روايات

رواية زحليقة إلى زحل الفصل الثالث 3 بقلم آية محمد رفعت

رواية زحليقة إلى زحل الفصل الثالث 3 بقلم آية محمد رفعت

رواية زحليقة إلى زحل الجزء الثالث

رواية زحليقة إلى زحل البارت الثالث

رواية زحليقة إلى زحل الحلقة الثالثة

(عش الزوجية!..)
زفاف لم يكن مميزًا كالأساطير التي تقصها اغلب الروايات، كان بسيطًا غير متقن بالمميزات التي يسبق ذكرها على ألسنة الناس لأعوامٍ، تطرف على نصية الشارع الشعبي، تألقت به مسك بفستانها الأبيض الرقيق، ولم ترغب بارتداء فستانًا ضخمًا يعيقها عن الحركة، موعد الزفاف كان مفاجأة للمدعوين على الحفل، لم يصدق أحدٌ بأن تلك الزيجة ستتم يومًا، فاستغرق الاستعداد للزفاف ثلاثة أشهر، حرصت بهم مسك بتحضير أوراق جواز سفرها التي تنشئه لأول مرة، فلم يعنيها ما تحضره والدته من مستلزمات عش الزوجية، أكثر من ارضاء شغفها بالسفر لدولة أحلام طفولتها، وخلال رحلة بحثها على السوشيل ميديا توصلت لرحلة تقوم بها احدى الشركات لامريكا بمجموعة محددة تذهب في رحلة للتخييم، مدتها اثنا عشرة يومًا، فحجز مؤمن لهما على متنها، وها هي الآن تزف لشقتها القابعة بالطابق منزل الحاج “فتح الله”، خلعت مسك حذائها والقته أرضًا بقوةٍ جعلت من يقف خلفها ينتفض بوقفته، فصاح بضيقٍ:
_خضتيني.. انتي بتحاربي!
حملت فستانها ثم ولجت للداخل تاركته مازال يقف بالخارج ويتأمل تأففها بدهشةٍ دفعته للدخول خلفها، فسألها بذهولٍ:
_مالك شايلة طاجن جدك فتح الله ليه؟
جلست على الأريكة بانهاكٍ تام، وقالت:
_أيه كل الفقرات دي، مكنش ناقص غير يعملوا فقرة الساحر!
عدل من جرفاته وهو يجيبها بغرورٍ:
_وبجيبوا ساحر ليه وأنا موجود.
وجلس لجوارها ونظراته تشملها بنظرة خطيرة، جعلتها تتراجع للخلف وهي تردد بخوفٍ:
_في أيه يا مؤمن مالك؟
تساءل باستغراب وهو يكاد يسقط فوقها:
_مالي أيه النهاردة فرحنا!
حللت مقصده بمنطقية لم تعترف بها مسبقًا:
_هو انا كنت فاقدة الذاكرة وانت بتساعدني تراجعلي، ما أنا عارفة ان النهاردة كانت خرجتي من الدنيا.
جذب يدها ليضعها على صدره وغمز لها برغبة صريحة كادت بالتفجج من حدقتيه:
_هناك مشاعر وعواطف تضرب هذا القلب البائس، وما عليكِ سوى الصعود على متن الطائرة لنصعد معًا للفضاء.
سحبت يدها عنه، ودفعته للخلف وهي تصيح بعصبيةٍ:
_مؤمن اتهد في ليلتك دي واعقل، عشان اللي بتفكر فيه ده عمره ما هيحصل يا حبيبي… وإن.. إن يعني حصل مش هيكون غير في أمريكا.
برقت عينيه صدمةٍ لما يستمع اليه، فردد باستنكارٍ:
_نعم.. يعني أحنا هنفضل اخوات كده لحد ما نسافر! يعني هفضل كده عشر أيام!
بدون مبالاة قالت:
_وماله ما إحنا طول عمرنا اخوات مفهاش حاجة لما تستحمل عشر ايام.
رمش بعينيه وهو يردد بعدم استيعاب:
_هو انتي متخيلة اني هضحك عليكي ومش هوديكي عشان كده بتأمني نفسك!
حملت فستانها ونهضت عن الاريكة وهي تجيبه ببسمة واسعة تخالف ظنونه بنفيها هذا الظن المبطن:
_بالظبط.. اختارلك بقا اوضة وانصرف عشان بنام بدري!
اشتعلت جمرات الغضب داخله، فالقى المزهرية المجاورة له وهو يصيح بصوتٍ تسلل صداه للمنزل بأكمله:
_ده انتي ليلتك شبه رغيف العيش المدعم! بقى أنا يتشك فيا وفي وعودي يا بايرة، ده انا اللي نجدتك من فتح الله يا بت وزينتلك حلمك التعيس!
وزعت نظراتها بينه وبين المزهرية الشبيهة لتلك التي قام بكسرها من قبل، حاولت التحكم بغضبها كونها أول ليلة تجمعهما معًا، ولكن محاولتها باتت بالفشل بعد التقاطتها لأكثر من نفسٍ متقطع بصوت مختنق جعل الاخير يردد في خوفٍ:
_هتتحولي ولا أيه؟
انسحبت من أمامه بهدوءٍ كان للاخير مرعبًا، وعادت بعد قليل تحمل زجاجات العطر الخاصة به، فرفع يده يحظرها بنبرة رجاء:
_مسك إوعي، انتي متعرفيش الواحدة من دي بكام وآ…
ابتلع باقي جملته حينما كسرت أول زجاجة برفيوم، ولم تكتفي بها بل اكملت ببسمة حملت راحة واستمتاع لرؤية وجهه الشاحب القريب من فقدان الوعي!
*******
بالأسفل..
جلس على فراشه أمام حاسوبه الخاص، بعدما انعش جسده بحمامٍ دافئ بعد انتهاء ضجة الفرح التي أرهقته أكثر من الحضور، كونه الأخ الوحيد للعروس، والصديق الوحيد لابن عمه، ارتشف يونس من قهوته السادة وهو يتابع حساباته الخاصة بالبنك لانشغاله طيلة الفترة الماضية، شعر بسعادة تغمر قلبه أنه وأخيرًا سيغفو براحة بعيدًا عن مشاكسات مسك ومؤمن، علهما الآن يفضون وقتًا رومانسي لا يحتاجان به لمن يفض النزاع بينهما، بهتت معالم يونس تدريجيًا حينما تسلل اليه صوت اصطدام قوي يأتي من الأعلى، ومن بعدها عدد مرات لا تحصى من اصوات زجاج يكاد يسقط سقف غرفته فوق رأسه، ومع زعزع بدنه أصوات الصراخ المرتفع، وفجأة وجد باب غرفته يفتح ووالدته تهرول اليه بقلقٍ:
_يونس الحق يا ابني اطلع شوف أيه اللي بيحصل فوق!!
وضربت كف بالاخر وهي تستطرد برعب:
_يا ترى عمل أيه معاها الغشيم ده! أنا عارفة ابن عمك
نهض عن فراشه وارتدى ملابسه وهو يجيبها على مضضٍ:
_ومسك اللي ملاك بجناحين.. مش بعيد اطلع القيها هي اللي مخلصة عليه.
أغلق سحاب جاكيته وهو يهمس بسخطٍ:
_هطلع اخبط عليهم ازاي في وقت زي ده بس!!
فتح باب الشقة وكان بطريقه للاعلى، فاستمع صوت جده المنادي من اسفل الدرج، هبط اليه يونس وهو يتساءل بريبة:
_نعم يا جدو.
أشار له وهو يستند على عكازه:
_اطلع شوف المهزلة اللي فوق دي حالا قبل ما الناس تتفرج علينا.. وانزلي عايزك.
هز رأسه وهو يكمل طريقه للاعلى بضجرٍ، دق يونس جرس الباب أكثر من مرة حتى فتح مؤمن الباب، صعق يونس حينما رأى ثيابه مطوية بإهمالٍ، شعره منهدم بعشوائية وكأنه كان بملحمة تاريخية، أما وجهه كان يحمل مخطوطة من الاظافر، تعلق به مؤمن وهو يردد ببسمة واسعة لا تتناسب مع حالته الجسمانية الغير مبشرة بسلامته بالمرة:
_أبو نسب.. اهلا بيك يا حبيبي.
ودفعه للخارج وهو يرجوه بذعر:
_انزل هات المأذون وتعالى بسرعة… اختك جوه استلمها بكرتونتها وعهد الله مجيت جنبها.. خد اختك وسيبولي اللي اتبقى من الشقة حق المصاريف اللي صرفتها على الجوازة المنيلة بنيلة دي.
دفعه يونس للداخل، ثم أغلق الباب من خلفه، وصاح بغضبٍ:
_اهدى كده وفوق الجيران حولينا لما يسمعوا الصريخ ده كله هيقولوا علينا ايه! والمصيبة انك انت اللي بتصرخ يا رجولة!
أشار له ليستدير وهو يخبره:
_طب بص كده وشوف بنفسك.
وبالفعل التفت يونس للخلف، فصدم حينما وجد شقيقته تحمل نوع فاخر من السكاكين (سطور)، وباليد الأخرى يد المكنسة وما أن ولج يونس للداخل حتى اخفتهما خلفها ورسمت ابتسامة ترحيب، أشار لها بدهشةٍ:
_ايه اللي انتي عملاه في الراجل ده!
القت الاسلحة النووية من يدها وهي تشكو له:
_الانسان ده مهزء كسرلي ڤازة تانية من اللي انا جيبها ويستاهل قطع رقبته.. ولو زاد فيها هنعيد احداث المرأة والسطور من تاني عشان يلم نفسه من أولها كده.
تمرد بصراخه العاصف:
_مسك احترمي اخلاقك بدل ما وربي أنا اللي هربيكي، انتوا مش هنا لوحدكم الجيران حوالينا وجدك لو طلع هنا هيبهدلكم انتوا الاتنين.
ردت عليه قائلة:
_يبقى يخليه في حاله ويعدي ليلته على خير بدل ما يطلع منها على القبر.
اتجهت نظرات يونس لمؤمن الذي تعلق بذراعه مرددًا بتوسلٍ:
_خدني معاك متسبنيش مع أختك في شقة واحدة يا يونس دي متوحشة وممكن تقتلني!
دفعه بعيدًا عنه وهو يصيح بانفعال شرس:
_هو انا سايب ابن اختي عند امنا الغولة، فتنشف كده يا عم فلقتني… امال عملي فيها باتمان ومتسربع على الجواز ليه اما انت ملكش فيه.. اتكن في جنب لاخلص عليك أنا.. سبني انزل لجدك اشوف في ايه تاني مانا حلال مصايب العيلة.
هز رأسه باقتناعٍ، فمنحهما يونس نظرة اخيرة قبل أن يرحل وهو لا يستوعب ماذا يحدث بينهما!
*******
هبط يونس للأسفل، فوجد الجد فتح الله بانتظاره، جلس جواره وهو يسأله باحترامٍ:
_خير يا جدو!
استند الجد على عصاه وهو يبادله بسؤالٍ أخر:
_حليت الموضوع؟
هز رأسه بتأكيدٍ، وهو يضيف بتريثٍ:
_كلها حلول مؤقته… كنت فاكر انهم هيعقلوا بعض الجواز!
رد عليه الجد بعد صمت زرع القلق في نفس يونس:
_مش هيحصل.. والخوف الأكبر تصميمهم على السفر لامريكا.
أجابه يونس بمزحٍ يلطف الاجواء:
_هيقتلوا بعض هناك.
انجرف الجد عن مساره المطروح، وقال بجدية تامة:
_أنا قررت انك تروح معاهم.
اتسعت حدقتيه بدهشةٍ:
_أنا! ازاي ده انا ورايا شغلي مستحيل المدير هيقبل بكده، وبعدين انا ازاي هطلع معاهم شهر العسل!
طرق الجد بعصاه وهو يؤكد على عدم ترجعه بقراره:
_اللي عندي قولته يا يونس، قدام عنينا وبيحصل كل ده الله اعلم بغيابنا وببلد غريبة زي دي هيعملوا ايه، رجلك على رجل اختك.
يعلم جيدًا عناد الجد، فإن ظل العمر بأكمله يحاول اقناعه بشيءٍ لن يفعل الا ما يجده صائبًا، فرضخ اليه:
_حاضر.
وجه اليه اخر تحذير:
_عايزك تروح فاضي وترجع زي ما روحت، أصل رفضك للارتباط ولاكتر من عروسة ده مقلقني منك، عينك لو زاغت على بنات بره هتزعل يا يونس.. بنات بلدك مقصروش في حاجة.
ضحك يونس بصوت مسموع جعل الجد يشاركه الضحك، وهو يردد بصعوبة بالحديث:
_والله ما خايف الا منك!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زحليقة إلى زحل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى