روايات

رواية شمس في قلبين الفصل الثامن 8 بقلم مروة نصار

رواية شمس في قلبين الفصل الثامن 8 بقلم مروة نصار

رواية شمس في قلبين الجزء الثامن

رواية شمس في قلبين البارت الثامن

رواية شمس في قلبين الحلقة الثامنة

سقطت الشمس في احضان المياه وتحول لون السماء إلي لون الغروب البرتقالي الجميل ليزيد المكان روعة، ثم حل المساء سريعاً واستيقظت شمس من قيلولتها التي فضلت ان تلجأ لها بعد عودتها من رحلة اليخت، كان الظلام يلف المكان في الغرفة، فتحسست بيدها زر المصباح الذي بجوارها وأضاءته، فأنارت المكان قليلاً، نظرت حولها تبحث عن الجوال لتتصل بصديقتها ولكنها اكتشفت انها نائمة في الفراش المجاور، تنهدت شمس وأسندت رأسها للخلف علي حافة الفراش وشردت في هذا اليوم الغريب الذي لا تعلم كيف بدأ وأين انتهي.
تذكرت لمسة قصي لوجنتها وهو يقول لها: حاضر بس ارجوك متبكيش، كانت لمسة دافئة رقيقة، تمنت لو تطول ولكنها لم تعد تحتمل اي أوجاع اخري نعم استمتعت بلمسته ولكنها في ذات الوقت رفضتها وعبرت له عن ذلك جيداً وأنذرته الا يحاول أن يلمسها مرة أخري، آهه نابعة من الصدر وشعور مريض بالخوف من كل شيء وأي شخص، يجب أن تغلف قلبها وتضع عليه سياج حديدية، يجب ان تبتعد عن كل ما يؤذيها، لم يعد هناك شيء مضمون، لقد خذلها حبيب العمر، فهل سيأتي أفضل منه ؟، بالطبع لا .
ظلت هكذا شاردة حتي انتبهت علي صوت شاهي المتثاءب: ااه، الواحد كان محتاج ساعتين النوم دول .
التفتت شمس إليها وعدلت من جلستها لتصبح في مواجهتها ثم قالت: قومي حالا فزي من مكانك، وتحكيلي علي كل حاجة من الاول للأخر والا والله يا شاهي حأفرج عليكي الفندق كله، وخدي بالك مش حأتحرك من هنا غير لما اعرف حتي لو حبستك في الاوضة .
نهضت شاهي من الفراش وجلست علي حافته وقالت: مفيش يا ستي، وليد ده الحب الأول والوحيد في حياتي، ثم صمتت .
حدقت بها شمس قليلاً وصرخت قائلة: اخلصي يا ماما، احنا لسه حنتنهد، انجزي وبلاش نظام القطاعي ده، احكي الموضوع كله مرة واحدة .
_ كده طب استني بقا نعمل مجين نسكافيه عشان نفوق وأحكي، وبالفعل نهضت الفتاتان معاً وقامتا بتجهيز القدحان ثم توجهتا إلي الشرفة وجلسوا أمام البحر وبدأت شاهي تروي لها حكايتها مع وليد:
أنا ووليد نعرف بعض من زمان، مامته كانت صاحبة ماما الأنتيم، كانوا دايما مع بعض، فطبيعي انا ووليد كنّا بنشوف بعض كتير، أول مرة أعترف ليا فيها بحبه كنّا في النادي، كانت الشلة كلها متجمعة وكان في ولد فيها بيحبني ودايما ملاحقني، يومها وليد اتخانق معاه وشدني بعيد عنهم وقعد يتخانق معايا ولما صرخت فيه وقلت له وانت مالك، رد عليا وقالي عشان انتي بتاعتي، محدش ينفع يقربلك او يبصلك، وبعدها مسك أيدي وباسها وقالي انه بيحبني كنت وقتها لسه في اولي جامعة وهو كان مخلص جامعة وبيشتغل، مهما اوصفلك يا شمس احساسي مش حاعرف، كنت حاسه اني طايره في السما، فجأة حسّيت اني بحبه اوي ومقدرش اعيش من غيره.
كنت عايشة اسعد لحظات حياتي، لغاية ما ماما ماتت كل حاجة اتغيرت، طنط سميرة مامت وليد وقفت جنبنا ومسابتنيش خالص، عشان اقدر اخرج من الأزمة، لحد ما في يوم بابا فاجئنا كلنا وطلب أيدها، والمفاجأة الأكبر أنها وافقت، هي منفصلة عن بابا وليد من زمان، للأسف دي كانت بداية تدهور علاقتي بيه، الجواز تم، انا كنت حأتجنن ازاي تجوزي جوز صاحبة عمرك، معاملتي ليها اتغيرت ومبقتش طايقاها، وطبعا وليد غضب وساب البيت لأنه مكانش موافق علي الجواز، لحد ما بابا كملها وعرف واحدة عليها وطلقها، ده كان أخر مسمار اتدق في نعش علاقتي بوليد ومن وقتها منعرفش حاجة عن بعض، وانا محبتش حد من بعده .
روت شهيرة كل شيء دفعةً واحدة، ثم تنفست بعمق وصمتت لتعاودها ذكري قبلة اليوم التي كانت كالفتيل الذي أشعل كل شيء من جديد، مذاقها مازال في فمها وجسدها مازال يخبرها بما تغير فيه، قلبها مازال يترنح من شدة الشوق، لقد ذابت تماما بين ذراعيه لم تستطع الفرار من تلك المشاعر الثائرة، كانت تشتاق للمزيد ولكنها في الأخير جاهدت نفسها عندما استطاعت ان تتوقف وتهرب من امامه ومن الكوخ، شعرت بالخوف من ضعفها وهي بين ذراعيه، أحساسها بالراحة معه، وبالرغبة في البقاء أرعبها، وجعلها تهرب بلا تفكير .
استمعت شمس إليها وهي تشعر بالدهشة ثم قالت اخيراً: وليه أول مرة أعرف الحكاية دي، ما أنتي حكيتي ليا حاجات كتير تخصك، اشمعنا ده .
شردت شاهي في البحر أمامها ثم قالت: صدقيني مش عارفة، يمكن عشان دي الحاجة الوحيدة اللي وجعتني بجد، او يمكن كنت فاكرة اني نسيته .
نظرت لها صديقتها وقالت: وانتي ما نستيش ؟.
تنهدت شاهي بحرقة: عارفة يا شمس هو عمل ايه النهارده، أخدني معاه لمكان علي البحر، شاليه، نفس الشاليه اللي رسمناها قبل كده وقلنا حيبقي العش بتاعنا، عمل زيه بالضبط، حتي الفرش من جوه نفس اللي كنت مختاراه، لا وكمان رسم صورة ليا وليه علي الحيطة اللي ورا السرير، صورة من دماغه لأول مرة باسني فيها، تخيلي، انا اول ما شفتها حسّيت برعشة، كل حاجة حواليا رجعتني ٨ سنين لورا، كأني عمري ما سيبته، كأننا عمرنا ما بعدنا .
_ ياااه يا شاهي ده بيحبك اوي .. الراجل اللي يفضل يعمل كده يبقي بيعشقك،ثم تذمرت وقالت بعصبية: ايه الجبروت اللي انتم فيه ده، كل الحب اللي جواكم وتقعدوا ٨ سنين متعرفوش حاجة عن بعض، عشان ايه، حاجة في منتهي التفاهة مالهاش علاقة بيكم، أنتم الاتنين غلطانين يا شاهي، مفيش حاجة تستاهل أنكم تتفرقوا كده، وبعدين الواد مز وطول بعرض، ازاي تسيبيه كده .
ضحكت شاهي وتذكرت لمساته لها وبلا وعي وضعت أناملها علي فمها تتحسس قبلته ثم قالت: ااه يا شمس، تفتكري لسه عايزني ؟.
حدقت بها شمس في ذهول ثم ألقت عليها وسادة صغيرة بقوة وهي تقول: انتي البعيدة مش بتحس، الراجل قعد يعملك بيت الأحلام وراسمك علي الحيطة كل ده ليه، عشان يتف علي صورتك كل يوم ويقول أحسن انها غارت، والا عشان بيحبك يا هانم !.
_جتك قرف في ملافظك، طب قومي يلا عشان نلبس وننزل نتعشي .
كان قصي يقف امام المرأة يرتدي ملابسه، ووليد يجلس في انتظاره وهو يحدث نفسه قائلا: ايه يا وحش اول ما شفتها عملت كده ليه، كأنك مشفتش بنات قبل كده، مش كنت خلاص قفلت الموضوع ده جواك، ايه اللي حصلك .
انتهي قصي وعندما التفت له وجده شارد، ظل يشاهده بعض الوقت ثم قال اخيرا: وليد .. انت بتكلم نفسك !، مالك يا كبير، أنت وقعت والا ايه .
نظر له صديقه وقال: انا واقع من زمان يا معلم، بس انت اللي مش هنا .
اندهش قصي واقترب من صديقه وجلس بجواره: واقع من زمان ازاي .. ثم تذكر فقال سريعاً: أستني، هي دي حبيبة القلب اللي عملت الشاليه اللي علي البحر عشانها .
حرك وليد رأسه بإيماءة تؤكد توقعات قصي، فأضاف قائلاً: يا خرابي علي الصدف .. دي صدفة بنت لذينة، طب وبعدين حتعمل ايه يا صاحبي .
زفر وليد بقوة ثم قال: حأعمل ايه يعني، وقال انا اللي كنت فاكر أني قدرت أنساها، لقيت أني اول ما شفتها كأنها عمرها ما مشيت ولا بعدت، كأنها لسه معايا وجوايا وعمرها ما سابتني ابدا، لدرجة اني نسيت معاها كل البنات اللي عرفتهم، نسيت نفسي حتي .
وضع قصي يده علي كتف صديقه وقال له: خلاص يا معلم طالما كده مستني ايه، بصراحة هي انسانة جميلة، وأحلي من أي واحدة من البنات الزبالة اللي كنت ملموم عليهم، وتستاهل انك تسيب الدنيا كلها عشانها .
صمتت وليد قليلاً يتذكر كل ما حدث بينهما منذ سنوات وما حدث اليوم، تذكر والدته وهل سيكون هذا الوضع مناسب لها أم ماذا ؟، ولكنه لم يعد يحتمل الفراق، هو متيقن الأن أنه مريض بحبها ولا سبيل للشفاء سوي بقربها، لم يعد يستطيع ان يتراجع ثانية بعد ان عادت من جديد، فلتذهب كل الذكريات المؤلمة إلي الجحيم، لن يبقي سوي حبها الذي يملأ قلبه وجسده وروحه، لذا لن يهتم بمراعاة الجميع ثانية، بل سيلحق قلبه فقط، حزم وليد قراره ونظر لقصي وقال: يلا بينا ننزل .
انتهت الفتاتان من ارتداء ملابسهما، ارتدت شاهي فستان احمر قصير بحمالات عريضة وتركت شعرها منسدل ووضعت فقط ملمع شفاه وأبرزت جمال رموشها وعيناها بمساحيق رقيقة، أما شمس فأرتدت بلوزة بيضاء قطنية ( بدي) باكمام قصيرة جداً وجيب قصيرة منفوشة عليها ورود ملونة وفِي قدمها حذاء برقبة طويلة يصل إلي منتصف الساق لونه اسود، وصلتا الفتاتان علي المطعم وتجولتا بين الأطعمة المختلفة حتي انتهت كلاً منهما بوضع الطعام في الصحن ثم جلستا علي مائدة في التراس للأستمتاع بالمنظر الجميل للبحر والأضواء الهادئة التي تنيره وهما تتناولان طعامهما في صمت، وكلاً منهما شاردة في امرها وما التالي الذي قد يحدث لها .
دق جرس الباب ونهضت السيدة رقية لتري من الطارق لتجده شريف ووالدته السيدة خديجة، صديقة العمر ورفيقة دربها، بعد الترحيب الحار، جلسوا جميعاً في حجرة الجلوس وافتتح شريف الكلام سريعاً بسؤال: كلمتيها يا طنط .
شعرت رقية بالحرج الشديد وتلعثمت قليلاً ثم قالت: بصراحة يعني .. لسه مقلتش حاجة .
شريف باستغراب: ليه يا طنط !، مش احنا كنّا اتفقنا .
فأجابته رقية: اه اتفقنا .. بس لازم اختار الوقت المناسب، انا مش فاهمة يا شريف انت ازاي مش عارف شمس، ايه للدرجة دي نسيتها ! .
صمت شريف قليلاً، ثم زفر الهواء بقوة من صدره وقال: لا يا طنط عمري ما نستها، بس بردوه انا متأكد ان مهما كان طبعها، اللي بينا أقوي بكتير .
تلك المرة أجابته والدته السيدة خديجة وقالت: ما هو عشان اللي بينكم كان كبير اوي يا شريف، فوجعه بردوه عندها كبير، انت كسرتها، وانا مش متأكدة انها حتقبلك تاني والا لا .
حدق شريف بوالدته قائلاً: ايه يا ست الحبايب انتي معايا والا معاها .
فزجرته بحزم وقالت: انا مع الحق .. ومعاها قبلك، انت نسيت أنها بنتي واتولدت وأتربت علي أيدي، اوعي تكون فاكر اني حأجيء عليها عشانك، لا يا استاذ فوق لنفسك، انت اخترت قبل كده، واختيارك دمرنا كلنا، مش ذنبنا انك دلوقتي رجعت في كلامك، وانا مش حأجيء علي البنت الغلبانة دي مهما حصل .
ابتسمت رقية لصديقتها وقالت: يسلم فومك يا خديجة يا ختي، بص يا شريف انا قلبي بيتقطع علي بنتي، شمس اتوجعت كتير واستحملت كتير من بعد موت ابوها، ومحدش ساعدها وانت اتخليت عنها، قسما برب العزة لولا انك ابني وابن اختي وأقرب واحدة ليا، أنا مكنتش خليتك عتبت باب الشقة تاني، بس عشان غلاوتك انا أديتك فرصة تانية، بس مش حاغصب علي بنتي حاجة، وفِي الاخر اللي يرضيها حأعمله ليها، كفاية بقا انا دوست عليها كتير، ومش ناوية أدوس تاني .
أطرق شريف رأسه أرضاً وهو يشعر بالخجل الشديد ثم قال: هي فين دلوقتي .
فأجابته والدتها: في شرم الشيخ عندها شغل هناك، حتقعد كام يوم وجاية، لمعت عينا شريف بفكرة وقرر تنفيذها .
أنهت الفتاتان عشائهما ونهضتا من مكانهما للذهاب إلي المكان المخصص للعروض التي تقام يومياً للأطفال والكبار، وأثناء ذلك وهما في طريقهما اعترضهما قصي ووليد، ووقف الجميع معاً وبعد التحية قال وليد: ايه رايحين علي فين !
اجابته شاهي: رايحين نشوف الشو اللي هناك في المسرح .
وليد: طيب كويس واحنا كمان كنّا رايحين هناك .
حدقت به شمس وقالت متسائلة: ازاي يعني، أنتم كنتم جايين ناحية المطعم، يعني اكيد لسه حتتعشوا !.
تلعثم وليد، فتحدث قصي سريعاً: لا احنا كنّا بنعمل جولة بس عشان نطمن ان كل حاجة تمام وبعد كده رايحين هناك، وتقريباً خلصنا كان فاضل المطعم .
فنظرت له شمس بتحدي وهي تشعر بكذبه وقالت: يبقي مش حنعطلكم عن شغلكم وياريت بكره نكمل الاجتماع اللي حضرتك بوزته النهارده عشان ابدا الشغل، بعد اذنكم .
ألقت بكلماتها وأمسكت يد شاهي وغادرت، تاركة الرجلان يشعران أنهما قد حصلا للتو علي دشاً بارداً من التهزيق ولكن بشياكة، نظر وليد لقصي وقال: غسلتنا ومشت وخدت شاهي معاها .
فأجابه قصي قائلاً: لا خلاص بقا انا مش حأتفاجئ انا من ساعة ما شفتها وانا بتهزق عادي .
ضحك الصديقان بقوة ثم قال له وليد: طيب انا رايح احاول اتكلم مع شاهي .
فابتسم له قصي وقال: بس بلاش تدلق بدري، خليك تقيل، انا حأروح اتعشي .. سلام يا روميو .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شمس في قلبين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى