Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل السابع عشر 17 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل السابع عشر 17 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل السابع عشر 17 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل السابع عشر 17 بقلم إسراء علي

إن الحُب لهو دربًا للمجانين 
فـ العاقل لا يتخذ الحُبَ طريقًا… 
أوقف عُميّر السيارة في مكانٍ بعيدٍ نسبيًا ثم نظر إلى حوراء النائمة لعدة ثوان يسترجع ما قاله والدها، كُلما نظر إليها كُلما عاود الحديث طرق رأسه بـ مطارق حديدية ثقيلة
“عودة إلى وقتٍ سابق” 
كان ذلك بعدما تم وصولهما إلى منزل حوراء بعد دفن جُثمان والدتها، كان بـ الفعل يوجد به القليل من الأقارب، ليتوجه كُلًا منهما إلى رفعت الذي يقف كـ التائه، فـ إقترب منه و ربت على كتفه لينتفض على ربتة يده، و لكن عُميّر أومأ و قال 
-البقاء لله 
-و نعم بالله… 
لم ينتظر عُميّر أن يسأله عن حوراء فـ أردف مُطمئنًا 
-حوراء مع كيان و هي نايمة دلوقتي
-أومأ رفعت و قال بـ شرود:شُكرًا… 
عاود حوراء الربت على كتف رفعت الذي أمسك يده فجأة و قال بـ صوتٍ ضعيف
-عايزك شوية فـ مكتبي يا عُميّر 
-وافق عُميّر بلا تردد:حاضر… 
تبعه إلى المكتب و أغلق الباب خلفه، بينما رفعت إتجه إلى النافذة التي تطل على حديقة المنزل، فـ تُظهر الذاهب و الغادي، ثم قال بـ غرابة و كأنه لا يعرف نفسه البتة
-هطلب منك طلب و إوعدني توفيه
-قطب عُميّر جبينه و قال:لو فـ إيدي أعمله مش هتردد
-إستدار إليه و سأله:حتى لو فـ مصلحة حوراء!… 
توجس عُميّر قليلًا و بدت الصدمة على ملامحهِ، و لكنه أومأ بـ رأسهِ بـ بُطء، ليستطرد رفعت حديثه بدى الأمر و كأنه يسير على الجمر فـ زاد من قلق عُميّر 
-بعد موت والدتها، مبقتش عارف دوري إمتى
-قاطعه عُميّر:ربنا يديك الصحة 
-لم يهتز رفعت و أكمل:الموت حقيقة فـ حياة كُل واحد فينا، و أنا خايف على حوراء من قرايبها محدش هيرحمها… 
سؤال صامت لاح في الأجواء من حولهما فـ أجابه رفعت على مضض
-لما طلبت من كيان تاخد حوراء معاها عشان سفر العلاج، دا عشان الوحيدة اللي هقدر أأمن عليها معاها، و زي ما رجعتلي سليمة الفترة اللي فاتت فـ أكيد هتفضل سليمة الباقي 
-توقفت أنفاس عُميّر و سأل بـ عدم فهم:مش فاهم حضرتك تُقصد إيه!… 
إقترب منه رفعت و وقف أمامه ثم وضع يده خلف ظهرهِ يقبض عليها حتى لا يُظهر ضعفه لـ الذي أمامه و قال بـ نبرةٍ شحيحة
-يعني حوراء فـ أمانتك يا عُميّر، إتجوز حوراء… 
كان يظن أنها مزحة لو أنه إبتسم قليلًا، لكن لا الوقت و لا المكان يسمح بـ هذا حتى الظروف قاسية لتخرج منها مزحة شديدة المرح كـ تلك، ليتراجع عُميّر خطوات ثم هتف بـ صوتٍ تائه
-حضرتك بتكلمني أنا! 
-أجاب بـ صلابة:محدش غيرنا فـ الأوضة… 
مسح عُميّر على وجههِ بـ توترٍ بالغ ثم هتف موضحًا يُحاول إستيعاب ما يُقال 
-حضرتك واعي لـ اللي بتقوله؟ أتجوز حوراء! بصرف النظر عن فرق السن اللي بينا، بس حضرتك بتقول لغريب يتجوز بنتك! أنت متعرفش عني حاجة
-كفاية إنك أخو كيان… 
بهت وجهه لـ لحظةٍ و نظر مصعوق إلى رفعت، ذلك الرجل يثق بـ شقيقتهِ ثقة عمياء و لكن أنِّى له هذه الثقة به؟ صحيح هو لن يأذي حوراء بـ أي شكل و لكن لماذا هو تحديدًا 
مئات من الأسئلة دارت داخله و لكن لم يجد إجابة على أيٍ منها، فـ فَضَّلَ الصمت و رفعت أكمل يضغط عليه 
-متقلقش يا عُميّر، أملاكِ إعتبرها ملكك و بتاعتك، مش هتطلع خسران… 
كاد أن ينفجر به غضبًا، هو قط لم يُفكر بـ المال، بل كيف له أن يأمنه على تلك الصغيرة، عاود يمسح على وجههِ بـ غضب و عصبية ثم قال بـ صوتٍ حاول أن يخرج هادئًا و لكنه فشل ليخرج موازيًا لعصبيته و شيء من رد كرامته المُهانة
-الفلوس دي آخر حاجة مُمكن أفكر فيها، أنا كُل همي حوراء إنـ
-قاطعه رفعت:و أنا أكبر همي بنتي، هساعدك يا عُميّر و فـ المُقابل ساعدني… 
صمت عُميّر و غام وجهه بـ تعبير غيرِ مقروء ليستطرد رفعت و هو يتقدم منه و يضغط على كتفهِ، و ضغطته كانت رجاء و توسل أذى قلبه
-عشان خاطر بنتي متسيبهاش… 
“عودة إلى الوقت الحالي” 
خرجت تنهيدة حارة لا تنُم عن شيء و قرر التفكير لاحقًا، نزع حزام الأمان و هبط و فعل المثل لحوراء ثم جثى أمام مقعدها، و ربت على وجنتها يُناديها بـ خفوت
-حوراء، إصحِ وصلنا البيت… 
كانت الرد تململ بسيط أعقبه بعد ثوان فتح عينيها، ليُبعد خُصلاتهِا عن وجهها ثم قال بـ صوتٍ حنون لم يستطع إخفاء الحُزن به
-باباكِ مستنيكِ جوه… 
أومأت حوراء بـ صمتٍ و هدوء أثارا قلقه، و لكنه آثر الصمت و إبتعد حتى تترجل، و حينما نهضت حوراء وجدت ساقيها لا تستطيعان حملها فـ كادت أن تسقط لولا يد عُميّر التي أمسكت بها، ليسألها بـ قلق
-أنتِ كويسة؟!…
أومأت بـ صمتٍ تام و حاولت الحركة و هي تُبعد يده، إلا أنها لم تستطع الحركة و تعثرت من جديد، حينها زفر عُميّر بـ ضيق، ثم إقترب و حملها، إتسعت عينيها و لكنها لم تجد القُدرة على الحديث، بل تمسكت به و سار هو بها إلى الداخل
*******************
أبت أن تجلس لثانية واحدة رغم ضعفها الشديد، حتى أنها أبت أن تصعد إلى غُرفتها بل ظلت واقفة جوار والدها تبكي بـ صمتٍ عبرات فقط تتحرك على طول وجنتيها، و رفعت يحتضن صغيرته بـ شدة حتى لا تسقط 
و في زاوية قريبة منهما كان عُميّر يقف و ينظر إليها بين الحين و الآخر، ذهنه مُشتت بينها و بين ما دار مع والدها قبل ساعات، تتجهم معالمه و تتعقد كُلما تعمق في التفكير، ليُخرج تنهيدة ثقيلة بعدها 
أحس بـ إهتزاز الهاتف في جيب بِنطالهِ فـ أخرجه ليجد كيان تُهاتفه، إستأذن من الجموع و خرج ثم فتح الهاتف و أجاب 
-أيوة يا كيان… 
في طريقهِ إصطدم بـ أحدهم فـ إعتذر عُميّر بينما أومأ الآخر دوم أن يلتفت إليه، فـ قطب جبينه و تابع دخول ذلك الرجل قبل أن يعاود الحديث مع كيان التي سألته
-أخبار حوراء إيه يا عُميّر و مستر رفعت! 
-تنهد و أجاب:طبعًا مش كويسين، لازم تيجي لحوراء… 
ركل عُميّر حصى صغيرة يُريد أي شيء يُلهيه عن التفكير الذي أكل خلاياه، ليأتي رد كيان 
-متقلقش يا عُميّر أنا بحضر شنطة حوراء و شنطة ليا و هاجي
-تمام، هجيلك عشان أخدك
-نفت قائلة:لأ، أنا جاية مع جدو، خليك جنب مستر رفعت… 
وافق عُميّر و أغلق الهاتف و لم يعُد إلى الداخل، بل قرر الوقوف خارجًا يتنفس هواءًا مُنعشًا عله يُنقي ما يدور بـ رأسهِ  من أفكار غريبة
و في الداخل، كان قُتيبة يقف بعيدًا عن الجميع، ينظر إلى إطار الصورة من جميع الإتجاهات و لم يفهم سر ذلك الحُزن الذي بدى حقيقيًا على أوجه البعض و مُزيفًا على الآخر، لم يعرف كيف يحزن على فُقدان شخص، عاداها، والده لم يحضر جنازته قط و لم يحزن عليه
لم يكن الحُزن رفاهية يستحقها من الأساس، قُتيبة تعلم تبلد المشاعر و قسى أكثر من قبل، والدته حتى لم تكن معه يوم زفافه لقد سيطر عليها حقدها و تركته وحيدًا، الفجوة تزداد في كُل مرةً يُخبر نفسه أنه يستطيع أن ينجو
و لكن لا يستطيع لوم والدته بـ النهاية هي سيدة بسيطة قذفها جهل الأهل لتتزوج بـ رجلٍ لا يمُلك من الحياة شيئًا سوى يده، و كأن عليها أن تتحمل الحياة فقط لأجلهِ و هو لم يُرد ذلك، أرادها أن تهرب لتتحرر ليتحرر هو الآخر
و لكن بـ النهاية لم يحدث و أصبح قاتل، أصبح يُطارده لقب “قاتل والده” قد يرى الجميع أنه لقب مُخيف و لكن بـ نظرهِ كان لقب أعطاه الحُرية
و وسط كُل ذلك كان يرى في حوراء نفسًا صغيرة ضمها ذات ليلة حينما خسرت والديها في ليلةٍ واحدة، كان هو ملاذها في ذلك الوقت و كانت هي تائهة كـ ورقة شجرة أُقتلعت بـ واسطة الرياح و تاهت، بَعُدت عن موطنها فـ أصبحت فقيرة و ماتت بـ النهاية ذابلة
كان عليه أن يرى كُل ذلك و يعيشه معها حتى خرجت و عادت كيانه إلى الحياة، حينها إستطاع أن يعود هو أيضًا إلى الحياة، هذه هي المرة الوحيدة التي إختبر فيها الحُزن و كان لأجلها
لمح شخصًا غريب يدخل دون أن يُلقي التحية على أحد، أو حتى يُقدم تعازيه لـ رفعت، بل جلس وسط الجموع فقط دوم حديث، لم يأبه و نهض ليخرج قليلًا، تلك الأجواء خانقة بـ شدة 
ذلك الشخص الجالس عينيه لم تزُل عن حوراء، نظراته ما بين الغضب و الحقد الذي أحرقه مُنذ زمن، نظرات يُلقي بها رفعت فـ يتمنى لو تقتله، لقد سرقها مُنه مُنذ سنوات و ها هي ماتت بـ سببهِ و لم يستطع أن يراها
لقد سرقها، هو من أحبها الأول، هو أول من عرفه عليها، كان صديقه و لكنه سرق ما لم يملكه من الأساس، و أختارت صديقه رفعت عليه، فضلت ذلك الأحمق الذي شق طريقه من البداية عليه هو الذي وُلِدَ بـ ملعقة ذهب في فمهِ
ثم ينظر إلى تلك الصغيرة التي تُشبهها إلى حدٍ كبير، فـ ترق ملامحه و يتذكر الأيام الخوالي و يتذكرها هي، تلك الصغيرة هي التعويض العادل عن سرقة والدها لحبيبته
********************
في الليل
عاد قُتيبة إلى المنزل وحيدًا بعد إصرار كيان على البقاء مع حوراء و لم يستطع الرفض، و لكنه عاد مُثقل القلب و يشعر بـ البرودة بعدما عاد و هي ليست معه، يشعر أنها خرجت و لن تعود، بـ الأحرى هربت
كان سيبقى معها بـ المنزل و لن يتركها و لكنه صدقًا وبخته بـ عُنف قائلة أن تملكه لن يصل إلى حد حُزن حوراء، إلى هُنا و يجب أن يتوقف، لذلك عاد خالي الوفاض
صعد الدرج ليجد والدته تجلس أمام الشقة تضع يدها أسفل وجنتها و تنظر بـ شرود إلى الفراغ بـ سخط إبتسم بـ سُخرية ثم صعد الدرجات المُتبقية و قال بـ نبرةٍ ساخرة، عديمة المشاعر 
-نورتِ يا غالية، جاية تفتكري إن إبنك إتجوز بعد إسبوعين… 
خرجت من شرودها على صوتهِ الساخر لتنهض و سخطها يزداد لتهدر و هي تضع يدها بـ خصرها و الأُخرى تُشيح بها في كُل إتجاه 
-ما إبني الوحيد إتجوز بدون رضايا… 
تنهد قُتيبة بـ يأس و فتح الشقة ثم إبتعد و قال بـ فتور 
-هتدخلي و لا جاية تسمعيني كلمتين و تمشي
-دفعته و قالت:إوعى… 
إبتعد قُتيبة و تبعها ثم أغلق الباب، بحثت عن كيان في أرجاء الشقة و تأملتها بـ عدم رضا ثم تساءلت بـ إبتسامة هازئة
-أومال السنيورة فين! طفشت و لا إيه! 
-إصطكت أسنانه بـ غضب و قال:يا مُثبت العقل و الدين يارب… 
وضع يده في خصره و ألقى بـ المفاتيح فوق الطاولة ثم أجاب بـ قنوط 
-حصل حالة وفاة لمعرفة و إضطرت تبات هناك 
-ضحكت ساخرة:لأ فيها الخير و حنينة على الكل ما عادا جوزها… 
كظم قُتيبة غيظه و نظر إليها بـ أعين سوداء قبل أن يردف بـ نبرةٍ خالية من المشاعر 
-جاية تنكدي عليا و لا تباركيلي مُباركة متأخرة!… 
زمت شفتيها بـ عدم رضا، ثم رفعت حافظة نقودها و أخرجت مبلغ مادي تضعه بـ يدهِ قائلة بـ إستنكار 
-عمامك باعتينلك نُقطة جوازك و بيباركولك، مع إنهم زعلانين منك و بيقولوا لك تعالى البلد مع العروسة… 
نظر إلى المال بـ أعين مُظلمة و مشاعر من الكُره و النفور تلوح من حولهِ و لكنه إلتقط المال فقط هو بـ حاجةٍ إليه، ثم ربتت والدته على كتفهِ بـ سُخرية و قالت 
-ألف مبروك يا عريس، و خلي الفلوس تدفيك بدل مراتك… 
عليه أن يصمت و يتحمل إنها والدته في النهاية، عليه أن يُحافظ على ما يكنه لها من مشاعر صغيرة من الإحترام، بعض الإمتنان لأنها حافظت عليه و أنجبته للحياة، و إنتظر خروجها حتى يلتقط مزهرية ذات قيمة مُنخفضة و قذفها تجاه الحائط
تنفس بـ غضب و برزت عروق نحره و ذراعيه اللتين كانتا مشدودين بـ حدة ثم إرتمى جالسًا فوق الأرض، يرفع ساق و يضع ذراعه فوقها و من ثم وضع رأسه و حدق في الفراغ، ليتها كانت معه الآن، تُعانقه و تُخبره أنها معه
كانت ستطيب أوجاعه
بعد عدة مُحاولات من النوم التي باءت بـ الفشل نهض بـ وجهٍ مُكفهِر، كان يعلم أنه بعدما إعتاد على النوم و هي في أحضانهِ، أنه لن يزُره مُجددًا، أنه لم يعتاد أبدًا أن تُفارقه، لذلك نهض دون أن يهتم بـ تبديل ثيابه فـ إلتقط مُتعلقاته الشخصية و خرج من المنزل البارد
و إتجه إلى حيثِ تلك التي تضني عليه بـ مُكالمة صغيرة تطمئن فيها على حالهِ الذي لا يسُرُ أبدًا، و بعد القليل من الوقت و الكثير من الإنتظار لينتهي الطريق، وجد نفسه أمام المنزل الذي تركه صباحًا
و وقف ينظر إلى النوافذ المُظلمة، ثم رفع هاتفه و أجرى إتصالًا بها، إنتظر ثوانٍ حتى أتاه صوتها الناعس، الذي مُزجَ بـ الدهشة
-قُتيبة!! خير في حاجة!
-هتف بـ هدوء مُظلم:فيه كتير، إنزلي…
سمع أصوات تكهن منها أنها تنهض عن فراش و تبتعد، و بـ الفعل لاحظ أن إحدى النوافذ تُفتح ليجدها تنظر إلى الخارج بحثًا عنه، فـ إنتظرها حتى تجده دون أن يُطلعها على مكانهِ
لحظات مرت قبل أن يجد نظرها يُثبت على النقطة التي يقف بها ثم قالت بـ همسٍ مجنون
-بتعمل إيه فـ الوقت دا يا قُتيبة! و بعدين مش هتبطل عادتك دي!
-تجاهل غضبها و هتف:كيان إنزلي محتاجك…
ساد الصمت المُخيف بينهما، و على الرغم من المسافة البعيدة بينهما إلا أنهما أحسا و كأن عين الآخر تخترق روحه، سمع صوت تنهيدة ثم صوتها و هو يقول بـ إقتضاب
-أنا نازلة أهو…
أغلقت الهاتف و إنتظر قدومها إليه بـ فارغ الصبر، لقد حقًا إعتاد على ذلك مُنذُ فترة، كُلما جافاه النوم يأتي إليها، قد لا يراها و لكن ذكرى قديمة تلوح في ذاكرته بـ وقتٍ سابق يجعل و كأن تلك الذكرى حقيقية، و أنه يلمسها و تبتهج روحه، ثم يعود و ينام لتزوره في أحلامهِ مُمسكةً بـ يدهِ ضاحكة، ومُعترفة بـ حُبها له
كانت عادة من الصعب التخلي عنها
وجدها تقترب منه ترتدي منامة شبه ثقيلة و تضع وشاح حول جزعها العلوي، ثم فتحت البوابة و إقتربت منه تقول بـ نبرةٍ شبه غاضبة
-قُتيبة مينفعش اللي بتعمله فـ…
قاطعها قُتيبة و هو يُمسك يدها ثم جذبها إلى يُعانقها بـ كُلِ قوته، مُريحًا رأسه فوق كتفها قريبًا من عُنقها النابض، ثم همس بـ نبرةٍ أجشة
-هشششششش، سبيني كدا شوية…
تفاجئت كيان و تصلب جسدها، و لكن عندما سمعت صوته الذي كان مُتعبًا بـ شدة، تألم قلبها لأجلهِ و عانقته هي الأُخرى ثم مسحت على خُصلاتهِ من الخلف في صمتٍ أرادت ألا تُفسده، ربُما لن يتكرر مرةً أُخرى
إستمر هذا الوضع حتى فترة عجزت بها كيان عن الوقوف على قدميها نظرًا لأحداث اليوم، لتقول كيان بـ توسل
-قُتيبة أنا تعبت من الوقوف، ممكن أدخل!…
أبعدها عنه و أبعد خُصلاتهِا التي إلتصقت بـ لحيتهِ الخفيفة ثم قال و هو يُحدق بها كأنه لم يسمعها، و بـ الأحرى يتشرب ملامحها داخله
-أنتِ لازم تتحجبِ، مينفعش كدا!…
نظرت إليه بـ ذهول بـ ماذا يهذي هذا المجنون بـ حق الله؟ تُخبره أنه تعبت و هو يُخبرها أن عليها أن ترتدي الحجاب، تنهدت كيان و قررت التجاهل فـ هي لا تمُلك الطاقة لذلك
-هنشوف الحوار دا بعدين، بس حاليًا أنا بجد تعبت من الوقفة…
شهقت بـ صدمة حاولت فيها السيطرة على علوْ صوتها حينما جذبها قُتيبة ليجلسا على الأرض التُرابية دون أن يأبه بـ إتساخ ثيابهما، لتهدر كيان بـ غضب
-أنت مجنون…
وضع قُتيبة رأسه على كتفها دون أن يرد عليها لعدة لحظات، قبل أن يقول بـ نبرةٍ مُتعبة قد تكون ميتة
-مشبعتش منك لسه…
رده أجبرها على الصمت فـ صمتت، و قررت إقراضه كتفها ليستريح فوقه قليلًا ثم قالت بـ إبتسامة مازحة
-و لا عُمرك هتشبع…
كان تقصدها مزحة لا تعلم أنه أخذها على محمل الجد، ليتشابك معها الأيدي و يُحدق بـ كفها المُزين بـ حلقتهِ الذهبية ثم قال بـ صوتٍ عنيف على الرغم من خفوته
-هو فيه حد بيشبع من المايه!!…
توقفت أنفاسها و لم تستطع الرد على ذلك الهجوم المُباغت لمشاعرها، ثم إستطرد حديثه و هو يضغط على كفها أكثر
-ليه مش مصدقة إني مليش حياة بعدك يا كيان!…
كادت أن تبكي، تعلقه بها كـ تعلق طفل صغير بـ والدتهِ، و هذا لا يقتُلها بل تشعر بـ ثقلِ كاهلها، و لكنه شعور لذيذ جدًا، وجدت كيان تشد على يدهِ هي الأُخرى ثم أراحت رأسها فوق رأسهِ و قالت بـ نبرةٍ مُستسلمة
-لأ مصدقة، لأني زيك بالظبط…
********************
في صباح اليوم التالي
كانت كِنانة مُتجهمة الوجه كـ العادة و لكن هذه المرة كان الخجل هو سبب التجهم، لقد تفاجئت بما فعله وقاص و منها أيضًا، و تعامل معها و كأن شيئًا لم يحدث و عاد إلى عادتهِ القديمة، هي ليست غاضبة بل هذا مُريح أكثر، هكذا لن تشعر بـ الإمتنان
رتبت كِنانة الأوراق ثم قالت بـ عملية شديدة دون النظر إلى وجهِ وقاص شديد التركيز على الطريق
-حضرتك كدا فاضل meeting واحد فـ الأوتيل، و جدولك يخلص، ممكن تاخد باقي اليوم راحة…
الدهشة سيطرت عليه و لم يجد القُدرة على الرد، و لكن كِنانة لم تلحظ هذا فـ إستطردت مُكملة
-هيكون فيه شوية تعنت منهم لكن معايا معلومات تقدر نخلينا يلينوا شوية…
إنتظرت سؤاله عن تلك المعلومات و لكن كُل ما قابلها هو الصمت، فـ نظرت كِنانة إليه قاطبة جبينها بـ ضيق ثم تساءلت بـ شبه عصبية
-هو حضرتك مش سامعني و لا مطنشنـ…
توقفت كِنانة عن الحديث و هي تراه ينظر إليه كما لو أنه يحل مُعادلة شديدة الصعوبة، لترفع حاجبها و تسأل
-خير في حاجة!…
بادل وقاص ما بين الطريق و بينها ثم قال بـ صوتٍ شديد التعجب و الحيرة
-أصلك بتتكلمي بـ إحترام معايا، من إمتى و أنتِ بتقولي حضرتك؟!…
فغرت كِنانة شفتيها بـ صدمةٍ هي الأُخرى، حقًا مُنذ متى تتحادث معه بـ هذه الرسمية، يبدو أن ذلك الحدث قد أثر على خلاياها بـ الكامل
تُريد الحديث و إخباره أنها تشعر بـ الخجل و لكن فمها جاف و مُجمد تمامًا، ليبتسم وقاص و قال مازحًا
-أنا قولت كدا برضو…
أغاظها لتجد نفسها ترد بـ إنطلاقة لسانها المعهودة
-لو عايزني أكلمك بـ قلة أدب، عادي معنديش مشكلة
-تحولت إبتسامته لضحكة و قال:هي دي كِنانة اللي أعرفها…
حاولت كظم غيظها و لكنها لم تستطع فـ أغمضت عينيها و نظرت إليها مُلتفتة بـ جسدها كُله
-على فكرة أنا أقـ آآه…
تأوهت كِنانة حينما توقف وقاص فجأة و دون سابق إنذار، فـ جعل جسدها يرتد و كادت أن تُصدم، نظرت إليه بـ شرارة و قالت
-حد يقف بـ الطريقة الهمجية اللي وقفت بيها دلوقتي…
و لكن وقاص لم يُعرِها أي أهتمام بل كان يُحدق بـ تعابير شديدة التعقيد و القلق أمامه فـ نظرت إلى حيثِ ينظر و تساءلت
-أنت بـ بتبص علـ…
توقفت من جديد عن الحديث و هي تجد أمامها شخصين يسدان الطريق أمامهما، يحملان أسحلة بيضاء و عصىً غليظة بـ أيديهما، لتقول بـ همس مُرتعب
-هو في إيه!
-قبض وقاص على المقوّد و قال:فيه إننا هنثبت حالًا…
شحب وجهها و نظرت إلى الرجُلين اللذين يقتربان منهما ثم قالت و هي تُمسك يده بـ إرتجاف
-أكيد بتعرف تضرب!
-همس بـ أسفٍ شديد:لأ للأسف بتضرب بس
-صرخت بـ شراسة:أنت بتهزر!!
-يعني هو دا وقت هزار…
أغلق وقاص النافذة بـ القفل الداخلي و إنتظر ما سيحدث تاليًا، خوفه على تلك الجالسة جواره، مهما بلغت شراستها و عشوائيتها هي تظل فتاة، طرق أحدهم على النافذة بـ وجهٍ مُنتصر، و نظر وقاص حوله لن يجد أحدًا يُساعده في هذا الطريق الشبه مقطوع
عاود الطرق من جديد و حركة شفاه الرجل يفهمها
-إنزل…
قبض وقاص على المقوّد أكثر ليقول و هو ينزع حزام الأمان
-إقفلي العربية عليكِ و إتصلي على عُبيدة هو اللي هيلحقنا بسرعة
-تمسكت به حوراء في جزع و قالت:أنت هتسبني و تنزل!
-قال وهو يربت على يدها:لو منزلتش هنتأذي إحنا الإتنين…
أبعد يدها و ترجل و تركها لـ الرُعب الذي يكتنف جميع خلايا جسدها، و تتبعت حركة وقاص مع الرجل، و بلا تردد هاتفت عُبيدة و صرخت
-إلحقنا، وقاص فيه ناس وقفته و مش عارفة هيعملوا معاه إيه
-أتاها صوته يقول بـ صدمة:ناس مين و أنتوا فين بالظبط!…
قصت عليه كِنانة بـ إختصار، كان يجب أن يلحق به و لكنه الآن سيأتي راكضًا، مسح عُبيدة على وجههِ و نهض مُسرعًا ثم قال بـ حزم شديد
-إسمعي كويس اللي هقولك عليه و تنفيذه بـ الحرف…
*******************
في الخارج
كان وقاص يسير مع ذلك الرجل بـ هدوءٍ تام على الرغم من توتر أعصابه داخليًا، ثم وقف مع الآخر ليهتف
-بالصلاة على النبي كدا، مدفوع فلوس عشان نضربك يا باشا و نعلم عليك…
رفع وقاص حاجبه دلالة على عدم تصديقه لحديث ذلك الرجل، فـ قال و هو يُخرج هاتفه
-بُص يا باشا مش دي صورتك!…
حدق وقاص بـ الهاتف و إتسعت عينيه، كانت صورة له إلتُقطت أمام منزله مع كِنانة، لينظر إلى الخلف فجأة بـ ملامح مصدومة ثم إلى الرجل و هتف في مُحاولة لتهدئة أعصابه
-الصورة دي جبتها منين!
-ضحك الرجل و قال:يا باشا أنا اللي واخد الصورة بـ نفسي
-تشنجت عضلات فكه و قال:هات الخُلاصة…
حك الرجل فكه ثم قال و هو ينظر إلى صديقهِ الآخر
-أنت مدفوع فيك خمس آلاف جنيه، هاخد ضعفهم منك و أسيبك أنت و السنيورة…
سيوافق بـ أي عرض ما دامت كِنانة ستكون بـ خير ليومئ وقاص قائلًا بـ جدية و نبرةٍ مشدودة
-تمام معنديش مشكلة، بس محدش فينا يتأذي
-شاطر يا باشا، بتخاف على نفسك…
بحث وقاص عن مال و لكنه لم يجد فـ قال و هو يتنهد
-ممعيش دلوقتي
-نتصرفلك يا باشا
-تساءل بـ عقدة حاجب:يعني إيه!
-أشار الرجل بـ يدهِ و قال:يعني تلفونك على الساعة الغالية دي على الفلوس اللي فـ جيبك و هسيبلك العربية عشان كدا كدا هتبلغ و هتقفش بيها…
أخرج وقاص بـ الفعل المال الذي كان بـ حوزته، الهاتف و ساعة يده و أي شئ قيم ثم قال
-لأ ناصح
-إلتقط الأشياء و قال:عيب عليك يا باشا، أنا بقالي سنين فـ الشغُلانة دي
-وضع وقاص يده في خصرهِ و قال:لأ صايع
-إحنا عملنا اللي علينا، سلام يا باشا…
كاد أن يرحل و لكن وقاص أوقفه و سأله
-مين اللي باعتك!
-إبتسم الرجل بـ سُخرية و قال:بس دي خدمة مش مجانية
-أشار وقاص بـ رأسهِ إلى ما في يد الرجل:اللي فـ إيدك أزيد من اللي طالبه
-لاماح…
تشاور مع صديقهِ ثم إلتفت إلى وقاص و قال بـ نبرةٍ خشنة
-واحد اسمه سعيد الجوهري…
صُعق وقاص و لكنه صمت، يعلم أنه يكرهه مُذ أن وقف أمام العائلة لإستعادة حق إيزيل و لكنهم رفضوا، فـ قام بـ مُساعدتها و أيضًا قوبل بـ الكُره الشديد، و لكن أن تصل إلى القتل؟ هذا ما لم يتوقعه
مسح وقاص على فمه بـ قسوة و حاول الصمود، ليقول بعدها
-بس إيه اللي صحا ضميرك فجأة!
-أجاب بـ سُخرية:ضمير إيه يا باشا، فال الله ولا فالك، الحكاية كُلها إني أستفيد منك و منه و أنت راجل بتقدر حياتك و أنا محبتش أكسفك
-غمغم وقاص بـ قنوط:كتر ألف خيرك يا ريس، خدمة مش هنساها…
ربت الرجل على كتف وقاص و كاد أن يصعد دراجته النارية خلف صديقهِ قبل أن يسمع لصوت صافرات الشُرطة، لينظر إلى وقاص المصدوم بـ شدة و قال بـ غضبٍ شديد و غلظة
-شوفت بقى إنك ابن *** متستحقش تعيش…
أمسك السكين و كاد أن يضرب وقاص و لكنه تفادها إلا أنه لم يستطع تفاديها كُلها فـ أصابت ذراعه، تأوه و سقط بينما الآخران فضلا الهروب عن طعنه من جديد
و من بعيد ما أن رأت كِنانة ما حدث حتى صرخت، و ترجلت من السيارة سريعًا ثم ركضت إليه صارخة بـ اسمه
-وقااص، أنت كويس!!…
جثت جواره و حاول الجلوس فـ ساعدته ثم عاودت السؤال من جديد و هى على وشك البُكاء
-أنت كويس!…
تفحص الجرح النازف و تأوه من جديد ثم قال و هو يعود بـ رأسهِ إلى الخلف
-كويس بس بستعبط
-ضربته بـ خفة و قالت:و دا وقت هزار….
نظرت إلى حيث هرب الرجلين ثم إلى الخلف و سألت
-بس هما هربوا ليه!.
-أجاب بـ تعب:تقريبًا عُبيدة جه و معاه البوليس…
وإنتظر كِلاهما وصول عُبيدة مع الشُرطة و لكن ظهرت سيارة صديقه فقط، ما الذي حدث بـ الضبط؟
إنتظر وصول صديقه الذي جثى جواره و تفحص صديقه بـ قلق ثم هدر عُبيدة بـ صوتٍ غلبه القلق عن حدتهِ
-أنت كويس جرالك حاجة؟!…
نظر وقاص إلى حيثِ سيارة صديقه و فهم الخدعة، ثم عاود بـ نظرهِ إلى عُبيدة و قال بـ تنهيدة
-كُنت هبقى كويس لو مجتش
-هدر عُبيدة:أنت بتهزر!
-أجاب وقاص بـ بساطة:ههزر ليه، دخلتك الغبية خلته يضربني بـ السكينة…
نظر إليه عُبيدة بـ تعجب فـ أطلق وقاص تنهيدة أُخرى و قال مُحاولًا النهوض
-ساعدني أقوم و وديني المُستشفى…
ساعده عُبيدة بـ صمت بينما نظر وقاص إلى كِنانة فـ وجدها ترتجف و تبكي، فـ مدّ يده و أمسكها ثم قال مُطمئنًا
-متخافيش، كل حاجة بـخير…
و كانت إشارتها لتبكي كِنانة بـ قوة و هو تركها تفعل ذلك دون شكوى، كما لو كان ينتظر أن تفعل فـ يُعانقها، إلا أنه لا يستطيع حاليًا
********************
لقد عَلِمَ عن وفاة والدتها من عُميّر صُدفة و أصابه الحنق و الذهول ثم الحُزن عليها، لماذا لم تُخبره عما حدث ليكون جوارها؟ أليس هو صديقها كما تدعي؟!
كان يتنهد بين الحين و الآخر و عمله قد إرتكب به العديد من الأخطاء و لكن زميله كان يُساعده، ثم سأله حينما آخذا إستراحة
-مالك يا عم نوح؟…
نزع نوح مئزره ثم جلس أمام طاولة عالية و مُستطيلة ثم هتف بـ نبرةٍ جامدة شبه مُنهكة
-مفيش حاجة
-جلس صديقه جواره و قال:مفيش إزاي! دا أنا كل شوية عمال أصلح غلط ألعن من التاني!
-معلش تعبان شوية…
ذم صديقه شفيته يعلم أن نوح لن يُخبره بـ شيء ليقول و هو يربت على فخذهِ
-قوم كُل يلا قبل ما الإستراحة تخلص…
بعدما إنتهيا من العمل ذهب كُلًا منهما في طريقهِ و وجد نوح نفسه ينحرف عن البيت ليحادث والده الذي إتصل به
-أيوة يا بابا
-أتاه صوت والده يسأل:فينك يا إبني! المفروض تكون هنا من نص ساعة
-أجاب نوح:بتمشى شوية، خير في حاجة!…
توقف نوح أمام ممشى يطل على الشاطئ ثم جلس يُحدق في ظُلمتهِ، ليأته صوت والده يقول بـ إهتمام
-لا يا بني، بس بتطمن عليك
-إبتسم نوح و قال:أنا كويس يا حبيبي متقلقش…
إستمع إلى حديث والده و حادثه كثيرًا، و كم أسعدته هذه المحادثة اللطيفة، ثم أنهى حديثه بـ قولهِ
-إتعشى أنت يا بابا، و أنا هاجي بعد شوية كدا
-متتأخرش يا نوح
-ضحك و قال:أنا مش صُغير يا بابا، إبنك كبر و بيشتغل
-أتاه صوت والده الحنون:مهما كبرت هتفضل فـ عيني صغير و محتاج أخاف عليك…
عندما عاد والده إلى مصر و إضطر نوح العودة معه بعد وفاة والدته، إضطر إلى ترك الوطن الوحيد الذي يعرفه ليأتي مع صديقهِ قبل أن يكون والده و لا يندم على ذلك، قد يكون هُناك ما لا يعلمه و لكن إقتلاع والده من وطنهِ الوحيد كان من أجلهِ
أنهى نوح الحديث مع والده و نهض ليجد ساقيه تقوده لها، أخبرته ذات ليلة أين تسكن و راحت تصف جمال بيتها، ليس لفخامته و لكن ذلك المنزل قضت به أيام جميلة لن تتكرر أبدًا
وجد نفسه يقف أمام المنزل و يتصل بها مرارًا و تكرارًا و لكنها لم ترد، و حينما يأس صدح صوت هاتفه، ليفتحه بـ لهفة فـ وجدها هي، إنفرجت أساريره و أجاب سريعًا ليأته صوتها الضعيف و ذلك آلم قلبه
-البقاء لله يا حوراء
-أتاه صوتها المُتحشرج:شُكرًا
-توتر و سألها حينما لم يجد ما يرد به:أنتِ كويسة!
-أنت شايف إيه!
-عض على شفتيهِ و قال:أنا آسف…
سمع صوت و كأنها تكتم بُكاءها و صمت يتحرم حُزنها، ثم سمعها تقول بـ نبرةٍ مبحوحة فقدت أحبالها الصوتية القُدرة على الحديث
-مكنش قصدي، آسفة
-هتف مُسرعًا:لالالالا أنا اللي بعتذر…
كان هُناك صوت كلب ينبح خلفه فـ سمعت الصوت من غُرفتها و وصلها صوت النُباح أيضًا من الهاتف لتنهض و تسأله بـ تعجب
-أنت فين!
أجاب نوح و هو يحك مؤخرة رأسه:أنا تحت بيتك يا حوراء، جيت عشان أعزيكِ…
ساد الصمت ليسمعها بعد ذلك تقول و هي تنهض عن فراشها
-لحظة واحدة…
أغلقت حوراء الهاتف و نظر هو إليه بـ تعجب و إنتظر فترة بسيطة، حتى وجدها أمامه تفتح البوابة و تطل منها، إقترب منها نوح و قال بـ دهشة
-نزلتِ ليه، كان كفاية أسمع صوتك بس
-ضمت حوراء كنزتها و قالت:كان لازم أشوفك…
أحس أنها تكتم الكثير بـ داخلها فـ إقترب نوح منها و سألها بـ نبرةٍ هامسة بها الكثير من الإهتمام
-أنتِ مش كويسة!…
أومأت حوراء و إنفجرت في البُكاء و لم يجد نوح نفسه سوى أنها تُسرع لمُعانقتها، و هي لم تتردد تشبثت به و قالت من بين صُراخها الباكي
-لأ مش كويسة، أنا عايزة ماما…
و من أكثر منه يعلم مرارة الفَقد، كان أكثرهم حُزنًا ذات يوم حينما فقد والدته في سنٍ يقترب من سن حوراء، و لكنه مع مرور الوقت تأقلم إلا أن الألم لم ينتهِ
ربت على ظهرها ثم قال بـ صوتٍ به مشاعر جمة و على رأسهم الشفقة
-كُل حاجة هتكون بخير يا حوراء…
و في جُنح الليل بعيدًا عنهما كان هُناك من يُراقب بـ أعين تتقد شررًا، سيكون هو أول من يقتلهم، لا أحد يحق له لمسها إلا هو يملك كُل الحق
يتبع…… 
لقراءة الفصل الثامن عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى