Uncategorized

نوفيلا الحرمان الفصل الأول 1 بقلم سهام العدل

 نوفيلا الحرمان الفصل الأول 1 بقلم سهام العدل

نوفيلا الحرمان الفصل الأول 1 بقلم سهام العدل

نوفيلا الحرمان الفصل الأول 1 بقلم سهام العدل

◾ أتقلب في فراشي كعادتي في أيامي الأخيرة، فقد هجرني النوم منذ  أن ترك بلال المنزل منذ ثلاثة أيام،،، كِدْتُّ أن أفقد عقلي من شدة التفكير… هل كنت مخطئة عندما قذفته بما في جوفي؟!!! 
مازلت أتعجب من نفسي كيف تجرأت وتفوهت بذلك؟؟
كيف وصلت لهذه الحالة من التذمر والنقم لكي أصرخ في وجهه بكل هذا اللوم والتوبيخ؟!! 
كيف طاوعني قلبي وتجرأ لساني ونعته بـ الأناني المتسلط؟!!! 
كيف له أن يكون أنانياً وقد منحني الكثير!!… ولكن… ولكنه أيضاً حرمني من الكثير… حرمني أكثر مما أعطاني… وكأن الحرمان استوطني. 
◾ تبدأ قصة حرماني منذ أن أتممت  دراستي في المرحلة الإعدادية ونجحت بتفوق… حينها كنت أملك سعادة الدنيا وعلاماتي الدراسية تؤهلني لدخول الثانوية العامة بجدارة ولكن صعقني أبي بقوله “يكفي هذا القدر من التعليم ياهبه… احمدِ الله أنني تركتك تتعلمين حتى هذه المرحلة… من أين آتي بالمال الذي يكفي لإطعامك أنتِ وأخواتك الأربعة ،، بجانب تجهيز أختك هالة التي ستزف بعد عدة أشهر… و تزيدين همي بأنك تريدين استكمال تعليمك… إنه حظي السئ أنني لم أُرزق بولد يكون سنداً لي ويحمل اسمي من بعدي،، بل رزقت بخمس بنات يزيدن همي يوماً بعد يوم “
-وعلى الرغم من الحرمان الذي عشته قبل ذلك وكان سببه الفقر، لكن حرماني من إكمال دراستي كان موجعاً بالنسبة لي،، لم أهتم يوماً بملابسي التي كانت أمي كل يوم ترقع جزءاً منها ولا حذائي البالي الذي كان ماء الشتاء يتسلل من خلاله،، فدائماً ما كنت التمس العذر لوالدى المزارع البسيط الذي يكد ويعمل طوال اليوم ويأتي مجهداً في المساء،، وجود أخواتي من حولي وجمعتنا حول الطعام وفي المساء في غرفتنا كان يغنينا عن حرماننا من متاع الحياة… منزلنا كان يملؤه الدفء بسبب الحب الذي يغمر قلوبنا لبعضنا البعض وعلى الرغم من الشقوق التي تملأ الجدران والسرير الكبير القديم الذي يجمعنا نحن الخمس بنات ولكن كنا سعداء عمن يعيشن في القصور… 
-ظللت سنوات قلبي يتحسر وأنا أشاهد بنات سني وهن يذهبن للمدرسة صباحاً ويعدن مساءً،،، ولم أشكو أو أتذمر… اقتصرت وظيفتي في الحياة على قيامي بأعمال المنزل أنا وأختي هند التي تصغرني بعامين  بدلاً من أمي التي خرجت لمساعدة أبي في العمل في الحقول حتى  تنتهي الديون التي نتجت من زواج أخواتي الأكبر هالة وهناء وهدى… وهذا ثاني أنواع الحرمان الذي ذقته وهو حرماني من أخواتي اللاتي أخذهن الزواج مني واحدة تلو الأخرى… ولكن أقسى أنواع الحرمان هو حرماني من والدي الذي سرقه الموت مني وأنا في الثامنة عشر من عمري… مازلت أتذكر ذاك اليوم عندما عادت أمي في المساء وصراخها هز أرجاء المنزل… خرجت أهرول أنا وأختي لنرى ماحدث؟؟… فوجئت بوالدي يحمله رجلان من أهل القرية وأمي جالسة على التراب أمام المنزل تبكي وإحدى جارتنا تربت على كتفها قائلة ” أمانة الله واستردها ياأم هالة… وحدي الله واهدئي”… رفض عقلي حينها أن يصدق… وقفت مذهولة وأنا أرى تجمع الناس يزداد من حولنا وهمهمات بذكر الله وطلب الرحمة لوالدى.. 
– عشت أنا وأختي وأمي بعدها عامين زاد فيهم الحرمان من السند وبالتالي من السعادة… 
هل جرب أحدكم شعور أن يرجع بظهره مستنداً بثقة وفجأة يخونه الموقف ويقع بظهره في الخلاء؟؟ 
هذا ما عشناه بعد وفاة أبي لا مال ولا سند ولا أي شيء… حتى المال القليل الذي كانت تجلبه أمي من عملها بالحقل توقفت عنه بعد أن أصرت جدتي على ذلك،،، فقد عادت جدتي التي كانت تمكث في منزل عمي بالمدينة واستقرت معنا بعد وفاة أبي… 
-لا أنكر فضل عمي علينا بعد وفاة أبي فقد سدد ديون أبي وخصص راتب بسيط لنا نستطيع منه أن نأكل ونشرب طوال الشهر ولكن ليس سوي ذاك. 
-لا يمكنني أن ألومه فما يقدمه لنا بالنسبة لحاله الكثير فهو موظف بسيط على المعاش يعيش هو وزوجته في المدينة ولديه ولدان وبنت وجميعهم متزوج كل منهم له حياته الخاصة… 
-كانت جدتي تبيت معي في الغرفة،، أما هند فمنذ وفاة أبي وهي تنام مع أمي في غرفتها… وعلى الرغم من حالة الهدوء القاتل التي صحبتني بعد موت أبي،،، إلا أن جدتي كانت تضفي على الغرفة جو جميل من حكاياتها التي لا تكف عن سردها طوال الليل… تحكي طفولتها وشبابها وكيف تزوجت بجدي وكيف عاشت معه وكيف كانت تربى أبنائها… وغير ذلك… هذه الحكايات والذكريات علمتني الكثير واكسبتني بعض النصائح في الحياة،،، فلم يكن لدي أي خبرة ،،، ممن ومتى اكتسب وانا لم أخرج من المنزل سوي لزيارة أخواتي في بيوت أزواجهن كل فترة طويلة… ولم يكن لدينا أي وسائل للتواصل مع العالم سوي التلفاز الذي كنت أشاهده كل مساء أنا وهند بعد إنهاء جميع أعمال المنزل…كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة للترفيه لدينا. 
-مرت الأيام علينا على نفس النمط بدون تغيير إلا أن حل مساء يوم وإذْ  بإمرأتان يطرقان باب منزلنا،،، إحداهما تصغر جدتي بأعوام والأخرى في عمر أمي… وبعد أن صحبتهما أمي لغرفة الضيوف طلبت مني جدتي أن أدخل وأقدم لهما واجب الضيافة،،، وجدت على وجههما علامات القبول والترحيب،، لم يخفى على من همساتهما أنهما جاءا لخطبتي،، شعرت بسعادة وأمل في غدٍ أفضل،، رسمت في خيالي حياة وردية لدقائق رغم إني لا أعرف العريس ولكن كان ليس مهم بالنسبة لي،،، المهم أن سأرتدي الفستان الأبيض وسيكون لي شريك بالحياة وتتغير حياتي،،، ولكن لم يتركني الحرمان عندما رفضت والدتي وسمعتها بعد أن خرجت من الغرفة تقول “تشرفنا بقدومك ياأم السعيد ولكني ليس لدي بنات للزواج” .. شعرت بثقل في صدري وتحطمت آمالي التي لم تتملكني سوي دقائق،، وعادت الأحلام الوردية للسواد. 
-بعد أن غادروا سمعت جدتي تقول لأمي “لمَّ ياسناء؟… فالبنت قد تجاوزت العشرين وزميلاتها في البلدة معهم طفل وإثنان “… وقبل أن تجيب أمي كنت قد اقتحمت الغرفة غاضبة وناقمة لأول مرة بحياتي.. “لمّ ياأمي… ألم يكن لدي الحق أن أتزوج وأفرح كبقية الفتيات… لم رفضتي العريس؟؟؟ “… ردت بعصبية أظهرت التجاعيد التي ملأت وجهها متنافية مع عمرها الذي لم يتجاوز الخمس وأربعين” ليس لدي حل آخر،،، من أين لي أن آتي بالمال الذي يجهزك للعرس،، عمك زاده الله من فضله يرسل لنا مايكفي أفواهنا حتى لا يحوجنا للناس،،، وليس لي عين أن أطلب منه المزيد لجهازك”… 
-سقطت من عيني دمعتين تحرقان قلبي وألجمني كلامها،، ولكن ردت جدتي بحزن على حالنا ” سيدبرها الله ياسناء،،، وافقي وربك لم ينسى عباده”
-ردت أمي بيأس” لا يا عمتي… لو وافقت سيكشف سترنا في القرية،، وليس بإستطاعتي أن أدين بدين لن أقدر على سداده”
-خرج صوتي المقهور بداخلي ” سأبحث ياأمي عن عمل واتكفل بجهازي” 
-هجمت عليا أمي والشرر يتطاير من عينيها وأمسكتني من ذراعي بعنف  قائلة “تريدين فضيحتنا ياابنة عبد السلام؟؟” 
-تألمت من مسكتها وقلت باكية” أين الفضيحة في ذلك ياأمي؟؟ “
-نهضت جدتي وأبعدتها عني ممسكة بكتفيها بتهدئتها قائلة”اجلسي ياسناء واهدئي،، ووضحي لها خطأها بهدوء” 
– تعجبت من قول جدتي هي الأخرى وقلت متسائلة “وما الخطأ الذي صدر مني ياجدتي؟!!! “
-قالت أمي” تريدين العمل وتخرجي من المنزل كل يوم وتعودي مساءً،، وتعرضينا للقيل والقال ونحن ليس معنا رجل يحمينا من أن تنهش الناس أعراضنا… تريدين أن تجعلينا علكة في أفواه أهل البلدة ياهبه؟” 
-تنهدت بيأس ورغم استنكاري لتفكير أمي وجدتي لم أجادلهم وتركتهم ودخلت غرفتي باكية.. أبكي حرماناً قدره الله لي منذ أن كنت طفلة. 
-توالت الأيام دون جديد حتى جاء العيد وزارنا عمي وولديه كعادتهم كل عيد… لم أعلم حينها أن زيارتهم ستكون ناقلة في حياتي تنتشلني لحياة جديدة… حيث طلبت جدتي من أمي بعد أن غادر عمي وأبناءه أن تحدثها على انفراد… وعندما انتهت خرجت أمي قائلة ” ياهبه… لقد طلبك عمك للزواج من ابنه بلال”.
-تعجبت لدرجة أني ظننت أني أخطأت السمع وسألت في ذهول :” بلال من؟!!!… ابن عمي عبد الرحمن!!!!… كيف ياأمي وهو متزوج ولديه ابن؟” 
-ردت جدتي سريعاً  ” لا ياابنتي… لقد طلقها منذ ثلاثة أشهر”… حينها بدأ لساني تلقائياً يترجم مايدور في رأسي ” ولم طلقها ياجدتي؟؟” 
– تنهدت جدتي مجيبة ” إنه النصيب ياابنتي… ولكن اعلمي جيداً أنه الله بحبك لأنك لن تجدي أفضل من بلال”
– مازلت أشعر بالذهول وعقلي لم يقتنع بأن بلال الذي أراه رجلاً ناضجاً منذ أن كنت طفلة صغيرة سيصبح زوجاً لي. 
-قطعت أمي شرودي متسائلة ” فيما تفكرين ياهبه ولمِ لم أراكِ سعيدة… ألم بكن هذا ماكنتي تتمنيه… أن تتزوجي ويصبح لك ِ حياتك الخاصة”
-انتبهت على جملتها مجيبة “بالفعل ياأمي تمنيت ذلك ولكن ليس برجل يكبرني بكثير كذلك… أنا أراه كبيراً هكذا منذ كنت طفلة” 
-ردت جدتي ” ليس بينكما فارق كبير في العمر ياابنة عبد السلام إنهم فقط خمسة عشر عاماً”
-تعجبت من رد جدتي وقلت” ألا ترين ياجدتي أن هذه الأعوام كثيرة للغاية؟” 
-تدخلت أمي” لا ياهبه… ليست كثيرة… أباكِ رحمه الله كان يكبرني بإحدى عشر عاماً ولم أشعر أبداً بفارق بيننا… بالعكس كلما تقدم الرجل في العمر كلما زاد نضجه “
-احتدت جدتي مدافعة ” كفا ياسناء أنتي وابنتك… من يسمعكما يظن أن حفيدي كهل… إنه شاب ثلاثيني وألف بنت وإمرأة تتمناه… ويكفى أن ابني عبد الرحمن سبتكفل بجميع نفقات الزيجة ولن يرهقكما في شيء “
-وقعت كلمات جدتي علىّ كالصاعقة… شعرت بالدونية والنقص، فأنا مضطرة أن أقبل برجل يكبرني بأكثر من عقد ونصف وسبق له الزواج فقط لأنه سيتكفل بكل شىء… 
– ومرت الأيام  ودون خطبة جاء اليوم الذي طالما حلمت به وتمنيته… ارتدي فستاني الأبيض وأقف بزينتي الكاملة وتاجي الذي جعلني ملكة أمام المرآة وابتسامتي تملأ وجهي نوراً فوق نوره من فرط سعادتي… رغم ظروف الزيجة وبلال الذي لم تجمعنا الظروف خلال تلك الأيام القليلة ولم يحادثني خلالها أبدآ…. لكني تناسيت كل شيء وعشت هذه اللحظات بسعادة وقررت أن استغل القادم كله في سعادة تامة… سأعوض ما حُرِمت منه… سأعيش في المدينة في شقة مستقلة أنا سيدتها… سيكون لي زوج كأخواتي يشغل وقتي ويلبي احتياجاتي ويعوضني الأب الذي فارقني والأخ الذي حُرِمت منه… 
-ولكني شعرت بالقلق ذاك اليوم عندما جاورته لساعات في السيارة أثناء انتقالي من منزل والدي في القرية لمنزله في مدينة تبعد الكثير… حينها لم يتحدث بكلمة واحدة وعندما كانت تلتقي أعيننا صدفة كان يبتسم إبتسامة مصطنعة. 
-وعندما وصلنا لمسكن الزوجية وقفت صامتة و لم أشعر سوي ببرودة تامة في أطرافي وضربات قلبي الذي تتسارع كأنها في سباق ساخن… تملكني الخجل وتمنيت أن يبثني بعض الطمأنينة… وبعد دقائق طويلة أمسك يدي و أجلسني على أحد الكراسي وجلس مقابلاً لي وتحدث قائلاً بهدوء ” اعلمي ياابنة عمي أنني لم أردْ لكِ سوي الخير والسعادة وسأبذل قصارى جهدي من أجل ذلك ولكن في المقابل أريد منكِ طاعتي… هل تستطيعين منحي ذلك؟” 
-تحشرج صوتي ولكنه خرج متقطعاً  “بـ… بالطبع”. 
-ابتسم مكملاً ” حسناً… أنا ياهبه مسئول كبير  في إحدى الشركات وعملي يحتم علىّ السفر في بعض الأحيان ولا أريد إلا زوجة تتقي الله وتحفظ عرضي في غيابي وأنتي أهل لذلك… “
– ابتسمت بسعادة واطمأن قلبي وأعلن أول دقات عشقه عندما سمعت اسمي من بين شفتيه… لم أشعر بجمال اسمي هكذا من قبل… وتملك كل جوارحي بإبتسامته التي سحرتني وهيبته الأخاذة… ثقته الذي منحني إياها كانت بالنسبة لي أكبر بكثير من الكلام المعسول والمشاعر المرهفة التي طالما سمعت عنها من أخواتي… فهو بهذه الكلمات رفعني بيديه و جعلني ألمس النجوم في السماء… ولكنه تركني فجأة لأصطدم بالأرض عندما أكمل قائلاً ” إذا نفذتِ ما سأقوله بالحرف… أنتي ملكة هذا المنزل لك فيه ماتشائين وافعلي ماتريدين به… ماعدا فتح النوافذ والوقوف في الشرفة… كما أنه ممنوع حمل الهواتف الجوالة بجميع أنواعها يكفيكي الهاتف المنزلي يمكنك من خلاله التواصل مع عائلتك… لديك شاشة تلفاز يمكنك متابعة ماتريدين عليها… ممنوع الخروج بمفردك أو بدون إذن لأي سبب إن كان “
-تحولت ملامحي المبتسمة إلى ملامح مصدومة ومتعجبة في نفس الوقت ولم يعطني فرصة أعبر عما يدور بداخلي حين أكمل صدمتي قائلاً” أما الآن فانهضي وبدلي ملابسك حتى نتمم هذا الزواج”
يتبع…
لقراءة الفصل الثاني : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية أحببت قمراً للكاتبة مريم حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!