روايات

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثلاثون 30 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثلاثون 30 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء الثلاثون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت الثلاثون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الثلاثون

مرت من أمامها كل ذكرى مؤلمة متعلقة بحملها الأول، كيف خسرت حبه الكبير لها وعنت من شدة قسوته، لا قلبها ليس قادرًا على خوض تلك المعاناة مجددًا، تعلم بأنه كان يخاف عليها في كل مرةٍ ذكر الطبيب أمر حياتها المهددة بخطر حملها المتعسر، ولكنها الآن لن تقوى على المحاربة بعد تعرضها لكل تلك الموجات، انهمر الدمع على خديها وارتجفت شفتيها وهو تحاول نطق تلك الكلمات الثقيلة:
_والله ما أعرف حصل ازاي يا عدي.. أنا أسفة.
وأزاحت دمعاتها بأصابعها، ثم التقطت نفسًا مطولًا يعينها على قول ما طاف بخاطرها:
_أنا ممكن أنزله!
رمش بعينيه وهو يحاول استيعاب الأمور بداية من حملها ونهاية باقتراحها الغير مقبول إليه بالمرةٍ، فقال بصدمةٍ:
_أيه الجنان اللي بتقوليه ده!
واحتضن وجهها بيديه، ثم قال بنبرةٍ حنونة:
_اللي شوفتيه مني زمان مش هيتكرر تاني يا رحمة.. أنا عندي ثقة كبيرة في ربنا إنه مش هيخليني أخسرك بعد كل الاختبارات اللي مرينا بيها مع بعض.
وابتسم وهو يستطرد:
_حملك وراه رسالة من ربنا وأنا فهمتها.. أنا كان نفسي أعوض اللحظات اللي عشتها بعيد عنك في أكتر وقت كنت محتاجالي فيه وربنا عوضني بحملك.
وضمها إليه بقوةٍ، ويده تعبث بخصلات شعرها:
_أنا جنبك ومستحيل هتخلى عنك ولا عن اللي في بطنك، ولو ربنا أراد اننا نمشي مشوار تاني هنمشيه بس المرادي وأنا جانبك وايدي في ايدك.
أغلقت عينيها باستسلامٍ لذاك الأمان الذي يداعبها، لم تصدق ما تسمعه حتى وإن كان يستمر بحديثه إليها، أجبرت يدها على التعلق به، وكل ما تتمناه أن يظل هكذا، وإن تخلت روحها عنها لن تريد بعدها أي شيء.
******
استندت على الكومود حتى استقامت بوقفتها، خطت خطوتان تجاه حمام غرفتها بتعبٍ مازالت تشعر به بعد ساعاتها القليلة من ولادتها، اتجهت لحمام غرفتها بصعوبة، فاستندت برأسها على الحائط وهي تجاهد ذاك الدوار الطفيف الذي يهاجمها، شعرت بكف قوي يضم يدها فرفعت رأسها تتأمل من يقف أمامها ببسمة خافتة:
_حازم!
أسندها إليه وهو يتساءل بدهشةٍ:
_أيه اللي قومك من السرير.
أشارت له على حمام الغرفة، فأسندها حتى ولجت إليه، ثم عاد بها للفراش مجددًا، جذب حازم الغطاء عليها، ثم حمل خالد الغافل جوارها لغرفته، وتمدد هو لجوارها، راقبته نسرين ببسمةٍ هادئة، فأبدل ملابسه ثم تمدد لجوارها، فسألها بتعحبٍ:
_بتبصيلي كدا ليه؟!
ابتسمت وهي تخبره:
_محتارة فيك.. مفيش في حنانك وطيبة قلبك يا حازم.
وانحنت بجسدها حتى استلقت على صدره، فأغلقت عينيها وهي تردد:
_ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك يا حبيبي.
حاوطها بذراعيه ثم قال ببسمة ماكرة:
_انتي بتحبي فيا في الاوقات الغلط!!
******
أريكتها الجلدية المريحة تضعها لجوار شرفتها الزجاجية المفضلة، لا يفصلها شيئًا عنها، الشموع البيضاء تحيط بالحائط الصغير المجوف فتصنع اضاءة ساحرة للغاية، ضمت ساقيها إليها رأسها مستند عليها وخصلات شعرها تلامس أطرافها، ابتسامتها لا تترك شفتيها وعينيها تراقب القبعة المجوفة التي تعلو القصر، هائمة بتلك الذكرى التي تنعش قلبها العاشق، خرج من حمام غرفته، يجفف رأسه بالمنشفة، فما أن أزاحها عنه حتى انتبه لوضع زوجته، فدنى منها وهو يتساءل بدهشةٍ:
_ملك! سرحانه في أيه؟
استدارت برأسها إليه، وأشارت له بالاقتراب، اقترب يحيى منها، فأمسكت يده وحثته على الجلوس لجوارها ثم قالت ببسمةٍ هادئة وهي تشير على سطح القصر:
_مش بيفكرك بحاجه المكان ده؟
ضيق عينيه بعدم فهم، فمالت برأسها وعادت لتهيم بالمكان مجددًا وهي تخبره:
_هنا كنت هنهي حياتي بعد تفكيري الأهبل انك كنت بتخوني، ووقتها انقذتني مرتين، مرة من الموت ومرة من عقاب عتمان الجارحي، أخدت القلم بدالي ومهتمتش بشكلك قدام اللي بالقصر ولا همك أي شيء غير انك تحميني من الضربة اللي ممكن تأذيني.
وعادت لتتطلع تجاهه وهي تستطرد:
_الذكرى دي لسه في بالي لحد النهاردة يا يحيى مش قادرة أنساها.. ولا قادرة أنسى كل تضحية قدمتها عشان تحميني، حبك ليا حماني من كل شيء وحش.
طلت وسامته ببسمته الصغيرة رغم كبر عمره، فضمها إليه وهو يتساءل بمكرٍ:
_أيه السبب اللي خلاكي تفكري في كل ده الوقتي.
اختبأت بأحضانه وهي تهمس باستنكارٍ:
_مين قالك اني نسيت حاجة عملتها عشاني!
وارتفعت بجسدها اليه، فطبعت قبلة خاطفة على خده وهي تكرر همسها الخافت:
_انت الشيء الحلو في حياتي كلها يا يحيى، واللى بيفرحني أكتر ان ياسين ابني طالع شبهك في كل حاجة.
وامتعضت ملامحها فجأة، فلم تسيطر على دمعاتها وهي تردد بخفوتٍ:
_أنا أوقات بخاف انك تسبني يا يحيى، خايفة من لحظة الفراق والموت، خايفة ان يومك يكون قبل يومي وقتها ممكن أموت نفسي.
ازاح دمعة خائنة من عينيه وهو يخبرها ببسمة صغيرة:
_أيه اللي بتقوليه ده يا ملك!
ابتسمت وهي تخبره رغم نبرتها الباكية:
_هعمل أيه لازم أفكر باللحظة دي، انت عارفني طول عمري دبش ومش بعرف أفكر بالكلام بس أنا يعني بقولك اني كنت كل ما بفكر ان ياسين نسخة منك وإنه هيصبرني الايام اللي فضلين ليا لحد ما ربنا يفتكرني قلبي يوجعني أكتر، فملقتش غير اني ادعي ربنا يخلي يومي قبل يومك.
وانغمست بالبكاء، فشدد من ضمه لها، وقال بصوته الرخيم:
_متفكريش في الموت تاني يا ملك،استغلي كل لحظة بتجمعنا مع بعض كأنها الاخيرة.
وأبعدها عنه لتقابل نظرات عينيه التي مازالت تملك سحرها الخاص حتى بعد مرور هذا العمر، فباغتها بنبرته الجذابة:
_وأنا أعاهدك اني هفضل أحبك لحد أخر نفس خارج مني!
وترك ديوان عشقه يكتمل بأقصوصة اضافية تحملهما معًا في ختام صفحته الطويلة.
********
بالجناح الخاص بمعتز.
عمل جاهدًا على حاسوبه، فكان يود الانتهاء من الملف الاخير قبل صباح اليوم الجديد، مرت أكثر من ثلاث ساعات عمل بها بهدوءٍ تام دون أن تثير الضجة جواره بثرثارتها المعتادة، لا يعلم لماذا اشتاق لها فجأة، وكأن فعلتها التي لا تعجبه بات يشتاق لها ويفتقدها، خرج معتز من غرفة مكتبه للغرفة الرئيسية، فوجدها تجلس على الفراش وتعمل على حاسوبها ذو اللون الوردي، كان يبدو عليها الانشغال التام بعد عودتها للعمل بالمقر، تمدد لجوارها بعد انتهائه من عمله، فقرر خوض معاركتها الدائمة لانشغالها التام عن بدأها، فقال بنبرةٍ شبيهة لها:
_كالعادة هتقضي يومك كله قدام اللاب ولا كأن في واحد قاعد من الصبح يستناكي عشان نقعد مع بعض!
أبعدت شاشة الحاسوب عنها، لتحدجه بنظرة بلهاء، غمز لها بمشاكسةٍ اتبعت حديثه:
_هو أنا مش بصعب عليكي! يعني طول اليوم برة البيت وفي الشوية اللي راجعة فيهم هتسهري قدام الزفت ده.
فشلت بالسيطرة على انطباع وجهها المتصلب، فانفجرت ضاحكة وأشارت:
_ده أنا صح! بتتريق عليا يا معتز.
ابتسم وهو يتابع ضحكاتها، فزحف على الفراش حتى بات جوارها، جذب عنها الحاسوب ثم وضعه على الكومود، وجذب يدها إليه يقبلها برفقٍ، ثم رفع عينيه إليه ليخبرها:
_فرحان انك بقيتي معايا ومشاركاني كل حاجة حتى الشغل.
وابتسم وهو يشير لها بمكرٍ:
_ده غير اني ملاحظ انك بقيتي مهتمية بنفسك وخسيتي جدًا من أول اسبوعين!
انخطف لون وجهها من فرط سعادتها، كأغلب النساء التي تسعد قلوبهن باهتمام زوجها لادق تفاصيلها، ناهيك عن ملاحظته بفقدانها للوزن، فركت منخارها كمحاولة لاخفاء بسمتها، واصطنعت الجدية وهي تخبره:
_معتز اديني اللاب لو سمحت لسه ورايا شغل!
ابعده عنها وهو يشير لها بتذمرٍ مرح:
_لا يا حبيبتي شغلك في المقر، هنا أنتي ملكي أنا وبس مش ملك الشغل!
وقربها اليه سريعًا ليفاجئها بسرقته العاطفية، فشهقت بخجل، وابتسم وهو يجذبها أسفل الغطاء هامسًا لها:
_الموضوع أصله خطير وده بدايته، تعالي لما أكملك اللي حصل!
********
طالت ظلمة الليل الكحيل حتى أشرقت سماء يومًا جديد، اجتمع فيه جميع أفراد العائلة على مائدة الطعام الكبيرة، الذي يترأس طرفيها ياسين الجارحي قبالة رفيق الدرب، غمز له يحيى وهو يبتسم بمكرٍ جعل الاخير يجذب هاتفه، ويرسل له
«أيه سر السعادة الغريبة دي!»
انتقلت نظراته للهاتف المضيء، فسحبه وقرأ ما دون برسالة ياسين، فأجابه
«وأخيرًا اتخلصنا من المشاكل كلها يا صاحبي، بس تفتكر لسه في مصايب تانية مستناية دورها؟!»
عشرات المقاعد تفصلهما، ومع ذلك يبدو بعد المقاعد قريبًا بعض الشيء، جذب ياسين هاتفه فعبث به وهو يرتشف قهوته بثبات
«مفيش حياة بدون مشاكل يا يحيى، بس المهم اننا قادرين نواجهها واحنا مع بعض ولا أيه؟»
منحه ابتسامة واسعة، وجذب كوب العصير خاصته فرفعه عاليًا وكأنه يقدم له تحية صباحية تشاركه كل عركلةٍ معًا، انطلقت الاحاديث المرحة المتبادلة بين الشباب والفتيات،فهبطت رحمة للأسفل بصحبة نور، فجذبت كلا منهما مقعدها، وجلسن يتناولان الطعام، تساءلت آية باستغراب وعينيها تحيط بمقعد عدي الفارغ:
_فين عدي يا رحمة؟
أجابتها وهي تجاهد ذاك الدوار الصباحي المعتاد لأي امرأة بشهورها الأولى من الحمل:
_معرفش يا ماما أنا صحيت ملقتهوش!
صدح رنين هاتف نور، فجففت يدها ورفعت الهاتف وهي تردد بدهشةٍ:
_ده عدي.
أشار لها عمر قائلًا:
_طب ردي شوفي في أيه!
أجابته نور فقالت:
_أيوه يا عدي!
جحظت عينيها بذهولٍ، والابتسامة تحررت على شفتيها، فابعدت مقعدها وهي تردد بفرحةٍ:
_بجد، فين؟!
استمعت لما قال، وتركت الهاتف وهي تشير اليهم بحماسٍ:
_عدي جابلي العربية.
وتركتهم وهرولت للخارج، فلحقت بها الفتيات والشباب راكضًا، تبادل الجميع النظرات بدهشةٍ، فقال رعد بسخريةٍ:
_عمرهم ما هيكبروا أبدًا… مش عارف حقيقي هيعقلوا أمته ويتصرفوا بمسؤولية شوية دول أباء وأمهات!
جذب عز الشطيرة فغمسها بالعسل الابيض، وتناولها وهو يخبره:
_ما تسبهم يعيشوا حياتهم.. هما يعني عندهم كام سنة لكل ده، العمر قدامهم طويل.
وأضاف أدهم ببسمة هادئة:
_بالعكس أنا شايفهم عاقلين كفايا وشغل المقر يشهد على كلامي ولا أيه يا يحيى!
انتهى من مشروبه، فوضع الكوب وهو يشير لرعد:
_سبهم يا رعد.. هو في أجمل من أن الواحد يعيش حياته بالطول والعرض، أنا بفكر بعد اللي حصل ليهم بالفترة الاخيرة نديهم اجازة من المقر يطلعوا اسكندرية أو بورسعيد يغيروا يومين قبل رمضان.
واستدار تجاه رفيقه يتساءل:
_ولا أيه يا ياسين؟
مرر سكينة على الجبن الأصفر، فتناول بشوكته القليل، وقال بثباتٍ:
_معنديش مانع.. خليهم يطلعوا يومين تلاته.
جحظت عين حمزة بصدمة:
_وشغل المقر.. متقولش احنا اللي هنشيل!
تعالت ضحكات عز، فقال بمشاكسةٍ:
_وماله منشلش ليه ولا أنت اخدت على الراحة؟!
اعترض أدهم على حديثه ومنح خيارًا أخر:
_لا يا عز.. العضمة كبرت عند حمزة ومبقاش حمل الشغل فرامي اتكاله على أحمد وفرمه بالشغل.
وضعت تالين الملعقة عن زبادي الحليب، ثم قالت بضيق:
_هو أخد على كده يا أدهم، لما الولد يا قلبي مبقاش بيرجع البيت اللي وش الصبح.
صاح بهم بعصبية:
_أنا يعني اللي متكل عليهم لوحدي ما كلنا كده ولا أيه؟
ترك ياسين المنشفة الورقية باهمالٍ فوضوي، فالتزم الجميع بالصمت، ليحطم هو جلبابه العتيم حينما قال:
_كلنا أهملنا شغلنا ورمينا المسؤوليات على الاولاد، عشان كده أنا مع قرار يحيى نخليهم يغيروا جو كام يوم واحنا هنشيل بدالهم بالفترة دي.
نغزت دينا ذراع رعد، فتأوه بصوتٍ مسموع وتساءل بحدة:
_في أيه؟
قالت بغضب:
_طب واحنا مش هنطلع يومين نغير جو ولا احنا مالناش نفس يعني!
حدجها بدهشةٍ:
_يعني لو بايدك اختيار خروجة حلوة هتختاريها لنفسك ولا لاولادك؟
اجابته ببسمةٍ عريضة:
_ليا طبعًا ودي فيها كلام.
انفجر الجميع ضحكًا، فقال عز بمكر؛
_والله أنا شايف ان دينا معاها حق، احنا كمان لازمنا تغير جو ولا أيه؟
حدجه الجميع بصمتٍ، فقال وهو يتطلع اليهم:
_يبقى تمام على العيد نسافر كلنا مكان كويس ومحدش هيقدر يعترض كلامي.
رد عليه حمزة بخبثٍ:
_ليه ياسين الجارحي؟
ابتلع ريقه بخوفٍ مصطنع، ونظراته لا تفارق ياسين المتكئ على يديه برزانةٍ قاتلة، وقال:
_لا معايا وسطة وعلى رأي المثل يا بخت اللي نسيبه ياسين الجارحي وأخوه يحيى الجارحي ولا أيه!
نهض يحيى عن المقعد ثم قال بتريثٍ:
_هروح أبلغ الاولاد بقرار سفرهم.
********
بالخارج.
ركضت مسرعة للسيارة، فالقت بذاتها داخلها، ثم وقفت على مقعد القيادة وأخذت تلوح بيدها بالهواءٍ بفرحةٍ طفولية، ابتسم عدي وهو يراقبها، فهمس عمر اليه:
_ارتحت لما نفذلتلها اللي هي عايزاه أهو محدش عاد هيعرف يكلمها من هنا ورايح.
رد عليه أحمد بضيقٍ:
_وفيها أيه يا عمر هي عملت جريمة ما أغلب البنات عندهم عربياتهم الخاصة!
ضحك ياسين وردد بمرحٍ:
_انت ليه محسسني انها هتقود حياتك مش على الرصيف!
لوى فمه بتهكمٍ، وخاصة حينما أسرعت نور تجاههم، فصاحت بسعادة:
_والله ما عارفة أشكرك ازاي يا عدي، لو ينفع كنت حضنتك بس للاسف لا يجوز!
تعالت ضحكاته الرجولية، فقال وهو يشير اليها :
_مفيش داعي مشاعرك وصلة بدون أحضان!
اتجهت نور خطوتين حتى باتت تقف جوار زوجها، فوزعت نظراتها بينه وبين السيارة، فردد بعدم فهم:
_نعم!!
قالت بدهشةٍ:
_العربية جت فاضل نتعلم السواقة.
رفض مساعدتها بصدر رحب:
_قلبي رهيف عشان تتعلمي السواقة لازم حد قلبه ناشف بحيث لو اتخبطتي لقدر الله يبقى قادر يستوعب ويكمل تعليمك عادي.
رددت مليكة بصدمة:
_انت بتفول عليها من دلوقتي!
اشارت لها نور بغضب:
_شوفتي أخوكي.. هو نفسه في كده أصلًا.
واستطردت وعينيها تختار غايتها:
_عمومًا أنا هخلي حازم هو اللي يعلمني، شوفته بيعمل حركات بالعربية يخربيت كده.
رد عليها جاسم بسخرية:
_مش لما تتعلمي تطلعي بالعربية الاول يا نور تبقي تتعلمي الحركات!
واضاف مازن:
_لا وما شاء الله عندها طلة في اختيار الشخص اللي هيعلمها!!
رد عليه حازم بسخطٍ:
_وماله الشخص اللي اختارته يا سي مازن!
تدخلت مروج بملل:
_مازن أنت بتحاول تخلق مشاكل مع المديرية كلها اسكت أحسن!
ضحك معتز وشيد على حديثها:
_أيوه اسمع كلام مراتك واسكت، انت كلامك بيعملك مشاكل ووشك أساسًا معتش حملها!
أشارت نور لحازم بحماس٠:
_طب يلا يا حازم علمني.
أشار لها بالصعود للسيارة بينما ولج لمقعد السائق، كادت نور بالدخول اليها، فأوقفها أحمد حينما قال:
_نور بلاش حازم ده متهور بالسواقة، خلي رائد يعلمك أفضل سواقته هادية وعاقل.
خرج حازم برأسه من نافذة السيارة فصاح به:
_متخليك محضر خير يا أخ، ماله حازم مش ده اللي كان السبب في انقاذ الوحش، لو كنتوا اتكلتم على اللوا كان زمانهم خلصوا عليه.
منحه عدي نظرة صارمة، جعلته يزحف برأسه للداخل في صمتٍ، فأشار لنور التي صعدت جواره وتحرك بها للحديقة الخلفية الشاسعة، بينما تجمع الشباب والفتيات بالخارج حول الطاولة المستديرة، فتساءل ياسين بفضول وهو يتفحص ملابس عدي الرسمية:
_أنت خارج ولا أيه يا عدي؟
أشار له وهو يجيبه:
_أيوه، هنزل مكتبي النهاردة أشوف الدنيا ماشية ازاي، وهرجع على طول.
نهض أحمد عن مقعده ثم أشار للشباب قائلًا:
_عجبتكم القعدة ولا أيه، يلا اتاخرنا.
وقف الشباب جميعًا وقبل تحركهم أوقفهم صوت يحيى القريب منهم، حينما قال:
_يا شباب.. قرار عاجل ومفاجئ.
همس جاسم بخوفٍ:
_استر يا رب.. كارثة جديدة على الصبح!
جذب يحيى المقعد الاساسي للطاولة، وجلس يلتقط أنفاسه، فتساءل عمر بدهشةٍ:
_خير يا عمي.. هنرجع المقر تاني ولا في قرارات جديدة؟!
غمز بمكرٍ:
_لا قرار جديد بس متقلقش يا عمر هيعجبك.
بلهفة قال:
_كل الآذان صاغية.
ضحك وهو يخبرهم بمرحٍ:
_قررنا نحن كبار عائلة الجارحي،وذلك بعد موافقة السيد ياسين الجارحي، باعفائكم من عملكم الشاق بالمقر لمدة لا تتجاوز الثلاث أيام، وذلك بمنحكم افراج رسمي لكلتا المدن السياحية لقضاء وقتٍ ممتع يعوض ما عاناه الجميع بالفترة الماضية.
فور انتهائه من اخبارهم، صاحت الفتيات بفرحة:
_يعيش… يعيش.
قالت آسيل:
_هو ده الكلام ولا بلاش.
أضافت داليا:
_والله كلنا محتاجين نغير جو ولا أيه يا رانيا؟
أكدت لها بتأكيدٍ:
_طبعًا مين مش محتاج يخرج لمكان على البحر يغير بيه جو.
وأكدت مليكة:
_أهم حاجة يكون على البحر يا عمي.
ابتسم وهو يخبرها٠:
_اقعدوا رتبوا مع بعض واتفقوا على المكان اللي حابين تروحه.
ونهض وهو يستطرد٠:
_عن اذنكم.
وتركهم يتشاوران بالامر ثم عاد للداخل، وبعد مشادات من الجدل تم الاتفاق على الاسكندرية، واتفق الشباب على السفر الباكر بالغد أما اليوم سيستعدون جميعًا لذلك، واستغل عمر اليوم بالذهاب للمشفى، وصعد عدي بسيارته ليتجه لوجهته الهامة، وتبقى الشباب بالمنزل، يستعدون بالمعدات التي ستكفي غرضهم بالرحلة، فجلسوا يتقاسمون المهام بينهم، الى أن قاطعهم صوت اصطدام قوي وتليه صوت صراخ نور، فهرعوا للخلف سريعًا ليتفاجئ الجميع بالسيارة مصطدمة بالشجرة العملاقة، وزجاجها الأمامي محطم كليًا، وزعت نور نظراتها المنصدمة بين السيارة وبين حازم الذي ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يشير لها:
_هصلح الموقف وقسمًا بالله.
انهالت عليه بالضرب، وهي تصرخ بعصبية:
_عمال تقولي أنا حريف! كسرت العربية ده أنا لسه مفرحتش بيها.
حاول أن يتفادى يدها، فصاح بها:
_هعوضك بعربية زيها أو هتكفل بتصالحها!
تدخل أحمد على الفور، ففتح الباب الجانبي للسيارة وأشار لها بالهبوط وهو يردد بنوعٍ من الشماتةٍ:
_قولتلك بلاش حازم!
منحته نظرة غام بها الندم، فهبط حازم خلفهما قائلًا بسخطٍ:
_هي اللي على الله حكايتها، عمال أقولها دوسي فرامل وهي في دنيا تانية!
كزت على أسنانها، فبحثت حولها عما يمكن استخدامه في تلك اللحظة العصيبة، فلم تجد الا أداة خاصة بتنظيم حديقة القصر، جذبتها نور واتجهت اليه وهي تتساءل بإنذارٍ خطر:
_يعني هتصلحها ولا تستلقى موتك.
جحظت عينيه صدمة، فصاح بخوفٍ:
_هصلحها وقتي!
******
الانجازات المتتابعة تلخصت بكل وسام حمله هذا الحائط، ميدالية تليها الأخرى، ولجوارها شهادة تقدير، وقلادات ثمينة تشيد بإسم المقدم “عدي الجارحي” ، وها هو الآن يعود بعد انقطاعه التام، ليس ليباشر عمله فمازال ينفذ وعده القاطع بعودته بعد تماثله الشفاء بشكلٍ كلي، ولكنه يحن للعودة والتواجد على هذا المقعد الذي ينقله لذكرياتٍ محمسة لعودته مجددًا، مرر عدي يده على المقعد والبسمة لا تفارق وجهه، فاستمع لطرق باب غرفته، فردد:
_ادخل.
ولج الموظف والابتسامة البشوشة لا تفارق وجهه مرددًا:
_نورت مكتبك يا باشا..
واقترب ثم وضع كوب القهوة بعنايةٍ على سطح المكتب، ثم قال:
_مظبوطة زي ما بتحب يا باشا.
ابتسم وهو يجيبه:
_تسلم يا صالح.
حمل الموظف الصينية ثم غادر على الفور، تاركه يعيد كل تفاصيل يرغب بها، وجذب الكوب ثم بدأ بارتشاف قهوته بتلذذٍ عجيب، ليقطع لحظاته الهادئة رنين هاتفه اللامع بإسم “الاسطورة” ، حرر زر الاجابة قائلًا:
_قلبك حاسس اني رجعت ولا أيه؟
تعالت ضحكاته الرجولية، وقال من بينها:
_يا حبيبي الاخبار بتوصلني من قبل ما تخرج من بيتك!
وتابع بمكرٍ:
_اكتفيت بمكالمة بما إن زيارتك سريعة لكن مع رجوعك هتلاقيني معاك بنفسي أنا ومراد وسيادة اللوا.
ضيق عينيه متسائلًا بشكٍ:
_في حاجة لازم أعرفها ولا أيه؟
ابتسم وهو يخبره:
_مهمة بنجهزلها من فترة وفي وقت التنفيذ هنكلمك ترجع يا وحش، ولازم تعرف انها تمس آمن الدولة.
وبصوتٍ جاد للغاية تساءل:
_جاهز يا صاح؟
ابتسم جراء كلماته الاخيرة التي جعلته يشعر وكأنهما مجرمين، فقال:
_جاهز يا كفاءة.. وبالمناسبة لما هشوفك قريب هفهم منك أكتر.. لانك انت ومراد معزومين عندي على الفطار أول يوم رمضان ومش لوحدكم الحكومة الزوجية هتكون معاكم والأولاد.. أظن فهمت.
همس بسخطٍ مضحك:
_لزمتها أيه النكد!
وزفر وهو يخبره على مضضٍ:
_تمام هقول لمراد وهنيجي أكيد منقدرش نفوت فرصة اللقاء بياسين الجارحي تاني!
ردد عدي ببسمة صغيرة:
_سلام مؤقت.
وأغلق الهاتف ثم استند بيده على الطاولة، يفكر بأمرٍ جعل ابتسامته تتلاشى، فعبث يده بالهاتف شمالًا ويمينًا، حتى استقر بعد تفكيرٍ لما يريد، فجذبه مجددًا ثم طلبها وما أن أجابته حتى قال:
_حبيبتي البسي، هعدي عليكي نروح للدكتور عشان نطمن عليكِ أكتر!
*******
أعدت الفتيات الحقائب استعدادًا للسفر بالصباح الباكر، فانشغلت كلا منهن بغرفتها بجمع الاغراض، بينما تركت مليكة مهمتها لزوجها، الذي انتهى من وضع ما سيحتاجوه طوال الثلاث ليالي، وقبل أن يغلق سحاب الحقيبة تساءل:
_هتحتاجي حاجة تانية يا ملاكي؟
مررت بصرها على محتويات الحقيبة، وهزت رأسها نافية وببسمة رقيقة قالت:
_أكيد مش هينقصني حاجة عملتها أنت بنفسك.
منحها ابتسامة جذابة، ثم دنى من مقعدها، فأبعد عن رقبتها ذاك الرباط المتحرك، لترتاح قليلًا، واستغل فرصة قربه منها، فطبع قبلة خاطفة على جبينها، ثم همس إليها:
_هنزل أصلي الظهر وبعدين نخرج نتغدى في أي مكان.. فرصة اني اجازة النهاردة من المقر.
هزت رأسها وهي تردد بفرحةٍ:
_هجهز نفسي لحد ما ترجع من المسجد، بس متتأخرش!
جذب سجادة الصلاة خاصته وغمز لها بخبثٍ:
_أنا رجعت يا باشا!
********
كان ياسين بطريقه للأسف، فامتعضت ملامحه بمللٍ حينما وجد المشهد المعتاد بين جاسم وداليا، وتلك المرة اختاروا انحناء الدرج كمنصة للمشاجرة، فاستمع لجاسم يحذرها:
_اعقلي يا داليا وبطلي لعب العيال ده، احنا بينا اتفاق ولا نسيتي!
ردت عليه باستنكارٍ:
_بس لما فكرت لقيت اني كنت غلط لازم يكونلنا طفل تاني يا جاسم.
ضرب كف بكف:
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، يا حبيبتي انتي مش لما كنتي في أوضة العمليات حلفتي انك لمل تطلعي هتقطعي علاقتك بيا ومش هتكرري الغلطة دي تاني، أيه اللي غير نظرتك للأمر؟
ابتلعت ريقها ببعض الخوف، واجابته:
_ومازلت بصراحة.. بس لازم أحاول!
انتهى ياسين من الدرج حتى بات جوارهما، فجذب ذراع جاسم وهو يجبره على الهبوط قائلًا بسخطٍ:
_القصر كله في هدوء تام الا ازعاج خناقتكم كل يوم… تعالى صلي يمكن تطرد الشيطان اللي مش يسيبكم ده.
وزع جاسم نظراته بين يد ياسين التي تسحبه للاسفل وبين نظرات زوجته المغتاظة، وابتسم بعدم تصديق بأنه تحرر بمنتهى السهولة، فلحق بياسين وهو يخبره بصوتٍ منخفض:
_جميلك ده مش هنسهولك العمر كله.
فتح ياسين الباب، ثم تابع بهبوطه للخارج ليمنحه نظرة غاضبة اتبعها قوله:
_أنا هموت وأعرف انت طايق نفسك ازاي يا أخي! ده انا أوقات بحس ان حازم أعقل منك في تعامله مع مراته!
وضع يديه بجيوب جاكيته ثم أشار له بعنجهيةٍ:
_دي شكليات يا ياسو.. الحياة متحلاش غير بجرعة النكد الصباحية المعتادة ولا أنت مش من الحزب المتنكد يوميًا ولا أيه؟
صعد سيارته وصعد لجواره جاسم، فمنحه نظرة من طرف عينيه قبل أن يجيبه:
_متقارنيش بحد فيكم يا حبيبي!
******
انتهت رحمة من ارتداء فستانها الأسود الرقيق، ثم وضعت ححابها وجلست تتطلع لذاتها أمام المرآة بخوفٍ يجعل قلبه يخفق بضعف، تجمعت الدموع بملقتيها فحاولت منعها مرارًا، تخشى أن يصرح الطبيب بخطر حملها تلك المرة فتعود لنفس رحلتها السابقة حتى وإن صرح لها عدي بعدم عودته لما حدث بينهما سابقًا، ولكن رغمًا عنها تجتابها الخوف والقلق، شرودها جعلها لا تستمع لطرقات الغرفة الفاصلة بينها وبين ابنائها، مما دفع الصغير الولوج للداخل، فاقترب منها بدهشةٍ وقلق دفعه لازاحة دمعاتها فانتبهت رحمة لوجوده، وازاحت دمعة عينيها الاخرى وهي تردد ببسمة نجحت بصنعها:
_ياسين!
سألها بقلق:
_في أيه يا ماما… بابا اتخانق مع حضرتك تاني؟
هزت رأسها نافية لذلك:
_لا خالص!
ودفعته برفقٍ ليجلس قبالتها على الفراش، وانتظرت قليلًا تفكر فيما تود قوله، لم تعتاد يومًا أن تخفي أي شيئًا عنه، لطالما شعرت وكأنه شابًا في الثلاثون من عمره على الرغم من كونه طفلًا صغيرًا، ولكنه يمتلك عقلًا وحكمة تجعلها عاجزة، لذا قالت بهدوءٍ:
_أنا كنت هجيلك أنت ورحمة عشان أفرحكم وأقولكم ان قريب ربنا عيرزقنا بأخت أو أخ ليكم.
ابتسم الصغير ومع ذلك اخبرها بشكٍ:
_وهو ده خبر يزعل حضرتك!
تلاشت ابتسامتها، وأفاضت بما يقبض صدرها:
_انت عارف يا ياسين ان حملي فيكم مكنش سهل وكان فيه خطورة على حياتي، فعدي مكنش متقبل الحمل ده عشان كان خايف عليا، أنا دلوقتي مش عارفة هل هواجه نفس المصير ولا لا، ولو ده حصل هترجع الحياة بينا زي فترة حملي الأول ولا لا!
منحها الصغير ابتسامة جذابة، ثم رفع يده ليزيح دموعها مجددًا، وقال بثقة:
_خليكي متفائلة إن مفيش أي شيء من ده هيحصل، بداية من زيارتك للدكتور اللي إن شاء الله هيطمنك، ونهاية ببابا لان ياسين باشا غيره ١٨٠ درجة، وأعتقد إن الفترة اللي عاشها مش هيحب إنه يكررها تاني لإن الدرس مكنش قاسي على حضرتك بس لا هو كمان أتعذب وعلم معاه.
رمشت بعينيها بعدم تصديق، ومع ذلك لم تكن دهشتها كبيرة لاعتاديها عليه بتلك الرزانة، فابتسمت وهي تهمس:
_ياسين الجارحي اللي قدامي.. مستحيل!
ضحك الصغير وأخبرها بمكرٍ:
_أنا اسمي ياسين الجارحي فعلًا يا مامي!!
ثم قال وهو يشير لها بضيق:
_وبعدين عندي تعليق، ده فستان تخرجي بيه مع عدي باشا! بسيط جدًا وميلقش على الخروجة دي، اختاري شيء مميز لأن النهاردة مميز ولا أيه؟
ضحكت وضياء وجهها ينير، وتساءلت:
_هتساعدني في الاختيار؟
حك جبهته بحيرةٍ، ثم قال:
_هحاول!
جذبته للخزانة وبعد رحلة من الصبر والاختيار، نجحوا باختيار فستان أزرق تحفه فراشات بيضاء، رقيقًا للغاية ولكنه يمنح طالة فخمة لاقت بها، هندمت حجابًا أبيض وحذاء أبيض بسيط، ثم استدارت تجاهه وتساءلت بفضولٍ:
_ها أيه رأيك كده… لبست الفستان اللي إختارته ملكش حجة؟!
سماعه لتلك الكلمات أمام باب جناحه، دفعه لفتح الباب باستغرابٍ من حديث زوجته عن شخص تجرأ ليختار لها فستان داخل جناحه المحظور، لوهلة شعر وأنه أخطئ سماعها ولكن كلماتها كانت واضحة، ففتح الباب وولج يبحث باستغراب، حتى سقطت عينيه على ابنه يجلس على الفراش ويشير لها بأعجابٍ قائلًا:
_كده أحلى وأشيك بكتير.
اتجهت عينيه تلقائيًا تجاه من تقف أمام المرآة المطولة، فانفرجت شفتيه دهشة وهو يتأملها، وكأنها ذاتها تلك الفتاة التي جمعهما القدر على متن طائرة واحدة بالأمس، انعكس طيفه بالمرآة، فالتفتت للخلف لتردد بتوترٍ:
_عدي أنت طلعت.. أنا كنت نازلة أهو!
واشارت تجاه ياسين وكأنها تلقي اللوم عليه:
_بس ياسين هو اللي أخرني وخلاني أغير هدومي تاني!
ابتسم الصغير وهو يراها تتهرب وكأنها هي الصغيرة هنا، فقال بمكر:
_كده هتتفدي من العقوبة مثلًا.
ثم تطلع لعدي الذي يراقبه بصمتٍ:
_أنا بعتذر للتأخير نيابة عن والدتي اللي بتصدرني للوجهة!
رسمت ابتسامة هادئة على شفتي عدي، فعبث بخصلات شعر ابنه البني ثم قال بمحبة:
_اختيارك حلو ومريب.
وختم بسؤاله المندهش:
_انت ليك في اختيار اللبس ازاي!
أشار له ليحني رأسه اليه ثم قال:
_لما حضرتك ترجع هعلمك!
ضحك عدي بصوته كله، ثم عرض عليه وهو يطبع قبلة على خده:
_طب أيه رأيك تيجي معانا أنت ورحمة.
تطلع الصغير لوالدته التي تراقبهما باستغرابٍ، ثم همس إليه بمكرٍ:
_أنا بقول دي خروجة متنفعش فيها حد، بس لو حضرتك هتعوضهالنا بإنك تاخدنا معاك اسكندرية التلات أيام دول هقدر تضحيتك جدًا!.
انفجر عدي ضاحكًا، فتعالت ضحكاته بعدم تصديق لسماعه تلك العرض الماكر، راقبتهما رحمة بفرحة حتى وإن لم تستطيع سماع ما يحدث بينهما ولكن على الأقل رؤيتهما هكذا تجعلها سعيدة عمرًا باكمله، وخاصة حينما وجدتهما يتبادلان الصفح وعدي يخبره:
_موافق على العرض يا سيادة المقدم.
ابتسم الصغير حينما مجده أبيه بضمه لاكثر شيء يريد تحقيقه، تقبل ابيه للامر ووضعه كمقياس قبالته جعله سعيدًا ويود تحقيق هذا الحلم عن جدارة، فأستأذن منهما وغادر لغرفته، انتصب عدي بوقفته وتابعه وهو يغادر ببسمة صغيرة ختمها حينما تطلع لرحمة وقال:
_مش شبهي لأ… ده كله ياسين الجارحي على نسخة أكتر خطورة!!
*******
وضعت آسيل الحاسوب على الفراش، ثم تمددت قبالته وهي تتابع حديثهن، فاقترحت مروج ما يمكن اصطحابه معهن بالحقائب:
_أكيد هنحتاج واقي من الشمس وكام نظارة.
تساءلت شروق:
_طب واللبس؟
اجابتها رانيا:
_أكيد لبس محتشم وعادي لاننا كلنا طالعين مع بعض.
قالت نسرين بتعبٍ:
_بس أنا مش هقدر اطلع معاكم والله.. حتى لو كانت ولادتي طبيعية فأنا لسه حاسة بارهاق وتعب كفايا إن احمد مش بينام طول الليل ومسهرني معاه.
تعالت ضحكات آسيل وقالت:
_متقلقيش يا سلفتي هبقى أطوع وأشيله عنك شوية وأدي أويس ابني لأحمد يتحمل مسؤوليته.
على ذكرها لاسمه، ابعد عينيه عن شاشة حاسوبه الماسد امام مكتبه المجاور لغرفتها ، فقال:
_بتناديني يا حبيبتي؟
صاحت بصوت مرتفع تجيبه:
_لا ده أحمد الصغير مش أنت.
رددت داليا بمرح:
_العيلة كلها بقت أسماء متشابه!
اقتربت مليكة من كاميرا الهاتف، ثم قالت:
_أيه رأيكم يا بنات.. الفستان حلو ولا ضيق؟
تأملت الفتيات بأكملهن ما ترتديه، فقالت رانيا:
_جميل أوي يا مليكة بس ابقى طولي الطرحة شوية.
وأكدت شروق:
_فعلا والله تحفة عليكي أوي.
بينما تساءلت مروج بخبث:
_فكك من حلو وبتاع.. انتي راحة فين كده؟!
أجابتها على استحياء:
_ياسين حابب اننا نتغدا بره النهاردة.
ضحكت نسرين ثم قالت بسخرية:
_يا عم يا عم الرومانسيات ما احنا هنسافر بكره ولا عايز ينفرد بالكريز لوحده النهاردة!
ضحكت الفتيات على حديثهن، وتساءلت مروج بدهشة:
_بنات فين رحمة ونور؟ مش ظاهرين من الصبح!
اجابتها داليا:
_رحمة قالت انها راحة للدكتور مع عدي لان زي مانتوا عارفين عرف بحملها وحابب يطمن.
رددت آسيل بقلق:
_ربنا يطمنها يا رب.
تساءلت مليكة هي الاخرى:
_طب ونور؟
ردت عليها داليا:
_لا معرفش، بس مدام مختفية كده أكيد بتعمل كارثة!
******
بغرفة نور.
مازلت تصر عليها بالهاتف بسرعة حضوره للمنزل ليحضر حقائبه استعدادًا للسفر، وحينما أخبرها بأنه لن يستطيع ارسلت له فيديو وهي تلقي بملابسه عن الخزانة، مما دفعه للعودة للقصر، فاندفع لجناحه بضيقٍ يجعل ملامحه عابسة مخيفة، فتح عمر غرفة نومه، فتفاجئ بها تجلس أرضًا بين كومة من الملابس الملقاة بكل زواية بالغرفة، ووجهها متجهم للغاية، كاد بالتوجه اليها ولكنه توقف حينما عاد هاتفه بإرسال شعار مجددًا، وما ادهشه حينما راى فيديو مسجل أخر من حسابها، حانت منه نظرة اليها فوجدها مازالت تجلس محلها، فاتجه للنافذة القريبة تجاه الملتقط منها زواية التصوير، فابتسم حينما وجد ابنته الصغيرة تعبث بهاتف زوجته بعشوائيةٍ، فتارة تحمله بفمها وتارة تدفعه أرضًا، فظن بأن الفيديو المرسل إليه ما هو الا انتقام شنيع لعدم رغبته بالعودة وإن كانت قد فعلت ذلك، ولكن هناك من قام بفضح ما تفعله بملابسه بغيابه، استقام عمر بوقفته وانتظر حتى تنتبه لوجوده ولكن على ما يبدو انشغالها التام بحسبة تستغرق تفكيرها، وضع يديه بجيب سرواله والتقط نفسًا مطولًا قبل ان يناديها بخشونةٍ:
_نــــــــور!
انتفضت بجلستها فحاولت الوقوف ولكنها سقطت محلها، فرددت بغضب:
_خضتني!
أشار لها بغضب:
_أيه اللي عملاه في الأوضة ده.
وأشار على ملابسه بالتحديد:
_وإزاي ترمي هدومي بالشكل ده؟!
قالت بعدم اهتمام وهي تدخل للخزانة مجددًا:
_أيه اللي رجعك بدري مش كنت مش عايز ترجع دلوقتي وبتقولي مشغول!
تفادى أن يلامس حذائه بذلاته الآنيقة الملقاة أرضًا بإهمالٍ يجعله يود قتلها بتلك اللحظة، فاتبعها وهو يصيح بها:
_ربنا اللي بعتلي إشارة من الملاك الصغير دي عشان أكتشف اللي بيحصل، لا وأنا اللي محتار هدومي بتتكسر ليه مع أنها مكوية!!
لم تفهم مغزى حديثه الا حينما تطلعت لابنتها فوجدت هاتفها بيدها، وكعادتها من المؤكد فعلها لكارثة، لذا لم يعنيها معرفة ما حدث، فجذبت بعضًا من ملابسه ثم القتها بوجهه وهي تصيح بغضب:
_تبًا ليك ولبنتك وابنك يا شيخ! مش كفايا اللي أنا فيه!!
تفادى (شماعة) الملابس التي كادت بإصابة وجهه، فحمل الصغيرة وركض لغرفتها ليضعها جوار ابنه الرضيع، ثم عاد اليها، ليجدها مازالت تلقي ما بالخزانة، تسلل للداخل بحرافية حتى لا تطوله ما تقذفه بجنون، فاقترب منها وتساءل بحزمٍ:
_في أيه؟ أنا مش سايبك كويسة وفرحانه بالعربية البينك!
منحته نظرة لا تمت للبراءة التي تتحاول تصنعها بذلك الوقت، ثم انخفضت بجسدها عن الخزانة التي تقف داخلها كالسلم الخشبي، فوقفت قبالته ومن ثم انفجرت ببكاء لا يعلم كيف استحضرته بتلك البساطة، وقالت:
_معتش حاجة داخلة عليا.. أنا تخنت موت يا عمر!
رفع أحد حاجبيه بصدمةٍ، هل أصيحت كفيفة مجددًا؟ أم عاد إليها بصرها الآن! ، وزنها كان بزيادة تدريجية طوال فترة حملها إلى وضعها لعدي ابنها الصغير، فجأة تكتشف بزيادة وزنها! ، فرفع يديه بإشارة اصبعيه الاثنين معًا وقال:
_هرمونات!
ثم أخفض ذراعيه ونفث الهواء العالق داخله عله يستجمع شجاعة الدخول لتلك المعركة الحساسة لدى النساء، فقال ببسمة واسعة مبالغ بها:
_مين قال كده! انتي زي القمر في كل حالاتك يا روح قلبي، ولو على اللبس ننزل حالًا نشتري اللي يناسبك للرحلة.
ازاحت دمعاتها بضحكة غريبة، وقالت:
_بجد يا عمر؟
تسلل من بين الملابس متعمدًا الخطى فوق ملابسها دون التعرض لما يخصه، فما أن وصل اليها حتى حاوطها اليه، فضمها وهو يخبرها:
_بجد يا روحي انتي دايمًا جميلة بعيوني.
وعاد ليتطلع لارضية الغرفة ثم قال بتردد:
_بس انا عندي سؤال، انتي مشكلتك الوقتي مع هدومك ذنبي أنا أيه!
ازاحت دمعاتها باطراف أصابعها وهي تخبره:
_مانا كنت بقيس كام حاجة من عندك يمكن تنفعني بس منفعنيش حاجة!
وعادت بالبكاء على صدره مجددًا، كز على أسنانه بغيظٍ فكاد بأن يهوى على ظهرها بضربة قوية، ومع ذلك اهتدت حركة يده الى أن ضمتها إليه وقال من بين اصطكاك أسنانه المغتاظة:
_ولا يهمك.. البسي وننزل تجيب لبس مناسب للرحلة.
أشارت له وهي تتجه للجانب الايمن من الخزانة لتنقي ما يناسب خروجتهما السريعة، فلفت انتباهها وجود الميزان الخاص بالوزن، حملته نور ثم وضعته أرضًا، وما كادت بالصعود عليه حتى خطفه عمر من أمامها ليشير لها بتحذير:
_لا.. أنا مش ضامن أيه اللي هيحصل بعد كده.. الميزان ده عدوي اللدود.
وقذفه فوق الخزانة وهو يشير لها بتعصب:
_أنا مش جاهز لمرحلة اكتئاب الاوزان دلوقتي كفايا عليا كده!!
********
انتهى الطبيب من فحصها، والتأكد من حملها أولًا، فاكتشف بأنها ببداية الشهر الثاني للحمل، وإن كان صغيرًا وغير باديًا على الجهاز، فكتب لها بعض الادوية والفيتامينات، فقطع الورقة عن دفتره الخاص ثم قدمه لمن يجلس قبالته، قائلًا ببسمة هادئة:
_الادوية دي لازم تأخديها بمعادها، وإن شاء الله أشوفك بعد اسبوعين نطمن على الجنين.
التقط منه عدي الروشتة، ثم تطلع لرحمة الصامتة فناولها المفتاح المجاور إليه وقال:
_حبيبتي انزلي تحت في العربية استنيني وأنا شوية وجاي.
وزعت نظراتها المندهشة بينهما، ثم التقطت المفتاح واتجهت للأسفل، وما ان تأكد عدي من هبوطها حتى قال بقلقٍ:
_دكتور من فضلك صارحني، حملها الأول أنت شوفت بنفسك الخطورة اللي كانت فيها، حملها المرادي هيعرضها لنفس الخطورة؟
رد عليه الطبيب:
_أنا شايف ان حملها طبيعي جدًا، ولازم تعرف إن اللي عرضها للخطورة دي حملها بتؤام، والمرادي حملها في جنين واحد يعني إن شاء الله مفيش خطورة.
تهللت تعابيره فرحة فنهض عن مقعده ليصفحه اليد وشكره بإمتنانٍ، هبط عدي للاسفل وصعد لسيارته فوجدها تنتظره والارتباك يستحوذ عليها، فما أن صعد جوارها حتى تساءلت بريبةٍ:
_قالك أيه؟
انحنى تجاهها،فطبع قبلة خاطفة على يدها قائلًا والابتسامة تطيب قلبها:
_قال إن مفيش داعي للقلق.. وانك انتي والجنين بخير.
رددت بخفوتٍ:
_الحمد لله.
شغل محرك سيارته وتحرك بها، فعلى رنين هاتفه برقم عمر، جذب الهاتف واجابه باستغراب:
_خير؟
اتاه صوته يجيب:
_رحمة معاك صح؟
ضيق عينيه بدهشةٍ:
_بتسأل ليه؟
ردد باستغاثة:
_هاتها وتعالى مول ***، نور مطلعة عيني!
سأله بريبةٍ:
_ليه؟
قال بسخط:
_كل ما بتخيرني بين فستانين بحاول أساعدها والله بس مش عاجبها ذوقي ولو متدخلتش بتتخانق بردو، مش راضية تشتري حاجه وأصحاب المحلات قربوا يطردونا من المول كله.. تعالى فورًا الله يكرمك.
ضحك وهو يخبره باستهزاء:
_محتاجة مساعدة ياسين ابني هي كمان!!
وانجرف بسيارته في طريق المول، فما أن وصل اليه فوجدوا عمر يقف أمام احدى المحلات، يجوب الطريق ذهابًا وإيابًا وأما أن وجدهم حتى هرع اليهما يتساءل بغضب:
_اتاخرتوا ليه؟
اجابه عدي بسخريةٍ:
_أنت ليه محسيني انكم اتمسكتوا وانتوا بتسرقوا! اجمد كده اللي يبصلك بعين نصفهاله!
تركتهما رحمة واتجهت للداخل لتعاون نور برحلتها الشاقة لشراء ما يناسبها، فبقى عمر برفقة عدي بالخارج حتى انتهت الفتيات..
*******
جذب عدي رحمة لأحد المحلات الجانبية، فتساءلت بحيرةٍ:
_في أيه يا عدي؟
اخرج ما يخفيه خلف ظهره، فتفاجئت رحمة بما يحمله بين يده، جحظت عينيها بعدم تصديق وبالرغم من معرفتها بما يحمله الا انها تساءلت ببلاهة:
_ده أيه؟
ابتسم وهو يخبرها:
_لبس بيبي ينفع للولاد والبنات.
بللت شفتيها بلعابها، فهمست وهي تهم بالخروج:
_أنت مش طبيعي!
كادت بالعثر، فأمسك بها عمر، ثم قال:
_حاسبي يا رحمة.. واخدة في وشك وبتجري على مين؟
تطلعت خلفها بذعرٍ، وكأن هناك شبحًا يلاحقها، فقالت وعينيها لا تفارق من يدفع ثمن ما اشتراه لاول مرة:
_أحلف إن ده عدي جوزي!!
واستكملت وهي تتطلع اليه:
_اتصلي بياسين الجارحي بسرعة!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى