 
ضمتها حوراء و ربتت عليها تُطمأنها ثم أبعدتها لتخرج و ترى الأجواء، و ياليتها لم تخرج، كانت الأجواء تُشبه المأتم، الجميع صامت بلا حديث، بلا أغاني و هم في إنتظار العريس، و الذي لم يتأخر حقًا
رأته يدلف في حلة سوداء راقية قليلًا و معه صديقه آدم و زوجته، والدته بـ الطبع لن تأتي، كان قُتيبة وسيم بـ خشونة مُفزعة و أضافت تلك الحلة على وسامته وسامة أُخرى، و السعادة ترتسم على ملامحهِ، كانت مُشرقة عكس الأجواء الصامتة تلك، و من خلفهم دخل المأذون الشرعي 
تحمست حوراء و دخلت سريعًا تُخبر كيان قائلة 
-جه، جه، العريس وصل… 
نهضت كيان بـ توتر و تصاعدت ضربات قلبها و كأنها على وشك تحطيم قفصها الصدري، و إزدردت ريقها الجاف ثم وضعت يدها على صدرها، و إقتربت حوراء قائلة 
-إهدي يا كيان… 
و بـ الخارج كان يبحث عنها بـ لهفة لم يستطع إخفاءها عن أعين الجميع، و جواره آدم الذي أمسكه و قال 
-قُتيبة إهدى شوية، أنت شايف المنظر عامل إزاي
-هتف بلا مُبالاة:مش مُهم، أهم حاجة هي… 
زفر آدم بـ يأس و قرر الصمت، لن يربح أمامه، بينما مالت زوجته تجاهه و سألته بـ تردد 
-هو إحنا جينا عنوان غلط و دخلنا عزا بدل الفرح! 
-كتم آدم ضحكة و قال:أنتِ شايفة الظروف بينهم عاملة إزاي… 
أومأت و صمتت تُتابع قُتيبة الذي توجه إلى السيد حلمي و صافحه، رغم تمنع الآخر و تجهم ملامح وجهه و سأله
-فين كيان! إوعى ترجع فـ كلامك يا حج حلمي
-رد السيد حلمي بـ تجهم:أنت خليت فيها تراجع، أنت هددتنا كُلنا… 
قتمت ملامح قُتيبة و تشنجت عضلات فكه ثم ترك يد السيد حلمي قبل أن يضغط عليها أكثر و قال بـ صوتٍ أسود، ثقيل
-أنتوا اللي خلتوني أعمل كدا، خصوصًا إن حفيدتك فتنت السر، ساعتها مكنش ينفع أتراجع عنها
-نظر إليه السيد حلمي و سأله بـ غموض:ليه إتحملت ذنب مش ذنبك!… 
ساد صمتٌ ثقيل و أحس السيد حلمي أنه لم يكن عليه السؤال، قُتيبة لا يزال ذلك الطفل الصغير الذي بحث طويلًا عن حُب العائلة و لكنه لم يجد، فـ وجده مع كيان كان من القسوة ليمنعهما أن يكونا معًا
بعد تلك الحقيقة كانت صدمة و ليست صدمة، توقع و لكنه دحض ذلك التوقع و الظن ثم أكدته كيان، و رُغمًا عنه ثَقُل قلبه من أجلهِ و عاد بـ نظرهِ قُتيبة ذي العشر سنوات الذي تمسك بـ عباءته يومًا و أخبر مُديرة مدرسته أنه والده
لم ينسَ نظرة الطفل و هو يتوسل له ألا يُخجله، فـ لم يفعل و قرر السيد حلمي أن يُعطيه عائلة و لكنه سلبها منه في مُنتصف الطريق، و عاد يظهر الحق و لكنه بـ النهاية قاتل! 
أجاب قُتيبة بـعد الكثير من الصمت و قال بـ نبرةٍ خالية من المشاعر
-مكنش ينفع غير كدا… 
و تكملة عبارته لأجلهِ و أجل والدته، تنهد السيد حلمي ثم قال
-هنده كيان عشان نخلص… 
*******************
طوال الطريق و هي تجلس في سيارة تم إستئجارها ترن عبارة المأذون الشرعي “بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير” الآن هي زوجته و تجلس جواره، يُمسك يدها يخشى أن تهرب و هي تركته يفعل ما يشاء و الآن هما في طريقهما إلى 
-مملكتي… 
و هي صامتة لا تُبدي أي رد فعل، مُنذ الصباح و هي تشعر بـ تخبط في المشاعر و لكن الأكيد، تشعر أنها في مكانها الصحيح، توقفت السيارة أمام بناية بعيدة عن الحي الذي يسكنوه، ليهبط و هي معه
ترك آدم دون أن يُحدثه و هي فقط في يدهِ و تبدو أنها الوحيدة التي تدور في عالمهِ الآن، الصمت لم يكن ثقيل و لكنه كان أبلغ من أي حديث بينهما، قُتيبة بعدما إنتهى عقد القران، لم ينتظر بل أخبرهم بـ بساطة أن حفل الزفاف إنتهى و سيأخذ عروسه
تعلم أن الإنتظار قد بلغ مبلغه و لن يستطيع قُتيبة أن يُبدي ما يشعر به أمام الجميع، لذلك أخذها و هرب بها إلى هُنا، صعدت معه حتى وصلا إلى الطابق المطلوب و فؤادها يتخبط داخل صدرها، ينوي الهروب و لكن إلى أين و ذلك الذي يُقيده يحكم قيده حولها كُلها و قلبها الأحمق يُحبُ أسره و يتمناه دومًا
فتح قُتيبة الباب و إبتعد لتدلف، صوت فتح القفل كان بـ مثابة رنة ذات نغمة عذبة سحرت قلبها، و كأنها حقًا قلعة فُتحت أبوابها لتستقبل ملكتها
لا تُصدق أنها أصبحت في مملكته الآن، و إن صح قول عليها مملكة كما يقول، إنها شقة صغيرة فقط تسع شخصين أو ثلاث على الأكثر و لكن الأهم من ذلك أنها كما أرادت، حوائط لونها كما أحبت، مثل ما أخبرته سابقًا و هو لم ينسَ، فـ نظرت حولها بـ إنبهار قبل أن يقترب منها و يضع ذقنه على كتفها و قال بـ صوتٍ أخافها من شدة مشاعره به
-مش ناسي طلبك يا كياني… 
إلتفت يده حولها و كأنها أغلال أحكمت قيدها عليها ثم همس بـ صوتٍ عنيف
-مبنساش أي حاجة تُخصك… 
لم. تجد القُدرة على الحديث، و بدلًا من ذلك. خرجت صرخة قصيرة حينما حملها قُتيبة بين يديهِ و ثوب زفافها يلتف حولها في هالة تُناسبها تمامًا، و توجه بها إلى ممر ثم قال بـ نظرةٍ أسرتها أكثر من أغلاله
-شبه سحابة محاوطة ملاك… 
كان يصفها بـ ثوب زفافها، كانت هالتها رقيقة حقًا رغم قلة الإمكانيات إلى أن حوراء و هي أيضًا حرصتا كُل الحرص على الظهور في أبهى طلةٍ و لم تدخر هي في إظهارها، أرادت أن تكون جميلة جدًا اليوم، تليق بـ حفلِ زفافهما البسيطة الذي كان يدور حولهما فقط
حاوطت كيان عُنقه خوفًا لسقوطها و هذه الحركة جعلت جسده بـ أكملهِ يجفل ثم سألت بـ تردد و لعثمة
-هو إحنا رايحين الحمام ليه!… 
إبتسم قُتيبة و لم يرد فـ تردد صدى ضربات قلبها و إستشعرها هو فـ تحولت إبتسامته إلى ضحكة خشنة و هتف بـ إنفعال غريب جعل جسدها يضربه البرودة
-متقلقيش يا كياني أنتِ بقيتِ مراتي، يعني مش هعمل حاجة أكتر من اللي هعمله… 
لم تفهم و لا تُريد أن تفهم فـ دفنت وجهها بـ صدرهِ، أجبرها أن تتعجل في موعد الزفاف و أجبرها ان تكون معه، و لكنه لم يستطع جبر قلبها الذي يُرفرف الآن بين أضلُعها كـ طائر سعيد بـ حُريته المحدودة في قفصه
إنحنى قليلًا و فتح الباب ثم دلف و وضعها أسفل مصدر المياه فـ سألت بـ تخوف
-قُتيبة هو أنت هتعمل إيه!… 
همس قُتيبة و هو يقترب منها بـ شدة و خطورة تكاد حدتها تقتُلها ثم فتح المياه خلفها 
-هحققلك أُمنية إتمنتيها زمان… 
شقهت و المياه تنهمر عليهما ثم أحاطها قُتيبة بـ خشونة و ظل يُحدق بـ وجهها الذي تنهمر عليه المياه بدءًا من عينيها التي تلطخت من أثار مُستحضرات التجميل إلى شفتيها اللامعة، و بدا تنفسه يتعالى إنها الآن بين يديهِ لا يمنعه عنها سوى تردد بسيط من تذكر ذلك اليوم
إلا أنه دحض هذا التردد عندما بدأت يده تُزيل الثوب ثم فجأة، قَبّلها، كانت قُبلة حسية جميلة، كـ لمسة فراشة شديدة الرقة و العذبة، كأول قُبلة بين حبيبين مُراهقين أسفل المطر 
أسفل المطر؟! 
ياللهي إنه يتذكر تمنيتها الطفولي الأكثر منه مُراهق، يوم أخبرته أنها تتوق إلى رومانسية لطيفة تبدأ بـ قُبلةٍ حلوة أسفل المطر ثم يُعانقها و يُخبرها أنها كُل شئ
-أنتِ كُل حاجة بالنسبالي، أنتِ الحياة يا كياني… 
همسها بـ صوتٍ أجش، يفيض حرارة من فرط ما حدث الآن، و إتسعت عينيها بـ ذهول قاتل، لقد بعثرها في أول لحظاتٍ لهما معًا في هذا المنزل معًا، وجدته يُعانقها كما أخبرته و دفن وجهه في عُنقها و قَبّلها كثيرًا و كانت هي مُستسلمة بـ غرابة
لمساته كانت جميلة و مُراعية عكس ذكرى ذلك اليوم الذي تخشاه، و كأنه محى ما حدث فـ أصبح ضباب لا تتذكر أنه حدث من الأساس، مُختلفة و كأنها تُخبرها أن لا بأس، هو قُتيبة و فقط، هو ذلك الملاذ الذي أحاطها مُنذ مُدةً طويلة و حتى و إن كان بعيدًا عنها
رفعت رأسها و ضمت شفتيها، مشاعرها مُتضاربة ما بين الخوف و السعادة، تُريد دفعه و في نفس الوقت تخشى أن يرحل إلى الأبد، سمعته يهمس بـ صوتٍ شرس مُخيف و هو يتكئ إلى الحائط خلفها
-حاولت إني أوقف نفسي و أصبر بس مش قادر، موافقة!… 
نظرت إلى عينيه و كأنها شخصًا آخر و كان ردها إيماءة بسيطة، إيماءة واحدة أباحت له لحظاتٍ ربُما ستجعل الكوابيس تُراودها الليلة 
و لكن ألن يكون هو جوارها!! 
********************
طرواة عبراتها يستشعرها على ذراعهِ الذي تدفن فيه وجهها، كان يُعانقها من الخلف بـ قوة و يُخفي جسدهما غطاء، خُصلاتهِا يُمشطها بين الحين و الآخر و كأنه يُهدهدها، و صوت أنفاسه التي تقترب لتطبع قُبلةً خلف أُذنها كانت بـ مثابة تهويدة ما قبل النوم، و إنه ليُحزن قلبه ذلك الألم الذي يشطره نصفين قبلها
كان يُريد أن يسأل هل تتألم جسديًا أم ذكرى ذلك اليوم؟ و لكنه خشى الإجابة فـ كان يختبئ منها في عناق دافئ يضع فيه وجهه بـ عُنقها النابض، و جسده يتحفز لأي رد فعل منها و أولهم النفور، و لكن كيان لم تُبعده بل ظلت تبكي فقط
رفع يده التي يضعها أسفل رأسها و حاوط بها كتفها ثم همس سائلًا بـ صوتٍ أجش، خشن و مُضطرب
-بتتألمي!… 
أحس بـ تشنج جسدها و إرتجافه ليتصلب جسده هو الآخر و أحس بـ تباطؤ نبضات قلبه، و لكن حركة تأكيد بسيطة جعلت نبضاته تتوقف، ثم تجرأ و سأل بـ صوتٍ أكثر صلابة و خالي من المشاعر
-بتكرهيني!… 
ساد الصمت لعدة لحظات حركت رأسها بـ نفي بسيط جعله يتنفس الصعداء، وضع قُتيبة قُبلةً على رأسها ثم كتفها و همس يضمها أكثر إليه 
-نامي يا كيان، هفضل جنبك… 
لقد ظنت أن ذكرى ذلك اليوم لن تعود، ذكراها كان قاسٍ جدًا عليهما و تأسف أنها تؤذيه، حزينة لأجلهِ و لكنها لا تجد ما تستطيع فعله، فـ فعلت كما قال و نامت، نامت مُمسكة ذراعه تتشبث به بـ قوة مُذكرة إياه بما فعلته في أول يوم دراسي لها
كانت تتشبث به هكذا، حركة بسيطة و لكنه أخبرته بـ وضوح أنه مأمنها الذي و إن ضاق للجميع فـ لن يتسع إلا لها
********************
في صباح اليوم التالي
عندما إستيقظت لم تجده جوارها فـ بحثت عنه و لكن لم تجده في أرجاء الغُرفة الضيقة، و لكنها وجدت ثياب لها موضوعة فوق المقعد المجاور لها، من أي حصل عليه؟ 
لم تجد وقتًا للإجابة بل جذبت الثياب و نهضت تلف حولها الغطاء و فتحت الباب و قابلها الصمت، تحركت بـ حذر تبحث عنه و لكنها لم تجده، تنفست الصعداء و ركضت إلى المرحاض خطوات عرجاء
إنطلقت صرخة و هي تجده يجلس أرضًا جوار حوض الإستحمام الصغير و يبدو أنه يُضبط حرارة المياه لتتناسب مع الطقس،يرتدي كنزة و يرفع أكمامها حتى لا تتبلل و يضع سائل الإستحمام، تراجعت و نهض هو مُبتسمًا قائلًا 
-صباحية مباركة يا عروسة 
-أنت بتعمل إيه هنا؟… 
إقترب منها قُتيبة و تراجعت إلا أنه جذبها من خصرها إليه فجأة و قال ضاحكًا
-أنا أعرف العرايس بتصحى مسكوفة، مش غبية… 
نظرت إليه كيان بـ غضب ليُقبل جبينها ثم حملها فـ شهقت و تمسكت به ليُكمل
-أنا جوزك يا ماما، يعني من حقي حتى أكون فـ أكتر الأماكن اللي متتوقعيش أكون فيها
-نزلني يا قُتيبة 
-متخافيش هعمل كدا… 
أنزلها و سحب الغطاء عنها على حين غُرة ثم وضعها في حوض الإستحمام بـ رقة، تأوهت كيان من حرارة المياه التي غمرت جسدها فـ أحست بـ إسترخاء فوري
بينما قُتيبة جلس خلفها و وضع مياه من الحوض على رأسها و بدأ في فرك رأسها و غسله، كادت تبكي لما يفعله و لمساته الرقيقة تُذكرها بـ أمس، و ذكراها كان دربًا من الخيال، لم تعتقد أنه سيكون رقيقًا مُراعيًا لها، كآنية فُخارية هشة، و الحق أنها لم تكره لمشتهو لم تكره ليلة أمس و لكن ذكرى قديمة شوهت حلاوتها 
كان يغسل جسدها و هي تكاد تبكي و الصمت يلفهما عدا صوت المياه قبل أن يسألها بـ صوتٍ سرى له القُشعريرة في جسدها 
-ندمانة يا كيان! قرفانة مني!… 
شهقت و تمسكت بـ حافة الحوض و لكنها نفت قائلة تستجمع شجاعتها الواهية و قلبها يركض في سباق لا نهاية له
-لأ، لأ أنا خايفة… 
سمعت ضحكته الخفيفة و قُبلة يضعها على رأسها المُبلل ثم همس في أُذنها بـ وعدٍ
-هطمنك، هتطمني و أنتِ معايا… 
********************
ذلك المُحتال، دلال الحمام الصباحي و الإفطار الذي جهزه لم يكن سوى رشوة لغداءٍ أنهك خلاياها، أخبرها أنه أحضر محتويات و حاجيات المنزل و يُريد… 
ياللهي القائمة لم تنتهي أبدًا و لكنها أعدته له، عبارة بسيطة قالها جعلت قلبها يلين له فورًا
“نفسي آكل أكل زي العائلات، أكل فيه دفى” 
وجدت نفسها كـ الغبية تقوم بـ تحضير ما لذ و طاب، و ها هي تجني ثمار عطفها عليه، المطبخ كان عبارة عن كارثة و الأطباق كانت كارثة أُخرى، فـ بدأت غسل الأطباق 
و لكثرتها تناثرت الكثير من المياه عليها و أصبحت ثيابها عن كارثة أُخرى، إنتهت من غسل الأطباق، ثم بدأت في تنظيف الفوضى ليظهر جبل آخر من الأطباق، أطلقت كيان صرخة داخلية و هدرت 
-حنية تاني مفيش، مفيش زفت تاني بتيجي على دماغي فـ الآخر… 
المزيد و المزيد من الأواني و الأطباق التي إتسخت، لم يكن غداءًا عاديًا بل كانت معركة، و كأنه يتضور جوعًا مُنذ زمنٍ بعيد و ها هو يحصل على أول وجبة دسمة له
شعرت بـ يديهِ تلتفان حولها، لتتنهد كيان صامتة و أغلقت صنبور المياه ثم إلتفتت إليه و نظرت بـ صمتٍ و هو كذلك قبل أن تنحدر نظراته إلى ثيابها المُبللة، ليقول و هو يميل إليها بـ عبثية مُحببة
-كُنتِ بتحاولي تغرقِ ولا إيه!
-نظرت إليه بـ غيظٍ و قالت بـ نزق:أه…
حاوط خصرها فجأة و جذبها إلى صدرهِ، ثم وضع يده أسفل ذقنها و قال بـ العبث ذاته و لكن هذه المرة حاوطه المكر
-طب مش تقوليلي و أنا أغرقك فـ حُبي!…
ضربت كيان يده و دفعته بعيدًا عنها و قالت 
-متفكرش إنها هتتكرر تاني… 
إبتسم يسخر منها، و يُخبرها أنها ستفعل، لتتركه كيان و تتجه إلى هاتفها الذي يصدح، و لم يكن سوى عُميّر أجابته و هي تنظر إلى قُتيبة الذي ينظر إليها بـ معالم مُظلمة ثم قالت ردًا على شقيقها 
-طبعًا يا عُميّر هتيجوا و بعدين أنا كويسة متقلـ… 
لم تستطع كيان إكمال حديثها فـ قد نزع قُتيبة الهاتف منها تحت أنظارها الذاهلة و قال بـ نبرةٍ قاطعة تحمل المكر أيضًا
-إحنا فـ شهر عسل مش عايزين حد يضايقنا لمدة شهر مُمكن!… 
يسخر منه و يرد بما فعلوه به بـ الماضي، و أغلق قُتيبة الهاتف و إقترب من كيان التي أكلت الهرة لسانها من الصدمة ثم هتف
-مش هسمحلهم يعكروا جونا…
يتبع…… 
لقراءة الفصل السادس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!