Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم إسراء علي

الملاذ لا يكمُن فقط في مكانٍ أو وطن
أحيانًا كثيرة يكون الملاذ شخصًا… 
 حدقت به رجاء بـ صمتٍ و كأنها إشارة جديدة لها لتسُلك نهجًا أقل خطورة و أكثر فاعلية لتتخلص من كيان دون الإضرار بـ نفسها كما كانت ستفعل
رفعت حاجبها و سألته بـ تعجب و فضول
-تعرفها منين!
-حك مُؤخرة عُنقه و أجاب بـ توتر:يعني تقدري تقولي لما كانت بتشتغل فـ شركة رسلان…
ظهرت علامات عدم الفهم على وجهها فـ أوضح قائلًا
-قصدي لما كانت فـ القاهرة و كدا
-اااااه، عايزها فـ شُغل يعني!
-هتف بـ لهفة:حاجة زي كدا…
 لم تجد رجاء ما ترد به فـ صمتت ثم قالت و الشك قد بدأ يُساورها
-أنا طالعة دلوقتي، تعالى إطلع معايا…
توسعت عيناه بـ دهشةٍ و تراجع ثم قال على عجلٍ و هو يبتعد
-لأ وقت تاني، أكيد حضرتك عايزها…
شاهدته يرحل سريعًا دون تعقيب، و ظلت هي تُحدق في الفراغ الذي خلفه بـ سيارتهِ، تستطيع القول بـ أن كيان على علاقةٍ مُشينة بـ ذلك الرجل، لقد كانت مُحقة تلك الفتاة عاهرة تُجيد إغواء الرجال
قبضت رجاء على يدها ثم هدرت من بين أسنانها
-المحروس مش مصدق إنها بتلعب من ورا ضهره، و ديني لأفضحك…
ثم صعدت رجاء الدرج سريعًا و كأنها تأكل درجات السُلم حتى وصلت إلى الطابق، ثم طرقت الباب بـ قوة و هي تهدر
-إفتحي يا محروسة، إفتحي يا مرات إبني…
كانت تطرق الباب و كأنها على وشك تحطيمه حتى أتت كيان راكضة و على وجهها ملامح الفزع، ثم فتحت الباب لتشهق مصدومة قائلة
-الست رجاء!
-ردت بـ سُخرية و ملامح الإمتعاض تعلو وجهها:أيوة يا ختي، إيه مفكرة مش هاجي أطمن على إبني اللي خطفتيه!!…
رفعت كيان حاجبيها ثم تنهدت و قالت بـ نبرةٍ حاولت إخراجها هادئة قدر الإمكان
-العفو، حضرتك فـ مقام والدتي
-هدرت بـ حدة:لأ يا بت أنتِ أنا مش أُم حد غير قُتيبة…
كما هي لم تتغير و لن تتغير، ذلك الحقد الأسود الذي تحمله رجاء في قلبها تجاهها لا يُخيفها أو يُنفرها بل هي تُشفق عليها كثيرًا، لذلك تماسكت كيان قدر المُستطاع و لكن رجاء أكملت بـ همجية
-إيه هتمنعيني أدخل بيت إبني!
-زفرت و أجابت بـ صبرٍ:لأ إزاي، إتفضلب بيت إبنك…
إبتعدت كيان لتسمح لها بـ الدخول و لكن رجاء تعمدت دفعها، و قررت هي الصبر، قُتيبة لا يستحق منها أن تفعل ما لا يليق فـ تنفست تُخرج القليل من غضبها و إنتظرت رجاء لتجلس
نظرت حولها و بحثت عن قُتيبة رغم علمها أنه غير موجود فـ هذا ما كانت تطمح إليه من الأساس و لكن هدفها الأصلي هو إخراج جُزءًا من حقدها على كيان إلا أنها لم تجده فـ إستدارت إليها و سألتها بـ حدة
-أومال إبني فين! طفشتيه!!
-صرت على أسنانها و أجابت:نزل شُغله، نزل شُغله و أكل عيشه
-و هو وشك دا وش خير!…
تحفزت كيان و إعتدلت في وقفتها، الغضب صعب السيطرة عليه في تلك اللحظة لتهدر بـ عُنفٍ
-أنا لحد دلوقتي ساكتة و مش عايزة أقل أدبي عشان خاطر قُتيبة لكن لحد هنا و كفاية أوي يا ست رجاء، لو جاية عشان تهنيني فـ بيتي يبقى الله الغني عن الزيارات دي…
صكت رجاء صدرها و شهقت بـ غضب صارخة
-أنتِ بتطرديني من بيت إبني!
-دافعت قائلة:أنا مقولتش كدا، و لا حتى بتطردك، بس إهانة و مش هسمح بيها
-و تسمحي لما تخطفِ إبني و تغري جوزي يا ****….
تجمد جسد كيان و بهت وجهها ليس لصدق ما قالته رجاء و لكن لتلك الذكرى المُخيفة التي سارت كـ خيطٍ بارد في جسدها، و أكملت الأُخرى هجومها
-دخل السجن بـ سببك و مُستقبله ضاع عشان خاطر واحدة زيك، أنتِ سحراله يا بت عشان يبقى دلدول ليكِ! و لا ماسكة عليه ذلة مجرياه وراكِ بيها!…
إبتلعت كيان لُعابها الجاف و لم تجد ما ترد به، بل لم تجد القُدرة و ظلت صامتة، فـ إقتربت رجاء منها و لكزتها في صدرها قائلة بـ حدة و إشمئزاز
-و مش إبني و لا جوزي لوحده اللي بتعملي معاهم كدا، المحروس اللي أنتِ بتخوني قُتيبة معاه جه هنا و لما لاقاني طلعالك جري عشان محدش يقفشكوا…
أعادت تلك العبارة الحواس لكيان التي صرخت بـ جنون و هي تُحدق بـ رجاء بـ عدم تصديق
-أنتِ بتخرفِ بتقولي إيه! لأ لحد هنا و كفاية
-صرخت رجاء بـ حدة:نعم يا عُمر!! أنتِ مفكرة إني مش هكشفكوا! وديني لأفضحك
-كفاية فضايح، كفاية فضايح، منك لله…
تحركت كيان و فتحت باب الشقة ثم أشارت لرجاء المذهولة لتخرج قائلة بـ وجهٍ مُكفهر
-مش همنعك تزوري إبنك، بس طول ما هو مش موجود مش هستقبلك، أنا آسفة بس مش هستحمل كلام تاني
-شهقت رجاء بـ جنون:بتطرديني يا حرباية يا خطافة الرجالة! وديني ما هعديها و يا أنا يا أنتِ…
تحركت رجاء و خرجت من الشقة بـ خطواتٍ غاضبة حتى هبطت الدرج و لسانها يصُب سباب و لعنات سيسمعها الجميع، فـ أغلقت كيان الباب و جلست خلفه تبكي بـ قوة
لقد أعادت ذكريات قاسية حاولت نسيانها، ذكرى تجلدها بـ سياطٍ لاذعة
*******************
أغلق الباب خلفه و مضى إلى الداخل يُصفر بـ إستمتاع، سعيد جدًا بِمَا حدث، الآن هو لا يعلم ما الصفة التي تجمعهما و لكنه حتمًا سيتقدم لخطبتها و ربُما يتحدث مع والدته الآن 
-بالك رايق يعني! ربنا يروق بالك أكتر و أكتر… 
و ها هي والدته جالسة في الظلام، ليتوقف وقاص قليلًا في مُفاجئة ثم إبتسم و إقترب قائلًا بـ حرارة 
-أمين يارب، ربنا يسمع منك يا ست الكُل، بالله عليكِ كثفي الدُعا الفترة دي… 
نظرت إليه والدته بـ تعجب، ليفترب وقاص مُضيئًا الأضواء ثم جلس جوارها واضعًا رأسه على كتفها فـ ربتت على وجنتهِ و سألته بـ حنو و سعادة
-طب قولي فرحان كدا ليه يا ولا!… 
أمسك وقاص يد والدته و قَبّلها ثم قال و هو يتنهد تنهيدة طويلة، سعيدة 
-وافقت يا ست الكُل
-قطبت جبينها و تساءلت:مين دي؟ و مش فاهمة قصدك إيه! 
-ضحك وقاص ثم هتف مازحًا:يعني خلاص هكمل نُص ديني و هتشوفي أحفادك بيتنططوا قدامك… 
ساد الصمت لفترةٍ طويلةٍ و لم يجد وقاص رد، فـ رفع رأسه و سألها 
-أنتِ نمتِ ولا إيه!!… 
نظر إليها ليجدها تنظر بـ دهشة إليه و عيناها تدمعان دون أن تسقط قطراتها و قالت بـ نبرةٍ مُتهدجة
-بلاش هزار سخيف، كُنت هصدق… 
نهض وقاص و جثى على رُكبتيهِ أمامها ثم أمسك كِلتا يديها و قَبّلهما بـ التناوب و قال بـ إبتسامة زادته وسامة
-لأ صدقي يا حبيبتي، خلاص لاقيت اللي قلبي دقلها
-نشجت قائلة:بجد يا وقاص هتطمني عليك! 
-مازحها قائلًا:أنتِ فعلًا هتحتاجي تتطمني عليا كُل يوم لما أتجوزها… 
سحبت يدها ثم ضربت ذراعه قائلة بـ نزق مازح 
-بلاش تُقل دم… 
ضحك وقاص بـ قوة و كانت لأول مرة تراه يضحك هكذا بعد فترةٍ طويلةٍ مُنذ وفاةِ والده، و تلك الفتاة إستطاعت سرقة قلبه و إعادته جمال ضحكته، لابد أنه يُحبها كثيرًا حتى يصل إلى تلك الدرجة من الضحك
إبتسمت و جذبته يجلس جوارها ثم سألته بـ فضول أمومي و حماس لم يخفَ عليه 
-قولي بقى مواصفاتها إيه! إحكيلي عنها يا واد… 
تعمقت إبتسامة على شفتيهِ و جلس مُضجعًا و وضع قدميه فوق الطاولة ثم نظر إلى السقف و قال بـ شرودٍ و كأنه يراها أمامه 
-جميلة و شقية، لسانها مبرد بس مبتتخطاش حدودها، كمان مبتسمحش لحد يتخطى حدوده معاها، عارفة هي عايزة إيه، طيبة و باباها كان شغال فـ الشركة… 
تحمست والدته أكثر، لأول مرة تراه يتحدث بـ هذا الشغف عن فتاةٍ ما، فـ سألته و فضولها يأكلها أكثر
-اسمها إيه! 
-أجاب:كِنانة 
-تلألأت عينيها و قالت:الله اسم جميل عايشة فين!… 
تردد وقاص قليلًا و لكنه حمحم و إعتدل جالسًا ثم قال بـ صوتٍ شبه مُنخفض خوفًا من ردةِ فعلِ والدته
-من منطقة شعبية
-تفاجئ حينما قالت:مش مهم أهم حاجة إنها متربية… 
زفر وقاص بـ راحةٍ ثم ضحك و قال صادقًا
-جدًا، و بتعمل خير كتير، حتى أنا إستفدت من وراها
-تساءلت بـ تعجب:إزاي يعني!… 
حك خُصلاتهِ لا يجب أن تعلم والدتها بـ أنها سارقة، و لكن حسنًا لقد أعادت قدرًا من المال، و ذلك يعني أنها فتاة جيدة أليس كذلك! و أليس القلب حينما يهوى يرى شوك الورود ربتة تُخرج أوجاعه! 
نظر إلى والدتهِ التي تنتظر رده فـ أجاب بـ حرصٍ
-يعني بتساعد أي حد محتاج، و كمان أنا كانت بتساعد الناس بـ اسمي فـ باخد ثواب
-هتفت والدته مبهورة:بسم الله ما شاء الله، ربنا يحفظها… 
ربت وقاص على ساق والدته ليس تأمينًا لحديثها و لكنه يواسيها بـ الخفاء، ما خفى كان أعظم، و ليتها تعلم كيف تعرف على ذلك الخير، كما أخبرته سابقًا إنها سارقة نبيلة
إنها حقًا سارقة، لم تسرق المال فقط بل سرقت قلبه أمام عينيهِ و لم يجرؤ على الإعتراض
قاطعته والدته حينما سألته 
-و ناوي على إمتى! 
-سألها بـ تعجب:ناوي على إيه! 
-عاتبته:جرى إيه يا وقاص! مش هتتقدم و لا ناوي تسيبها! 
-يا ست الحبايب دا أنا بقولك هكمل نص ديني 
-أومال إيه!… 
تنهد وقاص ثم شرح لها موضحًا بـ إبتسامةٍ خرقاء
-كُل دا قرار فردي يعني لسه هي متعرفش أي حاجة، فـ هفاتحها و أكلم والدها و نيجي نتقابل بعدها و نعمل خطوبة على طول
-ضمت فمها في ضيق و قالت:يعني لسه هستنى كتير
-قَبل جبينها و قال:مش كتير ولا حاجة، أنتِ إستنيتِ كتير و مجتش على كام يوم، بس يارب توافق… 
شهقت والدته و قالت بـ نبرةٍ شبه عالية و هي ترفع حاجبها
-و هي هتلاقي أحسن منك فين! 
-تأوه وقاص و قال ضاحكًا:بلاش شُغل الحموات دا من قبلها كدا، صدقيني يا ماما كِنانة بنت كويسة بس كان فيه شوية عقبات مش عارف هي عرفت تتخطاها زيي ولا لأ… 
أومأت بـ تفهم ثم ربتت على صدرهِ و قالت بـ حنو و إبتسامة جميلة 
-لو بتحبك و ريداك يا بني هتعمل كُل اللي تقدر عليه عشان تمسك إيدك، و طالما قلبكوا صادقة فـ حُبها ربنا هيكرمكوا…
رفع يدها و قَبل ظاهرها فـ ربتت عليه من جديد و أكملت بـ تحذير رغم حنو نبرتها 
-أهم حاجة إتقِ ربنا فيها و خليك راجل، بنات الناس مش لعبة و ربنا يُمهل و لا يُهمل
-رد وقاص بـ صدقٍ:ولو أنا مش عايز ربنا يبارك هروح أتقدم! أنا إتقيت ربنا عشانك و عشان أخويا و حياتي و قبلهم خوفي من ربنا، هاجي دلوقتي و أعك الدنيا! 
-عارفة يا بني والله بس بفكرك… 
مال وقاص على كتفها و أغمض عيناه و إبتسم، تُرى أي تعبير سيكتسح ملامحها حينما يُخبرها بـ حديثهِ مع والدته اليوم!! 
********************
صعد الدرج بعد يومٍ طويل و شاق من العمل، رغم أنهما لم يُنهيا التحضيرات الأولية و لكن كُل هذا مُرهق، التخطيط و العمل و البناء و رسم الخطط و طريقة العمل المُستقبلية خاصةً و قد أنهك عقله ليتذكر ما قام بـ دراستهِ
إلا أنه سعيد أصبح يشعر و كأنه بدأ في تحقيقِ حلمٍ ظن أنه فنى مُنذ زمنٍ، ظن أنه لن يكون سوى ذلك العامل في مصنع لقطع الغيار فقط، له سابقة تمنعه من التقدم لعملٍ مرموق 
و هو يئس و ترك و لكنه لم يندم لحظة واحدة، لم يشعر و كأن حُلمه هي من حطمته بل تحطم سابقًا على يدِ من يُقال له والده
جلس  قُتيبة على الدرج يستريح لقد كان قلقًا طوال اليوم رغم إنشغاله و لكن حديثه مع كيان عن ماضيهِ يُخيفه حقًا، يخاف أن تتركه بعدما تذوق معها النعيم، يخاف أن تخشاه و تخشى نفسه السوداء و جانبه السيء
يخشى أن يظهر في وقتٍ ما و تُلقبه من جديد بـ “القاتل” و خشيته تحولت إلى هاجس من القلق و الخوف من فتح باب المنزل و يجده فارغًا، يجدها هربت و تركته من جديد و هذه المرة ستكون نهايته
نظر إلى باب ملاذه و لكنه تحول فجأة إلى هوة فارغة و هو يدور بـ عقلهِ أنها ليست بـ داخلهِ، قبض على يدهِ و تخاذل من جديد و فَضّلَ الجلوس، حتى سمع صوت الباب يُفتح و كيان تطل منه قائلة بـ خوفٍ
-قُتيبة قاعد كدا ليه! أنا فكرت حصلك حاجة… 
لمعت عيناه و لاحظت كيان إشراقه الغريب و لكن صوته كان مُنهكًا حينما قال 
-ليه! خُفتِ ليه! 
-أجابت بـ حيرة و هي تتكئ إلى سور الدرج:كُنت مستنياك فـ البلكونة و شوفتك جاي، إستنيتك تطلع إتأخرت، فـ خُفت يكون حصلك حاجة… 
لم تكد تُنهي ما تقول حتى في لمحِ البصر وجدته أمامها يُعانقها بـ قوةٍ ساحقة حتى كاد أن يُحطم عظامها، و رفعها عن الأرض ثم دفن وجهه في تجويف عُنقها و قال تحت صدمتها التي أكلت لسانها
-شُكرًا يا كيان… 
الحيرة تكتنفها و لكنها وجدت نفسها تُحيطه بـ ذراعيها خاصةً و هي تستشعر ضربات قلبه القوية ثم قالت بـ نبرةٍ مُتعجبة
-بتشكرني على إيه! 
-زاد من عناقهِ و قال بـ صوتٍ أجش:لأنك مهربتيش… 
زاد قلقها و ربتت عليه بـ شدةٍ ثم قالت تُهدءه بـ صوتٍ جميل 
-هو فيه حد بيهرب من ملجأه يا قُتيبة!… 
أحست بـ تصلب جسده و تشنجه كذلك ضربات قلبه التي إزدادت، فـ إبتسمت و قالت مُبعدة إياه و لكنها لم تتخلَ عن وجهه فـ حاوطته بـ يديها
-قُتيبة أنا هنا و هفضل هنا، أنا كدبت عليك إني مش بحبك و ههرب منك، بس لاقيت نفسي مينفعش أهرب
-سألها بـ صوتٍ ثقيل:يعني بتحبيني! 
-إبتسمت من زاوية فمها و قالت بـ قلة حيلة:و هو أنت سبتلي إختيار تاني… 
أمسك يدها التي على وجنتهِ و أودع باطنها قُبلة ثم نظر إلى عينيها بـ عينيهِ الهائجتين بـ مشاعر مُخيفة و قال بـ عُنفٍ رغم نبرته المُتعبة
-مكنش فيه إختيار تاني من الأساس
-أومأت و قالت:مكنش ينفع يبقى فيه إختيار تاني… 
جذبها في عناقٍ آخر رفعها عن الأرض و هي تقبلت ذلك بـ صدرٍ رحب، ثم قالت بـ نبرةٍ مازحة 
-طب يلا الأكل جاهز، تاكل و تنام… 
أبعدته كيان بـ رفق ثم أمسكت كفه و تفاجئت لقوة يده و لكنها لم تتحدث، بل سحبته إلى الداخل، حينها إستطاع قُتيبة أن يتنفس و كأنه على وشك الغرق و هي من جذبته إلى سطح المياه
جلس أمام الطاولة بعدما تحمم و أبدل ثيابه ثم إنتظر كيان لتضع الطعام و جلست حواره، نظر قُتيبة إلى الطعام ثم سألها بـ قنوط
-إيه دا! مش دا اللي طلبته، أنا طالب ديك رومي… 
رفعت كيان حاجبها لتغيره السريع و لكنها أجابت بـ صلف 
-إطلب زي ما أنت عايز، بس أنا أعمل اللي أقدر عليه
-بس أنا الراجل! 
-كشرت عن أنيابها و هسهست:يعني إيه إن شاء الله!
-رد بـ عناد:يعني أنا رئيس جمهورية البيت دا… 
رفعت كيان حاجبيها أكثر و إستعدت لتُمطره بـ وابل من الحديث و لكنه أكمل بـ شقاوة و عبث
-و أنتِ رئيسة جمهورية قلبي، يعني آكل اللي تعمليه من غير ما أفتح بوقي… 
رُغمًا عنها وجدت الإبتسامة تشق وجهها و شرعت في الأكل كما فعل هو ثم بعد لحظاتٍ قالت 
-على فكرة منستش، بس ملاقتش و لو كُنت لفيت أكتر مكنتش هلحق أعمل الغدا… 
نظر قُتيبة إليها مُبتسمًا و ضحك ثم قال و هو يقترب بـ مقعدهِ منها 
-بحبك يا كيان
-تفاجئت و لكنها قالت:و أنا كمان بحبك… 
بعد مُدةٍ قصيرة
كانا يجلسان فوق الأريكة يُشاهدان التلفاز، يضع قُتيبة رأسه على ساقيها و هي تُداعب خُصلاتهِ حتى قالت كيان بـ صوتٍ جامد 
-مامتك جت هنا النهاردة… 
تشنج قُتيبة و صر على أسنانهِ حتى تلوى فكه و لكنه سأل بـ صوتٍ هادئ إلا إنه إمتزج بـ بعض الخشونة 
-كانت عايزة إيه! 
-بتسأل عليك
-خرجت ضحكة هازئة و قال:ما هي كلمتني، لازمته إيه تيجي!… 
صمتت كيان و لم ترد، لينهض قُتيبة سريعًا، يعلم والدته جيدًا لن تأتي إلى هُنا في غيابهِ سوى غرضٍ واحد، و هي كيان ليُمسك يدها و يسألها هادرًا
-قالتلك حاجة يا كيان! 
-ترددت كيان و قالت:لـ لأ… 
أمسك ذراعيها و هزها ثم هدر بـ صرامة و صوتٍ جهوري 
-كيان متحوريش
-زفرت و أبعدته ثم هتفت:قُتيبة صدقني مفيش حاجة، بس قولتلها تيجي فـ الوقت اللي أنت موجود فيه
-يبقى عملت حاجة… 
كاد أن ينهض و لكن كيان منعته لتقول هي بـ صرامة هذه المرة ناظرة في عينيهِ
-مهما كانت دي مامتك و مهما تعمل حقها يا قُتيبة، أنا فـ نظرها أغريت جوزها و سرقت إبنها طبيعي أنها متكنش طيقاني، بلاش تزود الصدع بينا
-صرخ بـ جنون:بس هي عارفـ… 
قاطعته كيان و هي تضع يدها على فمه ثم قالت بـ نبرةٍ مُرتجفة رغُمًا عنها 
-بلاش تفتح ماضي، عشان خاطري أنا بحاول أقفل أي باب، بلاش تهد اللي بنيته… 
صمت أمام إرتجافها و خوفها، ليزفر بـ عُنفٍ ثم جذبها إلى صدرهِ يُعانقها و كان هذا العناق يُبدد أي خوف و غضب، كان عناق دافئ يُخبرك أنه لا بأس فـ أنا جوارك
********************
ظلت أصابعه تطرق الطاولة في إنتظار إيزيل التي تأخرت، ثم نظر إلى فتاتهِ التي تُلون في دفترها و ربت على رأسها فـ رفعت أسيل نظرها إليه و إبتسمت ليبتسم عُميّر لتسأله
-هي ماما مش هتيجي ولا إيه! 
-أجاب:لأ جايه، معقول زهقتِ من بابا! 
-نفت بـ قوة:لأ، بس ماما وحشتني أوي، و عايزة ألعب مع أسعد… 
قطب عُميّر بـ تشويش، يتذكر هذا الاسم و لكنه لا يتذكر هوية صاحبه، فـ سألها 
-أسعد مين! 
-أجابت أسيل و هي تُلون:أخو أنكل وقاص… 
مط شفتيه بـ إمتعاض، لطالما كره المدعو وقاص، قُرب إيزيل منه كان يُصيبه بـ الغضب و الغيرة و على ما يبدو أنهما لا يزالان مُقربين، حمحم عُميّر و سأل أسيل 
-هي ماما بتروح هناك على طول! 
-نفت دون النظر إليه:لأ مش كتير، بس أنا اللي بطلب منها عشان أسعد بيلعب معايا كتير… 
لوى شدقه بـ ضيق و لكنه لم يجرؤ على الحديث، بل تنهد و داعب رأس أسيل ثم نظر إلى الخارج، ليجد إيزيل تقترب، تحفزت حواسه و تحفز لِما هو مُقبل عليه و إنتظرها حتى إقتربت من الطاولة 
بـ مجرد أن إقتربت لاحظتها الصغيرة أسيل لتصرخ بـ سعادة قائلة 
-ماماا، إتأخرتِ كدا ليه! 
-عانقتها إيزيل و قالت:كان عندي مشوار… 
نهض عُميّر و وضع يديه في جيبي بِنطاله و إنتظرهما حتى تفرغا، لتترك إيزيل صغيرتها بعد لحظاتٍ ثم مدت يدها تُصافح عُميّر قائلة 
-إزيك يا عُميّر عامل إيه! 
-صافحها مُبتسمًا:الحمد لله، إقعدي
-عدلت من وضع حقيبتها و قالت:معلش مش هقدر، مستعجلة… 
و لكنه لم يترك يدها بل تحولت نبرته إلى أُخرى جدية و إنمحت إبتسامته ثم هتف 
-إيزيل، في حاجة مُهمة محتاج أتكلم معاكِ فيها 
-توجست إيزيل و سألت:فيه حاجة ولا إيه يا عُميّر!… 
أومأ عُميّر فـ زاد قلق إيزيل التي تُمسك يد إبنتها ثم قالت بـ تردد 
-طب ينفع نتكلم قُدام أسيل! شكل الموضوع كبير
-تنهد و أجاب:لأ مينفعش، عشان كدا جبتك الكافيه عندي… 
لم ينتظر عُميّر فـ جذب أسيل لتجلس على الطاولة التي كانا يجلسان عليها، ثم إنحنى و أمسك يديها الصغيرتين و قال بـ إبتسامة 
-حبيبة بابا، ينفع تقعدي هنا تلوني عما أتكلم مع ماما شوية
-حاضر… 
أومأت الطفلة مُوافقة ليُقبل عُميّر وجنتها بـ عُمقٍ ثم نهض و واجه إيزيل قبل أن يردف 
و هو يُشير بـ يدهِ إلى إحدى الطاولات الفارغة و القريبة من خاصة أسيل
-تعالي نتكلم هناك… 
أومأت و تقدمته بـ تعجرفها الفطري ثم جلست و جلس أمامها، لا يدري كيف يبدأ حديثه و بِمَ يُخبرها كي يقصر الطُرق و يُنهي أي تردد و لكنه لم يجد، كُل ما خرج منه كان تنهد أثار قلق إيزيل أكثر فـ سألته
-هو حاجة كبيرة أوي! حد من البيت جراله حاجة! 
-نفى و وجد نفسه يقول فجأة:كيان إتجوزت… 
ذُهلت و رفعت حاجبها ثم تراجعت في مقعدها قائلة بـ حيرة و شبه غضب
-منا عارفة يا عُميّر و قُلتلك سبب عدم حضوري ليه
-اه صح… 
عقدت ذراعيها أمام صدرها ثم قالت بـ نبرةٍ غاضبة رغم هدوءها
-أنت جايبني هنا عشان تقول دا ولا إيه! 
-نفى بـ قوة:لأ طبعًا
-حينها جُن جنونها فـ هدرت:أومال إيه يا عُميّر متجننيش… 
أمام غضبها لم يهتم عُميّر و لم يثِر بل ظل هادئًا حتى قال وهو يدنو بـ جسدهِ إلى الأمام و قال بـ نبرةٍ غريبة و مُتباعدة كأنها تخوض فـ الماضي وحدها
-منكرش إني لسه بحن ليكِ و بحن لوقتنا لبعض ساعات، و ساعات الندم بياخدني و بقول لنفسي هيجرى إيه لو إستنينا و متسرعناش فـ خطوة الجواز و إتمهلنا فـ خطوة الطلاق، كان زمنا لسه زي ما أحنا… 
صُدمت إيزيل لحديثهِ الغير متوقع و فغرت فمها، ألا يعرف أن الندم يأكلها هي الآُخرى! تحرك حلقها بـ صعوبة و قالت بـ صوتٍ باهت
-مش هيفيد الكلام دا دلوقتي بـ حاجة
-إبتسم ضاحكًا بـ سُخرية و هتف:عارف، و عارف إننا مينفعش نرجع لأننا هنعيد الماضي بـ حذافيره و اللي هيتظلم تاني هي أسيل… 
صمتت إيزيل و إنتظرت حديثه، هي صدقًا لا تجد ما تقوله و إن كان تود العودة فـ هو مُحق لن يتكرر سوى ماضٍ بئيس لا تُريد عيشه مرةً أُخرى، فً أكمل عُميّر و هو ينظر من النافذة البعيدة
-مينفعش نوقف حياتنا يا إيزيل لازم نكمل، حتى لو لسه فيه بينا مشاعر 
-نبض قلبها و سألت بـ صوتٍ أجوف:قصدك إيه يا عُميّر وضح كلامك!!… 
إلتفت إليها و إبتسم إبتسامة أوجعتها و أيقنت منها أن ما سيتفوه به سيُؤلمها و قد كان فـ هتف بـ صوتٍ لا ينُم عن شيء
-أنا هتقدم لواحدة بعد فترة من دلوقتي و حبيت تكونِ أول واحدة تعرف…
يتبع…… 
لقراءة الفصل الخامس والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى