روايات

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الأول 1 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الأول 1 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الجزء الأول

رواية كسرة وضمة وسكون البارت الأول

رواية كسرة وضمة وسكون الحلقة الأولى

دخلت شهد وهي تزفر بضيق وغيظ إلى تلك الشقة الصغيرة بالطابق الثاني من مبنى آيل للسقوط بمنطقة تابعة للعشوائيات، ثم دفعت الكتب الدراسية من يدها بعصبية وجلست على الأريكة القديمة البالية، فرمقتها شقيقتها التوأم”رقة” وسألتها بقلق :
_ مال وشك مقلوب كده ؟
نظرت لها شهد وأجابت بغيظ شديد:
_ جالي عريس
اغتاظت منها رقة وقالت :
_ حرام عليكي خضتيني ! .. أنا بحسب في مصيبة من مصايبك حصلت !.
ضيقت شهد عينيها بعصبية وصاحت :
_ ولما كل شوية يتقدملي واحد أنيل من اللي قبله ده مش يخض؟!، أنتي عارفة مين اللي اتقدملي ؟
الأستاذ المحترم الديلر بتاع المنطقة الزفت اللي احنا ساكنين فيها دي، قولتلك يا رقة مليون مرة تعالي نمشي من هنا وننفد بجلدنا من العصابة اللي أحنا عايشين في وسطهم دول.
ابتلعت رقة ريقها بمرارة وقالت :
_ وهنروح فين بس!، الشقة دي كل اللي حليتنا، لا عارفين نبيعها ولا حد راضي ياخدها إيجار حتى، ومالناش أي دخل نصرف بيه على نفسنا لو مشينا، ويادوب شغلي في المصنع مغطي مصاريف جامعتك والاكل والشرب.
نظرت لها شهد وقالت بحدة :
_ أنتي بتعايريني عشان بتصرفي عليا! .. أمتى اخلص الجامعة وأشتغل وارجعلك كل جنيه صرفتيه عشان ما اسمعش كلامك اللي يحرق الدم ده.
توترت رقة من صوت شقيقتها المرتفع ونشطت عقدتها النفسية مع الاصوات العالية، فقالت وهي تقريبًا ترتجف من التوتر وخفقان قلبها:
_ أنا هعايرك برضه يا شهد؟!، أنا بفهمك الوضع مش أكتر، وبعدين شوقي مش هيسيبنا في حالنا لو فكرنا بس مجرد تفكير إننا نمشي من هنا.
ضربت شهد يديها ببعضهما في غيظ من كل شيء وقالت بضيق:
_ مش عارفة ليه حظنا موقعنا في وسط شوية بلطجية طمعانين فينا، وياريت لو كان لينا راجل يوقفلهم .. كان نفسي يكون لينا عيلة كبيرة تحمينا من شوقي وعصابته والبلطجية بتوعه.
خيم الصمت لبعض الوقت حتى قالت رقة بإنهزام:
_ ما تقلقيش يا شهد، لو وصل بيا الأمر أني أوافق أتجوزه عشان احميكي هوافق .. أنا ماليش غيرك في الدنيا.
رق قلب شهد لشقيقتها التوأم وقالت برفض تام وتأكيد :
_ مستحيل أسيبك تعملي كده في نفسك، تتجوزي بلطجي ومجرم؟! .. رغم غيظي من طيبتك اللي ماينفعش تعيشي بيها في الغابة اللي احنا عايشين فيها دي إلا إني بحمد ربنا على وجودك في حياتي يا رقة.
واقتربت شهد لشقيقتها وتبدل ضيقها لابتسامة وقالت :
_ اصلك بتكمليني يا توأمي .. أنا شرسة وعصبية ، بس أنتي طيبة وهادية، هادية أوي لدرجة تغيظ، أنا مقدرش اضحي براحتي عشان مخلوق، بس أنتي ممكن تضحي بحياتك عشاني عادي !
ساعات ببقى نفسي أقولك كفاية اللي أنتي فيه وفكري في نفسك شوية .. ده أنتي مكملتيش تعليمك وأشتغلتي عشان أنا اتعلم!!
ابتسمت رقة وقالت بحنان:
_ أنا مبسوطة كده، المهم أني عملالك الأكلة اللي بتحبيها.
ضيقت شهد عينيها وقالت بتساؤل :
_ محشي صح ؟ .. أنا شامة ريحته، قولي صح ؟
هزت رقة رأسها بابتسامة واسعة، فهتفت شهد بسعادة :
_ أيوة كده دلعيني يا توأمي.
ذهبت رقة تعد مائدة الطعام المتواضعة و ركضت شهد بحماس لتبدل ملابسها، وبعد قليل كانتا الشقيقتان جالستين يتناولان طعامهما في شهية، وتفاجئت رقة بشقيقتها شهد وهي تضع يدها على كتفها وتقول باعتذار :
_ ما تزعليش مني يا حبيبتي، أنا عارفة أنك بتتوتري من الصوت العالي ومع ذلك دخلت أزعق فيكي بغبائي ونسيت.
ابتسمت لها رقة وقالت بمشاكسة:
_ يا بت كملي اكلك قبل ما يبرد، ما أنا قدامك أهو زي الفل واحسن.
نظرت لها شهد بألم وقالت :
_ نفسي تبقي زيي يا رقة، ساعات بسأل نفسي أنتي بتتعاملي أزاي في شغلك في المصنع، ما بقدرش حتى أتخيل أن ممكن حد يزعقلك وتباني قدامه بالضعف ده، بس والله لما اخلص جامعة وأشتغل هنروح لأكبر دكتور نفسي وهتبقي كويسة والله ..
وتابعت شهد بألم :
_انتي بس اللي مش عارفة تنسي اليوم اللي ..
وسكتت شهد ولم تتابع حديثها الذي أثار عليها أبشع ذكرى حدثت منذ سنوات وستظل تتذكرها حتى آخر الأنفاس.
ابتلعت رقة ريقها بمرارة وهي تتذكر عدد المرات التي لا تحصى من السخرية من زملائها عند كل مشاجرة، ومظهرها الذي يثير الشفقة وهي ترتجف وتنزوي بعيدًا، وتبك بمجرد أن يصيح أحدهم بوجهها، عوضا عن الذكرى المريرة التي هي سبب تلك العقدة النفسية من الأصوات العالية والصراخ.
ابتلعت تلك المرارة بحلقها وابتسمت بالكاد لتخفي هذا الحزن وقالت كاذبة :
_ زمايلي كلهم بيحبوني ومش بنتخانق أبدًا ما تقلقيش، وبعدين الحكاية مش محتاجة دكتور نفسي ولا حاجة، أنا بس ما بحبش الصوت العالي وبتوتر منه.
بدلت شهد مجرى الحديث وقالت بمزاح :
_ عارفة يا بت يا رقة ، أنا نفسي يجي اليوم اللي يتقالي فيه أنتي الفلوس غيرتك يا شهد ، نفسي أبقى حرم الباشا، نفسي أهدد الناس وأقولهم انتوا ما تعرفوش أنا مين؟!.، واعمل مكالمة من تليفوني يوديهم في ستين داهية بجد.
ده لو حصل هسجن جيراني كلهم بالمنطقة بحالها .. هعمل حاجات حلوة كتير أوي والله.
ضحكت رقة بصدق وقالت :
_ ربنا يكرمك وتنجحي وتحققي أحلامك من غير أذية.
ابتسمت شهد بسخرية وقالت :
_ بعد إذن الطموح والنجاح أنا مش لسه هصبر، أنا عايزة أبقى أغنى واحدة في مصر بكرا الصبح بالكتير .. فياريت بقا نصيبي يوقعني في مليونير هادئ الطباع، طيب القلب، يقدس الحياة الزوجية، ويعشق الشوبينج والسفر والهدايا .. عايزاه ثري مصري ويا سلام بقا لو صعيدي ..
وتابعت بعد برهة :
_ ويجبلي طيارة أتمشى بيها في وسط البلد.
شردت رقة بابتسامة حالمة وقالت :
_ أنا نفسي بس يبقى حنين … ويحبني أوي، وبيت صغير مقفول علينا مليان فرحة وأمان .. الفلوس مش كل حاجة والله.
سخرت منها شهد وقالت :
_ أنا طماعة وعايزة بقا كل حاجة .. الحب والفلوس .. والطيارة.
تشاركا الشقيقتان المزاح والضحك واكملا وجبتهما في شهية.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
نفث شوقي دخان سيجارته وقال بعد شرود لمن حوله من رجال عصابته وهو جالسا بـمكان مسقف بالصفيح ومعبأ بالقاذورات ودخان السجائر :
_ هو الواحد لما يحب يا رجالة .. إيه الهدية اللي ممكن يجبها لحبيبته تليق بيه كـمجرم؟ … عايز أفكار بنت شرسة.
قال أحدهم وهو تقريبًا سيفقد الوعي من السُكر:
_ جبلها البوليس يا معلم ..
صفعه شوقي صفعة افقدته المتبقي من وعيه وسقط مغشيا عليه، وعاد شوقي مرةً أخرى شاردًا ثم قال بهيام :
_ قدامها بنسى أني مجرم وصايع وخارج عن القانون … ببقا عايز أقول شِعر، بس مش حافظ حاجة لطه حسين .. اكتبولي شعِر اقولهولها ياض منك له.
اقتراح احدهم وقال وهو يترنح من السُكر :
_ ما يمكن مش حب ويكون اعجاب بس يا معلمي ؟!
رد شوقي بتعجب :
_ وإيه الفرق مابينهم ياض ؟
أجاب القائل بفصاحة :
_ الفرق بين الحب والإعجاب زي الفرق بين السجاير والسيجار ..
اعترض شوقي وقال:
_ إجابة مش مقنعة ..
اعترض أحدًا آخر من الرجال وقال :
_ يا معلم أنت الوحيد المتعلم فينا .. معاك تانية أبتدائي وملحق ترم أول، احنا كلنا بصمجية وعرر.
قال شوقي بحسرة :
_ والعلام فادني في إيه بس ..!.
استفاق قليلًا المغشى عليه وقال ببطء :
_ أما أنا حلمت حتة حلم … ربنا يجعله من نصيبك يا معلم شوقي.
ابتسم شوقي وقال :
_ فرحني ياض .. حلمت بإيه ؟
أجاب الآخر وقال :
_ حلمت بحمام أبيض كتير داخل الخرابة وبيلف حواليك .. وطيرت معاهم .. واتبسطت أوي.
قال مرعي صديق شوقي وذراعه الايمن :
_ لعله خير يا معلم .. حاسس أن فرحك قرب وهنفرح كلنا.
لم تمر دقيقتان حتى هجم على المكان قوة وعدد كبير من رجال الشرطة وعلى رأسهم ضابط شرطة ضخم الهيئة ويظهر عليه أنه صاحب طباع عنيفة لا ترحم، ويبدو أنه تولى حديثا مهمة تنظيف تلك المنطقة من المجرمين والخارجين عن القانون، وقال بحدة وهو يجر شوقي من ياقة قميصه بعنف :
_ أنت بقا شوقي أبو حتة اللي لامملي شوية صيع حواليك وعاملين فيها عصابة وقطاع طرق ؟!! ..
نظر له شوقي بقلق وقال وهو يرفع كفه بجانب رأسه احتراما:
_ شرفت يا باشا .. وبعدين مين شوقي أبو حتة ده ! .. ده مش أنا … مش يمكن تشابه أسماء ؟!.
رد الرجل الذي استفاق من الوعي منذ قليل وقال :
_ يكونش ده الحلم اللي حلمته يا معلم شوقي ؟! ..
نظر له الضابط حازم بنظرة غاضبة وجر شوقي بمهانة أمام سكان المنطقة الذين تجمعوا للتو ودفعه بشراسة داخل عربة الشرطة بعدما اطاحه ضربًا ولقنه درسا امام الجميع، وقام رجال الشرطة بجمع باقي أفراد التشكيل الأجرامي هذا وسجنهم داخل العربة، ثم غادرت السيارات لقسم الشرطة.
وقد شهدت هذا المشهد أمرأة تدعى “أم بسنت” وابتسمت بانتصار ثم ركضت نحو المنزل الذي يقطن به الشقيقتان التوأم.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
اطرقت ام بسنت على باب الشقة بلطف لعلمها أن جارتها “رقة” ترتجف من الأصوات العالية لأي شيء،بينما كانت رقة تضع كفيها على أذنيها لكي لا يصل إليها الأصوات العالية الصادرة من الشارع والتجمع الغريب لسكان المنطقة .. حتى انتبهت قليلًا للطرق الخفيف على باب الشقة، وانتبهت أن الاصوات قد هدأت بعض الشيء ، فذهبت وهي تحاول السيطرة على ارتجافتها وفتحت الباب، لتقابلها أم بسنت بفرحة وهي تقول وتدخل الشقة بسرعة :
_ شوقي اتقبض عليه يا رقة وربنا نجدك منه ومن شره.
تفاجئت رقة من الخبر وقالت بعدم تصديق :
_ ده بجد !! …
وعادت قائلة بيأس :
_ بس كلها يومين ويخرج زي العادة …
ردت أم بسنت قائلة بتأكيد :
_ المرادي لأ ما أظنش .. أصل الضابط الجديد اللي جه المنطقة وقبض عليه بيقولوا عليه مش سهل ومابيرحمش وكان مستحلف لشوقي ورجالته من زمان …
وضحكت أم بسنت وهي تصف لرقة المشهد الذي رأته منذ قليل :
_ ده أنتي لو شوفتي شوقي وهو زي الكتكوت بين ايديه وبيضرب وبيترجاه يسيبه مكنتيش هتصدقي عنيكي .. شوقي اللي عامل نفسه شبح المنطقة أتذل وما أظنش هيبقى ليه عين ينزل منطقتنا تاني.
تحمست رقة وقالت :
_ ياريت ده يحصل ، ده يبقى دعوتي اتحققت وربنا بعده عني .. بس مين الضابط الجديد ده ؟ …
أجابت ام بسنت بإعجاب شديد وأنبهار :
_ سمعت الولا بودة القهجوجي بيقول أن اسمه حازم شاهين ، ضابط بس بيقولوا من عيلة غنية أوي أوي وتقيلة .. ده كمان بيقولوا أن أخوه الكبير أشهد شاهين حاجة كبيرة أوي في السوق وكده .. بس شكله مرعب .. أصل الولا بودة كان شغال مع حد يعرف الضابط ده وعيلته.
رددت رقة الكلمات بتعجب :
_ أشهد!.. أول مرة اسمع الاسم ده ، اسم حلو أوي، بس شكله مرعب ! .. أزاي يعني مش فاهمة ؟!
قالت الجارة بصدق :
_ مش عارفة ، سمعت الكلمتين دول وأنا جيالك ..
وقد انتبهت أم بسنت لشهد النائمة على الأريكة وقالت بضحكة :
_ شهد نومها تقيل أوي، أنا مش عارفة أنتوا توأم أزاي .. أنا بعرف أفرقكوا عن بعض بسهولة ..
ابتسمت رقة وقالت وهي تنظر لشقيقتها بمحبة :
_ أحنا مش شبه بعض أوي .. بس شهد أحلى مني.
قالت ام بسنت باعتراض :
_ لأ .. انتوا الاتنين أحلى من بعض ..
وشردت ام بسنت قليلا ثم قالت :
_ تصدقي يابت يا رقوقة .. أنا بتمنى تتجوزي أنتي وشهد أتنين أخوات زي الضابط ده وأخوه .. ده أنتوا هتبقوا حديث المنطقة بحالها وهتتنغنغوا في العز، ده غير بقا أن محدش هيقدر يبصلكم.
ضحكت رقة وقالت :
_ ما تتفرجيش على مسلسلات هندي تاني يا أم بسنت.
شاركتها أم بسنت في المزاح وقالت :
_ بطلت من زمان يا أختي .. هو حد يصطبح بوش حنفي جوزي ويبقى ليه نفس يحلم ولا يعيش حتى .. الله يجازي اللي كان السبب في الجوازة دي.
وظلا يتحدثان حتى قررت الجارة أم بسنت أن تعود لمنزلها.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي المساء .. بمنزل كبير فخم ..
كان يقرأ ما كتب عنه بأحد الصحف اليومية وعينيه الحادة تتجولان بسخرية على الكلمات المكتوبة وتشير إليه باتهامات كارثية بين السطور، وذلك حينما دخل عليه فجأة شقيقه الأصغر “حازم ” وقال بعصبية وبيده نسخة أخرى من جريدة اليوم:
_ نهال نفذت كلامها وقررت تدمر سمعتك يا أشهد ! .. أنا قولتلك سيبهالي وأنا هوقفها عند حدها مسمعتش كلامي !!.
وضع أشهد الجريدة على المكتب بهدوء، ثم نهض وظهر إصابة قدمه اليسرى المزمنة التي كانت نتيجة حادث مروع تعرض له منذ سنوات وأسفر عن عرج سيلازمه طيلة حياته .. وعندما وقف بقامته المهيبة أمام شقيقه الاصغر قال بهدوء يحسد عليه :
_ لحد دلوقتي مافيش حاجة تقول بشكل صريح أن الكلام المكتوب ده عليا.
تحدث حازم بغيظ وقال :
_ يعني لما يتكتب أول حروف اسمك الثلاثي اللي بسهولة أي حد هيقدر يخمنه ده يبقى اسمه ايه ؟ .. أنت فاهم يعني إيه يتعرف إنك على علاقة بواحدة متجوزة وبتقابلها في يخت والصحافة تكشفك !.. أنت أزاي ساكت عن اللي بتعمله ؟!.
ابتسم اشهد ابتسامة ثعلبية ساخرة وأجاب :
_ ساكت لإني لو اتكلمت هبقى بأكد اللي بيتقال .. وعلى فكرة الكل عارف إنها هي اللي بتجري ورايا وأنا مش شايفها.
اعترض حازم وقال :
_ أنا مش مقتنع باللي بتقوله يا أشهد .. محدش هيصدق أنك بريء من الاشاعات دي ، خصوصا أنكم كنتوا مخطوبين في يوم من الأيام ..
وهنا ظهر الغضب على وجه أشهد وقال مشيرًا إليه بتحذير :
_ أنا قولتلك مليون مرة ما تفتحش الموضوع ده تاني ..
وقبل أن ينطق حازم بكلمة انتبه لنقر على باب المكتب، وحينما سمح أشهد بالدخول وجد الخادمة تخبره أن والدته تريد رؤيته في الحال هو وشقيقه حازم … فقال حازم بضيق :
_ أتمنى ما يكونش اللي في بالي هو اللي حصل ..
تنفس أشهد بعمق وخرج من المكتب وتبعه شقيقه الاصغر
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
نظرت السيدة ” مشيرة ” للجريدة بكراهية وغضب وهي طريحة الفراش منذ بضعة أشهر بمرض أفقدها القدرة على الحركة ، حتى دخلا ولديها لغرفتها وعلى وجهيهما الترقب والمقت .. فقالت مشيرة وهي تلقي بالجريدة أرضا بعصبية :
_ المرادي مش هسكت عن اللي بيحصل ومش هسمع كلام حد فيكم واسكت .. أنا خدت قراري خلاص ، واللي مش هينفذه فيكم يعتبر أن مالوش أم وهغضب عليه لحد ما أموت ..
وهذا الغضب الظاهر بعينيها وبكلماتها أخبرهما أنها تتحدث بجدية ولا سبيل للتراجع أو المناقشة .. فقال اشهد وهو يتوقع ما قررته:
_ وأنا مش صغير عشان تختاريلي اللي هتجوزها !!.
قالت مشيرة بغضب شديد :
_ هتنفذ اللي هقوله غصب عنك يا اشهد أنت وأخوك .. كفاية بقا اختياراتك الغلط .. ما هي نهال دي كانت في يوم من الأيام حبيبتك واختيارك اللي اتحدتيني عشانها وخطبتها غصب عني !!… أنا كلمت سميحة أختي واتفقت معاها خلاص ..
قال حازم بغيظ :
_ على الأقل كان لازم تتكلمي مع أشهد الأول يا ماما.
وأضافت مشيرة أضافة كارثية وقالت :
_ أنا كلمت سميحة أختي على بناتها الأتنين ليكم .. هتتجوزو أنتوا الأتنين في يوم واحد وفي ظرف شهر ..
فغر حازم فاه من الصدمة وقال بعصبية :
_ مستحيل .. لو مش هعيش في البيت ده تاني مستحيل انفذ اللي بتقوليه ده !!.
قالت مشيرة بإنفعال :
_ ومالهم بنات خالتك ؟ .. ناقصهم إيه أن شاء الله ؟! وبعدين هو حد فيكم قرر يتجوز وأن قولت لأ ؟!.
رد أشهد بـ رد صادم :
_ مش ناقصهم حاجة يا أمي .. بس أنا مرتبط ، بنت قابلتها من فترة وحبيتها وأتفقنا، لو صبرتي شوية كنت هكلمك عنها عشان تتقابلوا.
صدمت مشيرة من الخبر ، ولوهلة ذهل حازم من ما قاله أشهد ، حتى غمزه أشهد بخفاء وفهم حازم الأمر وقال هو الآخر :
_ وبصراحة أنا كمان مرتبط وبحب .. ومستحيل اسيب اللي بحبها عشان بنت خالتي .. دي غلطتك أنك مخدتيش رأينا قبل ما تتفقي مع أختك ..
نظرت لهما مشيرة بشك وقالت :
_ ومين بقا دول اللي عرفتوهم من ورايا ؟ .. يارب بس ما يكونوش من عينة نهال !!.
أكد أشهد على قوله :
_ لما تشوفيها هتتأكدي إني اخترت صح .. وهخليكي تقابليها قريب ..
نظرت له مشيرة وقالت بغضب :
_ عايزة أشوفهم .. ولو عرفت أنكم بتكدبوا عليا يا ويلكم مني ..
خرجا أشهد وشقيقه من الغرفة صامتين ، وبعد قليل انفجر حازم ضاحكا وقال :
_ لا بس برافوا عليك ، أنقذتنا من مصيبة كبيرة وخرجنا منها الحمد لله.
نظر له أشهد بضيق وقال :
_ لسه مخرجناش أوي .. أحنا لازم نلاقي بنتين ينفذوا المهمة دي ونضمن أنهم مش هيتكشفوا ولا هيتكلموا بعد كده .. الموضوع المرادي مش سهل وأمك مصممة على رأيها.
قال حازم ببساطة :
_ سيبلي موضوع البنات ده .. أعرف كتير.
تنفس أشهد بعمق ونفاد صبر ثم قال :
_ لأ .. أنت بالذات مالكش علاقة بالموضوع ده ، أنا هعرف أختار بنتين مناسبين للمهمة دي .. متنساش أحنا نبقى مين !.
سأل حازم بحيرة وقال :
_ ماهو مافيش بنت ناس وبنت عيلة هتقبل تمثل التمثيلة دي معاك يا أشهد !! .. إلا لو كانت بقا تبقى خطوبة بجد !!.
زفر أشهد بضيق وقال :
_ هعرف اتصرف ..
وذهب أشهد لغرفته بعد ذلك وقرر أن يأخذ دشا دافئ، وعندما خلع قميصه ظهرت أثار الحروق العميقة التي تملأ نصف جسده بالجانب الأيسر، فتجنب أشهد النظر لتلك الأثار البشعة التي تتنافى تماما مع وسامة وجهه الخلابة التي تدير رؤوس النساء ..
بينما جسده هو ذاته لا يطيق النظر اليه، وأخذ منشفة بيضاء وذهب دشا سريع.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
نهضت شهد وتثاءبت بكسل ثم ابتسمت بحالمية وشردت .. وانتبهت لها شقيقتها رقة فتساءلت بابتسامة :
_ مش عادتك يعني تقومي من النوم مبسوطة كده .. ده أنتي مابتبقيش طايقة نفسك !.
قالت شهد وهي تضم وسادة صغيرة بين ذراعيه بابتسامة وشاعرية:
_ حلمت حلم جميل أوي يا رقة.. قال إيه في ضابط جه جديد في المنطقة وقبض على شوقي .. وهو وأخوه حبونا واعجبوا بينا واتجوزونا.
صدمت رقة للحظة ثم انفجرت من الضحك وقالت :
_ لأ أنتي الأرسال عندك كان عالي شوية وام بسنت بتتكلم .. أصل اللي حكيتيه ده هو اللي حصل .. بس نصه بس اللي حصل لحد ما اتقبض على شوقي ، تلاقيكي سمعتيها وأنتي نايمة ومخك أشتغل وحطيتي التاتش بتاعك والفتي بقية الحلم جدعنة منك كده.
كشرت شهد وقالت باعتراض :
_ وحتى يعني لو ده اللي حصل .. ما ممكن يتحقق عادي ولا هو يعني مستحيل ؟!.
ارتشفت رقة من كوب الشاي الدافئ وقالت :
_ روحي كملي نومك يا شهد عشان تقومي فايقة وتصحصحي للواقع يا حبيبتي.
رمقتها شهد بغيظ وذهبت للمرحاض لتغسل وجهها وتستفيق ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كسرة وضمة وسكون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى