روايات

رواية هواها محرم الفصل الثاني 2 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل الثاني 2 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت الثاني

رواية هواها محرم الجزء الثاني

رواية هواها محرم
رواية هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة الثانية

بين حقيقةٍ واقعة وحقيقةٍ مؤكدة قلباً مستنكراً إحداهما ومطالباً بالأخرى .
قلباً اغتالته كلماتٌ لم تكن يوماً كالكلمات بل كانت تشبه رصاصاتٍ صدأة مسمومةٍ لا تقتل بل صنعت للتعذيب .
آية العربي
❈-❈-❈
يقود صقر ويجاوره خالد بعدما غادرا ، عاد خاليَ الوفاض من منزل بهجت بعدما ظن أنه أخيراً سيحصل عليها ، ولكن في قانونه الثابت الاستسلام يعد ضرباً من ضروب المستحيل ، هي له وحسم الأمر لذا قال بنبرة في ظاهرها التسلية وفي طياتها الكثير من التوعد :
– أظن أنه حان دور الخطة البديلة يا رفيق ، أخبرتك أن ذاك البهجت لن تفلح معه اللقاءات الرسمية ، لذا دعني أحل الأمر بطريقتي ولا تمنعني ، خديجة لي بالقبول أو الإجبار .
زفر صقر مطولاً وهو يقود ، يؤدي تمارين الثبات الانفعالي الذي أخبرته به المعالجة النفسية ليتغلب على انفعالاته ثم تحدث بثبات دون أن يلتفت نحوه :
– لا تتصرف بغباء ، الرجل محق يا أحمق ، ما الجيد في ماضينا ليتقبلك زوجاً لابنته ؟ ، عليك أن تريه جانباً جيداً بك لا تعرقل الأمور أكثر ، إهدأ وسنجد حلاً .
اغتاظ من هدوئه وتحدث وهو يهز قدميه باستمرار ولم يتقبل عقله حديث صقر وظهر ذلك في نبرته حينما قال :
– لن أهدأ ، أحبها منذ عدة أشهر وإلى الآن لا أستطيع لمس إصبعها حتى ، أيعقل أن هذا يحدث معي ؟ ، أنا أريدها صقر ، أريدها اليوم قبل الغد ، حديثك هذا لن يوقفني .
التفت له بعدما أدرك ما ستؤول إليه الأمور نسبةً لتهور رفيقه قائلاً بنوعٍ من الحدة :
– حسناً اذهب واخطتفها وافعل ما يحلو لك ، هل تعتقد أنها ستحبك بعدها ؟ ، هل عقلك الأبله هذا يظن أنها ستتقبلك إن عاديت والدها ؟ ، لن تجني من أفعالك هذه سوى تعاستها ، هي ليست مثل الأخريات خالد ، هي تحب دينها وعائلتها أكثر من أي شخص .
تعمق في عينيه لثوانٍ وبدأ عقله يفرك حديثه ولكنه عاد يدافع مستنكراً يقول بلهجة مصرية ليتهرب بها من توتره :
– دي إزدواجية مئايير ، إنت أملت كل هاجة ألشان تتجوز اللي هبيتها ، واللي أنا شايفه دلوقتي إنها مش تئيسة ، وخديجة مش هتكون تئيسة مئايا ، مش هسمهلها تكون تئيسة أبداً .
– بس خديجة غير نارة ، خديجة اتربت وسط عيلة محافظة أكتر من عيلة نارة ، خديجة بتحب وبتحترم أهلها جداً وممكن تيجي على نفسها علشان متزعلش والدها ، لازم بهجت يوافق عليك بالتراضي علشان خديجة تبقى مبسوطة معاك ، لازم نلغي طرقنا وتصرفاتنا القديمة يا خالد .
هكذا أجابه صقر بتعقل توغل إلى حياته حديثاً فتحولت ابتسامته الماكرة إلى عبوس وغضب بعدما شعر أنه على وشك خسارتها ، نيران تلتهم جوفه وهو يشعر بأن الدنيا تعاديه وتقف صفاً مع بهجت .
تحدث صقر مبدلاً دفة الحديث حيث يعلم جيداً فيما يفكر لذا قال :
– العقيد بهاء مستنينا في المكان اللي اتقابلنا فيه آخر مرة ، متقولوش على كل اللي عندك ، هنقول بس الجزء اللي يهمه ، فاهمني ؟.
أومأ بصمت فلم تعد الكلمات مناسبة بعد ما قالاه عن خديجة ، لا يهمه بهاء ولا تعنيه المافيا ولا يعير اهتماماً لـ بهجت ، كل إهتماماته بات منكبة على خديجة فقط .
❈-❈-❈
في منزل خديجة التي تجلس أمام والدها ووالدتها بعدما ناداها .
تحدث بهجت بقلق وعتابٍ حنون :
– شوفتي يا خديجة ؟ ، مش هو ده اللي قلتي إن ربنا تاب عليه وهداه ؟ ، بيهددني بيكِ في قلب بيتي ، بيقول لي إنه هياخدك غصب عني ، هو ده اللي حاولتي تقنعيني بيه بعد ما رفضتي ناس ضفرهم برقبته ؟ .
تجاهد لتخفي حزنها ولكنه منقوشٌ على ملامحها خصوصاً عيناها ونبرتها حينما قالت بهدوء وهي تفرك كفيها :
– يا بابا حضرتك قلت هتحاول تاخد وتدي معاه ، بس ده محصلش ، متنساش أنه جاي من ماضي كله أخطاء ، أنا مش بتكلم عن موضوعي بس على الأقل كنت حاولت تساعده .
هز رأسه رافضاً حديثها يردف بحب أبوي يتحكم به وقناعة تامة لهذا الأمر :
– أنا أقل من أني أساعده ، أنا أب وحقي أخاف على بنتي ، أنا لا ارتكبت ذنب في حقه ولا هتحاسب عليه ، الله يسهله بعيد عننا ، وإنتِ ياريت تقطعي الطريق ده خالص ومتحاوليش تتواصلي معاه يا خديجة وخليكي أد ثقتي فيكِ زي عادتك .
نهض واقفاً يتجه للخارج وتركها تجلس أمام والدتها التي نهضت من مقعدها واتجهت تجلس مجاورةً لها ليتسنى لها مواساتها قائلة بحنو وهي تميل عليها بعدما طأطأت خديجة رأسها بحزن :
– متزعليش من كلام بابا يا ديچا ، هو خايف عليكِ ، خالد ده ظروفه صعبة أوي ، يمكن إنتِ كنتِ حابة تساعديه ، ويمكن قلبك مال نحيته ، بس مش هو اللي يقدرك يا حبيبتي .
رفعت نظرها تطالع والدتها ثم ابتلعت غصتها وأردفت بنبرة معذبة بعدما وقع قلبها في شباكه بالفعل :
– مش بإيدي يا ماما ، إنتِ عارفاني كويس ، وثقتكوا فيا في محلها بس اللي أنا حاسة بيه مش قادرة أتجاهله ، أنا يمكن حبيت اهتمامه بيا وأسلوبه ، بس طبعاً أنا بحبكوا أكتر ومستحيل أعمل حاجة تزعلكوا أو تجرح بابا ، أنا بس كنت أتمنى لو وافق يديله فرصة وده محصلش فخلاص الموضوع منتهي .
نظرت لها بفخر ، كانت تعلم أن تلك هي ابنتها التي زرعت فيها القيم والمباديء ، تثق فيها وهي سيدة من يقدر الثقة ، لذا فهي لا تخشى عليها بل تخشى ممن هم محيطون بها .
تنهدت تنهيدة حارة ثم وقفت تطالعها وقالت قبل أن تغادر نحو غرفتها دون النظر نحوها :
– تصبحي على خير يا ماما .
❈-❈-❈
في الثانية فجراً
وفي مكان جديد وفيلا جديدة
تجلس تنتظر زوجها الذي لا يعود سوى في تلك الأوقات ، تنتظره يومياً على نفس الأريكة وبنفس الحالة الحزينة التي تراودها .
حالة حزنٍ وكآبة باتا متلازمان لها منذ أن تزوجته ، ربما حياتها مسبقاً لم تكن بالوردية ولكنها على أقل تقدير كانت تتوغلها بعض الحرية ، أما الآن فهي حبيسة منزله كل حركةٍ أو مكالمةٍ أو تنفيس يعلمه جيداً ، لا يترك لها مجالاً لتحل اختناق عنقها الذي يلتف حولها كحبل مشنقةٍ لا يرحم .
وها هو يعلن عن وصوله من خلال زامور أصدره من سيارته لتتأهب وتتوتر جميع ملامحها ولكن تساقط توترها تدريجياً ليحل محله البرود ، لا داعي للتوتر فالحدث متكرر ويجب أن تعتادي .
هكذا حدثت نفسها وهي تنتظر دخوله وبالفعل دقائق أو أقل كان يدس مفتاحه ويفتح الباب ليخطو بخطواتٍ مترنحة دالة على سكره .
ركضت إليها رائحة المشروب حتى قبل أن ترى وجهه لذا أسدلت أهدابها بانكماش واشمئزاز ثم نهضت من مقعدها تطالعه دون حديث فرآها .
ابتسم بتلاعب وتقدم منها بخطوات غير متزنة حتى توقف أمامها وقال وهو يعبث بخصلاتها :
– أحلى حاجة بتحصلي في اليوم كله لما برجع ألاقيكي مستنياني .
لم تتأثر بمقدار ذرة من حديثه بل تكتفت تطالعه ببرود قائلة :
– وأنا أسوأ حاجة بتحصلي في اليوم كله إني أشوفك وانت راجع بالمنظر ده .
زفر بملل من نبرتها المتكررة ثم لف ذراعه حول كتفيها يسحبها قائلاً بتبرم :
– لو تبطلي اسطوانتك دي يمكن أرجعلك بمنظر جديد يعجبك .
تحركت معه نحو الأعلى حيث غرفتهما التي تبغضها كأنها مقبرة وليست غرفة .
دلفت تحاول الابتعاد عنه قائلة وهي تفلت ذراعه من فوقها :
– ابعد كتفي وجعني .
نظر لها بنصف عين ثم مد يده يلتقط كفها وأسرع يجلسها على مقعد مرآة الزينة لتنعكس صورتها في المرآة أمامه وأمامها وقد رفع كفيه وبدأ في تدليك كتفيها بتمهل وعينيه لا تفارقها حتى التفتت تبعد نظرها عنه ولم ترحها حركة يداه بل كأنه يرتدي قفازاً مدبب يحتوي على أشواكٍ تنغزها وهذا ما رآه بوضوح على ملامحها لذا نفض يده يبتعد بعنف مردفاً بصراخٍ :
– أعملك إيه يعني علشان ترضي ؟ ، أبقى قاسي تزعلي أحاول أبقى حنين تقرفي ، حياتك كلها عبارة عن ملل وكآبة .
نظرت له عبر المرآة قائلة بنظرة استنجادية وبصوتٍ باهت :
– طلقني ، أنا فعلاً زي ما انت قولت منفعكش ، مملة ومقرفة طلقني .
اندلعت نيران غضبه وهو ينزعها من مقعدها ويوقفها عنوةً ثم يلفها إليه قائلاً بفحيح مرعب وعيون حمراء وأنفاسه تحرقها :
– أطلقك ؟ ، دي امنيتك من زمان أوي مش كدة ؟ ، عايزة تروحي لحبيب القلب جو ، بس لاء يا أميرة ، إنتِ بتاعتي ، محدش هيمسك ولا هيقربلك غيري .
جمعت قوتها ودفعته بكلتا يديها بعيداً عنها بعدما تسببت لها رائحة المشروب في الغثيان لذا أسرعت تكمم فمها كي تمنع نفسها من التقيؤ قائلة بقهرٍ مكبوت :
– ابعد ريحتك مؤرفة .
ازداد غضبه من رفضها المتكرر له وتهيأت أمامه شياطين الرغبة ، منذ قليل كان يتهافتن عليه فتيات يشبهن النعيم يُردن فقط تودده لهن ولكنه ألجم رغبته وتركهن وأتى إليها ، يجرب مقولتها حينما أخبرته ربما أحبته يوماً إن احترم مشاعرها وها هو يسعى لتحقيق رغبتها ويحاول احترام تلك المشاعر اللعينة فلماذا تتمرد وتسخط تلك الساخطة .
عاد يتقدم منها بعيون حمراء ثم جمع قوته في قبضتيه وهو يقيد وجهها بينهما وينحني مقبلاً إياها بقوة آلمتها بل سحقت شفتيها المزمومتين وهي تصرخ وتحاول ابعاده وكأن الرفض أتى من معدتها حيث لم تحتمل ما يحدث وأسرعت تصدر صوتاً دالاً على رغبتها في التقيؤ من أثر رائحة وطعم المشروب وبالفعل ما إن ابتعد عنها حتى تقيأت أرضاً تنحني وتبكي تحت أنظاره التي تحولت لاشمئزاز وكأنه لم يتسبب به .
جثت على ركبتيها وهي تخفي ملامحها بين خصلاتها التي انتشرت حولها وتغمض عينيها بوهن وصمتٍ يحدث ضوضاء في عقلها .
أما هو فباغتها بنظرة غير عابئة ثم ابتعد قليلاً للخلف واتجه نحو خزانته ينتشل ملابس نظيفة قائلاً بجمود وقسوة بعدها وعى لنفسه :
– هدخل آخد شاور تكون زبطي الدنيا دي ، وجهزي نفسك أنا محتاجك الليلة .
دلف الحمام وتركها تبكي قهراً على ما هي فيه ، كيف تنجو بنفسها منه وكلما لجأت لوالديها عنفاها وأعاداها عنوةً إليه ، وما يزيد الأمر ألماً أنه ابنة خالتها فـ إلى من تلجأ غير الله .
استندت على كفيها لتنهض ثم لملمت البساط الأرضي وأخذته وتحركت به نحو الخارج حيث حماماً آخر بينما هو في الداخل جرد نفسه من ثيابه ووقف تحت رذاذ المياه يزيل أثر هؤلاء اللاتي تركن رائحتهن معلقةٍ عليه قبل أن يعاشرها ، يظنها لم تنتبه لخيانته المعتادة حتى لو لم يعاشر إحداهن بشكلٍ صريح .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
عاد خالد إلى فيلته التي تشهد على وحدته وصراعاته ، هنا على هذا المخدع يجلس يفكر بها ويتمناها أن تأتي فتنير عتمة دروبه ، وهناك في ذاك الركن المظلم يجلس أحياناً يفكر في عمره الذي تخطى السادسة والثلاثون دون التنعم مع حب حقيقي مثل رفيقه ، عقله ينسج خيوط الألم والكراهية لعائلته وتحديداً والده ، يتذكر معاملته منذ الطفولة وقسوته معه ، ويأتي عند ذكر من أنجبته فلا يعرف لها سبيلاً ، كل ما علمه عنها أنها تركته وسط الذئاب ورحلت تنجو بنفسها دونه ، تركته ينمو في تلك الأرض الفاسدة ليتشرب منها الفساد حد الظمأ ، لذا فهو يشتهي تلك الخديجة بكل جوارحه ، ولمَ لا وهي من العالم الذي كان دوماً يحاربه بكل قوته لتأتي هي بسلاح التزامها وهالة الأخلاق التي تحيطها فتبيد كل وسائله الدفاعية لمقاومتها حتى سقط في هواها ورفع راية الاستسلام ، ولكن على ما يبدو أن هواها محرمٌ عليه وأنه سيظل أسير التزامها .
تنفس نفساً قوياً معبأً بكمٍ من الهموم والألم يخفيهما خلف عبثه ومزاحه الدائم ، ثم نصب عوده يقف ويتجه للأعلى حيث غرفته ليراها ، يعلم أنه لن يراها ولكن ليلمح طيفها أثناء مرورها من الحمام إلى الفراش من خلف ستارها كالعادة ، هذا المشهد الضئيل يشعره بالنشوى ، يالا سخرية القدر هل هذا ماركو العابث ؟ .
دلف غرفته واتجه على الفور إلى الشرفة يقف بها ويتطلع نحو شرفتها بعدما تحولت عينيه إلى عدسات مجهرٍ دقيق ، يتفحص بدقة أي ظلٍ يظهر لها ، لن يتركها أبداً مهما كلفه الأمر ومهما كانت النتائج ، أصبح تعلقه بها كتعلق الجسد بالروح فراقهما يعني فراق الحياة .
طال تحديقه فزفر ودس يده في جيبه يخرج هاتفه ويحاول الاتصال بها ولكن صدمه إغلاق هاتفها وهذا نادراً ما يحدث بعدما حذرها مراراً .
بدأ يصطك على أسنانه فلم يستطع أحدهم فعل ما فعله والدها به ولكن ما يقيده ويتحكم في ردود أفعاله أنه والدها .
عروقه بارزة يصارع غضبه المكبوت حتى لا يخطيئ ، كان يضغط بقوة على الهاتف حتى كاد أن يسحقه بين قبضته ولكنه رفعه مجدداً وأعاد الاتصال مرةً أخرى ثم ما لبث أن التفت ورطم هاتفه بقوة في الحائط المقابل له فسقط متهشماً إلى عدة قطع لا حول لها ولا قوة .
نظر حوله ثم عاد يلتفت وينظر نحو شرفتها ولكنه لاحظ أن الظلام قد حل عليها بعدما كانت مضيئة ليعلم أنها كانت مستيقظة وقررت النوم الآن .
نسمة هدوء هوت على غضبه الحار فسمح لنفسه أن يهدأ قليلاً ثم قرر الدخول وأخذ حمامٍ باردٍ ليكمل إطفاء نيرانه المأججة .
دلف حمامه ليعود بعد وقتٍ يرتدي مئزره ثم يلقي بجسده بعنف فوق الفراش كأنه يعاقب هذا السرير على عدم وجودها به إلى الآن .
نظر للأعلى بشرود لثوانٍ ثم ابتسم كأنه وجد الألماس بعد حفرٍ مرهق وتحدث للسقف قائلاً :
– لا داعي للغضب يا رجل ، تحلى بالهدوء قليلاً ، دوماً العبث يسبقه الهدوء .
❈-❈-❈
في فيلا صقر ونارة .
انتهى من حمامه هو الآخر وخرج وجدها تجلس أمام مرآة الزينة .
ابتسمت له من خلال المرآة فبادلها ثم تحرك نحو غرفة الملابس يحضر شيئاً ما وعاد إليها يخطو نحوها بعينين ماكرتين حتى توقف خلفها وتحدث بحب بالإيطالية :
– اشتقتُ لكِ جميلتي .
كانت عيناها منكبة على كف يده اليمنى الذي يقبض على شيءٍ ما تسعى لاستكشافه .
لم تتعرف على هوية هذا الشيء لذا رفعت عيناها مجدداً إلى عينيه تتساءل بصمت فأجابها وهو ينحني ويضع ساعديه على كتفيها ثم فتح كفه أمام عينيها وعينيه تختبيء عند خصلاتها ثم تحدث بنبرة متحشرجة من فرط مشاعره قائلاً والرائحة الصادرة منها تتوغل إلى رئتيه فتضخمهما عشقاً :
– ما رأيكِ باستعادة بعض الذكريات ؟
أغمضت عيناها تأثراً بهمسه وحركاته بعدما رأت مافي قبضته وابتسمت وهي تتذكر ذاك الحدث الممتع على متن اليخت ثم همست بنبرة مشابهة لنبرته :
– أووووه ، مجرد لعبة فقط !
أومأ وحواسه مستمرة في استنشاق عبق خصلاتها وعنقها وأذنها ثم زفر بقوة واعتدل يطالعها مجدداً في المرآة فوجدها مغمضة العينين تحرك رقبتها نحو الجهة التي كان يقطن بها الآن مفتقدة همساته .
ابتسم بانتشاء على تلك التي سلبت لُب عقله ثم مد يده لها يردف بحب وحنو :
– تعالي .
فتحت عيناها تطالعه فرأت يده الممدودة لذا على الفور ناولته يدها ووقفت تخطو معه نحو فراشهما حتى توقفا أمامه فـ لفها له يتابع ويده ارتفعت تهندم خصلاتها :
– هذا الأبله خالد لم يتركني احتفل معك بخبر حملكِ ، ولكن لا مانع من الاحتفال الآن على طريقتي ، ومع ذلك لنتمهمل قليلاً حتى لا تتأذي ، ما رأيكِ .
أومأت توافقه الرأي فيجب عليها استشارة طبيبة نسائية أولاً لذا تساءلت بنبرة محبة متلهفة لاستقباله ولحفلته التي تعلم يقيناً أنها ممتعة :
– لنتمهل وعلى طريقتك ؟ ، كيف هذا يا زوجي ؟
ابتسم على مشاغبته الجميلة ثم عرض كفه أمامها حيث كان يقبض على ربطة عنق حريرية الملمس وتحدث بخبث :
– ها هي لعبتكِ ، بادري أنتِ بوضعها عصبةً حول عيني ، سأكون رجلاً مطيعاً لكِ لبعض الوقت فقط .
أعجبتها الفكرة كثيراً لذا نظرت في عينيه تتأكد من اقتراحه فأومأ يحثها على انتشالها وبالفعل مدت يدها تلتقطها منه .
غمزها بعينيه قبل أن يغمضهما استعدادا لعصبتها .
تمسكت بمنتصفها بكفيها ثم لفتها حول عينيه تغميه بها والتفت تعقدها خلف رأسه ثم عادت إليه تطالعه وقد وصلت مشاعرهما لذروتها وهذا يعرف من صوت أنفاسهما وانقطاع أحرفهما .
وثب على الفراش ثم تمدد بهدوء ومد لها يده فجاورته وبدأت تبادر هي بالقبلات التي كانت بدايتها عند عصبة عينه الحريرية .
تقبلها ببطء وهدوء ومتعة أثارت شغفه وجعلت عروقه بارزة وهي تستمر في تعذيبه بقبلاتها التي نزلت متمهلة إلى فكه وعنقه تقبلهما كأنها أسيرة حُرمت من الطعام .
ابتعدت فجأة وتركته يعاني برودة ابتعادها لتترقبها حواسه جميعها عدا عينه ثم تفاجأ بجرأتها الوقتية وهذا بسبب تدفق مشاعرها حينما الصقت شفتيها في خاصته تقبله بنعومة وشغف .
كانت مبادرة رائعة منها ولكن لم تكن كافية لإطفاء نيرانه لذا انقلب السحر على الساحر ورفع ذراعيه يطوقها ليبدأ هو في تعليمها أصول التقبيل وفنونه .
❈-❈-❈
في الملحق الذي يقطن به عمر .
يبدو أن الجميع هدأت عقولهم واستطاعوا النوم إلا هو ، يجلس يفكر في حلًّ لهذا المأزق ، هل ذنبه في الحياة أنه وُلد وألقيَ أمام ملجأ كبر فيه دون معرفة أهله ؟ ، لمَ يظل موصوماً بهذا الألم طوال حياته بدلاً من تألم من أنجباه وتركاه كمن زرع نبتةً ورحل عنها وتركها دون أي عنايةٍ أو شفقةٍ .
لمَ دوماً تتوقف سعادته عند تلك البقعة المظلمة برغم أنه يفتخر بنشأته على يد تلك السيدة التي هي أكثر من أمٍ له ، فلو كانت من أنجبته على قيد الحياة لما جادت عليه مثلما جادت أمه لبنى .
زفر أنفاسه الحبيسة المتألمة ، يعلم أن آسيا لا تفكر بتلك الطريقة ولكنها تطلب منه مالم يستطع فعله ، لن يبدأ معها ويبني جدار زواجهما على كذبةً إن عُرفت ستهدمه ، لذا فعليه التحدث معها ومحاولة إقناعها في معرفة الحقيقة ، الوضع أصبح يسيراً بعد معرفة نارة ويرى أنه بين خيارين أولهما معرفتها بالحقيقة وثانيهما تخليه عن حبها أن الأول هو الأكثر صحةً ويسر .
لذا حدث نفسه ويديه متشابكة ترتكز أسفل رأسه :
– بكرة ، بكرة لازم تنهي الموضوع ده وتتكلم مع آسيا هانم ، لازم تدور على راحتك وسعادتك لمرة واحدة .
هكذا أقنع ذاته بهذا الحديث قبل أن يزفر مقتنعاً ثم تقلب على الجهة اليمنى وبدأ يغلق عينيه ويقرر النوم ليأتي الصباح حاملاً معه الفرج .
❈-❈-❈
عودةً لـ صقر ونارة .
يحتضنها وتتوسط ذراعه الأيمن الذي يلتف حولها بحنو .
يميل بين الفنيةِ والأخرى يقبل رأسها بعدما استمتعا سوياً بهذا اللقاء وبعدما أزال عصبة عينيه .
كانت تتلاعب بأصبعها على صدره وقد بدأت تفكر في أمر رفيقتها بعدما علمت برفض بهجت له .
كانت على يقين أن بهجت لن يقبل بخالد زوجاً لابنته لذا لم تتفاجأ .
تحدثت متساءلة وقد وجد التوتر طريقه إلى عقلها :
– صقر ، هو ممكن خالد يتصرف بتهور ؟
كان يفكر في نفس الأمر تماماً مثلها ، يشغله كثيراً ويقلقه ردة فعل خالد العبثي والغير مسئول ، يعلم أن صديقه عاشقاً بل مستجداً على العشق لذا يتصرف بتخبط وقلة خبرة في تلك الأمور ، فقد يتبع الطريقة الأقرب له دوماً .
تحدث يجيبها بصدق :
– ممكن جداً ، تهديده لبهجت كان واضح وصريح .
تحدثت بنبرة معترضة بعدما نهش القلق عقلها :
– بس إنت لازم توقفه يا صقر ، عمو بهجت مش ممكن يقبل بالطريقة دي ، وكل ده هيأثر على خديجة ، هي أصلاً الفترة دي مش أحسن حاجة بسبب الموضوع ده ، لازم تتكلم معاه .
أيخبرها أنه لم يترك حديثاً إلا وقاله أم يصمت ؟ ، أيزيد قلقها أم يطمئنها اطمئناناً كاذباً ، لذا وبسبب حالتها الحالية زفر بقوة وتحدث بنبرة تغلفها الطمأنينة قائلاً :
– متقلقيش ، وحاولي تهوني على خديجة وياريت لو حاولت تقنع بهجت بفرصة جديدة ، عارف إنه صعب بس ده أفضل من ردود الأفعال اللي ممكن تحصل .
أومأت بشرود وهي تدس نفسها أكثر فيه كأنها تحتمي به من سوء أفكارها ورحب هو بذلك حيث شدد من عناقه والتف نحوها ليقبض عليها بكلتا ذراعيه ويعاود تقبيل رأسها ثم تحدث ليخرجها من تلك الأفكار السلبية :
– عايزين نختار اسم حلو من دلوقتي ، سمعت اسم عجبني أوي وأنا في محطة الوقود بفول العربية النهاردة .
استطاع نزع أفكارها السيئة لتنتبه له وتتسأل بحماس :
– اسم إيه يا صقر ، قوله .
– شنواني .
نطقها فجأةً فتصلب جسدها داخل جسده بصدمة فضحك دون النظر لعينيها التي من المؤكد جاحظة الآن وأسرع يردف مطمئناً وهو يقهقه :
– اهدئي ، سأترك لكِ الخيار أنا لا أجيد انتقاء الأسماء .
ارتخت وفلتت منها ضحكة ناعمة وتحدثت قبل أن تغفو :
– أنا أثق بك دوماً .
❈-❈-❈
صباحاً
في طريقهما إلى شركة شقيقهما ليقابلانه
تجلس تجاوره بجسدٍ متهزٍ ، إلى الآن لا تصدق أن شقيقها حيّ يرزق ، منذ أن علمت منه صباحاً وقد أطلقت صرخة مندهشة وأسرعت تركض لرؤيته ، لن تصدق إلا إذا رأته بأم عينيها ولمسته بأيديها لذا فهي متأهبةٌ جداً لهذا اللقاء وظهر ذلك في نبرتها حينما قالت :
– يالا يا سامح سرع شوية ، هموت وأشوفه ، إنت متأكد يا سامح ؟ ، شفته بعينك ولا بتضحك عليا ؟ ، طب أحلف إنه عايش .
زفر بنزق فهذه المرة الألف التي تكرر فيها نفس الجملة لذا قال :
– يابنتي اهدي بقى ، كلها شوية وتشوفيه بنفسك .
تحدثت بحماس مضاعف وجسدها لا يتوقف عن الحركة :
– مانا مش مصدقة نفسي يا سامح ، دانا كان قلبي هيقف من الزعل عليه ، بس معلش كله يهون بعد رجوعه .
تحدث بتفهم وحنو يدللها كالطفلة :
– سلامة قلبك يا نونو ، إن شاء الله كلها ربع ساعة ونوصل .
❈-❈-❈
استيقظ عمر وقد قرر التحدث مع آسيا ، يعلم أن مايا تستيقظ متأخرة يوم عطلتها لذا تحرك ببعض الراحة نحو الڤيلا يطرق الباب بعدما حدث آسيا عبر الهاتف وأخبرها أنه يريدها في حديثٍ هام تعلمه جيداً .
ولكن على ما يبدو أن إحداهن لم تنم من الأساس حيث كانت تقف خلف نافذتها تفكر في مسألتهما منذ بكرة الصباح وقد لمحته وهو يخطو باتجاه الفيلا فنهش قلبها التوتر والترقب .
توقعت أنه قرر التحدث إلى آسيا في أمرهما بعدما أحزنها أمس بحديثه لذا توغلت نسمات السعادة إليها وهي تفكر كيف تأثر بحزنها وقرر البوح وحل أموره التي أخبرها عنها ، إنه في طريقه لإثبات حبه لها ، مؤكد سيطلب يدها بشكلٍ رسمي ، نعم هي تثق به وبحبه ولكن كان عليها الضغط بحزنها عليه قليلاً حتى يجد حلاً .
قررت التحرك بحذر ودون انتباههما لسماع الحديث الذي سيدور بينهما والذي تتطوق لسماعه بحماسٍ وسعادة .
خرجت من غرفتها وتحركت تقف أعلى الدرج فلمحته يقف مع والدتها يخبرها بهمس أمراً ما فأشارت له آسيا نحو غرفة المكتب ليتحدثا بها .
تعجبت من حرصهما المبالغ به وظنت أن هناك أمراً مريباً يجب أن تعلمه لذا انتظرت إلى أن دلفا غرفة المكتب وأغلقت آسيا الباب وبدأت تترجل حتى وصلت عند الباب واقتربت برأسها تترقب السمع بحذرٍ وانتباه .
كانا في الداخل يقفان وتطالعه آسيا قائلة بنبرة معاتبة يغلفها الود :
– مش أنا قلتلك نقفل على الموضوع ده يا عُمر ، ليه مصمم مايا تعرف حاجة زي دي ، أنا مش هقدر أقولها يا عمر والكلام ده قلته كتير قبل كدة .
يتفهم موقفها جيداً لذا تحدث بهدوء وتروي :
– يا آسيا هانم لو أنا مكنتش دخلت حياتكم كان الوضع اختلف ، بس حضرتك عارفة أني بحب مايا وهي بتحبني ، وأنا مقدرش أبدأ حياتي معاها على كدبة وهي مفكرة أني ابن صاحبتك ، لازم أصارحها واترك ليها حرية الاختيار ، وبعدين الجزء الأسوء عدى ونارة عرفت إني عمر أخوها من الدار ، ليه حضرتك قلقانة .
زفرت بقوة وتحدثت بشرود وخوف وهي تجلس على كرسي المكتب الجانبي :
– لازم اقلق يا عمر ، إنت متخيل أن مايا عايشة حياتها كلها مفكرة أن نارة أختها الحقيقية وأجي أنا أقولها الوضع مش زي ما إنتِ مفكرة؟ ، طيب نارة عقلانية وقادرة تتعامل مع الوضع ده إنما مايا لاء ، مايا مش هتتقبل ده أبداً ، مستحيل تتقبل فكرة إن نارة مش اختها الحقيقية يا عمر ، هتكرهني .
شرد قليلاً يفكر ، يعلم أن وقع هذا الخبر عليها لن يكون هيناً أبداً ولكن على الأقل لتعلم الجزء الخاص به وهذا ما تحدث به قائلاً بتروي :
– طيب بلاش الجزء الخاص بنارة ، دي مسألة بينك وبينها وللأسف ماليش تحكم فيها ، بس لازم تعرف أنا اتربيت فين وأصلي إيه يا آسيا هانم ، ده حقها بمَ إنها هتبقى مراتي .
نظرت له تستنجده بنظراتها وتحدثت بتشتت :
– طيب ولو قالت أنا كدبت ليه هقولها إيه ؟ ، هنقول إيه يا عُمر ، كان لازم أحسب حساب اليوم ده كويس ، الغلط عندي من الأول .
كانت تتحدث وهي تتحرك في الغرفة بشرود وضيق بعدما نهضت وعمر يقف حائراً يدرك صعوبة الأمر ومع ذلك لن يقبل احتمالية خداعها .
ولكنهما لا يعلمان أن من تقف في الخارج سمعت حديثهما الذي سقط على رأسها كآلة صلبة فتبدل الزمان والمكان من حولها .
صدمة ، صدمة جعلت فصوص مخها تتجمد عن التفكير لثوانٍ بل لدقائق ، ماذا يقولان ؟ ، ناردين ليست شقيقتها ؟ ، هل يمزحان مثلاً ؟
لتتوغل كلماتهما إلى عقلها شيئاً فشيئاً مجدداً ، أنفاسها كادت تنعدم وهي تخطو بغير هدى وذهولٍ كليّ يجتاح عقلها بل صدمةً قاسية جعلتها كما لو كانت تقف على حافة هاوية شاهقة وأمامها وحشٌ جائع
لا سبيل أمامها للخلاص من هذا الوقع سوى السقوط من فوق الهاوية وتصديقه ولا سبيل للسقوط سوى الذهاب لتكن مضغة في فك تلك الذكريات المتجسدة أمامها .
استنكار استنكار استنكار ، الحقيقة تهاجمها من كل جهةٍ وهي تحاول الدفاع باستنكارها لها وإلا فهي ضائعة .
لا تعلم كيف ومتى تحركت من عند باب تلك الغرفة لتصعد غرفتها وتغلقها عليها قبل أن يخرجا ، دلفت ووقفت تنظر حولها لكل شيء كأنها سقطت على كوكب آخر تماماً تجهله وتجهل معالمه ، وحيدةً فيه تواجه كابوساً لم يمر على عقلها أنها ستراه يومياً ، نارة ليست شقيقتها الحقيقة!!. .
بينما في الأسفل ما زال عمر يقف ينتظر حديث آسيا الذي طال وهي تفكر ثم أنار مصباح عقلها وتحدثت بترقب بعد فوات الآوان الذي لا تعلم عنه شيئاً :
– طيب إيه رأيك نقول أن مدام لبنى تبقى هي صديقتي وكدة مبقاش كدبت عليها ؟
زفر يطالعها بضيق ، كلما تحدثت تضيق حبل المراوغة حول عنقه أكثر فيشعر بالاختناق ، لن يعالج كذبة بكذبةٍ أخرى لذا تحدث بهدوء برغم ضيقه كي لا يحزنها :
– مينفعش يا آسيا هانم ، ده مش حل أبداً ، لو سمحتِ فكري في حل مناسب وبلغيني ، وإلا أنا آسف مضطر احكي لمايا على الجزء الخاص بيا .
نطقها بحزم وتحرك يغادر وتركها تقف عاجزة عن إيجاد هذا الحل ولا تعلم أن القدر وجده قبلها .
❈-❈-❈
في شركة صقر
يقف في طابقه ينتظرهما أمام المصعد بعدما أخبره الحارس أنهما دلفا وفي طريقهما إليه .
يستعد لرؤية شقيقته التي اشتاق لها ، كان ينتظر ويتأهب هذه اللحظة منذ أن عاد وها هي قد حانت ، يتوقع أنها ستعانقه وتخبره كم هي سعيدة برؤيته كما فعل سامح .
فتح باب المصعد فوجدهما يخطوان نحوه حتى رفعت نهى أنظارها ورأته ، تجمدت قدميها أرضاً لثوانٍ وهي تطالعه ، تتعمق وتتفحص بعينيها وجهه وملامحه وهيأته عن بعد .
قوة مغناطيسية شديدة جعلتها تتحرك نحوه وتسرع الخطى ولم تتوقف حتى التصقت به بعنف جعله يتراجع بخطواتٍ غير متنزنة للخلف .
تعانقه بقوة ذراعيها المطاطية وعينيها التي انفجرت بهما ينابيع الحب والاشتياق وهو يبادلها ويمسد بذراعيه ظهرها كي تهدأ .
وصل سامح إليهما وربت على ظهرها أيضاً بحنو ورأفة وصقر يبادلها العناق ويهدهدها هو ولكنه تركها تعبر عن مشاعرها بكل راحة وحب .
وأخيراً حُل وثاق لسانها وتحدثت بنبرة متحشرجة مشتاقة :
– وحشتني أوي يا صقر ، كدة نهون عليك تعمل فينا كدة ؟ ، دا احنا كنّا هنموت علشانك ، كل دي غيبة ؟
تحمحم أخيراً وتحدث بتأثر ظهر في نبرته وهو يقول :
– صدقيني كانت مسألة مهمة جداً في حياتي ، مكانش ينفع أخاطر .
ابتعدت عنه تطالع وجهه عن قرب فرفع كفيه يجفف دموعها بحنو نبت في قلبه حديثاً وتحدث بهمس وهو ينحني إليها :
– بس أنا هنا مش اسمي صقر ، اسمي محمد عبدالله .
أومأت له بتفهم بعدما أخبرها سامح والتفتت تنظر إليه وتردف بدعابة كي تلطف الأجواء :
– شوفت أخوك محمد الجديد زي القمر إزاي ؟
ابتسم لها سامح وتحدث بمزاح مماثل :
– طالع لأخوه الكبير .
ابتسمت له وعادت تنظر بحنين لوجه شقيقها الذي تحدث وهو يشير نحو بابٍ ما قائلاً :
– اتفضلوا من هنا علشان نتكلم شوية في موضوع مهم ، وبعدها هاتيجوا معايا البيت .
تحركا معه نحو قاعة خصصت للاجتماعات فوجدا بها طاولة دائرية كبيرة ويلتف حولها رجلان يتحدثان وامرأة تجلس تدوّن شيئاً ما على الحاسوب .
جلسوا جميعاً وبدأ صقر يعرفهم على بعض ثم تحدث إلى تلك الفتاة قائلاً :
– هاتي يا نهلة الأوراق اللي قلتلك عليها .
ناولته ملفاً كان جوارها قائلة :
– اتفضل يا محمد بيه .
أخذه يضعه أمامه وفتحه يتطلع على أول ورقة والتي تليها وهكذا حتى انتهى ثم حرك الملف نحو سامح الذي يجاوره وتحدث بترقب :
– سامح ممكن تمضي على الأوراق دي .
قوس سامح ما بين حاجبيه وتحدث متعجباً :
– أوراق إيه دي ؟
تنفس بعمق ثم تحدث بترقب موجهاً حديثه للموظفين :
– ممكن تسيبونا لوحدنا دقيقة .
أومأوا ونهضوا ثلاثتهم يغادرون القاعة بهدوء ثم عاد صقر يتطلع إلى شقيقه ويردف بملامح جادة ارتدت قناعاً عملياً :
– ده عقد شراكة ، إنت ونهى هتكونوا شركاء معايا في الشركة بنسبة ٥٠ ٪.
تعجبا اثنانهما وظهرت الدهشة على ملامحهما بينما تحدث سامح باستفهام :
– وده ليه يا صقر ؟ ، بمناسبة إيه ؟
كان يعلم أنهما لن يستوعبا ولن يوافقا بسهولة لذا تحدث بجدية وترقب :
– الشركة دي أنا عملتها بفلوس شغلي في السيارات ، يعني بعيدة تماماً عن عيلة موراكو وعن شغل المافيا ، وأنا حبيت أدي لاخواتي حقوقهم ، بس مش أكتر .
نظرا لكليهما حيث التفت له سامح وتحدث معترضاً بغير اقتناع وبجدية تامة :
– ده مالك إنت يا صقر ، ملناش علاقة بيه ، ومش هنقبل نبقى شركا معاك بفلوسك .
زفر صقر وأسبل جفنيه لثوانٍ ثم تحدث بهدوء وبطريقة مقنعة قائلاً :
– ده حقكم يا سامح ، الفلوس دي أساسها حقكم وحرمانكوا من حاجات كتير أنا مش بمن عليكم أبداً ، ده من البداية جزء من فلوس أبونا ، وبعدين أنا مش مهم عندي أبداً الفلوس ، بالنسبالي سهل جداً أحصل عليها ، بس أنا حالياً محتاج لكم معايا ، ده أبسط حقوقكم ، يعني أضعف الإيمان زي ما بيقولوا .
بدأ التهاون يصل إلى عقل سامح الذي منذ زمن يبحث عن حقوقهما ، لذا فقد شرد لدقائق يفكر ثم طالعه يتعمق في عينيه فوجد فيهما التصميم والثبات وهو يوميء له ليؤكد حديثه فـ لف نظره لشقيقته وجدها توميء له أيضاً بحنو وسعادة تعلم جيداً كم عانا وكم يستحقان ذلك لذا أومأ بهدوء ثم تحدث بنوعٍ من القلق :
– صعب يا صقر ، صعب إننا نقبل حاجة كبيرة زي دي .
تنفس بعمق وسكن قليلاً ثم عاود النظر إليه بعدما استشف قرب موافقته قائلاً :
– ولو قلتلك إن ضميري مش هيرتاح غير لو عملت كدة ؟ ، لازم تبقى عارف إني بسعى لحياة جديدة يا سامح ومش عايز أي ضيق يلازمني تاني ، أنا بحاول اتخلص من أقفال الماضي ، لو سمحت وافق يا سامح ، لو سمحت .
نبرة الترجي ملحوظة برغم ثباته ، نبرة تدل على قلبه الذي يسعى للتطهر ، لذا أومأ سامح زافراً بقوة ثم قال بترقب :
– تمام يا صقر بس أنا عندي طلب .
زفر صقر بارتياح وأومأ له فتابع مسترسلاً :
– لو في يوم مرتحتش للوضع ده هرجعلك النسبة دي وهفضل جنبك من غير أي حاجة ، تمام ؟
تحدث لينهى تلك المسألة قائلاً :
– تمام ، يالا نمضي ؟
أومأ له فنادى صقر على المحامي والوكيل العام للشركة والسكرتيرة نهلة ووقعوا العقود وتمت الشراكة واشتد وتدهم أكثر وأكثر بعدما ردت الحقوق إلى أصحابها وارتاح ضميره من ناحيتهما ، كان يعلم مدى الظلم والبؤس الذي وقع عليهما لذا كان إعطائهما حقيهما أول الأمور نحو مستقبلٍ جديد يسعى له .
رغب في اصطحابهما إلى المنزل ولكن سامح أصر على الذهاب وجعل هذا اللقاء عنده تلك المرة مما جعل صقر يرضخ لرغبته .
بعد وقتٍ وبعد أن غادرا دلف خالد يقتحم مكتب صقر بعدما علم الخبر من محامي الشركة بناءاً على رغبة صقر وجلس يردف باستنكار :
– جعلتهم شركائك وأنا من رافقتك منذ نعومة أظافرك تريد أن تجعلني موظفاً عادياً ؟ ، هل تسخر مني يا أحمق .
كان يتابع أعماله على حاسوبه ويعلم جيداً أن هذا سيحدث لذا قال بهدوء :
– أخبرتك مسبقاً يا خالد ، لن أضع في شركتي هذه فلساً واحداً تابعاً لعائلة موراكو ، أنت شريكاً معي بمجهودك .
لم يقتنع خالد بهذا الحديث لذا تحدث باندفاع :
– لأنك أحمقاً ، تلك العائلة انتهت وأموالها حلالٌ لنا .
ترك حاسوبه ودقق النظر في عينيه يردف بجدية وثبات ويقيناً حصل عليه من جلساته النفسية وزوجته الغالية :
– ليس صحيحاً ، أخبرتك أنني تركت هذه الأعمال والأموال الصادرة منها ، وأخبرتك أن تتركها أيضاً ، هي تسحبك لنفس الطريق ، يجب أن تتخلى عنها خالد ، ولنبدأ سوياً من حيث انتهينا .
نظر له ولم يقتنع بترك كل تلك الأموال التي جمعها بطريقة ذكية الكترونية من الحسابات البنكية قبل موت عائلته حتى لا يفضح أمره ، كيف يتخلى عنها وهي سبيله للعيش والسفر واللهو والترف ! ، تحدث وهو يلف وجهه عنه قائلاً بتجهم وعدم اقتناع وهو يضع ساقاً فوق الأخرى :
– اترك لي القرار يا رفيق ، إن أردتُ تركها سأفعل ، اهتم أنت بأمورك واترك لي أمري .
لم تعجبه تلك النبرة التي تظهر حاقدة ولكنها مبطنة باليأس والألم وهذا ما استنتجه صقر لمعرفته الجيدة به لذا تحدث بصدق :
– تعلم أنني لستُ من أصحاب المشاعر والأقاويل الدرامية ولكن دعني أخبرك أن أمرك يعنيني ، خرجنا سوياً من الجحيم ولن أسمح لك بالعودة له ، سأسحبك عنوةً إلى أن نصل لما يريح أفئدتنا المهلكة ، هل فهمت .
استمع له بملل وضيق ، مؤخراً بات صقر يلقي على مسامعه النصائح والتعليمات المملة التي لا يرغب بها في حياته لذا وقف يطالعه ويردف بتجهم وانزعاج :
– أصبحت دراميٌ بائسٌ وممل .
تحرك يغادر وتحدث ساخراً بانزعاج بعدما علم منه الخبر أمس قائلاً قبل أن يترك المكتب :
– زوجته حاملٌ وهو من يعاني هرمونات الحملِ .
❈-❈-❈
في فيلا سمير العدلي
والذي يقطن في الفيلا المجاورة لفيلا شقيقه حسن العدلي ، كما أن هناك فيلا أخرى مجاورة لهما أيضاً يمتلكها شقيقهما رضا العدلي ليكونوا ثلاثتهم متجاورون .
ينادي بصوتٍ حاد وهو يقف يرتدي جلبابه الأبيض وعمامته وفي يده المسبحة ليؤدي دوره على أكمل وجه قائلاً بنبرة متجهمة وملامح مقتضبة :
– إنت يا زفت ياللي اسمك طه ، اخلص يالا الصلاة هتفوتنا .
كان ابنه في غرفته يسمعه جيداً ولكنه يتجاهل ندائه ويجلس يتابع إحدى الشخصيات الشبابية التي ضلت طريقها من بعد الهداية .
شاب مشهور يدعى $$$$ يؤثر على شريحة ضخمة من شباب العرب والغرب وينشر أفكاره الضالة لهم ويتبعونه كالمغيبين .
وهذا طه هو أحد الشباب الذي يتابعه بعدما استغل الآخر تشدد والده باسم أن هذا المسار الصحيح للإسلام .
تلك الفئة تمردت على عائلاتهم ومجتمعاتهم وتجردت من التدين والاعتدال بعد رحلةٍ قاسيةٍ من العنف والتشدد أو التحرر .
فجأة اقتحم والده غرفته ونظر له وجده ينكب على حاسوبه بغير اهتمام لذا أسرع الخطى نحوه ودون مقدمات انهال عليه بقبضته يلكمه في أنحاءٍ متفرقةٍ من جسده ويردف بعلوٍ وغضبٍ موبخاً :
– بقالي ساعة بنادي عليك تقوم تلحق الصلاة وانت إيه ؟ ، قاعد للزفت ده ليل مع نهار لما دخلنا الفقر بسببك ، مهو ليك حق لما تبقى قاعد في أوضة مكيفة ومش حاسس بالحر يبقى هتحس بجهنم إزاااي ، قدااامي يا كلب يا عديم المنفعة ، عيل صغير عنده سبع سنين فاهم الفروض وحافظها عنك .
بدأ يجره عنوةً فتململ طه ونفض يد والده ونهض يبتعد ويطالعه بنظراتٍ نارية ثم تحدث بغضب وحقد تجلى في نبرته وهو يقول :
– ملكش دعوة بياااا ، خليك إنت في جنتك وسيبني أنا عايز ادخل جهنم ، اهي هتبقى أرحم من جهنم اللي معيشنا فيها ، ده لو جهنم بتاعتك دي موجودة أصلاً ، وبعد كدة لو ايدك اتمدت عليا أنا هولعلكوا في البيت ده كله ، انا مش عيل قدامك وهقفلك ، انت فاهم .
اكفهر وجه سمير وجحظت عيناه وتحرك يقترب منه ويردف ببطء وذهول :
– يخربيتك ، إنت بتتكلم كدة ليه يا ولا ؟ ، ملموم على مين يا *** يا عرة ؟ ، ياريتني ما خلفت واحد زيك ابن أمه ادلع لحد ما باظ ، ربنا ينتقم منك .
دلفت زوجته تسرع الخطى وهي تحاول امتصاص غضبه وتردف بتوتر من حدته :
– خلاص يا سمير ، اهدى وانزل إنت الحق الصلاة وسيب طه يصلي هنا .
التف يطالعها بغضب ونظرات حادة ويردف موبخاً يلقي بكل اللوّم عليها لينجي بنفسه قائلاً :
– مهو إنتِ اللي وصلتيه لكدة ، دي تربيتك ، الأم مدرسة وانتِ أم فاسدة معرفتيش تزرعي فيهم العبادة من صغرهم ، أنا بريء منكم قدام ربنا ، أنا هقف قدام ربنا وأقوله أني كنت بعمل اللي عليا ، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم .
تركهما وتحرك كالإعصار يغادر مثلما أتى ووقفت هي تقطر ألماً داخلياً من عذابها مع هذا الزوج وندماً على سوء اختيارها له ولكن الأوان قد فات على الندم ، الآن كل ما يعنيها هما ولديها اللذان باتا على حافية الهاوية .
نظرت لابنها الذي يقف يطالعها بضيق كأنه بغض الحياة هنا ولم تجد كلمات مواساة أو نصح مناسبة بعد ضعفها الذي تعاير به من قبلهم لذا فكل كلماتها لم تجدي نفعاً معهم وظلت فقط رحمة الله .
نزل سمير الدرج وكاد يغادر ولكنه وجد ابنته تناديه فوقف يطالعها حتى وصلت إليه وانحنت تقبل يده كي تحصل على مبتغاها ثم اعتدلت تتحدث والمكر يتراقص في عينيها :
– متزعلش نفسك يا بابا ، روق بس علشان صحتك .
نظر لها بتباهي كأنه يفتخر بانجازه ثم أومأ وتحدث متسائلاً بنبرة أقل حدة :
– راحة فين كدة دلوقتي ؟
توترت نظرتها ولكن أسرعت تثبتها عليه وتردف بمراوغة تنجح بها دوماً أمامه :
– كنت راحة اشتري كتب دينية ، المجموعة اللي انت جبتهالي جميلة أوي يا بابا ، خلصتها في يومين وعايزة أروح اشتري غيرهم ، تحب أسمعلك الكلام اللي حفظته منهم ؟
استطاعت تغفيله بحديثها الذي صدقه لذا قال بنبرة عاجلة مهملة :
– خليها وقت تاني يا إيمان ، تعالى امشي معايا أنا رايح الجامع .
أوقفته تمد يدها وتتحدث بنبرة مرحة وعيون لامعة تؤثر به دوماً :
– طب هات حسنة لله بقى علشان اشتري الكتب .
زفر يطالعها ثم دس يده يخرج مبلغاً مناسباً لها وناولها إياه قائلاً بملامح يلازمها الغضب :
– ابقى غطي شعرك ده الناس تقول علينا إيه ؟
ادعت تفاجؤها وهي تضع يدها تتحس حجابها قائلة :
– إيه ده هو باين ، ما خدش بالي .
زفر وتحرك معها للخارج قائلاً :
– طب يالا نخرج من البيت الفقر ده .
غادرا المنزل مترجلان حتى تركها عند مفترق طرق ودلف المسجد بتباهي أمام الجميع وهم يرونه يعد حبات مسبحته وشفتيه تتحرك عبثاً وعينيه مغلقة أمامهم كأنه متعمقاً في تسبيحاته .
❈-❈-❈
في ڤيلا بهجت
الذي توضأ هو وابنه البالغ من العمر ١٨ عاماً ، وقف بملامح وجهٍ نقش فيها الرضا وتحدث بحنو :
– افتكر أكل القطط يا مازن ، قول لوالدتك تجيبهم .
أومأ مازن بطاعة وتحرك نحو نسرين التي طالعته بحنو وتحدثت وهي تناوله الكيس البلاستيكي قائلة :
– فيه إزازة مية وعلب بلاستيك يا مازن ابقى امليلهم كذا واحدة وحطها على جنب .
تحدث مازن بطاعة واحترام :
– حاضر يا ماما عن اذنك .
غادر هو وبهجت ووقفت نسرين تنتظر خديجة التي تتوضأ لتصليا في المصلى الموجود داخل المنزل .
سارا في طريقهما إلى المسجد وقبل أن يصلا توقف بهجت يمد يده لابنه قائلا بحنو :
– هات يا مازن الأكل .
دس مازن يده في الكيس البلاستيكي ثم أخرج الطعام وزجاجة المياة فتناولهما منه بهجت وانحنى يضع على الرصيف حيث تجمعت القطط حوله ليلتهموا وجبتهم من هذا الطيب الذي اعتاد فعل هذا الأمر .
❈-❈-❈
في فيلا آسيا
وتحديداً في غرفة مايا ذات العيون المنتفخة المتورمة ، منذ تلك اللحظة وهي لا تتوقف عن البكاء .
حتى صورة والدها التي كانت تلجأ لها في حزنها لم تعانقها اليوم ، يبدو أن الجميع خدعوها حتى هو .
أخضعوها لحبٍ أخوي وقوة ترابط لا تنحل أبداً ووليا أمر نصحها وإقناعها لتلك الشقيقة التي اكتشفت لتوها أنها ليست كذلك .
كيف تتقبل هذا الأمر ، حاقدةً تماماً على والدتها وعلى عمر الكاذب المخادع وحتى على والدها ، قلبها يؤلمها ودموعها تزداد هادمةً سد تماسكها .
أما في الأسفل
تجلس آسيا مع نارة التي أتت لتخبرها بحملها .
نظرت لها نارة بترقب وتحدثت بابتسامة زينت ثغرها وأكدت مدى سعادتها قائلة :
– ماما فيه خبر حلو لازم تعرفيه .
تنبهت حواس آسيا كأنها أدركت هوية هذا الخبر ثم تحدثت متساءلة :
– خير يا حبيبتي ، قولي .
نظرت نارة نحو معدتها ثم وضعت كفها عليها تتحسسها ثم رفعت نظرها مجدداً لوالدتها تردف بسعادة :
-أنا حامل يا ماما .
شهقت آسيا تضع كفيها على فمها بينما تشبحت عينيها بالغيوم اللامعة سريعاً مالت إليها تعانقها عناقاً يؤكد سعادتها وفرحتها بهذا الخبر فبادلتها نارة بحنو .
ابتسمت آسيا وربتت على ظهرها تردف بسعادة اختلطت مع دموعها :
– مبروك يا حبيبة قلب ماما ، هتبقي أحلى مامي في الدنيا كلها .
ابتسمت نارة بسعادة ولكن ابتعدتا حينما شعرتا بنزول مايا من الأعلى .
نزلت تطالعهما بتلك العيون المنتفخة فذهلتا وأسرعت نارة تنهض وتقترب منها متسائلة بحنو وقلق حاد تاركة سعادتها عند الركن البعيد :
– مايا مالك فيه إيه ؟
طالت التحديق بها ، كأنها تستكشف ملامحها لأول مرة ، عقلها لا يستوعب أن من أمامها الآن ليست شقيقتها الحقيقية ، انفاسها مرتجفة كلما تذكرت تلك الحقيقة المرة ، لا بل كذبة مُرّة ، اختلج قلبها ألماً وهي ترى التساؤلات في عين نارة ولم تستطع النطق وبأي حديث تتفوه وبحر الكلمات قد جف من فوق شاطيء شفتيها .
اقتربت آسيا هي الأخرى وتساءلت بقلق وامتدت يدها تمسده على طول ذراع مايا قائلة :
– إيه اللي حصل يا مايا ؟ ، احكيلنا يا حبيبتي .
لم تنظر نحو والدتها ، لا تود سماعها الآن ، بل خرجت من صمتها وتسمرها على أثر قلق والدتها الكاذب من وجهة نظرها ، انهارت حصونها وارتمت فجأة بين ذراعي نارة تعانقها بقوة وتعاود البكاء الحاد .
تتمسك بها كأن أحدهم سينتزعها بينما صدمت نارة من فعلتها وبادلتها العناق تردف بصدمة وتعجب :
– مالك بس يا مايا فهميني يا حبيبتي إيه اللي حصل ؟ .
هزت رأسها مراراً ثم تحدثت باستنكار ونبرة متحشرجة يشوبها الألم القاتل :
– هما كدابين ، كدابين واللي قالوه مش صح أبداً ، إنتِ أختي ومش هصدق أي كلام غير ده ، إنتِ وأنا إخوات واللي قالوه ده كذب .
تجمدت آسيا مكانها وسحبت يدها من فوق ذراعها ووقفت تتطلع عليها بصدمة ، أما نارة فصدمتها أزاحت وألقت بسعادتها عرض الحائط ، تبدلت حالتها من الفرحِ الشديد إلى الحزن الطاغي وهى ترى الحقيقة قد انكشفت بعدما ظنتها لن تُعرف أبداً .
ابتلعت لعابها الحاد المرير ثم تحدثت بنبرة بطيئة يغلفها الحزن :
– طبعاً يا مايا إنتِ أختي ودي حقيقة مستحيل أي حقيقة تانية تغيرها .
ابتعدت مايا قليلاً تطالعها بشك وتهز رأسها بألمٍ ثم قالت راجية باكية :
– لا متقوليش حقيقة إنتِ كمان ، اللي قالوه ده مش صح .
نظفت آسيا حلقها وجاهدت لتتغلب على صدمتها بعدما انكشفت الأمور ثم تحدثت بنبرة جعلتها هادئة تقول بتوسل خفي :
– مايا ممكن تتكلم ؟ ، خلينا نقعد نتكلم وهحكيلك كل حاجة يا حبيبتي .
باغتتها بنظرة حادة ثم ابتعدت عن ذراعي نارة وتحدثت بنبرة محذرة وهي تشير بسبابتها وعيونها تقذف الاتهام والغضب :
– اوعي ، اوعي تتعاملي معايا تاني على إني طفلة صغيرة وأي حاجة هتقوليها هصدقها ، إنتوا كدابين ، كلكم كدابين إنتِ وعمر وحتى بابا كدب عليا .
عادت تحدق النظر في نارة وتردف بسبابتها بحدة كأنها تأمرها :
– وإنتِ أختي ، سامعة ؟ ، مش هتقبل أي حقيقة غير كدة .
أنهت حديثها وتحركت نحو الخارج تحت صدمتهما بخطوات متعثرة وبغير هدى حتى وصلت إلى الحديقة باكية مستنكرة ولكنها توقفت حين وجدته يقف أمامها .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى