Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل السادس عشر 16 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل السادس عشر 16 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل السادس عشر 16 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل السادس عشر 16 بقلم إسراء علي

هل يُمكن أن تتحول النقمة إلى نعمة؟ 
الحُب قد يكون نعمة و يتحول إلى نقمة
و قد يكون نقمة و يتحول إلى نعمة و هذا هو الإختيار الأمثل… 
عاد وقاص إلى منزلهِ بعد يومٍ طويل من العمل ليجد شقيقهِ ينتظره بـ أعين حاقدة قليلًا، فـ تفاجئ ثم سأله بـ عدم راحة
-خير يا أسعد واقف كدا ليه! 
-إقترب أسعد و هتف:أنت عرفت عُبيدة كُل حاجة! لأ و طلبت منه يتكلم معايا!… 
رفع وقاص حاجبه، ألم يحدث هذا مُنذ سبعةِ أيام! إذًا لماذا يذكره الآن؟ تنهد وقاص و تخطى أسعد قائلًا 
-عشان هو اللي هيقنعك بـ العقل، و بعدين دا حصل من أسبوع، جاي تفتكره دلوقتي ليه!!… 
ركض أسعد خلفه و قال بـ نزق و ضيق ظهرا جليًا على ملامحهِ
-مكنتش عايزه يعرف، كفاية أنت و ماما… 
كان وقاص قد وصل إلى غُرفتهِ و بدأ في التخلص من ثيابهِ و قال
-و لما عارف إنك هتتكسف بـ الشكل دا، عملتها ليه من الأول! 
-ظهر التوتر على وجههِ و قال:قولتلك غلطت و مش هكررها… 
إلتفت إليه وقاص و جلس فوق الفراش و نظر إليه بـ نظراتٍ ثاقبة أخبرته أنه يعلم بـ كذبهِ و لكنه نطقها بـ شيءٍ من الحدة
-و مكنتش صادق فـ وعدك
-هتف بـ دفاع و صوتٍ عال:والله ما شربت و لا قربت منها… 
لم يفقد وقاص أعصابه بل زفر حتى لا يغضب عليه كما أخبره عُبيدة و يفقده للأبد، ثم هتف بـ صوتٍ شبه قاسٍ
-صوتك ميعلاش عشان أُمك، ثانيًا أنا بتكلم على صُحبتك الزفت اللي قولتلك إبعد عنها
-زاغت أبصاره و قال بـ غمغمة:مـ مش سهل أبعد عنهم يا وقاص، دول صُحابي اللي أعرفهم بس… 
نهض وقاص عن الفراش و إقترب من شقيقهِ الذي توجس قليلًا و لكنه لم يتحرك فـ وضع وقاص يده على كتف أسعد و قال بـ هدوءٍ يُحاول السيطرة عليه 
-يبقى دور على ناس جديدة، أنت مُمتنع عن اللي بيعملوه بس لأد إيه، شهر، إتنين، تلاتة! بس فـ النهاية هترجع… 
هم أسعد ليتحدث مُدافعًا إلا أن وقاص قاطعه مُكملًا 
-متقولش لأ، بعد أما دوقت الغلط و وقعت فيه نفسك هتحن ليها تاني، شيطانك أقوى منك لأنه إتغلب عليك مرة
-هتف أسعد بـ ضيق:والله مش هرجع تاني
-ليرد وقاص بـ بساطة:يبقى أقفل الباب، متسبش بينك و بين الغلط فجوة مُمكن تتحول لكارثة فـ يوم… 
تنهد أسعد بـ قلة حيلة، لا يُريد خسارة شقيقه و خسارته ستأتي من صُحبتهِ، و للحق وقاص مُحق قد تزل قدمه من جديد بعدما فقد السيطرة على نفسهِ سابقًا و لا يُريد لهذا أن يحدث، و خاصةً أنه يشعر بـ الخجل منه و من والدته
لذلك تقدم منه و قال مُعانقًا إياه
-خلاص يا وقاص هبعد عنهم عشان خاطرك 
-بادله العناق و قال:كدا كدا مش هتخسرني، أنا بتكلم عليك أنت إياك تخسر نفسك… 
أومأ أسعد ضاحكًا و عاود مُعانقة شقيقه ثم قَبّل وجنة وقاص الذي قال مُمازحًا
-بس يالا بتكسف الله… 
و من الخارج سمعت والدتهم صوت مُزاحهم فـ وضعت يدها على صدرها و قالت بـ تمتمة باكية و هي تنظر إلى الأعلى 
-اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله يارب إنك رجعتي ولادي… 
مسحت عبراتها ثم طرقت الباب و دخلت لتضحك قائلا و هي تنظر بـ سعادة إليهم 
-مقولتش ليه إنك جيت يا واد يا وقاص!… 
وضع رأس أخيه أسفل ذراعه ثم قال و هو ينظر إليها 
-فكرتك نايمة يا ست الكُل
-مكنتش نايمة يا بكاش، من إمتى بنام و حد فيكوا بره البيت!… 
إقترب منها وقاص و قَبّل يدها قائلًا 
-ربنا يخليكِ لينا يا ست الكُل
-ربتت على رأسهِ و قالت:و يخليك لينا يا حبيبي، يلا غير هدومك و صلي عشان تتغدى، و بلاش قعدة من غير هدوم فـ الجو دا، هتتعب… 
نظرت إلى أسعد الذي كان يتحاشى النظر إليها بـ خجل، فـ إبتسمت بـ حنو أمومي و قالت بـ نبرةٍ مُشرقة 
-تعالى ساعدني يا أسعد شوية… 
نظر إليها بـ عدم تصديق، أهي سامحته و عاودت الحديث معه من جديد، ليبتسم بـ إشراق أكثر و قال بـ حماس
-طبعًا يا ست الكُل، شاوري و أنا أنفذ… 
أخذ يدها و سحبها معه إلى الخارج لتضحك ثم نظرت إلى وقاص الذي غمزها ضاحكًا هو الآخر، و لكن أسعد توقف و قال ناظرًا إلى شقيقهِ 
-على فكرة أنا قابلت إيزيل و كمال ابن خالتك كان واقف معاها و كانوا بيتخانقوا… 
نظرت والدته إلى وقاص بـ صدمة، بينما هو زفر بـ غضب ثم قال بـ صوتٍ جامد 
-أنا هتصرف، هكلم إيزيل… 
********************
كان ثلاثتهم جالسين بـ غُرفة المعيشة يُشاهدون التلفاز و إختلطت المُشاهدة مع تبادل أطراف الحديث حتى صدح صوت هاتف وقاص فـ إلتقطه ليجد رسالة نصية من كِنانة، جعلته يعتدل في جلسته و يتفحص الهاتف بـ إهتمام و غرابة، لأول مرة تفعلها تلك الفتاة
فتح الرسالة النصية ليجد مفادها 
“إنزل تحت، عايزاك” 
نظر وقاص إلى الساعة ليجدها تقُرب الثامنة فـ نهض مُنتفضًا لتسأله والدته بـ تعجب لإنتفاضه المُفاجئ
-قومت ليه يا حبيبي!… 
نظر وقاص إلى الهاتف بـ شرود ثم إلى والدته و قال 
-في حد عايزني تحت، هنزل و جاي 
-حد مين! 
-أجاب سؤال والدته:عُبيدة يا أمي، سلام… 
إرتدى وقاص نعله البيتي و ثيابه المكونة من بِنطال رمادي اللون تعلوه كنزة بيضاء شبه ثقيلة، ثم إلتقط مفاتيحه و هرع إلى الأسفل
بحث وقاص عنها ليجدها تتكئ إلى السيارة و تنظر حولها بـ تعجب و نظراتٍ شاردة، ليقترب منها بـ تمهل و إبتسامة ماكرة تعلو ملامحه، قام بـ تمشيط شعره بـ يدهِ و هو يسير إليها
-خير يا آنسة كِنانة!… 
إنتفضت كِنانة على صوتهِ الذي جاءها من الإتجاه المُعاكس للإتجاه الذي كانت تظن أنه سيأتي منه إلتفتت إليه لتجده يُقابلها بـ هيئة غير رسمية عكس ما تراه دائمًا، و للحق يُقال أنه يبدو وسيم جدًا، بل مُتحرش وسيم 
حمحمت كِنانة و إعتدلت تنظر إلى بناية ما و سألته 
-مش دي عُمارتك! 
-نفى قائلًا:لأ دي… 
أشار إلى البناية المجاورة لـ البناية التي تُشير إليها ثم إقترب و أعاد سؤاله الأول و الذي يبدو أنها لم تكن مُنتبه له
-خير يا آنسة كِنانة! في حاجة حصلت ولا إيه! 
-تلعثمت قائلة:لأ، أه، ممكن، يووووه أيوه، قصدي لأ مفيش… 
قهقه وقاص ثم إقترب خطوة منها و كاد يضع يده على كتفها و لكنه تراجع ثم قال مازحًا
-يعني أه ولا لأ! 
-أووووف… 
عاد بـ رأسهِ إلى الخلف بـ تعجب لعصبيتها الزائدة لكنه صمت ليتركها تجمع أفكارها فـ هو لا يُريد الضغط عليها خاصةً و هي تبدو مُتوترة إلى هذا الحد
نظر وقاص إلى الأرض و ركل حجرة وهمية ثم ظل يُؤرجح قدمه حتى تبدأ بـ الحديث و تمُن عليه بما يجعلها تأتي إلى منزلهِ، هنا و ساوره سؤال فـ رفع رأسه يسأل و لكنها تحدثت أيضًا في نفس الوقت
-أنتِ عرفتِ عنـ
-كُنت جاية أديـ… 
ثم صمت كُلًا مُنهما في المُنتصف ليقول وقاص 
-قولي الأول
-عاندت بـ نفي:لأ قول أنت الأول… 
لم يصر و لم يتراجع فـ فَضَلَ السؤال الفضولي 
-عرفتِ عنواني منين!!… 
رفعت حاجبها و أجابت و كأنها تُخاطب غبيًا ما
-أنت المُدير بتاعي، طبيعي أعرف ساكن فين… 
إجابة غير مُقنعة و لكنه لن يُدقق فـ الأهم أن يعرف سبب مجيئها إليه في هذا الوقت، و بـ هذه الملامح المُتوترة، و ليست بـ عادة كِنانة 
-دلوقتي حابب أعرف سبب تشريفك و زيارتي! 
-غمغم بـ غيظ:لو هتتريق هاخد بعضي و أمشي… 
كادت أن ترحل و لكن وقاص أمسك يدها و قال ضاحكًا 
-لأ سيبِ بعضك ميرضنيش زعله
-هتفت بـ إشمئزاز ظهر على ملامحها:دمك تقيل فعلًا، و سيب إيدي… 
نفضت يده بعيد و رغم ذلك لم يغضب قُتيبة، ليبتسم و يرفع يده قائلًا بـ إعتذار مُهذب
-آسف مكنش ينفع أمسك إيدك فعلًا… 
أجفلت لإعتذاره و توترت لتهذيبه المُبالغ فيه مُقارنةً مع أول لقاء و ثاني و أيضًا ثالث بل كُل لقاء بينهم، إلا أنها إستجمعت نفسها و قالت بـ حمحمة خجِلة
-احمم، المُهم كُنت جاية و ناوية أرجع حاجة أخدتها
-مط شفتيه و قال:بس مفيش حاجة أنتِ أخدتيها مني
-لأ فيه… 
دفعت كِنانة بـ حقيبة بلاستيكية إلى صدرهِ، ليلتقطها بـ تعجب و ينظر إلى ما بداخلها ليجد بها مبلغ مالي، يظن أنه خمسٌ و عشرين ألفًا، تلك التي سرقتها، ليرفع نظره إليها مصعوقًا فـ وجدها تنظر إليه بـ خجل 
إبتسم وقاص، كان مُحق تلك الفتاة جيدة و ما فعلت ذلك إلا بـ نيةٍ طيبة و لكن يبقى الخطأ خطأً، حينها مازحها قائلًا بـ خُبثٍ 
-قصدك سرقتيها مش أخدتيها… 
كشرت كِنانة عن أنيابها ثم تحول الخجل إلى غضب و جدة ثم قالت بـ صوتٍ غاضب
-أنا اللي غلطانة إني جيت أصلًا… 
كادت أن ترحل و لكن وقاص أمسك يدها مُسرعًا ثم قال
-بهزر، متقفشيش بُسرعة… 
نظرت بـ حنق إلى يدهِ ثم إليه لتجده يبتسم و قال بـ نبرةٍ لامستها بـ طريقة مجنونة
-شُكرًا يا كِنانة… 
تسارعت دقات قلبها و رن جرس الإنذار داخلها يُخبرها بـ وضوح أن تبتعد، فـ سحبت يدها سريعًا ثم هتفت و هي تلتفت لترحل
-العفو، بعد إذنك همشي 
-أوقفها وقاص:إستني هوصلك
-نفت قائلة:لأ مفيش داعي… 
رحلت و لكنه تبعها و أمسك يدها يسحبها تجاه السيارة و همت بـ الإعتراض إلا أنه منعها بـ إشارة من يدهِ و هتف 
-الوقت إتأخر و مش هسمحلك تمشي لوحدك… 
قالت يائسة عله يتراجع هي تُريد الرحيل حتى لا يشعر بـ تخبُطها
-مينفعش لو حد من الحارة شافنا، هيعملوا فضيحة
-و رد هو بـ بساطة:هنزلك فـ مكان بعيد شوية متقلقيش… 
يئست من إقناعه و نظرت إليه إلا أنه تجاهلها و فتح باب السيارة لتصعد و من بعدها هو، لينطلقا في رحلة صامتة يتخللها بـ خُبثٍ صخب مشاعر لن يُسمعه أيٍ مُنهما للآخر 
********************
بعد مرور إثني عشر يومًا
الساعة الثانية صباحًا بعد مُنتصف الليل
كانت كيان تنام بين ذراعيهِ كـ عادتهما، رغم أنه لم يقُربها مُنذ ليلتهما الأولى أبدًا حتى بدأ الشك يُساورها أنه زهدها، جوعه لها سابقًا و مُلاحقته لها، حتى إستغلاله لحادثته مع شقيقها عُميّر حتى يتزوجها، ظنت أنها محض خيال و لم يحدث أبدًا و كأنه حدث في مُخيلتها فقط
و لكن إصراره الرهيب يوميًا أن تنام بين أحضانهِ و كأنها سجينته، هذا ما يترك داخلها أمل أنه لا يزال يعشقها و لكن لماذا يفعل ذلك؟ هي حقًا تشعر بـ راحة أنه لا يجبرها و لكن شكها الأنثوي بدأ يُسيطر على عقلها 
أحس بها قُتيبة فـ شدد من عناقهِ لها و دفن وجهه في عُنقها ثم إشتمها و سألها بـ خمول 
-صاحية ليه! 
-سألته بـ دهشة:أنت صاحي! 
-قهقه وقال:لأ نايم و بكلمك من الحلم… 
لكزته كيان في خصره ثم إلتفتت تواجهه و قالت بـ حنق مُستنكر
-دمك مش خفيف على فكرة… 
رغم الظُلمة المُحيطة بهما إستطاعت أن تشعر بـ ظلام عينيهِ يسحبها في دوامة مجنونة من مشاعر عنيفة، أحست كما لو أنها تُحطم أضلعها و تخترق روحها بـ خطورة، أحست أنه بالكاد يمنع نفسه عنها، أنه يُسيطر على نفسهِ لأجلها
أمسك قُتيبة خُصلاتهِا و داعبها بـ مرح أسود و هتف بـ صوتٍ ثقيل، يُحيط به خمول يخفي خلفه رغبة مُخيفة
-لو عايزة الليلة تعدي على خير، لفي وشك تاني… 
ضمت كيان شفتيها إلى داخل فمها ثم وضعت يدها على صدره، تدفعه ثم قالت بـ تلعثم 
-تـ تعبت، و آآ عايزة أغير وضعيتي… 
وضع يده على ذقنها و سحبه إلى أسفل يُجبرها على تحرير شفتيها التي تأكلها، من الأولى أن يأكلها هو ثم قال بـ خشونة 
-طب و بالنسبة لـ وضعي اعمل إيه!! 
-همست لـ خجل:مـ معرفش… 
إهدأ يا قُتيبة، فكر بها على أساس أنها قطعة شيكولاتة شهية و هو صائم و لا يجب أن يتقرب منها حتى لا تضعف عزيمته، لذلك زفر بـ توتر مكتوم ثم جذبها ليضع رأسها على صدرهِ و ينام هو على ظهره ثم هتف بـ صوتٍ مُرتجف
-الوضع دا خطير على قلبي… 
إنه مُحق قلبه ينبض بـ طريقة عنيفة حتى أنها تشعر أن قلبه سينفجر من كثرة ضخ الدماء، فـ تجعد جبينها بـ قلق و رفعت رأسها تنظر إليه و بـ مرفقيها إتكأت إلى كتفيهِ و سألته
-قُتيبة أنت كويس!… 
نظر إليها قُتيبة بـ عينين سوداوين شديدين العُمق، و إبتسامة خفيفة زينت زاوية شفتيه و، ثم رفع يده و أعاد خُصلة إلى خلف أُذنها و قال بـ صوتٍ عميق و رخيم يُدغدغ الروح 
-أنا كويس، بقيت كويس معاكِ… 
كان بـ إبهامهِ يُداعب وجنتها التي تخضبت بـ حُمرة خفيفة لم يُظهرها الظلام، لترتفع كيان بـ جذعها و تستند بـ يدها فوق الفراش و رفعت نفسها عنه و لكنه إرتفع معها و همس بـ صوتٍ مُعاتب بـ خشونة مُخيفة
-بُعدي عنك و أنتِ قُدامي، أصعب من بُعدي عنك و أنت بعيد
-ضحكت و همست:أنت بتقول إيه!… 
الهدوء كان يتخلله أنفاسهم و صوت همساتهم الرقيقة، يخشيان أن يسمعهما الجموع، و إقترب قُتيبة منها ليتحول الهدوء الخارجي إلى صخب داخلي و هو يهمس على أعتاب شفتيها 
-بقول إنكِ بتعذبيني… 
و حصل على ثالث قُبلة، كانت رقيقة و جميلة، مُتمهلة، يُريد أن يأخذ وقته معها حتى لا يضطر إلى الإبتعاد عنها سريعًا، و لكن الوقت قد حان و أنفاسها قد زُهقت فـ إضطر آسفًا أن يبتعد عنها 
لهثت كيان الهواء و إنزلقت يدها رغُما عنها أسفل الوسادة التي ينام فوقها، و حين إقترب منها و كانت على إستعداد لتلقي قُبلته، إبتعدت فجأة بـ ذهول و يدها تتحسس شيئًا غريب 
إلتقطته و فتحت الأضواء جوارها و نظرت إلى ما بـ يدها، ثم هتفت بـ صدمة و عينيها تتسع بـ ذهول جعل عينيها على وشك الإستدارة
-مطوة! حاطط مطوة تحت المخدة؟!… 
مسح قُتيبة على وجههِ، تلك الغبية أفسدت الأجواء، و لكنه نهض و سحبها منها و وضعها مكانها، لتصرخ كيان بـ حدة
-رُد عليا، إيه دا يا قُتيبة!… 
نظر إليها قُتيبة بلامُبالاة ثم قال بـ صوتٍ بدى عاديًا و لكنها كانت تعلم تمام العلم أنه ليس عاديًا البتة
-دي عادة، إتعودت عليها فـ السجن… 
توقفت دقات قلبها لعبارتهِ التي و إن خرجت عادية إلا أنها مزقتها، فـ إبتلعت لُعابها و الذي أحست و أنه شديدة المرارة كـ العلقم يترك أثرًا حارقًا في روحها 
قبضت كيان على يدها و أحنت وجهها لأسفل ثم قالت بـ صدق و ألم لأجلهِ 
-أنا آسفة… 
حدق قُتيبة بها بـ وجهٍ خالٍ من التعابير و عينين مُظلمةٍ، ثم وضع يده أسفل ذقنها و رفع رأسها ثم هتف بـ نبرةٍ هادئة و لكنها شبه ميتة 
-أنا متأسفتش لنفسي عشان تتأسفي، و متندمنيش عشان أنا مندمتش… 
كانت على وشك البُكاء و لكنها عضت شفتيها تمنع نفسها، ليُقربها منه و يُعانقها فـ تشبثت به بـ قوة، و الصمت كان بُكاء مُؤلم لروحيهما
ظلا هكذا حتى صدح صوت هاتفها فـ أرادت أن تبتعد و لكنه أبى فـ قالت بـ تحشرج
-هرد على الموبايل 
-رد بـ نبرةٍ قاطعة:لأ… 
صمت الهاتف و دام الصمت لثوان قبل أن يبدأ من جديد لتتملص منه قائلة بـ تعثر
-سبني يا قُتيبة، أكيد فيه حاجة مُهمة عشان يتصل فـ الوقت دا مرتين… 
تأفف قُتيبة و تركها على مضض لتنظر إلى هوية المُتصل و نبض قلبها بـ قلق، نظرت إليه فـ بادلها النظرة بـ أُخرى غير مُبالية، قبل أن تُجيب و تقول بـ توتر 
-إزيك يا مستر رفعت
-أتاها صوته المُرهق:كيان أنا فـ مصر… 
إنتفضت كيان و جلست بـ إعتدال على الرغم من السعادة التي شبه غمرتها و لكن نبرته لم توحِ بـ السعادة و الراحة، فـ قالت بـ توجس
-حمد لله ع السلامة يا مستر رفعت
-أتاها صوته القاتم:مامت حوراء ماتت يا كيان… 
********************
ظهر يوم وفاة والدة حوراء 
دثرت كيان حوراء جيدًا و جلست جوارها تتحسس خُصلاتهِا، عبراتها الجافة لم تُغادر وجنتيها و وجهها الذي يبدو و كأنه زاد نحوله فقط في تلك الساعات القليلة، كانت كيان تشعر بـ الشفقة عليها 
لم تنسَ كيف تلقت كيان نفسها الخبر، كانت صامتة فقط قبل أن يسألها قُتيبة بـ غرابة 
-مالك يا كيان! 
-أجابت بـ شرود:مامت حوراء ماتت… 
ملامح الصدمة إرتسمت على وجههِ مثلها تمامًا، ثم نهض بعد لحظات من إستعادة نفسه و قال بـ صرامة 
-قومِ إلبسي… 
لم تنتظره ليُعيد حديثه، بل نهضت و إرتدت ثم ركضت إلى منزلهم، تفاجئ الجميع و كانت حوراء منهم، التي نظرت إلى وجه كيان المصدوم و ظلت تُحدق بها بـ صمت 
حينها تقدمت حوراء و حاولت رسم إبتسامة متوترة على وجهها و سألت
-خير يا كيان، جايين فـ الوقت دا ليه!… 
قلبها يُنبئها بـ أن هُناك ما يحدث، خاصةً و نظرة كيان كانت غير مفهومة و مُحملة بـ الحُزن الشديد، بـ التأكيد شيء يخصُها، تقدمت كيان منها ثم قالت بـ تلعثم و حُزن شديد
-حوراء مش عارفة أجيبها إزاي، بس لازم تتماسكِ
-لم تتحمل حوراء التوتر فـ صرخت:كيان ردي فيه إيه؟!… 
لم تستطع كيان الحديث فـ تركت الدفة لـ قُتيبة الذي تقدم و قال بـ طريقةٍ مُباشرة فـ لا فائدة من التملص و إخفاء ما حدث
-البقاء لله يا حوراء، والدتك إتوفت… 
صدمة صامتة، ثم شهقة أحست كيان و كأن روح حوراء تصعد، ثم صرخة مُؤلمة للجميع قبلها، و إنهيار حاد دام طويلًا قبل أن تفقد وعيها، جسدها و عقلها لم يتحملا ما حدث، لقد فقدت ما لا تستطيع إستعادته، و هي خير من يعلم مرارة الفقد
لم تعلم كيف مرت الساعات التالية، فقط خروج قُتيبة و عُميّر اللذين لأول مرة يتفقان في شيء و ذهبا إلى والد حوراء السيد رفعت و مُنذ ذلك و هي تُهاتف قُتيبة ليُطلعها على ما يحدث
نظرت إلى حوراء النائمة من جديد و قررت الخروج و تحضير بعض الطعام لها لكي تأخذ دواءها، ثم ربتت عليها و خرجت، كان حقًا من الصعب عليها معرفة أن والدتها كانت مريضة و أخفيا عليها ذلك و فقط عرفت حينما إستيقظت و قصت عليها كيان ما حدث
صادفت في طريقها جدها الذي قال بـ صوتٍ مُشفق
-لسه نايمة! 
-أجابت:أه، و هروح أعملها أكل عشان تاكل و تاخد الدوا
-نظر إلى الغُرفة و قال:هنروح أنا و جدتك العزا مينفعش، و خليكِ مع حوراء
-أومأت و قالت:الدفنة كانت بعد الضهر شوية كدا و روحوا… 
أومأ السيد حلمي و رحل لتُكمل طريقها إلى المطبخ، و قامت بـ تحضير بعض الطعام و العصير الطازج ثم إلتقطت الدواء من غُرفة حوراء و ذهبت إلى غُرفتها حيثُ تنام هي
فتحت كيان الباب و لكنها شهقت و سقطت صينية الطعام و صرخت تُنادي 
-حورااااااء!… 
و لكن الرد كان الصمت، فـ حوراء كانت قد إختفت من الغُرفة تمامًا، توجهت إلى المرحاض و طرقت تُناديها من جديد
-حوراء أنتِ جوه؟!!… 
و لكن لا مُجيب، فتحت باب المرحاض و لكنه كان خالي تمامًا، فـ خرجت و نادت جدها بـ توتر
-جدو، تيتة، حد فيكوا شاف حوراء!…
خرجا على صوتها و تساءلت جدتها بـ جزع من صوتها الذي ظهر به الرُعب جليًا
-خير يا كيان! بتزعقي ليه!! 
-إرتجفت قائلة:مش لاقية حوراء يا تيتة
-تساءل السيد حلمي بـ قلق:هتكون راحت فين! مش كانت نايمة!… 
عادت كيان إلى الغُرفة تلتقط هاتفها ثم عادت و قالت بـ توتر و عصبية 
-معرفش، معرفش أنا دخلت أعمل الأكل و رجعت ملقتهاش
-دورتِ فـ كُل حتة!… 
أجابت سؤال جدتها بـ إيماءه و هي تتصل بـ أحدهم و أتاها الرد بعد قليل لتصرخ قائلة 
-إلحقني يا قُتيبة، حرواء إختفت!!… 
********************
أغلق قُتيبة هاتفه و حاول ألا تتغير ملامح وجههِ حتى لا يُلاحظ والدها ما حدث، بل نظر إلى عُميّر الواقف جوار رفعت و أشار إليه بـ رأسهِ إشارة خفيفة ليبتعد
ظهرت ملامح الضيق على وجه عُميّر لقد تحمل وجوده معهم و الآن عليه أن يتحالف معه فقط لأجل حوراء، تبع قُتيبة إلى الخارج و سأله
-خير في إيه! 
-تحدث قُتيبة بـ ملامح واجمة:كيان كلمتني، و حوراء إختفت… 
كاد أن يصرخ من الصدمة و لكنه تمالك نفسه، لا يُريد إفتعال ضجة، يكفي مصاب والدها، فـ مسح على وجههِ بـ عصبية و سأل
-طب هنعمل إيه! لو مشينا أنا و أنت أبوها هيعرف إن فيه حاجة! 
-ليرد قُتيبة بـ حذر:عشان كدا خليك معاه و أنا هدور عليها… 
و لكن عُميّر لم يعجبه الإقتراح ذلك فـ هتف و هو يرحل حتى لا يوقفه
-لأ خليك أنت معاه، و أنا هدور عليها… 
أكمل عُميّر و هو يركض مُبتعدًا عن قُتيبة المذهول 
-و لو سأل عليا، قوله إني رحت أجيب جدي و تيتة… 
بدى مُقنعًا أكثر فـ أومأ قُتيبة و عاد إلى الداخل، بينما عُميّر ركض و القلق يعتريه، على الرغم من التصورات البشعة إلا أنه كان يعلم أين ستتوجه، لا مكان آخر غير المقابر
هي لا تعلم أين دُفنت والدتها و لكنها ستبحث، لقد أخبره والدها أنها كانت مريضة بـ سرطان الدم، و رحلة علاج إستمرت شهرين إلا أنها باءت بـ الفشل و أمر الله قد نفذ، هي ماتت و أصبحت وحيدة
والأغرب من ذلك طلب والدها منه، هو لا يعرفه و أخبره رفعت بما جمده أرضًا 
-كفاية إنك أخو كيان… 
و ليته يعلم أنه لا يُشبه شقيقته بـ شيء، أراد تذكر الحديث و التفكير فيه بـ عُمق و لكن الآن ليس الوقت المُناسب، فـ قد وصل إلى المقابر ليترجل من سيارة الأُجرة و يركض إلى الداخل، يدعو الله ألا يكون قد أخطأ يقينه
دخل المقابر و بحث عن الخاصة بـ عائلتها حتى وجدها فـ إقتحمها بـ هدوء و جمده بل جعل قلبه يهوى إلى أسفل و هو يُبصرها
كانت تبكي في الزاوية بـ مفردها بعدما عاد الجميع من المقابر، هربت هي و أتت إلى هُنا، كان يعلم أنه سيجدها هُناك، أمام ذلك القبر، و مشهدها ذاك ذكره بـ مشهد شقيقته يوم وفاة والدتهما، كانت مُنزوية في رُكنٍ يُشبه ما تجلس به حوراء الآن و لكن الفرق أن كيان كانت بـ غُرفتها 
إستعداد عُميّر أنفاسه و أخرج هاتفه يُرسل رسالة نصية إلى شقيقتهِ يُخبرها أنه وجدها و سوف يُعيدها في الحال، ثم تقدم منها و جلس جوارها دون حديث، يستمع إلى بُكاءها و شهقاتها بـ صمتٍ تام كأنه يمنحها حُرية الإنهيار
كان يؤازرها بـ صمتهِ و داخله يشتعل لحُزنها، تلك الصغيرة الهشة اُجبرت على مُعايشة موت والدتها بعد جهلها بـ مرضها و فشل علاجها بـ الخارج، تلك المشاعر عايشها و بـ قوة و يعرف ما ستمر به و ما مرت به وهو لن يسلبها حقها ذاك 
فجأة رفعت رأسها مصدومة و كأنها لم تشعر به حينما عقد ساقيه أسفله و جلس بـ مُحازاتها، يربت على كسرها بـ لمسة طفيفة من كتفهِ ثم أردف بعدما قرأ الفاتحة لوالدتها
-مينفعش تنهاري لوحدك و فـ صمت كدا، والدتك فـ مكان أحسن يا حوراء، إدعيلها أكتر و تصدقِ عليها أكتر، مش بضغط عليكِ بس أنتِ فـ وقت زي دا مش لازم تنهاري و والدك محتاجك
-همست بـ بُكاء:أنا اللي محتاجاه
-هتف بـ رزانة:وهو كمان محتاجك، أنتوا الإتنين محتاجين بعض، متحرميش والدك منك، إرجعِ و إنهاري فـ حُضنه… 
خرجت شهقة ثم تبعها بُكاء عنيف لتقول من بين بُكاءها و هي تُخفي وجهها بـ يديها
-إتحرمت منها و إتحرمت إني أكون معاها وقت مرضها، ليه مسمحوش ليا بـ الحق دا! 
-حكمة ربنا، إسمعِ يا حوراء لو فرضًا كُنتِ معاها و شوفتيها و هي بتتألم هل هتتحملي أو والدتك هتتحمل!… 
حركت رأسها نافية ليُكمل عُميّر بـ صوتٍ أجش، خفيض
-والدتك فضلت تفتكريها و هي بتضحك مش و هي بتتألم، لازم تحترمِ رغبتها و تحترمِ إنها كانت خايفة عليكِ و حطتك قبل مرضها… 
نظر إليها ثم أكمل و كأنه يُربت على قلبها الحزين و الغاضب 
-عشان كدا إحترمِ رغبتها و إدعِ، إنهاري و عاتبِ بس فـ المكان الصح… 
أخفت وجهها من جديد و أكملت في بُكاءٍ حار أجبره على جذبها و عناقها، العناق دافئًا يمتص تعبها و ألمها، كانت هشة و صغيرة جعلت حاجبيه ينعقدان بـ ألمٍ واضح لصغيرة لم تختبر قسوة الموت من قبل 
و بعد مُدة من البُكاء، غفت حوراء بين يديهِ لينهض حاملًا إياها ثم توجه بها إلى سيارة قد استعارها من والدها و وضعها جواره مُغلقًا حزام الأمان و من ثم إنطلق صامتًا، و ذكرى العرض تلوح من جديد، عرض مُفاجئ جاء من والدٍ ملكوم يُريد الإطمئنان على إبنتهِ قبل أن يموت فجأة، و كأن موت زوجته ذكره بـ حتمية نهايته و يخشى أن تأتي فجأة دون أن يضعها بين يدي شخص يُكمل دوره كـ والدها 
و هو لا يعلم أنه أسوء من يقوم بـ مثل ذلك الدور شديد الخطورة، تلك الفتاة لا تستحق أن تكون معه، هي تستحق الأفضل و هو ليس الأفضل
يتبع…… 
لقراءة الفصل السابع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!