روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الرابع والخمسون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الرابع والخمسون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الرابعة والخمسون

تم الزواج بسرعة فاقت استيعابها ..
باتت زوجة عمار الخولي … تزوجته دون تردد ….
لم تأخذ فرصتها للتفكير حتى …
كانت تريد ان تثبت له شيئا بل لنفسها ايضا …
مسكت عقد الزواج بيديها تنظر الى اسمه الذي يجاور اسمها ..
ورغما عنها تذكرت آخر كان من المفترض ان يكون مكانه …
آخر تركها دون ان يمنحها فرصة للتبرير بل دون أن يخبرها حتى عن سبب تركه ….
آخر لفظها من حياته في غمضة عين …
هي تنتقم منه هو الآخر …
تنتقم منه بعدما رأت القهر في عينيه …
قهر عاشق خذلته هي دون أن تعلم واليوم خذلته مجددا وهي تعلم بل هي من سعت لذلك …
شعرت به خلفها … أنفاسه تجتاح رقبتها …
توترت قليلا لكنها أخفت ذلك بمهارة وهي تستدير بشجاعة نحوه …
شجاعة تحتاجها مع رجل مثله …
قبض على خصرها وهو يميل بوجهه نحوها …
يلثم خدها بقبلة دافئة ثم شفتيها …
قبلة تجاوبت هي معها مجبرة تمنحه استجابة مقصودة …
ابتعد عنها وهو يلتقط انفاسه بصعوبة بعدما غرق في قبلته معها …
ركن جبينه فوق جبينها يخبرها بتمهل :-
” أعلم إنك تخططين لشيء ما ولكن لا يهمني … ما يهمني إنك أصبحت ملكي بعد سنوات من الانتظار ..”
سألته وهما ما زالا بنفس الوضعية :-
” كيف تفكر أنت ..؟! أنت تشك بنواياي اتجاهك ومع هذا لا تهتم …”
ابتعد عنها ينظر الى ملامح وجهها التي يعشقها بشوق جارف تمكن منه …
شوق نحاه جانبا وهو يخبرها مجددا :-
” لإنني أحبك … ولانني لا أهتم بما ينتظرني …”
سألته بقوة :-
” مالذي لا يهمك …؟! هزيمتك مثلا …”
ابتسم بطريقة غريبة …
طريقة أرهبتها رغما عنها …
ابتسامة تبعها يردد بصوت ثابت لا جدال فيه :-
” عليك أن تعلمي إن الهزيمة كثيرا ما تحمل خلفها انتصارا غير مسبقا … هزيمتي حتى لو حدثت .. ستكون هزيمة مؤقتة … وما يليها هو الانتصار الاعظم …”
كلماته كانت تحمل شيئا جادا مخيفا …
كيف يفكر هذا الرجل ومالذي ينويه …؟!
تمتمت تسأل عن قصد :-
” وماذا عن شيرين …؟!”
منحها تنهيدة طويلة وهو يهتف :-
” شيرين .. آه يا شيرين …”
سألته ببرود :-
” هل تحبها ..؟!”
تأملها مليا يفتش عن اي لمحة للغيرة في عينيها لكنه لم يحصل على شيء …
أجاب بصدق غلف ملامحه :-
” شيرين أنقى بكثير من أن يحبها شيطان مثلي …”
تجهمت ملامحها وهي تهتف :-
” هذا يعني إنني …”
جذبها نحوه بسرعة يخبرها وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها من جديد :-
” أنت شيطانة صغيرة أسرت قلبي كله دون أن تمنحني أي فرصة للهرب من قيد عشقها الأبدي …”

كانت تجلس على طاولة الطعام بشرود قطعته والدتها وهي تنادي عليها فنظرت لها ليلى تتسائل عما كانت تقوله ..
وضعت فاتن كفها فوق كف ابنتها تخبرها بجدية :-
” حبيبتي .. انت منذ يومين على هذه الحالة …”
سحبت كفها لتجذب قدح عصيرها ترتشف منه القليل عندما أضافت فاتن بتردد :-
” انا قلقة عليك يا ليلى …”
قاطعتها ليلى بجمود :-
” لا تقلقي … انا بخير …”
اضافت وهي تنظر الى عيني والدتها القلقتين بوضوح :-
” ليست المرة الاولى وعلى ما يبدو لن تكون الاخيرة …”
اضافت وهي تضع كفها فوق كف والدتها :-
” لكن كما اخبرتك لا تقلقي …. لقد اعتدت على هذا واصبحت اجيد تقبله بسهولة … ”
كلماتها تلك أقلقت والدتها أكثر دون أن تدري …
والدتها التي لاحظت تبدلها المريب في اليومين السابقين …
طردها لمريم ثم ما تبعه من مواجهتها لكنان …
كانت فاتن تنتظر انهيارا بين احضانها بعد صدمتها الكبيرة في شقيقتها لكن صدمتها ردة فعل ليلى بعد مغادرة كنان المكان …
جمود غلفها كليا منذ تلك الليلة …
جمود يخيفها اكثر …
ابنتها تلقت صدمة شديدة ومختلفة هذه المرة …
صدمة اخيرة بعد سلسلة صدمات حاولت تجاوزها ولم تستطع ..!
عادت تتأملها وهي تتناول طعامها بنفس الجمود …
ملامحها الرقيقة بدت صلبة وعينيها متحجرتين بشكل يثير القلق ….
أرادت فاتن أن تقول شيئا ما .. أي شيء … لكنها لم تستطع …
نظرت الى ليلى التي أنهت طعامها ونهضت بعدها تستأذن المغادرة الى غرفتها ….
تابعتها بعينيها مستوعبة انها طوال اليومين السابقين لم تترك غرفتها الا نادرا..
اختارت الانعزال في غرفتها عن الجميع …
لم تتحرك خطوة خارج الفيلا حتى لم تذهب في موعد زيارتها اليومية لوالدها بل حتى لم تسألها هي عن وضعه الصحي …
تنهدت بألم وهي تفكر في ابنتها الاخرى …
تلك التي تتجاهل اتصالاتها تماما ولا تعرف اين هي الآن وماذا تفعل …
لا تنكر انها غاضبة منها وبشدة …
تنتظر ظهورها كي تحاسبها على ما فعلته وهي التي تسأل نفسها يوميا عن السبب الذي جعل مريم تتصرف هكذا ..
تتسائل اذا ما قصرت في تربيتها لتفعل كل هذا …
تلوم نفسها بشدة رغم انها لا تتذكر انها قصرت معها يوما او أهملتها يوما …
لقد كرست حياتها كليا لابنتيها وسعت الى تربيتهما بأفضل شكل ممكن لكن رغم هذا لا يمكنها الا تلوم نفسها ..
ربما هي قصرت في شيء ..
بالتأكيد والا ما كانت مريم ستتصرف بهذه الطريقة …
نهضت من فوق الطاولة وهي التي لم تتناول شيئا من الأساس …
تحركت بآلية متجهة الى غرفتها بعدما أخبرت الخادمة أن تنظف الطاولة …
اما ليلى فدخلت الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بعنف ..
اتجهت نحو سريرها والقت بجسدها عليه …
اغمضت عينيها وهي تكتم دموع القهر فيهما ..
لا تريد ان تبكي ..
لا تريد أن تضعف …
جميع ما حدث معها نتاج ضعفها وغبائها …
لماذا حدث هذا معها …؟!
هي لا تستحق هذا أم هي تستحق ما يحدث معها ..؟!
هذه ليست المرة الاولى التي تتعرض بها لخيبة ولكن المرة هذه مختلفة …
خيبتها في شقيقتها لا تساويها خيبة …
شقيقتها التي تعلم جيدا ان وراء اختفائها هذا مصيبة ما ..
ورغم خوفها وقلقها عليها اختارت أن تقسو وتتجاهل …
عليها أن تتعلم القسوة كي تستطيع أن تحيا في هذا العالم المليء بالصدمات والخيبات …
اعتدلت في جلستها تكتم دموعها في عينيها …
نظرت الى انعكاسها في المرآة فوجدت نفسها تحمل مظهر امرأة ضعيفة .. تائهة ومحطمة …
لم يعجبها ما رأته ..
استفزها ذلك الضعف الظاهر عليها والألم المرتسم على ملامحها …
انتفضت من مكانها تتقدم نحو المرآة …
تقف مواجهة لها تتأمل ملامح وجهها المعذبة بتساؤل صدح بنبرة منخفضة بائسة :-
” من أنتِ …؟ هل أنتِ ليلى ذات السبعة وعشرين عاما …؟! لماذا تبدين وكأن عمركِ ازداد عشرون عاما …؟! لماذا يبدو الألم محفورا على ملامحك ..؟! لماذا تحملين كل هذا الضعف واليأس في عينيك …؟! من أنت حقا ..؟! من أنت يا ليلى ..؟! بالتأكيد لست ليلى القديمة .. المشرقة القوية … الجميلة الجذابة … ليلى التي تملك العالم بين يديها … أين ذهبت ليلى القديمة ..؟! هل ماتت ..؟! ومن تسبب بموتها ..؟! نديم ..؟! عمار الخولي ….؟! أحمد سليمان ..؟! مريم سليمان …؟؟ كنان نعمان ..؟! أم جميعهم تكاتفوا وشاركوا في قتلك …؟!”
تراجعت الى الخلف بجزع …
الخوف غزا روحها …
ارادت أن تهرب بسرعة …
تهرب من صورتها بالمرآة ..
تحركت تغادر غرفتها هاربة من مجهول …
مجهول لا تدركه ولكنها تخشاه …
توقفت خارج غرفتها وهي لا تدرك اين يمكنها أن تذهب ..؟؟
أين تهرب من واقعها ..؟؟ من قدرها المظلم …؟!”
ثم اندفعت بسرعة نحو غرفة أخيها …
فتحت الباب ودلفت الى الغرفة لتتوقف في منتصفها وهي تتأمل عبد الرحمن الذي يلعب في المكعبات بشغف كعادته …
رفع الصغير وجهه نحوها وهو يبتسم لها بإشراق ..
تقدمت نحوه وحملته متجاهله حديثه معها …
جلست على سريره الصغيرة وهي تعانقه …
تضمه داخل احضانها او ربما تضم هي نفسها داخل احضانه ..
تحتمي به من عالم قاسي لا يناسبها …
عالم لا يصلح امثالها للعيش فيه …
شددت من عناقه وهي ترتجف بقوة بينما الدموع تساقطت فوق وجنتيها رغما عنها …

في صباح اليوم التالي ..
استيقظت من نومها أخيرا …
اعتدلت في جلستها تتفحص جسدها رغما عنها بتوجس …
تنهدت بصمت وهي تنهض من فوق السرير متجهة الى الحمام الملحق بالغرفة …
وقفت أمام المغسلة تغسل وجهها اولا قبل أن تجففه بالمنشفة لتتأمل ملامحها بصمت وعقلها يشرد فيما حدث البارحة ..
حديثه الذي يحمل بين طياته الكثير …
اعترافه الصريح بعشقه لها …
عشقه الذي صرح به عدة مرات مسبقا لكن هذه المرة تصريحه كان مختلفا …
تصريحه كان يحمل ثقة وثبات وقوة مثيرة للريبة …
عمار بدا مختلفا بشكل يثير قلقها …
تفهمه البارحة لرغبتها في البقاء في غرفة آخرى فاجئها …
لم تتوقع منه تصرفا كهذا …
متى كان مراعيا ..؟! ام هو فقط يلاعبها بطريقة مختلفة …؟!
غادرت الحمام بملابسها التي لم تغيرها بعد …
اخذت نفسا عميقا وهي تتسلح بكل ما تملكه من شجاعة وثقة لتخرج من الغرفة فتجد الشقة هادئة تماما بشكل آثار ريبها …
أين هو ..؟! هل ما زال نائما ….؟!
توقفت عن أفكارها عندما وجدته يدلف الى الشقة بملامح واجمة أثارت غيظها ..
لم تكن تنتظر منه شيئا كهذا في اول يوم لهما بعد زواجهما …
تأملت تلك الاكياس التي وضعها على الطاولة بإهمال قبل ان يجلس جانبها على الكنبة ..
سألته مدعية الاهتمام :-
” هل حدث شيء ما … تبدو حزينا …”
اجاب باقتضاب :-
” جيلان دخلت صباح اليوم الى المصحة النفسية …”
تمتمت بخفوت :-
” حسنا .. لا بأس … سوف تتحسن قريبا ان شاءالله …”
أشار الى الاكياس مرددا :-
” هذه ملابس اشتريتها لك …”
” حقا ..؟!”
قالتها بحماس وهي تنهض وتلتقط الاكياس بينما تثرثر بعفوية :-
” كنت احتاجها كثيرا …”
ثم مالت نحوه عن قصد تقبله على وجنته وهي تشكره برقة :-
” شكرا يا عمار …”
تأملها لوهلة قبل أن ينتفض ضاحكا بطريقة فاجئتها …
توجست ملامحها وهي تراقبه يضحك بهذه الطريقة المثيرة للريبة ..
توقف عن الضحك فجأة كما بدأ وهو يخبرها بخفة :-
” لا تليق بك هذه التصرفات يا مريم ..”
سألته بصوت مبحوح :-
” آية تصرفات …؟!”
رد وهو يتأملها ببرود :-
” التصرفات اللطيفة مثلا … لا داعي أن تتصرفي بشكل لا يشبهك … انا أريدك كما أنت … على طبيعتك … ”
هزت رأسها بصمت عندما نهض من مكانه وسحب كيسا ومده لها يخبرها بشقاوة :-
” انظري الى داخل الكيس …”
التقطت الكيس وأخرجت ما فيه بلا مبالاة لتتجمد مكانها وهي ترى قميص نوم أسود اللون شبه عاري …
مال نحوها مرددا وانفاسه تلفح جانب وجهها :-
” سترتديه في ليلتنا الاولى …”
تراجعت قليلا تلاحظ التصميم في عينيه …
يمنحها رسالة مبطنة أن تفهمه البارحة لن يدوم طويلا …
تمتمت وهي تهز رأسها :-
” حسنا …”
اضافت بتردد :-
” انت تعرف انني لست مستعدة حاليا ولكن …”
توقفت امام نظرة عينيه المشتعلة برغبة دفينة بينما نبرة صوته العميق تخبرها بغلظة :-
” الليلة يا مريم … الليلة سوف نتمم زيجتنا والا …”
” وإلا ماذا ..؟!”
سألته ممتعضة ليبتسم ملأ فمه وهو يردد :-
” انا لست صبورا على الاطلاق يا مريم وانت من أتيت بنفسك وعرضت الزواج علي …”
قاطعته بحدة :-
” كنت ستفعلها انت عاجلا ام اجلا .. انا سبقتك فقط …”
تمتم ببرود :-
” لا يهم من سبق الآخر لكن عليك ان تفهمي انني لست غبيا … ”
أضاف وهو يجذب خصلة من شعرها يلفها حول اصبعه :-
” أنا أمنحك ما تريدين بكامل إرادتي يا مريم … عليك أن تدركي مع من تتلاعبين يا صغيرة …. ”
حرر خصلاتها وهو يخبرها بإيجاز :-
” الليلة سوف نتمم زيجتنا ….وغدا سنذهب الى عائلتك ونخبرهم بزواجنا …”
انصرف بعدها تاركا اياها تتابعه بتوجس حقيقي فهذا الرجل يضمر شيئا ما…
شيئا لا تدركه ولكنه بات يخفيها مهما تظاهرت بالقوة والثبات ..

كان هاتفها يرن بإسمه بينما تتجاهل هي اتصالاته كعادتها منذ ليلة البارحة ..
رفعت شعرها عاليا بتسريحة بسيطة ثم هندمت نفسها للمرة الأخيرة قبل أن تحمل حقيبتها وتتحرك خارج غرفتها ..
قابلت والدتها وهي في طريقها لمغادرة المنزل فأخبرتها انها ستذهب الى الشركة بعد غياب يومين …
غادرت بعدها وسط صمت والدتها وقلقها الذي تجاهلته عن قصد …
من الآن فصاعدا ستتجاهل كل شيء …
تحركت متجهة نحو سيارتها عندما توقفت مكانها بجمود وهي تجده يهبط من سيارته متقدما نحوها يسألها بضيق :-
” لماذا لا تجيبين على مكالماتي …؟! أحاول التواصل معك منذ مساء البارحة …”
عقدت ذراعيها أمام صدرها تخبره ببرود :-
” لإنني قلت ما عندي … اريد الطلاق ولا شيء سواه .. ”
أكملت بتهكم :-
” ظننت إنك فهمت ذلك ..”
هتف بجمود :-
” لا طلاق يا ليلى ….”
فكت ذراعيها وهي تصيح بنفاذ صبر :-
” ستطلقني يا كنان فأنا لا أريدك بعد الآن ….”
تنهد بصوت مسموع محاولا ان يسيطر على اعصابه فما يمر به هذه الفترة يجعله عصبيا للغاية…
قال بجدية :-
” لقد تركتك البارحة ولم أشأ أن أضغط عليك … اعتقدت انك سوف تهدئين و تحاولين أن تفهمين مني اولا …”
هتفت معترضة :-
” ومالذي سوف أفهمه ..؟! انت خدعتني … مهما حاولت تزويق ذلك لن تنجح والأهم إنك كنت تريد استغلالي وفعلت نفسي الشيء مع شقيقتي … كنت جزءا من انتقامك …”
قاطعها بثبات :-
” نعم ولكنني تراجعت …”
ضحكت مرددة بعدم تصديق :-
” وهل هذا يلغي الحقيقة ..؟! هل تجد هذا مبررا حقا يا كنان ..؟!”
” انت لا تعرفين ما بيني وبين عمار … لا تعرفين مالذي دفعني لذلك …”
قالها بوجوم لتهتف متشدقة :-
” ولا يهمني ان اعرف … ليكن بعلمك لم يعد يهمني أيا مما يحدث … حتى مريم لم تعد تهمني .. ”
أضافت ببرود :-
” انا لا اعرف عنها شيئا منذ يومين ورغم ذلك لا اهتم وأنت بدورك لا أهتم بأي شيء يخصك .. انتقامك يخصك … لا يعنيني ابدا .. ما يعنيني هو زواجي منك … زواجي الذي سينتهي يا كنان شئت أم أبيت ….”
همت بالتحرك بعيدا عنه لكنه قبض على ذراعها مرددا بخفوت :-
” لم أعهدك قاسية يا ليلى …”
ابتسمت ليلى بسخرية وهي تخبره بمرارة خفية :-
” يؤسفني أن أخبرك إنني كذلك بالفعل … قاسية لدرجة تجعلني أتجاهل كل شيء ولا أفكر سوى بنفسي وحريتي .. حريتي التي كبلتها بقيودك لأجل من لا يستحق …”
قال مندهشا مما تقوله :-
” انا لم أفعل … انا فقط أردتك وأنت وافقتي بكامل إرادتك …من قال إن زيجتنا ستكون قيدًا يكبل حريتك …؟!”
قاطعته بتجهم :-
” هذا الزواج كان لسبب معين … والسبب لم يعد يهمني … لا احد يستحق تضحيتي ولا انت بدورك تستحق أن أفي بوعدي لك بعدما خدعتني … علاقتنا بدايتها كانت خاطئة موصومة بكذبك وخداعك لذا يجب أن تنتهي …”
جذبها من ذراعها فشهقت برفض تجاهله وهو يخبرها بضراوة :-
” انت لا يمكنك أن تسيري كل شيء وفق ما تريدين … أفيقي يا هذه .. العالم لا يسير بتلك الطريقة التي تريدنها …”
ابتسم ساخرا وهو يضيف :-
” ما مشكلتك معي …؟! انني كذبت عليك ..؟! الجميع يكذب … لكن هناك فرق بين كذب وآخر … انت لا تتوقعين أن تعيشي حياة مثالية تشبهك … ولا تتوقعي ان تحصلي على رجل مثالي كامل الأوصاف … ”
قست عيناه وهو يسترسل :-
” لا يوجد احد مثالي … حتى المثالي سوف يتحرر من مثاليته يوما عندما تتعارض مثاليته تلك مع مصلحته … افهمي هذا وتوقفي عن نظرتك الساذجة للمجتمع …”
صاحت معترضة :-
” وهذا ما أفعله … انا بالفعل سأفعل ذلك بعد الآن ولهذا سوف أتطلق منك لان مثالياتي التي تكرهها وتسخر منها هي من كانت تجبرني على الاستمرار في هذه الزيجة .. مثالياتي التي منعتني من التراجع عن وعد قطعته لك بعد كل ما قدمته لي … ”
تراجع بملامح جامدة وهو يردد :-
” انت تعترفين انك تتزوجيني بدافع التضحية اذا … ”
” رد جميل … هذا سبب زواجي منك ..”
قالتها بقسوة لا تعرف متى باتت تمتلكها وهو الذي منحها اعترافا صريحا بالحب قبل يومين …
اعتراف ربما كان سوف يسعدها في وضع مختلف ….
لاحظت تشنج ملامحه بينما الجمود ما زال يكسو نظراته …
قال اخيرا بثبات :-
” ربما يكون هذا الدافع الاساسي ولكنك لا يمكنك أن تنكري إن هناك جزءا داخلك كان يميل لهذه الزيجة … لا يمكنك أن تنكري إن هناك شيئا ما داخلك نحوي بعيدا عن الامتنان وما شابه … شيء ربما ترفضين الاعتراف به او تخشينه ولكن سيأتي يوم و تضطرين أن تعترفين به رغما عنك…”
انهى كلماته وتحرك باندفاع تاركا اياها متخبطة كليا والضياع يملأ روحها ..

كانت تجلس امامه ترتشف قهوتها بصمت وهو يفعل المثل ….
سألته أخيرا وهي تتأمله :-
” هل أنت بخير يا فادي ..؟!”
تنهد وهو يضع فنجانه مكانه ثم قال :-
” والدتي علمت بعلاقتنا …”
تمتمت بجدية :-
” بالتأكيد رفضت …”
هز رأسه بصمت لتهتف غالية بوجوم :-
” والدتك لم تحبني منذ البداية …”
قال فادي بصدق :-
” كلا يا غالية… والدتي فقط كان ارفض ارتباطك بفراس لأجل عهد ..”
تجاهلت الازدراء الذي ملأ ملامحه وهو يذكر جملته تلك لتسأله :-
” أليس غريبا أن تحب والدتك عهد لهذه الدرجة …؟!”
هتف بجدية :-
” الأمر لا يتعلق بكونها تحبها .. صحيح هي تحب عهد ولكن ما يجعلها تتمسك بعودة فراس اليها هو تميم … هي تريد لحفيدها أن يعيش بين ابويه وتسعى لذلك ولكن عهد ترفض بشدة وفراس بدوره يفعل …”
ضحكت مرغمة :-
” شقيقك هذا مشكلة … لا أصدق إنه يرفض العودة اليها …”
استرسلت :-
” يذكرني بعمار قليلا …”
قال بجدية :-
” أنا أشفق عليه أحيانا …”
نظرت له بدهشة فأكمل :-
” فراس ضحية والدي ….”
سألته بتوجس :-
” كيف يعني …؟!”
هتف مضطرا :-
” انت تعرفين ان والدي حي يرزق يا غالية…”
قالت بصدق :-
” علمت بالصدفة و تفاجئت حقا … لم يسبق أن أتى أحدكم بذكره ….”
قال بتردد :-
” علاقتنا ليست على ما يرام …. ”
تأمل التساؤلات في عينيها فأكمل :-
” والدي كان يشبه فراس …. ”
تمتمت برفض :-
” كان يخون والدتك ….”
هتف فادي ببرود :-
” نعم ولكن بفارق إنه كان يفعل ذلك بإطار شرعي …..”
ابتلعت غالية صدمتها وهي تسأل :-
” هل تزوج عليها أكثر من مرة …؟!”
أجاب فادي ساخرا :-
” عدة مرات عرفيا وثلاثة شرعيا … آخرها قبل خمسة اعوام … زيجته الاخيره ما زالت مستمرة وهو يعيش في الخارج مع زوجته ….”
” يا إلهي …”
تمتمت بها بعدم تصديق قبل أن تضيف بتردد :-
” ووالدتك …؟! متى تطلقت منه …؟!”
ضحك بخفة قائلا :-
” المفاجئة انها لم تفعل …”
اتسعت عيناها بارتياع ليكمل بجمود :-
” رفضت ان تفعل لأجل المجتمع وأجلنا .. تقبلت زيجاته المتعددة وكافة أفعاله و أذيته لها و اهماله لنا نحن اولاده ولم تتطلق … رضيت ان تبقى على ذمته فقط لاجل مظهرنا امام المجتمع كأولاد لأبوين مطلقين … وربما لأجل مظهرها هي الأخرى .. ”
تنهد مجددا ثم قال :-
” ما أريدك أن تعلميه ان والدتي امرأة تقليدية و تتمسك بالعادات جدا … يعني رفضت ان تتطلق من والدي رغم زواجه عليها لمرات لا يمكن عدها … تحاول بشدة ان تعيد فراس لعهد كي يعيش تميم بين ابويه …”
اكملت نيابة عنه :-
” وترفض ارتباطنا لان هذا يخالف منطقها في الحياة والعادات التي تتمسك بها …”
” هي تقدس العائلة وتسعى دائما للحفاظ على تماسكها ومن وجهة نظرها زواجنا سوف يهدد تماسك العائلة …”
قالها بجدية لتسأله :-
” وأنت ..؟! ما رأيك …؟!”
أجاب بصدق :-
” انا أريدك … ”
” ووالدتك …؟! ”
سألته بوجوم ليهتف بجدية :-
” لا بد أن تقتنع … سأفعل المستحيل لأجل ذلك …”
أكمل :-
” ما أريده فقط أن تمنحيني بعض الوقت … احتاج وقتا لإقناعها …”
” ما هذا الذي تقوله يا فادي …؟! بالطبع سأفعل … انا أتفهم موقفها … ”
قالتها بصدق قبل ان تضيف :-
” ولكن عدني إنك لن تتخلى عني ابدا يا فادي …”
ابتسم مرددا :-
” وهل أستطيع أن أفعل يا غالية ..؟!”
هتفت بجدية :-
” عدني يا فادي …”
مد كفه يحتضن كفها وهو يخبرها :-
” لن أتخلى عنك مهما حدث يا غاليتي …”

جالسة فوق السرير تقضم اظافرها بحركة تدل على توترها بل وغضبها ايضا …
تتذكر حديثه واقراره باتمام زيجتهما الليلة …
ماذا كانت تتوقع ..؟!
نعم هي كانت تتوقع ذلك بل واستعدت له ولكن حديثه وتصرفاته اليوم جعلتها تشعر بالريبة …
هي باتت تخشى أنه يضمر لها شيئا هو الآخر وان لديه دوافع هو الآخر خلف هذه الزيجة …
انتفضت من مكانها وهي تهتف مع نفسها :-
” لا يمكن … مستحيل …”
هكذا أخبرت نفسها وهي تتحرك داخل الغرفة بعصبية …
هذه اللعبة هي من بدأتها وهي من سوف ستنهيها بالشكل الذي تريده …
توقفت أمام المرآة ترمق نفسها بجمود امتد للحظات قبل أن ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيها …
أيًا كان ما يفعله عمار وأيا ما كان يخطط له ويريده ، تبقى هناك حقيقة وحيدة … حقيقةً ثابتة لا جدال فيها ..
هذا الرجل بكل قوته وجبروته وقسوته وشره عاشقا لها وهذا الشيء الوحيد الذي هي متأكدة منه وعليها أن تستغله جيدا …
الآن عليها أن تتحرك وتثبت له إنها قوية بقدرة ولا تهاب شيئا ولا يهمها شيء والأهم هي بحاجة أن تمنحه بضعة مبررات لهذه الزيجة …
وأن تقنعه بأن قرارها هذا لم يكن وليد لحظة غضب او جنون …!
اتجهت ببصرها نحو الكيس لتبتسم بشيطنة وهي تجذب قميص النوم من داخله …
ترتديه فيظهر جسدها الابيض البض بشكل يثير القديس وليس عاشقا مخضرما مثله …
وقفت امام المرآة تضع المكياج لنفسها بينما سرحت شعرها الطويل وتركته منسدلا على جانبي وجهها …
تحركت نحو هاتفها وشياطينها متحفزة لتسديد صفعة شديدة لآخر تخلى عنها وآن آوان أن يدفع ثمن تخليه …
تأملت تلك الصورة التي التقطتها لعقد الزواج فضغطت على زر الارسال ….
ستصل الرسالة لأكرم .. سيغضب … سيحترق وهو يستحق ذلك …
مريم سليمان لا تتنازل عن حقها ابدا …
من ألمها سوف يتألم ومن أحرق قلبها ستحرقه كليا …
اغلقت هاتفها وعادت نحو المرآة تضع عطرًا قويا ذو رائحة ساحرة ..
تحركت خارج الغرفة بقدمين حافيتين …
كان الوقت ما زال عصرا ….
دلفت الى غرفته فوجدته يغادر الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة قبل أن يتجمد مكانه وهو يراها أمامه بقميص النوم الذي يعرض جسدها الشهي بسخاء …
ابتسامة ثابتة مرتسمة فوق شقتيها …
ابتسامة تليق بها …
هي أنثى جامحة .. قوية … وشرسة …
لا تهاب اي شيء ولا تهتم بشيء ….
صباحا أخبرها إنه سينالها الليلة وهاهي أتت بنفسها اليه وقبل قدوم الليل بساعات تخبره عن استعدادها التام لمنحه جسدها كما يتمنى ويشتهي ….
ماذا كان ينتظر منها ..؟!
هل ينتظر رفضا أم خجلا لا يناسبها … ؟!
هذه مريم التي يعرفها …
مريم المقدامة ….
تقدم نحوها بعدما رمى منشفته بعيدا باهمال ..
وصل اليها ورائحة عطرها سحرته …
قبض على خصرها يجذبها نحوه فاصطدمت بصدره العاري …
لم تتوتر ابدا .. لم ترتجف وهي بهذا القرب منه .. بين ذراعيه تنتظر ليلتها الاولى معه ..
لا تفعل كما تفعل أي عذراء في ليلة هذه…
هي تناظره بتحدي …
تحدي يليق بها وبه …
تخبره انها مستعدة ومتحفزة …
وهو بدوره مستعد ومنذ سنوات ..
جذبها بعناق جارف …
شوق عاصف …
وقبلات جامحة …
الآن اكتمل حلمه …
مريم بين ذراعيه أخيرا …
راضية ومستسلمة وتتجاوب معه بكل جموح …
حلمه تحقق أخيرا وهاهو ينالها كما اشتهى بل تاق لسنوات …

في صباح اليوم التالي
استيقظت من نومتها أخيرا لتشعر بالفزع لوهلة وهي تجد نفسها عارية تماما لا يسترها سوى غطاء السرير …
عادت احداث ليلة البارحة تتدفق الى ذاكرتها …
ما حدث بينهما لا يمكن نسيانه …
لقد منحته نفسها كما تمنى … منحته جسدها بكامل ارادتها …
ابتسمت رغما عنها بإنتشاء فهي رغم كل شيء صاحبة الخطوة الاولى …
اذا كان يعتقد انه يسيرها فهو مخطئ …
هي من تتحكم في سير الأمور بينهما حتى الآن …
هي من بادرت بعرض الزواج عليه وهي من بادرت بتسليمه نفسها فقط كي لا تمنحه لذة الانتصار التي سوف يشعر بها عندما يجبرها على على الاقتران به …
لذة حرمته منها وهي تعرف جيدا انه رجل مريض بنشوة الانتصار دائما …
وهي حرمته متعة نشوة الانتصار عليها وامتلاكها …
اعتدلت في جلستها وهي تلف الغطاء حول جسدها باحكام …
البارحة منحته جسدها طواعية …
استلمت له كليا …
لم تقاومه كما كان يعتقد …
لم تتمنع عليها كما كان ينتظر ….
بل استسلمت له وتجاوبت معه بكل اريحية ….
جذبت قميص النوم الملقى على الارض جوارها وسارعت ترتديه …
تحركت خارج الغرفة بقدميها الحافيتين وقميصها المكشوف لتجده يقف في المطبخ ونصف جسده العلوي عاري تماما حيث يرتدي بنطال اسود فقط …
كان يعد شيئا ما بتركيز عندما وقفت هي على مسافة منه تتأمله وهو منشغل فيما يفعله ….
سارت نحوه على مهل حتى وقفت خلفه وكفها يمتد فوق ظهره العاري فيلتفت بسرعة نحوها ويجذبها في عناق حميمي خطف أنفاسها لتتجاوب معه كالبارحة وتستسلم له بكل طواعية …
ابتعدا عن بعضيهما بعدها وكلاهما يلهث بقوة …
سألته وهي تلتقط انفاسها :-
” ماذا كنت تفعل ..؟!”
أطفأ الطباخ واستدار نحوها يخبرها ببساطة :-
” الفطور …”
تمتمت بخفة :-
” أنت تعد الفطور بنفسك …”
” انا معتاد على ذلك …”
قالها بجدية وهو يسحب المقلاة ويضعها على طاولة الطعام قبل أن يشير اليها :-
” تناولي الفطور هيا …”
سارعت تجلس على الطاولة وهي تخبره بصدق :-
” انا جائعة حقا …”
ثم بدأت تلتهم البيض بالطماطم بشهية مفتوحة دون أن تنتبه لعينيه اللتين تتأملانها وهي تأكل بتلك الطريقة بنهم وشغف لا ينتهي …
عليه أن يعترف انه يعشقها بكل حالاتها …
يعشقها رغم ادراكه لوجود شيء خفي وراء استسلامها التام له ..
يعشقها ببساطة خالية من كل التعقيدات وإن كانت علاقتهما مليئة بالتعقيدات ….
توقفت لوهلة وهي تلاحظ تأمله لها فابتلعت لقمتها بسرعة وقالت :-
” ألن تتناول الطعام معي …؟!”
سحب كرسيا له وجلس امامها يسألها :-
” هل أعجبك الطعام ..؟!”
أجابته بصدق :-
” لذيذ جدا ….”
ثم عادت تتناول المزيد ليقول وعينيه ما زالتا تلتهمان تفاصيلها :-
” أطعميني انت …”
اختنقت باللقمة رغما عنها ما ان سمعت ما قاله فسارع يفتح الثلاجة ويجذب منها قنينة مياه باردة ويقدمها لها فتأخذها منه وترتشف المياه بسرعة …
تنهدت براحة بعد لحظات لترفع عينيها نحوه فتجده يراقبها باستمتاع …
تجهمت ملامحها وهي تتسائل :-
” لماذا تنظر الي هكذا ..؟!”
عاد يجلس مكانه وهو يخبرها :-
” أحب أن أتأملك …”
شعرت بصدق كلماته وتغاضت عما قاله وهي تعاود تناول الطعام عندما اشار لها :-
” لم تطعميني بعد …”
ردت ببرود :-
” انت لست صغير … تناول طعامك بنفسك …”
مال نحوها قليلا يخبرها :-
” ولكنني اريدك منك أن تطعميني بنفسك ….”
عبست ملامحها لوهلة قبل أن تجذب قطعة من الخبز وتحمل بها القليل من البيض ثم تمدها نحوه ليلتقطها داخل فمه بسرعة وعيناه ما زالتا تحاصران عينيها بشكل آثار توترها رغما عنها …
عادت تتناول طعامها مجددا محاولة الهرب من حصار نظراته المزعج عندما وجدته ينهض من مكانه ويتقدم نحوها …
رفعت وجهها نحوه بحيرة فيبتسم لها بمرونة قبل أن يميل نحوها هامسا بجانب وجهها :-
” أريدك …”
التقت عيناها بعينيه فرأت بهما الرغبة والشوق الذي لا ينتهي …
نهضت من مكانها تواجهه وتخبره بتردد :-
” ألن نتحدث بما سنفعله اليوم بعد زواجنا …؟!”
لكنه سارع يحملها بين ذراعيه لتشهق بصدمة من تصرفه قبل ان يتجه بها الى الغرفة ويمارس معه طقوس عشقه لها …
ورغما عنها انجرفت معه مجددا بعدما خطفها في ثورة مشاعره العنيفة التي لا يمكن مقاومتها مهما حاولت ….
ابتعد عنها اخيرا بعد مدة لا تدركها وهي التي غرقت معه في فيضان عشقه الذي لا ينتهي …
جذبها نحو صدره يرفض ان يمنحها اي فرصة للابتعاد عنه ليهمس لها وشفتيه تقبلان شعرها بخفة :-
” كنت أعلم جيدا إن كل شيءٍ معك سيكون مختلفا .. رائعا ومثيرا حد الجنون … لكن صدقا ما أشعره معك فاق جميع تخيلاتي …”
كلماته منحتها الطمأنينة لوهلة فابتسمت داخلها بانتصار سرعان ما اختفى عندما وجدت نفسها تتسائل عما يلي هذا العشق الجارف وقتما يتضارب العشق مع الخداع ..
……………………..

كانت تجلس على الكنبة تقضم أظافرها بتوتر بينما هو يجري عدة اتصالات لم تفهم منها شيئا فتفكيرها بأكمله منصب على شقيقتها التي ستذهب اليها بعد قليل وتلقي خبر زواجها من عمار في وجهها …
رغما عنها تخشى ردة فعل شقيقتها ..
شقيقتها التي لن تتحمل ما تعرفه …
ووالدتها هي الأخرى …
كيف ستكون ردة فعلها …؟!
تأملته وهو يقف قرب النافذة يتحدث بملامح جامدة مع سكرتيرته يملي عليها أوامره ….
انهى مكالمته اخيرا فتقدم نحوها يسألها وهو يسحب سترته من فوق الكنبة ليرتديها :-
” هل انت مستعدة للمغادرة …؟!”
نهضت من مكانها تجيبه بتروي :-
” ألا يمكننا تأجيل الأمر …؟!”
رمقها بنظرات غريبة وهو يسأل بدوره :-
” وما الفرق اذا علموا اليوم أم فيما بعد …؟! ”
ثم تقدم نحوها بتمهل قائلا :-
” أم إنك تنتظرين حدوث شيئا ما قبل معرفتهم بالأمر …؟! ”
” شيء مثل ماذا ..؟!”
سألته بتوتر ليبتسم ببرود :-
” شيء يشفع لك زواجك مني مثلا …”
قالت بسرعة :-
” انا لا أفهم ما تعنيه … الأمر كله انني اخشى ردة فعل ليلى …”
اضافت بثقة :-
” ولكن انت معك حق .. لا فرق بين معرفتهم الآن او بعد فترة …”
” حسنا .. لنذهب اذا ..”
قالها بإيجاز لتقبض على كفه فينظر لها بتساؤل عندما نطقت بتردد :-
” من الافضل أن نذهب عند ليلى في الشركة .. لا أريد أن أتصادم مع ماما كما إن وجودنا في الشركة سيمنع حدوث أي صدام مبالغ فيه ….”
توقف يتأملها لفترة بصمت أقلقها قبل أن يمنحها ابتسامة باردة وهو يتمتم :-
” معك حق …”
تحركت معه خارج الشقة ومنه الى شركة والدها عندما سمحت لها السكرتيرة بالدخول لتنتفض ليلى من مكانها وهي تراهما سويا امامها ممسكين بيد بعضيهما …
شعرت مريم بالرهبة لا إراديا بينما كفه ضغطت على كفها بدعم صريح وهو يخبر شقيقتها بهدوء :-
” لدينا مفاجئة مميزة جدا .. هل تصدقين إننا عدنا أقارب مجددا يا لولا …؟!”
تأملته ليلى بعينين مندهشتين ليكمل وشفتيه تعلو بإبتسامة لم تصل الى عينيه وهو يسدد ضربته الأولى :-
” باركي لنا يا ليلى… انا ومريم تزوجنا صباح اليوم …”
أكمل بمزاح ثقيل مقصود :-
” لقد أصبحت صهرك يا ليلى …. من الآن فصاعدك انا صهرك العزيز …”
لحظات مرت علي كلتيهما كالدهر ….
مريم تنتظر ردة فعل شقيقتها وليلى لم تستوعب بعد ما سمعته …
رغم انها داخلها توقعت جنونا كهذا فتصرفات مريم الاخيرة جعلتها تتوقع منها أي شيء بل وتستعد له ولكن أن تتحول التوقعات الى واقع شيئا آخر …
شعورها في هذه اللحظة لا يمكن وصفها …
هناك طعنة ما نفذت الى اعماقها …
طعنة لا يمكنها تجاهلها ….
تحاملت على نفسها وهي ترفع رأسها باعتداد قبل أن تنطق بابتسامة باردة :-
” مبارك ….”
ثم تقدمت نحويهما لتضطرب ملامح مريم رغما عنها وقد شعر عمار بذلك …
وقفت ليلى مواجهة لهما تتأملهما بصمت مريب قبل أن تنادي بثبات :-
” مريم …”
رفعت مريم وجهها نحو شقيقتها ولأول مرة ترهبها تلك النظرة في عينيها …
لم تكن نظرة ألم كما توقعت او حتى خيبة …
كانت نظرة قاسية … صلبة وقاتلة ..
نظرة شقيقتها تخبرها بشيء كانت تخشاه بشدة …
نظرة توحي بالنبذ … القطيعة …
” لا أريد رؤية وجهك بعد الآن .. من الآن فصاعدا انت خارج حياتنا ….”
خرجت كلماتها ثابتة لا تردد فيها وعينيها كانتا بنفس الثبات …
” هكذا أفضل … ”
قالها عمار ببرود وهو يضيف متعمدا :-
” أساسا استمرار علاقتكما كأي شقيقتين بعد زواجنا أمر مستحيل …”
ثم أخرج من جيبه شيكا وقال :-
” هذا الشيك بالتأكيد تعرفينه … هذا مهر مريم …”
تجمدت ملامح مريم وهي تراه يمزق الشيك أمامها بينما بالكاد سيطرت ليلى على غضبها وهي تهتف بسخرية لاذعة :-
” هنيئا لك بها …. ”
ثم أضافت بجمود غلف ملامحها ونبرة صوتها :-
” والآن يمكنك أن تأخذها وتغادر واتمنى ألا أرى وجه أيا منكما بعد الآن …”
تحركت مريم معه كالمغيبة وعقلها لا يستوعب ما حدث وأمر الشيك الذي تناسته في خضم هذه الاحداث المتلاحقة …

ما إن غادرا حتى شعرت بنفسها تسقط في هوة عميقة …
شيء ما مخيف يبتلع روحها دون رحمة …
لأول مرة تعايش شعورا كهذا …
رغم كل التجارب الصعبة التي عاشتها والألم الذي شعرت به ولكنها لم تشعر يوما بهذا الشعور …
شعور لا يمكن وصفه …
هي فقدت شقيقتها …
خسرتها ….
ارتجفت ملامحها بشدة وانقشع قناع الصلابة الذي ارتدته امامهما …
تساقطت دموعها بحرارة ويدها ترتجف فوق فمها بينما تحاول ان تمنع نفسها من الانهيار …
ماذا عليها ان تفعل ..؟؟
كيف تتصرف …؟!
شقيقتها دمرت نفسها كليا ….
ألقت نفسها في جحيم عمار الخولي الذي سوف يحرقها دون رحمة ويحولها الى رماد ..
عليها أن تفعل … هكذا أخبرت نفسها …
هي لا يمكن ان تتركها هكذا …
عليها ان تتصرف حالا …
جذبت حقيبتها بسرعة وتحركت خارج مكتبها بخطوات راكضة اثارت ريبة كل من يراها …
لم تهتم بنظرات الموظفين …
لم تهتم بأي شيء سوى انقاذ شقيقتها ….
ركضت كما لم تفعل من قبل حتى وصلت الى سيارتها ..
ركبتها وسارعت تشغل السيارة ثم همت بتحريك المقود عندما توقفت فجأة وهي تستوعب انها لا تعرف الى أين يجب أن تذهب …
شهقت باكية وهي تلعن عمار بل وشقيقتها ايضا …
أي جنون جعل مريم تتصرف هكذا …؟!
كيف تتزوجه …؟!
ألم تفكر في نفسها ..؟! ألم تفكر بها هي ..؟!
وماذا عن والدتهما ..؟! ألم تفكر في موقفها بل ما ستفعله بها صدمة خبر كهذا …؟!
والدتهما التي مهما حاولت التماسك لا تنجح فهي بعد جميع ما مرت به باتت هشة للغاية لا تتحمل اي صدمة جديدة…
عادت تلعن شقيقتها من جديد..
شقيقتها التي لم تفكر في والدتها وما سيحدث بها عندما تعلم بما فعلته …
مسحت دموعها بعنف وهي تتخذ قرارها ..
ستذهب اليه … ستذهب الى من يكون زوجها فرغم كل شيء هي تعرف جيدا انه الوحيد من يمكنه مساعدتها ..!
قادت سيارتها متجهة الى شركته فهو بالتأكيد سيكون فيها الآن ..
وصلت هناك واندفعت الى الشركة ومنه الى مكتبه متجاهلة السكرتيرة …
نهض كنان بسرعة من مكانه وهو يراها تتقدم نحوه بانهيار ظاهر على ملامحها الرقيقة ..

اندفع يسألها بقلق عصف بكيانه :-
” ماذا حدث يا ليلى …؟!”
نطقت بصوت مرتجف متلعثم :-
” مريم .. مريم تزوجت عمار …”
تراجع مصدوما لا يصدق ما يسمعه …
الحمقاء … ماذا تظن نفسها فاعلة …؟!
ألم يحذرها من عمار …؟!
ألم يخبرها أن تبتعد عنه وألا تخشاه فهو سيتصرف معه بنفسه ..؟!
تمتم بسرعة وهو يقف قبالها محاولا تهدئتها :-
” حسنا اهدئي يا ليلى … ”
ثم اضاف بجدية :-
” كل شيء سيكون بخير …”
سألته بهلع :-
” كيف …؟! لقد تزوجته … ماذا سأفعل ..؟! ماذا سأقول لماما …؟!”
” انا سأتصرف يا ليلى ..”
قالها بجدية لتهمس برجاء :-
” تصرف يا كنان … افعل اي شيء من فضلك …”
وقبل ان تنهي كلماته كان نديم يتقدم الى داخل المكتب هاتفا بغضب مكتوم :-
” عمار يخطط لشيء ما يا كنان … لقد قرر ان يبيع أسهمه في الشركة …”
ثم توقف مصدوما عندما رأى ليلى أمامه ولم تكن صدمة ليلى أقل فآخر ما كانت تريده أن ترى نديم أمامها في هذا الوقت تحديدا ..

اندفعت الى داخل الشقة بعصبية شديدة يتبعها هو بلا مبالاة عندما استدارت هي نحوه تصيح به :-
” لماذا فعلت هذا ..؟! ماذا كنت تقصد بحركتك هذه …؟!”
اتجه نحو الكنبة يجلس فوقه متسائلا ببرود :-
” آية حركة …؟!”
صاحت بنرفزة :-
” الشيك … انت تحدثت وكأنك اشتريتي مقابل هذا الشيك …”
هتف بصوت قوي صلب :-
” اخفضي صوتك اولا ..”
صاحت بصوت اكثر ارتفاعا :-
” لن اخفضه ولن أمرر ما فعلته ببساطة ….”
انتفض من مكانه متقدما نحوها بعصبية قبل أن يقبض على ذراعها بقسوة جعلتها تصرخ آلما …
مال نحوها يهمس من بين اسنانه :-
” صوتك لا يرتفع علي ابدا يا مريم … هل فهمت …؟!”
صاحت وهي تحاول التحرر من قبضته :-
” اتركني …”
شدد من قبضته وهو يخبرها من بين اسنانه :-
” مالذي يزعجك فيما فعلته ..؟! من المفترض ان تشكريني فأنا يمكنني القاء شقيقتك في السجن من خلال هذا الشيك يا هانم …”
عاندته :-
” لكنني لم أتزوجك لأجله ….”
هتف ساخرا :-
” لماذا تزوجتني اذا …؟! حبا بي مثلا …”
هتفت بنفي :-
” كلا ولكن ليس بدافع الشيك بالتأكيد …”
ابتعد عنها محررا ذراعها من قبضته …
اخرج علبة سجائره من جيبه ثم سحب سيجارة وأشعلها بينما اخذت هي تفرك ذراعها بعصبيه …
تمتم وهو ينفث دخان سيجارته :-
” والآن … هل ستخبريني لماذا تزوجتني …؟!”
منحته نظرات مشتعلة وهي تخبره :-
” لأنتقم من أكرم .. لأرد الصفعة له … ”
جلس فوق الكنبة ورفع قدميه فوق الطاولة أمامه قبل أن يسألها مجددا بعدما نفث دخان سيجارته :-
” هكذا فقط ….”
رددت بتهكم :-
” بالتأكيد لا تنتظر مني جوابا غير هذا … كأنني مغرمة بك مثلا …”
تأملها لوهلة قبل أن يقول :-
” أعلم إن هذا ليس سببا ولكن بالتأكيد لديك أسباب أخرى …”
رمقها بنظرات مريبة وهو يضيف :-
” علام اتفقت مع زوج شقيقتك …؟! ”
تجمدت مكانها لوهلة قبل ان تهمس بعدم استيعاب :-
” مالذي تقوله انت …؟! ما علاقة زوج شقيقتي …؟!”
نظر لها مرددا بابتسامة ملتوية :-
” لا تقولي انك لا تعلمين بالصداقة القديمة التي كانت تجمع بيننا …”
قالت بسرعة :-
” انا بالفعل لا أعلم عم تتحدث بالضبط ….؟! اي صداقة …؟!”
نهض من مكانه بتكاسل وتقدم نحوها بخطوات بطيئة أثارت خوفها لوهلة عندما وقف امامها يخبرها :-
” كنت أظنك شجاعة اكثر يا مريم … ”
هتفت بصوت منخفض قليلا :-
” انا لا افهم حقا …”
قاطعها مبتسما :-
” بل تفهمين جيدا ما اعنيه …”
مال نحوها يقبض على خصلة من شعرها مضيفا :-
” من الواضح إنك لم تعرفيني جيدا بعد ….”
أضاف وهو يلف تلك الخصلة حول اصبعه :-
” لم تعرفي عمار الخولي جيدا يا صغيرة ….”
مال نحوها اكثر يخبرها :-
” ولكن انا حقا ممتن لكنان فلولاه ما كنت هنا … ”
اضاف ضاحكا باستخفاف :-
” كلاكما احمق … كنتما تعتقدان انني لن اعلم بما تخططان له سويا … ”
اخذ نفسا عميقا ثم قال :
” ولكن ليس مهما .. ما يهم انك هنا … هنا بين ذراعي .. أصبحت ملكي يا مريم و بإرادتك الكاملة …”
تراجعت بعدم تصديق بينما ابتسم هو ملأ فمه :-
” ماذا كنت تعتقدين …؟! انا اعلم كل شيء عزيزتي …. ”
أضاف مدعيا الفضول :-
” ولكن يهمني ان اعرف … هل كانت شقيقتك جزءا من الخطة …؟! هل هي الأخرى معكما ..؟!”
قالت بسرعة وجل ما يهمها ان تبرأ شقيقتها :-
” كلا ، ليلى لا تعلم بشيء… هي لا دخل لها بكل ما يحدث .. ”
ابتسم باتساع والآن قد تأكد من حدسه …
الحمقاء منحته اعترافا صريحا دون ان تدري …
منذ ان علم بخطبة كنان من ليلى و بدأت شكوكه اتجاه هذا الارتباط المريب …
وهي بتصرفاتها كانت تزيد من شكوكه ….
والآن تأكد …
مريم شريكة كنان الذي على ما يبدو لن ينسى ما فعله بشقيقته ابدا …
اختفت ابتسامته وهو يخبرها بجمود :-
” لقد وقعت في فخي بكل سهولة يا مريم … وعليك أن تعلمي إنه لا خلاص لك من هنا مهما حدث …”

” ليلى …”
تمتم بها نديم مصدوما من وجودها فرغم معرفته بأمر خطبتها من كنان لكنه لم يتوقع ان يجتمعا خاصة في هذه الفترة …
تسائل بقلق وهو يلاحظ انهيارها الواضح :-
” هل أنت بخير ..؟!”
أجاب كنان نيابة عنها :-
” ليلى بخير يا نديم …”
قاطعته ليلى بسخرية :-
” كيف سأكون بخير وأخيك في حياتي …؟!”
سأل نديم بتوجس :-
” ماذا فعل عمار مجددا …؟! هل تسبب بأي مشكلة لك …؟!”
صاحت ليلى بلا وعي :-
” وما الجديد ..؟! أخوك دائما ما يتسبب بالمشاكل لي ولمن يخصني … انا لا أفهم لمَ علي أن أتحمل كل هذه المصائب بسببكما …؟! انت وأخيك لعنة دخلت حياتي بل حياة عائلتي ايضا … ليتني لم أعرفك يوما … انت وهو السبب في كل شيء ….”
” ليلى اهدئي ..”
قالها كنان وهو يقبض على ذراعها بخفة ليوقفه نديم بجدية :-
” دعها تتحدث يا كنان … هي معها كل الحق …مهما قالت فهذا حقها ولا يمكنني لومها ابدا ..”
هتفت بغضب ما زال يسيطر عليها :-
” والله يا نديم لو حدث لمريم شيء فلن يكفيني دمك انت وعمار ….”
سأل نديم مصدوما :-
” ما بها مريم …؟؟ ماذا فعل عمار لها …؟!”
نظر الى كنان مرددا بنفاذ صبر :-
” تحدث انت يا كنان … ماذا يحدث ..”
قال كنان بضيق :-
” مريم تزوجت من عمار …”
ردد نديم مصعوقا مما سمعه :-
” ماذا ..؟؟ لا يمكن …”
سألت ليلى كنان بلهفة :-
” ماذا سنفعل الآن يا كنان .. ؟! كيف ستتصرف ..؟!”
هتف كنان محاولا تهدئتها :-
” من فضلك يا ليلى .. اهدئي بالله عليك وأنا أعدك إن شقيقتك لن يمسها اي مكروه …”
اضاف وهو يشير الى نديم متسائلا :-
” وأنت يا نديم … ماذا كنت تقول …؟! ماذا يعني إن عمار يخطط لبيع حصته من الشركة …؟!”
تمتم نديم مجيبا :-
” هذا ما حدث … غالية اخبرتني بذلك بعدما علمت بالصدفة ….”
” كيف علمت بالصدفة ..؟!”
تسائل كنان بشك ليخبره نديم :-
” كانت في الشركة كعادتها والتقت برجل اعمال معروف وهو يغادر الشركة … القى التحية عليها ثم صدمها وهو يسألها عن سبب رغبة عمار بالانفصال وبيع اسهمه في شركة أبي …””
سألت ليلى بقلق :-
” ماذا يعني هذا يا كنان …؟!”
قال كنان بجدية :-
” ربما يخطط للسفر …”
شهقت ليلى مرددة :-
” ومريم …؟!”
قال بسرعة :-
” أخبرتك ألا تقلقي … لن أسمح له بالسفر مهما حدث … ”
اضاف بجدية :-
” يجب أن تغادري انت الآن …”
ثم أشار الى نديم :-
” سأوصلها ثم اتحدث معك ..”
هز نديم رأسه بتفهم عندما فوجئ كليهما بليلى تهتف معترضة :-
” لن اتحرك خطوة واحدة من هنا … اريد ان أفهم ما يحدث وعلام تخططان سويا …”
هم كنان بالرفض لتوقفه بحزم :-
” صدقني لو لم تكن مريم في الوسط ما كنت أهتم … ما تخططان له لا يعنيني بشيء لولا دخول شقيقتي في الأمر لذا انا يجب أن أفهم ما يحدث ولن اسمح لكما باخفاء اي شيء عني … يمكنكما ان تعتبراني معكما بعد الآن حتى أستعيد شقيقتي من ذلك اللعين …”

غادرا الشركة سويا بعدما أصر على ايصالها رافضا ان تقود سيارتها لوحدها وهي بهذه الحالة رغم انها هدئت بعدها وهي تجلس وتستمع لكليهما …
رغم رفضها الداخلي لجلوسها معهما وتحديدا نديم لكنها اضطرت الى ذلك …
هي من حقها ان تعرف ما يحدث وعلام ينويان لان الأمر يخص شقيقتها …
تذكرت شكوك كليهما عن تخطيط عمار للسفر وردة فعل كنان الهادئة وهو يخبرهما ان عمار بات يدرك ان نهايته اقتربت لذا هو قرر السفر خارجا …
هدوئه كان مغيظا بينما هي كانت تنتفض خوفا على شقيقتها ونديم كان يشتعل بغضب شديد من فكرة فرار عمار الى الخارج بهذه السهولة …!
لاحت التفاتة منها نحوه تتأمله بشرود وداخلها تتسائل …
هل هو حقا يستطيع ان ينقذ مريم …؟!
هل يستطيع أن يتخلص من عمار ..؟؟
تذكرت كلماته الجادة وهو يبرر لها افعال شقيقتها …
” عمار مغرم بمريم ليلى .. مشاعره نحوها اقوى مما تتصورين .. عمار ما كان ليترك مريم ابدا … نعم شقيقتك اخطأت لكن صدقيني عمار لم يكن سيتركها وشأنها أبدًا .. كان سيتزوجها بارادتها او رغما عنها …”
عاد القلق يغزوها مجددا …
عمار يعشق مريم …
عمار الذي تعرفه يفعل اي شيء ليحصل على ما يريد…
هل كانت مريم تحاول ان تسبقه بخطوة …؟!
أم إنها اتخذت خطوة الزواج بدافع خفي ..؟؟
ابتسمت ساخرة عندما وصلت الى هذا النقطة …
كم هي حمقاء شقيقتها التي تعتقد انها بامكانها ان تقف في وجه عمار …؟!
لا احد يعرف عمار مثلها … لا احد ..
هذا الرجل مرعب … شيطان بوجه انسان ….
عمار لا يستطيع اي شخص ان يقف في وجهه ..
ومجددا عادت تتسائل بقلق اذا ما كان كنان يستطيع ان يفعل ذلك…؟!
هل يستطيع ان يوقف عمار عند حده حقا …؟!
هي لا يهمها مصيره … هي فقط تريد سلام شقيقتها …
تريد خروجها من هذه المعركة سالمة …
اطلقت تنهيدة طويلة عندما وجدته يسألها بجدية بعدما اوقف سيارته قرب الفيلا :-
” ألن تقولي شيئا ..؟؟”
سألته بخوف :-
” هل من الممكن أن يؤذيها …؟!”
رد بجدية :-
” لا أعتقد … هو يحبها كما اخبرتك …”
هتفت مستنكرة :-
” وهل شخص مثله يعرف الحب …؟!”
تمتم بهدوء :-
” ولكن هذه الحقيقة … هو يحب مريم بل يعشقها …”
تمتمت بقلق :-
” اخاف ان يتسبب بمصيبة اخرى … ماذا سأفعل حينها …؟! نعم انا غاضبة منها ولا يمكنني مسامحتها ولكنها شقيقتي وأخشى أن يصيبها اي مكروه …”
قال بجدية محاولا طمأنتها من جديد :-
” أخبرتك ألا تقلقي … انا سأتصرف …”
سألته بتوجس :-
” ماذا ستفعل …؟!”
نظر لها بصمت امتد للحظات قبل ان يخبرها :-
” اعتقد ان عمار يجهز للسفر قريبا وهذا يعني انه بات يدرك جزءا مما يحدث وحوله …”
هزت رأسها بصمت ليضيف :-
” ولكن هناك شيء واحد فقط متبقي …. ”
نظرت له برهبة ليهتف بجدية :-
” شيرين وطفله …. ما وضعهما في هذه اللعبة …؟!”
سألته بوجوم :-
” علام تنوي يا كنان …؟!”
تنهد ثم قال :-
” سأخبرك بكل شيء في الوقت المناسب …”
ظهر الرفض في عينيها فأضاف بجدية :-
” صدقيني سأفعل .. فقط تحملي قليلا …”
زفرت انفاسها وهي تهز رأسها مرغمة عندما هبطت من السيارة بعدها وتحركت متجهة الى الداخل تاركة اياه يتابعها حتى اختفت من امامه ليسحب هاتفه ويجري اتصالا ما احدهم يخبره :-
” كما أخبرتك … اريد حرسا حول الفيلا طوال اليوم وحارسين اثنين لأجل ليلى هانم … لا أريدها أن تتحرك خطوة دون ان يكونان خلفها …. “

بعد مرور يومين …
خرجت من الحمام وهي تجفف شعرها بالمنشفة قبل ان تجلس امام طاولة التجميل و تبدأ بتسريح شعرها ….
نهضت بعدها من مكانها وهمت بارتداء ملابسها المريحة الملائمة لشهور حملها السبعة …
جذبت هاتفها وهي تجلس على السرير لتتجمد مكانها بعد لحظات مما رأته …
هزت رأسها برفض وهي تقرأ محتوى الرسالة للمرة الثانية فأخذت الدموع تتساقط فوق وجنتيها بغزارة …
نهضت من مكانها وسارعت تخرج من غرفتها …
لا تعرف كيف غادرت المنزل وركبت احدى سيارات الاجرة بعدما شعرت بعدم قدرتها على القيادة …
كانت تبكي طوال الطريق …
لا يمكن ان يفعلها …
لا يمكنه ان يتزوج اخرى …
لقد أكد لها عدم وجود شيء بينه وبينها …
هل كان يخدعها ..؟!
سارعت تهبط من سيارة الاجرة وتتجه الى الشقة التي تعرفها جيدا …
ضغطت على جرس الباب عدة مرات حتى وجدته يفتح الباب لها بملابس نومه فيتجمد مكانه من وجودها امامه بينما دفعته هي بقوة وتقدمت الى الداخل …
التفتت نحوه تسأله بأنفاس متعبة :-
” هل تزوجت حقا …؟!”
تأملها لوهلة قبل أن يهز رأسه بصمت عندما خرجت مريم من الغرفة التي قضت بها اليومين السابقين بعدما قررت الانعزال عنه لتتسع عينا شيرين مما تراه وهي التي كانت تأمل داخلها ان تكون تلك الرسالة كاذبة …
كان لديها آمل رغم كل شييء …
ضحكت من بين دموعها مرددة :-
” يا إلهي كم كنت غبية …”
ثم نظرت له تهمس بوجع :-
” لماذا يا عمار …؟! لماذا خدعتني …؟!”
رد بجدية :-
” اهدئي اولا وتذكري انك حامل …”
صاحت باكية :-
” كيف استطعت ان تفعل بي هذا … ؟! كيف …؟!”
اضافت بنبرة متألمة :-
” انا احببتك وتحملت الكثير منك …”
صدح صوت الاخرى باردا قاسيا :-
” لانك حمقاء ….”
منحها عمار نظرات حادة تجاهلها وهي تتقدم نحو شيرين تخبرها ببرود :-
” نعم انت حمقاء …”
اضافت وهي تشير اليه :-
” من تثق بشيطان مثله حمقاء …”
استرسلت وهي ترسم ابتسامة باردة فوق شفتيها :
” عمار الذي منحته ثقتك وتزوجته رغم كل ما تعرفينه عنه كان يتغنى نهارا وليلا بعشقي … يخبرني إنني عشقه الوحيد وحلمه المستحيل الذي يسعى لنيله بكل قوته …”
تجاهلت ضعف ملامح شيرين وبؤسها وهي تشير اليه بتحدي :-
” هل تستطيع أن تنكر ذلك …؟!”
تحركت شيرين تهم بمغادرة المكان عندما قبض عمار على ذراعها مرددا :-
” شيرين اسمعي اولا …”
سحبت ذراعها من قبضته وهي ترمقه بعينيها بنظراتها اليائسة :-
” ابتعد عن طريقي يا عمار … هي معها حق … كان علي ان ادرك انك لم تحبني يوما ولن تفعل … لكنني كنت حمقاء وانجرفت خلف مشاعري ….”
ثم تحركت خارج الشقة بينما منح عمار نظرات نارية لمريم لتتجاهل بدورها نظراته وهي تهز كتفيها بلا مبالاة ..
سارع يغادر الشقة وهو يغلق الباب بالمفتاح ثم يركض خلف شيرين التي وجدها تستند على الحائط المجاور للمصعد الكهربائي والدموع تغرق وجهها …
قال بسرعة :-
” شيرين انت حامل … من فضلك ..”
صاحت به :-
” انت تخشى على ولدك … أليس كذلك ..؟!”
اضافت وهي تضحك بمرارة :-
” انت لم تحبني يوما …. انت استغليت مشاعري … اتخذتني بديلا لها …”
قاطعها بوجوم :-
” انت لست بديلا لها يا شيرين …”
سألته بدموع حارقة :-
” هل تنكر انك تحبها بل تعشقها …؟!”
هز رأسه نفيا لتنقض عليه تضربه على صدره وهي تصيح :-
” لماذا فعلت بي هذا … لماذا أذيتني بهذا الشكل .. انا احببتك .. لماذا قلت انك تحبني .. لماذا ..؟!”
حاول ايقافها دون جدوى عندما توقفت فجأة وهي تمد كف يدها اسفل بطنها قبل ان ينطلق صراخها :-
” أنا ألد .. أنا ألد يا عمار …”
لم يعرف كيف يتصرف في البداية …
لقد جمدته الصدمة وهو يستوعب انها تلد في شهرها السابع …
سارع يحملها بين ذراعيه ويهبط بها درجات السلم وسط صياحها المؤلم …
اخذها الى المشفى وهناك تم ادخالها فورا الى غرفة الولادة …
تم التواصل مع طبيبتها التي اتت فورا وأخبرتهم بضرورة اجراء عملية قيصرية تجنبا لاي خطر عليها او على الجنين…
دلفت شيرين الى غرفة العمليات بينما سارع هو يتصل بعائلتها …
جاءت والدتها مع اخيها وزوجته …
تجاهل نظرات شقيقها الرافضة وتجاهله شقيقها بدوره …
لا يعرف كيف مر الوقت عليه …
كان مرعوبا بشدة من خسارتها او خسارة طفله …
في النهاية خرجت شيرين سالمة بعدما انجبت صبيا جميلا كما اخبرته الطبيبه …
تم نقل شيرين الى غرفة عادية بعدما أفاقت من البنج بينما تم ايداع الطفل في الحاضنة على الفور فهو سيبقى فيها لعدة ايام حتى يكتمل نموه كونه اتى قبل موعد ولادته المفترض بحوالي شهرين ..

عاد بسرعة الى شقته بعدما اطمئن بشكل مبدئي على ولده وكذلك شيرين التي ستبقى كلا من والدتها وزوجه شقيقها معها …
وجدها تجلس على الكنبة متحفزة عندما سألته وهي تنهض من مكانها بعدما دلف الى الشقة :-
” ماذا حدث ..؟! اين كنت منذ الصباح ..؟!”
اجابها وهو يتجه نحو غرفته بلا مبالاة :-
” شيرين أنجبت طفلنا قبل ساعات قليلة …”
سارت خلفها تسأله بتهكم خفي :-
” هكذا اذا … أنجبت صبيا …!! ”
هز رأسه وهو يفتح باب خزانته لتتابعه وهو يسحب بضعة اوراق اثارت شكوكها …
سمعت صوت جرس الباب يصدح فاشار لها آمرًا :-
” افتحي الباب فورا …”
منحته نظرة حارقة لم ينتبه اليها اساسا وهي تتحرك نحو الباب وتفتحها لتجد امامها شابة حسناء ذات عينين خضراوين جذابتين تتأملانها ببرود قبل أن تسأل :-
” هل عمار هنا ..؟!”
رمقتها مريم بشك وهي تومأ برأسها لتجد الفتاة تدلف الى الداخل وتغلق الباب خلفها فسألتها مريم وهي تحاوط خصرها بذراعيها :-
” ومن انت ايضا …؟!”
سألته ريم بدورها :-
” اين هو …؟!”
ثم توقفت وهي تراه يخرج من الغرفة متوجها لها لتلتفت مريم نحوه تسأله بسخرية :-
” من تلك الفتاة يا عمار ..؟!”
أضافت وهي تلوي ثغرها بتهكم :-
” العشيقة رقم مئة أم الزوجة الرابعة ..؟!”
تجاهل حديثها وهو يأمرها بغلظة :-
” ادخلي الى غرفتك ولا تخرجي منها حتى أسمح لك بذلك …”
احتدت ملامح مريم وهي تصيح برفض :-
” انت كيف تأمرني هكذا … ماذا تظن نفسك …؟!”
عاد يكرر أمره بنبرة ثابتة وعينيه تنظران لها بوعيد صريح :-
” ادخلي حالا يا مريم …”
منحته نظرة قاتمة وهي تتحرك الى الداخل عندما تسائلت ريم بوجوم :-
” ماذا يحدث بالضبط يا عمار …؟! ”
تنهد مجيبا :-
” شيرين انجبت طفلنا اليوم …”
” حقا ..؟؟”
قالتها ريم بدهشة قبل ان تهتف بفرحة تملكت منها رغما عنها :-
” مبارك يا عمار … كيف حالها وحال الطفل ..؟؟”
رد بتجهم :-
” هي بخير ولكن الطفل سيبقى في الحضانة … انت تعلمين انه ولد مبكرا …”
هزت رأسها بتفهم قبل أن تسأل :-
” هل اخترت اسما له ام …”
قاطعها مبتسما بفخر :-
” اخترت بالفعل .. سوف اسميه جَسور.. جَسور عمار الخولي …”
تمتمت بخفة :-
” جَسور .. اسم جميل ومعناه اجمل …”
” تعالي الى الداخل لنتحدث …”
قالها بجدية وهو يسحبها الى داخل غرفته ويغلق الباب عليهما بينما مريم في الغرفة الاخرى تحترق من شدة فضولها لمعرفة هوية الفتاة وما سبب مجيئها …
مرت حوالي ثلث ساعة لتسمعه مريم وهو يودع الفتاة فخرجت مسرعة ووقفت بجانب باب غرفتها تنظر له بتحفز قبل أن تسأله :-
” من هذه ولماذا أتت ..؟!”
رد ببرود :-
” انها ريم … ابنة خالتي …”
أضاف بجدية :-
” أتت لأخبرها بأمر هام …”
أضاف بعدها وهو يميل نحوها قليلا :-
” صحيح … سننتظر خروج جسور من الحضانة ثم نغادر البلاد بعدها …”
تجمدت ملامحها لوهلة قبل أن تسأله :-
” ماذا تعني ..؟!”
رد ببساطة :-
” يعني سننتقل للعيش خارج البلاد .. انا وشيرين وطفلنا وانت معنا بالطبع ..”

في صباح اليوم التالي …
وقف أمام المرآة وهو يسرح شعره عندما وجدها تتقدم نحوه تتأمله بسخرية تجاهلها وهو يجذب محفظته وهاتفه ….
سألته بجدية :-
” هل ستذهب الى شيرين …؟!”
رد بتأكيد :-
” نعم .. يجب أن أطمئن عليها وعلى الطفل ايضا ….”
منحته نظرة باردة ثم قالت :-
” هل ستخبرها بقرارك …؟!”
رد بايجاز :-
” ليس الآن … ”
عقدت ذراعيها امام صدرها وهي تسأل مجددا :-
” متى إذا …”
وقف قبالها يجيبها ببساطة :-
” قبل السفر بايام قليلة ..”
” وماذا لو رفضت …؟!”
سألتها بجدية ليجيب بنفس الجدية :-
” لن ترفض …. ”
” مالذي يجعلك واثقا الى هذا الحد …؟!”
سألته مندهشة ليجيب ببساطة :-
” شيرين تفعل اي شيء لأجل ولدها … هي كانت تنتظر هذا الولد بشدة …”
” ما العلاقة ..؟! لا أفهم حقا …”
شرح لها :-
” لان شيرين تعرف انني امتلك الكثير من الاعداء الذين لن يتركوني لا انا ولا ولدي بشأني … عدم سفرها معي يعني بقائها هي والطفل في مواجهة الجميع …”
ضحكت غير مصدقة :-
” انت تستغل طفلك … ”
صحح لها بحدة :-
” أنا أحميه …”
اكملت عن قصد :-
” وتحمي نفسك ايضا …”
اضافت وهي تنظر الى عينيه بقوة :-
” لا اعتقد ان شيرين ستقبل بشيء كهذا … ”
اضافت بمكر مقصود :-
” خاصة انك تحب طفلك وهذا يعني انه من المستحيل ان تسافر وتتركه لقمة سائغة للجميع … لذا من الممكن جدا ان ترفض وتصر على بقائها هنا وانت بدورك ستضطر الى البقاء …”
قال بجدية :-
” شيرين لن تفعل ذلك .. لان بقائي هنا بات يشكل خطرا علي … وهي لن تقبل ان يصيبني اي مكروه …”
” بعدما خدعتها وتزوجت عليها … لا اعتقد ذلك …”
قالتها عن قصد ليرمقها بنظرات باردة وهو يخبرها :-
” بعيدا عن مشاعرها الصادقة نحوي وعشقها الشديد لي … انا أبو طفلها … طفلها الذي سوف تسعى دائما ليعيش افضل حياة ممكنة وهي تعرف جيدا ان طفلها لن يكون سعيدا اذا خسر والده … ”
” اتمنى ان تكون ثقتك في محلها …”
قالتها باقتضاب ليهتف بثقة :-
” شيرين ليست مثلك يا مريم … شيرين مختلفة …”
نعم هي مختلفة …
شيرين لن تسمح ان يعايش طفلها اي مكروه …
هذه شيرين التي يعرفها جيدا ….
تحرك بعدها متجها الى المشفى …
دخل الى غرفة شيرين ليجد والدتها هناك والتي استقبلته ببرود تجاهله وهو يتقدم نحوها …
ينحني قربها ليطبع قبلة على جبينها لكنها ابتعدت بنفور واضح عنه ….
انتصب مجددا متجاهلا ما فعلته قائلا :-
” الحمد لله على سلامتك …”
تحركت والدتها تستأذن مغادرة المكان ليهمس بصدق :-
” شكرا يا شيرين …”
نظرت له بوجوم ليضيف بصدق :-
” شكرا على ما منحتي اياه … انت منحتني طفلا رائعا تمنيته طويلا … شكرا حقا …”
كان صادقا فيما يقوله وشعرت هي بذلك …
رغم كل شيء هي تثق انه يمتلك عاطفة ابوية شديدة سوف يغمر بها طفله …
على الاقل سيكون أبا جيدا محبا لطفله وهذا شيء يخفف عنها قليلا ويطمئنها على مستقبل طفلها …
سألها بجدية :-
” ألن تقولي شيئا …؟!”
ردت بصوت جاف :-
” اريد الطلاق رسميا ..”
مسح على وجهه ثم قال بصبر :-
” ابننا وصل الى عالمنا البارحة وانت تفكرين في الطلاق … الا يكفي إنه وصل غير متكمل النمو …؟!”
ضحكت مرددة بسخرية مريرة :-
” بسببك … لقد أنجبته مبكرا بسببك …”
” أعلم … ”
قالها باقتضاب وهو يضيف :-
” اعلم ذلك جيدا وانا آسف لك …”
قالت بجمود :-
” لا اريد اعتذار …”
سألها بتعب :-
” مالذي تريدينه اذا …؟!”
تطلعت له بألم ثم قالت برجاء :-
” اريدك ان تخرج من حياتي الى الابد …”
” هذا مستحيل …”
قالها بجدية قبل ان يضيف :-
” بات هناك طفل يربط بيننا مما يجعل خروجنا من حياة بعضنا مستحيلة…”
انهى كلماته وهو ينحني نحوها طابعا قبلة فوق جبينها لتغمض عينيها بقهر قبل ان يتحرك خارج المكان فتفتح عينيها الحمراوين بوجع احتل كيانها بأكمله ..

بعد مرور ثلاثة اسابيع …
دلفت الى الفيلا وهي تحمل صغيرها بينما عمار يجاورها بحرص …
تقدمت الخادمة بسرعة لتأخذ الطفل من شيرين عندما هتفت الأخيرة وهي تتجه نحو غرفة الجلوس :-
” يجب ان نتحدث قليلا …”
تبعها على مضض حتى جلس قبالا لها وهو يتأمل الضيق المرتسم على ملامحها ليهتف بتروي :-
” اعلم انك لست راضية عن قراري بالسفر ولكنني مضطر لذلك …”
سألته بتجهم :-
” لماذا يا عمار …؟! انظر الي … لقد سايرتك فيما تريده بعدما اخبرتني ان هناك اعداء يتربصون لك … عدت معك الى هذه الفيلا مرغمة كي نبقى تحت حمايتك انا وطفلي مع انني لا افهم اي نوع من العداوات لديك … والآن تريد ان اسافر معك انا وطفلي واترك البلاد هنا وعائلتي ببساطة …”
قال بتمهل :-
” السفر افضل لنا … هناك سنبدأ حياة جديدة خالية من المشاكل …”
” هل سوف نسافر لوحدنا ..؟!”
سألته ببرود ليجيب :-
” حاليا نعم …”
تجاهل ذكر مريم فهو لن يخبرها بذلك كي لا ترفض …
ستعلم بذهاب مريم معهم في وقت لا تستطيع فيه التراجع عن السفر …
مريم التي يحبسها في شقته وسط حراسة مشددة مانعا عنها التواصل مع اي احد …
أضاف بعدها وهو ينفض افكاره بعيدا عنه :-
” ولكن جيلان ستأتي عندنا فيما بعد .. انت تعرفين انني لا يمكنني ان اتركها … فقط انتظر خروجها من المصحة سالمة …”
نهضت من مكانها تتحرك في المكان وهي تخبره :-
” أتسائل عن مصيري معك اذا ما وافقتك وسافرت خارج البلاد معك …”
اكملت وهي تستدير نحوه ترمقه بنظرات متهكمة :-
” ربما يكون مصيري المصحة النفسية كجيلان او الانتحار كوالدتك …”
انتفض من مكانه يصيح بها محذرا :-
” شيرين .. اياك ان تجلبي سيرة والدتي …”
صاحت بدورها :-
” لماذا لا أفعل ..؟! أليس جميع ما يحدث معنا بسبب انتقامك لأجلها ..؟؟ أخبرني يا عمار .. ممَ انت تهرب …؟! من نديم أليس كذلك ..؟!”
أضافت وهي تتقدم نحوه :-
” تهرب منه لانك تعرف جيدا إنك آذيته لدرجة ربما حولته وحشا لن يتردد لحظة واحدة في الانتقام منك بأعز ما تملك .. ولدك …”
قال بجمود :-
” نديم لا يمكنه ان يفعل شيئا وانت تعلمين ذلك جيدا …”
سألته بجدية :-
” مالذي يجعلك تستهين به الى هذا الحد …؟! أنت دمرت حياته … لفقت له تهمة جعلته يقضي خمسة اعوام كاملة في السجن دون ذنب ….”
أكملت باصرار :-
” ألا تشعر بالذنب ولو قليلا اتجاهه يا عمار …؟! انت الآن أصبحت أبا … ألا تخشى ان يدفع طفلك ثمن أخطائك ..؟!”
قاطعها ببرود :-
” اذا انت تعترفين ان نديم كان يدفع ثمن اخطاء والدته ….أم نسيت ما فعلته والدته بوالدتي وانها تسببت بانتحارها …؟!”
” لماذا لم تنتقم منها اذا ..؟! لماذا لم تأخذ حق والدك ممن آذتها بدلا من أخيك الذي لا ذنب له فيما حدث …”
انتفض يصيح بها :-
” لإنه ولدها .. وهو وحده من يحرق قلبها ….”
” حقا … اذا كان عليك ان تقتله بدلا من تلفيق تهمة له سجنته لاعوام ثم خرج وعاد الى احضان والدته بعدها …!!”
قالتها عن قصد ليهتف بجدية :-
” انت لا تفهمين .. الموت راحة للبعض … موت نديم كان سيريحه هو وحتى صباح نفسها .. موت ولدها كان اهون عليها من رؤيته على هذه الحالة .. ضعيفًا مغدروا خاسرا لكل شيء … انا كان يمكنني قتله وبسهولة لكنني لا اريد هذا .. أردت أن أدمره و أحطمه وأحرق قلب والدته… أردت أن أدمر العالم المثالي الذي يحيا به فوجدت ان تلفيق تهمة كهذه له افضل حل … تجارة ادوية ممنوعة جعلته يسجن لخمسة اعوام ويفقد شهادته العلمية وسمعته وكل شيء … نديم الآن مهما حاول أن ينهض بنفسه فلن يستطيع لإنه في نظر المجتمع مجرم سابق لا يمكن الوثوق به بل لا يفضل أي حد التعامل معه بأي شكل .. انا ألصقت به تلك التهمة التي ستبقى تطارده طوال حياته وتطارد اولاده من بعده …”
انهى كلماته ليجد الدموع تملأ عينيها …
تمتم ساخرا :-
” انت بالطبع لم يصدمك ما سمعتيه …”
ثم توقف وهو يتفاجئ بشرطي يقتحم المكان طالبا منه التوقف مكانه بينما شرطيين آخرين يقبضان عليه بسرعة …
ظلت شيرين واقفة مكانها والدموع تتساقط من عينيها عندما منحها عمار نظرة اخيرة …
عمار الخولي سقط أخيرا ….
سقط على يد المرأة الوحيدة التي وثق بها والتي لم يعتقد ان تغدر به يوما …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى