روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الثالث عشر 13 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الثالث عشر 13 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الثالث عشر

رواية خطايا بريئة البارت الثالث عشر

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الثالثة عشر

أنا دائما أستغني فلا تثق بي أبدا مهما بدوت لك مهتم فإن يدي لا تلوى وقلبي لا يهان وأنا لا أسقط فلا تراهن على قلبي أبدا.

– نيرو

————
ظلت تتملل بالفراش بِجانبه تنظر لظهره بحزن أصبح يحتل كافة كيانها رغم صمودها، فكانت مترقبة لردة فعله و تعلم أنه لم يغفى بعد وتشعر بصوت انفاسه الغير منتظمة، تعلم أن تلك ال “منار” أخبرته بما حدث، والآن تنتظر منه أن يواجهها، ويعتذر عن خطيئته بحقها ولكنه لم يبادر للآن مما جعلها لم تتحمل أكثر لتزفر بنفاذ صبر وتهدر وهي تجلس على طرف الفراش :

-اتكلم يا “حسن”يمكن ترتاح وتريحني …

زفر بقوة وأزاح الغطاء عنه وقال وهو يسحب علبة سجائره كي ينفث واحدة منها:

– عايزاني أقول ايه ما انتِ طلعتي عارفة كل حاجة وروحتِ هددتيها ومعملتيش ليا أي اعتبار

ابتلعت غصة مريرة بِحلقها من تبجحه وهدرت محتجة:

– أنت جوزي وانا مأجرمتش أنا كنت بدافع عن بيتي وعنك

صدر من فمه صوت ساخر ينم عن سخطه وهدر متبجحًا وهو يطفئ سيجارته بالمنفضة اعلى الكومود ويهب واقفًا:

-انا كنت خايف تعرفي لكن طلعتي خبيثة وعارفة وبتمثلي عليا و بعد عملتك دي خلتيني أصمم اكتر

برقت عيناها وعاتبته بإنفعال مغلف بِخيبة أمل :

-يعني ايه !؟ده بدل ما تعتذر وتندم على خيانتك ليا

أجابها بثقة عارمة بذلك المبرر الواهي الذي يظنه يبرئ خطيئته وهو يلوح بيده امام وجهها:

-أنا مخنتكيش انا بحبها…بحبها يا “رهف” وهتجوزها علشان مش هعرف اعيش من غيرها واظن ده شرع ربنا وحقي

نزل حديثه عليها كالصاعقة ورغم أنها كانت تضع احتمالات عدة لردود فعله ولكنها لم تتوقع قط أن يخبرها بكل تبجح أنه يحب آخرى، مما جعلها تثور قائلة:

– و أنا مفكرتش فيا؟

-أنتِ مالك…زي الفل ومفيش حاجة ناقصاكِ…

صرخت به بعصبية مفرطة:

– ناقصني انت يا “حسن”…ليه تخلي واحدة تانية تشاركني فيك…

أجابها باقتناع تام هيأه شيطانه له:

-افهميني أنا مقدرش استغنى عنك ولا عن ولادي بس هي حاجة تانية…

نفت برأسها ووضعت يدها على اذنها ترفض ما تسمع وكأنها بأسوء كوابيسها، لتصرخ معاتبة بقهر:

– بس انا مقصرتش معاك في حاجة

-مقولتش أنك مقصرة

لملمت شتاتها قدر المستطاع كي لاتنهار أمامه وتهدر المتبقي من كبريائها الذي دهس تحت قدمه، وقالت كمحاولة أخيرة منها كي تقنعه يحيد عن ما برأسه:

-فكر في ولادك وفي البيبي اللي جاي في السكة، بلاش تهد الكيان اللي ببنيه من سنين… صدقني دي نزوة وهتعدي

نفى برأسه بعدم اقتناع وقال بيأس دون أن يراعي وطأة كلماته الطاعنة عليها:

-مش نزوة… انا حاولت اسيبها وابعد لكن مقدرتش

ليكوب وجهها الشاحب بين راحتيه ويقول وكأنه بذلك يطمأنها غافل كونه طعنها لتوه بسكين ثلم:

-صدقيني مفيش حاجة هتتغير…هبقى معاكِ ومع الولاد، مش هتحسِ بفرق، وهعدل بينكم

حقًا ستعدل بيننا، يا لك من رحيم، عطوف، أيها الخائن أتظن أني سأقبل بفُتاتك التي سوف تَمنّ عليِ بها… لا… وألف لا

ذلك ما كان يدور برأسها عندما

نفضت يده وهدرت بشراسة لم تكن ابدًا تعرف إنها تكمن بداخلها:

-أنا مستحيل أقبل بوضع زي ده

زفر بنفاذ صبر وأخبرها بإصرار مقيت:

-و انا مش هتردد و خدت قرار ومش هرجع فيه

امسكت مكان خافقها الذي يعتصر بين ضلوعها من إصراره المقيت ذلك وقالت بتماسك رغم الوهن التي تشعر به:

– قرارك ده هيخسرك كتير اوي يا “حسن”

لتترك الغرفة وتتوجه لغرفة أطفالها بينما هو لوح بيده يستهتر بوعيدها غافل أن زوجته ليست بضعيفة ولا ساذجة كما يعتقد هو…هي فقط تتهاون من أجله ومن أجل اطفالها مما جعله يظنها لقمة صائغة غافل أنه بإصراره ذلك أظهر شخصيتها الدفينة التي كانت تتوارى خلف رداء الطاعة والولاء له

———————

-صباح الخير

قالتها هي ببهوت أصبح ملازم لها وهي تشرع بركوب السيارة بعدما ألح عليها بلأمس أن تخرج من عزلتها، أبتسم هو وألتفت برأسه لمقعدها قائلًا بتشجيع بث بها السرور:

-صباح الفل على عيونك…الحمد لله انك اقتنعتي أخيرًا وخرجتي

ليعتدل في جلسته ويسألها بترقب وهو يشعل موقد السيارة:

-هااا على فين العزم حضرتك؟

مطت فمها وأخبرته بعفوية:

-“محمد “احنا بقينا اصحاب شيل التكليف لو سمحت وناديني بأسمي

أبتسم من ذلك اللقب التي تطلقه على تقربهم، فهو إلى الأن غير مقتنع؛ كونه عكس ما تربى عليه، فداخله قيم راسخة أن لا يجوز تقارب رجل وامرأة تحت مسمى صداقة

ولكن يقسم أنه لا يعلم ما حل به ولا يود أن يجد تفسير الأن غير شيء واحد فقط هو كونه وعدها بالمساعدة ولابد أن يفي بوعده، وليست شفقة منه عليها بتاتًا بل بدافع نخوته وشهامته ك رجلّ

-“محمد” سرحت فى ايه؟

انتشلته من مداهمة أفكاره ليتحمحم يجلى صوته الأجش قليلًا ويرد:

-معاكِ يا “ميرال”

تنهدت بعمق، وصدى جملته يتردد بعقلها ورغم بساطة كلماته إلا أن تأثيرها كان يستقر في أعماقها ويشعرها براحة عارمة، وإن لاحظت نظراته المترقبة عبر المرآة قالت بنبرة هادئة:

-عايزة أروح النادي

-مفيش جامعة النهاردة

باغتها بسؤاله، لتنكمش معالم وجهها وتجيبه باقتضاب بعدما تذكرت مشادتها مع “طارق” وما سينتج عنها من همهمات وقصص واهية هي في غنى عنها:

-لأ مش هروح

لاحظ ما أصابها ولكنه لم يريد أن يضغط عليها في معرفة السبب الحقيقي لرفضها، يعلم انها ستخبره ولكن من ذاتها ولذلك قال بلطف وهو ينطلق بها:

-اللي يريحك

——————-

استعد للذهاب إلى عمله بِمزاج عكر للغاية بسبب مواجهته لها الليلة الماضية، لوهلة شعر ببعض تقريع الضمير ولكن ذلك لم يغير شيء من قراره، تجمدت نظراته وهو يراها مشرقة ككل يوم تجلس على طاولة الطعام وتطعم أطفالها بحنو شديد وهي تقص لهم أحد القصص الخيالية لتشجيعهم على الطعام، أبتسم دون شعور فهي دائمًا تخالف توقعاته فقد ظنها ستحزن وتكتئب وستنقم عليه ولكنها ابهرته بثباتها وجعلته يظن أنها قد أذعنت لرغبته كما توقع، انتشله صوتها الناعم وهي تهتف برحابة :

– صباح الخير يا “حسن”

ابتلع ريقه بِحلق جاف ثم أجابها بتلعثم:

– صباح…. النور

=بااابي

صرخ بها أطفاله وهم يركضون إليه لينحنى لمستوى كل منهم ويحتضنهم قائلًا بحنو:

– قلب بابي وحشتوني

لترد “شيري” بغضب طفولي:

– أنت كمان يا بابي بس أنا زعلانة منك علشان مشغول علطول ومش بتخرجنا ولا بتلعب معانا

سايرها “حسن”وهو ينظر ل “رهف” كي تلاحق الموقف معه وتدافع عنه أمام اطفاله كما تفعل دائمًا ولكنها تجاهلت نظراته وظلت على ثباتها المستفز بالنسبة له تدعي انشغالها بتناول الطعام:

-حاضر اوعدك هنخرج وهنعمل كل اللي انتوا عايزينه

ليعقب “شريف” :

– أسكتِ أنتِ ……علشان انا هقول لبابي حاجة مهمة

اشرأب “حسن” برأسه ليهمس “شريف” بإذنه:

-جبتلي اللعبة اللي وعدتني بيها يا بابي

اغمض “حسن” عينه بأسف وقال معتذرًا:

– نسيت…معلش اوعدك او ما افضى هجبهالك علطول

-يبقى عمرك ما هتجبها

قالها”شريف”بنزق وهو يمط فمه و بينما “شيري” اكتفت بنظرة مستاءة له جعلت وجهه يشحب و يتناوب النظرات بينهم ويعجز عن الرد لثوان قبل أن تهتف هي:

-يلا يا ولاد هنتأخر على (bus ) المدرسة

وقبل أن ينصاعوا لها ويحملون حقائبهم ويتبعوها قال “شريف” وهو يطرق رأسه بأسف:

-أنت مش بتحبنا يا بابي

شعر بغصة تتكون بحلقه وهو ينظر لأثرهم وحقًا شعر بالخزي من نفسه.

وحين عادت هي بعد بضع دقائق وجدته يجلس شارد على أحد مقاعد طاولة الطعام دون أن يمسس شيء من طبقه، تحاشت النظر له وتعمدت أنها تظل على ثباتها وهي تضب المائدة دون أن تعطي عدم تناوله لفطوره أي أهمية على غير عادتها مما استفزه أكثر وجعله يضرب الطاولة بقبضة يده ويصرخ بهياج:

– انا عارف أنتِ بتحاولي تعملي ايه

انتِ ازاي خبيثة كده…تقومي الولاد عليا علشان تحسسيني بالتأثير وأرجع في كلامي

هزت رأسها بنفي قاطع وصرخت بوجهه بِشراسة لم يعتادها منها:

– انا مش عايزاك ترجع في قرارك، بس من هنا ورايح أنت مجبر تتحمل نتيجة افعالك لوحدك…

لتتركه وتدخل غرفتهاوتغلق بابها بوجهه، ليزئر هو بغضب ويزيح الأطباق التي أمامه بيده محدث ضجيج أجفلها من موضعها ثم يغادر منزله وهو يصطحب معه مزاجه العكر

—————

داعب انفها رائحة عطره الممزوجة برائحة القهوة الشهية التي يعُدها خصيصًا لها كل صباح، لترمش عدة مرات لتجده يجلس بالمقعد المجاور لفراشها يتأملها كعادته لتقول هي بمشاكسة ممزوجة ببعض الغرور:

-خدت عليا وعلى أوضتي اوي حضرتك

أبتسم وأجابها وهو يجلس بِجانبها و يزيح خصلاتها المبعثرة عن وجهها:

-هتوحشيني

رفعت عيناها له وتسألت بترقب وهي تعتدل وتجلس تستند على جذع الفراش:

-مسافر

أومأ لها بقلة حيلة وأخبرها وهو يناولها كوب القهوة الممزوجة بالحليب خاصتها:

-كلموني الصبح في توريدات جديدة ولازم أبقى موجود واستلمها بنفسي…

ليتنهد بعمق ويقول ببحة صوته المميزة التي تشتتها وجعلتها تكاد تغص برشفتها:

-خلي بالك من نفسك يا مغلباني
احتمال اتأخر المرة دي ومش هعرف هرجع أمتى

سعلت بخفة ثم وضعت الكوب أعلى الكمود وتعلقت عيناها به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزيد وجيبها لتجد ذاتها دون أي تفكير مسبق وعلى غير عادتها تجذب يده بين راحتها وتقول بصدق لا تعلم كيف صدر منها:

– هتوحشني

تهللت أساريره وهو ينظر ليدها التي تحتضن يده وهمس بعدم تصديق:

-بجد هوحشك

هزت رأسها وهي تتحاشى النظر له، فما كان منه غير أن يجذبها لصدره ويدس أنفه بين فجوة عنقها ثم يتنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه المُولع بها ويهمس بعدها بنبرة صادقة لأبعد حد:

-بحبك يا “نادين” … بحبك يا روح روحي ولو عليا نفسي ما فرقكيش لأخر يوم في عمري

تلك المرة الأولى التي يقولها صريحة لذلك الحد فسابقًا كان يلمح أو يذكر تشبيه مجازي لمشاعره ولكن الآن قال تلك الكلمة التي استقرت بأعماقها وزعزعت كافة قناعتها، وجعلت مقاومتها تتلاشى وقبل أن يصرخ عقلها سبقه قلبها

إِياك! أن تطلب مني الصمود أيها العقل، فتلك النبضات العاصية تورق سَكينتي ولم أعد أحتمل ضجيجها، حتى حصوني التي شيدتها كي أُأَذرك بها أصبحت أنقاض بالية، لا نفع منها أمام هيمنته الطاغية عليها فحابًا بالله توارى خلفي لمرة واحدة وارأف بي وكف عن صخبك الغير محتمل .

وعند تلك النقطة تخلت عن مقاومتها وأغمضت عيناها وشددت على عناقه أكثر، بينما هو كان يتنفس أريجها المميز باستمتاع تام وكأنه يريد أن يختزنه برئته لأطول وقت ممكن.

دام عناقهم لثوان معدودة ولكونه يعلم أن عندما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته قرر أن يفض ذلك القرب المهلك بالنسبة له، ولكن وجد ذاته كالمغيب ينثر قبلات متقطعة على سائر عنقها التي تزينه الشامات، والغريب بلأمر أنها لم تعترض ولم تنفر منه بل شعرت أنها تبدلت لآخرى لا تمت لها بصلة حين تجاوبت تحت وطأة تلك المشاعر الجياشة التي يغدقها بها، فقد تعالت وتيرة أنفاسها و وجدت ذاتها تمرغ جانب وجهها مع وجهه المدفون بين ثنايا عنقها بتجاوب وبنعومة أفقدته عقله وجعلت قلبه يطالب بالمزيد … والمزيد كان يكمن بين شفاهها التي أنهل عليها بقبلة هادئة، حالمة، تحولت لأخرى شغوفة متلهفة لأبعد حد وكأن ترياقه يكمن بين رحيق شفاهها، شعر برجفتها بين يده ومحاولاتها الفرار من حصار شفاهه ولكنه مازال لم يكتفي ويطمع بالمزيد ليكوب مؤخرة عنقها كي يدعم رأسها ويلامس بأطراف انامله خصلاتها بحركات حثية جعلت القشعريرة تنتابها ويحتل الخدر كافة جسدها و تعلن عن رايات استسلامها، وحينها تجاوبت معه وبادلته قبلته بشغف لا يقل شيء عن شغفه بها حتى انها كالمغيبة وجدت يدها تتحرك من تلقاء نفسها داخل خصلات شعره بحركة تكاد تطيح بعقله وتفقده أخر ذرة تعقل به.

فقد دام تلاحم شفاههم لعدة ثوان قبل أن يتعالى رنين هاتفه ليكون هو كجرس تنبيه أيقظ كافة حواسها وجعل وتيرة أنفاسها تتعالى شيء فشيء وهي تدفعه عنها، ليبتعد بمضض وبعيون مثقلة و بأنفاس ثائرة يستند بجبهته على خاصتها ويمرر إبهامه على شفاهها بزهو وهو لا يصدق ما حدث، وقبل أن يقول أي شيء كانت هي كعادتها توئد سعادته وتزيحه عنها وتنتفض راكضة نحو مرحاض غرفتها تغلق بابه وكأنها لا تقوى على مواجهته، حاول أن يسيطر على زمام نفسه بعد فعلتها وكم شعر بالسوء حين فرت من مواجهته واستشعر ندمها ليقول بنبرة متهدجة وهو يلحق بها ويطرق باب المرحاض:

-“نادين” افتحي خلينا نتكلم… انا عمري ما قصدت أفرض عليكِ مشاعري…بس غصب عني أنا راجل …

لم يأتيه ردها بل فقط صوت أنفاسها المتعالية ليزفر بقوة وهويمرر يده على وجه وكأنه على حافة الجنون، ولكونه يعلمها ويعلم طريقة تفكيرها قال بنفاذ صبر وبنبرة مغلفة بعزة النفس متغاضي عن أنين قلبه:

-عارف انك ندمانة بس متقلقيش… مش هتعشم وعارف ان اللي حصل ده مش هيغير حاجة

ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يغادر بخطوات غاضبة يتأكلها الغضب أما هي فقد تلمست بأناملها شفاهها وهي لا تصدق أنها سمحت له بفعل ذلك، لتزفر بقوة وهي تمرر يدها بخصلاتها و تجلس على سور حوض الاستحمام بإنهزام ثم دون مقدمات أخرى كانت دمعاتها النادرة تنهمر بغزارة تنعي حالها لسبب هي وحدها تعلمه

——————-

أما عند صاحب البُنيتان القاتمة كان يجلس يباشر عمله حين دخل أحد موظفيه وأخبره:

-محتاج توقيع حضرتك يا فندم

أومأ له “حسن” وقام بسحب الملفات من بين يده وقام بتوقيعها وهو يقول بِعملية:

– احتمال اغيب عن الشركة كام يوم مش عايز تقصير وزي ما سلمنا الوحدة الأولى من غير ولا غلطة عايز العمال يشدوا حيلهم علشان الوحدة التانية تتسلم في ميعادها، وياريت تشرف على كل حاجة بنفسك وتعملي تقرير وافي لما ارجع

-تمام يا فندم … حبيت ابلغ حضرتك أن ڤيلا العاشر جهزت زي ما حضرتك أمرت

أومأ له “حسن” بامتنان ثم أشر له بالانصراف وهو يستند بأريحية على مقعده الدوار فقد قام بكل التجهيزات اللازمة لزيجته وقد قرر أن يتخذ تلك الڤيلا التي يملكها منزل زوجية له مع “منار ” فقد رفضت “رهف” أن تعيش بها سابقًا متحججة أنها لن تترك شقتها التي أسست كل ركن بها وشهدت على سنواتهم الأولى معًا، زفر بقوة وهو يتذكر حديثها الشرس له الذي يحمل شيء من الوعيد ولكنه حاول طمأنت ذاته أنها أضعف من أن تفعل أي شيء ويعلم أنها مسألة وقت ليس أكثر وستتقبل الوضع.

كان غارق في أفكاره حتى أنه لم يلحظ دخولها وجلوسها على طرف مكتبه إلا أن همست بِغنج:

-“سُونة” سرحان في إيه؟؟

تحمحم وأجابها ببسمة مبتورة:

-في الشغل هيكون في أيه يعني يا”منار”

لوت شفاهها المطلية وقالت وهي تميل عليه بِجزعها بطريقة مغرية نصب عينه:

– كده وانا اللي كنت بفكرك سرحان فيا وفي السعادة اللي هعيشك فيها بعد جوازنا، ده أنا مش مصدقة أن خلاص هنكتب الكتاب بكرة

تركزت نظراته عليها وقال بِغريزة رجولية بحته:

-أنا كمان مش مصدق أنك هتبقي بتاعتي يا “منار” ده أنا كنت هتجنن

-بعد الشر عليك يا “سُونة”

قالتها بهمس مغري أمام وجهه وعينه لم تفارق شفاهها حتى أنه ابتلع ريقه وكاد يُقبلها إلا أنها، ألتمع الخبث بعيناها وتراجعت في آخر لحظة قائلة وهي تعتدل في وقفتها:

-هانت أصبر وبعدين انت وعدتني ننزل نشتري الشبكة النهاردة

أومأ لها برحابة لتستأنف هي بغنج تجيده:

– أنا كمان عايزاك تشتري معايا لوازم الجواز

لتميل عليه من جديد هامسة بغنج في أُذنه، وبجرأه تعمدتها كي تلهبه:

– لازم الجهاز بتاعي تختاره كله على ذوقك يا”سُونة”

حل رابطة عنقه وأخبرها بتحشرج :

-تمام…بعد الشغل هروح معاكِ

لتبتسم هي وتضع قبلة عابرة على وجنته قائلة بغنج زائد أنهكه على الأخير:

– أحبك يا “سُونة”

—————–

عرضت عليه أن يرافقها للداخل ولكنه رفض وبعد وقت قليل من جلوسها بمفردها بالداخل كانت تشعر بالضجر الشديد، فكرت أن تعود للمنزل تمكث داخل غرفتها وتنعم بعزلتها، ولكنها تخوفت حين تذكرت حديثه أنها من الممكن أن تخور مقاومتها وتفقد عزيمتها وتهاجمها تلك الأفكار السوداوية من جديد ولذلك أقتنعت بحديثه وغادرت المنزل وهنا وجدت ذاتها تتذكر أقتراح والدها بعرضها على طبيب نفسي لا تعلم لمَ رفضت ولكنها تعلم أنها لم تفقد عقلها بعد لتكون بحاجة لذلك بدليل أنها ما أن توقفت عن أخذ تلك الحبوب ليومين كاملين تشعر بتحسن ورغم إلحاح عقلها وتعود جسدهاإلا أنها ستقاوم تلك المرة ولن تضعف فهو محق لابد من المحاولة ليس من أجل أحد بل من أجلها هي

وعندما أتى هو بِخاطرها وجدت ذاتها تبتسم وتنهض تهرول للسيارة التي ينتظرها بداخلها لعلها تنعم ببعض الصُحبة بيومها.

ولكن تجمدت ملامحها عندما وجدته يوليها ظهره ويتحدث في الهاتف قائلًا:

-تمام يا حبيبتي والله هحاول

…انا مقدرش على زعلك

شحب وجهها ووقفت لا تعلم ما بها وحين لاحظ وقوفها بالقرب أغلق المكالمة وقال مستغربًا حالتها:

-“ميرال” مالك حد ضايقك؟

نفت برأسها وقالت بإقتضاب وهي تشرع بركوب السيارة:

-لأ زهقت وعايزة أروح

أومأ بطاعة وإن كاد يصعد إلى السيارة تعالى رنين هاتفه مرة آخرى، تأهبت هي من موضعها داخل السيارة، بينما هو تنهد ورد بنفاذ صبر:

-أنا في الشغل عيب كده قولتلك حاضر و كفاية زن

صمت لبرهة ثم أجاب الطرف الثاني بمسايرة:

-حاضر اول ما اخلص الشغل هاجي اخدك علطول

وعندما أتاه جوابها قهقه بقوة قائلًا بخفة أغاظت تلك التي تترصد مكالمته من موضعها:

-بقى كده يا اوزعة وربنا هعلقك بس أجيلك

ذلك أخر ما نطق به قبل أن يغلق الخط و يصعد للسيارة ويشعل الموقد غافل أنها تكاد تموت من شدة فضولها وإن كادت تسأله، اتاها صوته الأجش يخبرها بكل أريحية:

-آسف بس دي طمطم بنت أختي ومن الصبح مفصلتش علشان وعدتها أوديها الملاهي النهاردة

ابتسمت بارتياح لا تعلم سببه ثم قالت أول شيء جال بخاطرها دون تفكير:

-ربنا يخليهالكم يا “محمد”

لتصمت برهة وتسأل بتردد:

-هو ممكن أجي معاكم

أبتلع ريقه مصعوق من طلبها الغير متوقع بالمرة وشيء ما في أحشائه يتراقص فرحًا لا يعلم ما حل به، ليجد ذاته يرحب بها وينطلق بالسيارة وعلى وجهه وجهها بسمة لا تنم غير على حماس لا مثيل له

—————–

أبتاع لها خاتم من الذهب الأبيض المرصع بأحجار صغيرة من الألماس فقد قامت هي بأنتقاءه بنفسها وصممت عليه رغم بهظ ثمنه، فما كان منه غير أن ينصاع لرغبتها

ولساعات عدة كان يتسوق معها دون تذمر أو كلل بالعكس تمامًا كان مستمتع وسعيد للغاية كونها أرضت غروره وإنصاعت لكل رغباته بكل ما يخصها، انتقى كل ما لفت نظره أما هي فقد فاجأته بأختيارتها لأشياء غير مألوفة له وكم استغرب كم هي جريئة و منفتحة لذلك الحد ولكن لا ينكر أنها راقته بشدة وخاصةً أن اختياراتها واثقة لا تتردد بالحصول عليها، تعرف ما تريد على عكس زوجته تمامًا مما جعله ولأول مرة يشعر بالرضا

وتكاد تتسع بسمته من الأُذن للأُذن وهو يخرج بطاقته الائتمانية ويناولها للمختص كي يسدد منها ثمن مقتنياتها وهو يمني نفسه بالسعادة برفقتها بعد زواجه منها

————————–
يوم مليء بالمرح، لم تترك لعبة واحدة ولم تشارك الصغيرة بها وكأنها تماثلها بالعمر، فكانت ضحكاتها عفوية صاخبة تتردد على مسامعه كالحن عذب يراقص كل حواسه، وكم راقه عفويتها وبساطتها معه ومع بنت شقيقته وها هو يجلس بجوارها يتناولون المثلجات أثناء

مشاهدة الصغيرة وهي تلهو داخل ذلك الركن المؤمن للأطفال

فقد لوحت الصغيرة لهم بسعادة تدل على استمتاعها، لوهلة تعلقت نظراته ب “ميرال” وهي تلوح لها ببسمة ساحرة لأول مرة يراها تغلف ملامحها، ليتنحنح كي يجلي صوته ويقول:

-طمطم شكلها حبيتك

أجابته وهي مازالت محتفظة ببسمتها:

-وانا كمان حبتها اوي واول مره اجي الملاهي وانبسط كده

أبتسم وبندقيتاه تتعلق بها وهي تلتهم المثلجات التي أصرت انها تكون بنكهة الفراولة التي تشابه حباتها الذي دون قصد وجد عينه تتركز عليها، لتتسع بسمته ويشير على زاوية فمها قائلًا:

-هنا في أيس كريم

ارتبكت وقطمت شفاهها تمسح فمها وهي ترفع فيروزتاها له لتنتفض دواخلها عندما وجدت عينه تتجول على ملامحها ببطء وكأنه يدرس تفاصيلها وكم راقتها نظراته المغلفة بالاهتمام التي لم تحظى به من قبل، ومع تشابك نظراتهم دق ناقوس الخطر بعقله يخبره أنه تخطى حدود منطقه، ليزيح عينه بعيدًا ويسألها كي يؤد ذلك الشعور بداخله:

-كنتِ بتروحي مع والدك؟

كانت مازالت مرتبكة ولكنها أجابته بنبرة تحمل بين طياتها الكثير وهي تنظر لنقطة وهمية بالفراغ:

-لأ بابا كان علطول مسافر أو مشغول و داده “مُحبة” هي اللي كانت بتوديني الملاهي بعد ما أقعد اتحايل عليها ومكنتش بتركب معايا

لتحين منها بسمة باهتة وهي تستعيد ذكرايتها من جديد:

-حتى مرة قعدت أعيط كان نفسي أدخل بيت الرعب بس هي مرضتش ابدًا ولما اقترحت أنها تدخل معايا قالتلي انها عندها القلب ومش هتستحمل

تنهد في عمق ثم مسد جبهته بِسبابته وابهامه وهو يدرك تدريجيًا سبب ما توصلت له، ليجد ذاته ككل مرة يتعلق الأمر بها يضرب بكل شيء عرض الحائط، ويقترح بحماس وهو يسحبها من يدها بعدما نزع المثلجات منها:

-طب يلا

عقدت حاجبيها وتسألت بشدوه وهي تطالع قبضة يده على أناملها:

– على فين؟

أجابها ببسمة مشاكسة وهو يجرها خلفه:

-هندخل بيت الرعب ومتقلقيش العبد لله قلبه حديد وهيدخل معاكِ

أتسعت بسمتها وهي لا تصدق أنه سيفعلها ولكن عندما جلسوا سويًا بعربة واحدة وسارت بهم في ذلك السرداب المظلم لا تذكر شيء غير صراخها الممزوج بضحكاته وتشبثها به كالأطفال تنتفض من شدة ذعرها،

غير عابئة أن ذلك القرب يدعم تلك البراعم المتنامية بقلبه
(ميراكريم)
———————–

ترفض وتستنكر كل شيء حتى أنها تمردت على مشاعرها التي تكاد تقتلها قهرًا

فمنذ ذكرى وفاة والدتها واحتوائه لها و زيارة خالها وهي لا تعرف ما أصابها، تنظر له نظرات هي ذاتها لاتعرف ماهيتها، تشرد في معاملته وتشعر بالتشتت وخاصةً عندما صدق بوعده ومنحها بعض من المساحة لذاتها ورغم حظره وتلك التعليمات اللعينة التي يغدقها بها إلا أنها كانت تتغاضى عن ذلك الشعور بداخلها الذي سطع واكتسح تمردها حين سمحت له بتقبيلها لا والأنكى أنها بادلته وكانت مأخوذة بدفء ذراعيه، فقد أدركت حينها أن ذلك الشيء التي طالما تخوفت منه قد حدث ولابد أن تسترد عزيمتها من جديد وتتمرد على سطوة مشاعرها التي تنجرف نحوه وعند تلك الفكرة أخذت تلعن ذاتها بصوت جهوري وهي تتدلى من سيارة الأجرة التي أوصلتها لوجهتها وظلت تسأل ذاتها كيف أحتل تفكيرها هكذا وكيف استدرجها وجعلها تتهاون في سبيل انتقامها لتوبخ ذاتها بتمرد كعادتها:

– انتِ اتجننتِ باين عليكِ ……اوعي تنسي ده الراجل اللي ذَلك هو وأمه وكانوا سبب في موت أمك

اوعي تنسي ….يا “نادين” لتتناول نفس عميق وكأنها استعادت لتوها روح الأنتقام بداخلها وذلك التمرد الذي سيكون سبب نكبتها، وأخذت تتأمل أضاءة لافتة المكان المنشود ثم حانت منها بسمة منتصرة متشفية كونها عاندته وتغلبت على كبته لحريتها وتحجيمها فقد

استغلت سفره وكعادتها فرت من المنزل بوقت متأخر بعد أن خدرت “ثريا” كالمرة السابقة.

رحبوا بها أفراد شلتها وأخذوا يرقصون ويهللون ما ان رأوها، ولكنها لم تعير أحد منهم أي أهتمام فهي هنا لغرض واحد فقط هو أن تعود لتمردها وتنفضه من تفكيرها فقد رقصت، شربت، حتى انها سحبت من أحدهم سيجارة غير بريئة بالمرة وظلت تنفثها، كانت في حالة من الجنون لم تعي لشيء سوى رقصها بين ذلك الحشد من الشباب إلى أن شعرت بقبضة من حديد تقبض على ذراعها وتجرها خارج نطاق حلبة الرقص، تألمت بقوة وصرخت:
– سيب ايدي أنت اتجننت

دفعها بقوة نحو المرحاض وحين دلفوا للداخل أغلق بابه ولم يهتم بتفقد حجراته إن كانت شاغرة، أم لا، فكل ما كان يشغله حينها هو كيف تمكنت من التواجد هنا دون اخباره.

– بتعملي ايه هنا وازاي سمحلك تخرجي وليه مكلمتنيش؟؟

لوحت بيدها وأخبرته بثمالة :

-جاية اتبسط…وبعدين أنا مصدقت هو يسافر جاي أنت بتخنقني

جذبها مرة آخرى ودون أي مقدمات كان يضع رأسها تحت صنبور المياه الباردة كي تفيق، دفعته عنها و اعادة صراخها به:

– انت مجنون سيبني يا “طارق”

أجابها في عصبية وبنبرة قاتمة:

– لأ مش هسيبك غير لما تفوقي، وتقوليلي بتتهربي مني ليه؟

تقهقرت بخطواتها وهي تمرر يدها بخصلاتها التي بللت ملابسها و تأففت:

– يوووووه … علشان أنت غبي وهتفضحنا وكمان مش بحب اللي يخنقني ويفرض عليا حاجة
(ميراكريم)
لا يعلم لمَ تذكر حديث”ميرال” لتوه مما جعله يقبض على ذراعيها ويصرخ بها:

-أنا مش بخنقك وبعدين أنا مش زي حد …هو الغبي مش أنا ولو فاكرة انك هتعرفي تستغفليني زي ما بتعملي معاه تبقي غلطانة أنا لحمي مر يا “نادو” ومش واحدة زيك اللي هتعرف تلاعبني

ابتلعت ريقها بعيون زائغة من تهديده الصريح لها ولكنها لم تود أن تشعره بوطأة حديثه في نفسها لذلك هدرت بثبات مصتنع تدعي عدم الاكتراث:

-أنا زهقت من غبائك…

غلت الدماء برأسه بعد نعتها له بالغبي مرة آخرى ليقبض على رسغها يعتصره ويجذبها له لترتطم بصدره قائلًا من بين أسنانه:

-يعني افهم إيه من كلامك ده؟

تلوت بين يده ودفعته بصدره كي يحل وثاقها هادرة بإنفعال وبشراسة:

-أفهم زي ما تفهم وأبعد عني…

احتدت سودويتاه بغضب قاتل وهو يسيطر على حركتها ويقبض على رسغها الأخر يحكم قبضته عليه خلف ظهرها، ومع تلويها بين يده وسبها أياه كان يستغل الأمر لصالحه بدهاء و ينقض بشفاهه يُقبلها قبلة قاسية دون أي رحمة، جحظت عينها وظلت تدفعه بكل ما أوتيت من قوة ولكنه كان كالسد المنيع أمام دفاعاتها فما كان منها غير أن تقطم شفاهه بأسنانها مخرجة دمائه، ليبتعد هو ويلعنها وهو يتلمس فمه الذي يقطر دمٍ وقبل أن يصدر منه أي ردة فعل أخرى كانت تباغته بلطمة قوية على وجهه نزلت كالصاعقة عليه لتهرول هاربة من أمامه وهي تمسح شفاهها بتقزز وتشعر أنها ستتقيأ من شدة نفورها و اشمئزازها وقبل أن تهم بالخروج من المكان كان هو يحاول جذبها قسرًا، لتصرخ مستغيثة وحينها تدخل أحد أفراد الأمن كي يردعه عنها ولكن “طارق” ثارت ثائرته وهاجمه وما إن تدخل رفاقه وانضم أفراد الأمن لهم تفاقم الأمر وأدى إلى شجار محتد بين الطرفين، ليصبح المكان في غضون دقائق إلى حطام مما جعل مالك المكان يستدعي الشرطة لكي يفض التشابك ويصحبهم جميعًا على قسم الشرطة

———————
– انت بتقول ايه قسم أيه ؟

قالها “يامن” بشدوه تام بعدما تلقى أحد المكالمات الهاتفية التي أتته من القاهرة تخبره بتواجدها بأحد الأقسام ليلعن تحت انفاسه الغاضبة ويرتدي ملابسه بعجالة وما أن وصل لسيارته، أجرى مكالمة هاتفية بالمحامي الخاص به وأخبره أن يسبقه إلى هناك وانه سيأتي على الفور، لينطلق بسيارته بسرعة جنونية تارك خلفه عاصفة ترابية تشابه عاصفة قلبه.

ترى ماذا سيكون مصيرها على يده حين يعلم بواحدة من تلك الخطايا التى تظنها هي بريئة مبررة في حين هي لم تكن إلا آثمة، فادحة، في حق ذاتها قبل أي شيء.

حقًا لن أشفق عليكِ أيتها المتمردة وقد آن الآوان أن تجنين ثمار ما زرعته يدك الآثمة

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى