روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الثاني 2 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل الثاني 2 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الثاني

رواية قابل للكتمان البارت الثاني

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الثانية

بـعـد مـرور أربـع سنوات.
اشرأبت ضحي رقبتها محاولاً أن ترى وتسمع ما يتحدثون عنه بعيداً عنها، لكن حضورهم المهيب غطى عليها أجساد الأطفال المحيطين بها، فاصبح الأمر صعباً عليها، حيث كانت العائلة تتجمع في منزل والدها كالعادة في العطلة! وكعادتها عليها أيضًا أن تجلس مع الأطفال وتعتني بهم، فهي الوحيدة بينهم التي لم تتزوج بعد! ومن أجل السماح لهم بالحديث عن عدة مسائل وأمور تهمهم دون أن يغطيهم صوت آخر، بدأت أصوات الضحك ترتفع و شعرت ضحى بالغضب لأنها كانت الوحيدة التي تجلس بعيداً عنهم.. لم تتحمل أكثر من ذلك وقامت تناديهم بعصبية واضحة
= وبعدين بقى هو انا هفضل قاعده بره مع الاولاد لوحدي كده وانتم قاعدين هنا و سايبيني اخلي بالي منهم ما كل واحده تطلع تشوف أبنها
نظرت إليها اختها ندي قائلة بضيق شديد
= جري ايه يا ضحى عامله وش ليه؟ ما انتٍ يا حبيبتي الوحيده اللي فينا اللي مش متجوزه
غير كده ما ينفعش تقعدي معانا عشان أوقات بنتكلم كلام ما ينفعش تسمعيه دلوقتي وانتٍ لسه ما اتجوزتيش.
جزت علي أسنانها بغيظ شديد من كلماتها قبل أن تتحدث محاولة السيطرة على قهرها
= بس اولادكم مش بيسمعوا الكلام اطلعوا انتم وخلي بالكم منهم قال يعني انتم اللي بتقدروا عليهم عشان انا اقدر
لوت أختها الكبيرة شفتيها بسخرية هاتفه
= أهو يا حبيبتي سايبينلك عيالنا تدربي عليهم وتتعلمي، ما جتش على كام ساعه بقى خلي بالك منهم وبطلي صداع
وجدت صعوبة في ضبط انفعالاتها حينما بدأت تعايرها نوعاً ما بأنها الوحيدة بينهما لم تتزوج حتى الآن، لكنها رسمت ابتسامه صغيره قائلة بعناد
= هو لما انتم مش قد التربيه بتخلفوا ليه؟
بقول لكم ايه كل واحده عندها عيالها برة انا مش كل ما تيجيوا لازم اخلي بالي منهم انا طهقت ومش هتحرك من هنا بالعند بقى .
تحركت بالفعل نحو الجانب بعيدًا عن الضوضاء المحيطة بهما، فأردفت تلك المرأة قائلة عندما رأتها بابتسامة صفراء
= الله صحيح يا ضحى ما فيش حاجه كده ولا كده يا حبيبتي عاوزين نفرح بيكي.
خمنت ضحي ما ترمي إليه دون أن تفصح لها علنًا عن نواياها، فهتفت على مضض
= حاجه زي ايه يا خالتي مش فاهمه قصدك .
أجابتها المرأة بمكر غامض
= عريس يعني يا حبيبتي اصل يعني معلش في الكلمه انتٍ بقى عندك دلوقتي ٣٥ سنه
خدي بالك السن ما لوش أمان وانتٍ كبرتي أوي، و لو عندك حريه الاختيار دلوقتي بكره مش هيبقى عندك وهتوافقي غصب عنك على اي حاجه بعد كده.. وفرص الجواز للبنات اللي زيك بتقل كل ما السن يكبر فبلاش بقى دلع البنات ده عشان عاوزين نفرح بيكي ولا ايه يا أم ندي!
أبتلعت ضحي ريقها بتوتر وتحرجت من مجرد ذكر موضوع الإرتباط والتعليق بطريقه سيئه علي عمرها الذي بدأ يكبر دون ارتباط نهائياً، ولم تستنكر طريقتها الفظة في الإساءة إليها، فهذا ما يحدث دائمًا في أي تجمع عائلي! وبعد ذلك لا يمكنهم الصمت لمعرفة سبب عدم زواجها حتى الآن وهي في ذلك العمر! وكأنه شيء بيديها وهي تمانع.
ردت عليها والدتها كوثر بسرعه هاتفه بضحكة غير مريحة، فهي لم ترتاح إلى كلماتها لكنها لم تستطيع الرد عليها بأسلوب غير مهذب وهي ضيفه في منزلها و احد أقاربها
= دلع بنات بقى يا أم محمد، انتٍ عارفه دماغ جيل الأيام دي يقوليلك الجواز اخر حاجه يفكروا فيها دايما.. ده العرسان بيجوا ياما على الباب كل يوم والتاني بس هي اللي بترفض بقى هنعمل ايه واكيد مش هنغصبها
لوت شفتيها للجانب بعدم رضا وهي تقول
بعبثٍ لاهٍ
= ما لكيش حق يا ضحى هتفضلي ترفضي لحد امتى لما تكملي ال ٤٠ ولا ال ٥٠ يا بنت وافقي بسرعه بدل بعد كده مش هتلاقيهم اللي بيتبطر على النعمه مش بيلاقيها .. ده اللي قدك بقى عندهم عيال في المدارس و بلاش بقى الحكايه اللي طالعين بيها البنات اليومين دول أنا لازم ادرس و اشتغل.. رحتي ولا جيتي هتقعدي في البيت والست ملهاش الا بيت جوزها.
انزعجت ضحي من رد والدتها و صمتها علي تطاولها الذي يجعلها تتمادى أكثر، وشعرت أكثر بالخجل الشديد وظلت تفرق كفها بتوتر في بعض بحرج كون العيون بدات تتصوب عليها باهتمام و أنظار آخري بعطف! تعالت فجاه صوت ضحكات صغيره جانبها لتنظر نحوها بسرعه لتجد أخواتها الفتيات يبتسمون بشده على الحديث فهم يعرفون جيد بأن لا يتقدم إليها شخص مطلقاً، ثم علقت أحدهم قائلة وهي تحاول السيطره على ابتسامتها
= ايوه يا خالتي قوليلها لاحسن فعلا يطفشوا وهم كتير فعلا اوي وعلى يدي .
اتسعت ابتسامة المرأة الصفراء مبررة فضولها المُلح
= مش عاوزين يا حبيبتي يقولوا من كتر خطابها باردت! ليكون معمول لها عمل يا كوثر! ما تفكري تروحي لشيخ بيها ممكن يفك اللي عليها .
وهنا لم تتحمل واتجهت نحو غرفتها بخطوات سريعة تكاد تركض بجسدها الممتلئ، فبدأت دموعها تتساقط متأثرة بالحزن على حالتها المثيرة للشفقة.
فتاة تخطت الخامسة والثلاثين من عمرها ولم يتقدم لها أي شاب طيلة هذه الفترة الزمنية، بالإضافة إلى أن كل من حولها يتزوجون ويؤسسون أسرة. فيما عداها، وبسبب بعض التعليقات السخيفة، أصيبت بالإحباط وتفتقر إلى الثقة بالنفس. وباتت شبه متأكدة من أن كل ما حدث لها بالسابق كان بسبب وزنها الزائد.. والآن بسبب عمرها أيضا!.
❈-❈-❈
اخترق ضوء الشروق نافذة غرفة معاذ و زوجته بسمة النائمين وفي الوسط كان ينام طفلهم مالك ذات الخمس سنوات، وفي ذلك الأثناء وقفت مايسه أمام منزل أبنها لتضع المفتاح بالباب وتدخل بهدوء.. لم ينتبهوا أو يستيقظوا اثر الطرقات فوق باب غرفتهم التي كانت تتزايد.. حتى فتحت الأم الباب بحذر وطلت من فتحته لتنظر الي أبنها النائم براحه فوق الفراش وكان الغطاء تهوي قليلا بالارض لتقترب دون مقدمات و سحبته فوق أبنها و بدأت تربت علي رأسه بحنان، عاطفة الأمومة الجياشة فيها تعتقد بانها لا تفرق بين أبنائها الاثنين.. ولطالما اعتبرت أن لكل منهم ذات المحبة والمقدار.. لكن بحكم أن معاذ كان أصغر أبنائها وأحوج للاهتمام والرعاية بصغره مال قلبها له وحتى الآن دونا عن اخوة منذر.. ولأن أيضا مريض بالقلب تقصر في سؤالها عن منذر و لا يظل لديها إلا معاذ الذي تحب مجالسته في كل أوقاته .
فتحت بسمة عينيها ببطء وجفلت بذعر وانتبهت على وجود حماتها أمامها في غرفه نومها لتنتفض مكانها قائلة باعتراض
= طنط انتٍ بتعملي ايه هنا ودخلتي ازاي
هزت مايسه كتفيها ببرود وقالت
= مالك نطيتي كده ليه شفتي عفريت هيكون دخلت ازاي بالمفتاح طبعا، ما انا لو اعتمدت عليكي وسبتك تصحي براحتك يبقى مش هناكل ونشرب النهارده
فغرت شفتيها شاهقة متمتمه بحنق
= يعني عشان نمت شويه غصب عني تقومي حضرتك جايه لحد الاوضه هنا .. ما هو في اختراع إسمه تليفون كنتي اتصلتي عليه و كنت هسمع وقلت اكتر من مره على الموضوع ده مش لازم اصحى كل مره مخضوضه كده والاقيكي في وشي.
طالعتها بامتعاض مضيقة عينيها بعدم رضا فهي ترى دائما بان بسمة هي اكثر شخص عدوها بالحياة لأنها أصبحت تأخذ اهتمام أبنها أكثر منها ليس كما بالسابق، أردفت قائلة بعصبية واضحة
= في ايه يا بنت هو انتٍ هتنسي نفسك ولا ايه ده بيت ابني و اطلع زي ما انا عاوزه وفي اي وقت، وبعدين اديكي قلتيها بنفسك يعني مش اول مره.. وبعدين مش انا نبهت عليكي امبارح نامي بدري عشان تنزلي تجهزي معايا الاكل من الصبح، بس هنعمل ايه السهره على التليفون اللي بقى زي الإدمان ليكي مش عايزه تبطليه .
حاولت أن تتمالك أعصابها بصعوبة بالغة و
تنحنحت بسمة تجلي حنجرتها قبل أن تقول وهي تخفض قدميها أرضا
= طنط انا اكيد ما قصدتش انك ما تقربيش من البيت بس مش بالطريقه دي ممكن حضرتك تطلعي بره وانا هاجي ما هو ما ينفعش تدخلي عليا اوضه النوم افردي مش لابسه، ممكن تتفضلي دلوقتي وانا هحصلك.
أومأت مايسه بهدوء وهي تكتف ذراعيها و تراقبها كأنها تنتظر أن تنهض من مكانها.. و عندما انتبهت بسمة لها وطالت مدة الصمت.. حدجتها بنظراتها الواجمة بانتظار مغادرتها.. فظهر التردد على حماتها وهي تلتفت وتغادر أخيراً.
نظرت بسرعه إلي زوجها وضربت إياه علي كتفه بقوه لتقول بصوتٍ جهوري
= اصحى انتٌ التاني
التفت يطل عليها بشعره الأشعث البُني المائل للأحمر الغامق يفتح فقط إحدى عينيه هاتفاً باستغراب
= في ايه يا بسمه مالك.
انعقد حاجباها ولم تستطع منع نفسها من أن يظهر الضيق والاستياء وهي تقول
= يعني ما سمعتش ما انت صحيح هتسمع منين ما انت بتحط دماغك من هنا ومش بتحس بحاجه ما انت واخد على الراحه، و سايبني انا مع امك ومشاكلها إللي مش بتخلص هو انا مش نبهت عليك المره اللي فاتت ما تديهاش مفتاح البيت مش كل يوم تدخل علينا واحنا نايمين فهمها انه عيب وما يصحش.
عقد حاجبيه متنهدا بيأس من مشاجره زوجته مع والدته كالعاده، أردف قائلاً بعدم إهتمام
= ما تكبري دماغك يا بسمة يعني هي حد غريب عننا، وبعدين اديها بتصحيكي لما تروح عليكي نومه ما فيهاش حاجه يعني وانتٍ عارفه ان ده العادي بتاعها ومهما اتكلم معاها بتطلب المفتاح عشان تطمن عليا يعني
أغمضت عينيها وهي تنفث نفسًا مكتومًا حانقا
لتقول بصوتٍ خفيض مقتضب
= وانت ما بتعرفش تقول ليها لا لما تطلب المفتاح؟ معاذ فهمها ان في حاجه اسمها خصوصيه وبعدين هيجريلك ايه يعني؟ هي ليه مش عاوزه تقتنع ان انت خفيت عن زمان كتير وبقى عندك زوجه وكبرت.. مش لسه صغير وهتديك الدواء بنفسها
جذبها إلي أحضانه وأقترب بشفتيه يقبل وجنتيها بحنان فقال لها بمشاكسه
= ما هي يا قلبي ما تعرفش الحب اللي مولع ما بينا و انتٍ مهتمة بيا ازاي .
أبعدته بضيق و وصل له صوتها بفتور أجوف
قائله
= اوعى كده وما تاكلنيش بالكلام انت لازم تشوفلك صرفه في عمايل أمك دي
تطلع لها بثبات قبل أن يجيبها بصراحة
= من الآخر ما اقدرش يا بسمه وانتٍ عارفه ما بحبش ازعلها مشي حالك معاها وكبري دماغك ما قدامك أهو حاولت كتير زمان افهمها إني اتجوزت وما بقتش محتاج اهتمامها وانها المفروض ما تقلقش عليا زي زمان وما فيش فايده فيها هي خدت على كده خلاص .
لم تتفاجئ من أخر كلماته فهكذا طبعه امام امه لا يستطيع رفض لها طلب، لتطالعه بوجه خال من التعابير هاتفه بغيظ شديد
= بقى كده ماشي سيبني انا مني ليها بقى .
عقد معاذ حاجبيه يستفهم منها بحذر
= ناويه تعملي ايه يا بسمه انا مش عاوز مشاكل وانتٍ عارفه ان انا مش هعرف ابقى في صفك قدام أمي .
عبست بسمة بوجهها وسألته بحدة
=و انت من امتى كنت بتقف قصاد امك ولا بتنصرني عليها حتى لو هي اللي غلطانه، انت مش كبرت دماغك زي كل مره سيبني بقى مني ليها .
❈-❈-❈
في منطقة “حي السيدة زينب” تحرك شاهين نحو المحل ليجد منذر وصل متأخر وكان يجلس بجانب تلك المكنه يقطع بها قطع الزجاج الزائده، راقب اندماج إبنه من بعيد، لم يستطيع انكار مهاراته ونجاحه في العمل الظاهر دوماً لكن لم يعجبه فكره انفصاله عن زوجته وابنة الصغير، تمنى لو فقط أبد موافقته على ارتباطهما سويًا مجدداً ليتربى الطفل بينهما أو على الأقل يتزوج بغيرها لكن من بعد الانفصال لم يرضخ لاي عروس قد اقترحها هو و والدته وهذه المره أصبح مصر على موقفه بأنه سيظل هكذا دون زواج، وبالطبع ذلك لم يعجبه! فاحيانا يشعر بالقلق من فكرة أنه مزال يفكر في بسمه زوجه اخيه، فهو لا يري اي أسباب لذلك. اقترب منه وهو يقول بتهكم
= ما لسه بدري يا بيه ما كنت نمت وخدتلك اجازه النهارده، جي الضهر تعمل ايه؟ ده انت حتى ولا وراك بيت ومسؤوليه عشان التاخير بتاع كل مره ده
اغلق المكنه والتفت نحو والده بهدوء وقال
بزهق من تكرار الحديث وتوبيخة مثل كل مره
= راحت عليا نومه معلش هخلص دلوقتي الشغل كله، ما تقلقش! وبعدين فين معاذ مش شايفه يعني النهارده كمان ولا هو بس بيبقى موجود ساعه القبض اللي بياخده رغم انه مش بيعمل حاجه
رد عليه شاهين بجمود وهو يجوب بأنظاره عليه متفحصًا هيئته بدقة
= ملكش دعوه باخوك قلت لك اكثر من مرة وبعدين انا بخليه يخلص شغل ثاني بس مش بحمل عليه عشان موضوع تعبه، ركز انت في اللي هنا، وبعدين هو كل مره هتيجيلي متاخر وتقول لي راحت عليا نومه ما انت لو متجوز وفي ست في البيت كانت رتبتلك دلوقتي ظروفك.. بس هقول إيه في نشفيه دماغك.
تعقدت تعبير وجهه بشدة عندما تذكر تلك الحية غاده وكل ما عاشه معها من تعاسه بسبب زواجه بها فالأمر لم يتوقف بعد الطلاق، أفاق من شروده فاركًا مؤخرة رأسه مرددًا بنفور
= يابا ريح نفسك مش هرجع غاده مهما حصل مش كل يوم تفتح معايا الموضوع ده انا وهي ما ينفعش لبعض خلاص صفحه واتقفلت وانت السبب اصلا في الجوازه دي من الاول انا ولا طلبتها ولا كانت في دماغي.
تحدث شاهين بنبرة قوية متعمدًا صرف انتباهه عنها
= امال مين اللي في دماغك اوعى تكون لسه
بتفكر في اختها اللي بقيت دلوقتي مرات اخوك؟؟ ما تنطق ياض هتفضل تبصلي كتير ما انت حالك ده مش عاجبني من ساعه ما طلقت من أربع سنين وانت مش عاوز تتجوز تاني ولا حتى ترجع مراتك وابنكم يتربى سوا.. افهم من كده ايه بقي.
زاد انعقاد ما بين حاجبيه بانزعاج واضح من طريقته في إعطاء نفسه الأسباب للتصرف كيفما يشاء في أموره الخاصة، لاحظ الوجوم البادي عليه لانه يراه بذلك الشكل الحقير المتدني أن من الممكن مزال يفكر في زوجه أخيه بتلك الطريقه، احتدت نظراته نحوه صائحا بحده
=تفهم ان انا كرهت الجواز على اللي عاوز يتجوز بسبب الهانم اللي اتجوزتها يا ريت تحل عني وريح نفسك انا شلت بسمه من دماغي من ساعه ما بقيت على ذمه أخويا، مش انا اللي افكر في واحده متجوزه وكمان متجوزه أخويا.. رغم ان انا وانت فاهمين كويس من البدايه ايه اللي حصل بس برده شلتها من دماغي من زمان.
أتسعت عيناه نحوه بعدم تصديق وشعر بتسارع دقات قلبه خوفًا، وهو يقول ساخراً
= لسه فاكر اللي حصل زمان و بتقول نسيتها؟ انت بتشتغلني ياض لو كلامك صح يبقى رجع مراتك عشان ابنك يتربى وسطيكم؟ ده لحد دلوقتي ولا عارف اسبابك وطلقتها ليه، فجاه صحينا لقيناها مش موجوده وعرفنا بالصدفه انك طلقتها ومهما نحاول معاك عشان نعرف اللي حصل، منشف دماغك ومش عاوز تقول رغم أنك عرفت انها حامل بعد طلاقكم بشهر واحد وبرده ما رضيتش ترجعها.. وغير ابنك اللي رميه ومش بتسال عليه، وكل ما حماك يقابلني يديني كلمتين ومش بعرف ارد عليه واقول له أن أبني فاشل وعديم المسؤوليه
مسح على وجهه بفقدان أعصاب من الضغط الذي يشعر به من الجميع وبالاخص والده وثانيهم أسرته، فهم في المقام الاول من اذوه وسمحوا لغيرهم بذلك! ولم يكن ينقصه زواجه من تلك الخبيثة وذلك الطفل الذي ظهر في حياته دون مقدمات وجعل الجميع يغير نظراته له، وبعد كل ما حدث وصار بسببه حتى الآن مزال يراه شخص غير مسؤول، تحدث بصعوبة بنبرة شبه مرتجفة
= تمام خلاص انا واحد مش بتاع مسؤوليه على رايك، مش انت شايفني طول الوقت ان انا الوحش والغلطان خليك مستمر في كده براحتك انت واللي حواليك.. بس برده مش هرجعها وما لكش دعوه بحكايه الولد اللي بينا كمان.. انا بسال عليه و مش مستنيك تقول لي .
تعقدت تعبيراته من رده الغير منطقي، وهتف مستنكر عدم تحمله المسؤوليه
= كذاب ما بتسالش عليه خالص! مش عارف الجبروت ده جبته منين ده ابنك من لحمك و دمك تعمل في كده، ده انت بيركبك ميت عفريت لما تشوفه بالصدفه عندنا وبتبقى مش طايق تبص في وشه ولا تشوفه ولا هو ولا أمه.. يا أبني مهما حصل من امه واللي ما اعرفهاش لحد دلوقتي بس بلاش تشيل ابنك الذنب بكره لما يكبر هيكرهك.. ده غير ان انت دلوقتي بتتحاسب على اهمالك لي وربنا عمره ما هيبارك لك في حياتك طول ما انت رامي كده.
التفت يكمل ما يفعلة دون اهتمام، بينما هز رأسه والده بيأس منه وقال بنبرة خشنة
= ما فيش فايده! طب اعمل حسابك بعد كده جزء من مرتبك هبعته لطليقتك غصب عنك عشان تصرف على نفسها وعلى الواد وده حقها والنهارده كمان بعتلها جزء من مرتبك ليها .
انتفض منذر بغضب شديد وقال بحده
= انت ازاي تعمل حاجه زي كده من غير ما تقول لي دي فلوسي انا وانا اللي تعبان فيها بتديها لها على اي اساس! انت مش قبل كده عملتها وانا قلت لك ما لكش دعوه انا اللي هديها وما تبعتلهاش فلوس من ورايا .
رمقه بنظرات محتقنة إلى حد ما مستنكر طريقة ابتعاده عن أسرته فا مهما فعلت رغد معه يجب أن يقترب من ابنه، وهتف مغتاظًا
= بعمل كده عشان مش عاوزك تشيل الذنب وانا كمان اشيل معاك ده حقها و بطل هبل.. كفايه انك من ساعه ما طلقتها مش بتسال على الواد.
ارتفع حاجباه بدهشة قليلة عندما وجد ابنه يرحل للخارج يركض بسرعه، ليردد بنبرة عالية
= استني هنا انت رايح فين تعالي هنا.. انا بكلمك اوعى تكون رايحلها .. يا منذر.
❈-❈-❈
و في مكان آخر هنا بداخل محافظة القاهرة، أمام أحد الجماعات الشهيرة وقفت ديمة بالخارج بانتظار شخص ما فقد تخطت عمر العشرون، أمتدت إيدي ذات ملمس خشن فوق عينيها، وأبتسم و قال
= أنا مين؟.
أبعدت كفيه عن عينيها بسرعه و لكزته في كتفه قائلة بخوف
=حرام عليك يا هيثم خضتني، وبعدين ابعد كده شويه لحد يشوفنا ويروح يقول لاخواتي
نظر لها يقول بتجهم
= يادي اخواتك اللي هتفضلي خايفه منهم انتٍ عندك كام سنه دلوقتي يا ديمة! كبرتي ولسه سايباهم يتحكموا فيكي في كل حاجه، هو انتٍ مش واخده بالك انك عقبال ما تتخرجي واجي اتقدملك انهم هيرفضوني بسبب انك مدياهم الحق انهم يعملوا ما بدلهم في حياتك وانتٍ مش بتعترضي
ردت علي حديثه و هي تمسك بيده لتطمئنه
=ومين قال لك ان انا ساعتها مش هتمسك بيك وهفضل مصممه على قراري.. وبعدين انا مش خايفه منها كل الحكايه ان انا مش بحب ازعلهم بس لو عاوزه حاجه وهم رافضين و مش ضد مصلحتي كلامي انا اللي هيمشي
طبعا.
لوي شفتيه بسخرية ثم قال مستنكر بصوت أجش
= موت يا حمار، انتٍ بتضحكي على نفسك ولا عليا اول ما يزعقوا فيكي زي زمان هتقولي ليهم حاضر وهتنسيني.. انتٍ لو بتحبيني أصلا بجد كنتي وافقتي على اقتراحي من البدايه
انتشر التوتر على ملامح وجه ديمة.. كما كل مرة يلح حبيبها بتعجيل أمر ارتباطهم ولا بد أن يتزوجوا بالسر حيث من المستحيل ان يوافقوا أخواتها عليه بسبب فرق المستوي بينهما بكل شيء، إلا أنها قالت بنبرة مرتبكة تواري تذبذب صوتها
= تاني يا هيثم قلت لك مستحيل اعمل حاجه زي كده واتجوز من وراهم، ما تقلقش لما يجي ساعتها الكلام هيختلف .
اقترب إليها و أخبرها بنبرة تلعب علي أوتار فؤادها المُغرم به حتي النخاع
= الكلام بتاع زمان هو اللي هيحصل دلوقتي برده، هو انتٍ ناسيه لما قلت لها انك بتحبي وهي ساعتها زعقتلك وقالت لك تبعدي عني، بنسبه 90% هترفضني ثاني هي وباقي العيله أكمني يعني شغال على الله حته سواق تاكسي ومش زيكم معايا فلوس ومرتاح، اراهنك انهم اول ما يعرفوا أن بشتغل سواق هينزلوا اهانه فيا ويطردوني مش بقول لك مش بتحبيني يا ديمة .
داهم الحزن ملامح وجهها ورمشت بعينيها هاتفه بعبوس وهي تزم شفتيها
= يا هيثم والله العظيم بحبك انت ليه بتقول كده آمال انا ليه فضلت متمسكه بيك كل السنين دي كلها رغم انهم كلهم حذروني ان انا لو لسه بكلمك أبعد ولاول مره بخالفهم وافضل معاك .
التفت بعيد بوجهه بزعل وأجابها بصوتٍ فاتر
= الحب مش كلام وبس يا ديمة الحب افعال وانتٍ لو بتحبيني تعالي نتجوز عرفي زي ما قلت لك لازم نحطهم قدام الامر الواقع اخواتك هيرفضوني وعمرهم ما هيشوفوني نسب مشرف ليهم.. وساعتها انا اللي هقف قدامهم ومش هخلي حد يقربلك و غصب عنهم هيجوزونا لبعض رسمي.
أبتلعت ريقها متوجسة وسألته بقلق والتوتر يداهمان قلبها من ردة فعل أخواتها التي تتوقعها جيد
= ايوه بس لو حاجه حصلت زي كده هيزعلوا مني اوي انت مش عارف اخواتي، وبعدين انا اسمع ان الجواز العرفي بالطريقه دي بيكون حرام
أومأ نافيا برأسه والتفت نحوها باهتمام ثم تشدق قائلاً بابتسامته المشعة وصوته المفعم بالحماس
= يا حبيبتي احنا مش هنتجوز بحق وحقيقي احنا هنوهمهم ان احنا متجوزين والورقه دي اللي هتجبرهم انهم يوافقوا ويخلونا نتجوز رسمي! وبعدين انتٍ لسه ما كملتيش 21 سنه لا إلا كنت خدتك ورحنا عند اقرب مأذون ومش هيهمني ساعتها حد منهم وبعدين هو انتٍ مش واثقه فيا ولا ايه؟
هزت رأسها دون تفكير وهي تجيبه بعفوية
= طبعا بثق فيك، اوعى يكون عندك شك في كده كفايه أن انت الوحيد اللي ما بينهم بترعني وتهتم بيا لحد دلوقتي.. انما كلهم نسيوني وانشغلوا في حياتهم، انا من كتر ما هم بطلوا يزروني ويسالوا عليا بقيت احس أنهم نسيوا أن عندهم أخت اصلا .
و مع أخر جملة داهمها البكاء وهي تتذكر بعد أخواتها عنها دون رقابة منهم وبدأ الاخر حينها يقترب منها يلعب على الاوتار ويخبرها انهم لا يحبونها بالتأكيد و تخلوا عنها، فأطلقت لدموعها العنان وأقترب منها وكاد يعانقها لكن أوقفه رنين هاتفها أنتفضت وأخرجت الهاتف من حقيبتها، أتسعت عينيها بفزع عندما رأت إسم شقيقتها الكبيرة.
❈-❈-❈
وكالعادة بدأت الأصوات ترتفع داخل المنزل. فتحت ضحى عينيها بهدوء، رغم الأصوات الغير مرغوبة فيها، لكنها لم تتفاجأ. فهذا يحدث بشكل طبيعي في ذلك المنزل لذلك لقد أرادت الزواج والرحيل من هنا لهذا السبب. نهضت بضيق شديد وخرجت لتجد والدها وأمها يتشاجران وأصواتهما عالية جداً. وقفت في المنتصف. وعلقت بينهما بتحذير
= في ايه علي الصبح يا جماعه نفسي مره اصحى من غير خناق .. حرام عليكم الناس حوالكم بتسمع صوتكم صدقوني و انتوا بتنسوا نفسكم
أشار والدها بيده موضحًا وكان الأمر مهم بتلك الدرجه حقا
= تعالي يا ضحى شوفي امك وعمايلها ما هي لازم تحرق دمي وتنرفزني على الصبح وبتكون قصده تعمل كده كل مره، اديتها امبارح الفلوس عشان تشتري اكل الشهر وقلتلها النهارده عاوز اكل طاجن باميه راحت عملت قلقاس وهي عارفه ومتاكده ان انا مش بحبه .
نفخت كوثر بنفاذ صبر، و ردت ببرود
= عشان انت بتاكله في العادي بس لما يكون ليك مزاج، وبعدين قلت لك ما لقيتش باميه في السوق ما تاكل اللي موجود وتحمد ربنا وخلاص.. بس هنعمل ايه لازم تعلي صوتك اللي فرحان بيه عشان تسمع الناس كلها انك ما شاء الله عليك راجل وما فيش زيك بقله الأدب و الصوت العالي .
لوح والدها بيده عاليًا وهو يهتف بغضب
= شايفه قله ادبها انا راجل غصب عنك يا وليه يا خرفانه، وانتٍ كدابه تلاقيكي قاصده اصلا ما تجيبيش الباميه من السوق عشان تحرقي دمي على الصبح
تجهم وجهها بشدة وهي تردد بين شفتيها، فهتفت بلا وعي
= بقي انا خرفانه يا راجل يا واطي الحق عليا مستحمله قرفك انا كان لازم اسيبلك البيت واطفش من عمايلك السوداء عشان تعرف قيمتك حسبي الله ونعم الوكيل فيك .
امتعض وجهه على الأخير، هاتفًا بعبوس
= هو انتٍ ليكي قيمه بلا خيبه ده انتٍ اليوم اللي هتمشي فيه هكسر وراكي زير مش قله، يا..
رفعت ضحي وجهها في الاثنين المحدقتين ببعض بغضب شديد وهم مستمرين في اهانه بعضهم البعض أمامها دون حرج وما يزعجها أكثر ويخجلها بأن حديثهما يصل الى الجيران بالتأكيد مثل كل يوما، ومشاكلهم تكون بسيطة ولا تستحق كل ذلك لكنهما لا يهتمون بكل ذلك دون أو يشعرون بالخجل، فقاطعتهم ابنتهم قائلة بعتاب
= خلاص بقى بطلوا شتيمه في بعض خلاص يا بابا انا هبقى اجيبلك الباميه وانا راجعه من الشغل وهعملها لك وطي صوتكم بقى و ارحموني شويه.. انا همشي احسن اتاخر على المدرسه.
لم تنتظر ردهم ودخلت ترتدي ثيابها سريعاً حتى ترحل من ذلك المنزل وتذهب لعملها، خرجت بالشارع وهي تقف جانب تنفخ بضيق شديد وحزن! وفي ذلك الأثناء دنت منها نرمين صديقتها بالمنطقه بنفس عمرها، محدقة فيها باستغراب شديد، خاصة أن تعبيرات وجهها كانت مشدودة للغاية، فسألتها بتعجب
= صباح الخير يا ضحى عامله ايه مالك مبوظه على الصبح كده ليه ده انتٍ حتى ولا وراكي زوج ولا عيل زينا يخليكي تكشري وتكرهي عيشتك
ضربتها بكفها على ذراعها قائلة بحنق
= مش وقت هزارك انتٍ التانيه، خناقه بابا و ماما كالعاده إيه الجديد يعني
هزت رأسها بالإيجاب وهي تقول بأسف
= انا بصراحه سمعت صوتهم والله يسامحهم صحوا العيال على صوتهم ده انتٍ بصراحه الله يكون في عونك يا ضحى مش عارفه مستحمله ازاي الخناق والزعيق بتاع كل يوم
منهم.. هو انتٍ يا بنتي كنتي بتذاكري زمان في وسط الخناق ده ازاي، اذا كان انا مش مستحمله ساعه واحده.
لم تتعمد قول ذلك لكنها لوهلة شعرت بالحرج الشديد كون الجميع يستمع الى خناق أسرتها على أشياء تافهه ومخجله للسمع
اصطنعت الهدوء قائلة بعدم اكتراث
= النصيب بقى أهو ربنا قادر يسمع مني و بيبعتلي ابن الحلال واتجوز واخلص
تنهدت بقله حيله وهي تنظر اليها ثم اقتربت منها وهتفت بفهم
= يادي الجواز اللي هتموتي عليه والله ما الحل فيه اسالي مجرب، يا بنتي انتٍ اصلا عاوزه تتجوزي عشان تخلصي من كلام الناس ومن خناق ابوكي وامك طب ولما تتجوزي فاكره الناس هتحل عنك ولا مش هتلاقي نفس خناق ابوكي وامك في بيتك بس مع جوزك ومعاكي.
قطبت حاجبيها بعدم اهتمام الي كلماتها، و ردت عليها بصوت حزين للغاية وهي تنتمي الإرتباط والرحيل من هنا حتى تتخلص من تعليقات الناس وخناق أسرتها
= يا ستي أن شاء الله خناقه كل ثانيه انا راضيه بس اتجوز واخلص بقى أنا بقي عندي 35 سنه يا نرمين هستنى ايه ثاني، واللي قهرني وحاسس في نفسيتي اكتر اني مش بيتقدملي حد خالص مش فاهمه ليه زي ما أكون جربانه ولا فيا حاجه معديه.. يخبط على الباب حتى ويترفض بعد كده لكن ولا واحد يتقدم في حياتي طول السنين دي كلها طب ليه.. هو انا فيا ايه وحش يعني عشان يخليهم يطفشوا كده ويخافوا يقربوا مني
هزت رأسها بضيق قائلة باعتراض
= هنرجع للهبل ده تاني عشان تخينه شويه طب ما في اتخن منك وبيتجوز برضه، مش هي دي الازمه يعني يا حبيبتي.. الموضوع أن هو في الاول وفي الاخر نصيب وانتٍ نصيبك لسه ما جاش .. بلاش الاستعجال ده، كل تاخيره وفيها خيره
زاد عبوس وجهها حتى كادت تبكي عفويًا، فهمست بنبرة مختنقة
= مش باين! انا عملت كل حاجه ممكن تتعمل بدعي وبقرا قران وبطلع حاجه لله يوميه وبرده ما فيش حد بيجيلي، حتي خالتي من كام يوم وزي كل مره لازم تسامم بدني بكلمتين و قالتلي هتتجوزي امتى والكلام ده امي من كسوفها قالتلها ده العرسان قد كده على الباب وهي اللي بترفض! واخواتي فضلوا يضحكوا من تحت لتحت واتريقوا عليا ما هم فاهمين اللي فيها ما فيش حد بيقرب اصلا من البيت ولا يتقدملي.. ده انا حتى سالت امي وانا صغيره طيب حتى حد كان بيتقدم لي وانتم كنتم بترفضوا عشان سني وكده.. قالتلي برده لأ، يعني انا طول حياتي كده و شكلي هفضل كده.
لوت نيرمين شفتيها بيأس قائلة بخفوت
= يا بنتي هو انا بكلم نفسي يا ضحى الجواز ده زي الرزق وانتٍ رزقك لسه ما جاش، وبلاش بقى تدي ودنك للناس اللي مش وراهم حاجه غير يقعدوا يتكلموا على غيرهم واللي عملوه.. مع أن نفسهم لو حد حاول يتدخل في حياتهم هيمنعوا ويقولوا وما يصحش وهم بيعملوا نفسه عادي يبقى انتٍ كمان اعملي زيهم وما تحاوليش تخلي حد يتحكم في حياتك ولا تسمعي ليهم .
أخرجت تنهيدة مطولة من صدرها، ونكست رأسها بإحباط واضح، للحظة شردت في لمحات سريعة من ذكرياتها البائسه، لم تكن مبشرة، هي أصبحت شبه متاكده بان لم يتقدم اليها شاب لخطبتها بسبب عمرها الكبير و حجم جسدها، ثم أجابت بإحباط ويأس شديد
= نرمين سمعت من الكلام ده كتير وعارفه، واديني مستنيه كتير وما فيش حاجه بتيجي انا هلاقيها من كلام الناس ولا خناق امي وابويا ولا سني اللي عمال يكبر! ولا العرسان اللي مش بيهوبوا ناحية بيتي أن شاء الله حتي بالغلط.
❈-❈-❈
مِقعد يهتز بإنتظام للامام وللخلف يجلس عليه شخصاً بعمر الثامنه والثلاثون بملامح حزينة وعيناه السوداء الواسعه أصبحت أكثر إسودادا عن طبيعتها وجسده يتحرك للأمام وللخلف بإنتظام وهدوء مُريب ومن حوله دُخان من أعقاب سجائره التي يتناولها واحده تلو الآخري وقف مره واحده واتجه نحو الهاتف متردداً هل يتصل بها؟ هل ستجيب ويطمئن عليها؟ هل ستتكلم لمره واحده وتخبر إياه انها اشتاقت إليه كما هو يشتاق اليها .
أبتسم آدم بسخرية مريرة لأنه يعرف الجواب، فابنته الوحيدة رنا لا تحبه ولا تفتقده على الإطلاق. تحرك بوجهه الجامد كأنه لم يتألم ولم يشعر، ولما لا وقد صار قلبه حجراً لا يشعر ولا يتألم! زوجته رحلت منذ سنوات طويلة وتركته يعيني وحده في تلك الحياة، والألم الصعب الذي يشعر به بسبب الوحدة التي يعيشها، ويتبعه ألم فراق ابنته عنه رغم أنها على قيد الحياة، لكنها ذهبت لتعيش مع خالتها وهي في الخامسة من عمرها، ونشأت و ترعرعت بعيداً عنه. فبعد وفاة والدتها ذهبت. الوصية لخالتها لأن عائلته ماتت. كل ما يستطيع قوله عنها أنها امرأة سيئة تستغل دائمًا حبه لابنته الوحيدة ضده وتتلاعب دائمًا بعقل هذه الفتاة الصغيرة.
رغم أن رنا أبنته أكملت الآن عمر السادس عشر و يحق لها حرية الإختيار الى من تريد الذهاب، إلا أنها رفضت أن تراه أو تذهب تقيم معه بالطبع! فكيف بعد تلك هذه السنوات ستختار والدها التي لم تراه إلا مرتين في الشهر على الاقل في مركز شباب تحت مراقبه خالتها الشديدة، فكيف إذن سيستطيع أن يعبر لها عن حبه واحتياجه اليها هذه الفترات القليلة.. حتى كلما حاول ذلك تأتي خالتها و تهدم كل ذلك .
ومن حينها وهو لا يعرف كيف ينفرد بابنته ويعبر لها عن حبه الشديد، ولم يعرف أيضا أن يعيش حياته الطبيعيه براحه حيث انشغل في قضيه ابنته واغلق على نفسه ولم يتزوج من بعد زوجته الراحلة لينشأ أسره من جديد.. و بالنهايه مرت السنوات والعمر! دون زوجه.. أو أبناء.
واذا حاول الآن أن يلحق أي شيء من العمر! فماذا يحقق وهو بسن الثامنه والثلاثون.. من الزوجة التي ستستطيع تقبل شخص بائس او كيف سينجب أبناء بهذا العمر ويرعاهم إلي النهاية.
نهض واقفًا فجاء وتحرك بخطوات بطيئة تجاه تلك الإله التي تكون دائما مصدر الهامه ونسيان حزنه وهي اله البيانو، المحببة لديه حيث يجد أستخدمها بمهارة جلس أعلي المقعد الأمامي
ليبدأ تحريك الأصابع البيضاء مع السواد
ليصد صوت طبيليا وبدأ العزف لعده ساعات لمقطوعه حزينه تشرح حالته البائس!.
انتهاء أخيراً واستدار برأسة، ينظر الي صور العائلة التي لم يظلون منهم اي أشخاص بالقرب منه، وتطلع نظره أخيره وهو يقف علي اطراف غرفه أبنته وسالت دموعه وهو يهمس بحزن
= مشيتي ليه وسبتيني يا أم رنا..سبتيني تايه وضايع ويتيم من غيرك كنت فاكر ان بنتنا هتتيتم من بعدك.. اتريني انا اللي اتيتمت بفراقها!
❈-❈-❈
تحركت غاده بخطوات سهلة ولجت إلى غرفة المعيشة بعد أن سمعت صوت الباب، فتعجبت من وجود منذر زوجها السابق أمامها فهو لم يأتي ولا مره بعد طلقها، لاحظت سكونه المريب يتطلع فيها فقط، أبتسمت له ابتسامة صفراء هاتفة بصوت مستفز
= منذر يا أهلا لسه فاكر تيجي تسال علينا
لوى ثغره متسائلاً ببرود متهكم
= واسال عليكي بتاع إيه؟ ده انا اما صدقت خلصت منك وطلقتك، انجزي هاتي الفلوس اللي ابويا بعتها لك الصبح دي فلوسي شقيه و مش هسيبها لواحده زيك انتٍ ما لكيش حاجه عندي.. كفايه اللي خدتيه مني زمان.. و السنه اللي ضيعتها بدفع ثمنها لحد دلوقتي من حياتي .
هزت رأسها مدركة سبب مجيئه إلى هنا، لكنها بالتأكيد لم تعطه المال، فأصبح منذر بالنسبة لها كنزًا ثمين لا تريد أن تخسره! لقد صمت عن مصائبها التي فعلتها بكل وقاحة، ولم يتحدث في الأمر بعد مع أحد! بالإضافة إلى أنه قام بتسجيل طفلها الغير شرعيا علي إسمه، و لم يعترض… والآن الأموال التي تأتيها من حماها دون جهد، بالطبع شخصيه مثلها لم تتنازل عن كل ذلك، أجابت قائلة بنبرة استفزازية
= ولو قلت لك ما لكش حاجه عندي ده حقي على راي ابوك وحق ابنك، وهو اللي اداهم لي بنفسه وقال لي كل شهر ليكي زيهم روح بقى اتفاهم معاه
ضاقت نظراته نحوها حتى باتت أكثر حدة، ثم علق بامتعاض ذو مغزى
= ابننا!! لا ولله هو انتٍ هتكدبي الكذبة و هتصدقيها انا وانتٍ فاهمين كويس ان العيل ده مش مني ده من عشيقك اللي انا شفته في شقتي وهربتيه! فاكره ولا تحبي افكرك واهو بالمره اعرف امك وابوكي وهم يشوفوا صرفه معاكي.. ما انتٍ خلاص فجرتي وما بقيتيش لاقيه اللي يلمك
استنكرت طريقته الهجومية فرغم كل ما فعلته معه لكن لم يتحدث معها بهذه اللهجه من قبل فهو بات وما زال من وجهه نظرها ضعيف الشخصيه، استشاطت نظراتها سريعًا، وردت بتشنج
= اتلم يا منذر وحاسب على كلامك، انت هتعمل رجل عليا دلوقتي بس! طب ابقي اتكلم كده وقول لابويا وانا كمان هقول على اللي اعرفه
انفعل منذر بعصبية بائنة معنفًا إياها بقسوة لم تشاهدها من قبل عليه
= أنا راجل غصب عنك، وانا مش بهددك المره دي يا غاده قسما بالله العظيم لو ما دخلتيش جبتي الفلوس اللي اديها لك ابويا وبعد كده اي فلوس يديها لك ترفضيها وتعملي نفسك ان انا اديتك.. لا هقول على كل حاجه وعليا وعلى اعدائي بقى، لحد هنا وكفايه انا اما صدقت خلصت منك ومن قرفك
جزت علي أسنانها بغيظ شديد وقبل أن تتحدث قاطعها رافع كفه أمام وجهها محذر إياها من التمادي في افتراءه قائلاً بشراسة و توعيد
= مش عاوز اسمعلك صوت وعارف هتقولي ايه، ومش هاممني ومش خايف ولا هتلوي دراعي المره دي كمان عارفة ليه.. عشان اللي انتٍ هتقولي ما عندكيش دليل عليه واحد انما انا عندي بدل الدليل عشره و اولهم ان انا اخد عينه من ابنك واثبت انه مش ابني.. ساعتها بقى هم هيعرفوا أخيرا انا كنت مستحمل ايه.. ويعرفوا الهانم اللي بيحكوا عن اخلاقها وتربيتها وهي دي اللي عمالين يشكروا فيهم وفكريني كل السنين اللي فاتت أن انا اللي جاي عليها و ظالمها مش العكس.. وبعدين حتى لو اتكلمتي هقول انك بتفتري عليا وكلامك مش صح وبتقولي كده عشان تداري على مصيبتك .
تسرب إليها هلع طفيف فسألته متوجسة
= انت بتاع كلام وبس يا منذر ومش هتعمل كده.. ايه دلوقتي بس طلعلك صوت!
نظر لها مطولاً وفي لحظة حاول أن يدلف المنزل بالقوة فارتعدت غاده من طريقة طليقها العنيفة معها وفهمت بأنه إذا دخل ستعرف العائله جميعها بما فعلته، فتوجست خيفة أن يتهور والدها عليها ويضربها او الاحتمال الاكبر يقتلها بسبب فضيحتها المداويه، نظرت له مستنكرة انفلات أعصابه المفاجئ عليها فردت بجدية
= اقف عندك انت بتعمل ايه والله ما هتخطي خطوه واحده جوه.. اوعى
توقف وهو يشعر بالانتصار، ثم فرك طرف ذقنه بيده ورد بجمود
= يبقى انتٍ فهمتي انا عاوز اعمل ايه وابوكي جوه بس برده لو مش هتدخليني هعلي صوتي واسمع بالمره الجيران عشان الفضيحه تبقى على العلني، ها هتدخلي تجيبي الفلوس ولا لاء.
ظلت واقفة في مكانها تراقبه بأعينها المحتقنة غيظًا منه حتى تحركت مضطره ان تحضر له الأموال وعادت اليه وهي تشعر بالغضب الشديد هاتفه بحنق
= اتفضل خد فلوسك وما تجيش هنا تاني كانت جوازه سوداء.. ويوم اسود يوم ما عرفتك يا شيخ.
جمد أنظاره المشتعلة عليها، فرد باشمئزاز وبسخط متعمد تحميلها اللوم لتسرعها معه
= اول مره تقولي حاجه صح هي فعلا كانت جوازه سوداء وكلها غلط في غلط من البدايه
بس اديني اهو بحاول اصلح اللي فاضل، مش هحذرك تاني اول واخر مره تاخدي حاجه من ابويا وامي وخصوصا فلوسي! يا شيخه ده انا ما شفتش واحده في بجاحتك كل اللي عملتيه ولسه ليكي عين .
نفخت بضيق شديد ثم قالت بتعمد محاوله هز كيانه في نفسه كالسابق
= هو انت مش خدت الفلوس كفايه قله ادب بقى وامشي، بس انا قلتها لك زمان و هقولها لك دلوقتي كمان يا منذر! هفضل زي عملك الاسود وقفلك طول عمرك في حياتك.. وانت مش هتقدر تعمل حاجه وعارفه ومتاكده ان كل اللي بتعمله ده مجرد تهديد وبس .. بس انا كبرت دماغي
نظر لها ليخفض عينه للأسفل و للاعلي عليها بطريقه نافره منها بشده، ثم أبتسم بحزن هاتفاً
= نفسي مره واحد تفهمي انا لحد دلوقتي اللي مسكتني مش عشان انا مش راجل زي ما انتٍ فاكره ولا ما اقدرش! الكلام مفيش اسهل منه بس انا خايف من ربنا فاكراه ولا انتٍ صحيح نسيتيه.. من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
نعم، هذا حديث صحيح رواه مسلم عن أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة
لوت شفتيها بسخرية دون حديث، وظنت أن صامت على فضيحتها حتى الآن بسبب ضعف شخصيته وليس لسترها كما يقول.. فمن المستحيل يكون شخص مثله يفكر بتلك الطريقه، ثم تابع قائلاً بخيبة أمل كبيرة
= بحاول لحد اخر لحظه اعمل باللي ربنا امرنا بيه و استر عليكي لاني عارف ومتاكد لما اتكلم ايه اللي هيحصل ومش عاوز اشيل ذنب واحده زيك و ذنب عيل صغير جبتيه وانتٍ مش عارفه هتعملي ايه في الدنيا بيه.. لانك بكل بساطه مش بتفكري غير في نفسك .
تقوس فمه أكثر وهو يضيف بطريقة تهكمية
= يا خسارة يا غاده بعتي دنيتك و اخرتك عشان واحد صايع لحد دلوقتي رميكي ولو كان قد كلمته كان اتجوزك على الاقل بعد ما طلقتك بدل ما هو سايب ابنه كده يتكتب على اسم حد ثاني .. بس انا عارف ومتاكد أن هيجي يوم و ربنا ياخد لي حقي منك ومن كل واحد ظلمني في الدنيا دي
استدار ليغادر، بينما كانت غاده واقفة هناك، تشعر بالتوتر والارتباك. ولأول مرة بدأت تشعر بالقلق منه،لأنه من الممكن يتحدث عن أسرارها الخفية لقد كان على حق، لم يكن لديها أي دليل على سره. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصيبتها كانت أكبر بكثير، ولن يؤدي ذلك إلا إلى لفت الانتباه إليها، ثم إلى ذلك الشخص الحقير الذي سلمت نفسها له. بالطبع تخلى عنها، فلم يكن أمامها إلا أن تكتب طفلها باسمه. ورغم كل ما فعلته إلا أنه سترها في النهاية ولم يفضحها. والآن يخبرها أنه لم يفعل ذلك خوفا، كما فكرت واعتقدت..صمتت لبعض الوقت وفكرت هل حقًا خسرت شخصًا مثل منذر، زوجًا وسندًا حقيقيًا لها.
❈-❈-❈
وقفت سياره تاكسي أمام مطعم وهبطت منها فتاه في عمر السادس عشر ترتدي ثوبا قصير لمنتصف فخذها وتضع علي وجهها زينه كامله دلفت الي الداخل بخطوات بسيطة، نظر آدم من بعيد علي أبنته وعلي ما ترتدي وشعر بالاسف على نفسه وعليها فهذه تربية خالتها التي تتركها تخرج وتسافر بالايام وحدها دون حتي ان تكلف نفسها بالسؤال أين ومع من..!!
حاول كثيراً أن يأخذها منها لكنه فشل، وكان ينتظر بفارغ الصبر أن تصل الى السن القانوني حتى تختار ولكنها بالنهايه فضلت الجلوس مع خالتها، عليه ان يعترف هو خسر ابنته للأبد! لم يستطيع أن يفرض السيطرة عليها ولا لمره ولا يأمرها بأي شيء ويعلمها كيف تكون الاخلاق وبر الآباء لكنها لا تهتم اليه مطلقاً والى رأيه الذي لا يعجبها.
بلل شفتيه بلسانه وهو يراقب أبنته القادمة حتى استقام واقف يقول لها بلهفة وحرارة
= ازيك يا حبيبتي عامله ايه وحشتيني
جلست أمامه بكل برود وجفاء، وسألته مهتمة وقد تشكل على ثغرها ابتسامة عابثة
= جبت الفلوس اللي قلت لك محتاجاها
لوى آدم فمه بتهكم يجيب ببطء شديد
= طب قولي لي انت كمان وحشتني حتى! هو انا مش ابوكي يا رنا برده
رسمت رنا له تلك الابتسامة الباردة نفسها وهي تقول باقتضاب
= آه طبعاً وحشتني
جلس بتعابير متجهمة بشدّة غير راضي على علاقتهما و مقابلتهم التي تختصر دائما علي احتياجها للمال وليس احتياجها الى والدها، و ذلك يزعجه بالتأكيد، أحزنه نفورها واعتصر الألم قلبه فسكن كل ما فيه في صمت بائس..
قبل أن يقرر أن يهمس بصوت باهت وعينيه تتشرب هيئة أبنته باشتياق رغم أفعالها
= مع اني حاسس انها مش طالعه من قلبك بس انا راضي بيها، ما قلتليش بقى محتاجه الفلوس المره دي في ايه؟ اصل انتٍ يعني المره اللي فاتت فاجئتيني وقلتلي انك خلاص مش ناويه تروحي المدرسه تاني وهتوقفي تعليمك لحد هنا وانا حاولت اقنعك أن ما ينفعش وانتٍ ما سمعتيش كلامي.. ما تخليش حد يسيطر عليكي يا حبيبتي التعليم هو أقوي سلاح في ايدك و احسن من الفلوس اللي كل شويه بتصرفيها حواليكٍ .
نفخت بضيق شديد وتمتمت رنا من بين أسنانها المطبقة
= هو انت ناوي تعمل محاضره هنا زي اللي بتعملها في الجامعه اللي بتشتغل فيها ولا ايه؟ انا ما بقتش صغيره وعارفه كويس فين مصلحتي وبعدين بلاش لف ودوران انت عاوزني أكمل تعليم عشان مظهرك قدام الناس ان انت ما شاء الله معيد في جامعه وبنتك هتكون معاها ثانويه بس.. بس ريح نفسك عاجبني حالي كده ومش ناويه اغيره .
هتف بها باستنكار محمل بكل طاقات الغضب داخله
= لو بفكر بنفس طريقتك او الطريقه اللي ملت بيها دماغك خالتك ان انا يهمني المظاهر وبس كنت اتبريت منك من زمان بسبب طريقه لبسك وكلامك اللي ما بقتش مناسبه معايا خالص.. بس اديني لحد اخر نفس فيا بحاول اصلح اي حاجه، عشان رحتي ولا جيتي هتفضلي بنتي للاسف اللي اتربيت بعيد عني بسبب قوانين ظلمه كانت بتسمح لي بوقت محدد اشوفك فيه ويا ريتني حتى كنت بعرف اشوفك في الوقت اللي بتحكم لي في المحكمه .. يلا الله يسامحها خالتك .
ساد الصمت بينهما في حين ظلت رنا تسدد نظراتها مباشرة لحدقتيه المتأججتين رغم تبلدها بالدموع إلا أنها هتفت بصوتٍ فاتر أجوف
= هو انت كل ما تشوف وشي هتقعد تقول لي نفس الكلمتين، بقول لك ايه شكلك مش جايب الفلوس وبتضحك عليا انا قايمه احسن
هز رأسه بيأس وحسرة ثم أخرج النقود لها هاتفاً بخيبة أمل وخيمة
= اتفضلي اهي الفلوس بس نفسي قبل ما تاخديها تجاوبيني على سؤال؟ لو كنت على قد حالي ومش معايا الفلوس اللي بديها لك كل اسبوعين تصرفي منها براحتك او تديها لخالتك اللي بتحردك كل مره عليا! هل كنتي هتوريني وشك وتغصبي نفسك تتكلمي معايا .
ارتبكت رنا قليلاً و تطلعت حولها بتشتت فهي بالفعل لا تشعر نحوه بأي حنين او اشتياق بسبب فرقهم عن بعضهم البعض وافعال واحاديث خالتها السيئه عنه، اخذت النقود وتحركت خطوة لترحل متوترة قبل أن تقول بصوتٍ خفيض مضطرب
= أنا اتاخرت ولازم امشي سلام .
❈-❈-❈
عاد منذر إلي الحي مرة أخرى وكان يكثر الإزدحام حوله حيث يتراص بائعين الفاكهة و الخضار علي جانب الشارع و صوت البائعين و أفران عمل الخبز، تجاهل كل ذلك ليصل إلى المحل ليجد الحاج رحيم احد زبائنه المهمين لديه يخرج من المحل بوجه متهجم، أقترب منه متسائلاً باستغراب
= خير يا حاج رحيم مالك .
تنهد براحه ولهفه عندما وجده أمامه، وقال باندفاع
= منذر انت جيت يا ابني تعالى شوف ابوك اللي معلي عليا السعر رغم ان انا اكتر واحد باخد منكم بضاعه وقلت له نزل لي 10% اللي بتنزلهم لي كل مره ويقدر ان انا لسه بجيب عمال يشيلوا وينزله بالعربيات.. الاقيه بيرد عليا باسلوب مش كويس ويقول لي اللي معهوش ما يلزموش دي اخرتها يا منذر
هز رأسه منذر بيأس من أبيه فإذا خسر ود ذلك الرجل سيخسر الكثير من البضاعه فهو الزبون الاكثر شراء له بالفعل، رفع وجهه و نظر له قائلا بأسف
= معلش يا حاج رحيم امسحها فيا، وبعدين ما انا نزلتلك المره اللي فاتت 7% اشمعنا المره دي عاوز تزودهم .
أجاب الرجل قال له بإقتضاب و عتاب
= عندي بضاعه في السوق لسه ما جبتش ثمنها كله وكمان هاخد منكم زياده وزبون ومعروف عنكم وعشمان فيكم يا سيدي دي اخرتها.. تمشوني وانا زعلان من عندكم ده انتم من اول ما فتحتوا وانا باجي اخد منكم وبالذات شغلك انت يا منذر ده انت اكتر واحد هزعل لو ما بقيناش نتعامل مع بعض .
هز رأسه برفض وتحرك سريعاً نحوه، هاتفاً باعتراض
= طب ما تقولش كده وان شاء الله هنوصل لحل يريحنا احنا الإثنين، بص هو الغلا زي ما ماشي عليك ماشي علينا عشان كده بابا رفض ينزل المره دي في السعر ..
صمت لحظة يفكر بالأمر بعقلانيه وحكمه أكثر واضاف قائلاً بجدية
= بس انت فعلا عشان مش اي زبون عندنا انا هديك بنفس السعر القديم بس مش هقدر ازود لك ال 10% بس ما تزعلش هستنى عليك لحد ما تلم الفلوس بتاعتك من السوق و نتحاسب بعدين واحنا ضامنينك وكفايه كلمتك.. مرضي كده .
أبتسم الحاج رحيم بإعجاب قائلاً بود
= والله يا ابني انا استنيتك كتير واستحملت غلاسه ابوك وقله ذوقه عشان مستنيك تدخل علينا وعارف ان انت اللي هتحلها وماشي عشان الكلمتين الحلوين دول هاخدهم بالسعر القديم .. مع اني مش عارف ازاي الراجل اللي جوه ده ابوك ده انتوا غير بعض خالص وكفايه طولت بالك.. انت ما فيش زيك يا منذر في كرم أخلاقك وطيبه قلبك .
أبتسم منذر بصعوبة وسط حزنه فالجميع يرى نجاحه وتحملة للمسؤوليه الا أسرته وبالأخص والده، ثم حمحم قائلاً بخفوت
= معلش تلاقي كان متعصب من حاجه تعالى معايا وانا اصالحكم على بعض.
❈-❈-❈
جلست ديمة بمنزل أسرتها بمفردها كالعاده،
كانت بائسة ومحطمة و مكسورة، تريد الصراخ والتحرر من تلك القيود حيث جرت بأذيال الخيبة و اليأس وهي ترى نفسها دائما وحيده بات تشعر بالزهق والملل والضيق! فلا أحد يشعر بها أبدأ إلا هيثم حبيبها والتي علي يقين تام بأنه عندما يتقدم لخطبتها سيرفضون بالطبع كما أخبرها.
شعرت بالانزعاج منهم فدائما يتركوها هنا بمفردها ولا يسألون عنها ولا يهتمون لامرهم وبعد كل ذلك سيتحكمون في حياتها، يكفي اليوم عندما اتصلت بها شقيقتها.. اعتقدت انها ستاتي لزيارتها لكن تفاجات بها تخبرها بانها لم تاتي هذه المره أيضاً بسبب تعب أبنها المفاجئ واما شقيقتها الثانيه لم تعتذر حتي! لم تعد متفاجئه فهذه اصبحت حياتها .. رغم انهم وعدوها قبل ذلك بانهم لم يتركوها بمفردها ودائما سيرعوها لكن ذلك حدث بعد اسبوع وأحد فقط ومن بعدها بدأت الاعتذارات منهم وعدم الاهتمام.
مجرد مكالمات باردة بينهما ليرضوا ضمرهم لا اكثر، رغم أنها تحاول أخبارهم بألف طريقة وطريقة انها اشتاقت لهم.. وتحتاج اليهم.. تتمنى ان يفهموها.. تكاد تجزم انها تشتاق الى لمسات احضانهما ودفء صوتهم بالمنزل.. أن تكون بين ذراعيهم.. فقد تعبت من الوحده والمواجهه لكل شيء بمفردها هم ناسوها بالفعل.. نسوا وصيه أبيهم وامهم لهم عليها .
وبالنهايه مازالوا يظنون انها ما زالت طفله صغيره لا تفقي ولا تفهم شيء بالحياه.. حسنا إذا كانت كذلك! أليس من المفترض الأطفال يحتاجون الى الرعاية إذا .
تبدلت ملامحها من الضيق والحنق إلي الحزن والدموع التي بدأت تنهمر واصوات بكائها يعلو بالمكان لكن من سيسمعها وهي وحيده به! تود فقط ان تعاتبهم على ما فعلوا فيها.. لكنها تعلم
لا فائده من الحديث، فدائما يكون المبرر مشغولون وقريباً سياتوا .
تقسم انها تشعر بنشيج صوتها وانين بكائها في كل مكالمة بينهما ويصل صوتها إلي الجيران إلا لهم! لا يشعرون بقيمه ما يفعلوا بها حقا و الى ماذا سيصل بها من صعوبات . هزت رأسها يائسة وأغمضت جفنيها بتثاقل و انهيار كلي في روحها، يعاملها أهلها كـ الغريبة وهي صابرة ومتحملة ولكن إلي متي؟.
نظرت الى الهاتف من بعيد فا هيثم لم يتصل بها منذ الصباح أبدا يعلم جيد كيف يلعب على أعصابها ليشعرها بالخوف والقلق من هروبه هو الآخر من حياتها والابتعاد مثل اشقائها، انتفضت مذعورة من تلك الفكره فهي متعلقة به بشدة ربما لأنه الوحيد الذي مزال جانبها ولا تريد ان تظل وحيده مطلقاً دون أحد ما جانبها .
زفرت بعدم راحة و استدارت على عقبيها وامسكت الهاتف بتردد وقلق واتصلت به وانتظرت دقائق حتي أجاب، التمعت عيناها
لتهمس بضعف
= الو يا هيثم انا موافقه اننا نتجوز عرفي في السر!. بس بشرط لازم تجيب اثنين شهود عشان الجواز يكون شرعية وعشان اطمن شويه كمان .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى