روايات

رواية في هواها متيم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الجزء الرابع والعشرون

رواية في هواها متيم البارت الرابع والعشرون

رواية في هواها متيم الحلقة الرابعة والعشرون

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب
٢٤–” عاشق متيم ”
شهقت ليان بصوت منخفض ، وهى ترى رفيق يسحبها لإحدى الزوايا الهادئة بالحديقة ، فأغمضت عينيها تلتقط أنفاسها التى تناقصت من شعورها بالخوف ، فهى تذكرت تلك المرة ، التى حاول بكر بها إختطافها وعمل رفيق على إنقاذها
فوضعت يدها على صدرها وهى تتمتم :
– الله يسامحك يا رفيق خضتنى ورعبتنى
لاحظ شحوب وجنتيها ، فمد يده ليرفع وجهها له ، فقطب حاجبيه قائلاً بدهشة:
– مالك يا ليان خوفتى ليه كده ووشك أصفر
تهدل ذراعيها بجانبها وهى ترد قائلة:
– أصل لما عملت كده افتكرت لما اللى اسمه بكر ده عمل كده وأنت جيت أنقذتنى فخوفت
أخذها بين ذراعيه ، وإستند بذقنه على رأسها مغمغماً:
– مش عايز أشوف الخوف على وشك كده تانى ثم مين اللى يقدر يدخل بيتى ويعمل حاجة فى أى حد فيكم دا انا كنت أشرب من دمه
إستكانت إليه ، وشعرت بالراحة بين ساعديه ، فربما هى الأخرى صارت تتحرق شوقاً لتصبح جزءًا منه ، إلا انها تذكرت إستياءها منه ، فأبتعدت قليلاً عنه ونظرت إليه بوداعة وهى تقول:
– طب طالما خايف عليا كده لما كنا قاعدين جوا زى ما تكون بتهرب منى ومش راضى تبوصلى حتى هزرت مع رهف وأنا لاء
قهقه رفيق من قولها ، كإنها شعرت بالغضب من عدم حصولها على دمية أو حلوى كانت تريدها ، فمد أصابعه وداعب وجنتها بلطافة وهو يقول:
– أنا مرضيتش أبص ناحيتك لأن لو عينى وقعت عليكى مش هقدر أشيلها ومش بعيد كمان تلاقينى قايم أخدك فى حضنى قدامهم وأنتى حرة بقى تبقى فضيحتنا على الملأ
فغرت ليان فاها وهى تشهق ثانية فزوت ما بين حاجبيها قائلة:
– إيه اللى أنت بتقوله ده يا رفيق
– إنتى قلب رفيق
قالها رفيق وأقترب منها يعانقها ، فنسيت ما كان من أمرها ، بل نسيت أيضاً أين كانت هى ذاهبة ، فتيار عارم وجارف من المشاعر جعلها تحلق فوق السحاب من وجودها بقربه
فلم ينتهى العناق ، إلا بسماع ليان صوت رهف تناديها ، فأسرعت بدفعه هنا وهى تقول:
– رفيق أبعد رهف جاية وهتشوفنا
كالمغيب رد قائلاً بصوت متهدج :
– بحبك بحبك أوى
فعادت وتغافلت ثانية عن الصوت الذى يناديها ، فعبثت أناملها بطرف ياقة قميصه وهى تقول بخجل :
– وأنا كمان بحبك
ولكن تلك المرة لم تنتظر أن تسمع منه رداً ، بل أسرعت تهرول ناحية رهف ، التى كانت على وشك الاقتراب من سيارة رفيق
فخطت رهف بخطواتها تجاهها وهى تقول :
– أنتى كنتى فين يا بنتى عماله أدور عليكى وهو فين أبيه رفيق هو كمان انتوا اختفيتوا مرة واحدة ليه كده
حاولت ليان إعطاءها جواباً على سؤالها ، فتلعثمت قائلة :
– أانا أهو ههروح فين يعنى كنت خارجة أشوف فين عربية أخوكى
– تشوفى عربية أخويا ولا تشوفى أخويا نفسه
قالتها رهف بدهاء وهى تحاول قمع ضحكتها على كشفها كذبة ليان
فما كان من ليان سوى أن وكزتها بكتفها وهى تقول:
– بتقولى إيه يابت أنتى أحترمى نفسك
رفعت رهف شفتها العليا قائلة:
– أحترموا أنتوا نفسكم معاكم سناجل فى البيت الرحمة شوية يا أخوانا
أسرعت بإخراج مرآة صغيرة من حقيبتها ، فوضعتها أمام وجه ليان وهى تعقب :
– أتفضلى حضرتك أعدلى حجابك اللى قرب يقع من على دماغك ده
نظرت ليان بالمرآة ، فجحظت عيناها ولطمت خدها بخفة ،فحجابها مهمل على رأسها ووجهها أحمر من تدفق الدماء به ، عوضاً عن أثر العناق ،الذى ما زالت تحمله هيئتها المشعثة، فأسرعت بتعديل هندامها ، وهى تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها ، خاصة أن رهف كأنها وجدت شئ مسلى وظلت تضحك وتتفكه وتغيظها بمحبة ، فرهف تشعر بالسعادة كون شقيقها الأكبر قد عثر على زوجة وليس هذا فقط بل يبدو أنه مغرماً بها حد النخاع
_______________
بصعوبة بالغة إستطاعت سارة إقناع والدتها بالذهاب للمشفى لرؤية أكمل ، فهى أخبرتها بكل ما حدث وتلك الفاجعة التى ألمت به وموت زوجته ، فأرادت الذهاب لرؤيته وإصطحبتها معها ، فهى لن تمكث كثيراً بالمشفى ، بل ستلقى عليه نظرة سريعة هو وإبنته وستذهبان على الفور ، فبعد سؤالها للممرضة عن الغرفة التى يقيم بها حالياً ، كانت تدق الباب وتحمل بيدها باقة من الزهور ووالدتها تسير خلفها ، فعلى الرغم من إعتراضها على ما يحدث ، إلا أنها رغبت بالإطمئنان عليه
فولجت سارة الغرفة على إستحياء وهى تقول:
– ألف سلامة عليك يا أستاذ أكمل أنت وكنزى
إعتدل أكمل بجلسته بعدما رآها ، فإبتسم لها قائلاً :
– الله يسلمك يا أنسة سارة أهلاً بيكم اتفضلوا
رآت سارة كنزى نائمة على سرير أخر بالغرفة ، فأقتربت منها ومسدت سارة على رأسها وهى تقول:
– ألف سلامة عليها هى عاملة إيه دلوقتى
رد أكمل قائلاً بهدوء:
– الحمد لله بس الدكتور بيديها أدوية وحقن بتخليها تنام علشان متحسش بالوجع لو كانت صاحية كانت هتفرح أنها شافتك
أقتربت والدة سارة من فراشه وهى تقول بمواساة :
– ألف سلامة عليكم يا بنى والبقاء لله وشد حيلك ربنا يرحم المدام بتاعتك
– ونعم بالله أتفضلوا أقعدوا
قالها أكمل وهو يشير للمقاعد خلفهما ، إلا أن والدة سارة أبت الجلوس قائلة :
– لاء إحنا هنمشى إحنا جينا نطمن عليكم ومش عايزين نتعبكم أكتر من كده وهنسيبك ترتاح عن إذنك يلا يا سارة
تركت سارة مكانها بجوار فراش كنزى ، فأقتربت منه قائلة :
– ألف سلامة عليك يا أستاذ أكمل ربنا يشفيكم ويعافيكم يارب و الحمد لله أن إطمنا عليكم عن إذنك
– تسلموا على الزيارة وشكراً
قالها أكمل ومن داخله لاينكر شعوره بالسعادة لمجيئها ، فهو كان يظن أنها لن تأتى لهنا مطلقاً
جذبتها والدتها من يدها بشئ من الحزم ، وخرجتا من الغرفة ، ولكنها إلتفتت برأسها تلقى عليه نظرة أخيرة قبل رحيلهما ، فيكفى أنها جاءت لتطمئن على أحواله هو وإبنته ، فهى تعلم أن والدتها لن تسمح لها بالمجئ ثانية
________________
لا تعلم سر رغبتها اليوم فى المجئ لأحد متاجر الثياب ، من أجل شراء قميص لزوجها ، فهى علمت بشأن إقتراب يوم ذكرى ميلاده ، فأرادت أن تبتاع له هدية ، فلم يطرأ على رأسها سوى شراء قميص رجالى ، دار بصرها حول الثياب المعروضة بتركيز ، مدت يدها وأخذت ذلك القميص الكلاسيكى باللون النيلى ، والذى حتماً سيكون رائعاً بعد أن يرتديه رفيق ، خاصة أنه يمتلك جسد قوى ومتناسق يضفى على ثيابه رونق أخاذ ، بإمكانه سلب أنفاسها ، ويجعلها تتمنى لو تلتصق به كثيابه ، فنظرت خلفها وجدت رهف تتحدث مع أحد التماثيل المستخدمة لعرض الثياب
فأقتربت منها قائلة بدهشة :
– أنتى بتعملى ايه يا رهف بتكلمى التمثال سلامة عقلك يا حبيبتى
إبتسمت رهف ببلاهة وردت قائلة وهى تنظر للتمثال :
– شايفة المانيكان حلو إزاى يا ليان ، بسم الله ماشاء الله زى نجوم السينما ، بس مش عارفة ايدى بتاكلنى اخده قلمين ليه
قالت رهف بتفكير وسرعان ما صفعت التمثال مراراً ولم يكن هو فقط من فعلت به ذلك ، بل كل ما قابلها بطريقها من مجسمات عرض الثياب صفعته سواء على الوجه أو مؤخرة العنق ، ولكنها لم تنتبه أن هناك شاباً يقف بجوار أحد المجسمات فصفعته على مؤخرة عنقه بقوة
فإستدار إليها الشاب قائلاً بصياح :
– فى إيه يا أنسة أنتى مجنونة ولا إيه
أمتقع وجه رهف على الفور ، ولم تكن هى فقط بل ليان فغرت فاها ، بعد إدراكها ما سيحدث لهما بعد خطأ رهف الفادح بصفع الشاب ، حاولت ليان الاعتذار فنظرت إليه قائلة بإستجداء :
– أحنا متأسفين جدا هى والله مش قصدها ، هى افتكرتك مانيكان للعرض وهى كانت بتهزر
دلك الشاب مؤخرة عنقه ، ويبدو عليه أنه لن يقبل بإعتذارها ، خاصة بعد سماعه صوت ضحكات رفقاءه ، ويبدو عليهم أنهم لن يتركونه ينسى ما حدث ، فصاح الشاب بوجه ليان قائلاً بإستياء :
– ويفيد بإيه أسفك دلوقتى أنتى وهى
رفعت رهف شفتها العليا وردت قائلة بعدم إكتراث :
– عايزنا نعملك ايه يعنى ما أنت اللى واقف وسطهم ، واحنا اتأسفنا خلاص مش حكاية هى ، إيه هتفضل توجع دماغنا ، يلا بينا خلينا نحاسب خلينا نمشى
جذبت رهف ذراع ليان لدفع ثمن القميص ، فبعد إنتهاءهما وقبل أن تصلا للسيارة ، وجدتا ذلك الشاب يعترض طريقهما ويبدو على وجهه بوادر الشر ، فحاولتا تجاوزه إلا أنه كان لديه الإصرار على الثأر من رهف ، فحدق بها بشر وقال :
– أنتى مفكرة نفسك رايحة فين أنتى
عقدت رهف ذراعيها ونفخت بضيق وهى تقول:
– إستغفر الله العظيم واللهم طولك ياروح ، ما يلا يا ابنى من هنا الله لا يسيئك بدل القلم اللى خدته على قفاك هتاخد بالجزمة المرة دى على دماغك
وصل الشاب لحافة صبره بعد سماع تهديدها له ، فتخلى عن أخلاقه وأراد صفعها على وجهها ، ولكن بلمح البصر إستطاعت رهف ضربه بقدمها فى منتصف بطنه ، ولم تكتفى بذلك بل ضربت رأسه بحقيبتها ، وإستغلت إنشغاله بما أصابه وأخذت ليان وفرت هاربة حتى وصلتا للسيارة الخاصة بهما
فبعد أن جلستا بالمقعد الخلفى ، هتفت رهف بالسائق قائلة :
– بسرعة بينا يا أسطى على البيت
قاد السائق السيارة ، فوضعت ليان يدها على صدرها وهى تقول:
– الله يسامحك يا رهف دا أنتى طلعتى بلطجية
قهقت رهف وردت قائلة بزهو :
– دا أقل حاجة عندى ، ماهو اللى رخم ومصر يجر شكلى ، يلا أخد الشر وراح ، دا انا مجربتش فيه كمان كل حركات الكاراتيه اللى اتعلمتها وأنا صغيرة
وكزتها ليان بذراعها وهى تبتسم ، فظلتا تتفكهان بالنوادر حتى وصلتا للمنزل ، فصعدت ليان الغرفة وأرتمت على الفراش وحاولت تنظيم أنفاسها ، كأنها شعرت بإنقباض مفاجئ لا تعلم له سبباً ، فبعد مرور عشر دقائق ، نهضت من مكانها وأخرجت القميص من الحقيبة تلقى عليه نظرة مرة أخرى ، لتتأكد من حسن إختيارها له ، فوجدت رفيق يلج الغرفة بعد عودته من عمله
فلم يكن لديها الوقت الكافى لإخفاء القميص قبل أن يراه ، فأختطفه من يدها وهو يقول:
– إيه القميص الحلو ده ، اشترتيه لمين ؟ لباسم ؟
حركت ليان رأسها بالنفى وهى تقول بصوت خافت :
– لاء أنا أشتريته هدية علشانك أنت ، علشان عرفت أن عيد ميلادك بعد كام يوم ، بس أنت بوظت المفاجئة
وضع القميص على الفراش ، ورفع وجهها له قائلاً بإبتسامة:
– معلش يا حبيبتى ، عادى خليه معاكى واديهولى يوم عيد ميلادى ، أنا عمرى ما احتفلت بعيد ميلادى بس المرة دى هيكون مختلف علشان أنتى معايا ، وأنتى أحلى هدية ليا من ربنا
ما شعرت به من جزع لإفساده مفاجئتها له ، صار الآن بطى النسيان ، فإستطاع برقته وعذوبة كلماته أن ينسيها ما حدث بيومها كاملاً ، حتى أنها لم تتذكر ما حدث بمتجر الثياب ، أرتوت روحها المشتاقة لقربه من فيض مشاعره ، ففكرت كيف سيكون حالها بدون وجودها بين ساعديه أو إستنشاقها عبق رائحته ، فحتماً ستفقد معنى الحياة بدون وجوده وحبه ووعوده التى أغدقها بها
________________
بالملهى الليلى وبأحد الأروقة الداخلية له ، وقفت فوفا مع ذلك الرجل ، الذى عاد يلح عليها ثانية بأن يتمما ما كانا يريدان فعله ، وهو أخذ ذلك الملهى الليلى من فاروق بالحيلة والخديعة ، فأخرج من جيبة ورق كانت عبارة عن تنازل رسمى من فاروق بملكية الملهى لهما
فأعطاها الرجل الورقة وهو يقول :
– خدى ورقة التنازل أهى عايزك تمضيه عليها ، وبمجرد ما يمضى هيكون الكبارية ده خلاص بقى بتاعنا
أرتجفت يدها وهى تمدها لأخذ الورقة منه ، ولكنها لم تستطيع إخفاء شعورها بالخوف وهى تقول:
– بس أنا خايفة فاروق ياخد باله ويطربق الدنيا على دماغنا
إلتوى ثغره بإبتسامة ماكرة وهو يقول:
– وهو هيبقى حاسس بحاجة دا بيبقى مدهول على عينه وهو شارب ومش شايف قدامه ، دا حتى المرة اللى اخدك فيها بيته قولتلى انه صاحى مكنش فاكرك ولا فاكر هو أخدك معاه إزاى
أماءت برأسها إيجاباً على قوله ، فهو محق بهذا الأمر ، ولكنها نظرت إليه وتساءلت :
– طب أنا همضيه على الورق بصفتها إيه
– بصفتها أنها ورقة جواز عرفى ، يعنى لما يسكر وأنتى تحاولى تجرجريه لحد ما تخليه يوافق على جوازكم العرفى وبعد كده تمضيه على ورقة التنازل وكده يا دار ما دخلك شر
قالها الرجل بأريحية ، فهو حتى الآن لم يستطيع نسيان خداع فاروق له ، فهو وضع ما كان يملكه عند إفتتاح هذا الملهى ،ليأتى فاروق بعد ذلك ويخبره بأن كل شئ ملك له هو وتركه يعمل بالملهى وهو من كان يحق له إمتلاك نصفه ، فأراد أن يأخذ حقه بالخداع مثلما فعل معه فاروق بالسابق
أخذت الورقة ووضعتها بين طيات ثيابها ، وخرجت للصالة ، بحثت عن فاروق وجدته جالساً على إحدى الطاولات بمفرده ، يتجرع الخمر كأس تلو الأخر
فأقتربت منه وسحبت مقعد وجلست وهى تقول بغنج :
– أنت كنت فين يا فاروق بيه دا انا عمالة أدور عليك من الصبح
وضع فاروق الكأس من يده قائلاً:
– وبتدورى عليا ليه خير
– أصل كنت جاية أستأذنك فى زبون حابب أقضى معاه كام يوم فى الساحل ، فجيت أشوف رأيك إيه
قالتها بغنج ودلال ظاهر ، فتأمل هيئتها وثوبها الفاضح ، فسال لعابه ، فرفع الكأس لفمه وتجرع ما به دفعة واحدة وهو يقول بثغر ملتوى :
– وماله ميضرش طالما الموضوع فيه قرشين حلوين بس قبل ما تطلعى الطلعة بتاعتك دى وتروحى تعومى فى الساحل عايزين نعوم هنا الأول أنا وأنتى
ضحكت ضحكة صاخبة وهى تقول:
– بس كده يا فاروق بيه يلا بينا
نهضت من على مقعدها ، ومدت يدها له ، فشعرت بإهتزاز يده ، فربما بدأ مفعول الخمر وسيجعله لا يعى ما يفعله ، فتلك هى فرصتها السانحة لإتمام مخططها ، فحاوط فاروق كتفيها وهو يسير بجانبها يتمايل جسده بغير إتزان وهو يضحك بصوت عالى ، كأنه يرى أطياف وأشياء لا وجود لها
_________________
بالقاعة الدراسية كانت ليان ورهف تجلسان بإنتباه أثناء المحاضرة ، يدونان ما يقوله المحاضر ، فرفعت ليان هاتفها لترى كم تبقى من الوقت لإنتهاء تلك المحاضرة ، فالمحاضرة التالية سيكون المحاضر بها هو رفيق ، فتعجبت كيف أصبحت تنتظر مجئ المحاضرة الخاصة به بكل ذلك الشوق ، وهى من كانت لاتريد رؤية وجهه ، فربما فعل بها الحب أفاعيله ، وجعل النفور والكره حباً وهياماً
أنتهى الوقت فشبكت رهف اصابعها وهى تمط ذراعيها قائلة :
– الحمد لله المحاضرة خلصت على خير أيدى أتكسحت من كتر الكتابة
– معكيش لبان يا رهف
قالتها ليان وهى تلملم كتبها للخروج حتى مجئ موعد محاضرة زوجها
ففتشت رهف بداخل حقيبتها وأخرجت لها العلكة المفضلة لها ،فأخذتها منها وهى بطريقها للخارج ، فلم تنتبه لمجيئه فإصطدمت به
فشهقت ليان بخفوت وهى تقول:
– أسفة يا دكتور رفيق ما أخدتش بالى
تصنع رفيق الجدية قائلاً:
– ولا يهمك بس رايحين فين كده
ردت رهف قائلة :
– قولنا نخرج نقعد برا شوية على ما تبدأ المحاضرة وناكل حاجة
نظر لهما رفيق قائلاً بتحذير لطيف:
– ماشى بس متنسوش نفسكم وتنسوا المحاضرة وإلا مش هدخلكم مفهوم
تبسمت ليان بخفوت وهى تقول:
– لاء أنت قلبك طيب وهتخلينا ندخل مش كده يا دكتور رفيق
فما سيقول بعد إبتسامتها تلك ، فهى بدأت بسلبه حق الرفض والاعتراض ، فحورية صغيرة جعلت قلبه يهوى خضوعه لعشقها كأسير لا يريد فك قيود أسره ، بل يرغب بأن يظل أسيرها
فحمحم يجلى صوته قائلاً برصانة :
– يلا بسرعة ومتتأخروش مش هقول تانى
تركهما ورحل ، فإن ظل يتحدث معهما لن يفعل شيئاً بيومه ، فإلتفتت ليان تنظر إليه ، ولكن عبست بوجهها وهى ترى إحدى الطالبات إستوقفته لتتحدث معه ، ولم تكن تلك الفتاة إلا إحدى الفتيات الثلاث ، اللواتى كن يمكثن معها بالغرفة بالمدينة الجامعية ، فهى تعلم كيف كن يتغزلن به و بوسامته ، وإستمعت إليهن مرة بأنهن لا يحضرن المحاضرة إلا من أجل رؤيته
فقبل أن تذهب إليهما ، سحبتها رهف من مرفقها وخرجتا من مبنى الكلية للساحة الخارجية ، فجلست ليان على الدرج الرخامى حتى تعود رهف ، التى ذهبت لشراء طعام لهما ، فكم رغبت بأن تعود للداخل وترى هل زوجها مازال يتحدث مع تلك الفتاة أم غادر ، فزاد فضولها لمعرفة عما كانا يتحدثان ، فهى لم تعد تسيطر على تلك النيران التى شبت بقلبها من شعورها بالغيرة
_________________
تقاذفته الأفكار فى أن يذهب إليها ليراها ، فمنذ ذلك اليوم الذى رأها به وعلم أنها أصبحت زوجة رجل أخر ، وهو لم يرى وجهها ثانية ، فوجد نفسه ذاهبا إلى كليتها ، يريد أن يعلم هل هى حقاً وافقت على زواجها بمحض إرادتها أم كانت كارهة له وتزوجته تحت ضغط من جدتها
قبل دلوفه لمبنى الكلية ليبحث عنها ، وجدها تجلس على الدرج الرخامى ، فهو لم يشأ أن يهاتفها وربما تأبى الرد عليه ، ففضل البحث عنها بنفسه
فاقترب منها يحاول رسم إبتسامة على شفتيه لم تصل الى عينيه وهو يقول :
–:” ازيك يا ليان أخبارك إيه”
أنتفضت ليان بعد سماع صوته ، فهى كانت شاردة ولم تنتبه على قدومه ، فردت قائلة:
–:” الحمد لله اهلا يا ماجد اخبارك ايه”
جلس ماجد بالقرب منها قائلاً بفتور :
–:” الحمد لله أنا كنت عايز اتكلم معاكى يا ليان”
نظرت إليه ليان قائلة باهتمام:
–:” خير فى حاجة ولا ايه”
نظر ماجد أمامه وهو يقول:
–:” كنت عايز اعرف ايه سبب جوازك يا ليان معقولة مكنتيش حاسة بحبى ليكى”
رفعت ليان كف يدها ، علامة على أنه يجب أن يتوقف عن زيادة كلمة اخرى ، فهى الآن ليست بحال يخولها ان تسمع منه تصريح بالحب
فردت قائلة بهدوء :
– :” بس يا ماجد متكملش انا دلوقتى واحدة متجوزة ومينفعش تقولى كده”
عقد ماجد حاجبيه قائلاً:
–:” بالبساطة دى يا ليان”
أماءت ليان برأسها وهى تقول:
–:” ايوة يا ماجد مينفعش تقولى كده وانا دلوقتى على ذمة راجل وشايلة إسمه ومحبش أن أخون ثقته فيا”
رفع ماجد حاجبه الأيسر قائلاً:
–:” يااا انتى حبتيه بقى يا ليان”
هزت ليان رأسها علامة الموافقة ، فكأنها كانت اشارة الارتياح للتخلص من وهم حب الطفولة ، فهى لن تناضل وتقاوم احساسها نحو رفيق بعد الآن ، فيكفى ما تراه و يجعل قلبها يكاد تنخر به الغيرة من رؤية بعض الطالبات يتكلمن معه او يبتسمن له ، فهى لن تستطيع كتمان أمرها اكثر من ذلك
فضمت يديها وهى ترد قائلة:
–:” انت يا ماجد هتفضل ماجد اللى اتربينا سوا وهيفضل له مكانة عندى مكانة الأخ او الصديق مش أكتر من كده”
تبسم ماجد قائلاً بسخرية حزينة :
–:” اخ وصديق هى دى اخرتها يا ليان”
أحنت ليان رأسها وهى تنظر للأرض قائلة :
–:” أنا أسفة يا ماجد كل شئ نصيب وأنت نصيبك لسه هيجيلك وهتكون أحسن من أى واحدة اتمنيتها”
نهض ماجد من مكانه وهو يقول:
–:” على العموم ربنا يسعدك يا ليان عن اذنك”
رحل ماجد فكان ذهابه مؤذناً برحيله الدائم عن عالمها ، ذلك العالم الذى اصبحت لا ترى فيه سوى وجه رجل واحد ، وبات قلبها يردد اسم واحد فقط ، وهو اسم ذلك الرجل ، الذى ارتبطت به برابط الزواج الأبدى
فبأثناء مروره رأها تجلس برفقته ، ولكن ماجد رحل قبل إقترابه منهما ، فظل قلبه يخفق وينبض بغيرة عاصفة ، ولم يكف عن النبض والخفقان ، فكل خفقة تستجدى منه قرب تلك الحورية الصغيرة وأن لا يجعل أحد أخر يقترب منها
فكادت قدميه تحمله على الرحيل ، حتى يتسنى له أن يتحدث معها فى المنزل بحرية ، إلا أنه رأى ذلك الرجل المدعو فاروق يقترب منها فماذا يريد منها هو الأخر ؟ ولماذا أتى اليها ؟ فقبل أن يحث الخطى على الاقتراب منهما إستوقفه صوت أحد زملاءه ليخبره بشأن أمر هام
نظرت ليان لساعة هاتفها ، لترى كم الساعة الآن ؟ فرهف تأخرت كثيراً ، فهى ذهبت لتجلب بعض الطعام و المشروبات الا انها استغرقت وقتا اكثر من المعتاد
رفعت رأسها وجدت ذلك الرجل ينظر اليها ، فعقدت حاجبيها بتعحب من حضوره الى هنا ، فهتف بها فاروق بوداعة مصطنعة :
–:” ازيك يا ليان يا بنتى”
ردت ليان قائلة:
–:” الحمد لله نحمد ربنا”
ومن ثم خاطبت نفسها وهى تقول :
–:” هى ايه الحكاية النهاردة كلهم جايين ليه”
أطرق فاروق برأسه أرضاً وهو يقول :
–:” أنا كنت جايلك فى حاجة ضرورى أوى”
قالت ليان بإهتمام :
–:” خير ان شاء الله فى إيه”
رفع يده كأنه يزيل دمعة فرت من عيناه وهو يقول بإستجداء :
–:” أمك تعبانة أوى ونفسها تشوفك يا ليان مفيش على لسانها الا عايزة اشوف ليان عايزة أشوف ليان وهى دلوقتى مستنياكى تروحى تشوفيها أنا عارف أن العلاقات بينكم مش كويسة بس هى فى الأول والأخر أمك وخايف تجرالها حاجة قبل ما تشوفك”
جف حلقها وهى تقول:
–:” مالها ماما تعبانة فيها ايه”
رد فاروق قائلاً:
–:” وقعت من طولها مرة واحدة وهى دلوقتى تعبانة اوى يا بنتى تعالى شوفيها”
على الرغم من توتر العلاقة بينها وبين أمها ، إلا أنها شعرت بالخوف ، منذ أن سمعت بأنها مريضة ، فوجدت نفسها تذهب معه سريعاً إلى سيارته ، لتذهب وترى أمها ولا تعلم انه فخ نصبه لها صياد دنئ ماكر خبيث
بعد أن أنتهى من الحديث مع زميله ، رآى سيارة فاروق تعبر البوابة الرئيسية للشارع ، فوجد نفسه يستقل سيارته يتبع تلك السيارة التى تقبع بها زوجته فإلى أين ياخذها هذا الرجل ؟
صف فاروق السيارة أمام احد البنايات السكنية الفخمة ، فترجل فاروق من السيارة تبعته ليان ، إلى احدى الشقق فهى لا تعلم أين تقيم أمها مع ذلك الرجل ، فبعد صعودهما للشقة بالمصعد الكهربائى ، وولجت للداخل تنظر حولها
فنظرت إليه وتساءلت :
–:” هو انتوا ساكنين هنا”
رد فاروق قائلاً بإبتسامة شيطانية :
–:” ايوة ساكنين هنا يا حلوة”
ازدردت ليان لعابها ، من تحول صوته من الوداعة لنبرة صوت خبيثة ، فشعرت بالخوف يقبض على قلبها
فأرتدت بخطواتها للخلف وهى تقول بخوف:
–:” هى ماما فين”
ضحك فاروق وقال :
–:” ماما زمانها جاية يا حلوة متخافيش”
أقتربت ليان من باب الشقة وقالت :
–:” أنت قصدك إيه أنا عايزة امشى من هنا”
قبض فاروق على ذراعها وهو يقول ببرود:
– :” هو دخول الحمام زى خروجه يا حلوة أنسى أنك تمشى من هنا”
افلتت ذراعها من بين يده ، تبتعد إلى أحد أركان الشقة ، تكاد تنهار من شدة خوفها ، فدموعها تغزو عينيها بقوة ، تحاول ان تستجديه ان يتركها تذهب من هنا
– :” الله يخليك خلينى امشى من هنا”
فرك فاروق يديه بحماس وهو يقول:
–:” اخليكى تمشى دا انا ما صدقت جبتك هنا”
قالت ليان بأمل :
–:” جوزى مش هيسيبك فى حالك”
ألتوى ثغره متبسماً بسخرية فقال :
–:” دا لو عرف يوصلك بقى أصل أنا ناوى أبيعك يا قطة”
ردت ليان قائلة بصدمة :
–:” تبيعنى ! يعنى إيه مش فاهمة”
وضع فاروق يده بجيبه وهو ينظر لها بتقييم :
–:” ايوة هبيعك والصراحة أنا أخدت مقدم من تمنك دا انتى هيندفع فيكى كتير أوى يا ليان وان كان على جوزك مش هيعرف يوصلك لانك النهاردة بالليل هتكون مسافرة برا مصر”
رسم لها مصيرها الاسود ، فظلت تحرك راسها يميناً ويساراً ،كأنها تريد نفض تلك الافكار عنها ، فهى كل ما تفكر به الآن ، أن هذا اليوم لن يمر هكذا ، فربما هذا اليوم هو الفيصل فى حياتها بأسرها
وجدت زجاجة من الخمر ، فقامت بكسرها و أخذت قطعة من الزجاج تضعها على معصمها ، فهى تفضل ان تنهى حياتها بيدها قبل ان تنتهى على يد ذلك الخبيث
فنظرت إليه قائلة بتهديد :
–:” افتح الباب بقولك”
لم يعر تهديدها أهمية ، بل أنه رد ببرود قائلاً :
–:” أرمى البتاع ده من ايدك يا حلوة مش هينفعك اللى بتعمليه ده”
أعادت تهديدها ثانية قائلة بإصرار :
–:” لو مفتحتش الباب حالاً هموت نفسى”
–:” مش هتقدرى تعمليها يا ليان”
قالها فاروق وهو ينتوى الإقتراب منها ،فبدأت تنخر معصمها بقطعة الزجاج ، فأنفجرت منه الدماء ، وهى تبتلع ريقها فحلقها أصابه جفاف شديد ، فخرت ساقطة على الأرض
هربت الدماء من عروقه , وهو يراها ملقاة على الأرض ، فماذا يفعل هو الآن ؟ وجد نفسه يفر هارباً ناحية الباب ، وما أن فتحه ، حتى رأى رفيق على الباب ينظر اليه بنظرات تكاد تحرقه حياً ، فقبض على ثيابه ، ودفعه بقوة وأرداه أرضاً ينفث فيه كامل غضبه
فصرخ بوجهه وهو يقول:
–:” ليان فين انطق”
قبل ان يجيبه ، لمحها ملقاة على الأرض بمنتصف الصالة ، تغطى الدماء معصمها الأيسر وفاقدة الوعى ، تعاظم الخوف بداخله وهو يراها مسجاه بدماءها
فأقترب منها بلهفة ، يسبقه قلبه قبل قدميه ، فحاول تحريك جسدها الذى اصبح بارداً كالموتى
فناداها بخوف شديد :
–:” ليان ليان ردى عليا ، حبيبة قلبي ردى”
لم ينتظر ثانية اخرى ، فحملها بين ذراعيه يسرع بخطواته حتى وصل لسيارته ، فقادها ليذهب إلى اقرب مشفى لاسعافها ، فقاد السيارة بسرعة جنونية ، فربما إن تأخر دقيقة أخرى ، ستلقى تلك الفتاة حتفها حتماً
فحمد ربه على وصوله المشفى ، وقام باخراجها من السيارة يحملها يهرول بها سريعاً الى الداخل يصرخ بجنون لعل احد ينقذها
–:” أرجوكم حد يلحقنى بسرعة”
تلقاها منه بعض الممرضات ، وذهبوا بها سريعا الى الغرفة ، التى سيتم فيها انقاذها ، فظل يدور حول نفسه كالمجنون ، فهى ربما تنازع الموت الآن ، وكل هذا بسبب ذلك الرجل ، الذى توعد له اشد الوعيد ولكن عليه أولاً الاطمئنان على زوجته
دقائق تمر تصيبه بالخوف أكثر فأكثر ، حتى وجد ممرضة تخرج من الغرفة وهى تهرول ، فأستوقفها قائلاً بلهفة :
– أرجوكى طمنينى هى عاملة إيه دلوقتى
_________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!