Uncategorized

رواية قلوب قاسية الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبدالمنعم

رواية قلوب قاسية الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبدالمنعم 

رواية قلوب قاسية الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبدالمنعم

رواية قلوب قاسية الفصل الثاني 2 بقلم يمنى عبدالمنعم

الغضب
تناولت حقيبتها مغادرة المنزل…. وما أن تركته حتى وقفت بأسفل درج البيت…. ملتصقةً بظهرها إلى الحائط خلفها…. غير قادرة على منع دموعها أكثر من ذلك.
قائلة لنفسها ببكاء: لأمتى يا ندى هتخبي حبك له في قلبك وهوه مش شايف غيرها…. آه يا خالد آه لو تبصلي مرة واحدة بس، على اني انثى مش الطفلة الصغيرة اللي بضفرتين بتاعت زمان.
شردت بذهنها بموقف ما حدث بينهما في الماضي منذ زمن بعيد وهي طفلة… وعمرها في ذلك الوقت عشر سنوات.
تأملته كثيراً وهو يجلس أمامها يستذكر دروس كُليته قائلة ببراءة: خالد انت عندك كام سنة…..؟
ضحك خالد من براءتها وهو يرفع بصره من فوق كتابه قائلاً بعدم اهتمام: ليه بتسألي السؤال ده….؟
تأملته ندى على استحياء قائلة بخفوت: أبداً بس عايزه أعرف.
ترك كتابه الذي يذاكر به وتفحص وجهها البريء قائلاً باللامبالاة: عندي عشرين سنة ها حلو كده، ياريت بقى تكوني ارتحتي دلوقتي…. يالا هاتي كتاب الحساب بتاعك خليني اسألك في درس امبارح وأشوفك حليتي الواجب ولا لأ.
تنهدت بضيق من سخريته الواضحة من حديثه إليها… وابتعدت عنه باضطراب قائلة بصوتٍ خفيض: حاضر يا خالد هجيبه… بس أنا بقى محلتش الواجب ومش هحل واجب النهاردة كمان.
قطب حاجبيه بحدة وسخط ثم هب من مكانه بتهديد قائلاً لها بغضب: بقى كده… طيب…. على العموم انتِ عارفه العقاب.
هنا شحب وجهها بشدة تحاول الهروب من أمامه، ورمقته بمزيد من التوتر والفزع قائلة برهبة: طب… طب سامحني المرادي يا خالد معلش.
ضيق عينيه بحنق شديد قائلاً بعصبية: مش هسامح علشان ترتاحي… وإيه كمان كلمة خالد دي اللي كل شوية تقوليهالي…. شكلك أخدتي عليه أوي. 
جف حلق الصغيرة شاعرة بغصة قوية في حلقها من شدة تأثيره الواضح عليها… وهو يقف بالقرب منها قائلة بعفوية: أمال… أمال أقول إيه يا…. قاطعها بحده هذه المرة.
قائلاً بانفعال: قوليلي يا بشمهندس خالد…. وتاني مرة لو لقيتك بتقوليها تاني هيبقى حسابك معايا ساعتها مضاعف فاهمة.
هزت رأسها سريعاً بالموافقة من الخوف الذي يعتريها قائلة بطاعة: ماشي يا بشمهندس… حدق بها بضيق ثم اقترب منها أكثر منحنياً أمام وجهها عابس الملامح.
قائلاً بخبث: بس مش معنى كده إني مسامح وانك مش هتتعاقبي على عدم كتابتك للواجب…. يالا هاتي العصاية اللي خبتيها مني من يومين.
امتقع وجهها كثيراً وهي تتهرب من نظراته القاسية لها قائلة بكذب: مش… مش فاكرة أنا شيلتها فين….!!!
فكر خالد قليلاً ماذا يفعل معها ثم تنهد بغموض كبير قائلاً بلهجة ماكرة: آآآه شكلك كده هتتعاقبي مرتين…. مرة على عدم كتابة الواجب ومرة تانية على كدبك عليه دلوقتي.
ما أن انصتت لتهديده هذا…. حتى أسرعت بالدفاع عن نفسها قائلة بلهفة: بس أنا… قاطعها بغضب حاد وكاد أن يضربها على وجهها الصغير… لولا أنه أمسك أعصابه بقوة…. وضم قبضته بشدة كي لا يتهور عليها هذه المرة أيضاَ.
قائلاً بلهجة مهددة: ندى قومي هاتي العصاية بالذوق يا إما….!!!! ركضت الأخيرة من مكانها بسرعة نحو غرفةً مخصصة لها في منزل جدتها وأتت بالعصا له بعد أقل من دقيقتين.
أختطفها خالد من يدها سريعاً قائلاً بحزم: افتحي ايدك يالا بسرعة…. فنظرت له والدموع تلمع بداخل مقلتيها قائلة برجاء طفولي: هفتح بس متضربنيش أوي.
تأملها بضيق وهو يقترب منها بخطوات ثابته قائلاً بتعالٍ ساخر: مش انتِ يا أمورة اللي هتأمريني وتحدديلي اضربك ازاي ماشي يا حلوة.
أجبرت ندى نفسها على فتح كفيها الصغيرتين من شدة خوفها منه، ثم مدت قبضتيها بحذر وتردد بالقرب منه…. فضربها عليهما هما الأثنان دون أدنى تأثير من جانبه… أربعةً من العصا متفرقة، بقسوة متوسطة.
لم تتحمل ندى ضربه لها فبكت بصمت رغماً عنها…. رأى خالد عبراتها المنهمرة على وجنتيها.
فهتف بها بغلظة: علشان تاني مرة تحرمي…. وتعملي كل الواجب اللي بدهولك…. ويالا امسحي دموعك دي بسرعة وهاتي الكتاب زي ما قلتلك وكلمتي تتسمع من مرة واحدة بعد كده.
مسحت دموعها سريعاً خشيةً منه بكفها الصغير، حتى لا يصرخ بوجهها أكثر من ذلك قائلة بصوتٍ منتحب متقطع: حــا…حــا….حاضر… انصرفت ندى من أمامه مهرولة لتنفذ أوامره لها حالاً.
ايقظها من شرودها الطويل هذا صوت رنين هاتفها فأمسكته بتساؤل من يزعجها هكذا الآن.
فوجدتها صديقتها المقربة فاطمة والتي بادرتها بقولها باستفهام: إيه يا بنتي ده… كل ده تأخير أنا مستنياكِ برة من تلت ساعة.
ابتلعت ريقها بصعوبة وجففت عبراتها قائلة بخفوت: أنا آسفه دقيقة واحده وهبقى عندك يا فاطمة.
استيقظت حبيبة بعد مغادرة شقيقتها من المنزل بنصف ساعة قائلة لوالدتها بنعاس: ندى مشيت على كليتها.
اومأت برأسها بالإيجاب قائلة بهدوء:- أيوة مشيت من شوية ربنا يوفقها…. وتعالي يالا علشان تفطري.
تنهدت وهي تجلس على الأريكة خلفها قائلة بهدوء: لا يا ماما مش جعانه…. مليش نفس.
هزت الأم رأسها بضيق وجلست بجوارها هي الأخرى قائلة بنفاذ صبر: انتِ يا بنتي مفيش فايدة فيكي أبداً ومهما أتكلم وانصحك بردو بتمشي اللي في دماغك.
ابتسمت لها ابتسامة حانية وأمسكت بيديها بين كفيها قائلة بحب: ماما حبيبتي أنا آسفه انتِ عارفه انا بتعب في شغلي أد إيه وببقى مضغوطة جداً فيه… فا بيبقى كل ده مأثر عليه أكيد.
زفرت والدتها بيأس قائلة بنفاذ صبر مرةً أخرى: طب وخالد ماله ومال نفسيتك.
أشاحت بوجهها بعيدا عنها بضيق، فهي لا تريد أن تسمع أي موضوع يخص الزواج قائلة بهدوء ظاهري: عارفه ان خالد مهندس محترم وملتزم لكن مش أنا اللي تناسبه.
حدقت بها بحده هذه المرة قائلة بغضب: حبيبة انتِ هتجنينيني منك بالشكل ده…. ازاي إنتِ مش مناسبه له وهوه مركزه مرموق زي حضرتك بالظبط…. ده غير انه عايزك انتِ من زمان وعمرك ما عطتيله وش ولا كلمة عدله تقوليهاله.
نهضت من مكانها فجأة قائلة لها بسخط: ماما ارجوكِ…. انتِ مش محتاجه توصفهولي… أنا عارفه كل ده كويس أوي، لكن مش أنا اللي تستحقه…. خالد يستحق واحدة تانية أفضل مني ولو وافقت، هبقى بظلمه أكتر ما بظلم نفسي.
جاءت والدتها لتعترض على قرارها هذا…. بوغتت بزوجها قد أتى وتدخل بالأمر قائلاً لها بحزم: منيرة كفاية كده واقفلي بقى أي كلام في الموضوع ده…. خلاص هوه اتقفل على كده ومش عايز أي حوار فيه تاني.
شعرت زوجته باليأس والحزن لانتصار رأي ابنتها عليها وهتفت به بضيق عارم: بقى كده بردو يا فهمي هتسيبها تمشي اللي في مزاجها.
اومأ رأسه بنفاذ صبر قائلاً بجمود حاسم: أيوة حبيبة كبيرة وعاقلة وعارفه مصلحتها كويس أوي وفين كمان، ويالا بقى على المطبخ اعمليلي فنجان قهوة سادة… خليني أشربها وأروح الشغل وأنا فايق والموضوع ده قلنا خلاص قفلناه ومش هنفتحه تاني…. وتبقي بلغي اختك بكلامي ده… 
تأملته منيرة طويلاً بغيظ قائلة له بلوم منفعل: بقى خلاص أنا دلوقتي بقيت وحشه يا فهمي، وكلامي بقى مش مقبول مش كده.
حدجها بنظراتٍ نارية غاضبة… صامتٍ من الخارج لكن بداخله حديثاً كثيراً يريد أن يفرغه في وجهها لكن ليس الآن أمام ابنته يكفي ما لاقته منه اليوم.
ولم يجيبها مشيحاً بوجهه بعيداً عنها لتفهم منه أن الحديث قد انتهى وأغلق عند هذا الحد… اقتربت منها حبيبة لتواسيها بكلماتٍ حانية، أشارت لها والدتها بيدها بحنق لإيقافها….
تيبست حبيبة في مكانها لا تقوى على الحراك من نظرات والدتها الساخطة… ثم تركتهم وانصرفت إلى المطبخ وهي غاضبة وحزينة من زوجها أكثر من ابنتها.
تأملت حبيبة والدها بعتاب قائلة له بلوم: ليه يا بابا عملت كده وزعلتها منك بالطريقة دي.
زفر فهمي بحرارة وهو يجلس على مقعد من مقاعد المائدة قائلاً بنفاذ صبر: أنا لسه قايلها اقفلي الموضوع ده كفاية انتهينا منه وبردو مفيش فايدة فيها…. انا صحيح اتمنى انك توافقي على خالد …. بس الجواز مش بالعافية وعمري ما هغصبك على حاجه انتِ مش عايزاها ده جواز مش لعبة.
ابتسمت له بحب وهي تحتضنه برقة قائلة له بخفوت:- يا حبيبي يا بابا ربنا يبارك فيك وفي صحتك يا أحسن أب في الدنيا دي كلها….
بادلها ابتسامتها وهو يضمها إليه برفق قائلا لها بحنان: انتِ حبيبتي يا حبيبة أنا مليش غير سعادتك انتِ واختك ندى ده هوه بس إللي يهمني.
تأملته بإعجاب قائلة باستفهام: طب وماما بقى دلوقتي هتصالحها ازاي …. صمت فهمي برهةً من الوقت مفكراً ثم قال لها بصوتٍ خفيض: سيبيها دلوقتي لما تهدى خالص لوحدها، وانا هبقى أصالحها بعدين بطريقتي.
جلست حبيبة في غرفتها تقرأ بأحد الكتب الدينية الخاصة بالأستغفار… عندما تعالى رنين هاتفها المتواصل.
أمسكته وابتسمت لنفسها بعذوبة وهي تقرأ الاسم وفتحته قائلة: السلام عليكم أهلاً منال وحشاني كتير أوي من امبارح.
ضحكت صديقتها وزميلتها بالمشفى قائلة بمزاح: وعليكم السلام… لا انتِ أكيد مش حبيبة اللي كانت بتكلمني وهيه متعصبه امبارح في المستشفى.
تنهدت حبيبة بجمود قائلة بأسف: بعتذر يا منال عن عصبيتي وحدتي معاكِ في الكلام…. بس ده أكيد كان غصب عني.
صمتت منال قليلاً قائلة بهدوء: ولا يهمك يا حبيبة إحنا إخوات مش اصحاب وبس…. ثم صمتت قليلاً بارتباك متابعة بحذر وتردد:- طب…. طب…. على فكرة ميعاد التحقيق اتحدد.
ارتجف قلب حبيبة بقلق كبير قائلة لها بتوتر: امتى يا منال قولي بسرعة.
تنهدت ببطء قائلة بهدوء مفتعل: بكرة ان شاء الله الساعة تسعة الصبح.
لم تنم حبيبة هذه الليلة من كثرة التفكير في هذا التحقيق الباطل بالنسبة لها…. بالرغم من إنها تتمدد في فراشها منذ أكثر من ساعتين تحاول أن تنام… إلا أنه جفاها ولم تذق عيناها طعماً له.
أغمضت عيونها بضيق…. متذكرةً ذلك الفظ الذي كان وراء كل ما يحدث لها الآن من مشاكل وعقبات توضع في طريقها نحو تقدمها في مجال عملها.
دخل آدم إلى غرفة شقيقه في المساء بالمشفى، فوجده مستيقظاً اقترب منه وهو يبتسم له قائلاً: اذيك النهاردة يا يوسف.
تنهد بتعب قائلاً بخفوت: الحمد لله يا أبيه، أحسن من الأول… تأمله آدم بحنان وهو يضع كفه فوق شعر أخيه  يتحسسه برفق.
قائلاً بعطف: الحمد لله يا حبيبي…. عارف ان العملية صعبة شوية عليك… بس متقلقش مرحلة الخطر عدت ودي حاجه كويسه ومتخافش مش هسيب اللي عمل فيك كده.
تنهد يوسف متألما قائلاً برجاء: لا يا أبيه متشغلش بالك إنت، مادمت بقيت خلاص كويس.
رمقه بنظرات غاضبة قائلاً باستنكار: يوسف انت ازاي تقول كده…. هوه اللي حصلك ده كان قليل ولا إيه.
صمت يوسف مضطراً وهو يتأمله بيأس قائلاً له بخفوت حذر: عارف بس مش كفاية انتقام لغاية كده يا أبيه.
جلس آدم على المقعد الذي بجوارالفراش قائلاً بحسم غاضب: هما اللي بدأو اللعب معايا وانا هربيهم يا يوسف… هربيهم علشان يبقوا يعرفوا مين هوه آدم الحديدي…. علشان تاني مرة قبل ما يلعبوا ضده يبقوا يفكروا مليون مرة قبل ما يعملوها.
تمعن يوسف بوجهه بحيرة كبيرة قائلاً بحذر مرةً أخرى:- خلاص يا أبيه اهدى طالما أنا بخير.
وقبل أن يجيبه آدم…. أحدهم طرق الباب عليهم ثم فتحه ببطء قائلاً لهم بهدوء: آدم بيه مدام رقية عايزة تطمن على استاذ يوسف.
حملق بشقيقه بنظرات مهددة بألا يتحدث بأي حرف واحد قائلاً لها بهدوء مفتعل: طب اتفضلي انتِ دلوقتي.
بعد أن غادرت الممرضة المكان التفت آدم لشقيقه قائلا بلهجة آمرة: إياك تعارضني على أي حاجه أقولها فاهم.
رمقه أخيه بحزن شديد متمنيناً أن يتحدث إليها قائلاً له برجاء: بس يا أبيه أنا نفســـ… قاطعه بقوة غاضبة هذه المرة قائلاً له بتهديد: يوسف أنا قلتلك مية مرة قبل كده متحنش ليها أبداً سامعني.
تركه آدم بعصبيةٍ زائدة تعتريه لمقابلتها، وقف أمامها يتأملها بغرور واضح، واضعاً كفيه بداخل بنطاله قائلاً بحدة: يعني مفيش فايدة فيكِ مهما أتكلم معاكِ… مش قلتلك متجيش هنا تاني مرة.
حدجته ودموع الرجاء في عينيها ثم اقتربت منه بخطواتٍ بطيئة قائلة له بإلحاح: يا بني حرام عليك متعملش فيه كده أنا أم… ومن امتى وانت قاسي كده.
زفر بحرارةٍ حادة قائلاً بغضب: قلتلك قبل كده كذا مرة متقوليش كلمة يا بني دي وتنسي إنك خلفتيني خالص…. وقبل ما تقولي عليه قاسي اتفضلي شوفي نفسك الأول، مين اللي رمت ولادها من صغرهم…. ويالا بقى امشي من هنا بسرعة.
امسكت رقية بيده فجأة تقبلها والعبرات تغرق وجهها وكفه قائلة بوجع أليم:- ارجوك يا بني متقاساش عليه بالشكل ده… خليني….. قاطعها آدم بإزاحتها بعيدا عنه، فتعثرت إلى الوراء بحده وكادت أن تسقط أرضاً.
قائلاً لها بعدم رحمة: قلتلك لأ يعني لأ…. انتِ خلاص مبقناش نعرفك ولا عايزين نعرفك من الأساس في يوم من الأيام… وكفاية بقى أوي لغاية كده ضيعتي وقتي.
انهارت والدته هذه اللحظة من شدة قسوته عليها بهذا الأسلوب المجحف لقلب أم حزين ليس لها أحداً سوى الله…. جاثيةً على ركبتيها بالأرض بمزيد من الحزن ووجعٍ بداخل قلبها من أثر كلماته الغليظة والغاضبة لها.
قائلة برجاء كبير: يا بني متبقاش بالقساوة دي حرام عليك… تفحصها باستخفاف غاضب دون أن يرفق بحالها قائلاً لها بتهديد مختصر: انا مش ناوي اتكلم كتير… يالا من هنا بدل ما يحصلك زي المرة اللي فاتت.
نهضت ببطء من مكانها وبصرها عليه ترمقه بأسى… قبل أن تغادر المكان بعيونٌ دامعة وبقلب منكسر من الداخل، ولن تستطع أن ترد عليه.
عاد آدم أدراجه مرةً أخرى إلى الداخل عند شقيقه…. حدجه يوسف بقلق والذي كاد أن يتحدث إليه… لكنه ظل صامتاً رغماً عنه من ملامح شقيقه الكبير التي لا تنبؤ بالخير أبداً… ففضل بداخله أن يؤجل الحديث إليه فيما بعد عندما تهدأ أعصابه الثائرة.
دخلت حبيبة إلى غرفة مخصصة للتحقيقات… في نفس الميعاد المتفق عليه معها بالأمس في الصباح التالي كما أبلغتها صديقتها منال.
وقفت أمام مدير المشفى وكان بصحبته شخصان ما آخران أحدهم محامي من الشئون القانونية والآخر من شئون العاملين للتحقيق معها…  لكن حبيبة بداخل نفسها لم تكن تذكر أن رأتهم من قبل….
همست رغماً عنها متوجهه بحديثها لكمال مدير المشفى قائلة بتردد: حضرتك ممكن أعرف أنا بيتحقق معايا ليه…. وبدون سبب واضح.
أجابها بهدوء شديد قائلاً: دكتورة حبيبة جاني خبر انك اتأخرتي عن مريض في وقت هوه كان محتاجك فيه أوي…. وكانت حالته صعبة جداً وكان موجود في إوضة العمليات.
تنهدت حبيبة بضيق قائلة بثبات: دكتور كمال حضرتك الكلام ده غير صحيح بدليل…. أنا كنت موجوده هنا، وجاهزة وحضرتك شفتني وأنا داخله إوضة العمليات ومنعتني عنها وقولتلي…. دكتور شاكر جوه وبيعمل هوه العملية….. يعني ملوش لزوم التحقيق معايا.
زفر كمال بحيرة وهو ينظر إلى أحد الرجلين قائلاً لها بحزم: ما هو ده اللي بستغرب له إنك كنتِ موجوده فعلاً وبردو اتأخرتي عن تأدية واجبك اتجاه انسان كان…
قاطعهم صوت حاد هذه اللحظة من الخلف مستكملاً بغلظة: كان ممكن أوي يكون ضحيتك ويروح فيها بكل سهولة نتيجة إهمالك.
تيبست حبيبة في مكانها فصاحب هذا الصوت البغيض هو من تحدث معها بالأمس بعنجهيةٍ شديدة، وكان السبب وراء كل ذلك الآن…
ها هو قد أتى من جديد بغطرسته الفظة، وبالتأكيد سيحتد عليها مرةٌ ثانية وهذا لن تقبل به أبداً هذه المرة.
حاولت أن تبدو طبيعية متماسكة أمام الجميع حتى تظل قوية داخل غرفة التحقيقات….
وقف آدم بالقرب منها وعينيه تشمئزان من ثيابها السوداء الطويلة والمحتشمة… فقد تفاجئ بأنها منتقبة مستطرداً باستهزاء ساخر: يعني لابسه نقاب كمان ومعندكيش أي ضمير.
بُهتت لهذا الهجوم الحاد من جانبه…. واستفذتها كثيراً عبارته تلك فالتفتت نحوه بحده وهي تشير بإصبعها أمامه قائلة بازدراء: إوعى تتكلم على لبسي مش هسمحلك فاهم.
إكفهر وجهه بشدةٍ من كثرة غضبه منها ومن جرأتها الواضحة التي تتكلم بها إليه…. وهو الذي لم يسبق ويجرؤ أحداٌ ما أن يُحدثه بهذه الطريقة الفظة… مما جعله يثور بداخله ويصرخ في وجهها.
قائلاً بانفعال: انتِ إزاي تسمحي لنفسك تكلميني بطريقتك المستفذه دي.
جلست ندى داخل المحاضرة شاردة الذهن لاحظتها صديقتها فاطمة قائلة بتساؤل: مالك يا ندى فيه حاجه.
منعت دمعةٌ حبيسة كادت أن تفر من مقلتيها قائلة بشرود حزين: أبداً مفيش… حدقت بها صديقتها بقلق قائلة بإصرار: لأ في وأوي كمان قوليلي يالا بسرعة في إيه.
تنهدت بنفاذ صبر قائلة لها بضيق: بعدين هقولك، المهم دلوقتي خلي بالك من كلام الدكتور ليطردنا سوا بره… زي اللي طردهم قابلينا.
بعد انتهاء محاضرتها بوغتت باتصال من والدتها تبلغها أن تذهب إليها عند خالتها والدة خالد بعد يومها الجامعي.
تهلل وجهها بسعادة طاغية قائلة بلهفة: هجيلك هوا يا ماما…. ابتسمت فاطمة عندما شاهدتها على هذه الحالة من الفرحة.
قائلة بتعجب ماكر: إيه السعادة دي كلها…. أكيد فيه حاجه لان مش معقولة دي ندى اللي كنت بكلمها من شوية وكانت بتعيط.
اتسعت ابتسامتها الرقيقة قائلة بعدم تصديق:- ياه أخيراً هشوفه يا بطه بعد كذا شهر من غيابه… متعرفيش أد إيه أنا مش مصدقه نفسي.
اندهشت وأمسكت بيدها متسائلة باهتمام:- هتشوفي مين قوليلي…. قري واعترفي بسرعة…!!!
سرحت بخيالها الواسع متذكرة كل لحظة جمعتها به قائلة بهيام: هشوف خالد… ضحكت فاطمة قائلة بمزاح: آه فهمت بقى كده طب ابقي سلميلي عليه وعلى الحب متنسيش.
عند هذه الكلمة أفاقت من حلمها الوردي على أرض الواقع المرير بالنسبة لها قائلة بقلبٍ موجوع: بس ده مش بيحبني أنا يا فاطمة…!!!
صمتت برهةً لتستجمع قواها مردفه بقولها الحزين:- بيحب أختي حبيبة لكن أنا لسه في نظره ندى الطفلة الصغيرة أم ضفرتين.
حدقت بها بجزع قائلة بتردد: بس ده عذاب  يا ندى ملوش آخر…. كبحت دموعها عن الهطول قائلة بحزن: عارفه وفاهمة كده كويس أوي وعايشه على أمل انه يحس بيه في يوم من الأيام…. قوليلي أعمل إيه علشان أموت حبه في قلبي… قوليلي انساه إزاي.
صمتت فاطمة لا تعرف إجابة على تساؤلها الحائر هذا… فالحب لا يُمحى بكلمة صغيرة، وهي النسيان بل لا يُنسى إلا بصعوبةٍ بالغة وتظل ذكراه دائمة داخل الواجدان لا تُمحى.. مهما مرت أيام كثيرة من حياتنا.
طرقت ندى بهدوء باب منزل خالتها بتردد… وهي تمسح دموعها سريعاً خوفاً من رؤيتها هكذا… لم يُفتح لها الباب بسرعة كما توقعت.
فقررت الطرقات مرةً ثانية… ففُتح بغتةً أمام وجهها بقوة، فانتفض قلبها بعنف وعيونها المتسعة تتعلق بالشخص الواقف أمامها على بُعد نصف متر  منها والتي لم تكن تتوقع أن تجده على الفور هكذا.
قائلة بصدمة: خالد….!!! 
يتبع..
لقراءة الفصل الثالث : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حكايات عروسة للكاتبة آية موسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!