روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الثاني 2 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الثاني 2 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الثاني

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الثاني

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الثانية

ياليتكِ كأول مرةً….ياليتكِ مثل بداية الصُدَفِ.
★.★.★.★.★.★.★.★
قام “باسل” بدفع “رائف” في منكبيه و هو يقول بوقاحةٍ:
“اللي عندك هاته و أعلى مافي خيلك اركبه يا رائف”
حينئذٍ رفع “رائف” قدمه يضربه في بطنه حتى ارتد “باسل” للخلف فيما سحب “رائف” العصا الموجودة بالمحل ثم أخذ يضرب كل ما يقابله ليصبح كما الثور في وجه كل مَن يُقابله و هو يتخذ وضع الهجوم غافلًا عن نصل المطواة التي ظهر في الخفاء و كاد أن يَطعنه في بطنه و هو يقف على أعتاب المحل الداخلية و أقاربه في الخارج يحاولون الانقضاء عليه.
قبل أن تمتد يد أحدهم في الخفاء و تقوم بطعنه وصل “مُصعب” في تلك اللحظة و هو يردع حركة كف الأخير قبل أن يمتد نحو “رائف” الذي نظر له بذهولٍ للأخر الذي قال بجمودٍ:
“عيب يا كابتن
الرجالة مبتضربش في الدِرا….الرجالة بتضرب كدا”
قال جملته ثم ضربه برأسه
في وجهه حتى ارتد الاخير على الحامل المعدني و سقط به فقال “مصعب” بسخريةٍ يوجه حديثه لـ “رائف”:
“لامؤاخذة يا رائف الشيبسي وقع”
_”حبيبي خد راحتك ولا يهمك”
كان ذلك رد “رائف” عليه قبل أن يبدأ بالضرب فيما اقترب “مصعب” يقبض على رقبة الشاب و بكفه الأخر يقبض على ذراعه حتى سقطت منه المطواة، بينما اقترب “رائف” من الشاب الأخر يضربه، بينما أولاد خاله وقف كلٍ منهما يتابع مايحدث دون أن يتدخلا فيما يحدث فقط يتابعان بدهشةٍ
صعدت “منـة” نحو شقة والدة “رائف” بعدما ادخلها شقيقها البيت وركض نحو “رائف” حينما لمح الشِجار و هو على مقدمة الشارع، بينما هي ركضت الدرج بخوفٍ حتى وصلت شقة والدته تطرق الباب بقوةٍ حتى فُتح لها بواسطة والدته و هي تقول بآسفٍ:
“معلش يا منة يا حبيبتي كنت بصلي، تعالي يا حبيبتي اتفضلي”
ردت عليها بلهفةٍ قاطعة و هي تلهث من فرط ركضها على الدرج:
“معلش يا طنط مش هينفع، رائف تحت فيه ناس بتتخانق معاه و مصعب أخويا راحله، ممكن حضرتك تكلمي حد ؟؟”
ضربت والدته على صدرها و هي تقول بذعرٍ تمكن منها تزامنًا مع قولها المتلهف:
“يا مصيبتي ؟؟ ابـــنــي”
صرخت في وجهها ثم ركضت على الفور و “منـة” خلفها نحو الأسفل و هي تنادي عليها بصوتٍ مُضطرب.
في الأسفل استمر العراك بعدما قام “مصعب” بضرب الشاب و كذلك “رائف” أيضًا ضرب الاثنان معًا و قد حاول ابناء خاله الدفاع عن هؤلاء الشباب
وقد سبق وتدخل بعض الشباب من المنطقة يحاولون فض تلك المشاجرة حتى لاحظ “فكري” ابن خاله المطواة المُلقاة أرضًا فأخفض جسده يخطفها من الأرض و قبل أن يقترب من “مُصعب” و يضربه بها لاحظه “رائف” فترك من بيده ثم اقترب منه يدفع يده بعيدًا حتى قامت السكين بلمس كتف “مُصعب” من الخلف و خدشته دون أن ينتبه هو لذلك في نفس الوقت الذي أصابت فيه كف “رائف” وهو يقوم بدفعه.
وصلت في تلك اللحظة”منة” شقيقته تصرخ باسمه حينما لاحظت فعل ذلك الشاب و الدماء التي غطت كف “رائف” و ظهرت على كتف شقيقها و هو يضع يده على كتفه يحاول كتم ألمه.
اقتربت والدة “رائف” منه تطمئن عليه و كذلك “مـنة” التي اقتربت من توأمها و هي تبكي بخوفٍ حتى احتضنها وهو يُطمئنها بنبرةٍ هادئة ويقول:
“أهدي…. أهدي متخافيش”
نظر له “رائف” بامتنانٍ و أسفٍ لها وكأنه يعتذر لها بنظراته، بينما “مـنة” تمسكت بشقيقها و هي تبكي، حتى تحركت “كريمة” والدة “رائف” نحو “باسل” ثم صفعته على وجهه صفعة مشحونة بالغضب و الغِل خاصةً حينما يخص الأمر فلذة كبدها، و قبل أن يثور أو يغضب تدخل الشباب المتواجدون بالمنطقة يُحالون دون ذلك حتى هدأت الأوضاع قليلًا عن السابق، ناهيك عن النظرات المشحونة التي تمر بينهم جميعًا.
★.★.★.★.★.★.★.★
صعد “مُصعب” شقته مع أخته و خلفهما “رائف” و “كريمة” والدته، وما إن فتحت له والدته حتى صرخت في وجهه وهي تقول بصراخٍ:
“يلهوي ؟! إيه الدم اللي على قميصك دا ؟؟؟ حصل إيه ؟؟”
تحدثت “مـنة” بضجرٍ:
“طب دخليه وبعدها أبقي أسألي يا ماما مش وقته دا، يلا بس”
تنحت “هنية” جانبًا حتى أوشك “مُصعب” على الدخول فساعده “رائف” في ذلك بعدما اندفع نحوه يمسك يده ويعاونه، بينما “مـنة” ركضت نحو علبة الإسعافات تخطفها من محلها و قبل أن تتوجه نحو الداخل لاحظت وقوف “كريمة” خارج الشقة فسألتها “مـنة” بتعجبٍ:
“واقفة كدا ليه يا طنط ؟؟ اتفضلي، أنا هدخل أغير لمصعب الحمد لله الجرح سطحي”
ردت عليها بخجلٍ و صوتٍ مهزوز إثر اضطرابها:
“ربنا يكرمك يا بنتي، أنا مستنية رائف و هنطلع سوا إن شاء الله”
اقتربت منهما “هنية” تقول بنبرةٍ جامدة:
“هو إيه اللي حصل ؟؟؟ مصعب جراله إيه مش كنتي عند سِتك أنتِ وهو ؟؟ أفهم حصله إيه ؟؟”
نظرت لها “كريمة” بخزيٍ فيما قالت “مـنة” بنبرةٍ جامدة:
“حصل خناقة و إبنك كان بيحوش، الحمد لله جت على قد كدا، دخلي طنط و أنا هدخل أشوف الجرح”
تحركت نحو الداخل حيث غرفته فوجدت “رائف” يجلسه على الفراش ثم وقف يسأله بلهفةٍ:
“أنتَ كويس يا مصعب ؟؟ تيجي نروح مستشفى طيب ؟؟”
رد عليه بحنقٍ:
“يا رائف خلاص قولتلك لأ، الحمد لله خدش بسيط هغير عليه هنا، إيدك عملت إيه ؟؟”
نظر “رائف” نحو موضع كفه ثم سحب نفسًا عميقًا و قال:
“الحمد لله أنا أصلًا مخدتش بالي أصلًا، اتلهيت فيهم و في اللي عملوه”
دلفت “مـنة” في تلك اللحظة و في يدها علبة الإسعافات ثم اقتربت تقف مقابلةً لأخيها بجوار “رائف” الذي نظر لها و هي تقول بنبرةٍ شبه باكية:
“لف يا مصعب علشان أشوف جرحك، يلا علشان كدا غلط”
التفت شقيقها بينما هي كشفت ظهره ثم سحبت المقعد تجلس خلفه لتقوم بتمضيض الجرح السطحي الذي بدأ من بداية كتفه حتى ظهره من الخلف.
قامت بتطهير الجرح أولًا بعدما خلعت قميصه، ثم بدأت في العناية بجرحه ثم التفتت له تجلس في مواجهته و هي تسأله بوجهٍ مبتسمٍ:
“الحمد لله الجرح مش كبير، بس برضه خوفت عليك أوي، خلي بالك من نفسك أنا مليش غيرك”
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ مرحة:
“البركة في رائف بقى ربنا يكرمه لحقني ودافع عني، متشكرين يا رائف نردهالك في الفرح دايمًا”
ابتسم له الأخر ثم قال بحرجٍ:
“ياعم أنتَ بتقول إيه بس؟ ربنا يكرمك لحقتني منهم وجيت في وقتك، ربنا يقدرني و أرد جميلك دا يا مُصعب”
أشار “مصعب” لشقيقته و هو يقول بنبرةٍ ثابتة:
“مـنة !! شوفي أيد رائف كدا عمالة تنزف، الراجل كتر خيره لحقني من برضه”
سألته بنبرةٍ محتدة:
“وهو مين كان السبب ؟؟ مش علشان أنتَ اتدخلت و كنت بتلحقه ؟؟ يعني محدش أحسن من حد”
هَمَّ “مُصعب” بالرد عليها فتفاجأ بـ “رائف” يقول بنبرةٍ جامدة:
“و أنا عارف مش محتاج إنك تعرفيني، و قولت إن دَينه في رقبتي و مش هقدر أوفيه، و إذا كان على أيدي أنا هنزل الجامع تحت فيه ملايكة رحمة كتير قلبهم حنين”
قبل أن يغادر الغرفة، أوقفته هي بقولها:
“أقف عندك !! استنى هنا، هو أنتَ هترمي الكلام و تمشي كأن مفيش حاجة حصلت ؟؟”
التفت لها يرفع أحد حاجبيه فزفرت هي بعمقٍ ثم أشارت نحو المقعد و هي تقول بنذقٍ:
“تعالى اتفضل أقعد هنا”
قبل أن يُعاند معها تدخل “مُصعب” يقول بقلة حيلة ممتزجة بالحنق:
“خلاص بقى يا رائف، اقعد خلينا نخلص و نشوف إيدك اللي بتنزف دي، شكلها عاوزة خياطة”
اقتربت “مـنة” منه تقف أمامه ثم أمسكت كفه و قامت بتطهير راحته و مسح الدماء من عليها، ثم شرعت في لفها.
كان هو شاردًا بها و في ملامحها التي يراها لأول مرّة بذلك القرب، هادئة و رقيقة و حادة، جمعت كل صفات النساء و دلال الفتيات لنفسها، تبدو تلك القطة الشرسة و كأنها طامعة في كل ما يسرق لُبه، حمحم “مُصعب” حينما لاحظ شروده بها، بينما الأخر تنحنح يُخفي حَرجه ثم أخفض بصره حتى أنهت هي ما تفعله.
في تلك اللحظة دلفت والدتها الغرفة و هي تقول بحنقٍ:
“ماجد بيتصل بيكِ مش بتردي عليه ليه ؟؟”
حديث والدتها يبدو و كأنه جرس الانذار لعقله حتى ينتبه أنها لم تكن و لن تصبح ذلك بتاتًا، فهي ملكٌ لغيره و قد سبقه و حصل على قلبها، لذا وقف بدون وعي ثم قال بملامح وجه خالية:
“ألف سلامة عليك يا مُصعب، و متشكر على وقفتك معايا و إنك لحقتني، جميلك دا في رقبتي طول العمر”
لاحظ “مصعب” تغيره بعد ذكر خطيبها، بينما “مـنة” تعلقت أنظارها به و هو يتحرك من الغرفة نحو الخارج و كأن حاله تبدل في خلال ثوانٍ، تحدثت “هنية” من جديد بنبرةٍ جامدة:
“ها ردي على خطيبك، الراجل قلقان و عاوز يتطمن عليكِ”
ردت عليها بنبرةٍ جامدة:
“لأ هو هيتضايق أني مش هنزل معاه نجيب الحاجة، أكيد مش هسيب مصعب و انزل يعني”
صدح صوت هاتف والدتها فقامت بالضغط على زر الايجاب ثم قالت بلهفةٍ:
“أيوا يا ماجد، آه يا حبيبي هترد عليك أهو معلش بس هي كانت مشغولة شوية”
قالت حديثها ثم مدت يدها بالهاتف لها، بينما الأخرى زفرت بقوةٍ ثم خطفت الهاتف من يدها تتوجه نحو نافذة الغرفة حتى تتحدث معه، فقال”مصعب” بتهكمٍ:
“مبسوطة أنتِ كدا ؟؟”
ابتسمت له بسخريةٍ ثم تحركت نحو الخارج فوجدت “رائف” يساند والدته حتى يخرجا من الشقة فقالت بفتورٍ:
“اقعدي طب يا ست كريمة شوية معايا ناكل لقمة سوا، هتطلعي ليه ؟؟”
ردت عليها بودٍ:
“معلش بقى يا ست هنية حقك عليا الخضة مش قادرة بوظت اعصابي منهم لله، بكرة هاجيلك اتطمن على مصعب إن شاء الله”
ردت عليها تتكأ على حروف كلماتها:
“ماشي يا حبيبتي بس تعالي بدري بقى علشان نقعد سوا شوية قبل ما ننزل مع ماجد، أصل عقبال رائف كدا رايحين نجيب حاجات في جهاز منة”
قبض هو على كفه بشدة بينما والدته نظرت له بشفقةٍ ثم قالت بنبرةٍ مهتزة غلفها الحزن:
“ألف مبروك يا حبيبتي ربنا يسعدها و يتمم بخير إن شاء الله”
ابتسمت لها “هنية” باستفزازٍ ثم أنتظرت حتى خرجت بصحبة ابنها من شقتها و أغلقت الباب وهي تزفر بقوةٍ ثم قالت:
“يا ستار يا رب…. عالم غَم”
وقفت “مـنة” تستمع لحديث “ماجد” في الهاتف و هو يقول:
“يعني هو أنا حمار مش مالي عينك ؟؟ أقف استنى في الشارع نص ساعة و في الأخر متعبرنيش حتى ؟؟ طب كلمي الحيوان اللي أنتِ مخطوباله”
زفرت هي بقوةٍ ثم قالت بهمسٍ حانقةً عليه و على طريقته:
“استغفر الله العظيم يا رب…. بقولك أخويا كان بيتخانق و اتعور أكيد مش فيا دماغ اسيبه و أكلمك اعتذرلك يعني ؟؟ خصوصًا إنك عارف مصعب عندي إيه”
رد عليها بجمودٍ:
“يبقى على الأقل اتنيل أرد على التليفون اللي عمال يرن دا، إنما حضرتك مطنشاني، و ياترى بقى كان مين موجود علشان حضرتك تنفضيلي كدا ؟؟؟”
حسنًا لقد عزف على أوتار صبرها الأخيرة لذا قالت بنبرةٍ أقرب للصراخ:
“يعني إيه كان مين موجود ؟؟ بقولك أخويا اتعور و كان هيروح فيها و أكيد مخي مش فيا علشان أركز في الحاجات العبيطة دي، مش دا كلامك ؟؟ إنك بتركز في المهم بس ملكش دعوة بالتفاهات ؟؟”
تنفس هو بحدة ثم قال:
“نهايته بكرة هجيلك في نفس الميعاد و ننزل علشان ننقي الحاجة أنا مش هفضى تاني بعد كدا، أظن كدا عداني العيب”
ابتسمت بسخريةٍ ثم قالت بنبرةٍ تهكمية:
“أوي بصراحة….مش قادرة أقولك مدى سعادتي بالفرص دي، عن أذنك يا ماجد”
أغلقت الهاتف في وجهه دون أن تنتظر جوابه عليها ثم اقتربت من شقيقها تقف أمامه فقال بتهكمٍ:
“ماله الاستاذ ؟؟ مش فاهم أنتِ بتطقيه ازاي يا منة ؟؟ دا عيل لزج و سمج، يخربيت تقل دم أمه”
زفرت هي بقلة حيلة ثم جلست أمامه تسأله بترددٍ أعرب عن توترها:
“هو…هو فعلًا بجد رائف اتقدملي يا مصعب ؟؟ أمتى و أنا معرفش”
رد عليها مستسلمًا بقلة حيلة:
“اللي أعرفه إن كلم أمك هو و أمه و انها سألتك و أنتِ رفضتيه، ولما جيت اتكلم معاكي قالتلي إن دا قرارك النهائي، مفيش بعدها بشهر ظهر زفت ماجد دا و أمك قالت إنك عاوزاه”
ردت عليه بانفعالٍ:
“أنا ماكنتش أعرف ماجد أصلًا و أول مرة أشوفه لما جه هنا، وأول مرة أعرف إن رائف اتقدملي أصلًا…. معنى كدا إن أمك اللي رفضته”
رد عليها مؤكدًا:
“أكيد طبعًا أمك هي السبب”
_”طب ليه ؟؟ ليه تعمل كدا ؟؟”
سألته بصوتٍ مهزوز و منكسر و قبل أن يجاوبها دخلت والدتها و هي تقول بجمودٍ:
“علشانك أنتِ، ولا عاوزة اخرتك تبقى مع واحد زي رائف دا ؟؟ عنده إيه دا يقدمهولك ؟؟ حتة المحل اللي هو فاتحه، و شقة ٣ أوض و صالة ؟؟ لكن ماجد شغله حلو متوظف في شركة و عنده بدل الشقة اتنين، دا اسلمك ليه و أنا متطمنة، ولا عاوزة الناس تقول صامت صامت و فطرت على بصلة ؟؟”
اتسعت عينيها بدهشةٍ ثم قالت بصوتٍ محتد:
“ماجد اللي أنتِ فرحانة بيه دا عمره ما كلمني بطريقة حلوة، عمره حتى ما جبر بخاطري، علطول شايف نفسه عليا و مقلل مني، ماجد دا أنا عمري بيتسرق معاه بالبطيء و اخرتها هبقى قاعدة جنبك هنا مطلقة، عارفة ليه علشان أنتِ مرخصاني من الأول”
تحدثت “هنية” بجمودٍ:
“بس هيعيشك حلو، أنتِ اللي دبش و زي الطوبة موقفة حال نفسك، قولتلك الراجل عاوز الدلع و المسايسة، إنما أنتِ زي خيال المآتة و طبيعي هو كمان يكون اسلوبه شديد”
تحدث “مصعب” في تلك اللحظة بانفعالٍ:
“على نفسه و اللي يتشددله، أختي مش ناقصها حاجة ولا فيها عيب يخليها ترضى بواحد يقلل منها، دا أنا اخوها و توأمها ومقدرش أعلي صوتي عليها، مين دا علشان ييجي يتحكم فيها كدا و يقلل منها، اسمعي يا ماما بما أني راجل البيت لحد ما بابا يرجع، منة هتسيب ماجد و كل واحد فيهم يروح لحاله”
تنهدت “هنية” بقلة حيلة ثم قالت بثباتٍ:
“ماشي !! سابت ماجد، و العمل إيه ؟؟ الكلام هيكتر على أختك و أنها كبرت و لسه مفيش حد اتقدملها لحد دلوقتي و لما حصل و اتخطبت الخطوبة قعدت سنة و في الأخر اتفضت، مين هييجي تاني بقى هتروح تجيب رائف و تقوله تعالى أهيه سابته أهيه”
نزلت دموع “مـنة” في الحال بينما ابتسمت “هنية” بوجعٍ ثم قالت بصوتٍ مبحوحٍ:
“انتم فاكرني قلبي جامد و طماعة ؟؟ بس أنا أم و قلبي بيوجعني من كلام الناس و كل ما واحدة تشوفني تفضل تتكلم و تتصعب على حالي و حال بنتي…..ربنا يهديكم لنفسكم”
خرجت من الغرفة على الفور بينما “مـنة” ارتمت على المقعد و الدموع تنهمر على وجنتيها، فقال “مصعب” بتهكمٍ:
“طبعًا خلاص كدا أثرت عليكِ و هتفضلي معاه، بس عاوز أقولك إنك أنتِ اللي هتدفعي التمن في الأخر يا منة، محدش هيتلام غيرك على اختيارك، قعدتك في بيت أهلك معززة مُكرمة، أفضل من الإهانة في بيت واحد محسوب من ضمن الرجالة”
انتحبت بشدة و هي تبكي ثم رفعت كفيها تُغطي بهما وجهها تخفي دموعها و تكتم شهقاتها، لكن روحها المكلومة كانت تصرخ و هي تشعر بالسهام تخترقها لتفتت بناء روحها الشامخ، لتصبح فوق بعضها رمادًا.
.★.★.★.★.★.★.★.★.
في شقة “رائف” دلفها مع والدته ثم سحب مقعد السفرة يجلس عليه ثم رفع كفيه يضعهما على رأسه حتى اقتربت منه والدته تجلس بجواره ثم ربتت على ظهره و هي تقول بمرحٍ زائفٍ:
“إيه يا رائف ؟؟ هتنخ ولا إيه يا واد ؟؟ دا أنتَ طول عمرك زي الخيل الجامح، حصلك إيه ؟؟”
رفع رأسه نحوها و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
“تعبت يا ماما، على يدك أنا كل حاجة عاوزها زي أي حاجة طبيعية غيري بيطلبها، مطلبتش كتير، قولت عاوز باب رزق بالحلال أقدر أصرف منه و لما جالي لقيت ١٠٠ أيد عاوزة تهبش فيه، طلبت مكان صغير أقدر افتح منه بيت زي أي حد غيري، طلع مش عاجب، الوحيدة اللي حسيت نفسي عاوزها و خلتني أفكر في حياتي الجاية معاها، رفضتني علشان ظروفي، أنا كدبت لما قولتلك أهي عروسة وراحت لحالها، هي راحت بصحيح بس قلبي مرجعش تاني زي ما كان، مش قادر أنساها و مش قادر أصدق إنها مش ليا”
ربتت على كتفه و هي تقول:
” لأ صدق أنها مش ليك يا رائف، علشان أمها قالتها رايحة تجيب حاجة جهازها، سلم أمرك لربك و هو قادر يشيلها من قلبك زي ما فتحه ليها، اسمع مني يا حبيبي”
مسح وجهه بكفيه معًا فسألته هي بمزاحٍ:
“ياض يا سوسة حبيتها أمتى دي ؟؟ مفيش كلام بينكم غير صباح الخير يا جاري أنتَ في حالك وأنا في حالي”
ابتسم بسخريةٍ ثم قال بشرودٍ:
“مش عارف والله مش عارف…..بس كل مرة كنت بشوفها راجعة من الحضانة وسط العيال الصغيرة قلبي بيتنطط من الفرحة، بحسها زي العيلة الصغيرة كدا وسطهم، كلهم بيحبوها و كلهم بيفرحوا لما يشوفوها، الظاهر أنهم جابولي عدوىٰ و بقيت بفرح لما أشوفها أنا كمان، بس عادي يعني، كل الناس بتحب النجوم و محدش بيوصلها”
احتضنته وهي تضم رأسه لصدرها ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
“ربنا يجبر بخاطر قلبك الطيب دا و يفرحني بيك و بفرحتك يا رب، أمنية حياتي أشوفك مرتاح زي ما اطمنت على أخواتك كدا”
في تلك اللحظة وصلهما صوت طرقات على باب البيت، فذهب “رائف” حتى يفتحه فوجد شابًا في بداية شبابه من أولاد المنطقة يمد يده له بالمفتاح وهو يقول:
“اتفضل يا رائف، قفلتلك المحل و رصيت الحاجة اللي وقعت و كنسته، كله بقى تمام”
رد عليه بامتنانٍ:
“تسلم يا مودي، تعالى طيب أشرب حاجة ولا كُل لُقمة معايا”
_”شكرًا يا رائف، لو احتاجت حاجة كلمني أنا موجود تحت علطول”
نزل الشاب بعدما رد عليه و قبل أن يغلق “رائف” الباب تفاجأ بـ “رامز” شقيقه الأكبر أمامه و هو يقول بنبرةٍ بلهفةٍ:
“أنتَ كويس يا رائف ؟؟ حصلك إيه ؟؟ عملوا فيك إيه ولاد كرم ؟؟”
رد عليه بنبرةٍ هادئة:
“ادخل بس يا رامز مش هنتكلم على الباب، أدخل بس”
دلف شقيقه بلهفةٍ ثم اقترب من والدته يطمئن عليها و هو يقول:
“أنتِ كويسة يا ماما ؟؟ حصلك حاجة يا حبيبتي ؟؟”
ردت عليه بودٍ:
“لأ يا حبيبي أنا كويسة، إيه اللي جابك بس من شغلك على هنا ؟؟ أنا طمنتك خلاص”
رد عليها بنبرةٍ جامدة:
“طمنتي إيه ؟؟ أنا مش هسكت و بكرة هعمل قعدة ليهم مع الشيخ صادق، أخويا مش عيل صغير علشان كل شوية حد منهم يتعرضله، أقسم بالله ما هسكت”
رد عليه “رائف” بنبرةٍ هادئة:
“هدي نفسك خلاص أنا عملت معاهم الصح و زيادة، سيبك منهم و خليك في بيتك وعيالك، مش ناقصين مشاكل يا رامز”
نظر له شقيقه بتعجبٍ فيما تنهد هو بضجرٍ ثم قال بنفاذ طاقة و خمول:
“عن اذنك يا رامز هروح أنام”
دلف بجسدٍ رخو لا حياة به و لا طاقة بينما “رامز” سألها بتعجبٍ:
“ماله يا ماما ؟؟ حصله إيه”
ردت عليه بصوتٍ منكسر:
“تعب يا رامز، أخوك تعب يابني و جاب أخره في الدنيا بدري”
★.★.★.★.★.★.★.★
جلست “مـنـة” في غرفتها على فراشها تضم ركبتيها بكلا ذراعيها وهي تبكي، فحديث والدتها صحيحًا و حديث شقيقها صحيحًا، وهي وحدها المُخطئة في حق نفسها قبل الجميع.
جلس “رائف” في غرفته يستند على طرف الفراش ثم فرد ظهره و أرجع رأسه للخلف و هو يتذكر حياته التي مرت بالعديد من الصعوبات عليه منذ وفاة والده و من بعدها جده حتى تلك اللحظة التي يجلس بها مهزومًا على فراشه لكونه غير قادرًا على اثبات نفسه للعالم و من قبلها لذاته.
★.★.★.★.★.★.★.★
في منتصف اليوم التالي كان “مصعب” في غرفته يتحدث في هاتفه و هو يقول:
“أنا كويس والله يا إنعام متخافيش، جرح بسيط و مـنة غيرتلي عليه و كله تمام، أنا بنفسي هاجي اطمن ستي و أطمنك”
ردت عليه بلهفةٍ:
“أنا عرفت بالصدفة والله و عرفت إنك اتعورت جامد، قلقت عليك يا مُصعب، بالله عليك خلي بالك من نفسك”
ابتسم هو بقلة حيلة ثم قال:
“حاضر يا إنعام هخلي بالي من نفسي، روحي بس شوفي وراكي إيه و أنا هبقى اكلمك كمان شوية، مش عاوز أبوكِ يقفش عليا، أبويا راجع أهو و هنجيب الشبكة”
ردت عليه وقبل أن تهم بغلق المكالمة دلفت “مـنة” غرفته بعدما ارتدت ملابس الخروج ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ:
“أنا نازلة يا مصعب مع ماجد نجيب الحاجة، ماما هتفضل هنا علشان لو احتاجت حاجة، أنتَ عاوز حاجة ؟؟”
اشاح بوجهه للجهةِ الأخرى ثم قال بنبرةٍ جامدة:
“شكرًا مش عاوز منك حاجة، اتفضلي روحي شوفي حالك”
زفرت بقوةٍ ثم خرجت من الغرفة بخطواتٍ واسعة بعدما خطفت حقيبتها من على الطاولة و نزلت للأسفل دون أن تقف هنيهة تأخذ نفسها بها.
في الطابق العلوي وقف “رائف” بجوار “رامز” شقيقه يقول بضجرٍ:
“مش عاوز اروح يا رامز علشان مزعلش حد مني، هما ييجوا لحد عندنا يتأسفولي و أنا يا أوفق يا لأ”
رد عليه شقيقه بنبرةٍ أهدأ:
“يا رائف عيب كدا، هما قالوا نتجمع في مكان محايد و أنا هاخدك و نروح عند بيت الشيخ صادق، نعرفهم اللي حصل و يتأسفولك و أنا هحكم إن حقك يترد في مكانك لحد عندك، مش هقلل بيك لو على رقبتي، بس أنا عاوز نروح علشان نبقى مركبينهم الحق”
تدخلت “كريمة” تقول بغلبٍ:
“منك لله يا كرم، طول عمرك جشع و أناني و عاوز كل حاجة ليك و عيالك طلعوا زيك، أقول عليهم إيه، ربنا يهديهم لنفسهم”
اقترب منه شقيقه يمسك يده ثم قال:
“يلا يا رائف، يلا علشان حقك يرجعلك لحد عندك”
زفر “رائف” مُستسلمًا ثم نزل مع أخيه بعدما وافق على مضضٍ و بعد مرور دقائق وصلا سويًا لمنزل ذلك الشيخ الكبير المتخصص في حل النزاعات العائلية، عند دخولهم كان المكان فارغًا عدا من تواجد الشيخ في انتظار الجميع، و بعد الترحاب و التحية بينهما و بين الشيخ، دلف “كرم” خالهما بأبنائه و هو يقول:
“السلام عليكم يا شيخ صادق”
أبتسم “رائف” بسخريةٍ فيما رفع “رامز” حاجبه حتى تحدث الشيخ بمعاتبةٍ:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا كرم، بس المفروض تسلم على كل الموجودين، دا السلام دا رزق و حسنات ببلاش”
رد عليه بنبرة حادة:
“مش عاوز منهم حاجة يا عم الشيخ، عاوز بس حقي”
انتفض “رائف” يقول بنبرةٍ جامدة:
“وهو أنتَ ليك حق عندنا ؟؟ واخد بيت ٣ ادوار أنتَ و اخوك و معاه مخزن، مش عاجبكم و عاوزين حق الست الغلبانة ؟؟ إيه ذمتك الواسعة دي مبتتلمش ؟”
تدخل “باسل” يقول بانفعالٍ:
“مالكش دعوة أنتَ، الكبار يتكلموا يبقى تسكت أنتَ خالص”
حينئذٍ وقف “رامز” وهو يقول:
“وهو الكبار برضه بيروحوا يتهجموا على الناس في مكان أكل عيشها ؟؟ واخد بلطجية و صيع زيك و رايح لابن عمتك تضربه في المحل ؟؟ هي دي الرجولة يا باسل أنتَ و فكري ؟؟”
نطق “كرم” بخبثٍ:
“وهي أمك عاوزة تاخد حق مش حقها ؟؟ و نسكتلها ؟؟ مفيش ستات بتورث عندنا”
اقترب منه “رائف” يقول بثباتٍ:
“الكلام دا عند أبوك الله يرحمه بقى، لكن شرع ربنا يمشي و يتنفذ بالحرف، و قبل ما تفتح بوقك، افتكر إن أبوك لما اتزنق في فلوس بُنا البيت خد دهب أمي اللي أبويا جابهولها، و قبل ما يموت دخل تمن الدهب من ضمن الشقة و المحل، يعني مش بتجبوا علينا، دا حقنا وحق أبويا الطيب اللي عمل بأصله لعيلة مفيهاش ريحة الأصل”
استشاط “كرم” غضبًا من “رائف” فقال “رائف” بسخريةٍ:
“زعلت يا خالو ؟؟ معلش هو الحق كدا مبيزعلش غير اللي واكله”
التفت بعد جملته تلك للشيخ و هو يقول بجمودٍ:
“بص يا عم الشيخ ناهية الحوار، أنا مش عاوز منهم حق ولا أسف، لأني مش باقي عليهم، و العقد و الورق معايا، بس عظيم بيمين لو لمحت واحد فيهم عند محل أكل عيشي، لأبعته متكيس لأبوه، أظن كدا عداني العيب، أنا و اللي يخصني خط أحمر، اللي يقرب منه يقلب نار تحرقه”
خرج بكامل غضبه و طاقته السلبية من المكان و قد تركه شقيقه لانه يعلم أنه في ذروة غضبه، بينما هو سار هائمًا على وجهه نحو بيته حتى وصله صوتها الذي يحفظ نبرته عن ظهر قلب و هي تقول بنبرةٍ أقرب للصراخ في مدخل البيت:
“ازاي تزعقلي كدا ؟؟ أنا مش بشتغل عندك علشان تتأمر عليا، قولتلك فيه طريقة محترمة نتفاهم بيها، إنما اسلوبك دا مش نافعني”
في بادئ الأمر ظنها تتحدث في الهاتف لكنه تفاجأ بها تلتفت و تهم بالصعود للأعلى فوجد أحدهم يمسك مرفقها و هو يقول بنبرةٍ جامدة منفعلًا:
“قولتلك ١٠٠ مرة لما أكون بكلمك تقفي و متسيبنيش و تمشي، فاهمة ولا أفهمك أنا !!!”
نطق جملته الأخيرة ثم هم برفع ذراعه حتى يصفعها، لكنه تفاجأ بقبضة قوية تمسك يده، فالتفت ينظر لصاحب تلك القبضة حتى تفاجأ بـ “رائف” يقول بنبرةٍ جامدة و عينيه تنطلق بشررٍ:
“هي الزرايب بقت مفتوحة على البحري ولا الجواميس هما اللي كتروا ؟؟؟”
سأله “ماجد” بنبرةٍ جامدة:
“نعم ؟؟ أنتَ مين أنتَ كمان و بتدخل ليه ؟؟”
صفعه “رائف” على وجهه ثم قال بغلٍ دفين كتمه في قلبه لفترة طويلة من ذلك الفظ:
“أتمنى القلم دا يكون عرفك أنا مين ….. أنا رائف العزايزي يعني لو على الشر ناوي فـ محسوبك ليه غاوي”
★.★.★.★.★.★.★.. ★.★.★.★.★.★.★.★

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!