روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل السابع 7 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل السابع 7 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء السابع

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت السابع

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة السابعة

“كل ما وددته فقط هو الأمان؟ لماذا ما لاحقني كان الحِرمان؟”
*************************
عقد “رائف” ما بين حاجبيه يطالعها باهتمامٍ، فقالت هي بنبرةٍ جامدة:
“من حوالي سنة وكام شهر كدا حضرتك ضربتني بالكورة في راسي، وفضلت مصدعة يومين، رائف دي كانت صدفة ؟؟؟”
رفع حاجبه وهو يقول بتهكمٍ:
“هي الهرمونات طفحت دلوقتي ؟؟ فاكرة حاجة مزعلاكي من قبل ما أكون معاكِ أصلًا؟؟ على العموم ماكنتش صدفة، أنا كنت قاصد و بنتقم علشان عرفت إنك رفضتيني”
ضيقت جفونها تطالعه بشرٍ فصدح صوت هاتفه في تلك اللحظة، حينها أخرجه من جيب بنطاله وما إن رأي اسم المتصل، زفر بقوةٍ وقال بضجرٍ:
“هتلاقيك خربت الدنيا يا مودي الزفت، أقسم بالله هعلقك”
فتح الهاتف وهو يقول بنبرةٍ عالية:
“أيوا يا مود…..”
_”الحق يا رائف حصل حريقة في المحل و الكهربا مسكت فيه”
قاطعه “مودي” بذلك الحديث بصوتٍ متقطعٍ غلفه الخوف و الحزن معًا، فيما أغلق “رائف” هاتفه فور بكاء “مودي” في الهاتف، فلاحظت “منة” تحوله و سألته بتعجبٍ تخالطه اللهفة:

 

“مالك يا رائف ؟؟ حصل إيه؟”
رد عليها بتشوشٍ ولازال ضائعًا كما هو:
“المحل…. المحل ولع”
تحولت تعابير وجهها في اللحظة بينما هو التفت يركض للجهةِ الأخرى بلهفةٍ جذبت الأنظار له، بينما “منـة” قالت بتخبطٍ للجميع:
“معلش يا جماعة بس حصل ظرف ضروري عن اذنكم”
ركضت خلفه بلهفةٍ تحاول اللحاق بمدى سرعته، لكنه كان يركض بأقصى درجة ممكنة، حتى توقف أخيرًا على مقربةً من المحل وهو يلهث بقوةٍ فرآى شباب المنطقةِ يحاولون إخماد النيران المُشتعلة التي وصلت تقريبًا للنصف الأول من المحل.
ظل واقفًا يرى احتراق أحلامه من على بُعدٍ، الجهد المبذول و العمل الشاق و الحماس وكل ما وضعه في ذلك المكان ذهب سدىٰ، يبدو وكأن النيران احرقت قلبه هو الأخر، ليقف ثابتًا و الدموع مُتحجرة في عيناه حتى شعر بها تجاوره بعدما ركضت خلفه وتوصلت أخيرًا إلى مكان وقوفه.
خرج “رامز” من المحل بثيابه التي غلفها الشَحم بعدما انطفأت النيران أخيرًا، ثم رفع رأسه ليجد “رائف” واقفًا و “منة” تجاوره، وكأن ظهوره بمثابة ظهور طوق النجاة في منتصف البحر لغريقًا أوشك على لفظ أنفاسه الأخيرة، لذلك ركض له “رائف” يحتضنه وكأنه يود الاحتماء به من الدنيا و شرها.
احتواه “رامز” في عناقه مُربتًا على ظهره وهو يقول بثباتٍ على الرغم من اختناق صوته:
“متزعلش نفسك يا رائف، تتحرق كل حاجة بس أنتَ تكون كويس، فداك يا حبيبي”
نزلت دموعه رغمًا عنه وهو يشدد من مسكته لأخيه ويقول ببكاءٍ:
“و أنا مش بخير يا رامز….النار كأنها مسكت في قلبي أنا”

 

استمعت “مـنة” لحديثه الذي مزق نياط قلبها، لذلك اقتربت منهما تقول بنبرةٍ باكية:
“متزعلش نفسك و قول الحمد لله على كل حاجة، الحمد لله إنك ماكنتش جوة، و الحمد لله إن محدش كان موجود و اتضر، و الحمد لله إنه محدش اتأذى بسبب النار، مفيش حاجة مستاهلة إنك تعمل كدا في نفسك علشانها”
استمع لحديثها وكأنه من عالمٍ أخر، لذلك ابتعد عن شقيقه يطالعها بتيهٍ و تشوشٍ فوجدها تضيف بنفس الثبات:
قال تعالى:
“‏﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾
تفتكر ربنا مكانش يقدر يوقف النار دي ؟؟ تفتكر مكانش قادر يمنع أنها تحصل من الأول ؟؟ أكيد فيه حكمة لا أنا ولا أنتَ ولا حد فينا يعرفها، ربنا بس اللي له حكمة في كدا، قول الحمد لله يا رائف”
تنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ خافتة:
“الحمد لله….الحمد لله”
اخذه “رامز” من يده وهو يقول بنبرةٍ حاول جعلها ثابتة قدر المستطاع:
“يلا يا رائف تعالى معايا ريح فوق و طمن ماما عليك، يلا يا حبيبي”
حرك رأسه موافقًا بشرودٍ وعينيه ثابتتين على المَحلِ، فيما تحرك به “رامز” خطوةً واحدة اوقفها “رائف” بقوله الخافت:
“استنى يا رامز…”
طالعه أخيه مُتعجبًا، فيما التفت هو لها يقول بنفس الصوت الذي طغىٰ عليه الانكسار:
“يلا يا منة، ولا هترجعي الخطوبة؟؟”

 

رفعت رأسها نحوه تقول بلهفةٍ:
“لأ هاجي أقعد عندكم لحد ما هما ييجوا”
حرك رأسه موافقًا ثم انتظرها حتى اقتربت منهما تصعد خلفهما للأعلىٰ، و بمجرد طرق “رامز” للباب، فتحته والدته التي كانت تبكي بحرقةٍ و لوعةٍ، وما إن رأت “رائف” أمامها خطفته في عناقها وهي تقول بقلب أم مكلومٍ على فلذة كبدها:
“يا حبيب قلب أمك….فداك كل حاجة يا حبيبي، ربنا يعوضك بكل خير بس كفاية إنك قصادي وفي حضني”
وضع رأسه على كتفها و الدموع لازالت كما هي مُتحجرةً في مُقلتيه، فيما طالعته “مـنـة” بشفقةٍ و حزنٍ لأجله ولأجل الحزن الذي بدا عليه كما القشة التي قسمت ظهر البعير.
_________________________
في شقة عروس “مُصعب” على الرغم من المرح السائد للأجواء و فرحة العروس بكل من معها و جاورها، إلا أن القلق انتاب قلب “مُصعب” و والديه، حيث نزول “منة” و خطيبها بتلك الطريقة.
لاحظت “انعام” العروس قلقه و تبدل حاله لذلك مالت عليه تهمس بنبرةٍ هادئة:
“مالك يا مُصعب؟؟”
حرك بصره نحوها وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما تنفس بعمقٍ:
“قلقان على منة وحاسس أنها مش بخير هي ورائف، بكلمها مش بترد عليا”
حركت رأسها تطالع الأوضاع حولها ثم قالت بقلة حيلة:
“مش عارفة يا مصعب، خلاص أنزل روح شوفها و أنا هقول لبابا إن أختك محتاجاك”
سألها باهتمامٍ:
“بجد ؟؟ مش هتزعلي مني يعني؟”

 

ردت عليه بقلة حيلة:
“هعمل إيه يعني؟؟ أنتَ مش معايا و عارفة انك مرتبط بمنة، روح شوفها، كدا كدا خدت دبلتي منك خلاص”
اندفع يمسك كفها دون تعقل أو تفكير ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“ربنا يخليكي ليا و يقدرني و أعوضك إن شاء الله، بجد مش زعلانة ؟؟”
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له فيما تحرك هو نحو والده يخبره بقراره، حتى انقضى الاحتفال سريعًا بعد ارتداء خواتم الخِطبة.
بينما العروس حينما لاحظت نظرات الناس و همساتهم، وقفت تقول بمرحٍ تُطفيء به توتر الأجواء:
“عادي يا جماعة حصل ليهم ظرف و إن شاء الله كل حاجة تتصلح، اتفضلوا اقعدوا كملوا اليوم زي ما خططتنا”
توجهت الابصار نحوها حتى زاد خجلها و توترها لكنها اقتربت من صديقاتها تقف بجوارهن تلتقط معهن الصور.
_________________________
في شقة “رائف” جلس على الأريكة يضع كفاه على رأسه مُهزومًا كمن تفاجأ بالحرب دون أن يعلم موعدها أو حتى يقوم بتجهيز نفسه لها.
كانت “مـنـة” تجلس مقابلةً له و كذلك شقيقه، بينما والدته جلست بجواره تأنِ و تبكي في صمتٍ، سحبت “مـنة” المقعد للامام قليلًا تسأله بصوتٍ مختنقٍ:
“قعدتك كدا مش هتحل حاجة، افرد ضهرك و افرد نفسك كدا، خلي عودك مصلوب، مهزوم ليه؟ أنتَ راجل و هتقدر تعمل بدل الفلوس دي كتير”

 

ابتسم بسخريةٍ على حديثها ثم ارجع ظهره للخلف، فقالت هي بلهفةٍ:
“صدقني فيه خير احنا مش عارفينه، أكيد النار دي محصلتش كدا أو صدفة، فيه سبب قوي”
انتبه لحديثها ثم شرد لمدة دقيقةً تقريبًا، ثم ضحك بغلبٍ حتى نظروا له بتعجبٍ فقال هو بقلة حيلة بعدما ازدرد لُعابه:
“مش صدفة…. قولتلك إني مش بأمن بالصدف، الذنب كله أني حبيتك أنتِ، و أني من بين كل بيوت الدنيا يطلع هنا نصيبي، و إن من بين كل بنات الأرض أحبك أنتِ، علشان يحصل فيا كدا، هقول إيه؟؟ ياريتني ما حبيتك؟؟ مش بايدي دي، بايده هو، لو العقل سلطان على القلب و القلب سلطان على الجسم، فأنتِ سلطان على الاتنين يا منة”
رمشت ببلاهةٍ و اسشفت الوجع من حديثه، بينما هو سحب نفسًا عميقًا ثم قال بصوتٍ مختنقٍ:
“روحي شقتكم يا منة، أنا مبقاش عندي حاجة تخليني حتى أعرفك، روحي يا بنت الحلال و اعتبريني أني مقابلتكيش قبل كدا، حرام آخدك ابهدلك معايا، روحي لماجد بقى هو أحق، أظن كدا بقيت من غير قيمة رسمي”
تحدث “رامز” بنبرةٍ جامدة مُنفعلًا:
“أنتَ بتقول أيه يا متخلف أنتَ ؟؟ فوق يا رائف متخليش كل حاجة تضيع منك، إيه علاقة منة باللي حصل دا ؟؟”
نزلت دموعها رغمًا عنها و شعرت أن حديثه مُهين لأقصى الحدود، يتخلى عنها بكل سهولةٍ وكأنها لم تكن تعنيه يومًا، لذلك وقفت تقول بصمودٍ:
“أنتَ الخسران يا رائف، بس خليك فاكر إنك أنتَ اللي بايع و جايبها باسم الحب، دا مش حب يا رائف، اللي بيحب مبيتخلاش، و أنتَ أهو بتتخلىٰ، بس دي آخر مرة”
سارت حتى باب الشقة فأقفتها “كريمة” بقولها الملهوف:
“يا بنتي استهدي بالله، هو زعلان و متعصب ومش عارف بيقول إيه، علشان خاطري استني”
التفتت لها تقول بنبرةٍ باكية:

 

“عن اذنك يا طنط، بس وجودي هنا ملهوش لازمة وملهوش صفة أصلًا، تصبحوا على خير و ربنا يعوض على الأستاذ رائف إن شاء الله”
خرجت من الشقة ثم أغلقت الباب خلفها، بينما والدته سألته بنبرةٍ جامدة:
“مبسوط كدا ؟؟ ضيعتها من إيدك ؟؟ ذنبها إيه هي، تضيعها منك ليه بعدما بقت معاك ؟؟ يابني بطل تهور مرة واحدة في حياتك، كل مرة تتهور و تعك الدنيا علينا كدا”
صرخ في وجهها منفعلًا بصوتٍ مُنكسرٍ:
“علشان محدش يكسرني و يقهرني، اسيبها أنا و قلبي مكسور، بدل ما تيجي تكمل هي و تسيبني لما تعرف اني مش مناسب ليها، أنا بقيت عاطل رسمي، كل حاجة ضاعت، هخليها معايا قد إيه ؟؟ هتجوزها ازاي ؟؟ هجيبلها شبكة إزاي ؟؟ هستنى لما امها تقنعها أني مش مناسب و تيجي تسيبني تكمل عليا ؟؟ لأ شكرًا كدا أنسب، لو عليا أنا كرهت حياتي كلها”
تحرك من المكان نحو غرفته يدخلها مثل الاعصار الابيض الذي يُدمر كل ما يقابله، ليبيت هو عاريًا كمن هُدِمَ بيته فوق رأسه.
*******************
دلفت “منة” شقتهم وهي تبكي فوجدت أسرتها قد دلفتها للتو قبلها بلحظاتٍ قليلة، أقترب منها “مصعب” يسألها مُتعجبًا:
“أنتِ معيطة ليه؟؟ مالك يا منة ؟؟ رائف كويس طيب ؟؟ وإيه اللي سمعناه دا ؟”
ارتمت عليه تعانقه و تتمسك به وهي تقول بوجعٍ:
“طلع كداب يا مصعب، أول مشكلة حصلت سابني و كأني مليش لازمة عنده”
نزل حديثها عليهم كَـ وقع الصاعقة الرعدية التي تهتز القلوب لصوتها، بينما “مصعب” احتواها بين ذراعيه وهو يقول:
“أهدي بس و كل حاجة هتكون كويسة، احكيلي مالك و أنا هحاول أعرف الدنيا حصل فيها أيه”
هزت رأسها نفيًا بقوةٍ ثم قالت:
“لأ علشان خاطري، هو سابني وخلاص، المشكلة أني طلعت بحبه أوي، أول مرة افرح كدا إني هكون مع حد، ياريتني ما حبيته”
تنهد “مُصعب” بضجرٍ بينما “خليل” وقف يطالعها بقلة حيلة لا يعلم ماهي أبعاد الموضوع لذلك اكتفىٰ بصمته و قبل أن تنطق “هنية” و تُزيد من حدة الموقف أوقفها بقوله:
“والله العظيم لو نطقتي يا هنية لأكون طردك على بيت أهلك، اسكتي مش عاوز نفس منك”
لوت فمها بتهكمٍ ثم جلست على المقعد و الضيق و التبرم يبديان على وجهها، لكن ذلك الجزء العطوف الذي تمتلكه تحرك لأجل ابنتها و أيضًا لأجل “رائف” و والدته، لذلك تنهدت بعمقٍ ثم كورت قبضتها تضعها اسفل وجنتها بضيقٍ والأخرى تبكي بين ذراعي شقيقها.
_________________________

 

في اليوم التالي في الصباح نزلت “مـنـة” لعملها كعادتها كل صباح مهما تكاثرت عليها الهموم تفصل حياتها العملية عن حياتها الشخصية، على الرغم من أن حالها لم يكن في أفضل أحواله، لكنها آثرت أن تُنحي ذلك الجزء البائس منها جانبًا حتى تعود لمنزلها و تستعيده بل تتعايش معه
استمرت في عملها حتى نهايته تضغط على نفسها و تُجبر شغفها حتى تُكمل اليوم.
في المسجد الموجود بالمنطقة كان “رائف” يؤدي صلاة العصر بداخله وبعد انتهاء الصلاة، أرخى جسده على العمود الرخامي الذي يتوسط المسجد، فاقترب منه “أيـوب” ذلك الشاب الذي يهتم بشئون المسجد يضع يده على كفته وهو يبتسم له، فانتبه له “رائف” لذلك اعتدل في جلسته وهو يقول بتلهفٍ:
” الشيخ أيوب !!”
ابتسم له “أيوب” ثم جلس أمامه وهو يقول بسخريةٍ:
“آه أيوب يا بائس يا حزين، مالك ؟؟ شايل طاجن ستك ليه ؟؟ جرى إيه يا رائف ؟؟”
تنهد “رائف” بعمقٍ ثم قال بوجعٍ يستفسر منه:
“تعبان يا أيوب، و مهزوم، و مكسور، مش عارف اعيش حياتي ولا عارف أقوم بعد ما أقع تاني، أيوب هو أنا حرام عليا أرتاح ؟؟ طب بلاش، أنا وحش علشان كل حاجة تتعبني كدا”
تنهد “أيوب” ثم قال بنبرةٍ ثابتة:
“لأ مش حرام، دي دنيا يعني مكان مش بتاعنا، مجرد شوية و ماشيين منها، يعني لو منك مزعلش على حاجة طول ما احنا في الدنيا، الجنة لسه مضاعتش مننا، زعلان ليه بقى؟؟”
رد عليه بنبرةٍ أقرب للبكاء:

 

“حاسس إن هما اللي آذوني، مش قادر أصدق إنها صدفة وإن مش هما اللي زعلوني على شقا عمري كدا، طفحت الدم علشان يبقى عندي مصدر رزق بالحلال، إنما اللي حصل فيا دا صعب اوي، حتى بعدما وصلتلها سيبتها، فراقها كان اصعب من كل اللي فات، كنت مستني تكون معايا واهو ابقى خدت أي حاجة من اللي نفسي فيها”
ربت على ظهره ثم قال بنبرةٍ ودودة كعادته:
“مرة حد سأل الحسن البصري، عن سر زهده في الدنيا وليه مش شايل هم ليها و من ضمن رده عليه قال:
“علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فأطمئن قلبي”
انتبه له “رائف” بكامل تركيزه، فأضاف “أيوب” مُتابعًا:
“رزقك بتاعك محدش هياخده غيرك، محدش فينا بياخد رزق حد تاني، كل واحد مكتوبله رزق بياخده، لو هي رزقك أصلًا هتكون ليك غصب عنك أنتَ نفسك، ولو المحل دا رزقك الاول و الاخير يبقى ربك هيكرمك ببريق نور يخلي رزقك يرجع تاني أحسن من الأول، أقولك على حاجة كمان ؟؟ لو هما أذوك يبقى احمد ربنا علشان الخير اللي هيجيلك من وراهم كبير”
سأله “رائف” بسخريةٍ:
“إزاي بقى إن شاء الله يا أيوب ؟؟ دي النار مسكت في المحل و قال إيه ماس كهربي، يا أخي اشوفهم مولعين بنفس الماس دا إن شاء الله”
ابتسم “أيوب” رغمًا عنه ثم قال:
“لو أطلعتم على الغيب لأخترتم الواقع، ساعات ناس بتأذينا لمجرد الحقد و الانتقام اللي في قلوبهم لينا، رغم أننا مسالمين، بس أذيتهم دي بتكون سبب لخير كبير أوي لينا يا رائف، لدرجة أنه لو عرف الخير اللي هيجيلنا من ورا أذيتهم دي، كانوا استخسروا الأذى فينا من الأول، أحمد ربك ياض وبطل بؤس و كئابة”
تنهد “رائف” براحةٍ ثم قال بمرحٍ:
“روح يا أيوب يا بن العطار ربنا يكرمك و يفتحها في وشك من وسع و يكرمك ببنت الحلال”
وكزه “أيوب” في كتفه ثم تحرك من أمامه وهو يقول بسخريةٍ:
“هو أنا مقولتلكش ؟؟ مش انا مستني حور العين ؟؟”
خرج من المسجد مُبتسمًا، فيما قال “رائف” محدثًا نفسه بسخريةٍ:
“حور العين ؟؟ اوعدنا يا رب….”
توقف عن الحديث ثم أكمل بسخريةٍ:

 

“جتك خيبة، قال يعني أنتَ عارف تفرح البني أدمة اللي معاك علشان تدعي بحور العين ؟؟”
خرج من المسجد خلف “أيوب” ثم توجه نحو محله يقف أمامه متحسرًا حتى لاح طيفها من بعيد تقترب من المكان بصمتٍ، التفت على الفور يقابلها فوجدها ترفع حاجبها له، فيما قال هو بلهفةٍ:
“أنا كنت عاوز اتكلم معاكِ يا منة”
رمقته بغيظٍ ثم قالت:
“مفيش بينا أي كلام يتقال يا رائف، مفيش أي صفة تجمع بيننا في الكلام، عن أذنك”
أوشكت على التحرك، فحرك جسده يحول دون ذلك و يردع حركتها وهو يقول بلهفةٍ:
“لأ هتسمعيني يا منة، عاوزك تعرفي إن اللي قولته كان بسبب خوفي من خسارتك، منة أنا….أنا بحبك والله ومش عارف ليه قولت كدا….بس….مش عاوز أخسرك”
تنهدت بعمقٍ وقبل أن تتحدث و تعنفه و تخرج غيظها في وجهه، على الرغم من اعترافه الذي جعل قلبها ينتفض محله، اقترب منهما شخصٌ يرتدي ملابس عملية وهو يقول بأدبٍ:
“مساء الخير يا أستاذ رائف، مع حضرتك معاذ النويري، موظف شركة التأمين، وجاي بخصوص حريق المحل”
نظر له “رائف” ببلاهةٍ فيما اتسعت حدقتي “منـة” حينما تقريبًا توصلت لسبب تواجده هنا.
*************************
في الأعلى كانت “كريمة” تجلس في شقتها تقرأ في المصحف الشريف، حتى طُرق باب شقتها، فأغلقت الكتاب الكريم ثم توجهت نحو الباب ثم فتحته فوجدت “هنية” في وجهها، ابتسمت لها بحرجٍ وهي تقول:
“اتفضلي يا أم مصعب…تعالي”
دلفت “هنية” معها للداخل ثم جلست حيث أشارت “كريمة”، فسألتها الأخرى بتوترٍ:
“تشربي إيه يا ست هنية؟؟”
ردت عليها بهدوء:
“أنا مش جاية اتضايف يا أم رامز، بس إحنا ولاد أصول و جاية بحكم الجيرة اللي بينا قبل أي حاجة، و أنا جاية بعد علم خليل جوزي”
انتبهت لها “كريمة” و طالعتها بترقبٍ ناهيك عن ضربات قلبها المتزايدة، بينما “هنية” قالت بثباتٍ بعدما وضعت كيسًا بلاستيكيًا على الطاولة:
“دول قرشين خليل كان ناوي يخليهم لجواز منة، على أساس يعني فرحها كان قرب وكدا، بس أهو الموضوع باظ، رائف أولى بيهم يجدد بيهم المحل أهيه نواية تسند الزير، قولتي إيه؟”

 

رمشت “كريمة” بتعجبٍ و نظرت لها باستنكارٍ فلم تصدق أن “هنية” من فعلت ذلك ولمن ؟؟ لـ “رائف” ؟؟ الأمر يبدو وكأنه حُلمًا أو لربما أصيبت بالهلاوس فلم تعد تعي أيهما واقعها و أيهما خيالًا.
*************************
في أحد المقاهي العامة الفاخرة كان جالسًا بترقبٍ ينظر في ساعة يده منتظرًا قدوم الأخر، و هو يهز قدمه بانفعالٍ حتى سُحب المقعد المقابل له وجلس الأخر يقول بنبرةٍ هادئة:
“معلش يا فكري اتأخرت عليك”
تقدم بجسده منه بلهفةٍ وهو يقول:
“هو دا معادنا يا ماجد ؟؟؟”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى