روايات

رواية غوثهم الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل التاسع والعشرون

رواية غوثهم البارت التاسع والعشرون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة التاسعة والعشرون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل التاسع والعشرون”
“يــا صـبـر أيـوب”
____________________
حينَ يُهدى الصبح إشراق ثناه
يسكب الطل رحيقًا من نداه
موقظا بالنور أجفان الحياة
الضحى من نور من؟
_الله
والندى من فيض من؟
_الله
سبحت لله فى العش الطيور
ترسل الأنغام عطرا فى الزهور
_”نصر الدين طوبار”
__________________________________
_تأسرني براءة القلب وخفة الطبع وجمال الروح وبريق العينين؛ وكلها صفات نادرة…
وقد سبق وقرأتُ في السابق أنه لايوجد من يملك كل الصفات الجميلة والنادرة في وقتٍ واحدٍ، لكنني رأيتكِ وعلمت أن القراءة في وصف صفاتك ظالمة، وحينما حاولت وصفكِ ببلاغةٍ لم تُسعفني الكلمات وكأن معجمي أمام صفاتك تلاشت حروفه، فأي حروفٍ هذه تمتاز بالبراعة لوصف نجمة سرمدية الضوء مثلكِ حتى دموعها قوية، وأي صُدفةٍ هذه جمعت بين دروب العينين ولم تسمح بالتقاء اليدين؟ وأي صُدفةٍ هذه جعلتني هُنا مثل الأسير بعدما كنتُ حُـرًا مثل الطَـيْر؟ وعند ذكر الطير دعيني أخبركِ أن أنه سَبق وقيل أن:
“الطيور على أشكالها تقع”
فياليت قلبك يُشبه قلبي ويقعا سويًا..
<“بدأت اللُعبة ولم أقو على نهايتها”>
هو من بدأ اللُعبة لكنه لم يعرف كيف يدير التحكم بها، لذا وقف مصدومًا في باديء الأمر قبل أن يفهم كسر الروح الذي لقاه على يدي “جابر”، بدا وكأنه طَيرٌ أخذه راعيه وقام ببتر أحد جناحيه ليتركه ضعيفًا بجناحٍ واحدٍ يحاول به التحليق ولم يسعفه هذا الجناح لكنه لكى على مثيله المَبتور، لم ينكر أن نظرة التشفي من “جابر” وهو يميز عليه الأخر كانت أقوى من الصفعة المدوية يُسمَعُ صداها في غرفةٍ فارغة.
ابتسم “جابر” بتكهنٍ مُريب وأضاف من جديد ما يُمحي ذهول أحدهم ويُحير به أمر الأخر:
_إيه رأيك يا “بيشوي” ؟؟ أنا عن نفسي مرحب أوي.
لاحظ “يوساب” أن ابن خالته يتعرض للإهانة بصورةٍ غير مباشرة لذا تحدث بجمودٍ يقول مدافعًا عنه:
_حتى لو حضرتك مرحب بالفكرة بس عاوزك تعرف إن “بيشوي” أخويا الكبير وأنا متخيرش عنه في حاجة، بالعكس أنا لو فيا خير يبقى بسببه هو.
ابتسم “جابر” بودٍ مصطنعٍ وهو يرد على حديث الأخر:
_يا حبيبي هو أنا قولت حاجة؟؟ أنتَ واحد جاي تتقدم لبنتي وبتاخد رأيي بقولك لو عليا أنا موافق ومش معترض، بالعكس ليا الشرف إن دكتور جامعي زيك يطلب أيد بنتي، هو أنا أطول يعني؟.
أبتسم “بيشوي” ساخرًا فهاهو يكرر حديثه المنطوي بالخبث ويستأنف التقليل منه فتحدث “يوساب” بنفس الجمود وقد شعر بالغضب لأجل قدوته:
_بالظبط زي ما حضرتك بتقول دكتور جامعي، أحب أقولك إن “بيشوي” كمان مهندس برمجة وتطوير على درجة امتياز، بس شغال شغل عم “جرجس” علشان تجارة أبوه تفضل مرفوعة الراس، وزي ماقولتلك لو فيا خير يبقى بسببه هو.
حرك “جابر” رأسه للجهة الأخرى يطالع “بيشوي” الذي وقف صامتًا ثم سأله بتعجبٍ زائفٍ وهو يعلم أثر حديثه عليه:
_وأنتَ مش هتقول حاجة أنتَ كمان؟ هو بيطبلك أهو وأنتَ هتسكت يعني ؟؟ مستينك يلا.
ابتسم “بيشوي” بنفس السخرية الملازمة له وهتف بتهكمٍ:
_عاوزني اتحزم وأرقصلك يعني ؟؟ مش فاهم هعملك إيه ؟؟ بعدين أنتَ فشلت تعمل فتنة بيني وبين المسلمين هتعمل فتنة بيننا كعيلة واحدة؟؟ أنتَ تفكيرك صهيوني يا “جابر” ؟ قاصد تقلل مني قصاده علشان أحس بالغيرة منه بقى ونولع في بعض؟؟ مش هتبطل الداء دا ؟؟.
رد عليه باستفزازٍ وهو يجلس على مقعده بأريحية شديدة وحرك بؤبؤيه في اتجاهاتٍ كثيرة غير متناسقة:
_والله أفهم زي ما تفهم، أنتم جايين تعرضوا عرض وأنا وافقت، زي التجارة كدا عرض وطلب.
اقترب “بيشوي” منه يستند بكفيه على طرف مكتبه وقد مال بجسده للأمام ينطق بنبرةٍ ثابتة لا تنفك عنها الثقة:
_طب بما إنك بتتعامل تجارة بقى، إحنا مش عاوزين قطاعي، إحنا عاوزين بالجُملة، قولت إيه؟.
ابتسم بنفس الاستفزاز وهتف بنفيٍ:
_يفتح الله، بين البايع والشاري يفتح الله، “مهرائيل” مش ليك ومش هتكون ليك غير على جثتي، اتطمن وريح نفسك، قولتلك لو أخر راجل في الدنيا مش هديهالك، شوفلك واحدة تانية غيرها زي ما أنا بدورلها على حد تاني غيرك.
لم يتمالك “بيشوي” نفسه وأوشك على تلقينه درسًا لم ولن ينساه مادام بقيْ حيًا وقد لاحظ “يوساب” هذا قبل أن يقوم “بيشوي” برفع المكتب والقاءه على “جابر” فاندفع يمسكه ويهمس له يُخمد نيران انتقامه بقوله:
_أبوس إيدك متبوظش الدنيا أكتر، سيبك منه، علشان خاطرها هي، فكر فيها يا “بيشوي”.
ارتخت أعصابه فور تذكره لها وأن فعله هذا سيتسبب في المزيد من اشتعال النيران ويكون بمثابة الموقد الغازي، لذا رفع كفيه عن المكتب وأشار إلى “جابر” بسبابته يحذره بقوله وصدره يتحرك بعنفٍ لم يخرجه هو من داخله بل كتم تبعاته حتى كاد أن ينفجر من شدة الضغط وهو يقول:
_صبرك عليا وصدقني لو جيت أحاسبك أنا هخليك تزعل بالجامد وزي ما أبويا كان مخليك زي الفار في جُحرك أنا هخليك زي النعامة تدفن راسك من تاني يا “جابر”.
التفت وترك المكان بغضبٍ جام وخلفه تحرك “يوساب” يحاول اللحاق بخطواته السريعة الغاضبة لكن الأخر بدا وكأنه غير الذي يعهده في نفسه وبدت الحياة مظلمة أمامه فهو مهما طال عليه الوقت لن يرضخ لمن يهينه أو يذله حتى وإن كان بصورةٍ غير مباشرة.
دلف إلى عمله من جديد يجلس على المقعد وهو يهز قدميه بانفعالٍ ملحوظٍ ومقروءٍ على تعابير وجهه وانفعالات جسده المتشنج، جلس “يوساب” أمامه وقبل أن يتحدث معتذرًا له وجده يحذره بنظراته قبل لسانه قائلًا:
_مش عاوز كلمة واحدة !! اقطم خالص.
فضل “يوساب” عدم التحدث وسكت تمامًا وهو يعلم أن قريبه لن يقبل بأي حديثٍ يُقال بل سيزداد اللهيب بداخله وتزداد الصورة قتامة في عينيه لذا فضل أن يبقى معه صامتًا حتى لا يُثير غضبه مرةٍ أخرىٰ بينما الأخر ثبت نظراته في الفراغ أمامه وضغطت على فكيه بعصبيةٍ ملحوظة وهو يفكر في حلٍ يثأر به لنفسه.
______________________________
<“صباحٌ جديد غير متوقع الأثر”>
في منطقة الزمالك تحديدًا بشارع أبو الفِدا تحديدًا في بيت “الراوي” وعلى طاولة الطعام جلس “عاصم” و بجواره “مادلين” ومعهما “سامي” يتناولون فطورهم، وكان “سامي” حينها يتحدث في هاتفه مع أحد العُملاء الخاصين بعملهم وقد احتدت نبرته بانفعالٍ وهو يقول:
_إزاي يا “رمزي” ؟؟ يعني إيه الورق لسه مجاش ؟؟ لأ أنا معرفش الكلام دا، طب أقفل سلام، سلام.
أغلق الهاتف وألقاه على الطاولة بغضبٍ ثم تحدث بنبرةٍ جامدة يستفسر من “عاصم” بقوله:
_عاصم !! هو ورق طلبية الأسمنت مجاش ليه يا “عاصم” ؟؟ إحنا هنهزر ولا إيه أنتَ عارف حج “فرج” دا مبيهزرش
تحدث “عاصم” بضجرٍ حينما تذكر أمر هذا العمل:
_الورق لسه “يوسف” ممضاش عليه وبما أنه بقى شريك رسمي محدش هيقدر يعمل أي حاجة غير بموافقته وامضته هو ؟؟ بس نجيبه منين بقى ؟؟
اندفع “سامي” وضرب الطاولة بقبضة يده وهو يقول بنبرةٍ عالية يعبر بها عن غضبه وضيقه من هذه النقطة:
_يعني إيه ؟؟ حتة عيل زي دا هيحطنا تحت رحمته، هيعمل لنفسه قيمة بروح أمه ؟؟.
_عيب يا أنكل، عيب تجيب في سيرتي أنا وماما وأنا مش موجود، ترضى أجيب سيرة أمك الرقاصة بكلام عيب ؟؟.
صدمة حلت عليهم بسبب صوته الذي وصلهم بسخريةٍ وهو يقف على الدرج من فوقه بجهة الغُرف والأدهىٰ أنه يرتدي ملابس بيتية إن دلت على شيءٍ فهي تدل أنه قضىٰ ليلته هنا !! كيف حدث هذا، فيما أبتسم هو بخبثٍ ونزل الدرجات بخطواتٍ واثقة أشبه بخطوات الملوك في أرضها، واقترب من الطاولة يقول بنبرةٍ مرحة:
_مالكم يا جماعة ؟؟ هي دي صباح الخير ليا؟؟
نظر كلاهما للأخر بتعجبٍ وحيرةٍ وقلقٍ، فيما أبتسم هو بظفرٍ ثم اقترب يأخذ ثمرة من فاكهة الموز الموضوعة على الطاولة وقام بتقشيرها وأكل منها وهو يقول باستفزاازٍ غريب الأثر على الجميع:
_فين الورق يا “سامي” علشان أمضيه؟؟
نظر له “سامي” بعينين مُتسعتين وهبَّ منتفضًا من محله وهو يقول بصوتٍ عالٍ:
_ولا !! شغل جنان على الصبح مش عاوزين، هي زريبة أبوك علشان تدخل كدا من غير إحم ولا دستور ؟؟.
حرك “يوسف” رأسه نفيًا بنفس البرود ثم أبتسم بمرحٍ أكثر وهو يقول بنبرةٍ هادئة تنافي أصل الكلمات:
_إطلاقًا لا فاكره زريبة أبويا ولا كباريه أمك ولا العِشة اللي كنت بتنام فيها فوق السطح، دا بيت “الراوي” وأنا ليا هنا النص بالنص، تحب أقولهالك بالإنجليزي؟ طب والله ما هحرمك من اللحظة دي:
_As the sole heir to the “Rawi” family, I would like to tell you that I own half for half in everything here, money, companies, the house, everything half for half, even your age, which I will share with you, so that I can play with you as my mind desires.
_”بصفتي الوريث الوحيد لعائلة “الراوي” أود اخبارك أنني أملك النصف بالنصف في كل شيءٍ هنا، فلوس، شركات، البيت، كافة شيءٍ النصف بالنصف، حتى عمرك، سأقاسمك فيه، حتى ألعب معك بما يشاء عقلي”
ألقى حديثه باللغة الإنجليزية بطلاقةٍ كعادته ثم التفت إلى “مادلين” يهتف بسخريةٍ:
_ابقي انزلي بالترجمة ليهم علشان شكلهم مش قد في الإنجليزي، مش عارف أنا العالم الجهلة دي عايشة إزاي كدا ؟؟ ربنا يعافينا من الجهل والجهلة دول.
تحرك من البيت بعد حديثه فأمسك “عاصم” كوب العصير الموضوع أمامه يُلقيه بغضبٍ على الأرض مثل الطفل الصغير يعبر عن غضبه بصورةٍ عصبية فيما نظر “سامي” في أثره وهتف بغيظٍ لكن صوته خرج خافتًا:
_ماشي يابن “غالية” صبرك عليا لحد ما أجيب اخرك.
خرج “يوسف” من البيت وهو يضحك بتشفٍ بهما خصيصًا وهو يرى نظرات القلق والاستنكار على ملامح وجهيهما، هو لم يقضي ليله هنا بل أتى في الصباح بعد استيقاظه بين ذراعي والدته التي سهرت ليلها بجواره تداعب خصلاته وتوزع قبلاتها الحنونة فوق رأسه وعلى وجنتيه وحينما تذكر أمر استيقاظه وجد نفسه يبتسم بفرحةٍ غريبة حينما تأكد أن الدفء الساكن بين ضلوعه لم يكن حُلمًا كما يظن، إنما هي بقت بجواره حقًا تضمه بين ذراعيها.
وقف أمام منزل جارته “لوزة” يضرب جرس الباب بإصبعه حتى فتحته له “رهف” ما إن رآته أمامه أغلقت الباب من جديد في وجهه بغضبٍ جعله يرفرف بأهدابه الكثيفة عدة مراتٍ ثم كرر فعله من جديد حتى فتحته لها والدتها وهي تقول بضحكاتٍ يائسة وهي تسأله:
_أنتَ عملت فيها إيه يا واد ؟؟ البت بتكلم نفسها ليل ونهار بسببك الله يخربيت معرفتك الهباب.
سألها باندفاعٍ وهو يبحث عنها بعينيه وقد تجاهل الجواب على سؤالها:
_بنتك بنت المجانين فين يا “لوزة”؟؟.
أشارت له على الداخل فدلف هو يقول بنبرةٍ عالية:
_أنتِ يا بت !! “رهف” !! أنا مش فايق للعبط دا.
خرجت له بكومةٍ متراصة فوق بعضها من الأوراق على ذراعيها ثم ألقتها على الطاولة وهي تهتف بغيظٍ منه:
_اتفضل !! دا ورق شغلك اللي هيقف من غيري وريني مين هيعمله علشانك يا مهمل يا مستهتر، هو أنا تور في ساقية يا جدع أنتَ ؟؟ سايبني زي السمكة البُلطي وسط حوتين مبيرحموش !! يا شيخ اتقي الله.
قرر تجاهل حديثها ومازحها بقوله حينما غمز لها:
_سيبك أنتِ، صحيح وسط حوتين، بس سمكة.
ضحكت والدتها فيما لطمت “رهف” على وجنتيها بيأسٍ منه جعله يضحك وهو يقول بقلة حيلة من فعلها:
_بقولك إيه ؟؟ أمك هي السبب قالتلي نزلها وسيبها تلهي نفسها يمكن ترجع زي ما كانت، أنا بقى ماصدقت بصراحة علشان كان ورايا حاجات أهم، المهم بقى هاتي الورق أمضيه علشان يغور ليهم خلينا نخلص.
زفرت بقوةٍ ونظرت لوالدتها بمعاتبةٍ ثم سحبت الملف وأعطته له وهي تقول بضيقٍ لازال مُسيطرًا عليها:
_اتفضل، أنا راجعت كل حاجة وأستاذ “ناجي” قالي إنك ليك في الأرباح دي كلها التِلت اللي هو نصيب طنط “حكمت” والدفعة الأولى تمنها قبضه “عاصم” وفاضل دفعتين بالتلتين التانيين بعد الاستلام.
حرك رأسه موافقًا باستحسانٍ ثم أدلى بتوقيعه على الأوراق ومد يده لها بها دون أن يقرأ المكتوب مما جعلها تسأله بتعجبٍ:
_طب مش هتراجع الورق حتى ؟؟.
حرك رأسه نفيًا وهتف بصدقٍ وصراحةٍ:
_مش محتاج حاجة زي دي علشان واثق في أختي وعارف إنها لا يمكن تضرني، يلا شوفي هتوصليها إزاي خليني أروح أشوف مصالحي شوية.
سألته “لوزة” باهتمامٍ من بعد حديثه:
_هو أنتَ قاعد فين بالظبط ؟؟ عامل زي العفريت مالكش مالكة ؟؟ وكنت فين كدا بالترنج دا ؟؟.
نظر لثيابه ثم نظر لها من جديد وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_متشغيليش بالك علشان لو قولتلك هتوهي مني، المهم احتمال يوم الخميس أخد بنتك منك.
سألته هذه المرة بلهفةٍ ممتزجة بالقلق:
_ليه ؟؟ هنروح فين يعني ؟.
ابتسم لها بحنانٍ عند تذكره وهو يقول:
_هعرفك على “قمر” وأخليكِ تشاركيها فرحتها، وهتصل بيكِ آكد عليكِ بس بلاش حد يعرف مش هنبهك يا “رهف”
حركت رأسها موافقةً عدة مراتٍ بحماسٍ شديد فور معرفتها أنها سترى “قمر”، حديثه عنها وحبه لها جعلها تتوق لرؤيتها ولمعرفة هذه المحظوظة التي يحبها هو كل هذا الحب، وحينها تذكرت “حمزة” حينما كان معها وكان هو الحبيب الأول والأصدق في كل شيءٍ، فقدت قلبًا كان يحمل حب الدنيا لها بين ضلوعه، لكنها وللأسف فقدته.
لمعت العبرات في عينيها وتألم قلبها حتى أنها لم تنتبه لرحيل “يوسف” من المكان ولا بوداعه المتكرر لها ولوالدتها التي فهمت حالتها فضربت بكفيها على فخذيها بيأسٍ وهي تستغفر ربها.
________________________________
<“كُتِبَ عليِّ الخوف، فهل تريدني أن آمن ؟”>
جلست في غرفتها تضم ركبتيها إلى جسدها تتذكر أمر كابوسها المروع الذي رأته في الليل وآرق ليلها كعادتها لكن هذه المرة درجة خطورته أصعب، يبدو أنها مقدمة على أمرٍ في غاية الصعوبة، يبدو الخوف وكأنه رفيقٌ لها يأبىٰ تركها، أخذت اليوم عطلة من عملها وأعلنت هذا عبر مجموعة التواصل الإلكترونية “واتساب” أن العيادة مغلقة اليوم حتى تتقابل مع “أسامة”.
تذكرت مقابلتها بالأمس مع “يوسف” وحديثه عن ضعفها وهي تختبيء في أخرٍ أكثر منها ضعفًا، لكن هذه طبيعة شخصه المسالم، يكره المشاكل ويكره المصائب، وأخبرها في السابق أنه يريد حياة هادئة فقط، في السابق أعجبها منطقه لكن في الحال ؟؟ الأمر يختلف هو حتى لم يهتم بكونها تُعاني هُنا، تنفست بحدةٍ ثم خرجت من الفراش وفتحت الكومود الموضوع بجوارها وسحبت منه الدفتر الخاص بها ثم أتت بصفحةٍ جديد فارغة تكتب بها خلف بعض جُمل متتابعة قد سبق وكتبتها بالمشاركة مع شريكٍ وقح من وجهة نظرها:
_كان ياما كان…
_زارنا الزمان سرق مننا فرحتنا.
_ناقصنا حد يواسينا أو يمكن خلاص نسينا
_بس أنا كدبت لما قولت هنسى أنا لسه زي الغريق مش لاقى مرسىٰ.
_حلمت أكون حُـر زي الطير.
_معرفش إزاي بقيت متكتف زي الأسير.
لاحظت هي أثناء الكتابة أن كل شطرٍ يُكمل الأخر ليزداد التعبير قوة، فكرت أن هذه هي طبيعة الحياة في العموم، كل شيءٍ خلق ينقصه شيءٌ أخر ولولا هذا الشيء الناقص ماعرفنا طبيعة الأشياء، فالأبيض دومًا ينقصه الأسود لكي نعلم الفرق بينهما و الحزن يحتاج لمذاق الفرح لكي نمقته، والحُرية لابد أن تُختبر بالقليل من السجن لكي ندرك قيمتها، والقوة تحتاج إلى ضعفٍ لكي يظهر تأثيرها، وهي هنا ضعيفة فأين القوة لها لكي تتخلص من ضعفها؟؟ أجزمت هي أن هذه المرة لكي تتخلص من قوتها المزيفة، فإذا تعرضت لما تتعرض له كل مرةٍ ستخضع لـ “سعد” وازداد التفكير بهذا الشيء حينما مرت بفكرها جملة لإحدى سيدات المنطقة وهي تتهامز وتمصمص شفتيها بتهكمٍ:
“ياختي المثل قالك خدي اللي يحبك ومتاخديش اللي تحبيه، هو فيه واحدة طايلة واحد يحبها الومين دول ؟؟ حِكَم.”
تنهدت بعمقٍ وظهرت الدموع في مُقلتيها وهي تقول بأشفاقٍ على حالها:
_شكلها هتبقى كدا فعلًا يا “عـهـد”.
فُتِحَ باب الغرفة وركضت لها “وعـد” وهي تقول بحماسٍ شديد وفرحةٍ كُبرى:
_”عـهـد”، “آيات” أخت عمو “أيوب” برة.
اعتدلت “عـهد” في جلستها فورًا وقفزت من محلها ثم خرجت للفتاة وهي تقول بترحيبٍ حار بمذاق المودة:
_يا خبر أبيض على النور؟؟ دا البيت نور بيكِ.
ابتسمت لها “آيات” وهي تقول بحبٍ بالغٍ لها:
_البيت دايمًا منور بأهله، دا كفاية طنط ووجودها.
اقتربت منها “مَـي” تضع كوب العصير وهي تهتف بحبٍ لها:
_والله أنتِ اللي زي العسل، اللهم بارك العين بترتاح لما تشوفك بس، ربنا يحفظك يابنتي ويكرم قلبك الطيب ويفرحنا بيكِ، “نجلاء” قالتلي على كل حاجة خلاص.
ابتسمت بخجلٍ حينما تذكرت ثم هتفت بنبرةٍ خافتة:
_ربنا ييسر على عباده كل أمر صعب ويهون على القلوب.
رفعت “عهد” رأسها للأعلى تتمنى أن يتقبل الله دعائها وأن يلطف بقلبها وفي طلباتها المسالمة، هي لم ترد شيئًا، فقط تريد الأمان، هذه الكلمة التي لم يعرفها قاموسها أو حتى يحتوي معجمها على حروفها، انتبهت “آيات” لشرودها وقالت بنبرةٍ مرحة تشاكسها:
_إيه يا عروسة هنسرح من دلوقتي ؟؟ لسه بدري.
ابتسمت “عـهـد” بسخريةٍ ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
_لا سرحانة ولا حاجة، تعالي يلا ندخل جوة عاوزة تعيشي دور صاحبة العروسة وتختاري الهدوم صح؟؟ يلا تعالي.
دلفت “آيات” برفقتها وهي تضحك معها فيما نظرت “مَـي” في أثرها وهي تقول بتمني يمتليء به قلب الأم لصغيرتها:
_ربنا يسعدك يابنتي ويعوضك ويبعد عنك ولاد الحرام.
في الأسفل أمام البيت علم “سعد” بطرقه الخاصة الملتوية من صبية الحارة الصغار بأمر خِطبة “عَهـد” وبالطبع الأمر يشكل له مصيبة بكل المقاييس، هي لم تنسَ أمر أبناء العطار أو حتى جارها المزعوم لكي يستقر الأمر على “أسامة” أخيرًا يظفر بها من بينهم !! حسنًا عليه أن ينول الشهادة اليوم ويلقى حتفه قبل أن يتقدم حتى لها.
كان يجلس مع “شكري” رفيقه الذي لاحظ حالته وهو يسب ويشتم بألفاظٍ خارجة وسبابٍ لاذعٍ؛ لذا سأله بنبرةٍ عالية يستنكر حالته الغريبة:
_الله !! مالك يا جدع فيك إيه؟؟ السيجارة مش شغالة معاك ليه؟؟ دي مفرحاني ومحسساني أني حلو، مش عارف إزاي دا بس هي نفوس بقى.
ألقى “سعد” سيجارته أرضًا وهتف بغضبٍ تفاقم عن سابقه بسبب برود صديقه:
_أنا مش ناقص هبل أهلك على المِسا، بقولك الزفت مدرس الهباب جاي يتقدم الليلة دي، وبنت العطار طلعت عندها يعني الموضوع جد، وأنتِ بتقولي حاسسني حلو ؟؟.
فهم “شكري” سبب ضجره فوجده يجلس بجواره ملتصقًا به بعدما سحب المقعد نحوه أكثر من السابق:
_بقولك إيه ؟؟ أنا عاوز المطوة بتاعتك علشان بتاعتي في بيت أبويا، هخلص بيها مصلحة الليلة دي وأرجعهالك تاني.
أرجع “شكري” رأسه للخلف بنظراتٍ يُغلفها الاستنكار وقد لاحظ الشر المتقد في عينيه لهذا السبب سأله بقلقٍ:
_هتعمل بيها إيه؟؟ ولا أعقل الكلام.
تحدث “سعد” يجاوبه ببساطةٍ نبعت عن صراحته:
_هقتل “أسامة” ماهو ميفكرش أنه هياخدها مني بالساهل كدا دا في بُعده وبُعد اللي خلفوه كلهم، هجيب حقي الليلة دي علشان هي تعرف إنها ملهاش غيري.
طريقته وإصرار حديثه يدل أنه فعلًا سينتقم، حبه المرضي لها يجعله في حالة جنونٍ باسمها وحروفه حتى، وصل لحد الهوس في حبها بصورةٍ غير طبيعية تجعله يرى القتل سهلًا وكأنه نَفسٌ تحسبه رئتاه، حاول “شكري” اثنائه عن هذا الفعل بقوله مُقترحًا:
_طب بقولك إيه يا أخويا، أنا لو عليا اديك رقبتي مش مطوتي بس، بس عدم المؤاخذة يعني لو عملت كدا هتروح في أبو حديد، حارة “العطار” كلها هتعرف إنك السبب في كدا، ومش هتستفاد حاجة، إنما لما تروح للكبير بقى وتختاره كبيرك ييجي يخلص معاك يبقى كدا أنتَ راجل فهمان، بتجيب من أبو ناهية خلاص، إيه قولك؟؟
انتبه له “سعد” بعينين ثاقبتين وهو يُمعن النظر في وجهه فابتسم “شكري” بخبثٍ وشرع في التحدث عن فكرته التي لاقت إعجاب الأخر واستحسانه فهذه الأفكار الخبيثة دومًا يحتاج لمن ينعشها له لكي يبدأ هو في تتفيذها.
______________________________
<“كسر الروح يقتل … ونزيف القلب يذبح”>
علمت “تريز” ماحدث لابنها عن طريق ابن شقيقتها الذي أخبرها بكل شيءٍ حدث مع رفيقه وخاصةً حينما طرده من العمل بِحجة الانشغال لكي يهرب من ألم روحه والإهانة الموجهة إليه، شعر بالضيق يُخيم عليه لذا هرب إلى بيته، دلف الشقة كما المهزوم من الحرب بكتفي متهدلين، وقد رأته والدته فقفزت من محلها تطالعه بعينين دامعتين تشعر بالحزن عليه والانكسار من رؤيته مهزومًا.
دلف مُجبرًا على هذا واقترب منها يقف مقابلًا لها فوجدها تعانقه وهي تقول بنبرةٍ باكية:
_منه لله البعيد ينطفي نور عينه زي ما هو طافيك كدا يا حبيب أمك، سيبك منهم، هي يعني مفيش غيرها ؟؟ هتكسرك كدا هي وأبوها من قبل أي حاجة؟؟ تغور من ريحة “جابر” هجوزك اللي تهنيك بجد.
ابتعد عن والدته يجبر شفتيه على الابتسام وهتف بنبرةٍ مُحشرجة يواري خلفها وجعه في حلمٍ طال الحصول عليه:
_ياستي أهدي على نفسك بقى، دا كله كلام فارغ، بعدين يعني هي ذنبها إيه؟؟ دي الله يعينها أنه أبوها.
ردت عليه والدته بإصرارٍ بنبرتها الباكية لأجل وجعه:
_بس السبب في وجعك، أنا ماليش غيرك من بعد أبوك، نفسي أشوفك فرحان ومتهني، بس نعمل إيه بقى؟؟ نشكر ربنا على كل حال، أنتَ طيب وحقاني وأكيد هتشوف أيام حلوة.
ابتسم لها بحبٍ ثم اقترب يقبل رأسها وقال بنبرةٍ رخيمة يهرب من وجعه على هيئة والدته المتسبب هو بها:
_سخنيلنا بس الأكل علشان أنا واقع ومتزعليش نفسك أنا تمام أوي الحمد لله، يلا بس لحد ما أخد دُش وأغير هدومي، يلا وزودي مخلل يمكن يفتح نفسي.
ركضت “تريز” من أمامه فيما تنهد هو بعمقٍ ثم رفع كفيه يمسح وجهه وعينيه ثم دلف إلى غرفته يسحب ملابسه ثم تحمم وبدل ثيابه بأخرى بيتية وجلس على الأريكة المُلحقة بنهاية الفراش المخملي، وقد وقع بصره على مكتبه الذي يزينه الأوراق والعديد من الأدوات الخاصة بالخطاطة والكتابة، موهبته المميزة التي يعشقها هو حد الهوس، تمتاز أنامله في الكتابة بكافة أنواع الخطوط مهما كانت تصميماتها، والاسم الذي يَقوم هو في التجربة به يكون اسمها “مِهْرّاَئِّيِّـل” لقد برع في تعلم كافة أنواع الخطوط والسبب في إلهامه هو اسمها صاحب الحروف المميزة.
وجد نفسه يقترب من المكتب ويمسك الورقة البُنية التي خَطَّ عليها حروف اسمها بحجمٍ كبيرٍ وابتسم وهو يتذكر ضحكتها وبسمتها ونبرة صوتها، وعيناها، أشجار الزيتون كما يلقبها، الدفء المتسلل من نظراتها له يجعل الاطمئنان يدب في خلايا قلبه، ويتوغل إلى ثقوب روحه لكي يرممها.
سحب ورقة أخرى فارغة ومعها القلم الفحمي الذي يحب هو الكتابة به ثم جلس يكتب باللغة العربية الفُصحىٰ كما يقرأ في رسائل العُشاق:
_ربما لا يكون اليوم ولا العام…
ولا حتى هذا الزمان يحق لنا أن نتلاقىٰ سويًا كما عاشقين أحبَ كلاهما الأخر…
وربما هذه الدنيا حكمت بقطع سُبل الوصال والفراق بين دربين مجهولة نهايتهما إلى أن يتلاقيان ببعضهما، وربما لا يكون مقدرًا للقلب الذي أحبه أن يصبح لي ولا مقدرًا للقلب الذي أعلم أنه يحبني أن يُصبح لي…
لكني على يقين أن هناك زمانٌ يليق بنا ويقدر حُبنا..
هناك دنيا أخرى نستحقها ونحنا معًا، وإلى أن يحدث هذا لن أفقد الأمل ولن أبدله بالألم، لطالما كنت أتمنى أن أصبح المحارب في غابات عينيك الخضراء، لكن القدر أشاء أن أصبح المحارب لأجل عينيك الخضراء…فإلى اللقاء يا صاحبة الأشجار المثمرة…وصاحبة الحروف المميزة “مهرائيل”…
التي حتى الآن لم ولن تكفيها كل المراسيل..
طوى الورقة ليضعها في دفتره كما يفعل دومًا وسط العديد والعديد من مراسيلٍ لم تصل إليها، ثم تنهد بعمقٍ وخرج من الغرفة ليجد والدته تضع أطباق الطعام فعاونها كعادته حتى أنها عانقته من جديد وهي تعلم ما يشعر به جيدًا لكنه بطبعه لا يحب الإفصاح نادر التحدث عما يُجيش به صدره المختنق وكأن ليس به مكانًا حتى لنفسٍ عابرٍ.
________________________________
<“أنا المُذنب وأنتِ صاحبة القلب الكبير”>
في وسط النهار عاد من عمله لكي يتابع مع الطبيب إشرافه على الخيول لكن قبل كل هذا تأكد أن أخيه على مايرام، وأن نوبة الخوف تلاشت من جسده تمامًا حينما بدأ العمل مع “مُـحي” وبعدما تمم على إشرافه تمامًا وقف مع الرجال خارج البيت يتابع معهم الأحوال بأكملها وتأمين البيت من كل جانبٍ به حتى أنه كثف عدد الحماية نظرًا للأخطار التي تحاوطه.
كانت “سمارة” في المطبخ تعاون “تحية” في عمل الطعام للحشد الذي يقف بالخارج ومعهن نساءٍ أخريات تعاون في شئون البيت، كانت تقف بملامح شاردة وحزينة وقد فرغ المكان عليها فتنهدت بعمقٍ حينما تذكرت الصورة من جديد، لم تذهب عن عقلها وبات خيالها يلاحقها بالكثير من الوساوس التي تحاول هي الهرب منها.
شردت وهي تقوم بغسل ثمرات الخضار لعمل السلطة في المطبخ الواسع الذي يصل حجمه إلى غرفتين تقريبًا، تم تصميمه على النظام التركي بألوانه الهادئة ومكوناته الحديثة، شعرت بكفي أحدهم يلتفا حول خصرها يضمها إليه وهتف بنبرةٍ رخيمة في أذنه:
_وحشتني يا “عمهم”، أنا موحشتكيش؟؟.
حاولت استجماع شجاعتها لتسيطر على مشاعرها قبل أن تنجرف وراء رغبتها في الالتفات له خاصةً وهو يتكيء بطرف ذقنه على كتفها متنعمًا بقربها على الرغم من أن هذه حركته المفضلة لديها، تجاهلت الرد عليه وتجاهلت وجوده واستأنفت ما تفعله، فوجدته يقترب أكثر يسألها بنبرةٍ أقرب للهمس:
_طب بذمتك عارفة تنامي بعيد عني؟؟ دا أنا النوم قاطعني كأنك خدتيه معاكِ، يبقى حرام على أهلك لو بتنامي زي الجاموسة وبتسيبيني أنا أعاني.
كادت أن تبتسم على طريقته وتذمره لكنها لن تستلم لها ومع ثبات حركته ملتصقًا بها سحبت نفسًا عميقًا وهي تسأله بحدةٍ بالغة:
_أنتَ عاوز إيه يا “إيهاب” في ليلتك دي؟؟.
لاحظ هو جمود نبرتها على عكس ما توقع هو أن قربه منها سيجعلها تلين له، لكنها صدمته بالجمود المصدر منها له، لكنه لم ييأس، سيضغط على نفسه في مراضتها وهتف بنبرةٍ رخيمة يعبر لها عن مشاعره بصراحةٍ بعدما أصبح مواجهًا لها ولازال جسدها مقبوضًا عليه من كفيه:
_عاوزك أنتِ، عاوزك ترجعي شقتنا اللي ملحقناش نفرح بيها دي، “سمارة” أنا ماصدقت أرجع أنام تاني وأنتِ في حضني، بلاش يا شيخة تبوخي بقى وأنا والله العظيم ما هزعلك تاني، بس أنا بتطمن لما بتكوني معايا، من غيرك بحس إني أب بنته تايهة وواجب عليه يدور عليها لحد ما تكون جنبه، ارجعي بقى أنا يتيم الأم والله.
لم تنكر فرحتها بقوله وبتعبيره لها عن مشاعره بل ابتسمت عيناها بانتصارٍ مما تفوه هو به، لكن ملامحها حافظت على جمودها وقد سألته بنبرةٍ جامدة:
_قولي بصحيح، أنتَ حسيت بإيه لما حضنتها، ومن غير كدب وتقولي وأنتَ باصص في عيوني، كنت حاسس باللي بتحسه لما احضنك برضه؟؟ إنك متطمن ؟؟.
لمعت عيناها بدموعٍ حارقة وهي تسأله بانكسارٍ من توقعات خيالها المريض فوجدته يقول بلهفةٍ صادقة وهو ينظر لها بعينيه:
_أقسم بالله يا شيخة ما حصل، ولو بكدب يارب روحي تخرج دلوقتي من جسمي، أنا لما هي قربت مني حسيت كأن حية بتلف جسمها عليا، حسيت بالواد “إسماعيل” لما قالي إنها لسعة بتوجع، يمين بالله أنا حسيت إن جلدي بيتلسع، مش دي اللي تخليني أحس بحاجة، علشان أنا أصلًا عمري ماحسيت بأي حاجة، إلا أنتِ.
تلك المرة البسمة خرجت من شفتيها وعينيها وانبسطت ملامحها المقتضبة وصرخ قلبها مهلًا بفرحةٍ وهو يستشف صدقه في الحديث، بينما هو أبتسم تأثرًا ببسمتها التي أضاءت وجهها ثم اقترب يهمس لها بقوله:
_ها !! براءة يا عمهم ولا لسه ؟؟
تنهدت مُطولًا وقررت استغلال سلاحها الأثنوي لكي تستمع بهذا الدلال كله بعدما حُرِمت منه لكثيرٍ وكثير، فتصنعت الجمود قائلةً وكأنها تفكر في الحديث:
_مش أنتَ برضه لما كنت في السجن خرجوك بالنقض، روح قدم طلب في المحكمة وفوت علينا وقت تاني يكون ربك كرم إن شاء الله، يلا يا عمهم.
رفع حاجبيه يسألها بغموضٍ:
_بقى كدا ؟؟ دي أخرتها يعني ؟؟
حركت رأسها موافقةً بتأكيدٍ فوجدته يقربها من أكثر حتى خرجت شهقة متفاجئة من فمها بسبب فعله العنيف فوجدته يسألها بنبرةٍ رخيمة:
_طب مفيش واحدة سي “إيهاب” علشان وحشتني أوي ؟؟ حاسس إني مش متكيف من غيرها، إيه قولك؟؟.
تجاهلته وهربت بنظراتها منه وقبل أن ينطق هو وصلهما صوت “نَـعيم” الذي سألهما بنبرةٍ جامدة:
_بتعملوا إيه في المطبخ إن شاء الله ؟؟.
برقت عيناها واتسع بؤبؤاها بشكلٍ ملحوظٍ فيما رفع “إيهاب” رأسه وحينما لمح وضعهما سأله بسخريةٍ:
_طبعًا دماغك هتحدف غلط وتفتكرني ببوسها، بس هقولك أني بقالي ساعة بحاول استدرج فيها، منها لله الغبية.
نظرت له بعتابٍ وهي على وشك البكاء من خجلها، فتحدث “نَـعيم” بنبرةٍ جامدة يأمرها بالتحرك قائلًا:
_ابعدي عنه ومتنسيش كلامك، متخليهوش بصياعته يلعب عليكِ، شوفي أنتِ بتعملي إيه علشان دا فاضي لا شُغلة ولا مشغلة، براحتك بقى.
ابتعدت عنه حينما استغلت انشغاله في حديث “نَـعـيم” وهربت من جواره إلى الطاولة تجلس عليها تتصنع الانشغال في ثمرات الخضار أمامها، فقال هو بنبرةٍ جامدة:
_ماشي، ماشي يا عمهم، براحتِك.
تحرك من المكان وخرج نحو فناء البيت الواسع فوجد “مُـحي” يقف بجوار سيارته هو وما إن رأه قال بنبرةٍ مُضجرة:
_تعالى يابا أغسل عربيتك، الواد “حودة” راح مشوار بالمكنة بتاعة “ميكي ” تعالى خليني أروح أشوف أخوك طلع يغير ومنزلش تاني.
تركه “مُـحي” بجوار دلو المياه والمنشفة وقطعة الاسفنج فوزع “إيهاب” نظراته بين السيارة وبين الدلو ثم اتخذ قراره أخيرًا، ففي الأصل هو مستاء ويحتاج لتفريغ الطاقة وهي تسوق الدلال عليه في أكثر الأوقات حاجةً لها، لذا قام بفتح أبواب السيارة وتفريغها من كافة الأشياء ثم ابتسم بخبثٍ واشعل سيجارته يضعها بين شفتيه وهو يفكر فيما جال بخاطره.
في الداخل عادت “سمارة” لعمل الطعام بعدما دلفت لها النساء تباعًا لكنها توقفت عن العمل حينما لاحظت ارتفاع الصوت بالخارج وازدياد الضجيح والأصوات الصاخبة، فتحدثت “تحية” باستنكارٍ لهذه الأصوات:
_بسم الله يكونش فيه فرح برة ؟؟ إيه دا ؟؟.
خرجت “سمارة” من المطبخ بخطواتٍ أقرب للركض فوجدت “إيهاب” يجلس على عاقبيه وهو يغسل سيارته بنفسه وسيجارته بين شفتيه والموسيقى العالية تخرج من سماعات السيارة وهو لا يبالي بما حوله أو يتصنع هذا، بدأت النساء تخرج خلف بعضها وكذلك “إسماعيل” و “مُـحي” وقفا سويًا يشاهدان ما يفعله هو لترتفع كلمات الأغنية الشعبية التي وقع عليها اختياره:
_أنا عيني منك…وروحي فيك روحي فيك وبحبك….وهموت عليك…. هموت عليك…متسبنيش محتاجلك….ليل ونهار بندهلك….متسبنيش محتاجلك…ليل ونهار بندهلك….يلا تعالى وسلم قلبك…تعالى وسلم قلبك أحسن ليا وليك….هموت عليك.
وقفت تبتسم هي بملامح ضاحكة على تلميحه وطريقته في صُلحها ولم تنكر سعادتها بما يفعله لأجل إرضائها فقط، بدا قلبها وكأنه يخونها وهو ينجرف خلفه في كل شيءٍ يفعله، لاحظت النساء حالتها وهي تبتسم بسعادةٍ وهو يثبت نظره عليها دون أن يبدي رد فعله، فعادت الكلمات الأخرى ترتفع من جديد:
_عمال أغنيلك أغنيلك من حُبي أديلك…ماتحن عليا وعلى قلبي…قلبي بيشكيلك…عمال أغنيلك…عمال أغنيلك…ياحتة مني ياللي الأمر بإيديك وإن كنت محسيتش بحبي يبقى حرام عليك…حرام عليك…وحياة عينيك.
ارتفع صوت ضحكاتها أكثر فوجدته يرفع صوته قائلًا:
_وربنا حرام على اللي خلفوكِ، عينيكِ بتلعب بيا وأنا راجل مش وش بهدلة.
تحدث “إسماعيل” بقوله المرح:
_عندي أنا دي يا “سمارة” اعتبريني كبيره وبحقلك نفسي.
تنحنحت عدة مراتٍ تُجلي حنجرتها ثم قالت بلامبالاةٍ زائفة:
_ولا فارق معايا أصلًا كدا كدا مش فاضية ورايحة أقرأ كتاب جديد الحج جابهولي يمكن استفاد منه حاجة.
تحدث “إيهاب” بجمودٍ بعدما رمىٰ المنشفة من يده على سطح السيارة وقد أعرب عن ضجره بهذه الحركة:
_نعم ياختي ؟؟ كتاب إيه دا إن شاء الله ؟؟ وبمناسبة إيه ؟؟
راقصت حاجبيها له وهي تقول بعنادٍ له تثير به استفزازه:
_أحببتُ وغدًا، ربنا يعافينا إن شاء الله.
ألقت جُملتها ثم دلفت للداخل تكتم ضحكتها وحمدت الله إنها تذكرت اسم الكتاب بعدما قرأت اسمه عبر واحدة من صفحات التواصل الإجتماعي، وكم شعرت بالامتنان حقًا له هو بعدما تعلمت القراءة والكتابة أيضًا على يده وقد كرس معظم وقته لأجلها هي، بينما هو لاحظ الضحكات التي انتشرت بخفوتٍ وأكثرهم “مُـحي” الذي ضحك بشماتةٍ جعلت “إيهاب” يُمسك المنشفة ويلقيها بوجهه وهو يقول بسخريةٍ ثم استعد للرحيل:
_عقبالك يا “مـوهـي”.
________________________________
<“الكُل سعيد عداي أنا وحزني”>
جلست “مهرائيل” في غرفتها حبيسة بعدما علمت مافعله والدها مع “بيشوي” وقد قصت عليها “فيولا” شقيقته كل شيءٍ وأخبرتها أيضًا عن حالته فقد تناول طعامه صامتًا وجلس صامتًا وارتدى ثيابه ليذهب مع عائلة “العطار” لقراءة فاتحة بـ “عهد” و “أسامة”.
رفضت هي أن تذهب لنفس المكان حتى لا تتسبب في احراجه وتذكره بجرحه الغير مُلتئم فمن المؤكد أنه لازال ينزف بوجعٍ لكنه يحب الصمود حتى أنفاسه الأخيرة، ولم يختلف حال “مارينا” عنها فهي لم تفهم لما ذهب لخطبتها هي ؟؟ ألم تكن زميلته هي من المفترض أن تصبح مكانها؟؟ خيم الصمت على المكان ولم تفهم والدتهما أي شيءٍ حتى زوجها لم يخبرها.
في شقة “عهد” وصلت العائلة الخاصة بـ “عبدالقادر” وقد أصر أن يحضر بنفسه حتى يزيد من كِبر مقامها أمام عائلة الشاب وخاصةً أن عائلة والده قامت بقطع صلة الرحم بينهم، جلس “أيوب” أمام “أسامة” الذي تحدث معرفًا نفسه وأسرته وإمكانياته للزواج بها، وقد قرر “عبدالقادر” أن يترك هذه المهمة لإبنيه ويشاهد هو بصمتٍ.
تحدث “أيوب” بنبرةٍ هادئة يقول:
_طبعًا كلامك جميل وشيء يحترم، بس حضرتك لازم تعرف إن الآنسة “عهد” أخت لينا وأكيد اللي يمسها بسوء أو حتى يفكر يزعلها هيلاقي في ضهرها ناس تحميها، غير كدا كل الناس بتشهد بأخلاقها وأدابها والأصول اللي اتربت عليها، أي شكليات أو ماديات متهمناش، بس يهمنا إن حضرتك تراعي ربنا في بنت الناس وتقتدي بسيدنا “محمد” عليه أفضل الصلاة والسلام في معاملتك ليها.
تحدث “أسامة” بنبرةٍ حماسية شديدة:
_طبعًا دا شيء يشرفني زي ما حضرتك عارف أنا وحيد أمي ولد على ٣ بنات، واحدة أكبر مني واتنين أصغر مني وبفضل ربنا سبحانه وتعالى جوزت أخواتي وحاليًا عاوز اتجوز أنا كمان.
ضحك بعد جملته فنظر له “أيهم” بتقززٍ ثم مال على أذن أبيه يقول بنبرةٍ هامسة:
_كلمة سخيفة كمان وهقوم أطرده.
لكز ابنه في مرفقه فسكت ونظر لهما من جديد ليجد”أيوب” يهتف بنبرةٍ جامدة وكأنه يعلمه درسًا وليس مجرد حديثٍ عابر:
_بص يا أستاذ “أسامة” اللي أهم من الجواز هو العلاقة اللي بين القلوب نفسها، يعني إنك تراعي ربنا فيها وتخاف على زعلها وتفتكر إن سيدنا “محمد” عليه أفضل الصلاة والسلام وصانا على النساء، فيستَحُب منادتها بـ
“وصية الرسول”، إحنا مش عاوزين أكتر من كدا.
حرك رأسه موافقًا فلوت والدته فمها بتهكمٍ وهي تقول بودٍ مصطنعٍ:
_وإحنا عنينا ليها، بس هي برضه تشيله في عينها دا أنا ماليش غيره وحيدي وهو عمره ماهيزعلها، أهم حاجة إنها تكون صاينة ابني ومراعية ربنا فيه، هعوز أكتر من كدا يعني.
لاحظ “أيوب” أنها تعامله بمبدأ المساواة والرأس بالرأس بين الفتاة وابنها فأضاف هو بهدوءٍ حاول الإتصاف به:
_وأنا مقولتش إنها هتقصر بس بما يرضي الله، وأظن هو دوره أكبر في إدارة شئون الحياة الزوجية، وأهم حاجة يراعي ربنا في بنت الناس ويحافظ عليها، ماظنش إن فيه واحدة هتلاقي راجل بيراعي ربنا فيها وتزعله، بس هو يكون حكيم وعاقل أكتر من أنه يكون راجل حمقي وطبع السيطرة في دمه.
تحدث “أسامة” يرد عليه بخضوعٍ له:
_طبعًا أنا مع كل كلامك وموافق عليه كمان، ننادي الآنسة بقى ونقرأ الفاتحة ؟؟ ولا إيه لسه فيه كلام تاني؟؟.
نظروا لبعضهم ثم لـ”عبدالقادر” الذي حرك رأسه موافقًا بحركةٍ خافتة وقد رأته ابنته التي وقفت على بُعدٍ من الجلسة تتابع الأمور.
عاد “يوسف” إلى شقة والدته يقضي البوم برفقة العائلة بأكملها وقد جلس وسط أخوته الثلاثة يلعب معهم الكوتشينة وسط بعضهم وكأنهم لازالوا في بداية سنين عمرهم وكانت “غالية” تجلس بجوار أخيها وزوجته وهي تبتسم بسعادةٍ بالغة حينما ربح “يوسف” للمرةِ الرابعة مما جعل “عدي” يندفع بغيظٍ وهو يقول:
_جرى إيه ياعم ؟؟ كل شوية تقش وتكسب وتقش وتكسب مقبض العيال في الكوتشينة ولا إيه ؟؟ طب مش لاعب.
حرك كتفيه وهو يقول بلامبالاةٍ:
_متلعبش شكلكم كدا مش بتوع ٣ ورقات وناس لسه بتلعب على قدها، هتكملوا ولا أنزل أجيب حاجات للسهرة اللي “أسماء” مدبساني فيها دي ؟؟
سألهم بضجرٍ وهو ينظر لها فقالت هي بنبرةٍ مرحة:
_أعيش وأدبسك يا حبيبي، يعني أنا ولا الراجل المعفن جوز عمتك ؟؟ أكيد أنا طبعًا، بالك أنتَ ياواد لو عيلة الراوي المعفنة دي وقعوا تحت أيدي أقسم بالله لأخدهم فومين لأجل عيونك، بس أنا عاملة احترام لخالك اللي نايم هنا دا.
انتبه لها “فضل” وحرك رأسه بيأسٍ منها فوقف “يوسف” يقول بنبرةٍ هادئة:
_طب أنا هنزل أسحب فلوس وأجيب ليكم حاجات حلوة وأجيب لـ “أسماء” الكاجو اللي نفسها فيه، غالبًا فكراني مصباح، ناقص تقولي هات عريس لـ “ضحى”.
هتفت بلهفةٍ حماسية:
_عرفت منين ؟؟ أنا فعلًا كنت هفاتحك في الموضوع دا، روح بس وتعالى أقرر فيك بس بمزاج، كتر اللب يا ولا.
نظر لها بتعجبٍ وهو يفكر كيف تهينه بهذه الطريقة حتى والدته بن تفعلها، لو كانت إمرأة أخرى غيرها لكانت عرفت كيف تحدثه بهذه الطريقة، لكن لأجل حبه لها منذ صغره تغاضى عن طريقتها لكنه لم يتغاضى عن “قمر” التي جلست تربت أوراق اللعبة فقال مقترحًا بنبرةٍ هادئة:
_ماتيجي معايا بدل ما أزهق لوحدي، يلا ؟؟
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ وتحركت ترتدي ثيابها وبعد مرور بعض الوقت تجهزت على عجالةٍ ثم ركضت له تمسك كفه بحماسٍ وكأنها طفلة صغيرة تخرج مع والدها مما جعله يبتسم لها ثم قبل رأسها وقال بنبرةٍ عبثية:
_عن إذنكم بقى خارج مع القمر.
تركوا لهما الفرصة لكي يكونا بمفردهما سويًا ويزداد القرب بينهما فلازالت مشاعر الأخوة تحتاج إلى الارتواء عن طريق القرب، أمسك كفها ونزل بها من البيت لكنه لاحظ أن حذائها لم تربطه هي من فرط عُجالتها فنزل بجسده يربطه لها مما جعلها تشهق بدهشةٍ وظهر الخجل عليها وهي تقول بعينين مُتسعتين:
_إيه الفضايح دي ؟؟ بتعمل إيه يا “يوسف”؟؟.
رد عليها ساخرًا وهو يكمل ما بدأه:
_بنقذك من الكعبلة يا روح قلب “يوسف” مش عيب على طولك إنك تمشي برباط مفكوك؟؟ قال وعاوزة تتجوز بلا خيبة بقى خليني ساكت.
ضحكت على طريقته وحنانه فهو غالبًا يفعل كل شيءٍ حرمت منه في غيابه، هذا الحنان الذي كانت تحتاج إليه تجده هنا معه وبجواره، اعتدل في وقفته يسير بجوارها بينما هي بدأت بسرد مغامرتها من جديد منذ طفولتها المريبة وظلت تتحدث تتحدث وهو يسمعها بقلبه قبل أذنيه، ظل الحديث مستمرًا حتى وصلا سويًا إلى حارة “العطار” فسألته هي حينما انتبهت لمكانهما:
_أنا غالبًا رغيت كتير ونسينا نفسنا، رغاية أنا صح؟؟.
ابتسم لها وحرك رأسه نحوها وهو يقول بصدقٍ:
_بس أنا متونس بصوتك.
ضحكت بفرحةٍ شديدة فوجدته يمر بها من الزقاق الموجود به بنايته وهو يقول بنبرةٍ هادئة مشيرًا إلى البناية:
_دي العمارة اللي أنا قاعد فيها هنا، بتاعة الحج “عبدالقادر” وبفكر نيجي نقعد فيها بدل البيت القديم اللي هناك وكمان حارة العطار أفضل بكتير من حارة “الطيب” بس لسه شوية على الكلام دا.
حركت رأسها موافقةً وهمت بالرد عليه لكنها لمحت “أيوب” ينزل من البناية برفقة شقيقته وخلفه عدد مهول من الناس بالنسبةِ لها فيما لاحظ “يوسف” هذا وأول من وقعت عليه عيناه كانت “عهد” التي نزلت معهم ومعها “وعد”، فهم على الفور أن الخطبة ربما تكون تمت أو على مشارف البدء.
لاحظ “أيوب” وقوف “قمر” ولاحظت “عهد” وقوف “يوسف” الذي طالعها بعتابٍ لم تفهمه وكأنه يتهمها بشيءٍ لم تقترفه هي، وقد خرج “سعد” من محله يرى هذا الوضع وقد وقع بصره عليها وهي ترتدي فستانًا باللون السماوي ناسب جمالها الرقيق، وقبل أن تخرج كلمة من فم أحدهم وصلهم صوت إمرأةٍ تصرخ بصوتٍ عالٍ وهي تقول:
_يا حسرة عليك يا أخويا، سيبتنا لمراتك وبنتك ييجوا علينا من بعدك يا غالي، روح ربنا يرحمك، كدا يا “عهد” ؟؟ تتخطبي من غير عمتك وعمك ما يعرفوا ؟؟ خلاص موتينا بالحيا يا بنت “محفوظ” ؟؟ اقول عليكِ إيه ؟؟ مش كفاية دايرة على حل شعرك ومحدش قادر يلمك ؟؟ كمان ماشية بكيفك من غير ما ترجعي لكبارك ؟؟ بس نقول إيه ؟؟ أمك مين يعني ؟؟.
كانت صدمة لكل الواقفين بكافة المقاييس، عمتها تهينها وتهين والدتها أمام من ؟؟ أمام كل من تعرفهم ويعرفوها، أمام جارها المزعوم وأمام زوجها المستقبلي وأمام أسرة “العطار” النقية وأمام “سعد” الذي ابتسم بتشفٍ وهو يبتسم بخبثٍ لمحته في نظراته وقد أصبحت “عهد” ية_غَـــوثِـهِـمْ

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!